الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

مشروع النهضه.... د. عبد المنعم أبو الفتوح


بإطلالة سريعة على مشروعات النهضة والإصلاح التى كانت على مدار القرنين الماضيين فى المنطقة العربية فسنجد بوضوح شديد أن مشروع النهضة القائم على أسس إسلامية هو أقوى وأعمق من كل مشروعات الإصلاح التى قامت فى هذه الفترة.. لسببب بسيط للغاية وهو أنه استند على هوية الأمة والمكونات الأساسية لذاتيتها ولهذا حديث آخر.
  بدأ مشروع الإصلاح الإسلامى على يد جمال الدين الأفغانى أواخر القرن التاسع عشر بهدف استنهاض العقل المسلم والعربى وتحريره من موروثات سيئة سيطرت عليه من قرون سابقة طال فيها الركود والجمود.. هادفا بهذا الاستنهاض إلى مواجهة الهجمة الحضارية الغربية التى عتت وبغت وتكبرت على الإنسانية كلها مسلمين وغير مسلمين عربا وغير عرب.. ولخص الأفغانى مقصده فى هذا كله إلى.. إنهاض الدول الإسلامية من ضعفها، تنبيهها للقيام على شئونها، إلحاق الأمة بالأمم العزيزة، إلحاق الدولة بالدول القوية. وصال الأفغانى وجال فى مجال الإصلاح بكل ما أتاه الله من قدرة واستطاعة حتى توفاه الله سنة 1897م واستحق عن حق لقب موقظ الشرق.
وضمن المشروع نفسه وقف محمد عبده فارسا قويا على ثغرة الجانب الفكرى فيه بالدعوة إلى أمرين شديدى الأهمية:
تحرير الفكر من قيد التقليد، إصلاح أساليب اللغة العربية وتطوير مفرداتها.
وانضم إليه فى هذا الجانب تلميذه القريب رشيد رضا وعلى امتداد ما يقرب من أربعين عاما كانت المنار معبرة وناطقة بقوة عن هذا المشروع أسسه ومعالمه وملامحه الفكرية والدعوية مواجهة بكل قوة وتحدى من يبشرون بأن النهضة والخلاص لن يتحققا إلا عبر تبنى المشروع الغربى الحضارى بخيره وشره بصوابه وخطئه.. تلك الأفكار التى أحدثت بالفعل هزة ملحوظة فى الوعى العام للأمة.. وعلى قدر ما واجهت الأمة من تحديات ومخاطر عبر تاريخها الطويل إلا أن الأمر كان شديدا هذه المرة لأن الضربة كانت موجهة للعقل والمهاجمون هم منا.. لونهم لوننا وأسماؤهم أسماؤنا يتحركون بيننا وينطقون بلساننا. على أنه لم تكن هذه نهاية المسألة.. فقد كانت استجابة أبناء الأمة النجباء الأمناء لهذا التحدى سريعة وقوية وفاعلة ومتصدية.
ولأن الإسلام على مر التاريخ الطويل للأمة كان هو حصنها المنيع وملاذها الآمن حين تدلهم عليها الخطوب وتتكاثر عليها المحن وتشعر بتهديد حقيقى لوجودها.. فقد كان كذلك أيضا فى هذه المحنة وكان هو كلمة السر كما ذكر أحد علمائنا التى تتنادى بها الأمة وتتداعى إليها قلوب وعقول النخبة والجماهير فى آن واحد.. فكان تأسيس جمعية الشبان المسلمين على أيدى صفوة من علماء الإسلام بالقاهرة سنة 1927م
وفى العام الذى يليه ظهر أكبر تطور نوعى وكمى فى تاريخ مشروع الإصلاح عندما أدرك التلميذ النجيب للأفغانى وعبده ورضا حسن البنا أن تصاعد التحدى وحجم الاختراق الذى حدث فى الوعى العام للأمة.. يتطلب الانتقال بهذا المشروع من إطار النخبة والعلماء إلى الجماهير وعموم الناس وسعى بكل ما أتاه الله من قدرة واستطاعة إلى تكوين جسم لهذه النخبة.. وأتاه الله من التوفيق فى ذلك ما أتاه وكانت تلك أهم خطوة فى هذا المشروع.
ودارت دورة الأيام وتحركت عجلة التاريخ.. ووقعت أخطاء تجاوزها الزمن.. وغابت أشخاص افضت إلى ما قدمت من عمل وأجرها على الله وبرزت أشخاص توصل ما كان.. وتعاظم خطأ ما لا ينبغى أن يتعاظم.. وتضاءل خطأ ما لا ينبغى أن يتضاءل وفى ثنايا ذلك ظهرت تيارات فكرية تتخذ من الإسلام أساسا لها واختلفت بدرجة واضحة فى مضمونها ومكونها الفكرى عما يمثله مشروع الإصلاح الإسلامي الذى تمتد جذوره إلى قرنين من الزمان خلا فظهرت تيارات تخاطب الناس بالترهيب والذعر وما ينتظرهم يوم القيامة من عذاب مهين متغافلين عما يودعه الإسلام فى قلوب المسلمين من رضا وسكينة وقرب من الله وأنس بمعرفته.. وظهرت تيارات تحض على التشدد والتوسع فى إيجاب الموجبات والتضييق فى إباحة المباحات متصورين خطأ أنهم وصاة على الدين والناس ونسوا أن الوصول فى التشديد إلى الاقتراب من تحريم الحلال لا يقل إثما عن الوصول إلى تحليل الحرام والعياذ بالله وأن منهج الإسلام وشريعته قاما على التيسير والتخفيف ورفع الحرج والمشقة.
وظهرت تيارات اختلطت لديها مراتب الواجبات فى الدين لا يفرقون بين أساسيات العقيدة التى لا يكتمل بغيرها الإيمان وبين أمور فرعية تتصل من بعيد بهذه الأساسيات لا يفرقون فى نظرتهم للأمور بين المفروض والمندوب والمستحب ولا يعرفون ما هو المجمع عليه وما هو المختلف حوله.. مهملين دور العقل وأهمية العلم فى بناء المفهوم والتصور الإسلامى.. وظهرت تيارات ترفض التعايش مع الأنظمة والمجتمعات القائمة وتشن عليها حربا لا هوادة فيها وتخلع على أصحابها صفة الجاهلية والخروج على الإسلام، لأنها تحكم بغير ما أنزل الله وتقدم أبناءها طعمة للأنظمة المستبدة ونسوا أنهم بذلك لا يقيمون دينا ولا يبقون دينا.
وعلى الجانب الآخر ظهرت تيارات فكرية وثقافية ألزمت نفسها بما ألزم الغرب به نفسه فى العلاقة بالدين.وبقى المشروع الإصلاحي الذى يستلهم الدين ويستند إليه مرجعية ووهوية قائما وقويا وإن ازدادت معالمه وضوحا وتحديدا وازدادت معرفته بالواقع سعة وفهما.. وقدم إجابات واضحة ومحددة وقاطعة على أسئلة كثيرة استقبلها عدد قليل من إخواننا الليبراليين والقوميين بفهم وقبول وأحدثت نوعا من الارتياح لدى كثير من المثقفين قليلى الحظ من الثقافة الإسلامية بوجهها الدينى أو بوجهها الحضارى والمعرفى.. إلا أنه فى الإجمال العام تم التعامل معها بتجاهل خبيث وإهمال مريب.. كأنه يحتم علينا أن نظل طوال عمرنا نستقبل أسئلة عن طالبان والقاعدة والعنف المسلح والتكفير والمرأة والأقليات والديمقراطية..
وهذا مما يدعو للأسف الشديد حقيقة.. وكانت العربي قد نشرت لى ما اسماه بعض المتابعينبالمفهوم الإسلامى للإصلاح.. وقد تكون هناك مفاهيم أخرى للإصلاح ولا يعنى ذلك عند أهل العقل وسلامة الفهم أنها مفاهيم كافرة والعياذ بالله..
فى ايجاز شديد أذكر بها:
  • لا وجود على الإطلاق للعنف والاحتجاج المسلح فى وقت الدولة الوطنية وما سجله التاريخ كان وقت الاحتلال وصاحبه ما صاحبه من بعض الانحراف.
  • المواطنة هى أساس الوجود فى المجتمع
  • والنظام الديمقراطى النيابى هو أكثر النظم فاعلية للحفاظ على الحرية وعلى قوة مؤسسات المجتمع وعلى منع الاستئثار بالسلطة.
  • ليس هناك إسلام للمرأة وإسلام للرجل وأن الاثنين مطالبان بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى هو .. تعبئة الناس للتصحيح المستمر لأوضاعهم.
  • العدل الكامل فى توزيع الثروة والدخول وتنمية القدرات وتهيئة مناخ التشغيل الكامل وتحقيق تأمين اجتماعى فعال من خلال حكومة نشطة ذات قدرات فعالة بالتعاون مع قطاع خاص وأهلى يتمتع بالحيوية والإحساس الوافر بالمسئولية الاجتماعية.
  • يجب أن يتصل التعليم بمقتضيات الحاضر والمستقبل.. ويقوم على تنمية القدرات لا حشد المعلومات ويزود النشء بالقدرة على رجاحة الحكم وتربيتهم على معنى الاختلاف والتعدد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق