الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

الجزء الثاني من حوار المستشار/ طارق البشري

في 2 نوفمبر 2010 الساعة: 08:01 ص

في الجزء الثاني من حوارنا الثري مع المستشار/ طارق البشري نرحل فيها عبر الأيام والسنون لنغوص في أعماق التاريخ.. لنتعرف على أحد جوانب الثراء في شخصية ضيفنا العزيز.. وفي نفس الوقت نستخرج عبر هذا الغوص بعضاً من اللآليء المكنونة والمبثوثة في بحار التاريخ الواسعة والزاخرة.. فالتاريخ أشبه بمنجم للذهب وعلى من يرتاده أن يستخلص منه الذهب ويلفظ عنه الخبث.
في البداية استفسرنا من ضيفنا العزيز عن العلاقة بين اشتغاله بالقضاء وانشغاله بالتاريخ.
وسألناه: كيف بدأ شغفه بدراسة التاريخ والكتابة فيه؟
واستمعنا لتقييمه لأحداث وشخصيات عديدة في تاريخ مصر الحديث.. أغلبها مثير للجدل كسعد زغلول.. وقاسم أمين.. والإمام محمد عبده.. والشيخ حسن البنا.. والشيخ على عبد الرازق.. وجمال عبد الناصر.
ويلفت نظرنا في الحوار أكثر من أمر هام: -
الأول: إن المستشار طارق البشري مع علو كعبه في التاريخ دراسة وكتابة لم يتردد في القول:" ليس عندي فيها شيء".. عندما سألناه عن وفاة المشير عبد الحكيم عامر.. وهذا صنيع العلماء لا الدخلاء.. فأهل العلم يكثرون من قول الله أعلم.. والدخلاء يهرفون بما لا يعرفون.
الأمر الثاني: أهمية الالتزام بالمنهج التقييمي الموضوعي للقادة وللزعماء خاصة وللأشخاص عامة.. وهو ما حرص المستشار طارق البشري على تأكيده أكثر من مرة.. عندما تحدث عن سعد زغلول.. وطلعت حرب.. وجمال عبد الناصر.
وهو منهج يتسم بذكر الحسنات والسيئات والموازنة بينهما وهو منهج قرآني قرره قول المولى سبحانه وتعالي: "وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ".. وهو منهج سيخضع له كل الخلائق يوم الحساب.. عندما تعرض أعمالهم وتوزن بكفي ميزان أمام الرحمن جل وعلا.
الأمر الثالث: دعوة المستشار البشري إلي قبول الخير الذي يقدمه كل أحد للإسلام وللوطن حتى لو كان هناك اختلاف معه في جوانب أخري.. والاعتراف بالجزء الإيجابي من عطاءاتهم بدلاً من إغفاله أو إنكاره.. وهذا المنطق أدعي للتواصل وأقرب للعدل.. وأنفي للتقاطع والتدابر.
هذه بعض الثمار اليانعة التي اقتطفناها من حديقة المستشار طارق البشري العامرة والزاخرة.. ونترك القارئ العزيز يقتطف المزيد عبر سطور الحلقة الثانية من الحوار مع المستشار طارق البشري.

 
عصام دربالة: قد يستغرب البعض العلاقة بين اشتغالكم بالقضاء وانشغالكم بالتاريخ هل من تفسير؟
المستشار: الحقيقة أن عملي كقاضي كان يتطلب مني عند التصدي للحكم على أي واقعة قضائياً.. أن أقوم أولاً بالبحث عن الواقعة ومدي ثبوتها في كل المظان التي قد تساعد على ذلك.. ثم بعد ذلك أقوم بالبحث عن تكييف هذه الواقعة التي ثبتت لإنزال الحكم المناسب عليها.. وهو ما يتشابه معه عمل المؤرخ في البحث عن الواقعة التاريخية وتتبعها وتفسيرها وتكييفها قبل الحكم عليها.
عصام دربالة: كيف بدأت علاقتكم بالتاريخ؟
المستشار: في الحقيقة أنني كنت أطلع في مجالات عدة كنت أقرأ فيها.. ثم سرعان ما أجد نفسي غير راغبة في الاستمرار حتى وجدت نفسي راغبة في قراءة بعض الأمور المتعلقة بالتاريخ المصري الحديث.. عند ذلك عكفت على قراءة موسوعة المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي حتى انتهيت منها.. وعندها وجدت نفسي مقبلاً على المزيد من هذه الدراسة وأزداد شغفي بالتاريخ.. وهو ما دفعني إلي إحضار كتب تاريخية كثيرة عكفت على قراءتها حتى انتهيت منها.   
عصام دربالة: هل عندما اقتحمت عالم التاريخ هل كان لديكم برنامج أو خطة معينه لتلك الكتابة؟
المستشار: حقيقة لم يكن الأمر وفق خطة محدده للكتابة التاريخية.. ولكن كان يجذبني حدث معين وأرغب في معرفة أبعاده والغوص في أعماقه فأقرر دراسته وذلك مثل كتاب المسلمون والأقباط .. فقد ازداد اهتمامي بدراسة هذه القضية بشكل أكبر وأوسع بعد الأحداث التي وقعت سنة 1972 في مصر والتي أطلق عليها الفتنه الطائفية حين ذاك.
عصام دربالة: يشترط أكثر المؤرخين مرور فترة زمنية كافية بين لحظة وقوع الحدث ولحظة التأريخ له.. قدره بعضهم بثلاثين عاماً فهل هذا الشرط للكتابة التاريخية مازال قائماً في ظل إمكانية رصد الحدث عند وقوعه لحظة بلحظة عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة؟ 
المستشار: ما زال هذا الشرط صحيحاً من ناحيتين:-
الأولي: هناك بعض الأحداث لا تظهر وثائقها أو حقيقتها إلا بعد مرور فترة من وقوعه.
الثانية: إذا كان يمكن رصد الحدث عند وقوعه بما يمثل توثيقاً لما حدث فيجب الحذر إذا كان الراصد للحدث عند وقوعه مشاركاً فيه.. لأن الراصد قد يندمج في الحدث فيؤثر ذلك على دقة ما يرصده.
عصام دربالة: دراساتكم التاريخية لقضايا مختلفة في فترات زمنية مختلفة في تاريخ مصر الحديث والمعاصر تفتح شهيتنا للاستماع إلي خلاصة القول بشأن عددٍ من الشخصيات التاريخية.. وبعض الأحداث التاريخية التي مازال يكتنفها بعض الغموض إلي اليوم فلنبدأ من سعد زغلول؟
المستشار: سعد زغلول كان وطنياً بمعني أنه كان يسعي إلي تحرير الإرادة الوطنية من أن تظل رهينة لدي الدولة الحامية المستعمرة.. وهو إن لم يكن منتبهاً للجانب العقيدي الثقافي.. فإن مشكلتي كبلد لم تكن يوماً مع الوطني حتى لو كان علمانياً.
لكن مشكلتي كبلد دائماً كانت مع الهيمنة الخارجية فكل من قاومها كان سائراً على الطريق الصحيح.. ولذلك أنا أعتبر مثلاً طلعت حرب كان يسير في الطريق الصحيح.. لأنه عندما أسس بنك مصر أراد أن يقف في وجه البنوك الأجنبية ويصير منافساً لها ويقوم بدعم الصناعة المصرية وهذا خير (وده كله في السكة الصحيحة).
 فالبوصلة عندي هي الوطنية وتحرير الإرادة بكل إملاءاتها.. وكل واحد يقدم شيئاً صحيحاً فهو خير.
ويجب الانتباه إلي أن مشكلة الشقاق بين الوطنية والعلمانية لم تكن قد وصلت إلي هذه الدرجة التي نراها اليوم.. لأنه من أيام رفاعة الطهطاوي حتى عبد الرحمن الكواكبي عندما كان يتكلمون كانوا يتكلمون على أساس ثابت أن هذه الأرض أرض إسلامية.. أما الملك والخليفة فلهم عليه اعتراضات فموقفهم من النظام الثقافي الغربي كان واضحاً بخلاف العلمانيين اليوم الذين لهم مشكلة مع الشريعة.
 ولذا عند تقييمنا للشخصيات التي ظهرت في بداية القرن العشرين لابد أن نميز بين السؤال المطروح في أول القرن العشرين.. وهو سؤال الاستقلال.. والسؤال المطروح اليوم وهو المتعلق بغياب الشريعة.
ولذا فإن تقييمنا لكل ما يصدر عمن عاش في بداية القرن العشرين يجب أن نضع في الاعتبار البيئة التي صدر فيها.. وهل عندما نقرأ اليوم ما صدر عن رفاعة الطهطاوي يكون تقييمنا له كما لو كنا قرأناه في بداية القرن العشرين؟.. بالطبع لا.. لأن الخطاب عندما يصدر من شخص يكون في مواجهة مستمع له.
وأنا عندما أخاطبك قد لا أذكر بعض الأشياء لأنها من المسلمات بيني وبينك فلا أحتاج أن أذكرها لكن نتكلم عما يمكن أن يكون محلاً للحوار والخلاف.. فأحمد لطفي السيد.. وعبد العزيز فهمي.. يمكن تصنيفهم تقريباً بين صفوف المؤيدين للجامعة المصرية.. التي تريد الابتعاد عن الدولة العثمانية دولة الخلافة.
ومع ذلك عندما اجتمعوا في المؤتمر الذي عقد في سنة 1912 قرروا أن مصر دولة إسلامية.. وذلك هو نفس معني المادة رقم 2 في الدستور الحالي.. وهم أيضاً وافقوا على وضعها في دستور 23.
وكذلك تجد ما كتبه عبد العزيز فهمي من كتابات أو ما صدر عنه من أحكام متأثراً بالإسلام والفقه الإسلامي خاصة في أحكام النقض الأولي.. فسعد زغلول كان زعيماً وطنياً سياسياً وكان يعمل لاستقلال مصر.
أسامة حافظ: قبل أن نغادر سعد زغلول هناك غموض يكتنف بعض من مراحل حياته فمن المعروف أنه قبل ثورة 1919 كان صديقاً لللورد كرومر المعتمد البريطاني.. وهو الذي رتب له حفلة الوداع.. وهو عضو في صالون نازلي فاضل وصديقاً لشلتها.. وعلى مستوي حياته الشخصية كما حكي عن نفسه كان مولعاً بلعب القمار.. فكيف حدث هذا التحول الحاد بحيث يصير زعيماً لثورة 19 وداعياً للاستقلال؟
المستشار: هناك كتاب كتبه محمد كامل عن مذكرات سعد زغلول من جزأين مذكور به مثل هذه الأمور وسعد زغلول شخصية كانت تقبل أنصاف الحلول وأرباع الحلول وتسعي للإصلاح من الداخل.. وهو كان في الجمعية التشريعية ودافع عن مد امتياز قناة السويس.. ولكن كان وراء هذا الموقف قصة وهي أن رئيس الوزراء طلب منه الدفاع عن مد الامتياز في الجمعية التشريعية فوافق سعد زغلول وأشترط عليه شرطاً أن يصير رأي الجمعية التشريعية ملزماً.. فوافقوا على ذلك ودافع بالفعل عن مد الامتياز وتم رفض رأيه وصارت قرارات الجمعية التشريعية ملزمة .
وكذلك هو الذي قام باحتضان الشباب في ثورة 19 كمصطفي النحاس ومع عبد الرحمن فهمي تم تنظيم الجهاز الخاص بحزب الوفد.
أسامة حافظ: أنا لا أقول إنه كان عميلاً؟
المستشار: المقصود أن الظروف التي كان يعيشها كانت ظروفاً معقدة وعندما نحكم عليه بوصفه كان يسير في الاتجاه الوطني يمكن أن نعطيه لن نقول 90% ولكن 70% أو 60%.
عصام دربالة: إذا ما انتقلنا من سعد زغلول إلي قاسم أمين؟
المستشار: قاسم أمين حتى "كتاب تحرير المرأة لم يكن سيئاً".. ولكن عندما كتب كتاب "المرأة الجديدة" أخذ اتجاهاً أخر.. وفي تقديري أن قاسم أمين من الشخصيات التي يبالغ في دورها التنويري وباختصار قاسم أمين ليس صديقي.
أسامة حافظ: وماذا عن الشيخ محمد عبده؟
المستشار: الشيخ محمد عبده مر بأكثر من مرحلة.. فهو ترك مصر بعد الثورة العرابية بحوالي ثلاث سنوات..ومقولة أحمد أمين عنه صحيحة أنك يجب أن تفرق بين كتابات محمد عبده في مجلة العروة الوثقى وبين ما يكتبه خارجها.
وأما ما ينشر في العروة الوثقى فهو يعبر عن جمال الدين الأفغاني.. وما ينشر خارجها يعبر عن محمد عبده.. فأراء محمد عبده هي ما يكتبه بعيداً عن جمال الدين الأفغاني وليس معه فلا نقيمه بما كتب في العروة الو ثقي.
وهناك مقولة أخري ذكرها أحمد أمين عن محمد عبده أورد فيها "أن جمال الدين الأفغاني عندما كان في تركيا أرسل إلي محمد عبده عندما كان في مصر رسالة جاء فيها: كنت أحسبك فيلسوفاً وعالماً فوجدتك ألعوبة وهلوعاً أمام الموت فلا يستبد بك الخوف".
ولما عاد محمد عبده إلي مصر سنة 1889 وعاش فيها حتى وفاته سنة 1905 كان نفوذ الإنجليز في مصر في هذه الفترة قد بلغ القمة.. وفي هذه الفترة من الناحية السياسية كان محمد عبده يعمل مع الإنجليز ويخلص النصح للورد كرومر المعتمد البريطاني.. لدرجة أنه سئل:-
هل يجوز أن يتولي إنجليزي حكم مصر؟
قال: "مفيش مانع".. ولكنه من الناحية الفكرية كان رجلاً ذكياً وعالماً وفي السياسة سار على خطى سعد زغلول.. وفي الفكر سار على خطى محمد رشيد رضا.. ولسوء حظ محمد عبده أنه مات في 1905 مبكراً وربما لو طال به العمر لتغير.
أسامة حافظ: ما رأيكم فيما أشيع عن انتماء الشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني إلي الماسونية؟
المستشار: السؤال هل كانوا يعرفون عن الماسونية ما نعرفه اليوم عنها؟ فهما كانا ينظران إليها كتنظيم إنساني لأغراض الخير وأرادا أن يستغلاه من أجل قضيتهما.
أسامة حافظ: ما رأيكم في الشيخ محمد رشيد رضا؟
المستشار: رشيد رضا ربط بين السلفية والتجديد وأوضح أن السلفية لا تعني الجمود وهذا يكفي لبيان فضله.. وخطؤه وقوفه مع الثورة العرابية دون أن ينتبه إلي أن الإنجليز هم الذين كانوا يدعمون هذه الثورة ولكنه أدرك ذلك فيما بعد.
أسامة حافظ: ما رأيكم في الشيخ على عبد الرازق وما سبب احتفاء العلمانيين بكتابه الإسلام وأصول الحكم؟
المستشار: الشيخ على عبد الرازق كان أزهرياً وينتمي إلي حزب الأحرار الدستوريين وهو حزب كان يصادق الإنجليز.
وكتابه الإسلام وأصول الحكم من الناحية العلمية ضعيف وليس له مقومات البقاء.. ولكن العلمانيين وجدوها فرصة أن يصدر هذا الكتاب الذي ينادي بعدم وجود الخلافة الإسلامية من عالم أزهري في هذا التوقيت الذي أعلن فيه عن سقوط الخلافة في تركيا.
فالكتاب من الناحية الفقهية ضعيف لأن فكرته الأساسية تصطدم بالسنة بمعناها الأصولي التي تعني ما ثبت من أحكام عن النبي صلي الله عليه وسلم من خلال أقواله وأفعاله و تقريراته.. والنبي صلي الله عليه وسلم كان يحكم بين الناس ويقضي ويرسل الجيوش.. وكل هذه هي أعمال الحكم .. والصحابة من بعده عندما توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم أخروا الدفن حتى اختاروا خليفة له.
فالكتاب ضعيف فقهياً ولكن قوته عوامل سياسية.. الدكتور محمد عماره يقول إن الشيخ على عبد الرازق قد عدل في نهاية حياته عن هذا الكتاب وإن كان ابن أخيه ينفي ذلك.
محمد ياسين: وماذا عن الشيخ حسن البنا رحمه الله؟
المستشار: حسن البنا هو أحد رموز صناعة مصر الحديثة كعبد الناصر وسعد زغلول.
وهو طرح فكرتين أساسيتين:-
لأولي: جعل الإسلام في إطار حركي.
الثانية: طرح فكرة شمولية الإسلام.
أسامة حافظ: وماذا عن جمال عبد الناصر؟
المستشار: قد كتبت كتاباً بينت فيه رأيي في جمال عبد الناصر وفي تقديري أن الحركات السياسية في مصر منذ بداية القرن العشرين يمكن تصويرها على أساس وجود شجرتين:-
الشجرة الأولي: تمثل العلمانية الوطنية.. ومنها أعضاء حزب الأمة وحزب الوفد وبعض الاشتراكيين الذين حافظوا على وطنيتهم واستقلالهم بعيداً عن أي اتجاهات خارجية
الشجرة الثانية: فيها أصحاب الاتجاه الإسلامي.. مثل الحزب الوطني كمصطفي كامل ومحمد فريد وستجد فيها جماعة مصر الفتاة والإخوان المسلمين وأغلب الضباط الأحرار.. وعبد الناصر نشأ في ظل هذه البيئة .
كان الإسلام أحد العناصر في فكر الضباط الأحرار ولكنهم كانوا يهتمون أولاً وأخيراً بقضية الاستقلال.
وبعد أن قامت الثورة استطاع عبد الناصر أن يحقق استقلالاً سياسياً قوياً ويبني اقتصاداً مستقلاً ولم يكن على عداء مع الإسلام.. ولكن خلافه كان خلافاً سياسياً مع الحركة الإسلامية.. لأن ثورة 23 يوليو عندما قامت ألغت جميع الأحزاب وأبقت جماعة الإخوان دون أن تحل.
ولكن بدأ الصراع بعد ذلك عندما أحس عبد الناصر بمنافسة الإخوان له كقوة لها قدرة على تحريك الجماهير ووجود مؤثر.. ولذا إذا أردنا أن نحاسب عبد الناصر فإننا لن نحاسبه على إلغائه لهذه الأحزاب المنتمية لما يسمي بالعهد البائد قبل الثورة.. ولكننا نحاسبه على ما فعله مع التيارات التي كانت تتبني ذات المطالب التي يدعوا لها وهذه التيارات تحديداً هي: الإخوان المسلمون ومصر الفتاه والحزب الوطني.
وأمر آخر أود أن أذكره أن عبد الناصر لا شك في أنه حقق استقلالاً سياسياً.. ولكنه لم يستطع أن يحقق وجود المؤسسات التي تنظم عمل الدولة وتحافظ على الاستقلال على المدى الطويل .
محمد ياسين: بالمناسبة ما رأيكم في الاتهام الموجه إلي جماعة الإخوان بتدبير محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في المنشية 1954؟
المستشار: في أحدي جلسات محكمة الثورة الخاصة بهذه الحادثة..
قال إبراهيم الطيب أحد المتهمين الرئيسين : أن هناك قراراً قد أتخذ بهذا الخصوص ولكن لم يوضع موضع التنفيذ وعندما عرض عليه المسدس الذي استخدم في العملية أنكر معرفته به فهذا قد يعني أن هناك اختراقاً أو شيئاً ما قد حدث في دائرة المنفذين لهذه المسالة.
ووجهة نظري هذه مبنية على قراءات قرأتها منذ ثلاثين عاماً فربما تحتاج إلي تدقيق. 
عصام دربالة: ما رأيكم في الرواية التي ذكرت أن هناك بالفعل مجموعة من الإخوان كلفت باغتيال جمال عبد الناصر في المنشية ولكن تم السيطرة عليها من قبل المخابرات المصرية.. وأوهموهم باستمرار العملية ثم تم توظيف هذه العملية بصورة تعطي المبرر شعبياً للتنكيل بالإخوان؟
المستشار: لا أدري ولكن ما ذكرته هو المستقر لدي منذ قراءاتي السابقة في هذه المسألة.
عصام دربالة: قبل أن نغادر الحديث عن جمال عبد الناصر نريد تفسيراً عن تحوله إلي الارتباط بالاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية رغم أنه بعد بداية الثورة سعي للاتصال بأميركا وحاول الحصول منها على بعض الاحتياجات العسكرية للجيش المصري؟
المستشار: عبد الناصر كان يسعي للاستقلال وكان يتحرك بمنطق التجربة والخطأ من اتجاه وطني ليس أكثر.
عصام دربالة: عندما رفض جمال عبد الناصر الدخول في الحلف الإسلامي الذي كانت تروج له أميركا في الخمسينيات سارت الأمور في الاتجاه الذي نعرفه جميعاً والذي انتهي بنكسة 1967….
السؤال لو أن عبد الناصر كان قد وافق على الانضمام للحزب الإسلامي هل كانت ستتغير الأمور سواء على مستوي الداخل المصري أو على مستوي مشكلة فلسطين؟
المستشار: لا أعتقد أن الأمر كان سيختلف كثيراً عما حدث.. وهذه الفكرة قد طبقها السادات بالفعل عندما أعلن ذهابه إلي القدس قبل ذلك.. وحاول خطب ود أميركا انطلاقاً من أن انحياز أميركا لإسرائيل سببه عدم وجود طرف عربي يمكن لأميركا أن تعول عليه.
والآن بعد ثلاثين سنة من هذه الرحلة نجد أن الانحياز الأميركي كما هو ونحن قد رأينا علاقات أميركا خلال السنوات الطويلة الماضية قد تتبدل وتتغير مع الاتحاد السوفيتي أو الصين لكنها لم تتغير أبداً مع إسرائيل.
أسامة حافظ: وفاة المشير عبد الحكيم عامر هل كانت انتحاراً أم قتلاً؟
المستشار: ليس عندي فيها أي شيء.
أسامة حافظ: حريق القاهرة في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي من ورائه؟
المستشار: هناك كتاب للصحفي كمال الشرقاوي الخاص بهذا الأمر فيمكن الرجوع إليه.
وعند هذه القضية آثرنا الانتقال إلي الحديقة الثانية من حدائق المستشار اليانعة وهي حديقة القضاء.. والتي ستكون محوراً للجزء الثالث من هذا الحوار الثري مع الحكيم البشري ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق