الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

خليل العنانى : محاولة لدراسة الإخوان المسلمين


وقفة وشهادة وشوية حاجات:
بدأت دراستي لجماعة "الإخوان المسلمين" عام ٢٠٠٤ وذلك باعتبارها جزء من اهتمامي الأوسع بدراسة العلاقة بين الدين والمجتمع (أو ما يطلق عليه في الغرب بسوسيولوجيا الدين) وهو اقتراب يحاول دراسة السلوك الاجتماعي للحركات الدينية وموضعتها ضمن أطرها الاجتماعية والسياسية والثقافية وبحيث يتم التعامل معها باعتبارها ظاهرة اجتماعية "طبيعية" وليست ظاهرة "وجودية" مفصولة عن واقعها.

وكنت قد بنيت تصوراتي عن الجماعة من الإعلام مثل كثيرين ولكن عندما بدأت دراستي لهم قررت ألا أسبح مع التيار وأن أحاول جاهداً فهم هذه الجماعة بشكل يتجاوز الإطار الصحفي أو الإعلامي السطحي وفي نفس الوقت لا يتبني تحيزات مسبقة سواء سلباً أو إيجاباً.
وكانت أولي المفاجآت عندما لم أجد فى المكتبة المصرية أو العربية أو الغربية كتب ذات قيمة منهجية وعلمية عن هذه الجماعة. وهي مفارقة صارخة أثارت لدي تساؤلات عديدة فمعظم ما كُتب عن الجماعة إما كان مدحاً (وهنا تبرز معظم كتابات قيادات الجماعة التاريخية بدءاً من مجموعة محمود عبد الحليم "أحداث صنعت التاريخ وانتهاء بكتابات جمعة أمين وطبعاً كراسات أو كبسولات الحاج مصطفي مشهور وكتابات إخوان الشام مثل سعيد حوي وفتحي يكن) وإما قدحاً (والقائمة هنا تطول بدءاً من كتابات رفعت السعيد مرورا بعبد العظيم رمضان وكذلك مرورا بتلفيقات صحفيي مبارك مثل عادل حمودة وعبد الله كمال ناهيك عن افتكاسات عبرحيم علي وترهاته).
طبعا هذا لا ينكر وجود كتابات رصينة ولكنها قليلة منها كتابات الراحل حسام تمام الذي كان يسبق الجميع دائما بخطوة فى فهم الجماعة وتعقيداتها والباحث الجاد قليل الظهور والكلام علاء النادي، فضلا عن كتابات باحثين غربيين محترمين مثل ناثان براون وكاري روفزيسكي ويكام، طبعا دون أن أنسي الكتاب المؤسس لريتشار ميتشل الذي نشر عام ١٩٦٩ وترجمته القديرة مني أنيس ونشره "مدبولي" عام ١٩٧٧.

كان المطلوب هو محاولة فهم الإخوان كما هم وليس كما يُقال أو يُشاع عنهم. وابتدا المشوار.
أمضيت الفترة من مارس ٢٠٠٤ (كانت مبادرة الإصلاح التي أطلقها مهدي عاكف المرشد السابق في نقابة الصحفيين أول ما جذب انتباهي للجماعة حيث كانت المبادرة بمقاييس تلك الفترة نقطة تحول وحصيلة حراك فكري وإيديولوجي داخل الجماعة بدأ عام ١٩٩٤) وحتي منتصف ٢٠٠٧ أتابع السلوك السياسي والفكري للجماعة وبدأت في تجميع المادة اللازمة لكتابي الأول عن الجماعة الذي أمضيت فيه حوالي ٣ سنوات (خلال تلك الفترة بدأت البذور الحقيقية لثورة ٢٥ يناير مع تأسيس حركة كفاية واقترتب وقتها من معظم رموز الحراك السياسي والانتليجنسي في مصر وشجعني علي ذلك رئاستي لقسم الرأي بجريدة المصري اليوم التي كانت بمثابة منبر من لا منبر له وكانت تعبر عن كافة أطياف النخبة المصرية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار). 

كانت إحدي الأفكار الرئيسية فى الكتاب هو محاولة فهم الماكينة الداخلية للتنظيم الإخواني ومعرفة الفوارق الجيلية والأوزان التنظيمية والفكرية لكل فصيل. كذلك محاولة استكشاف شباب الإخوان والذين أسميتهم فى أحد فصول الكتاب "إخوان القواعد" وقد قابلت كثيراً من شباب الحركة (من الطريف أن معظم من قابلتهم من الشباب قد تركوا الجماعة ومن لم يترك بدأ فى إعادة التفكير في كثير من المسلمات وقام بتجميد نفسه حركياً (آلية إخوانية تعبر عن الضجر والرفض الجزئي لما هو قائم) لذا فقد تم التنويه على الشباب بعدم مقابلتي أو قراءة مقالاتي أو شراء كتابي الذي صدر لاحقاً باعتباري من المحرّضين ضد الجماعة).

وكنت محظوظا أنا قابلت مجموعة شباب الأزهر الذين قاموا بالعرض الرياضي في ديسمبر ٢٠٠٦ والتي سماها الاعلام "ميليشيات الأزهر" وقد وثقّت هذه الحادثة فى كتابي (هذا الفصل بالتحديد استعان بها وحيد حامد فى مسلسله عن الجماعة بغض النظر عن توظيفه السياسي). وقد خرج الكتاب للنور في ديسمبر ٢٠٠٧ تحت عنوان "الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن؟) عن دار الشروق الدولية، وقد لاقي الكتاب استحساناً لا بأس به من المهتمين فى مصر وبعض الباحثين الغربيين في حين رفضته معظم قيادات الجماعة آنذاك. وقد علمت أن الدكتور محمد مرسي الذي كان مسؤولا عن المكتب السياسي للجماعة آنذاك قد نبّه على شباب الجماعة بعدم قراءة الكتاب أو شراءه حسبما سمعت من بعضهم لأنه (أي الكتاب) يهدف "للوقيعة بين القيادات والشباب" حسب تعبيره. 

كان الكتاب بمثابة نقطة صغيرة في محاولتي لفهم الإخوان كحركة اجتماعية معقدة، وخطوة أولي لفهم تأثير الحركات الاجتماعية الدينية على البنية الفكرية والثقافية والسياسية للمجتمع. أهديت الكتاب وقتها لأربعة من رموز العمل الوطني والفكري في مصر خلال نصف قرن الأخير (علي الأقل من وجهة نظري) هم: جمال حمدان وأحمد عبد الله رزه ومحمد السيد سعيد وطارق البشري والذين أدين لهم جميعا بفضل التعلم سواء بقراءة كتاباتهم كما هي الحال مع الأول والأخير أو بالاحتكاك المباشر كما هي الحال مع الثاني والثالث الذي أثني على الكتاب ورآه بمثابة رسالة دكتوراه رصينة وليس مجرد كتاب مثل غيره.

كان الكتاب بمثابة بداية الخيط لفهم الإخوان بشكل أكاديمي بحت بعيداً عن أية تحيزات مسبقة، وهو ما بدا أكثر إغراء لعمل رسالتي فى الدكتوراة عن نفس الموضوع ولكن مع الحفر بشكل أكثر هدوءاً ومنهجية وقد كان، فقد أمضيت السنوات من ٢٠٠٨-٢٠١٢ أحاول فك لوغاريتمات هذا التنظيم العتيق بهدف توفير مادة علمية أصلية Original لمن قد يأتي بعدي ويستكمل الطريق. وقد ركزت هذه المرة على محاولة "تفكيك الهوية الإخوانية فى النسق اليومي" وذلك للإجابة على سؤال مركزي: ماذا يعني أن تكون إخوانياً؟ سواء بما يعنيه ذلك من رؤية انطولوجية للعالم من جهة، أو كشخص ضمن حركة اجتماعية متشعبة وواسعة من جهة أخرى، أو كفاعل سلوك سياسي من جهة ثالثة، وقد كان وحصلت على الدكتوراه بفضل الله والآن فى طور تحويل الرسالة إلى كتاب أسأل الله أن يصدر قريباً.

ما سبق كان مجرد مقدمة (أيوة مقدمة ومتزهقشي علشان أنا شايفك  ) كي أقول ما يلي:
١- أزعم أن ثمة مشكلة كبيرة لدي الكثيرين (خاصة الباحثين) فى فهم جماعة الإخوان بشكل موضوعي دون تعصب أو تحيز وهذه المشكلة يُسأل عنها الإخوان بنفس قدر مسؤولية الأطراف الأخري وفي مقدمتهم نظام مبارك اللعين الذي استخدم الجماعة كأداة لاحتجاز التحول الديمقراطي في مصر، وتُسأل عنها النخبة المتهافتة التي كانت ولا تزال تخاف من القوة التنظيمية للإخوان، ويُسأل عنها قيادات الإخوان التي فشلت فى "التطبيع النفسي" مع الأخرين في مرحلة ما بعد ثورة ٢٥ يناير. 

٢- كثير من الأفكار التي تلوكها الألسنة عن الجماعة مثل (الخلافة، والعنف، وعدم الوطنية، والميليشيات.. إلخ) إما خرافات (أيوة خرافات ولا يوجد دليل واحد متماسك عليها)، وإما فزاعات يجري استخدامها من خصومهم السياسيين. وأنا على أتم الاستعداد لدحض هذه الخرافات خرافة خرافة بشرط أن يكون الحوار أكاديمي وبحثي بحت.

٣- مشكلة الإخوان العويصة تكمن فيما يلي: 
  • تنظيم بيروقراطي ضخم ومتكلس وتهمين عليه قيادات جد محافظة تسيطر عليه ثقافة أبوية (ريفية كما سماها الراحل حسام تمام) ونمط قيمي لم يعد صالحاً لهذا العصر وفي حاجة لتغييره جذرياً.
  • نمط للتنشئة والتربية الذاتية يكرس مفهوم التبعية وتسحق الذات الفردية وتمنع وجود العقل النقدي.
  • جمود وتكلس فكري وغياب شبه تام للإبداع والتجديد الفكري والثقافي.
  • انشغال مبالغ فيه بهاجس البقاء الذي يصبح أحيانا هدف بحد ذاته دون النظر لما هو أبعد (هنا لا يمكن إغفال التأثير الكبير للقمع والمعاملة السيئة لأعضاء الجماعة تحت مبارك والتي وصلت إلى اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية بشكل غير رسمي أو مكتوب).
وقد ظهرت آثار هذه العوامل في مرحلة ما بعد الثورة التي فقدت فيها الجماعة توازنها وقدرتها على مواكبة البيئة المتغيرة السريعة وأصابها الكثير من التخبط حتي وصل الأمر لما آلت إليه الأمور (بالنسبة لي أن الانقلاب كان يمكن تفاديه أو على الأقل تأخيره ورفع تكلفته لمن قام به بقدر من الحكمة والوعي والذكاء السياسي).

وأذكر أنني لخصت مشكلة الإخوان فى مرحلة ما بعد الثورة فى عبارة موجزة هي أنهم "إصلاحيون فى زمن ثوري، إقصائيون في زمن تعددي، وسلطويون فى زمن ديمقراطي".

كل اللي فات كوم وتقولي الإخوان "جماعة إرهابية" كوم تاني وهأقولك "من تسلم له عقلك اليوم سوف يسحقك غداً"

السؤال الآن هو:
كيف يمكن التعامل مع جماعة بمثل هذا التشابك والتعقيد؟ وهل يكون القمع والاستئصال هو الحل الوحيد؟
وإجابتي القاطعة هي: لا.
ليس فقط لأن هذا ليس خياراً أخلاقياً أو أن تطبيقه قد يصل إلى درجة المستحيل، وإنما أيضا لأن تغيير البشر لا يتم عبر قتلهم وسحلهم وتعذيبهم وإنما بتغيير عقولهم ونمط تفكيرهم وهو ما لا يحدث بين عشية وضحاها. 

والله الموفق وهو يهدي السبيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق