الخميس، 31 مارس 2011

رسائل للمجلس العسكرى….. معتز بالله عبد الفتاح

أزعم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يواجه مأزق تواصل مع الشباب الثائر رغما عما تم إنجازه حتى الآن. ولو كان لى أن أتخيل طريقة أخرى يعبر بها المجلس العسكرى عن نفسه، لخرجوا علينا قائلين:

أولا: إن تأمين حدود مصر الخارجية فى منطقة بطبيعتها مضطربة وتمر الآن بظروف استثنائية تجعلنا نضع هذه القضية على قمة أولوياتنا. 
ثانيا: إن التراجع فى معدلات الجرائم الناتجة عن الانفلات الأمنى (رغما عن بشاعة بعضها) مؤشر إيجابى، فبعد أن كانت الصحف ترصد جرائم تقدر بالعشرات يوميا، أصبحت تقدر بالآحاد، بما يعنى أن عودة الأمن للشارع يتم ببطء ولكن بثبات. وهو هدف من أهدافنا.


ثالثا: إن قيادات المؤسسات الإعلامية والتعليمية التى كانت متورطة فى الدفاع عن النظام السابق قيد التغيير خلال أيام معدودة بأشخاص لم يكن لهم ارتباط مباشر بفساد أو استبداد أو محسوبين على النظام السابق. مع الإعلان الواضح والصريح عن مرتبات المراكز التى سيشغلونها كمبدأ عام ستتبناه الدولة المصرية بالإعلان الواضح والصريح عن المزايا المالية للمناصب العليا فى كل مؤسسة حكومية كما جرت بذلك قواعد الحكم الرشيد التى أقرتها مؤتمرات الأمم المتحدة المعنية بهذا الأمر.

رابعا: إن ملف التحول الديمقراطى والانتخابات التشريعية والرئاسية له أولوية عالية وأن الإعلان الدستورى وما يرتبط به من قوانين مكملة سيكون هو الجسر الذى ينقلنا إلى انتخابات حرة نزيهة على نحو غير مسبوق فى الحياة السياسية المصرية بعد الثورة كى تتسلم حكومة مدنية ديمقراطية شئون البلاد.

خامسا: إلى الشباب الثائر والخائف من إجهاض وإجهاد الثورة بسبب التباطؤ (والذى صوره البعض أنه تواطؤ)، عليهم أن يعلموا أن القوات المسلحة اتخذت قرارا استراتيجيا بتبنى مطالب الثورة؛ ولكن الملفات المتعددة التى تتعامل معها القوات المسلحة هى ملفات جديدة علينا ونحن نتعامل معها بكل روية، لأن الخطأ قد يكون كارثيا بعد أن انهارت جميع مؤسسات الدولة الأخرى.

سادسا، إن ملف محاسبة الفاسدين متروك للنائب العام والقضاء مع التزامنا ببقاء المسئولين المصريين السابقين على أرض مصر (مع ملاحقة أموالهم فى الداخل والخارج) حتى يمكن التأكد من سلوكهم وتحركاتهم بعد الثورة ومحاسبتهم. ولا مجال إطلاقا للاعتقاد بأن هناك شخصا فى مصر فوق القانون سواء كان الرئيس مبارك أو أى من مساعديه الذين يخرجون على أجهزة الإعلام ليستفزوا الرأى العام. هؤلاء سيخضعون لحكم القانون، وعلى كل مواطن يملك تجاههم أى أدلة تثبت تورطهم فى جرائم سياسية أو مالية أو استغلال نفوذ أن يتقدم بها للنائب العام، ولا حصانة لأحد تجعله فوق القانون.

سابعا، من حق شباب الثورة أن يخرج فى يوم الجمعة ليعبر عن انزعاجه من التباطؤ فى بعض الملفات، ولكن عليه كذلك أن يتذكر ما تم إنجازه حتى الآن، وأن يبلغنا مطالبه باللياقة الواجبة بين شعب وجيش كانا فى الثورة وسيظلان بعدها «إيد واحدة،» وسيكون لكم منا كل الاحترام. 

الأربعاء، 30 مارس 2011

العثماني: مدنية الدولة لا يخرجها الاستناد إلى المرجعية الإسلامية


 
رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي في حواره
 
العثماني: مدنية الدولة لا يخرجها الاستناد إلى المرجعية الإسلامية
أجرى الحوار
حسن الأشرف - المغرب
 
يرى الدكتور سعد الدين العثماني، القيادي الإسلامي المغربي المعروف، أن الاجتهادات السياسية للعلماء أو للقادة الإسلاميين ليست معصومة حتى تتماهى مع الإسلام، لكونها ترتبط بظروفهم وتجاربهم الخاصة رغم أنها مكمن للفائدة والعبرة.
 
وأكد رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي في حوار خص به موقع إسلام أون لاين.نت على ضرورة الاجتهاد والتجديد في حياة المسلمين الفكرية والعملية، لكونه يمنحهم القدرة على العيش في عمق عصرهم وفق مرجعيتهم الدينية.
 
وقال مؤلف كتابي: "تصرفات الرسول بالإمامة" و"الدين والسياسة تمييز لا فصل" إنالتجديد يرتكز أساساً على تكيف فهوم البشر للوحي مع معطيات التقدم البشري والحضارة الإنسانية، مردفا أن المسلمين يعيشون حاليا تخلفا فكريا وحضاريا كبيرين، وهو تخلف حتى عن بعض ما كتبه أجدادنا وما توصلوا إليه من سياقات وأنساق فكرية وحضارية.
 
وبعد أن أعرب المتحدث عن كونه لا يحبذ مفاهيم الإسلام العلماني أو العلمانية الإسلامية، شدد على أن مفهوم العلمانية نشأ من أساسه في بيئة حضارية مغايرة للبيئة والثقافة الإسلاميتين وبالتالي لا معنى لاستنساخه في بيئتنا.
 
وأوضح العثماني في الحوار على أن النموذج الغربي بتوجهاته النظرية والمؤسساتية ليس للنسخ والتبني وإنما للاستفادة والمقارنة، مبرزا من جهة أخرى أن مدنية الدولة لا يخرجها عن الاستناد إلى المرجعية الإسلامية وعن الاهتداء بهدي الدين..
 
نص الحوار:
 
الشرعية والديمقراطية
  
* في كتابكم "الدين والسياسة تمييز لا فصل"، اعتبرتم أن انتقادات اجتهادات قادة إسلاميين ليس بالضرورة نقدا للإسلام..هل هي دعوة مباشرة منكم لتجديد ما يسمى بالفقه السياسي؟
 
لا يمكن أن يكون الفكر البشري أيا كان، مساويا للوحي الإلهي، ومعبرا عن الحقيقة المطلقة. فهذا ينافي طبيعة البشر. ولذلك فإن الاجتهادات السياسية للعلماء أو القادة إنما ترتبط بظروفهم أو بسياقات تجاربهم أو بزاوية نظرهم أو بغيرها من العوامل. وعلى الرغم من أنها مجال إفادة وعبرة، إلا أنها ليست معصومة حتى تتماهى مع الإسلام. وبقدر حيوية الاجتهاد والتجديد في حياة المسلمين الفكرية والعملية بقدر ما يكونون أقدر على أن يعيشوا في عمق العصر بدينهم ووفق مرجعيته.
 
 * برأيكم هل يمكن قياس فكرة الدولة الإسلامية على فكرة الدولة الديمقراطية الحديثة من خلال مبدأي الشرعية والشورى؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟
 
* أعتقد أن التعبير غير دقيق، فلسنا محتاجين إلى هذا النوع من القياس. الأولى: أن يقال أن مبادئ الدين وفلسفته السياسية والمجتمعية يمكن أن تنسجم معها التوجهات الديمقراطية. فالتجديد يقوم في أساسه على تكيف فهوم البشر للوحي مع معطيات التقدم البشري ومعطيات الحضارة الإنسانية. وهذه الديناميكية المستمرة والتفاعل المتواصل هما وقود حياة المسلمين ليكونوا فاعلين في التاريخ. فالفاعلية لا تكون بالجمود أو بالتقليد.
 
وأعتقد أن مسمى الدولة الإسلامية غير دقيق في إطار المفاهيم السائدة، وأظن أن الأولى الحديث عن الدولة في الإسلام وعن سماتها العامة ومقاصدها والتزاماتها. ولا شك أن للدين توجهات وأحكاما في قضيتي الشرعية وطبيعة علاقة الحاكم بالمحكوم، لكن ليس دقيقا القول بأنها من الدقة بحيث تشكل نظاما متكاملا. والأرجح أن يقال إن هناك توجهات ومبادئ يطلب من البشر الاجتهاد في إطارها وإبداع أوفق السبل لتنزيلها.
فإذا أخذنا مثال الشورى، فإننا لا نجد لها في الشرع كيفيات محددة ولا وسائل تطبيقية مضبوطة، بل هو مبدأ عام، يطلب منا تنزيله حسب ما نقدر أنه الأصلح لنا، وحسب ما يتراضى عليه أبناء المجتمع، وحسب ما تنتهي إليه التجربة الإنسانية، وهنا نلتقي بالديمقراطية وتطبيقاتها.
 
 * تتحدثون دوما في أطروحاتكم الفكرية عن ما تسمونه مدنية الدولة الإسلامية.. برأيكم ما شروط تشكل مدنية الدولة الإسلامية؟
 
* عندما قسم العلماء مجالات عمل الإنسان إلى مجال تعبدي ومجال عادي، فهم في الحقيقة نظروا للطابع المدني لجزء من تصرفات المسلم، على الرغم من كون هذه التصرفات مشمولة بهدي الدين من حيث العموم.
 
فمثلا يقول تقي الدين ابن تيمية إن "تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم". ثم يؤكد أنه باستقراء أصول الشريعة نعلم أن "العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالتشريع. أما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر". إنه عندما يؤصل هذه القاعدة الجوهرية التي توسع فيها أيضا أبو إسحاق الشاطبي في كتابه القيم "الاعتصام"، فهو يقرر في الحقيقة مدنية الجزء الأكبر من حركة المسلم في الحياة، مما ليس "عبادات يصلح بها دينه".
 
والعمل السياسي بمختلف أنواعه ينطبق عليه ذلك بامتياز. ولذلك تقرر اليوم أن الدولة في الإسلام دولة مدنية، بمعنى أن قراراتها بشرية اجتهادية، وليست من جنس الأعمال التعبدية التي الأصل فيها التوقيف، بل الأصل في التصرفات السياسية الإباحة والسماح.
 
مدنية الدولة
 
 * يرى البعض أن تأصيلكم لمدنية الدولة الإسلامية ما هو إلا دعوة مبطنة إلى التمييز بين الدين والدولة إلى حد الفصل بينهما، أو بمعنى العلمانية بثوب إسلامي جذاب؟.. ما ردكم؟
 
أولا هذا الطرح ليس جديدا ولكنه قديم قدم الفكر الإسلامي، ومن الطبيعي أن يكون التقبل له قليلا أو محدودا لأننا نعيش حالة تخلف فكري وحضاري شديد، حتى إننا متخلفون عن بعض ما كتبه أجدادنا وما توصلوا إليه من سياقات وأنساق فكرية وحضارية. وبالتالي فإن قضية التمييز بين ما هو ديني وما هو دنيوي وارد في أحاديث ونصوص نبوية، فعندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تأبير النخل الذي رواه مسلم: "إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر"، وعندما يقول في حديث آخر:"إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإليّ"، فإنه يقوم بعملية تمييز واضحة.
 
وعندما يقول الصحابي الخباب بن المنذر للرسول صلى الله عليه وسلم: "أهو منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة"، فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، فإنه يقوم بعملية تمييز أيضا بين مستويين من الممارسات: تلك المبنية على الوحي، والتي تطاع تدينا، وتلك المبنية على الاجتهاد البشري، والتي يمكن أن تناقش وتراجع، وهي المصطلح عليها اليوم بأنها مدنية.
 
والشواهد كثيرة في التمييز بين القرار السياسي ذي الطابع المدني وبين الأمر الديني، وقد قام الأصولي الفذ شهاب الدين القرافي بالتمييز في وضوح منهجي بين تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه نبيا مبلغا وبوصفه مفتيا وبوصفه قاضيا وبوصفه إماما رئيسا للدولة. وكتب في ذلك مؤلفه الخاص "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام".
 
لكن من الضروري التأكيد على أن القول بمدنية الدولة لا يخرجها عن الاستناد إلى المرجعية الإسلامية وعن الاهتداء بهدي الدين. فعندما قال ابن تيمية في النص السابق بأن تصرفات الناس نوعان: "عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم"، فهو يميز بين المستويين، ولا حرج في ذلك. وهذا غير الفصل بين الدين والدولة في المنظور العلماني اللائكي الذي يريد أن يمضي بالعمل السياسي بعيدا عن هدي الدين وتوجيهه، وأحيانا يمارسه بما يناقضه.
 
وهنا أشير إلى أن استعمال الدين مقابل الدنيا هو معنى معين وخاص، استُعمل في الكثير من النصوص الشرعية ومن كلام العلماء من قديم، لكن هناك معنى آخر يجعل كل عمل المسلم ولو في أمور الدنيا الاجتهادية دينا إذا اتقى الله فيها؛ وهذا معنى عام ورد أيضا في بعض النصوص، لكنه ليس هو المقصود هنا.
 
 * بصراحة..هل يمكن الحديث عن علمانية إسلامية أو إسلام علماني؟.. أين يمكن أن توجد مثل هذه الأشكال على أرض الواقع وفي العالم الحديث؟
 
أنا لا أحبذ ذلك، فالألفاظ لها حمولات حضارية وثقافية، واستعمالها في غير سياقاتها مثير للاضطراب والارتباك. كما أن مصطلح العلمانية لفظ مجمل يحمل أكثر من دلالة، وقد تختلف تلك الدلالة من توجه إلى آخر، ومن مدرسة ثقافية أو سياسية لأخرى، وأحيانا من شخص لآخر. لذلك فمن الواجب التبين في المدلول الذي يعنيه به كل متحدث.
 
وأشير هنا إلى أن الحديث عن النموذج الغربي وتوجهاته النظرية أو أشكاله المؤسساتية، إنما هو للتدبر والاستفادة والمقارنة، وليس للنسخ والتبني. إذ من المعروف أنه ليس هُناك أي تجربة وأي حضارة تبني مشروعها عن طريق نسخ تجربة أخرى، بل هي مدعوة لتبنيه على دينها ومبادئها الخاصة وسياقها التاريخي. ومفهوم العلمانية من أساسه نشأ في بيئة حضارية مغايرة لبيئتنا وثقافتنا، ولا معنى لاستنساخه.
   
الإسلام وأصول الحكم
  
* يقول بعض الذين انتقدوا طروحاتك الأخيرة أن دعواتك للتمايز بين الديني والسياسي سببه تأثرك بما جاء في الكتاب الشهير.. الإسلام وأصول الحكم.. لصاحبه الشيخ علي عبد الرازق..؟
 
* لم يتيسر لي أن أقرأ الكتاب من قبل، ولكني طالعت مؤخرا بعض الفقرات منه. وبالتالي فالحديث عن التأثر به غير ذي موضوع. أظن أن التأثر كان أكثر بالقرافي في كتاباته المختلفة ومن تبعه من الأصوليين. وأكثر من ذلك فإن ما طرحته مناقض تماما لما طرحه علي عبد الرازق، فهو يقول إن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت روحية خالصة، ولم يمارس العمل السياسي، وأن عمله "لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان".
 
وأطروحتنا تقوم على العكس من ذلك، على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قائدا سياسيا، "إماما" حسب مصطلح القرافي، لكن تصرفاته وقراراته بهذه الصفة اجتهادية بشرية وليست عن وحي، وأنها "دنيوية" لا "دينية" بمفهوم الدين الذي رأيناه.
 
 * أحيانا كثيرة تتعارض قوانين الدولة المدنية الإسلامية مع ما قررته الشريعة الدينية تعارضا صارخا.. حينها برأيكم كيف يمكن قبول هذا التعارض والتعاطي معه في ظل ما تسمونه عدم الفصل القاطع ولا التماهي الكامل بين ما هو ديني وسياسي؟
 
* هذا الطرح غير وارد تماما، فنحن نتحدث عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية. وكونها مستندة إلى المرجعية الإسلامية يجعل التناقض غير ممكن. لكن الالتزام بمقتضيات المرجعية يتم حسب الإمكان، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. والمسلم غير مكلف بما لا يمكن العلم به أو العمل به. والمسلم من أي موقع لا يجد إمكانية ليكون القرار أرضى لله إلا أسرع إليه.
 
 
* تجربتكم في حزب العدالة والتنمية المغربي أثارت ولا تزال تثير الفضول.. حيث يتساءل الكثيرون حول إشكالية الدين والسياسة داخل حزبكم والوشائج الخطرة بينهما.. كيف يمكن الحفاظ على توازن حزب سياسي دون المساس بحدود الطرفين؟
 
* تعرف الوثائق المؤسسة حزب العدالة والتنمية بأنه "حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية"، فنحن نعتز باستنادنا إلى المرجعية الإسلامية ونحرص على بناء برامجنا انطلاقا منها. لكن الحزب لا يشتغل بالعمل الديني المباشر ولا بالعمل الدعوي المباشر. فلا يؤطر في المساجد لا خطابة ولا وعظا وإرشادا، ولا يصدر الفتاوى الدينية، ولكنه يستفيد من فتاوى العلماء والمؤسسات العلمية.
 
وبهذه الطريقة نحفظ التوازن في هذا المجال، وهذا هو المقصود بالتمييز بين العمل الدعوي والعمل السياسي. ويمكن أن أعطي بعض الأمثلة على تأثيرات ذلك على ممارسة وعمل الحزب. فعلى مستوى البرنامج السياسي تختلف مكانة قضايا الهوية والأخلاق، ومنهجية تناولها عما هي عليه في الهيئات الدعوية "المباشرة". فتتناول في الحزب بوصفها سياسات عمومية، ويعمل على ترجمتها إلى إجراءات عملية واقعية ومقترحات دقيقة.
وعلى مستوى الخطاب تزداد المساحة التي تحتلها مشاريع الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وتحسين الحكامة في تدبير الشأن العام.
 
وعلى مستوى الشعارات المرفوعة، من المطلوب أن تكون شعارات الحزب سياسية، وأن تركز أكثر على قضايا التدبير وعلى البرامج والأفكار المدققة.
 
وفي مجال العضوية، يرتكز الحزب فيها على أساس المواطنة والقبول بمرجعية الحزب العامة وبرنامجه والالتزام بموقفه السياسي؛ لذلك يمكن أن تشمل عددا من المواطنين ذوي حد أدنى من الالتزام الأخلاقي والتنظيمي. وهذا يعني أن شروط العضوية في الحزب سياسية، بينما هي في الهيئات الدعوية شروط دينية.
 
هذه المقتضيات بلورت نظريا إلى حد ما، لكنها على المستوى العملي التطبيقي تصطدم بعراقيل من قبيل الثقافة السائدة داخل الحزب وفي محيطه، وبالاستغراق في اليومي واستفزازاته، مما قد يضيع الاستراتيجي وبوصلته. كما أن صعوبة التحديات على مستوى البلد وعلى مستوى الأمة تعشي العين أحيانا، ولا تمكن من استبانة الأولويات والخصوصيات، فيطغى الجزئي على الكلي، ويسهل الاستدراج إلى معارك جانبية تشغل عن المهام الأساس.
ومن هنا أهمية الرؤية النظرية والمنهجية السديدة، والتي يعتبر موضوع العلاقة بين الديني والسياسي وتأثيراته على الممارسة الدعوية والسياسية من أهم مفرداتها.
—————————————————————-

المصريون يتصالحون…. معتز بالله عبد الفتاح

مصر بخير؛ هذا ليس ما أتمناه بل هو ما أعتقده.
المصريون يطمئن بعضهم بعضا بأنهم سيكونون إخوانا فى سفينة الوطن.
السلفيون يطمئنون شركاءهم فى الوطن فى بيان صادر عنهم يوم الاثنين يقولون فيه: «تعلن الدعوة السلفية على أنها على عهدها بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأنها لم ولن تتعرض لغير المسلمين، والعصاة مِن المسلمين فى حياتهم أو فى طرقاتهم بأى نوع مِن الأذى. وأن «الدعوة السلفية» فى ظل الغياب الكامل لأجهزة الأمن لم يُؤثر عنها أى شىء من ذلك؛ فكيف تقوم به بعد عودة رجال الأمن؟! وأن «الدعوة السلفية» عبر تاريخها تستنكر أن يكون العنف أسلوبا دعويا شرعيا!»
كلام مهم، ولكن على إخواننا السلفيين أن يصحح بعضهم بعضا لأن البعض منهم يسىء لهم جميعا.


الإخوان يقولون إنهم لا يسعون للأغلبية فى البرلمان، بل إن بعضهم يقولون صراحة إنهم لن يستطيعوا حتى لو أرادوا. هذا كلام واقعى. 

المجلس الأعلى للقوات المسلحة يقول إن مجلس الوزراء سيعلن قريبا بشأن التغييرات فى المؤسسات الصحفية الحكومية. ووزير التعليم العالى يعلن أن شهر أغسطس القادم (أى بعد انتهاء العام الدراسى وتسليم النتائج) سيشهد تغييرات كبيرة فى العديد من مناصب رؤساء الجامعات والعمداء. كلام مفيد. 

يوم الاثنين شهد أقل معدل للاحتجاجات الفئوية (7 فقط فى كل مصر) منذ بداية الثورة بعد أن كانت وصلت إلى 200 فى بعض الأيام. هذا مبشر للغاية فى هذه المرحلة.


إخواننا الأقباط على العهد بهم، يحبون دينهم فى إطار محبتهم ومودتهم لأشقائهم فى الوطن، وعدم استكبارهم كما مدحهم القرآن الكريم: «ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون.» وهذه هى نفس روح أشقائهم المسلمين الذين يعتزون بدينهم، ولكنهم يقرون لإخوانهم المسيحيين حقوق المواطنة الكاملة على قاعدة الوطنية وليس بحكم عقد الذمة. وقد أورد المفكر الوطنى البارز سمير مرقس كلاما رائعا منسوبا لمصرى وطنى بارز آخر وهو الدكتور محمد سليم العوا من أن «العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علاقة المشاركة فى الدار والأخوة فى الوطن» (الشروق، الاثنين). ومن الكلام المهم الذى أورده الأستاذ سمير منسوبا للدكتور العوا أن الاستعمار الأجنبى أبطل عقد الذمة لانتفاء قدرة طرفيه على القيام بتبعاته. والطرفان هما دولة الخلافة التى أبرمته وغير المسلمين الذين كانوا يقيمون فى الأرض المفتوحة. ومن هنا نشأ عقد جديد بين الدولة الجديدة (دولة ما بعد الاستقلال) وجميع مواطنيها (مسلمين ومسيحيين) وهو عقد المواطنة. اجتهاد متميز من مفكر محترم، استشهد به مفكر محترم.

على أهل مصر أن يفخروا بروح التصالح التى تجمع بينهم. مشاكلنا هى مشاكلنا نحن فقط، نحن أهل مصر أدرى بأنفسنا، وأقدر على علاج مشاكلنا. ولا ينبغى أن يكون الاختلاف مصدر خلاف، أو أن يكون التعدد مصدر صراع. وعلى مائدة الوطنية المصرية نجتمع مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، رجالا ونساء، كى نتعاتب ثم نتعاون ونتلاحم. وسنكون أهل مصر فى حب مصر إخوانا. دمتم ودامت مصر بكل خير. 

عبد المنعم أبو الفتوح: الإخوان لا يجوز أن تكون حزبا ولا يجوز أن يكون لها حزب بل يجب أن تظل حركة إسلامية دعوية ومنظمة مدنية تمارس عملها الدعوي والنضالي

  بعد نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بادرت قيادات جماعة الإخوان المسلمين بالإعلان عن نيتها في إنشاء حزب سياسي جديد تحت مسمى "العدالة والحرية"، كما سمت وكيلا لمؤسسي الحزب هو الدكتور سعد الكتاتني بما يؤكد على حسم الجماعة قرارها بشأن إنشاء حزب سياسي للجماعة.. لكن يبقى المشكل في تحديد العلاقة بين الجماعة وبين الحزب بعد الإعلان عن صيغة البرنامج النهائية.
 في هذا الحوار يفاجئنا القيادي البارز في الجماعة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح أنه لا يؤيد إنشاء حزب سياسي يكون ممثلا للجماعة أو معبرا عنها أو أن تتحول الجماعة إلى حزب سياسي بدعوى أن هذا ليس من وظائف الجماعة الأساسية، مؤكدا أنه لو أخذ مجلس الشورى قرار إنشاء الحزب فقد خط طريقا جديدا للجماعة لن يكون معهم وفيه، ولجمهور الإخوان أن يقبل أو يرفض، مشيرا أنه إذا لم تغير الجماعة من نفسها بعد الثورة سيكون ذلك إيذانا بالقضاء عليها.
وأكد أبو الفتوح أن الجماعة لم تحسم أمرها في هذا الشأن إلا بعد انعقاد مجلس شوراها كونه المختص الأصيل في اتخاذ هذا القرار.. أبو الفتوح أطلق مفاجأة من العيار الثقيل تتمثل في تفكيره إنشاء حزب سياسي له مرجعية إسلامية.
نص الحوار

الجماعة وفلسفة الحزب
 * هل تتماشى فلسفة الحزبية مع منهج الجماعة الذي وضعه مؤسسها حسن البنا أم ترى أن الجسد الإخواني يلفظ هذه الفكرة ولا ينسجم معها؟
** بداية لا بد لنا أن نفرق بين موقفين موقف الإخوان حينما فرضت عليهم المحظورية قبل ثورة 25 يناير، وبالتالي فقد كانت القضية الأساسية للإخوان هي اكتساب المشروعية باعتبار الإخوان تنظيما مدنيا دعويا، ويريد أن يعمل بطبيعته في النور ولو أن الإخوان كانوا يريدون أن يكونوا تنظيما غير مشروع لفعل ذلك الأستاذ البنا منذ النشأة، ويكون له عذره لأن الدولة كان بها احتلال إنجليزي لكنه رفض ذلك وأبى إلا أن تكون جماعة الإخوان المسلمين تنظيما مدنيا عمل في هذا الوقت في صورة جمعية لأن قانون الجمعيات لم يكن في هذا الوقت كما هو الآن مقيداً للحريات، بل كان موضوعا في ظل حريات وحالة من الليبرالية عمت مصر وعندما اصطدمت الثورة بالإخوان في عام 1954 ومنذ حكم السادات ومرورا بحكم مبارك أعطى للإخوان مشروعية فعلية، ولم يعطهم مشروعية قانونية.
وأداء النظام السابق لم يكن يدير بمنطق الدولة بل بمنطق (العزبة) فلا توجد دولة تسمح لفصيل وطني كبير مثل الإخوان أن يعمل هكذا بدون مشروعية قانونية ولم يكن هذا الوضع خاصا بالإخوان فقط بل بفصائل كثيرة جدا مثل الاشتراكيين الثوريين وحركة 6 أبريل وحركة كفاية.. فما كان وضع كل هؤلاء قانونا.. فصاحب "الأبعدية" لم تكن توجد لديه مشكلة في ذلك بهدف أن يظل الجميع بما فيهم المعارضة والإخوان تحت وطأة السلطة ووطأة جهاز أمن الدولة، وهو بالمناسبة أسوأ جهاز في مصر الذي كان يستخدمه الحاكم في قمع كل الوطن وليس لقمع المعارضين فقط بهذا الجهاز الذي يجب أن يحل فورا دون تباطؤ، ويجب أن يكون ذلك أهم مطالب الثورة.

لا داعي للحزب
* هذا عن موقف الإخوان قبل ثورة يناير، وماذا عن الموقف بعدها؟
** بعد الثورة لم يعد هناك حاجة لأن تصبح الإخوان حزبا ولا أن تنشئ حزبا، وأنا أعلنت هذا الرأي منذ 3 سنوات، وقلت إن الإخوان لا يجوز أن تكون حزبا ولا يجوز أن يكون لها حزب بل يجب أن تظل حركة إسلامية دعوية ومنظمة مدنية تمارس عملها الدعوي والنضالي بوسائل مشروعة وهي الوسائل التي مارسها الإخوان في فترة المشروعية من عام 1928إلى 1954، ثم مارسوها بالمشروعية الفعلية من عام 1970 حتى ثورة يناير 2011. إذن لا يوجد مبرر الآن للإخوان أن تكون حزبا ولا يجوز أن يكون لها حزب تقول إنه ممثل أو يعبر عنها.. نحن ضد هذه المسائل ليس من الناحية التنظيمية لكن من الناحية الأصولية والمبدئية.
* لكن أليس من حق أفراد الجماعة أن تمارس عملا سياسيا عبر الأحزاب الشرعية؟
** ما أقوله لا يمنع أي عدد من الإخوان أو مجموعة من الإخوان مع آخرين أن يكونوا حزبا بل هذا حق كل مجموعة على حدة، وحينها يكونون هم المؤسسين للحزب الواضعين لبرنامجه المنتخبين لقياداته، بعيداً عن الجماعة التي لا يجوز لها ذلك والذي يجعل قواعد الإخوان في حالة غضب شديد من أن يكون للجماعة حزب أو أن تعين وكيلاً لهذا الحزب.
وجماعة الإخوان المسلمين منذ أن نشأت حتى هذه اللحظة لا يستوعبها الحزب أما الإخوان المسلمين كمؤسسة دعوية تدعو الناس لاستقلال الوطن وتناضل من أجل الحريات ودخل أبناؤها السجون من أجل هذا لا يجوز لها أن تكون طرفا في منافسة سياسية، هذا ليس من رسالتنا، وهذا ليس لأن المنافسة السياسية والمنافسة على الحكم شيء مشين وخطأ لكن لأن هذا ليس من صميم أداء هيئة الإخوان المسلمين، والتي ليس منوطا بها أن تقيم نظاما كاملا للصحة أو نظاما كاملا للاقتصاد لكن تملك رؤية فقط رؤية لهذا المسائل وتدعو إليها.
الفصل بين السلطتين

* وماذا عن فصل الدعوي عن السياسي؟
** الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والدعوة للدين وللقيم والمبادئ وللإسلام بشموله تعطي لمن يقوم بها سواء أكان فردا أو مؤسسة مثل هيئة الإخوان المسلمين سلطة معنوية، رضيت أم لم ترض -ليس هو الذي يريد بل هي التي تعطيه السلطة المعنوية- والجمع بين السلطة المعنوية الممثلة في الدعوة وبين السلطة السياسية خطر ماحق على الأمة.
فما الذي جعل الدولة المدنية عندما أُسست قررت أنه لا بد من فصل السلطات، ولماذا لم تجعل كل هذه السلطات سلطة واحدة لماذا كل هذا؟ للحيلولة دون استبداد أي مؤسسة بمقدرات الأمة لأن الأصل هو الشعب والأمة تتنازل عن بعض حقوقها من خلال عقد اجتماعي من أجل إدارة المجتمع.
لكن هي في الوقت ذاته تتحاشى أن تتنازل عن عدد من حقوقها أن تكون السلطة الموجودة مستبدة -كما حدث- فتغتال هذه السلطة بقية حقوقها، وهذا في الفكر السياسي الاجتماعي أطلق عليه الفصل بين السلطات، والذي يتحدث باسم الدين وباسم الدعوة له سلطة معنوية على الناس، فحينما تجتمع للهيئة السلطة المعنوية التي تمارسها بحكم أنها داعية والسلطة المادية بحكم أنها رئيس أو حاكم سيجعلنا عرضة للاستبداد.

* اجتمعت السلطتان في عهد النبي والخلفاء الراشدين ولم يكن هناك استبداد؟
** بعد هذه المرحلة انفصلت السلطتان لأنك لم تعد أمام نبي ولا راشدين من بعده، وعمليا فمنذ هذا الوقت انفصلت هذه السلطة عن هذه -والانفصال هنا انفصال وظيفي في القيم- فكان العلماء الذين يمثلون السلطة الدعوية والمعنوية في ناحية، وكانت الخلافة التي تمثل السلطة السياسية في ناحية أخرى، فإذا انحرفت السلطة السياسية عن قيم المجتمع وعن حضارته وقيمه الأصيلة تتحرك هذه السلطة وتقول له "قف" ليس لأنها تملك عليه أي سلطان مادي ولا ولاية ولكنها تمثل حضارة الأمة وقيمها.
* يفهم من ذلك أنك لا تحبذ الممارسة السياسية للجماعة؟
** الجماعة يجب أن تشارك في السياسية وأنا ضد فصل الدعوي عن السياسي.


البنا والسياسة
* لكن الجماعة حاولت أن تشارك وتنافس على السلطة منذ عهد مؤسسها حسن البنا الذي حاول أن يدخل البرلمان وقام بترشيح نفسه لعضويته؟
** ما تقوله أنت يؤيد ما قلته ويثبت ما أقوله لو كانوا يحترمون أداء الأستاذ البنا، فلو كان البنا رحمه الله يريد أن ينافس على السلطة، لكان قد شكل حزبا من البداية، وكان في هذا الوقت صناعة الحزب سهلة ولم يكن هناك صفوت الشريف ولا لجنة شؤون الأحزاب ولو كان الأستاذ البنا يريد أن ينافس بهيئته على الحكم لكان قد رشح مائة من الإخوان المسلمين. وليس معنى أني أقول لا ينبغي للجماعة أن تنشئ حزباً أو أن تكون طرفا في منافسة أنني لا أدعو إلى أن أقف "أتفرج".
ومن أجل هذا فإن المرة التي دخل فيها الأستاذ البنا الانتخابات دخل بشكل تكتيكي للضغط على رئيس الوزراء وقتها مصطفى النحاس لإعادة (الُشعب) فعندما قال له النحاس سأرجع (الُشعب ) قال له البنا إذن لن أخوض الانتخابات، ولو كان الترشيح مسألة مبدأ فلن يكون ليعود عنها ولا كان قد نزل بمفرده.. وهل من المعقول في هذا الوقت وفي قوة الإخوان عندما يفكر أن يدخل البنا البرلمان يدخل بواحد أو اثنين، ولماذا لم يدخلوا بـ 100 مرشح؟!


* عمليا ما الدور السياسي الذي يمكن أن تمارسه الجماعة إن لم يكن لها حزب؟
** المنافسة السياسية ليست في رسالة الجماعة وليس على أجندتها.. قبل وفاة الإمام البنا كان قد قال للأستاذ فريد عبدالخالق إنه يرى أن الحزب الوطني في هذا الوقت -وكان العام 1948- هو الحزب الأقرب إلى الحضارة الإسلامية لتحقيق أهداف الأمة واستقلالها، وإنه لو طال به الوقت لكان سيدعم هذا الحزب وهذا هو ما نقوله.
جماعة الإخوان المسلمين تمارس العمل السياسي لأنها تجمع من يدعو إلى الله، وأنها حينما تنظر إلى مساحة الحزبية وترى أن هذا الحزب أو هذا الشخص قد يحقق استقلال الأمة والحفاظ على مصالحها وحريتها ستدعمه فتدعم هذا الحزب أو ذاك دون أن يكون لها هي حزب.. هذا حتى لا يفهم من كلامي أن تتحول جماعة الإخوان المسلمين إلى جمعية دفن موتى بل لا بد أن تستمر كجماعة نضالية ترفع مفهوم الإسلام الشامل، وتناضل من أجله وتدعو الناس إليه؛ لكن هذا ليس معناه أن يكون لها وزارة صحة أو اقتصاد ليس هذا من عملها.
ويجب على أي حركة اسلامية أن تحافظ على نفسها كحركة مجتمعية نضالية تحافظ على استقلاليتها وحريتها بكل وسائل العمل النضالي فتقوم بعمل مؤتمرات وندوات وتقوم بنشر الوعي السياسي والخلقي والقيمي وتربي شباب الأمة للحفاظ على كيان المجتمع.. أما المنافسة على الحكم فهذا من عمل الأحزاب.
ودوري في هذه المسألة أن أقف كقوة إسلامية كبيرة مع هذا الحزب أو ذاك لأنه أقرب لأهداف الأمة ولا أقف مع هذا لبعده عن نفس السبب ومع أن الإخوان لا ينبغي أن يمارسوا هذا العمل (الحزبي) كهيئة إلا أن أفراد الإخوان لهم أن يمارسوه، لكن ليس باسم الجماعة.


* لكن هناك من يرى أن تظل الجماعة كما هي جماعة شاملة ولا يكون لها حزب، لكن تمارس العمل السياسي كما هي الآن بعد أن تكتسب المشروعية؟
** هذا الكلام لا يتماشى مع القوانين.. أنت تعيش في دولة حديثة أو من المفترض أن تكون حديثة وديمقراطية ولها دستور.. لكن ما هو أهم للجماعة من ذهابها في طريق الحزب هو أن تسعى لاكتساب المشروعية، وذلك عندما يكون قانون الجمعيات قانونا طبيعيا لأن القانون الموجود الآن ليس طبيعيا، فهو يضع مؤسسات المجتمع المدني في قبضة المحافظ أو الوزير يحلها وقتما شاء ويصادرها عندما يشاء.. هذا قانون استبدادي يتوافق مع عصر مبارك والسادات وعبد الناصر.
القانون الطبيعي هو الذي يسمح للمجتمع المدني في أن يؤسس مؤسساته، وهيئاته الشرط الوحيد هو أن تكون الأهداف والوسائل مشروعة متفقة مع القانون ويكون تأسيس المؤسسات بالإخطار.
الحزب لم يحسم بعد

* ما جدوى ما تقوله الآن وقد بدا أن الجماعة قد حسمت الأمر وأعلنت عن إنشاء حزب، وعينت وكيلا للمؤسسين؟
** لم يحسم بعد، وما زال الموضوع محل نقاش لأن الذي سيحسم هذه المسألة ومسائل أخرى هو مجلس الشورى الذي لم ينعقد بعد.
* لكن خطاب قيادات مكتب الإرشاد يؤكد على حسم القرار كما أن ملامح الحزب قد اتضحت من حديث نائب المرشد دكتور رشاد البيومي، وأكد على أن الحزب سيكون بمثابة القسم السياسي للجماعة؟
** الحزب لم يفرض فرضا وكل هذه المسائل تحضيرية لأن الجهة المختصة بأخذ القرار هي مجلس الشورى، وحتى من الناحية العملية فحتى الآن لم يلغ قانون الأحزاب فكيف ستشكل حزبا! نحن في مرحلة انتقالية والذي يتم منا ومن غيرنا لا يعدو أن يكون مسائل تحضير، لكن ما ستؤول إليه الأمور لم يتضح بعد.
* الدكتور محمود عزت قال الكلام ذاته الذي قاله الدكتور رشاد البيومي، ألا يؤكد هذا أن الجماعة قد حسمت أمرها في موضوع إنشاء الحزب الممثل للجماعة؟
** كل هذه الأفكار ستكون محل مناقشة مجلس الشورى وهو الذي سيقرر.. كل هذه مسائل تحتاج إلى حوارات تتم بالفعل داخل الجماعة إلى أن تحسم كل هذه الأفكار.. كنا قبل ذلك لا نجتمع بسبب جهاز مباجث أمن الدولة الذي كان يهدد ويقول لو اجتمعتم سوف أعتقلكم، أما الآن فنستطيع أن نجتمع كل يوم ومجلس الشورى هو الجهة المختصة لحسم قضية الحزب بنص اللائحة؛ وبالتالي فالذي يعرض الآن مسائل تحضيرية وكل الذي يقال الآن هو مجرد أفكار.
جريدة الشروق المصرية قالت اليوم إن شباب الإخوان يطرح أفكارا وحوارات وفي العلن، وهذا ما يجب أن نشجعه، وهذا الشباب يقول لا يجوز أن يكون هناك فرع للجماعة، وهذا رأي مجموعة شباب الإخوان والتي شاركت باسمنا في الثورة.
لكن أحيانا في الإعلام يستقبل كل الأفكار بطريقة كأن شباب الجماعة يتمرد عليها، والشباب لا يتمرد لأن هذا رأيه الذي يؤيده الكثير وأنا منهم ونرى أنها آراء صحيحة.. وهي أن دور الإخوان أعظم وأسمى من المنافسة السياسية وأن تدخل في منافسة مع آخرين يجب أن تظل جماعة الإخوان جماعة دعوية نضالية، ومن أجل هذا حفظ المجتمع للإخوان منذ أن بدأت الثورة ما قامت به وموقفها الذي أكدت من خلاله أنها لا تريد أن تقدم رئيسا للجمهورية أو أن تشارك في الحكومة، ولكن تريد أن تحافظ على الوطن وأن يكون حرا وأن تكون الدولة المصرية دولة عصرية ولا يجوز لأحد أن يستدرجنا إلى غير هذا المستوى النبيل الذي يمثل تضحيات الإخوان على مدى 80 سنة، والذي يريد أن يشارك في عمل فيه منافسة فهذا حقه.
* أفهم مما تقوله أنه قد تتراجع الجماعة عن إنشاء الحزب لو ارتأى مجلس الشورى غير ذلك؟
** الذي تحدث في موضوع الحزب هو المكتب التنفيذي –الإرشاد- وهو يقول هذا، يقول إن هذا تحضير، وأن الجهة المختصة طبقا للائحة لحسم هذه المسألة هو مجلس الشورى الذي لم يجتمع بعد، وعندما يجتمع قد يحدث كل ما قاله المكتب التنفيذي، وإذا حسم هذا سيكون قد خط طريقاً جديداً لجماعة الإخوان منذ أن نشأت وهذا حقه، ويقبل هذا جمهور الإخوان أو لا يقبله.. أن تكون الجماعة حزبا أو أن يكون لها حزب هذا طريق جديد للإخوان، أنا لست معه.


تجارب مريرة
* ليست التجربة الأولى، هناك تجربتا الإخوان في الأردن والجزائر..
** هي تجارب أن تتحول الجماعة إلى حزب فقد حدث في الجزائر وكانت تجربة مريرة، وأن يكون للجماعة حزب حدث في الأردن، وكانت تجربة مريرة أيضا.. فالتجارب تقول إن الحركات الإسلامية سواء المرتبطة بمدرسة الإخوان المسلمين وحتى غير المرتبطة بها تقول إن الحركات الإسلامية يجب أن تظل حركات نضالية تدعو للإسلام الشامل، وتناضل في كل الاتجاهات من أجل استقلال الأوطان وحريتها.
فإذا رأت المؤسسات المسؤولة في الجماعة أنها تصنع "سكة" جديدة أو تأخذ الجماعة في اتجاه آخر قد تراه هي لمصلحة الحركة والدعوة فهذا حق المؤسسة، وجمهور الإخوان رقيب عليها أن يؤيد هذا أو لا يؤيده نحن في مجتمع مفتوح الآن لا شيء "يستخبي" الآن ولا يجوز لأحد أن يقول لأحد "قل رأيي بيني وبينك" لأن الشأن العام يجب أن يكون حواراً عاما، ويكون على أساس موضوعي، وعلى أساس الحفاظ على هذا الكيان الوطني الذي يجب أن نحافظ عليه كلنا، سواء الإخوان وغيرهم.

وهذا الكيان مصلحة مصر، وأن هذا الكيان هو الذي يصنع الربط داخل المجتمع المصري قد ننقده لكن عندما تقيمه تعرف أنك يجب أن تحافظ عليه وتدعمه لا أن تفجر فيه وتبحث على كيف تسقطه مثل "المهاوييس" الذين ليسوا عندهم أي قدر من الحس الوطني والذين قالوا عن الشيخ العلامة القرضاوي –الذي يشرف مصر كلها أن يكون ابنها ورمزاً من رموز دعوتها الإسلامية المستنيرة والذي يجب أن نشيد به- إنه رمز لسيطرة الإخوان على الثورة.. فلا الإخوان ولا غير الإخوان يستطيع أن يسيطر على الثورة.
والإخوان جزء من هذا الشعب فبدلاً من أن نشيد بهذه الجمعة العظيمة تخرج بعض الأصوات الغريبة وتصور المسألة على أنها محاولة للقفز على الثورة والسيطرة عليها، فضلا عن الإخوان لم يريدوا ذلك وأعلنوا عن هذا بوضوح، ولو أرادوا أن يسيطروا فلن يستطيعوا لا هم ولا غيرهم.. ومع ذلك فالإخوان لم يريدوا السيطرة على الصورة وتصرف بعض الأفراد هنا أو هناك لا يجوز أن يحسب على جماعة الإخوان المسلمين.

الإخوان بعد الثورة
* البعض يرى أن الجماعة لم تتغير كثيرا بعد الثورة وما زالوا يقبعون في القمقم التنظيمي ويعيشون بروح ما قبل الثورة؟
** الإخوان بعد الثورة تختلف عن الإخوان قبل الثورة، ومن يقول غير ذلك فهو ليس داريا بما يحدث، وكل الذي تتحدث عنه سلوك فردي سيفرض عليهم بعد ذلك سلوكا مختلفا رضوا أم لم يرضوا.. وستعمل الجماعة بشفافية ووضوح حتى في المسائل الإدارية والمالية ويكون المجتمع والقضاء والإعلام رقيبا عليها وهذا لصالحنا وحينما نقول إن الاعلام والقضاء والمجتمع رقيب علينا في أدائنا المالي والإداري والدعوي والفكري فهذا يقوينا وهذا مكسب لنا.
والذي حال بيننا وبين تحقيق هذا المكسب العظيم أن النظام فرض علينا المحظورية، والآن ذهبت المحظورية ويجب أن تؤسس الجماعة نفسها بشكل قانوني وشفاف وتمارس عملها الدعوي والمالي والإداري بكل شفافية ووضوح، وهذا لمصلحتها وسيكون قوة للجماعة وليس إضعافا لها والذي يقول غير ذلك سيكون إنساناً مغرضاً وصاحب مصالح شخصية.. وهذا كان من شأن الجماعة منذ عام 1928- 1954 فقد كانت الجماعة موجودة وتمارس عملها بوضوح، ويراقبها الإعلام والقضاء والمجتمع، وهذا شكل الجماعة الطبيعي الذي يجب أن يعود لوضعها الأصلي.

* هل لديك أجندتك وأفكارك التي ستقوم بطرحها على مجلس الشورى وما شكل المراجعات التي تود طرحها في الفترة المقبلة؟
** كل شيء خاضع للمراجعات في التنظيم والأفكار، كل هذا وارد ليس هناك شيئا مقدساً. سيطرح هذا كله وهو الآن يطرح بالفعل في حوارات داخلية بين الإخوان وبعضهم.. دعك من بعض الأفراد التي تستحضرهم ذاكرتك الآن لكن أنا أؤكد لك على أن "الميني ستريم" في الجماعة يريد أن يكون وضعه قانونياً ومفتوحاً وشفافاً، وأموره كلها أمام المجتمع الذي يعرف عنه كل كبيرة وصغيرة.. ولا يوجد شيء اسمه "هذا شيء داخلي" إذا كانت هذه المصطلحات تصلح في الماضي فلا تصلح الآن، وفي ظل وضع الجماعة القانوني وفي ظل ظهور لوائحها وإعلامها ووضعها القانوني سيغير من أداءات خاطئة كثيرة جدا.

ثورة داخلية
* هل يمكن أن نتوقع ثورة داخل جماعة الإخوان المسلمين؟
** هذا يشرف الإخوان أن يكون هناك ثورة بمعنى التغيير للأفضل وهذا هو الأصل في الاسلام أي إنسان مسلم سوي يجب أن يكون هناك تغيير للأفضل، سمي هذا ثورة فلا بأس فهذا اسم جميل.
* ماذا لو بقيت الأوضاع داخل الجماعة على ما كانت عليه؟
** مستحيل.. هل تتصور أن مصر بعد 25 يناير هي مصر قبل 25 يناير.. وإذا كنا نظن أننا كمنظمة يمكن أن نسير كما كنا قبل ذلك سيكون هذا إيذانا للقضاء على هذه المنظمة نحن أو غيرنا، ولا بد أن تحدث تغييرات وأداءات تتفق مع مرحلة الحرية.. نحن كنا في مرحلة استبداد وقمع ومحاكم عسكرية فكان هذا يفرض علينا طريقة معينة لا تعجب البعض.. لأن هذا البعض كان يتناسى أننا أول من قدمنا للمحاكمة العسكرية، ولكن الآن لا يوجد مبرر لكل هذا.
الآن إذا كان لأحد قبل ذلك أن يقول هذه مسألة داخلية ليس له الحق في ذلك الآن؛ لأنه ليس من حق أحد أن يقول هذا. وإذا كنا قبل ذلك مضطرين ألا نجمع مجلس الشورى، فالآن لا يوجد مبرر لذلك، فليجتمع مجلس الشورى يوميا.. وإذا كنا مضطرين أن نجري انتخابات بالتمرير وهي باطلة فيجب الآن أن نجري انتخابات على الملأ وفي صندوق زجاجي ونرى كيف تدار الانتخابات في الإخوان.. قبل ذلك كنا نقول ذلك من باب الأمنيات الآن يجب أن تتحول هذه الأمنيات إلى واقع.

* هل تفكر في إنشاء حزب له مرجعية إسلامية؟
** كلنا نفكر في هذا ولكن الذي يفكر في حزب سواء أنا أو غيري يجب أن يدرك أنه هو والآخرون ليسوا ممثلين للإخوان أو فرعا منها، لكن لا يوجد مانع أن ينشئوا حزبا، وللشباب أن ينشئوا حزبا، وأن يشكلوا مؤسساتهم المجتمعية، وكل هذا لا يحول بينهم وبين الجماعة الإخوان.
* وهل ستُشكل حزباً ؟
** قد يحدث هذا في المستقبل، لكن لم أقرر هذا بعد.
——————————-
حوار د.عبد المنعم أبو الفتوح لإسلام أون لاين 13 مارس 2011

الثلاثاء، 29 مارس 2011

إلى كل مصرى…. معتز بالله عبدالفتاح

 إلى كل مصرى: لا تدع الأفكار السلبية تحاصرك أو تنال من عزيمتك، فالمرء حين يترك نفسه بلا بصيرة ينطلق تفكيره فى خط لا نهاية له، وما أسرع الهواجس والأوهام التى تخترق هذا التفكير المرسل ثم تحوله إلى هواجس محيرة ومخاوف مربكة.
إلى كل مصرى: انزل إلى ساحة العمل بروح الواثق أن الغد فى ضمير الغيب يستوى السادة والصعاليك فى ترقبه، ولم يبق إلا اليوم الذى يعيش العقلاء فى حدوده. وفى نطاق اليوم يتحول إلى ملك من يملك نفسه ويبصر قصده. 
إلى كل مصرى: كن الخير الذى تدعو الآخرين له، بادر بكلمة المحبة والصداقة والعمل والتشجيع للآخرين. كن طاقة نور لمن لا نور لهم. أشعل فى المحيطين بك حب الحياة وحب العمل وحب الحرية والكرامة.
إلى كل مصرى: لقد حكمنا هؤلاء الظالمون لسنوات، ومع ذلك لم نزل نعيش، نضحك ونمرح، نسخر من مشاكلنا، وكأنها مشاكل غيرنا. أما وقد اختفوا عنا وعادت ملكيتنا لوطننا، فقطعا لن يحدث لنا أسوأ مما كنا فيه. استمتع باللحظة وقل فى كبرياء وبلا تكبر: أنا مصرى، سأحيا عبدا لله، وسأسعى كى أكون سيدا للكون. 
إلى كل مصرى: قل ما قال شوبنهاور، هبنى اللهم الشجاعة والقوة لأغير ما تقوى على تغييره يد، وهبنى اللهم الصبر والقدرة لأرضى بما ليس منه بد، وهبنى اللهم السداد والحكمة لأفرق بين هذا وذاك. 
إلى كل مصرى: فلنفرح باعتدال ولنحزن بتعقل، فللفرحة الطاغية نشوة تذهب بالعقل. وللحزن الجاثم وطأة تسحق الإرادة. وكلاهما طيش لا يليق بالعقلاء. العقل يقتضى التوازن والتدرج وأن نعرف دروب الباطل وأن نواجهها بدروب من الإنكار، وبعض الإنكار يقتضى الحلم والصبر حين يكون الحلم والصبر أنفع للوطن. 
إلى كل مصرى: يسر ولا تعسر، بشر ولا تنفر، ابحث فى طريقك إلى عملك أو دراستك عن أى شخص لا تعرفه وقدم له معروفا لا ترجو له مقابلا دنيويا. 
إلى كل مصرى: لو كنت مسلما، اتصل بصديقك المسيحى وقل له: «هذا وطنك ووطنى عشنا معا، وحاربنا معا، وظُلمنا معا، وسنعيش معا، وسنبنى معا، وسنبهر العالم معا، فأرض الله لجميع خلقه، وهو سيحكم بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه مختلفين. هكذا أراد الكون ربُ الكون». ونفس الكلام يوجهه المسيحى للمسلم.

إلى كل مصرى: انزل من بيتك إلى عملك أو دراستك، متوكلا على ربك، سائلا إياه التوفيق، طالبا منه السداد، مبتسما فى وجه كل من يقابلك، عارضا مساعدتك على كل من تظنه بحاجة لها، رافضا عبارات اليأس، فخورا باستردادك لوطنك، عازما على أن تترك مصر من بعدك أفضل مما وجدتها. سائلا الله أن يلهمنا جميعا رشدنا.
هذه كلمات عنّت لى إحساسا منى أن وطأة اللحظة قد تكون أفقدت البعض روح المرح والأمل والعمل. فظننت أنها قد تفيد شخصا ما فى مكان ما على أرض مصر العامرة. دمتم ودامت مصر دائما بخير. 

دعوة لاستعادة روح الثورة ……. فهمي هويدي



ليس أمامنا خيار. فنحن لا نملك ترف استمرار الانقسام الذى ضرب الإجماع الوطنى فى مقتل. وإذا لم تستثمر اللحظة التاريخية بمبادرة نستعيد بها روح ثورة 25 يناير، فإننا سنجهض بأيدينا الإنجاز الكبير الذى أعاد مصر إلى التاريخ.
(1)

ليست المشكلة أننا اختلفنا حول التعديلات الدستورية، فذلك أمر طبيعى ومفهوم. ولكن المشكلة أننا فشلنا فى إدارة ذلك الاختلاف من ناحية، وأنه من ناحية ثانية تحول إلى خصومة أفضت إلى استقطاب شق الصف الوطنى حتى كاد يجعل البلد الواحد بلدين، كل منهما غريب عن الآخر ومتنمر له. وهو المشهد الذى لو تآمر أبالسة الأرض لإخراجه لما أتقنوه بالصورة التى حدثت.

لقد دخلنا مصريين إلى ميدان التحرير بالقاهرة، وفعلها الملايين الذين خرجوا فى أنحاء البلاد، حين جلجل صوتهم فى السماوات السبع وهم يطالبون بإسقاط النظام. كان الصوت واحدا والأيدى متشابكة والكتل البشرية متلاحمة، ولكن ذلك كله انفرط بعد نجاح الثورة. إن شئت فقل إننا التقينا على مطلب رفض النظام القديم، لكننا تفرقنا عندما بدأنا خطوات تأسيس النظام الجديد. بما يعنى أن الخطر وحدنا والبهجة فرقتنا.
كنا فى ميدان التحرير وفى بقية الساحات أمة واحدة. لكننا صرنا بعد الاختيار الأولى أمما شتى. كنا فى الميدان مشغولين بالوطن ومهجوسين بحلم استعادته والنهوض به. لكننا صرنا بعد الاستفتاء مشغولين بالقبيلة والطائفة ومهجوسين بتصفية الحسابات والمرارات.
الوطنيون الذين كانوا تغيروا، أصبحوا ثوارا ومنتحلين، وعلمانيين وإسلاميين، وأقباطا ومسلمين، و«إخوانا» وسلفيين، ومعتدلين بين كل هؤلاء ومتطرفين.. إلخ. تركنا الحلم ونسينا الوطن. اشتبكنا وتراشقنا فيما بيننا وصار كل منا يهون من شأن الآخر، فيلطخ وجهه ويمزق ثيابه، ويتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته.


(2)

الذى يتابع تعليقات الصحف المصرية منذ بداية الأسبوع الحالى، يلاحظ أنها جميعا اشتركت فى مناقشة حادث أبرزته صحيفة الأهرام (يوم الجمعة 25/3) وجعلت منه «مانشيت» الصفحة الأولى، وكانت عناوينه كما يلى: جريمة نكراء بصعيد مصر ــ متطرفون يقيمون الحد على أحد المواطنين بقطع إذنه، والعلماء يبرئون الشريعة. وفى الخبر أن نيابة قنا بدأت التحقيق فى «حادث مروع يهتز له الضمير الإنسانى» شهدته منذ أيام مدينة قنا بصعيد مصر. إذ اقتاد مجموعة من المتطرفين أحد المواطنين الأقباط لإقامة الحد عليه بقطع أذنيه وإحراق شقته وسيارته، عقابا له على اتهامهم له بإقامة علاقة آثمة مع فتاة سيئة السمعة، تقيم بشقة استأجرتها منه.

يوم الأحد 27/3 كان العنوان الرئيسى للصفحة الأولى من جريدة روزاليوسف كالتالى: دعوة إخوانية لإقامة الخلافة الإسلامية فى مصر. وتحت العنوان أن نائبا سابقا من كتلة الإخوان عن مدينة الإسماعيلية حضر حفل زفاف ابنة قيادى إخوانى آخر، وألقى كلمة فى المناسبة ذكر فيها أن إقامة الخلافة فى مصر بداية لأستاذية العالم، بعد تأسيس البيت والمجتمع المسلم على طاعة الله ثم تشكيل الحكومة المسلمة.
فى اليوم ذاته ــ الأحد 27/3 ــ صدرت صحيفة العربى الناطقة باسم الحزب الناصرى صفحتها الأولى بعنوان كتب بحروف كبيرة على أرضية سوداء يقول: مخاوف من صعود جماعات التكفير، وسؤال المصير يطرح نفسه بقوة: دولة مدنية أم دولة دينية؟ وعلى إحدى الصفحات الداخلية مقال آخر تحت عنوان يتحدث عن أن «غزوة الصناديق أصابت قطار الثورة بالشلل».
قصة غزوة الصناديق باتت معروفة بعد أن مر عليها نحو أسبوعين، وخلاصتها أن أحد الدعاة السلفيين أبدى سروره بالتصويت لصالح التعديلات الدستورية بنسبة 77٪ واعتبر ذلك انتصارا للدين عبر عنه بطريقته وكأنه بذلك كان يرد على الذين قالوا إن معارضى التعديلات يسعون إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن دين الدولة هو الإسلام ومبادئ الشريعة مرجعية القانون. (فى اليوم التالى اعتذر الرجل عما صدر عنه وقال انه كان يمزح).

ملاحظاتى على هذه الوقائع التى تتابعت خلال الأيام الأخيرة هى: أنها صدرت عن أفراد. معتوه فى قنا، وحالم فى الإسماعيلية، وسلفى فى الجيزة. وأن عنصر الإثارة فيها شديد الوضوح. فالحادث البشع الذى وقع فى قنا اعتبر إقامة للحد، علما بأنه ليس فى شريعة الإسلام حد من ذلك القبيل. ولأن الذى قام به شخص أو عدة أشخاص ملتحين فإن التصرف أخذ على الفور بعدا دينيا، ولم يحمل باعتباره من قبيل المشاحنات الخشنة التى يحفل بها صعيد مصر حين يتعلق الأمر بالشرف. وحين لا يكون هناك مثل ذلك الحد، وحين يحتمل أن يكون الدافع إليه غيرة على الشرف بأكثر منه احتكاما إلى الدين فليس مفهوما أن تتهور صحيفة رصينة كالأهرام وتجعل منه عنوانا رئيسيا للصفحة الأولى، فى حين أن مكانه الطبيعى خبر فى صفحة الحوادث، ليس إقلالا من بشاعة الجريمة ولكن لإعطائه حجمه الطبيعى، ولكى لا يتحول إلى مادة للتهييج والإثارة خصوصا أن المجنى عليه قبطى.
هذه الممارسات الفردية سحبت بحسن نية أو بسوئها على التيار الإسلامى فى مجمله، دون تمييز بين فصائله المعتدل منها والمتطرف والسلفى والوسطى. حتى صاحبنا الذى تحدث عن الخلافة لم ينشر كلامه منسوبا إلى شخصه، ولكن عنوان الجريدة تحدث عن أنها دعوة إخوانية لإقامة الخلافة فى مصر، هكذا مرة واحدة ــ وكانت النتيجة أن التعليقات التى تناولت هذه المواقف وضعت الجميع فى سلة واحدة، الصالح مع الطالح والمعتوه مع العقلاء.

لم يقف الأمر عند حد المبالغة فى نشر وتعميم المعلومات السابقة، ولكن الصحف حولت هذه الآراء والمواقف إلى قضايا للمناقشة، استفتت فيها نفرا من المثقفين والشخصيات العامة، وأكثرهم كان جاهزا للصراخ والصياح بالصوت العالى، محذرين من المصيبة التى حدثت والكارثة التى تلوح فى الأفق والمصير الأسود الذى يهدد الوطن.
موضوع الدولة المدنية والاختيار بينها وبين الدولة الدينية يطرح فى هذا السياق، وكأننا فرغنا من كل ما بين أيدينا من مراحل سابقة ومشاكل عاجلة، ثم تعين علينا أن نقرر من الآن ما إذا كنا نريد دولة دينية أم مدنية، دون أن نتعرف على هوية وحقيقة هذه وتلك. ودون أن نعرف من يكون الوكيل الحصرى لأى منهما، وهل ما يصدر عنه آخر كلام فى الموضوع أم أنه يحتمل المراجعة والتصويب؟


الغريب فى الأمر أننا بالكاد نحاول وضع أقدامنا على بداية طريق الدولة الديمقراطية التى يتساوى فيها البشر فى الحقوق والواجبات. ويحتكم الجميع إلى صندوق الانتخاب، لتكون السلطة فيها للأكثر فوزا برضا الناس. لكن البعض يلح من الآن على وضع شروط ومواصفات للدولة التى لم تولد. استباقا وسعيا إلى حسم ما هو نهائى قبل إنجاز ما هو مرحلى.

(3)

المشهد بهذه الصورة يعيد إنتاج أجواء النظام السابق. حين كان يعبئ الرأى العام ويشيع الخوف والترويع فى مختلف الأوساط قبل أى مواجهة سياسية أو معركة انتخابية. ولأن جهاز أمن الدولة اعتبر التيار الإسلامى والإخوان بوجه أخص هو العدو الاستراتيجى، فإن التعبئة الإعلامية المضادة كانت تعمد إلى استثارة العلمانيين وتخويف الأقباط وترويع عامة الناس من خطر التصويت أو إحسان الظن بذلك التيار على جملته.


فى هذا الصدد لا مفر من الاعتراف بأن عدم وجود مجتمع مدنى حقيقى فى مصر، نابع من الناس ومعبر عنهم، أحدث فراغا فى المجال العام تولى الإعلام ملأه عبر الصحف والتليفزيون ومواقع الانترنت. ولابد أن يثير انتباهنا ودهشتنا فى ذات الوقت أنه فى الوقت الذى كانت فيه كل تلك المنابر مسخرة لحث الناس على التصويت ضد التعديلات الدستورية، إلا أنها فشلت فى توجيهها صوب الهدف الذى أرادته. ولا تفسير لذلك سوى أن المناخ الذى أحاط بعملية الاستفتاء أفرز نوعا من الاستقطاب بين أنصار تأييد التعديلات ودعاة رفضها. وهذا الاستقطاب أسهمت فيه التعبئة الإعلامية بقسط معتبر، كما كان لدور المؤسسات الدينية نصيبها الأدنى منه.

ساعد على تنامى تلك الأدوار أن التعديلات لم تقدم إلى الناس فلم يتعرفوا على موضوعها. ولكنهم حددوا مواقفهم على أساس الشائعات التى ترددت حولها. إذ قال لى بعض الأصدقاء فى الصعيد إن الناس حين علموا أن الكنيسة الأرثوذكسية دعت رعاياها إلى رفض التعديلات، فإن أعدادا غير قليلة سارعت إلى تبنى الموقف المعاكس وصوتت بنعم. وحين تردد فى بعض الدوائر أن الرافضين يبغون إلغاء المادة الثانية من الدستور، فإن أعدادا كبيرة أيدت التعديلات ليس قبولا بمضمونها ولكن دفاعا عن المادة الثانية. كما أن أعدادا لا يستهان بها أيضا صوتت لصالح التعديلات ليس انحيازا إلى أى من المعسكرين المشتبكين ولكن أملا فى أن يؤدى ذلك إلى إعادة الاستقرار إلى المجتمع الذى عانى من الانفلات والفوضى.

(4)

حين تعاركنا فإننا لم ننس الثورة وأهدافها فحسب، ولكننا استهلكنا طاقة المجتمع فى التراشق وصرفناه عن الانتباه إلى التحديات الجسام التى تواجهه فى سعيه لبناء النظام الجديد الذى ننشده. آية ذلك مثلا أننا فى حين ندعى إلى الجدل حول الدولة المدنية أو الدولة الدينية فإننا نصرف انتباه الناس عن أحد أهم متطلبات اللحظة الراهنة، التى تتمثل فى إنقاذ البلد من الشلل الاقتصادى الذى يعانى منه، وإطلاق طاقات المجتمع لتدوير آلة الإنتاج بأقصى سرعة لتجنب كارثة اقتصادية تلوح فى الأفق.
إن إعلامنا الذى يعبئ الناس للاحتراب الداخلى، لم يكترث بتوقف عجلة الإنتاج، ولم ينتبه إلى أن أسعار السلع الغذائية التى نعتمد على استيرادها بنسبة تزيد على 50٪ زادت فى السوق العالمية بمعدلات مخيفة (الذرة 77٪ القمح 75٪ السكر 98٪ فول الصويا 41٪ الزيوت 47٪) ــ فى الوقت ذاته تراجعت بدرجات مختلفة إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج وإيرادات السياحة وأنشطة المستثمرين الذين لم نكف عن تخويفهم أثناء أحداث الثورة وبعد نجاحها. وإذا تذكرنا أننا نتحدث عن بلد منهوب وخزانة خاوية. فإن مواجهة هذا الوضع بما يبعد شبح الكارثة لها حل واحد: أن نندفع إلى زيادة الإنتاج بكل ما نملك من قوة، كى نستعيد بعضا من العافية الاقتصادية التى تمكننا من الصمود واحتمال الضغوط الاقتصادية التى نتوقعها.
إن العقلاء الذين استعلوا فوق المرارات ولم يجرفهم تيار الانفعال والرغبة فى الكيد مطالبون بأن يجلسوا سويا للبحث فى كيفية رد الاعتبار لروح 25 يناير وحول أولويات مسئوليات المرحلة الدقيقة الراهنة، وإذا لم يفعلوا ذلك فإنهم يخلون الساحة للمجانين والحمقى والمغرضين، الذين لا يقلون خطرا علينا من الثورة المضادة.

إعلام هماز مشاء بنميم ……. معتز بالله عبد الفتاح

بعض إعلامنا ليس على مستوى الحدث، ليس على مستوى الثورة، بل أزعم أنه يعمل ضد الصالح العام بالمبالغة فى تصوير المشاكل والقضايا بل وأحيانا فى اختلاقها. والخطر الأكبر يأتى من البرامج الليلية. كلما رأيت مذيعا أو مذيعة بدأ حلقته بالنظر إلينا ثم يبدأ فى الحديث مُنظَرا لما يحدث فى مصر، أقول: «ربنا يستر».

لماذا؟
أولا: الكثير من مذيعينا ناس أفاضل، لكنهم يتكلمون فى موضوعات لا يجمعون فيها بين الرسوخ والإحاطة، ولكنهم يتحدثون وكأنهم كذلك. يتحدثون بآراء قطعية، هى بين أهل الاختصاص أمور خلافية للغاية. ولكنهم لأنهم لا يعرفون من القصة إلا بعضها، فيتصورون أن هذا البعض هو كل الحكاية وأن واجبهم يملى عليهم أن يحكوا كل ما يعرفون، مع أن كل ما يعرفون قد لا يزيد عن اليسير من الحقيقة.

ثانيا: الكثير من مذيعينا ناس أفاضل، لكنهم فى سباق محموم من أجل لفت الأنظار إلى برامجهم وبعضهم يريد أن «يجيب النتيجة من الكنترول» بدلا من أن يسأل أهل العلم إن كان لا يعلم فيثير البلبلة فى الوقت، الذى ينبغى أن يكون فيه مصدر للمعلومات السليمة. البلد بالفعل ملئ بالشائعات والمعلومات غير الموثقة وينبغى أن يكون دور الإعلام دحض الشائعات وليس الترويج لها أو اختراع بعض تفصيلاتها.

ثالثا: الكثير من مذيعينا ناس أفاضل، لكن عندهم السؤال أهم من الإجابة، فيجدون من الصعب عليهم أن يتركوا للضيف (الذى هو الهدف الأساسى للحلقة) أن يكمل كلامه أو أن يوضح رؤيته فتتم مقاطعته بشكل متكرر بأسئلة طويلة وكأن الإجابة غير مهمة، المهم هو أن السؤال كان «حلو». لارى كينج مقدم البرامج التليفزيونية الشهير كانت له مقولة جيدة: إن أفضل مقابلة تليفزيونية هى التى يتدخل فيها المذيع بأسئلة قليلة جديدة وقصيرة جدا، لا تزيد على بضع كلمات.

رابعا، الكثير من مذيعينا ناس أفاضل، لكنهم يقررون أن يقوموا بدور المدافع عن مطالب الغلابة (عمال، فلاحين، موظفين)، ولكنهم بسبب غياب الخلفية الاقتصادية قد يضرونهم من حيث يدعون أنه يريدون أن ينفعوهم، فيبالغون فى الدفاع عن مطالبهم (التى هى فعلا مشروعة)، ولكن البلد سينهار اقتصاديا إن تمت الاستجابة لها كلها الآن، دون الاستعانة بالمختصين لتوضيح مخاطر أن تتحول مصر إلى ساحة إلى مطالب فئوية متعارضة بهذه الطريقة.

خامسا، ليسامحنى من قد يجد فى كلامى بعض الحدة. لكن حجم البلبلة ودرجة التشكك الموجودة عند من يتصلون بى مشفوعة بما يشاهدونه وأشاهده معهم على هذه الفضائية أو تلك يؤكد أن بعض الإعلام أصبح عبئا على مصر والمصريين فى حين أنه من المفروض أن يكون أداة توعية وترشيد وتهدئة فى وقت الناس فتحت عيونها ولا ترى إلا الظلام. النور موجود لكن بعض الإعلاميين يرون أنه «ما بياكلش عيش».

علشان خاطر ربنا، نلتزم المهنية لمدة ثلاثة أو أربعة شهور فقط.

الاثنين، 28 مارس 2011

الإسلام السياسى والحوار المطلوب…. سمير مرقص

أظن وليس كل الظن إثم، أن لدى من الرصيد الذى يمكنى أن أفتح حوارا مع الإسلام السياسى بروافده، والذى بات حاضرا فى المجال السياسى والعام. تكوّن هذا الرصيد من خلال تجارب حوارية مبكرة بدأت أولا بين الشباب القبطى ومجموعة من رموز الفكر الإسلامى فى 1988، فى ذروة أحداث العنف الدينى من قبل الجماعات الدينية المسلحة.
 تجربة رأينا آنذاك ــ وكنا شبابا ــ أن الحوار وبناء الجسور، لا العزلة أو الانكفاء، هما السبيل الوحيد لبناء الوطن (وقد سجلنا هذه التجربة فى كتابنا: الآخر.. الحوار.. المواطنة ــ 2005). ومن بعدها واصلنا الحوار إقليميا من خلال الفريق العربى للحوار المسيحى الإسلامى. ومع ما جرى فى 25 يناير انفتحت المساحة المدنية/السياسية أمام الجميع ليكونوا حاضرين للمساهمة فى بناء الوطن دون تمييز. بيد أن الآراء التى وردت من رموز الإسلام السياسى قد سببت كثيرا من اللغط والخوف لدى أقباط مصر وأتصور لدى كثير من المسلمين أيضا. وهو ما أكده العزيز الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فى ندوة بمكتبة الإسكندرية أن «ممارسات الإسلاميين ساهمت فى ترسيخ الخوف من صعودهم (الشروق 25 مارس الماضى)». ومن هنا وانطلاقا من الشراكة الوطنية وإسلام الخبرة المصرية الذى أفخر به، أظن أنه من المفيد أن نطلق حوارا وطنيا من أجل وحدة هذا الوطن ومستقبله.. ولكن من أين يبدأ هذا الحوار؟
إسلام الخبرة المصرية

مرت تجربتنا الحوارية بمرحلتين: الأولى كانت معنية بقضية «مواطنية الأقباط»، والتى كانت ذروتها ما طرحه أستاذنا طارق البشرى ثم العزيز الدكتور محمد سليم العوا والذى بلوره أولا فى عام 1994 ونشرناه فى كتاب المواطنة: تاريخيا ودستوريا وفقهيا، وأصله ــ لاحقا ــ تفصيلا.
وظننا وقتها أن هذا الأمر قد حُسم، ما دفعنا إلى أن ننتقل إلى المرحلة الثانية والتى عنينا فيها «بمواطنية المصريين» وما يحول دون تحققها فى حياتهم اليومية. وفى المجمل ساهمت هذه الخبرة الحوارية فى بلورة اجتهاد إسلامى مصرى معتبر.. كيف؟
فى ضوء الخريطة الأولية للاتجاهات الإسلامية (راجع دراستنا غير المنشورة ــ 50 صفحة ــ بعنوان: قضايا غير المسلمين فى المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة قدمت لمؤتمر «اتجاهات التجديد والإصلاح فى الفكر الإسلامى الحديث» ــ مكتبة الإسكندرية ــ 2009، حيث قمنا برسم خريطة تفصيلية للإسلاميين وموقفهم من غير المسلمين)، يمكن القول إن تيار المجددين نجح فى أن يعبر عن الخبرة المصرية للإسلام مستوعبة المنظومات الفقهية الإسلامية من جهة، وفاعلة فيها من جهة أخرى. لقد كان ما قدمه الفقهاء قبل منتصف القرن الثانى الهجرى فيما يتصل بغير المسلمين «لا يعدو شذرات متناثرة. والواقع أن صياغة منظومة للعلاقات الاجتماعية من الناحية الفقهية كانت تحتاج إلى وضوح نظرى فى البداية فى مسألة صلة الإسلام بالشرائع الأخرى.. ونجد هذا التنظير أول ما نجده عند أبى حنيفة (150هـ)، وذلك فى رسالته العالم والمتعلم..»، ويعود ذلك إلى أن الإسلام كان يواجه بأوضاع مختلفة فى كل مكان امتد إليه، وعليه كثرت الاختلافات بين الفقهاء حول كثير من القضايا. بيد أن المستقر هو أنهم ماداموا «جزءا فى المجتمع أن يكون لهم التمتع بخيراته شأنهم فى ذلك شأن الفئات الاجتماعية الأخرى إذ.. الناس (بحسب أبى عبيد فى الأموال شركاء فى ثلاثة: الماء والكلأ والنار».
فى هذا السياق يقول رضوان السيد بعد أن يستعرض الآراء الفقهية المختلفة حول غير المسلمين.. «لا شك أن النظرة المتكاملة للموضوع تتطلب مراقبة المسألة من أربعة جوانب: جانب البداية التاريخية، وجانب الفقه الإسلامى، وجانب التعامل السلطوى، وجانب التعامل الشعبى..» ففى ضوء هذه الجوانب يمكن القول إنه لم تكن هناك خطة عامة للتعامل مع غير المسلمين منذ البدء. ومن المعلوم أن المجتمعات الإسلامية الوسيطة لم تكن مجتمعات اندماجية بل كانت مجتمعات عصبيات». وهنا كان الاختلاف الذى جعل من كل حالة لها خصوصيتها، فكانت الحالة المصرية بتعقيداتها كدولة ضاربة فى القدم، الأمر الذى مكن الفقهاء فى القرن التاسع عشر ومطلع العشرين أن يستجيبوا للتحديث والحداثة بدرجة أو أخرى، حيث تأسس تيار المجتهدين.
من الذمية إلى المواطنة
المجتهدون هم الذين حاولوا فى مواجهة ما أثير حول قضايا غير المسلمين أن يجتهدوا فى سياق الخبرة المصرية. لن نستطيع عرض جهود رموز هذا التيار (نشير لدراسة الصديق الأستاذ هشام جعفر المهمة حول جهود المجتهدين والذى وصفهم بالتيار الإسلامى الوسطى بعنوان «غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى من الذمة إلى حقوق المواطنة، فى الحوار القومى الإسلامى»، مركز دراسات الوحدة العربية، 2008). ولظروف المساحة سوف نعرض ما طرحه الدكتور محمد سليم العوا لشموليته فى كتابه الفقه الإسلامى فى طريق التجديد (ط2 1998)، وأطرحه كنص تأسيسى لمن يريد أن يقترب من مسألة غير المسلمين وبخاصة لمن أراد من جماعات الإسلام السياسى خوض العمل السياسى، يقول الدكتور العوا ما يلى:
العلاقة بين المسلمين والمسيحيين «علاقة المشاركة فى الدار والأخوة فى الوطن».
والوشائج الرابطة بين الفريقين وشائج ثابتة لا تهزها محن طارئة تعترض حياة الفريقين أو حياة واحد منهما.. تشتد وتقوى إذا تعرض الوطن كله لمحنة عامة أو خاض حربا ضد عدو أجنبى أو واجه طغيانا من مستبد محلى.
وحين دخل الإسلام البلدان التى بعض سكانها لا يدينون به، نظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين بمقتضى عقد يعرف فى الفقه والتاريخ باسم عقد «الذمة». والذمة هى: العهد والأمان والضمان، هذا هو معناها اللغوى.
وقد مضى الزمن بهذا العقد وتطبيقه، إلى أن دخل الاستعمار العسكرى الغربى جل بلاد الإسلام، بل دخل كل بلاده التى تضم المسلمين وغير المسلمين، فانتهى بذلك وجود الدولة الإسلامية التى أبرمت عقد الذمة، ونشأت دولة جديدة، بعد مقاومة استمرت عقودا من السنين،للمستعمر الأجنبى شارك فيها المسلمون وغير المسلمين على السواء.
وهذه الدول الإسلامية الحالية لم يعرض لأحكامها الفقهاء المجتهدون الذين تنسب المذاهب الفقهية إليهم، ولا من بعدهم من مجتهدى مذاهبهم لأنها لم توجد فى أزمانهم.
والسيادة القائمة لهذه الدول مبنية على النشأة الحديثة لها التى شارك فى صنعها المسلمون وغير المسلمين معا. وهذه السيادة تجعل المواطنين فى الدولة الإسلامية الحديثة متساوين فى الحقوق والواجبات، التى ليس لها مصدر سوى المواطنة وحدها..
والذمة، من حيث هى «عقد»، يرد عليها ما يرد على جميع العقود من أسباب الانتهاء. وقد انتهى العقد بانتهاء طرفيه: الدولة الإسلامية التى أبرمته، والمواطنون غير المسلمين الذين كانوا يقيمون فى الأرض المفتوحة. فقد فقَد كلاهما نفوذه وسلطانه ــ الذى به يستطيع الإلزام بتنفيذ العقد ــ بدخول الاستعمار الأجنبى إلى ديار الإسلام.
وليس معنى أن الذمة عقد «مؤبد» ــ كما يعرفه الفقهاء ــ أن يستعصى على أسباب الانتهاء المعروفة لكل عقد، وإنما التأبيد هنا معناه عدم جواز فسخه بإرادة الحكام المسلمين وعدم جواز قبول ظلمهم أو سكوت المسلمين عليه ــ إن وقع ــ لأهل الذمة.
والجزية ــ التى كانت شرطا لهذا العقد ــ كانت مترتبة على عدم مشاركة غير المسلمين فى الدفاع عن دار الإسلام، إذ كان الدين هو محور هذا الدفاع، وكان تكليفهم به بما يشق أو يطاق، فأسقطه عقد الذمة فى مقابل الجزية، لذلك فقد أسقطها الصحابة والتابعون عمن قبل من أهل الكتاب المشاركة فى الدفاع عن دار الإسلام، فغير المسلمين إذا أدوا واجب الدفاع عن الوطن لا يجوز فرض الجزية عليهم، وهذا هو حالنا اليوم، فهم لا فرق بينهم وبين المسلمين فى أداء واجب الجندية مما يجعل فكرة الجزية غير واردة أصلا.
ولا يرد على ذلك بأن الجزية مذكورة بالنص فى آية سورة التوبة الآمرة بقتال أهل الكتاب «حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغرون» (التوبة: 29) لأمرين:
أولهما: أن هذه الآية من العام الذى أريد به الخاص، فقد نزلت فى الروم الذين قاتلوا المسلمين واعتدوا عليهم وليست عامة فى أهل الكتاب كلهم، بدليل أن النبى (ص) عاهد نصارى نجران ولم يقاتلهم وأعطاهم فى هذا العهد كل حقوقهم..
وثانيهما: أن النص القرآنى المعلل بعلة محددة، نصا أو استنباطا، يدور مع هذه العلة وجودا وعدما، وقد علل الفقهاء الجزية ــ فى أصح أقوالهم ــ بعدم المشاركة فى الدفاع عن دار الإسلام، ونصوا على سقوطها عن غير المسلمين بقيامهم بهذا الدفاع، وقد فعلوا، فأين موضع الجزية؟
ولغير المسلمين من المواطنين من الحقوق العامة والخاصة، ومن حق تولى الوظائف العامة مثل ما للمسلمين بلا زيادة ولا نقصان.. ذلك أننا: «.. خرجنا من إطار الإمامة التى عرفناها فى تاريخنا إلى إطار الدولة المدنية التى نعيش فيها الآن، ويجوز أن يتولاها أى إنسان مسلم أو مسيحى، أو أى شخص مواطن فى الدولة لأنه جزء من المؤسسة وليس هو المؤسسة كلها، وجزء من الحكومة وليس هو الحكومة كلها..» (إسلام أون لاين 15 مايو 2007). 
نحو حوار وطنى يفصل بين الدعوى والسياسى
فى هذا السياق لن أشير إلى ما جاء فى كتاب نهر الذكريات، أو المراجعات الفقهية للجماعة الإسلامية أو إلى ما جاء فى كتاب الوثيقة الفصل العاشر المعنون: معاملة أهل الكتاب، المراجعات الخاصة بالجهاد (منشور فى إسلام أون لاين، نوفمبر 2007)، أو إلى التعليقات المتناثرة للسلفيين حول غير المسلمين، ولا إلى ما يتردد الآن من قبل الكثيرين، الأمر الذى أثار انزعاجنا من خطاب مغاير لخطاب الخبرة المصرية يولد الرعب لدى قطاعات من المصريين يتجاهل السقف الاجتهادى الأعلى وخبرة الحياة المشتركة ويخيرهم بين القبول بالأدنى أو ترك الوطن، بيد أننا لن نترك الوطن ونتمسك بالفقه الأعلى. ولكنى أدعو مادامت هناك نية لتأسيس أحزاب من قبل هذه الجماعات، فإن الأمانة تقتضى أن يتم الفصل بين الدعَوى وبين السياسى، كما أشار عبدالمنعم أبوالفتوح ــ وهو لا يعنى بأى حال من الأحوال خصومة مع الدين الحاضر فى الحياة، ذلك لأن تأسيس الأحزاب يعنى القبول بما يلى:
مدنية المجال العام والسياسى حتى يتمكن المختلفون من المشاركة، بالمنهج الذى أقره الإمام العظيم محمد عبده بضرورة وجود مساحة بين السياسى والدينى وألا تحول الأمر إلى دولة «ثيوكراتيك» بحسب الإمام فى أعماله الكاملة.
البدء فى السياسى بالسقف الاجتهادى الأعلى ما يعنى ضرورة حسم الموقف من غير المسلمين فقهيا ــ أولا ــ حتى يمكن ممارسة السياسة التى تعنى الالتقاء بالمختلفين.
وفى النهاية التراكم على الخبرة المصرية بما لها من زخم فقهى ما يجعلها تتجاوز تجارب أخرى. فليس من المنطقى أن ننُحى اجتهاد الخبرة المصرية لصالح اجتهادات جاءت فى غير سياق من جهة أو نتيجة عدم إطلاع على المسار الفقهى العريق من جهة أخرى، والنتيجة فى الحالتين البدء من أول وجديد والعودة إلى المربع واحد.