السبت، 30 مارس 2013

معضلة إسقاط الدولة وإبقاء النظام.......معتز بالله عبد الفتاح

يقول صامويل هانتنجتون: الثورة الكاملة تتضمن صناعة ومأسسة نظام سياسى جديد (A complete revolution involves.. .the creation and institutionalization of a new political order)

وتقول تيدا سكوك بول Theda Skocpol: نجاح الثورة يقتضى وجود قيادة ثورية (revolutionary leadership) وأيديولوجية ثورية (revolutionary leadership).

وبالمناسبة هذان الشخصان من أكثر من درسوا تاريخ الثورات فى العالم، واستحضار مقولاتهما الآن بهدف بناء إطار نظرى لهذا المقال.

إذن لو أخذنا المتطلبات الثلاثة معا: قيادة ثورية، أيديولوجية ثورية، مأسسة نظام سياسى جديد لوصلنا إلى استنتاج أننا فى معركة متعددة الأبعاد فيها قيادة ثورية مطعون على ثوريتها من قبل قطاع ممن شاركوا فى الثورة، وأيديولوجية ثورية تقدم مشروعا يعترض عليه بل يناضل ضده قطاع ممن شاركوا فى الثورة، ومأسسة لنظام سياسى جديد وفقا لدستور وقوانين وممارسات يعترض عليها قطاع ممن شاركوا فى الثورة. وكل نقطة تستحق شيئا من التأمل.

عن غياب الرئيس وحضوره ..... فهمي هويدي

إذا كان سفر الرئيس محمد مرسى إلى الخارج مهما فإن بقاءه فى مصر أهم، لا أريد أن أقلل من قيمة مشاركته فى مختلف المحافل التى يمثل فيها الرؤساء. أو زيارته للعواصم التى ينبغى التواصل معها. كما أننى مستعد للمزايدة على الجميع والدعوة إلى وجوب حضوره مؤتمرات القمة العربية والأفريقية لما يمثله ذلك من أهمية خاصة بالنسبة لمصر. ومستعد أيضا للقبول بفكرة أن الرئيس لا يذهب سائحا، ولا مستمتعا بالانتقال بين مختلف العواصم، ولكنه يؤدى عملا لا يكاد ينتهى منه حتى يسارع بالعودة إلى القاهرة، حتى أن مرافقيه أصبحوا يتحدثون عن الساعات وليس الأيام التى تستغرقها كل رحلة. وقد قيل لى إن رحلته إلى جنوب أفريقيا استغرقت 18 ساعة، فى حين أنه قضى هناك 16 ساعة فقط. ورحلته إلى تركيا استغرقت عشر ساعات، كما أن سفرته إلى ألمانيا لم تتجاوز الساعات العشر. أما رحلته إلى طهران فلم تستغرق أكثر من 4 ساعات. وقد أمضى فى باكستان عشر ساعات، وكانت أطول رحله له إلى الصين التى قضى فيها 48 ساعة والهند التى أمضى فيها 36 ساعة.

الثورة تشكو ............ سيف الدين عبدالفتاح

فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وفى مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات كانت الجلسة الأخيرة فى ندوة مهمة حول «الأدب والسلطة»، وفى ختام هذه الندوة كان عرض فيلم حول «شهيد الأزهر» «الشيخ عماد عفت»، وكان الحديث ذو شجون، بدا البعض منفعلا، والبعض باكيا، والبعض متأملا، وفى كل الأحوال خيم على الحاضرين معانى افتقاد الثورة، وكأنهم قد فقدوا الثورة، كان من المهم ونحن نسترجع حدث الشهادة للشيخ العالم العامل، للشيخ المجاهد المكافح، لرمزية الشيخ فى الثورة المصرية أن نؤكد على ضرورات استمراريتها والتمسك بها والحفاظ على مطالبها، والتأكيد على أهدافها.

بدا الأمر من العروض والمداخلات وكأن الثورة تشكونا، وأحسست من جملة هذا المشهد الانفعالى أن الثورة قد دخلت علينا قاعة الندوة مطالبة بالمداخلة وبدت باكية وشاكية، وبدأت بمداخلتها حاملة ضمن ما تحمل دماء الشهداء الذى يتمثل فى دماء «شهيد الأزهر» كأجلى ما يكون للتعبير عن حالة غضبها، وطفقت تتحدث عن نفسها.

الجمعة، 29 مارس 2013

إلى الرئيس.. هل ارتاح ضميرك؟ ....... مصطفى النجار


مللت من الكتابة إليك وصرت أشعر بعدم جدواها فربما لا تقرأ وإذا قرأت لا تصدق أن هناك مشكلة وأننا ناصحون مخلصون ولسنا متآمرين أو متربصين، أكتب اليك وقلبى يحترق على وطن تسلمت حكمه ودخلت به فى متاهات ومغامرات أوصلته لحافة الهاوية، أهدرت لحظة تاريخية كان معك فيها التأييد الشعبى من أنصار الثورة ومن المواطن البسيط الذى رأى فيك رجلا تشبهه وجئت من بيئته وتعرف ما هى همومه وأولوياته.

شرعية العدل.... إبراهيم الهضيبى

العنف السياسى بين المواطنين، والمتنامى منذ أشهر، أشد خطورة منه بينهم وبين مؤسسات الدولة، والعمل على فهم سياقه ينبغى أن ينطلق من رفضه، ليقصد إيجاد مخرج منه، لا تبريره على نحو يدخلنا فى حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد قد تصل لاقتتال مجتمعى، ولن يكون المخرج إلا ببناء شرعية تقوم على العدالة.

هل حكم الإخوان مصر ؟....... مصطفى كمشيش

في محاولة لفك الالتباس في ظل غيوم المشهد المصري الحالي قد نجد أن سبعة أطراف تؤثر في المشهد السياسي المصري (بنسب متفاوتة) هم : [ الإخوان والرئاسة – بقية التيارات الإسلامية – قوى المعارضة – قوى النظام السابق مع أجهزة فاعلة في الدولة العميقة– قوى الإقليم العربية – اسرائيل – أمريكا ].

1/ الإخوان
شارك الإخوان في الثورة وقاموا بحمايتها في أيامها الفاصلة, لكنهم لم يكونوا إلا أحد مكوناتها, فالمصريون قاموا بثورتهم لتحقيق أهدافهم وليس بالضروة لتحقيق أهداف الإخوان (وإن تلاقت بعض الأهداف), ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يشعر الإخوان أن ما حدث ” جَزما ويقينا ” خطوة على طريق أهداف الإخوان (الفرد – البيت – المجتمع – الدولة – الخلافة – الاستاذية), فحين  يكون تقييم الإخوان لما حدث في ثورة 25 يناير أن الله أراد لهم الوصول الى (الدولة) واختصر لهم مرحلة (المجتمع) فهو خلل كبير في التصور, وحينما يتم ترويج الأمر داخل الصف الإخواني على أنهم في مرحلة التمكين, ثم حينما يتعثر الأمر يُقال لهم نحن في مرحلة المدافعة يتبعها مرحلة التمكين, فهو خطأ أيضا في التصور,لأن مصر لم تكن (فراغ) ممهد لأي أحد أن يملأه.

الأربعاء، 27 مارس 2013

هيكلة العنف ........ فهمي هويدي

هذه كارثة مضاعفة. ان يتحول العنف إلى ظاهرة فى ساحة التجاذب السياسى، وان يعمد بعض السياسيين والإعلاميين إلى تبريره وإضفاء الشرعية على ممارساته. صحيح اننا شهدنا بعد الثورة اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، وأحيانا اشتباكات بين مؤيدى القوى السياسية المختلفة، لكن الذى نراه هذه الأيام شىء مختلف تماما، ذلك ان العنف اتسع نطاقه بحيث بات يتسم بالقسوة والغل. ولم يعد يستهدف ايذاء الطرف الآخر وايجاعه، ولكنه أصبح يقترن بالتعذيب وبالسحل فى بعض الأحيان، ليس ذلك فحسب وانما صرنا نسمع من بعض أهل السياسة كلاما مدهشا فى تبريره والتأييد الضمنى له. فمن قائل ان العنف يولد العنف وقائل بأن من بدأ يتحمل المسئولية، وقائل بأن المفاصلة باتت ضرورية، «لأن الوطن لم يعد يسعنا معا». الأمر الذى وضعنا بإزاء تسويغ مبطن للاغتيال المادى والجسدى عند طرف، والاغتيال السياسى والمعنوى بالاقصاء عند الطرف الآخر.

الاجتزاء المخل.... محمد عريضة

من آفات التفكير في العقل الشرقي عامة والمصري خاصة، هو الاجتزاء في قراءة مشهد ما أو تقييم أمر ما.. 
ناقشنى أحد أصدقائي قائلا: أرأيت مايحدث في مصر، وبدأ يصب اللعنات على الاخوان والرئاسة وكيف أنهم السبب فيما وصلنا اليه من انحطاط وانحدار ووووو..... الخ
وصديق آخر يقول لي: هل ترى ماتفعله المعارضة فيى مصر، وبدأ يتهمهم بالعمالة لأعداء الوطن وتشوفهم للسلطة ومصالحهم الشخصية ووووو... الخ 

الثلاثاء، 26 مارس 2013

تفكير فى الخروج من المأزق..... فهمي هويدي

أكثر ما أتمناه فى الوقت الراهن ألا يكون سكوت الرئيس محمد مرسى تعبيرا عن الرضا عن الوضع فى مصر، لأنه لو رأى ما نراه لتلبسه قلق عميق طير النوم من عينيه.

(1)

فى الأسبوع الماضى بكى أحد العمال المصريين أثناء حديثه عن أحوال بلده، حين صادف بعضا من زملائنا الإعلاميين الذين قصدوا مطعما شهيرا هناك لتناول وجبة العشاء. عاتبهم لأنه اعتبر أن الصورة التى يقدمها الإعلام المصرى للبلد مهينة لمصر والمصريين، قال إنه شخصيا صار يعانى من تلك المهانة كل يوم جراء ما يسمعه من تعليقات لاذعة وجارحة من جانب الذين يتابعون القنوات التليفزيونية المصرية، الأمر الذى يثير حزن المصريين وسخرية آخرين من الوافدين. انفعل صاحبنا أثناء الحديث ولم يتمالك نفسه فانخرط فى البكاء.

الاثنين، 25 مارس 2013

عن الحرب التليفزيونية ..... فهمي هويدي

فى اليوم التالى للاشتباكات التى حدثت أمام مقر الإخوان بالمقطم استضافت أغلب القنوات الفضائية المصرية الخاصة أعدادا من الذين شاركوا فى الموقعة. وكان حضور المتظاهرين طاغيا. بحيث لم نكد نرى الطرف الآخر الذى قام بالدفاع عن المقر، وفى واحد من أهم البرامج الحوارية المسائية كان الضيف الرئيسى أحد الناشطين المعروفين الذى ظهر مصابا فى ذراعه التى وضعت فى الجبس، ولأنه جاء مرتديا صديرية يغلب عليها اللون الأحمر، فإن اليد المغطاة بالجبس الأبيض بدت شديدة الوضوح.
وسواء كانت تلك مجرد مصادفة أم أنه كان من قبيل الإخراج الذى أريد به لفت النظر، فالشاهد أن الحوار الذى دار ومجمل الحوارات الأخرى التى جرى بثها فى نفس الوقت ركز على عدة نقاط تمثلت فى سلمية المظاهرة التى استهدفت مقر الإخوان، ثم «اضطرار» المتظاهرين إلى الدفاع عن أنفسهم أمام هجوم شباب الإخوان الذين تجمعوا أمام المقر، وقد وصفهم البعض بأنهم «ميليشيات» إمعانا فى إظهار عسكرتهم وتأهبهم للاشتباك والقتال.

احترنا ولم نفهم، لأننا فى اليوم التالى شاهدنا عبر مواقع الإنترنت صورا وأشرطة فيديو سجلت العديد من مظاهر الاعتداء على الإخوان. فرأينا أكثر من واحد فى أثناء سحلهم. وشاهدنا رجلا مسنا يتعرض لضرب وحشى، وآخرين ينقضون بالعصى والمطاوى على بعض شباب الإخوان. كما رأينا سلاحا بيد أحد المتظاهرين، وبندقية «خرطوش» بحوزة أحد الأعضاء الذين ينتمون إلى جماعة «بلاك بلوك». ورأينا صورا لشاب أشعلت فيه النيران. وآخرين ظهروا حاملين السنج والمطاوى، كما سجلت الصور حرق عدة حافلات وتحطيم بعض السيارات التابعة للإخوان. وفى شريط آخر رأينا كيف تم اقتحام مقر حزب الحرية والعدالة فى حى «المنيل» الذى دمرت محتوياته بالكامل، أثناء احتفال بعض السيدات فيه بمناسبة عيد الأم.
إلى غير ذلك من الصور التى حجبت ولم نرها على شاشات التليفزيون، الأمر الذى يكاد يعطى انطابعا بأن الذين ظهروا على شاشات القنوات الخاصة تحدثوا عن اشتباك آخر غير الذى سجلته أشرطة الفيديو. وهو ما ذكرنا بموقف القنوات التليفزيونية الأمريكية أثناء غزو العراق، حين قدمت الحملة بحسبانها عملا نبيلا استهدف تحرير البلاد من طغيان صدام حسين، فى حين أن بعض القنوات العربية، وعلى رأسها قناة الجزيرة كشفت حقيقة الغزو ووجهه القبيح. وقيل وقتذاك من بعض المتابعين إن بث الطرفين اختلف حتى بدا كأنهما يتحدثان عن حربين مختلفتين.

مصر 100 متر مربع.... معتز بالله عبد الفتاح

أحياناً يلتقى الإنسان بشباب واعد ومحترم وجاد ويجد لديه من الحماس ما يجعله راغباً فى أن يغير الكون بما أعطاه الله من طاقة داخله. وهذا هو المعتاد عند هذه الشريحة العمرية، وهذا هو المعتاد فى أعقاب ثورة عظيمة كانت قائمة على افتراض أن مصر كانت مصر بسبب «مبارك». ولكن مع ذلك تجد روح الإحباط موجودة عندهم، اعتقاداً منهم أننا نضيع الوقت والجهد فى ما لا يفيد، وهنا بدأوا يكتشفون أن «مبارك» كان «مبارك» بسبب مصر.

لازم أقولها مرة أخرى حتى نفكر فيها معاً: الثورة قامت على افتراض أن مصر كانت مصر بسبب «مبارك»، ولكننا الآن نكتشف أن «مبارك» كان «مبارك» بسبب مصر.

يعنى إيه؟

يعنى «مبارك» كان الفرعون البارز على قمة مؤسسات الدولة، ولكن كل واحد فينا داخله فرعون صغير يظهر حين تتاح له الفرصة، كما قال الزكى النجيب محمود، رحمة الله عليه. وكل واحد سيتاح له حكم مصر لا بد أن يتخلص أولاً من هذا الفرعون رباعى الأبعاد:
  • إنه الفرعون الذى يظن أنه الحق والخير والجمال والوطنية، وأن المخالفين له هم الباطل والشر والقبح والخيانة (أسطورة التمركز حول الذات)،
  • وألا يقع أسيراً للتبسيط المخل للمشاهد المركبة التى نعيشها فيبحث عن كلمة واحدة تلخص له الكون حتى لو كانت خطأ ولا يدخل فى التشخيص المركب حتى لو كان صواباً (أسطورة الاختزال)،
  • وألا يتحول كل اختلاف فى وجهات النظر إلى حالة من الكراهية والغل والعداء،
  • وألا يتحول أى اتفاق فى وجهات النظر إلى حالة من التقديس والعشق والتأييد الأبدى (أسطورة الفُجر فى الاختلاف). لو كان لى من طلب من القارئ الكريم، نقول ما يلى ثلاث مرات: أنا لا أحب فلاناً أو أكرهه، أنا أتفق معه أو أختلف معه.

خمسة فى خمسة..... معتز بالله عبد الفتاح

هل نصدق ما يلى؟

أولاً: الدم واحد والعمر واحد والمصاب واحد ولكننا شربنا من نهر التعصب والعصبية والعُصاب.

ثانياً، نحن نتبادل مقاعد الضحية والجلاد بمهارة شديدة. وكل طرف يسعى لضبط الآخر متلبساً بالجريمة، دون أن يسعى لمنع الجريمة.

ثالثاً، فى كل مرة يكون فيه دعوة لمظاهرات، ننتهى بثلاثة أنواع من المشاركين: المتظاهرين لأسباب سياسية، الراكبين لأنها فرصة للانتقام وركوب الموجة، والمندسين الذين يستغلون انشغال الأمن والناس بالتجمع الكبير كى يسرقوا ما يريدون سرقته أو تخريب ما يريدون تخريبه.

رابعاً، أصبحنا على ثقة أنه لا يمكن أن نتصور أن أى فصيل سيكون من العدد والقوة بما يجعله يقضى على الطرف الآخر. وبالتالى تصفية الآخرين جسدياً مستحيلة.

خامساً، المتطرفون فى كل تيار حين يقودون المشهد، ننتهى إلى مزيد من الدماء، وبدل ما نجيب حقهم، نموت زيهم، وبعد ما نموت زيهم يطلع ناس تانية تقول إنها هتجيب حقهم، فتموت زيهم، وبعدين يطلع ناس جديدة، بتتوكل على الله وتنوى أنها تجيب حقهم، فتموت زيهم أيضاً، وهكذا.

أمانة العقل والاختيار... محمد عريضة

في خطبة الجمعة السابقة كانت خطبة الإمام -حفظه الله- عن الأمانة... وبدأ خطبته بالآية القرآنية الكريمة:


وقال جملة توقفت عندها، وهى أن مجموع العلماء قالوا أن الأمانة المقصودة في الآية هي -حصرا- أمانة الواجبات والتكاليف الإلهية وهى الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده...

ولم يتطرق في شرحه طوال الخطبة عن معاني أخرى للآية... رغم أن هناك معنى ومقصود آخر للأمانة كما قال مولانا الشيخ العارف بالله الامام/ الشعراوي -رحمه الله- هى أمانة الاختيار، والتى نتجت عن كون الانسان ميّزه الله عز وجل عن سائر الكائنات بنعمة العقل والتفكير وحرية الاختيار بين البدائل...

وهذه الأمانة -حرية الاختيار- هى التى تميز الانسان عن غيره من المخلوقات، فإذا فقدها الإنسان -طوعا أو قسرا- فقد جزءا من انسانيته إن لم يكن فقد انسانيته كلها...

ولعل هذا هو السبب أن التكاليف الشرعية على العبد تختلف عن التكاليف الشرعية على الحر... فمثلا من شروط الحج هو أن يكون مسلما وحرا، فالمسلم العبد لا يجب عليه الحج، وغيرها من الاحكام...

فلنحافظ على هذه النعمة ولا نسمح لأحد أن يؤمم عقولنا أو أن يفكر لنا، فالله -سبحانه وتعالى- سيحاسبنا نحن على ما نختاره بإرادتنا، ولا نكون مثل الذي قال الله فيهم: "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا"...

ولنجعل اختياراتنا دائما لله عز وجل حتى ولو تبين لنا عند الحساب انه كان الاختيار الخاطئ، فسيثيبنا الله عليه لأننا بذلنا الوسع في الوصول للحق وأعملنا عقولنا التي خلقها الله لنا ولم نسلمها لأحد...

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعل سعينا اليك خالصا لوجهك ونقى أعمالنا واقوالنا من الرياء والعجب والسمعه واجعلها خالصة لوجهك الكريم...

نحتاج إلى ثورة أخلاقية...د. جاسر عودة | عضو المجلس الاستشاري لـ”يقظة فكر”


العالم الإسلامي بشكل عام والعربي بشكل خاص يحاول أن يغير الحال، ونرى في السنتين الماضيتين خصوصا حراكا شعبيا وإرادة عارمة عامة للتغيير. والثورة السياسية التي تطيح برئيس فاسد أو حكومة مستبدة هي شيء جيد، ولكن الثورة الحقيقية التي يحتاجها العالم العربي بل الإسلامي بل العالم الإنساني اليوم هي (ثورة أخلاقية) – ومقاصد الشريعة هي المنهج والفلسفة ومنظومة القيم في هذه الثورة المنشودة.

العالم المعاصر يعاني من أزمات حادة في كل مناحي الحياة الإنسانية، ولكننا إذا دققنا النظر وتفكرنا في هذه الأزمات لوجدناها جميعا أزمات أخلاقية، سواء في التصورات غير الأخلاقية أو الممارسات غير الأخلاقية (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) سورة الروم 41.

فمثلا: الأزمات السياسية كلها أزمات أخلاقية. سوريا مثال صارخ وفلسطين والعراق وبورما وبنغلاديش وما يحدث الآن في أفريقيا وفي الشرق والغرب – هذه كلها أزمات أخلاقية في التصور والممارسة. وأعجب من أناس عندهم من الصلافة قدر يسمح بأن يقولوا أن إرهاب الدولة في سوريا مشروع أخلاقيا بناء على شرعية الدولة وقواعد (السيادة) والأمن القومي والقانون الدولي وهذا الكلام، وهذا ببساطة يعني أن هناك مشكلة عميقة ليس فقط في الممارسة بل في التعريف النظري والتصور الفلسفي لمفهوم السياسة أصلا. 
وبعض الذين يمارسون السياسة باسم الإسلام (ولكن على الطريقة الميكافيلية) أيضا يحتاجون إلي مقاربة أخلاقية مقاصدية لتصحيح التصورات وتصحيح الممارسة السياسية خاصة مع دعوى الإسلامية.

والأزمات الصحية في هذا العالم – كمثال ثان –مردها إلى تعريف غير أخلاقي للطب كسلعة يشتريها الغنى ويحرم منها الفقير بل يموت الفقير وبالملايين من أجل عدم توفر دواء بدولارين أو ثلاثة – ثم حدث ولا حرج عن شركات الأدوية العملاقة وممارساتها غير الأخلاقية واللعب بالبحث العلمي لإثبات أو عدم إثبات الآثار الضارة لأدويتهم وأمصالهم والطعام بل وأصبح التجميل الذي يغير خلق الله والفطرة البشرية دون حاجة نفسية وصحية – أصبح جزءا من الطب وصناعته للأسف.

والتعليم كذلك بدلا من أن يكون حقا صار سلعة هو كذلك يشتريها من يقدر عليها ويحرم منها من لا يقدر وأصبح استهداف المدارس مشروعا في كل الحروب!

والفجوة الرقمية أصبحت واسعة وهي قضية أخلاقية وليست تقنية فنية فقط ذلك لأنها تجعل من يُحرم من تقنيات التواصل في هذا العالم يزداد فقرا وجهلا ومرضا، وتزداد الشركات التي تحتكر “المعرفة” والمخترعات – التي غالبا ما ينتجها العباقرة في البلاد الفقيرة بأبخس الأثمان – هذه الشركات تزداد ملياراتها ونفوذها على مقدرات الناس.

والفن الحقيقي الصادق يغطي عليه الفن الذي يستهدف تفكيك الفضائل والذي تنشره صناعة الترفيه عن طريق ثقافة النجوم التي تسطَح وتفسد شباب هذا العالم، ناهيك عن صناعة الألعاب الألكترونية التي غالبا ما تُميت فيهم شيئا فشيئا الرحمة والرفق والتواصل الاجتماعي والإنساني. هذه أزمة أخلاقية أخرى كبيرة، وهذه أمثلة قليلة هي غيض من فيض.

أما في مجال الاقتصاد فحدث ولا حرج. فالأزمات الاقتصادية الكبرى التي قتلت من قتلت وشردت من شردت وأفقرت من أفقرت هي أزمات أخلاقية باتفاق الجميع! ولكن الشركات الكبرى تحتكر الاقتصاد بل والسياسة في هذا العالم وأغلب البشر فقراء تحت خط الفقر، وتعقد المنتديات الاقتصادية العالمية فلا تناقش الأخلاق رغم أن الأسئلة الاقتصادية الكبرى هي أسئلة أخلاقية أساسا. والربا والاحتكار والرشوة والفساد واستغلال الضعفاء والأطفال في عمالة رخيصة لا توفر أدنى احتياجات الإنسان هي كلها أزمات أخلاقية.

ويلحق بالأزمات الاقتصادية وينتج عنها أزمات بيئية تسببها شركات البترول العلاقة والنفايات النووية لبعض الدول التي تحتكرها في البلاد الفقيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، واستنزاف بعض الاقتصادات الكبرى للمصادر الطبيعية الإنسانية المشتركة من هواء وماء ومعادن – وعلى نفس المنوال تنعقد القممُ البيئية العالمية ولا تناقش الأخلاق ولا تذكر العدالة والإنصاف – ناهيك عن الشركات الكبرى وبعض الدول التي تتلاعب بالجو الطبيعي بل وبمكونات التربة أحيانا.

ثم مع فساد مكونات التربة، تظهر التقنيات غير الأخلاقية التي تغير خلق الله وتلعب بالجينات الطبيعية المرتبة ليس في الإنسان فقط بل في الحيوان والنبات بغرض التكسب والتجارة دون ضابط ودون رعاية لحقوق الكائنات الحية وفطرتها، وتُقتل الحيوانات بالملايين في كل بلد ليزداد الإنسان تخمة ويصل إليه من الحيوان المسكين كله قطعة لحم أو قطعتين. ثم يقابل التخمة والاستهلاك مجاعات وبشرا يموتون بالملايين كل عام لا يجدون شربة ماء أو قطعة خبز، وما نداء (خبز وماء) الذي سمعناه في الثورات العربية عنا ببعيد.

والمرأة – المسلمة وغير المسلمة - في وضع لا تحسد عليه في كل الثقافات والبلدان التي تدعي التقدم والتي لا تدعيه. ففي الشرق والغرب تُظهر الاحصائيات الفرق الكبير بين النساء والرجال في معدلات الأمية والمرض والفقر، والمرأة أصبحت في عالم اليوم سلعة وشيئا يباع ويشترى، لا تشتري قلما ولا سيارة ولا قطعة أثاث إلا وامرأة تظهر من محاسنها في الدعاية له. والعنف ضد المرأة وتهميشها في علوم الدين والسياسة والفكر والتجارة وغيرها كلها ظواهر عالمية تتخذ أشكالا مختلفة في الثقافات المختلفة.

وأخيرا من أمثلتي وليس آخرا، فالأخلاق في الإعلام والصحافة موضوع طويل ذو شجون. ومع كل احترامي للإعلاميين الشرفاء أسأل الإعلاميين والصحفيين بشكل عام: أين الحقيقة؟ وأين الأخبار؟ الذي نراه في الإعلام ليس إلا حقيقة/الخيال فيها أكثر من الواقع، والذي يصل إلينا من الأخبار هو فقط أرقام القتلى في كل بلد في كل صباح نسمعها مع الأرقام الأخرى أعني درجات الحرارة والبورصة! أين الأخبار عن الحضارة الإنسانية والإنجازات الإنسانية؟ أين قصص النجاح؟ وتحسًن الحال هنا أو هناك؟ أم أن العالم ليس فيه إلا القتل والانتخابات؟

ومقاصد الشريعة نتبناها  في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بمؤسسة قطر، نتبناها منهجا لمواجهة الإشكالات والأسئلة الأخلاقية في كل المجالات التي ذكرتها ولتحقيق تلك الثورة الأخلاقية في دنيا الناس. ذلك أن المقاصد هي الأخلاق الكريمة والمعاني السامية والغايات الرفيعة والأهداف الكبرى التي تتغياها شريعة الإسلام كما أنزلها الخالق سبحانه وتعالى. 

ورغم أن مقاصد الشريعة علم ولد من رحم الفقه وأصوله وما زال يترعرع في هذا المجال – إلا أنه الآن خرج بفضل الله تعالى من هذا الإطار إلى فضاء المجالات الإنسانية المعاصرة كالتي ذكرناها، ويمكنه أن يقدم حلولا لمواجهة تلك الأزمات الأخلاقية الكبيرة على خمس محاور أوجزها إن شاء الله في ما يلي: التعريفات، والقيم، والأولويات، وآليات التكامل، والممارسات.

أما التعريفات فالمقاصد هي الإجابة عن سؤال: لماذا؟، وعلماء الإسلام العظام قد أجابوا عن سؤال لماذا في الشريعة كلها بمقاصدها العامة المعروفة من حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والنسل والمال، وأجابوا عن سؤال لماذا كذلك في كل باب من أبواب الفقه المختلفة عن طريق ما سموه (مقاصد الباب)، كمقاصد البيوع وهي: الوضوح ومنع الظلم ومنع الربا والرواج وغيرها، ومقاصد الزواج، ومقاصد الجهاد، ومقاصد العقوبات، ومقاصد القضاء، ومقاصد الولاية، إلى آخره، ولكن (الأبواب) تغيرت مع تغير العالم، ونحتاج اليوم إلى مقاصد لأبواب العلم والفكر الجديدة.

نحتاج إلى إجابات عن سؤال “لماذا” ليس في الشريعة فقط، بل كذلك في الطب والسياسة والاقتصاد والتربية والفن والإعلام وغير ذلك. فإذا سألنا لماذا الطب؟ لن نعرف الطب كسلعة كما هو في الواقع الآن بل بهذا نغير الواقع ونعرفه تعريفا أخلاقيا يستمد من مقاصد الشريعة العظيمة ويضع الممارسات الطبية والقضايا موضعها السليم. وإذا سألنا لماذا السياسة؟ ولماذا الدولة؟ ولماذا الفن؟ ولماذا الإعلام؟ … أمكنا أن نراجع التعريفات المراجعة الأخلاقية المنشودة.

وأما علي مستوى القيم، فمقاصد الشريعة هي منظومة القيم الإسلامية، وليست المصالح في المفهوم الإسلامي منفصلة عن قيم الخير والحق والجمال والأخلاق المعروفة. بل إن منظومة القيم الإسلامية التي تمثلها المقاصد هي أكثر تعقيدا وتركيبا مما سواها من منظومات القيم الفلسفية، وفيها ترتيب للأولويات بين الضروري والحاجي والتحسيني، والخاص والعام، والعاجل والآجل، بل وفي داخل كل قسم كالضروري مثلا هناك أولويات: فالنفس قبل العقل قبل العرض قبل المال.

والأولويات التي تمليها المقاصد ضرورية لوضع السياسات وسن التشريعات وضبط الممارسات بطريقة أخلاقية، فقضية الأولويات قضية أخلاقية بالأساس تسفر عن الأهم فالمهم عند متخذي القرار فتقدم الأهم في الاهتمام والجهد والميزانيات وتؤخر الأقل أهمية، وهكذا تقدم القرارات المهمة على القرارات الأقل أهمية، والأهداف على الوسائل، والأصول على الفروع، والأركان على المتممات، والكليات على الجزئيات، والمعاني على الشكليات، والقيم على الاعتبارات الأنانية والشخصية.

والمقاصد كذلك تدفع البحث والنظر الأخلاقي حول تكامل المنهجية وتعدد أبعادها. لأنه ما من قضية طبية إلا ولها بعد اقتصادي وسياسي وبيئي واجتماعي وتربوي، وما من قضية فنية إلا ولها بعد اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي… وهكذا دواليك. والمقاصد معان مجردة تمتد وراء التخصصات الضيقة وتوسع نظرتها وتتكامل فيها المنهجيات بين ما تراه هذه التخصصات ومصلحة أو قيمة مطلوبة في واقع الناس.

والمقاصد أخيرا هي حجة الله البالغة على عباده والدليل على صدق رسالته ونبوة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وعلى حكمة التشريع المنزل وهي بالتالي تدفع الممارسة الأخلاقية وتحرض عليها، وتصل الوعي الإنساني والضمير الإنساني بالله تعالى وفي هذا حل للمشكلات الأخلاقية كلها.

الأحد، 24 مارس 2013

لماذا شاركت يوم الخامس والعشرين من يناير 2011؟ - د. محمد يسري سلامة.


عندما خاطبني بعض الأصدقاء بشأن المشاركة يوم 25 يناير، يوم بدء الثورة، اختليت بنفسي قبلها بأيام وتساءلت: 

هل من الصواب أن تشارك وقد كنت محتجزا في أمن الدولة قبل ذلك بأيام، ولديك طفل ما يزال رضيعا - لم يكن طفلي الثاني قد ولد بعد- ولديك وظيفة ستشقى كثير لتجد غيرها في الظروف الحالية، ولديك أم تعيش وحيدة بعد أن هاجرت ابنتها ولم يبق غيرك لتعتني بها؟ 

فماذا لو قٌتلت أو جُرحت أو اعتقلت وسجنت لفترة طالت أو قصرت؛ ما الذي سيحدث لكل هؤلاء، ماذا ستفعل أنت وماذا سيكون مصيرهم هم، إنهم يتحدثون عن ثورة حقيقية لا تنتهي إلا بزوال أحد الطرفين، والأرجح أن الزائل سيكون طرفك أنت؛ وماذا تكون أنت ومن معك أمام هذه القوة الباطشة الغاشمة، وتلك الدولة الراسخة المهيمنة؟

كان كل ذلك، ثم سألت نفسي السؤال المحرج الذي اعتدت على سؤاله في تلك المواقف: 

ماذا يريد الله تعالى منك؟ ترى هل يريد منك السكوت على الفقر والذل والفساد والاستبداد والاحتقار والبطالة، أم الوقوف في وجه كل ذلك بقدر ما أوتيت من قوة، ليكون ذلك على الأقل عذرا مقبولا أمامه يوم العرض الأكبر؛ بأني قد فعلت شيئا أو حاولت فعل شيء..حاولت فعل شيء جيد في مقابل جميع تلك الذنوب والآثام والكوارث المسطورة في صحيفة أعمالي..على الأقل حاولت.

كان يمكنني التشبث بألف عذر وحجة: 
كثير ممن حولي يسفه الدعوة إلى الثورة ويسخر منها، مصر ليست تونس، الشيخ الفلاني والإمام العلاني أفتى بعدم المشاركة وحذر منها، الجماعة الفلانية اعتذرت والحزب الفلاني تبرأ، تحذيرات وتهديدات سافرة من الداخلية وسادنها العادلي..لم أسمح لقلبي بالالتفات إلى شيء من هذا، وأبقيت نظري كله متجها في اتجاه واحد: ماذا يريد الله منك..ماذا يريد الله منك.

ولكن..هيهات أن تتركك تلك النفس الضعيفة وشأنك. 
فصبيحة ذلك اليوم الجليل، يوم الخامس والعشرين، هاتفني صديق كنت قد اتفقت معه على الذهاب سوية، وكان التجمع في الثالثة عصرا في ميدان المنشية، فاتفقت معه على اللقاءء وانتهت المكالمة. 
وفور أن انتهت هاجمتني عشرات الأفكار التي ذكرتها من قبل وغيرها، ماذا لو، ماذا لو، ستفشل، سيضيع مستقبلك ومستقبل أسرتك في مقابل شيء لا يستحق، ثم ما هذه الثورة التي تكون محددة الميعاد سلفا؟ لا لا لن أذهب. 
اتخذت قراري، وخلدت إلى النوم مرة ثانية بعد أن أغلقت هاتفي كي لا يحاول صديقي هذف إيقاظي وإرغامي على النزول.

وكان لطف الله أن استيقظت في الثانية تقريبا، حائرا مضطربا، لكني وجدت نفسي أرتدي ملابسي، وأتصل بصديقي، والخوف يشدني تارة وأشده تارة، حتى كانت تلك الخطوة التي خطوتها خارجا من منزلي، تلك الخطوة الثقيلة التي لن أنساها أبدا، ولن أنسى مدي ترددي فيها، لن أنساها لأنها حررتني من سجن الخوف إلى غير رجعة.

ظل هذا السؤال ينقذني كل مرة: 

ماذا يريد الله منك؟ ..

يوم الثلاثاء السابق لموقعة الجمل كنت متعبا جدا، أعاني من كدمات وإصابات غير ملحوظة، بالإضافة إلى مشاركتي في اللجان الشعبية ليلا. 

هاتفني صديق آخر كما هي عادتنا كل يوم: 
لننزل؟ قلت: أنا متعب، اعذرني اليوم، قال لي: كيف تقول هذا، تلك أخطر أيام الثورة، وإذا لم نتحمل سيتم إلصاق الأمر كله بالإخوان وذبحهم ذبحا، وسينتهي كل شيء. ما كاد يتم كلماته حتى أجبته: أراك خلال نصف ساعة..
بالمناسبة، صديقي هذا يساري لا علاقة له بالإخوان ولا بالتيار الإسلامي أصلا، وكلما تذكرت كلماته حزنت، حزنت من الإخوان وكيف تباعدوا عنا بعد ذلك، وقد كنا أحرص الناس عليهم وعلى سلامتهم...

على كل حال، صار لي مدة وأنا أسأل نفسي هذا السؤال: 

ماذا يريد منك؟ 

فتكون الإجابة: 

لا أدري، لا أدري. 

لم تعد الأمور واضحة كما كانت في السابق: 

اختلط الحابل بالنابل والصديق بالعدو، تشوشت الأفكار وكثر الضجيج، لكني على يقين - أو ربما على أمل- من أننا سنعود يوما ما، وسنخطو مرة ثانية تلك الخطوة الواثقة ..

من أواخر ماكتبه د/ محمد يسري سلامة ‏رحمه الله... الدعوى والسياسي


أتذكر يوم نطق الناطق باسم لجنة الانتخابات اسم محمد مرسي، صفقت وهللت أنا ومن بالبيت، ربما فرحا في خسارة شفيق أكثر من أي شئ آخر، وهذا شيء لن يتغير، ولن يتغير أبدا رأيي في أمثال شفيق امتداد مبارك.

لكن مع مرور الوقت ثبت أيها الرئيس أنك لا تصلح للرئاسة، وها هي الأيام تمر ولا نرى مجرد بادرة لنهضة حقيقية على طريق التقدم والرقي، أو حتى مجرد إصلاحات على نطاق ضيق.

وإذا تذرعوا بالمؤامرات والدسائس فجزء من هذا صحيح بالطبع، ولكن يجب ألا ينسى الرئيس وجماعته أنهم أحجموا عن بناء شراكة حقيقية مع رفقاء الثورة، لأن هذا سينتقص من حصتهم في السلطة بالتأكيد، فوضعوا المصلحة الضيقة أمام المصلحة العامة الواسعة. وها نحن أنصار الثورة وعشاقها نسير متحسرين على أحلام ضائعة، وكأن بلادنا لا  يراد لها إلا أن تكون هكذا..!


أما الفوضى الحادثة الآأن فهي نتيجة صدمة الانتقال المفاجئ من الحكم المدعوم بالمؤسسة العسكرية والشرطية إلى الحكم المدعوم بالجماعة، وكثيرون لا يشعرون بأن هناك رئاسة اللآن لهذه البلاد أصلا ولا رئيسا.

وكان ينبغي على الإخوان تجنيب البلاد مثل هذه الصدمة المفاجئة والاكتفاء بالوزارات والمقاعد النيابية الغفيرة التي كانت ستضمن لهم كثيرا من المكاسب في المستقبل. ولكن نحن المصريين لا نثق في بعضنا البعض مع كل أسف.

وأنا أقول هذا الكلام وليس لدي أدنى ضغينة تجاه الإخوان، وكيف والذي حفظني القرآن قديما، بل جذبني إلى المسجد أصلا كان إخوانيا؟ فلهم علي منة وفضل.

قلنا مرارا: ابتعدوا بالدعوة عن السياسة، بكل الدعوات عن السياسة، أخرجوا رجالا يقودون الأمة ولكن لا تحرقوا الدعوة بنار السياسة، ولا تجعلوا من الخلاف السياسي خلافا دينيا، لم يستمع أـحد، وها هي النتيجة: فقدان الثقة في الدعوة، وتقديم السياسة على كل شيء.

السبت، 23 مارس 2013

انقسام هنا وانسجام هناك ..... فهمي هويدي

دخلت تركيا فى مصالحة تاريخية كبرى، فى حين تكاد مصر تغرق فى بحر الانقسام والخصام. ومن مفارقات الأقدار وسخرياتها أنه فى الوقت الذى كانت ترتيبات المصالحة تجرى بين أنقرة وبين القيادة الكردية، فإن النخبة المصرية كانت تواصل تجاذبها وعراكها، مستخدمة فى ذلك مختلف أسلحة القصف والاغتيال، المقبول منها والمحظور.
حتى قرأنا لأحد هواة السياسة الجدد قوله إن مصر لن تسعنا معا (المعارضة والإخوان)، الأمر الذى وضعنا أمام مفارقة فاجعة فى المقارنة. إذ رأيناهم يوم الخميس الماضى (21/3) يطلقون صيحات الفرح فى 50 ميدانا تركيا احتفاء بالمصالحة، وفى ذات اليوم هللت بعض صحفنا لأن «مصر طالعة» إلى المقطم بعد 24 ساعة (صباح الجمعة) مستهدفة مقر جماعة الإخوان، للانخراط فى جولة جديدة من العراك المجنون والعبثى.

أرجو أن تعتبر ما سبق «فشة خُلق» كما يقول إخواننا فى الشام، لأننى كنت قد عزمت على الحديث عن أهمية وعبرة المصالحة التاريخية التى حدثت فى تركيا يوم أمس الأول (الخميس)، لكننى وجدت أن بعض الصحف المصرية الصادرة فى صباح اليوم ذاته كرست صفحاتها وأخبارها وتعليقات كتابها للتعبئة والتحريض على الانخراط فيما سمى «طلعة الجمعة» فدفعتنى المفارقة إلى المقارنة التى لم يكن منها بد.

المصدر المجهول ...... عبد الرحمن يوسف

نعيش فى مصر أكبر حالة انفلات إعلامى فى التاريخ الحديث (فيما أظن)، ولعل من أبرز أشكال هذا الانفلات هو ذلك المصدر المجهول الذى يصرح دائما تصريحات تتهم هذه الجهة أو تلك باتهامات كفيلة بإحراق البلاد وإهلاك العباد.

تارة يكون المصدر أمنيا، وأخرى عسكريا، وثالثة مطلعا، والحقيقة أننا أمام صحافة صفراء تصنع الكذب صناعة، ثم تنسبه لمصدر ما.

الأساطير المؤسسة للعقلية المصرية بعد الثورة..... معتز بالله عبد الفتاح

لكل مجتمع مجموعة من السمات تميّزه، قد تتقاطع أو تتشابه مع السمات الثقافية لمجتمع آخر، ولكن مجموعها وتفاعلها هو ما يجعل هذا المجتمع مختلفاً عن غيره. أكيد فى الثقافة السياسية المصرية الكثير من الصفات الإيجابية، ولكن لا شك كذلك فى أن هناك الكثير من الصفات السلبية التى يمكن أن تفسر لنا الكثير مما يحدث فى شوارعنا من مقدّمات احتراب أهلى وصراع سياسى بين النخبة السياسية التى تبدو متكلسة وغير قادرة على أى فعل سياسى جامع.

العنف يهدد فرص التوافق ... سيف الدين عبدالفتاح

حينما تحدثت فى المقالة السابقة عن أن تأجيل الانتخابات فرصة يجب ألا ندعها جميعا تمر أو تضيع كان مقصودى أن نؤكد على ضرورة تهيئة الأجواء لمصالحة سياسية كبرى تحقق الهدف منها لإنقاذ الوطن من أزمته وحماية الثورة من المتربصين بها، وكذلك كان من المقصود أن نهيئ مناخ الاستقرار بصورة ملحة حتى يمكن التفكير بهدوء فى الخروج من هذه الأزمات برؤية رصينة تحفظ لحمة الجماعة الوطنية وتخرج من قمقم الاستقطاب.
إلا أن المشاهد التى وقعت خلال هذا الأسبوع والمرشحة للتصاعد خلال الأيام المقبلة أشارت إلى كيف أن الأحداث العابرة يمكن أن تسهم فى وأد استراتيجيات كبرى فى مهدها ذلك أن الحدث الصغير قد يؤدى إلى أثر كبير لا يمكن التحكم به أو فيه فيؤدى ذلك إلى نسيان الهدف الأساس أو تحويل الأنظار عنه إلى أمور تتصدر المشهد من غير استئذان، وتقوم الأطراف التى تتعلق بصناعة عالم الأحداث والتهويل فيه بتقديم صورة هذا الحدث بحيث يطغى على كامل المشهد السياسى وتصير كل الأمور تتعلق بمصالح الوطن وبمحاولة التعامل مع أزماته الحقيقية فى خلفية المشهد وربما تتوارى إلى زوايا النسيان.

الجمعة، 22 مارس 2013

عن غاية ارسال الرسل وانزال الكتب.. محمد عريضة

يقول الله تعالى:

"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ..."

فالغاية من ارسال الرسول ونزول الكتب السماوية هو اقامة العدل بين الناس...  وعليه قامت السماوات والارض.. وكما أن اقامة العدل هو الغاية العظمى والهدف الاسمى، كان الظلم هو اعظم الكبائر واشد الذنوب...
وهو سبب هلاك الامم كما اخبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: انما اهلك الذين من قبلكم انهم اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد.
وهذا الذى دفع علماء الاسلام ان يقولوا بأن العدل يقيم الدولة ولو كانت كافرة والظلم يهدم الدولة ولو كانت مسلمة...
والعدل احد القيم العامة التى دعا اليها الاسلام في حديثه عن الحكم وصفات الدولة..
واحتل سيدنا عمر هذه المكانة في قلوب الناس حتى من غير المسلمين لأنه كان أعظم شخصية في التاريخ ( بعد الرسل ) يتجسد فيها قيمة العدل...

فرصة أخرى ستضيع .......... إبراهيم الهضيبى

نتائج انتخابات الاتحادات الطلابية والنقابية الأخيرة، مقرونة باتساع حركة الاحتجاج الاجتماعى، تقول إن ثمة حراكا مجتمعيا لم يفتر، وأن أثره يمتد إلى جميع الأطراف مبشرا بالتغيير، بيد أن هذه المشاهدات ينبغى قراءتها والتعامل معها بشكل صحيح حتى لا تتكرر الأخطاء وتضيع فرصة أخرى للتغيير.

الأربعاء، 20 مارس 2013

محاضرة الدكتور عزمي بشارة في منتدى الجزيرة السابع: "عن الثورة والمرحلة الانتقالية"

ألقى الدكتور عزمي بشارة المحاضرة الرئيسة في اليوم الثاني للجلسات العامّة في منتدى الجزيرة السّابع الذي عقد في الفترة من 16 إلى 18 آذار / مارس بعنوان: "العالم العربيّ في مرحلةٍ انتقاليّةٍ: الفرصُ والتحديّاتُ". وكان عنوان محاضرة الدكتور بشارة "عن الثورة والمرحلة الانتقاليّة"، وفيما يلي نصها كاملًا:

من وظائف المربي على طريق الدعوة.... بقلم: محمد حامد عليوة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2).

المربي، هو عماد العملية التربوية، وحجر الزاوية في بناء الدعوة، كما وصفه الإمام حسن البنا، حين قال: "الأسرة هي قاعدة الأسس في بناء دعوتنا، ومسئولها (يقصد النقيب/ المربي) هو حجز الزاوية في هذا البنا". واللافت للنظر في هذا الكلام البليغ للإمام البنا، أن حجر الزاوية في البناء هو إمام الأحجار، يحرص البناء (رجل البناء) أن يجعله مستقيمًا موزونًا ومستقرًا، ويشد عليه الخيط، ومن بعده يصف بقية لبنات الصف، لأنه في استقامته واتزانه استقامة واتزان لما بعده من البنات. ولا قدر الله أي انحراف أو خلل في وضعه يؤثر مباشرًا على ما بعده من لبنات، وقد يؤدي إلى خلل في معظم البناء.

من هنا يتضح دور المربي في العملية التربوية، بل دوره وأثره في بناء الدعوة عمومًا، حيث تنعقد عليه كثير من الآمال في بناء الأجيال وتربية الرجال، وبقدر فهمه واستيعابه لدوره، وادراكه لعظم ما يقوم به من مهام، والنتائج المترتبة على ذلك، يكون فعله وأثره وحركه إن شاء الله، بعد توفيق الله له.

ومن مهام ووظائف المربي على طريق الدعوة:

1- أن يتمثل القدوة أمام إخوانه، في عبادته وأخلاقه وسلوكه، في قوله وعمله. وأفضل صور القدوة، هي القدوة العملية (فحال رجل في ألف رجل أبلغ وأنفع من قول رجل في ألف رجل)، ورجل القول غير رجل العمل.

2- أن يربط إخوانه بالمنهج والمبدأ، وأن يحرص على علاقة إخوانه بأصول ومبادئ هذه الدعوة، ولا سيما معينها الصافي (القرآن والسنة) وسير الصالحين والدعاة المجاهدين. فمن المهام الأساسية للمربي، أن يربط إخوانه بكتاب الله (تلاوة- تدبرًا- فهمًا- تطبيقًا)، ويربطهم بسيرة نبيهم الكريم وسنته العملية والقولية، وسير الصالحين والدعاة السابقين الذين ثبتوا وضحوا وجاهدوا على هذا الطريق. وهنا تتجسد معاني الربانية في المدعو حينما يرتبط عقله وقلبه وسلوكه بكتاب الله وسنة نبيه الأمين وسير الصالحين والعباد والدعاة والمجاهدين.

3- أن يطوع إخوانه للفكرة والمنهج والمبدأ وليس لنفسه أو غيره من الناس، الدعوة تبقى ويفنى الدعاة، والمبادئ تبقى ويزول الأشخاص، وبالتالي يدور الأفراد مع الحق حيث دار.

4- تعميق مبادئ الشريعة في نفوس إخوانه وتعويدهم على عرض كل شيء على الشرع وعلى الحق، فيكون هو المقياس الذي يرجعون إليه. وبالتالي يتربى إخوانه على قياس ووزن أمورهم جميعا (الدعوية والحياتية) بمقياس وميزان الشرع الحكيم، والنتيجة لن يضلوا أبدًا. (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي).

5- تعميق معاني الأخوة والحب في الله بين إخوانه، لأن الأخوة سر القوة كما قال الإمام البنا (أخوتكم سر قوتكم)، وهي أساس قوة الجماعة، وتماسك لبناتها وأعضائها، كما أنها سبيل لرضوان الله ونيل الأجر، وأن نستظل بظله يوم لا ظل إلا ظله.

6- التعرف الدقيق والعميق والواضح على إخوانه، من خلال المخالطة والمعايشة الحقيقية لهم ولظروفهم وواقعهم، ففي ذلك فرصة كبيرة لحسن تربيتهم ورعايتهم، لأن المعايشة أساس التربية، فضلاً عن أن المعايشة تسمح له بحل مشكلاتهم، واكتشاف ما عندهم من المواهب وتنميتها وتوظيفها. وبالتالي كان تفعيل أركان الأسرة من المهام الأولية للمربي وهي (التعارف- التفاهم- التكافل).

7- الحرص على إخوانه، ورعايتهم، والسهر على حل مشاكلهم ولا سيما وهي صغيرة، فلا يغفل عن مشكلاتهم حتى تكبر وتتفاقم ويصعب حلها، ولكن يتعامل معها سريعًا، ويتعهدها مبكرًا، وهذا من حق إخوانه عليه، فضلاً عن حرصه على جعل إخوانه يتعاونون فيما بينهم في التغلب على صعابهم ومواجهة مشكلاتهم، ففي ذلك تقريب وتأليف بينهم إن تعاونوا. ولا مانع من الجهود الفردية أحيانًا في حل بعض المشكلات لدي أحد إخوانه.

وبالتالي كان المربي القدوة المتميز هو ما يجمع بين أسلوبي التربية (الفردية- الجماعية)، سواء في التربية عمومًا أو حل المشكلات خصوصًا.

8- أن يغرس في نفوس إخوانه الثقة في المنهج، والثقة في الطريق، والثقة في القيادة، مع تربية إخوانه على النصح وإبداء الرأي لما فيه صالح الدعوة ودرء المفاسد عنها، بشرط أن تكون النصيحة وفق ضوابطها الشرعية المعروفة، وعبر قنواتها وآلياتها المتبعة، لأن النصيحة مطلوبة من الجميع وللجميع. عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدين النصيحة ثلاثًا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم..

9- تشجيع روح المناقشة والحوار بين إخوانه، من منطلق أنهم أصحاب دعوة وليسوا أجراء فيها، وتربية إخوانه على التفكير لدعوتهم، وعرض المقترحات والأفكار التي تسمو وتنهض بها، وأن يغرس فيهم مبدأ ملكية هذه الدعوة، بمعنى أنها دعوتنا جميعًا، يجب أن نخاف عليها جميعًا، ونفكر ونقترح لها جميعًا، وننميها جميعًا، ونحمل همها جميعًا، فمن ملك شيئًا حرص عليه وعلى تنميته. كل ذلك في إطار من الأخوة والثقة والتأدب بآداب العمل الجماعي وآلياته.

10- الحرص على تفعيل المنهج التربوي، وتحقيق أهدافه الشاملة في إخوانه، بمجالاتها المعرفية والوجدانية والسلوكية، وأن يوظف هذا المنهج لرعاية المتميزين منهم، ودفعهم وتعزيز تميزهم، وأيضًا توظيف المنهج لحل مشكلات المتعثرين منهم، وعونهم في تجاوز عثراتهم برفق ولين. من هنا تظهر أهمية قاعدة (التربية بالأهداف والنتائج)، حيث نرى أثر المنهج شاملاً في تربية الأفراد، ولا يتوقف الأمر عند كتب تدرس أو محتويات تقرأ.

11- المربي هو همزة الوصل الصادقة بين القيادة وبين إخوانه (في الاتجاهين النازل والصاعد) وبنفس الروح، بمعنى أن المربي القدوة يجب عليها أن يكون معدن جيد التوصيل لحرارة ونبض الدعوة من وإلى إخوانه، فكل ما تطلبه القيادة أن ينزل للأفراد ينزل وبكل دقة ووضوح وبحرارة، وكل ما يطلبه إخوانه من قيادتهم أن يتضح أو مقترح مطلوب أن تطلع عليه القيادة، وجب أن يصعد كما هو أيضًا، ويرى الأفراد الرد الوافي على تساؤلاتهم، ومصير مقترحاتهم، بحب وثقة وأخوة متبادلة.

12- أن يتفقد إخوانه فردًا فردًا، وأن يسعى بمصالحهم ويتأمل كل شأن من شئونهم بلا تبرم، وبكل حب وسرور. وليضع نصب عينيه دائمًا توجيه الإمام البنا: (وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعًا..) رسالة التعاليم.

هذه بعض مهام ووظائف المربي على طريق دعوتنا المبارك، وللموضوع بقية نستكملها في مقال آخر إن شاء الله، أسأل الله سبحان هو تعالى أن يتقبل منا ومنك مصالح الأعمال، وأن يرزقنا جميعًا الإخلاص في القول والعمل وفي السر والعلن.

وصلى الله وسلم على رسولنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واحمد لله رب العالمين.

من يوقف هذا السلوك الانتحاري الإخواني ؟.... محمد المهدي

أكتب هذه الرسالة من واقع الأمانة والمسئولية المهنية, كما أكتبها من واقع الأخوة والمحبة لفصيل مصري مهم ومؤثر وله تاريخ نضالي طويل وله تأثير محلي ودولي لا ينكره منصف حتى ولو اختلف مع بعض جوانبه, وأكتبها بدافع القلق على مصر التي تعاني حاليا من انقسام خطير وصراعات ملتهبة وأزمات مهددة تكاد تعصف بمنجزات ثورة عظيمة دفع فيها المصريون ثمنا غاليا وتأملوا منها الخير فلم يجنوا إلا الإحباط حتى هذه اللحظة, كما أكتبه من باب النصيحة عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة....", وبقوله صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالما أو مظلوما, قال أحد الصحابة: كيف أنصره ظالما, قال صلى الله عليه وسلم: تكفه عن ظلمه".

الثلاثاء، 19 مارس 2013

فصل فى محنة الفلسطينيين بمصر ...... فهمي هويدي

لا يمكن أن يكون الذى يحدث فى مصر للفلسطينيين مجرد مصادفات، ولا يمكن أن يتم بحسن نية، وإنما هو فى أحسن فروضه من مخلفات مرحلة رفضها وثار عليها شعب مصر.

(1)

يوم الخميس الماضى 14/3 نشرت صحيفة «الشروق» على الصفحة الأولى خبرا خلاصته كما يلى: تم اعتقال خلية فلسطينية من سبعة أفراد قدموا من دمشق. وكانوا قد قضوا فى إيران بعض الوقت، ثم دخلوا إلى سوريا بدون تأشيرة. وقد اشتبه فيهم ضابط الجوازات، فاستدعى فرقة التأمين. وأثناء تفتيش حقائبهم اكتشف رجال الأمن وجود رسم «كروكى» لمنشآت مصرية سيادية. فتم نقلهم إلى جهاز الأمن الوطنى، حيث عثر بحوزة أحدهم على ملف ورقى به بعض صور لمؤسسات حيوية وعسكرية فى مصر، بجانب حيازته أوراقا مدونة بخط اليد عن كيفية تصنيع المتفجرات والتدريبات العسكرية، إضافة إلى مخططات إرهابية تستهدف تفجير بعض المنشآت فى مصر. وقد اعترفوا فى التحقيق معهم بأنهم كانوا يعتزمون القيام بعمليات تخريبية ردا على هدم الجيش للأنفاق «السرية» فى غزة، وقد تم إطلاق سراح أولئك الأشخاص «بدون إبداء الأسباب».

فى نفس اليوم كانت القصة هى الخبر الرئيسى على الصفحة الأولى لجريدة «الوطن» تحت العنوان التالى: الرئاسة تضغط للإفراج عن 7 فلسطينيين بعد ضبطهم وبحوزتهم خرائط لمواقع سيادية. وجاء فى الخبر ما يلى: كشف مصادر سيادية رفيعة المستوى أن مؤسسة الرئاسة مارست ضغوطا شديدة على المخابرات الحربية لمنع تسرب أى معلومات بشأن القبض على 7 فلسطينيين فى مطار القاهرة تبين أن بحوزتهم صورا ورسومات لأماكن حيوية تخص القوات المسلحة. وأضافت تلك المصادر أن ضغوط الرئاسة استهدفت الإفراج عن المتهمين وترحيلهم إلى غزة عبر معبر رفح. وأشارت إلى أن السبعة دخلوا إلى مصر عبر الأنفاق أكثر من مرة وتلقوا تدريبات فى كتائب القسام قبل أن يتلقوا تدريبات أخرى على القتال فى إيران بواسطة المخابرات والحرس الثورى. وكشفت تلك المصادر عن أن المتهمين عثر بحوزتهم على صور لمنشآت سيادية من ضمنها مقار وزارتى الدفاع والداخلية ومبنى الإذاعة والتليفزيون والمخابرات العامة وبعض الوحدات العسكرية وهيئة التنظيم والإدارة الخاصة بالقوات المسلحة.

الاثنين، 18 مارس 2013

رسالة إلى الحركة الإسلامية: ادفعوا زكاة قدرتكم...........ناجح إبراهيم

تعرضت الحركة الإسلامية المصرية فى عهد الرئيس مبارك لعسف شديد وقهر لا حدود له ما بين اعتقال وتعذيب وتشريد ومحاربة فى الأرزاق والأقوات.

واليوم تنعم الحركة الإسلامية بالأمن والأمان وحرية الدعوة والحركة.. وينتقل دعاتها من الإسكندرية إلى أسوان لا يخافون إلا الله ولا يتوجسون من أحد.. بل إنهم انتقلوا من السجون إلى قصور الحكم.. ومن ظلمة المعتقلات إلى سدة الرئاسة.

وهذه القدرة تستلزم من الإسلاميين أن يدفعوا زكاتها.. فلكل شىء زكاة.. فالمال له زكاة إذا بلغ النصاب.. أما زكاة القدرة فهى العفو والصفح والتسامح وخفض الجناح وعدم الاستطالة على الآخرين والإحسان إلى الخلق جميعاً وعدم التعالى على من يخالفها فى الرأى أو الفكر أو الاعتقاد.

الموروث والعصر .... فهمي هويدي

هل صحيح أن الصراع الحاصل فى مصر الآن هو بين الموروث والعصر؟
استوقفتنى هذه المقولة حين ترددت فى الآونة الأخيرة، واعتبرتها من قبيل التشخيص المتسم بالتبسيط والتغليط ــ  لماذا؟ لعدة أسباب:
  • أولها أن الأزمة يتعذر اختزالها فى عنصر واحد، وإنما هو حصيلة عوامل عدة بعضها داخلى والبعض الآخر خارجى. ذلك أن اللاعبين على المسرح السياسى هم نتاج عدة عقود من الاستبداد والإقصاء أحدثت تشوهات عميقة فى جميع القوى السياسية أفقدتها القدرة على العمل المشترك بقدر ما حرمتها من خبرة إدارة الشأن العام، ثم إن تلك المرحلة تخللتها ارتباطات وتعهدات قدمتها القيادة المصرية السابقة للولايات المتحدة وإسرائيل بوجه أخص، أحسب أنها تشكل قيودا تكبل حركة أى نظام جديد يقوم فى البلد. الأمر الذى يؤثر سلبا على مجال وكفاءة إدارته.

المناضلون الافتراضيون..... معتز بالله عبد الفتاح

كنت دائما أتوقف أمام الآية الكريمة التى تقول: «وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ». ومصطلح «النزع» يحمل معنى الممانعة والمقاومة من الطرف الآخر. وأزعم أن استخدام الحق سبحانه لهذه اللفظة، رغما عن أنه أشار فى مواضع أخرى إلى أنه إذا أراد شيئا فيقول له كن فيكون، أن النفس الإنسانية فيها من صفات الكره والشحناء والحقد ما يجعل الأمر يحتاج لعملية «نزع».

الأحد، 17 مارس 2013

مأزق الدولة القوية والمجتمع القوى: ماذا لو كان عبدالناصر سلفياً؟.... معتز بالله عبد الفتاح

مستخدماً نفس الأداة التحليلية التى استخدمتُها الأسبوع الماضى وهى الـ«counterfactuals»، التى تتيح لنا العودة إلى التاريخ لدراسته بتحييد أحد عناصر القوى الفاعلة فيه حتى نتعلم منه، أسال هذا السؤال: ماذا لو كان الرئيس عبدالناصر سلفياً أو غير ذلك؟

إجابة هذا السؤال ترتبط بأسئلة أخرى: ما الذى جعل مصر تُلغى الأحزاب وتؤمّم الصحف التى كانت موجودة قبل ثورة 1952؟ ما الذى جعل مصر تتحول من دولة رأسمالية قبل الثورة إلى دولة اشتراكية بعد الثورة؟ ما الذى جعل مصر تتبنى أيديولوجية القومية العربية ومعاداة الغرب والتقرُّب إلى الاتحاد السوفيتى؟ هل للرئيس الراحل دور فى هذه الأمور، أم أنها ترتبط باعتبارات موضوعية كان سيضطر معها أى رئيس إلى تبنيها؟

لو رجعنا إلى زميل تختتى وصديق طفولتى «أرنولد توينبى» وسألناه فى هذا الموضوع لذكر لنا منهجه الشهير عن «التحدى والاستجابة»، وهو أن الأفراد كما الجماعات كما المجتمعات، تواجه بتحديات (أى أسئلة كبرى) وهى تختار الإجابة التى تتوافق معها. وحين يُسلِّم معظم مجتمع ما مفاتيح القيادة لشخص أو لمجموعة أشخاص تصبح استجابتهم هى استجابة المجتمع بأسره. وعليه لو كان الرئيس عبدالناصر يؤمن إيماناً عميقاً بتطبيق «أحكام القرآن والسنة على فهم سلف الأمة» كما يقول أصدقاؤنا السلفيون لكان زمانه مختلفاً فى هيئته (ربما اللحية الكثيفة والجلباب الأبيض وعلامة الصلاة البارزة على جبهته) وفى سياسته (ربما توسّع فى التعليم الدينى، طبّق بعض أو كل الحدود وتقارب أكثر مع دول تزعم تطبيق نفس المنهج السلفى وتصبح لنا علاقات تحالف مع دول الخليج بدلاً من الحرب الباردة العربية التى عرفتها المنطقة فى الستينات)، وهكذا.

السبت، 16 مارس 2013

خارطة طريق للمصالحة والبناء ........... عبد الفتاح ماضي

أدى المسار المرتبك فى إدارة المرحلة الانتقالية فى العامين الماضيين إلى عدة مشكلات أهمها إطالة المرحلة الانتقالية، ورفع تكلفة الانتقال بشريا وماديا، وتأزم الاقتصاد، وتسييس الجيش والقضاء والألتراس، وتمرد الشرطة، وتحويل البلاد إلى ساحة لمخططات إقليمية ودولية، بجانب ظهور مجموعات شبابية تستخدم طرقا غير تقليدية من العنف ضد مؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية.

فرصة لا تدعوها تمر ........ سيف الدين عبدالفتاح

أشرت فى المقالة السابقة إلى عموم ظاهرة الزهايمر السياسى لدى السلطة والرئاسة والمعارضة والقوى السياسية، وفى هذه المقالة نؤكد أنه من الواجب أن تنهض هذه القوى بحالة من استعادة الذاكرة وإحياء مراكز تذكرها، وممارسة أقصى درجات النقد الذاتى لديها حتى يمكن أن نخرج من حال الأزمة المرشحة، إن تركت تتراكم، قد تتحول لكارثة وطن لا يمكن تفاديها لا قدر الله، ومن هنا فإننى أضع كل هؤلاء أمام المسئولية الوطنية واستثمار قدرات الفاعلية والتأكيد على قيام كافة الأطراف بأدوارها الأساسية من سلطة رشيدة، ومعارضة وازنة، وحكومة فاعلة، وإطار يجمع هذه القوى فى سياق يحمل مفاتيح الاتفاق والتوافق أكثر مما يشير إلى حالات الانقسام والاستقطاب، ويجعل كل هذه القوى جزءا من الحل لا جزءا من الأزمة.

ماذا نريد من الداخلية؟...... مصطفى النجار

قبل حل البرلمان السابق وقف رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى فى الجلسة العامة ليقول للنواب إن الداخلية ترفض أية مقترحات لإعادة الهيكلة وإصلاح المنظومة الأمنية وأن المقاومة الداخلية لأى إصلاح تمنع أى خطوات جادة لإنجاز هذا الملف.

الجمعة، 15 مارس 2013

ساسة من خارج الدولة .......... إبراهيم الهضيبى

التعقد المستمر للمشهد السياسى ــ وإن كان فى أحد أبعاده يتعلق بتوجهات وكفاءة الأطراف الموجودة فى الحكم والمعارضة ــ فإنه يعبر أيضا عن صراع بين مشروعين للحكم؛ أحدهما للدولة التسلطية القائمة من قبل الثورة، والثانى للمجتمع الراغب فى أساليب أكثر ديمقراطية (بالمعنى السياسى والاجتماعى) فى الحكم، وهو ما لا يمكن تحقيقه بغير تحصيل أسبابه.

•••

تكشف الأحداث عن فشل الأطراف السياسية الرئيسة فى تقديم حلول تحظى بأى قدر من الشرعية للمشكلات الحالة؛ الأمنية والاقتصادية والعدلية؛

لماذا تحولت الديمقراطية من حل إلى مشكلة؟ .....عبد الفتاح ماضي

في دول أخرى يتصارع الناس، وربما يتحاربون، ثم تكون الديمقراطية والارتباط بمعاييرها وضوابطها هي الحل. ما حدث عندنا في مصر هو العكس، رفع الشعب في ثورته شعارات ومطالب ديمقراطية، لكن النخب فشلت في ترجمة هذه المطالب إلى مؤسسات وأطر قيمية ودستورية وقانونية، وراحت تتنافس -قبل بناء النظام السياسي البديل- على كعكة غير موجودة بالأساس، واعتقد كل فصيل بأن رؤيته هي الصحيحة وأن الآخر يتآمر عليه.

الخميس، 14 مارس 2013

الأمن الفكرى أم الغذائى .... فهمي هويدي

حين يصبح «الأمن الفكرى» عنوانا مدرجا على جدول أعمال أهل السياسة العرب، فينبغى أن نقلق ونتوجس شرا. ذلك ان المصطلح ذاته يثير الشك ولا يبعث على الارتياح، ثم ان تحويله إلى ملف يتولاه وزراء الداخلية بوجه أخص يحول الشك إلى خوف.
أقول ذلك بمناسبة اجتماع أولئك الوزراء (أمس واليوم) بالعاصمة السعودية الرياض، فى الدورة الثلاثين لمجلسهم التابع لجامعة الدول العربية. وهو المجلس الذى ظل يتصدر واجهة العمل العربى المشترك طوال الثلاثين سنة الأخيرة. وبدا ذلك الاستمرار ظاهرة مثيرة للانتباه فى ظل الخلافات والتجاذبات السياسية التى مر بها العالم العربى خلال تلك الفترة. حيث كان مفهوما لدى كل الأطراف وقتذاك، أنه لا يعلو صوت فوق صوت الأمن. ولم يكن خافيا على أحد أن المقصود هو أمن الأنظمة والحكام والمسيطرين بالدرجة الأولى، وليس أمن الشعوب بطبيعة الحال. إزاء ذلك فقد ارتفعت أسهم القيادات والأجهزة الأمنية، بعدما أصبحت الأداة التى تحقق من خلالها القيادة السياسية أهدافها. وفى مصر فإن تلك الأهداف تراوحت بين تأمين أهل الحكم وقمع المعارضين والإشراف على تزوير الانتخابات وترتيب عملية توريث السلطة.

امتحانان فى واحد..... معتز بالله عبد الفتاح

جزء من تعقيدات المشهد أن مصر تمر بامتحانين صعبين ومتوازيين:
  • أحدهما امتحان التحول الديمقراطى،
  • والثانى هو امتحان الصدام الأيديولوجى.
التحول الديمقراطى بذاته كافٍ تماماً لإرباك العقل الجمعى لأى مجتمع لأنه يعنى زراعة عضو جديد فى جسد اعتاد على غيابه.

هل استُخدمت جماعة الإخوان أداةً لإجهاض الثورة المصرية؟.... حسن نافعه

رغم قناعتى التامة بأن جميع أطراف اللعبة السياسية، فى الداخل والخارج، تسعى للدفاع عن مصالحها الخاصة بكل ما هو متاح أمامها من وسائل، وبأن البعض قد يقع أحياناً تحت إغراء اللجوء إلى أكثر الوسائل المتاحة انحطاطاً لتحقيق مصالحه، إلا أننى لست من المولعين بنظرية المؤامرة، فلجوء الفاعلين السياسيين إلى التآمر كوسيلة لتحقيق الأهداف شىء، والاعتقاد بنظرية المؤامرة شىء آخر. وفى تقديرى أن اللجوء إلى نظرية المؤامرة لطرح تفسيرات نمطية عن أوضاع ومواقف وأزمات، هى بطبيعتها مركبة، يعد نوعاً من «الاستسهال»، وهروباً من عناء البحث والاجتهاد للحصول على معلومات مؤكدة وموثوق بها تساعد على الوصول إلى تفسيرات لا تبتعد كثيراً عن الحقيقة.

الأربعاء، 13 مارس 2013

لا لخصخصة الأمن والعدالة........معتز بالله عبد الفتاح

 مفهوم الخصخصة يعنى تحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة، وأهم المؤسسات التى لا يمكن خصخصتها مؤسستا الأمن والعدالة، وحتى لو حدثت خصخصة لبعضها فيكون بإذنها ووفق ضوابطها وهى فى قمة قوتها وليس فى حالة ضعفها، وليس بديلاً عنها. إن مظاهر خصخصة مؤسستى الأمن (الشرطة) والعدالة (المحاكم) كثيرة، وكلها تصب فى خانة الإيحاء بأنهما لا تتمتعان بالاستقلال المؤسسى عن الأحزاب والقوى السياسية المختلفة.

الثلاثاء، 12 مارس 2013

مصر بين حريقين.. الخبرة والعبرة ...... فهمي هويدي

ما يحدث فى مصر هذه الأيام يعيد إلى الأذهان أجواء حريق القاهرة الذى شهدته البلاد منذ نحو ستين عاما، وكانت له تداعياته التى شكلت منعطفا كبيرا فى التاريخ المصرى الحديث.

(1)

صحيح أن الحدث استغرق يوما واحدا أو نصف يوم إن شئت الدقة، إلا أنه لا يزال محفورا فى الذاكرة المصرية، فقبله يوم واحد كانت موقعة الإسماعيلية التى أثبتت الشرطة خلالها بسالة نادرة فى مقاومة سلطة الاحتلال البريطانى، وبعده بستة أشهر قامت ثورة يوليو وسقطت الملكية فى مصر.

الاثنين، 11 مارس 2013

من محطات ثورة 25يناير... الجمعة 11 مارس 2011.... هاني محمود


عقدنا "مجموعة شباب الإخوان في الائتلاف" اجتماعا صباح يوم الجمعة 11 مارس قبل صلاة الجمعة في بيتي حضره من المجموعة: محمد القصاص وأحمد عبد الجواد وإسلام لطفي ومصعب الجمال، وأحمد نزيلي وكان هدف الاجتماع: محاولة التوصل لمبادرة توحيد الموقف بخصوص التعديلات الدستورية ندعو القوى السياسية للاجتماع عليها؛ حيث أفضت ناقشاتنا خلال الأيام السابقة إلى نتيجة واحدة واضحة: 

إدارة الرئيس المنتخب.. ثلاث إجادات وثلاث مشكلات ...... مدحت ماهر الليثى

من المهم أن نتداول الرؤى حول هذه المرحلة من تاريخنا، وأن نوجه خطابات المشورة والنصيحة لكل مسئول عن نجاحنا أو إخفاقنا. وفى القلب من هذا إدارة الرئيس الأول بعد ثورة يناير؛ للكشف عن الميزات التى تتمتع بها والمشكلات التى تعرقل تقدمها.

مجتمع إذا خاصم فجر...... معتز بالله عبد الفتاح

قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».
العائد المباشر والشخصى الذى يرجع على الإنسان المصرى من الخيانة أو الكذب أو الغدر قد يمكن فهمه، ولكن ما يلفت نظرى أننا حتى حين نخاصم نفجُر (من الفجور) فى الخصومة ونفجِّر (من التفجير) الأوضاع فيخسر الجميع، وسنتحول إلى بلد بلا حكماء أو رموز محترمة وكأننا نفترض الكمال فى الآخرين، وهو كمال نعلم يقيناً أن الله حرمه تحريماً على جميع خلقه فعاتب رسله ولام أنبياءه وشرع التوبة وجعل التدافع بين البشر من أسباب صلاح الأرض.
من هم حكماء مصر الذين يمكن أن نعود إليهم وقت الحاجة؟ من هم الذين نرفعهم فى مكان عالٍ، حتى لو اختلفنا معهم أو تحفظنا على شىء من مواقفهم، لأنهم ترفعوا عن الدنايا وارتفعوا فوق العطايا؟
فى جنوب أفريقيا كان هناك نيلسون مانديلا، ولا يقل أهمية عنه، القس ديزموند توتو المناهض للعنصرية منذ السبعينات الذى أعلن رفضه المطلق لأن يعامل الرجل الأسود «كخرقة تمسح بها الحكومة أحذيتها»، ثم أعلن دعوته للعمل من أجل السجناء والفقراء والمقهورين والمعزولين والمحتقرين. كان هناك من شن على الرجل حملة دعاية سلبية للنيل منه كان مضمونها أنه «شيوعى» لكنه ظل أقوى من كل هذا وبمرور الوقت اكتسب أنصاراً حتى من بين معارضيه ممن يصدق فيهم قول الحق سبحانه: «وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى» فخرج من البيض من أيَّد دعوته، وطالب بالإفراج عن السجين نيلسون مانديلا. ولم نجد أن الرجلين، مانديلا وتوتو، يتصارعان أو يشن أحدهما أو أنصار أحدهما هجوماً على الآخر، رغم تباين مواقفهما بشأن بعض القضايا.
وحين ترأس لجنة الحقيقة والمصالحة فى عام 1995 بناء على طلب «مانديلا»، عمل بكل اجتهاد، ولكنه ندم فى النهاية على أنه وقع فريسة بعض الأخطاء أثناء عمل اللجنة بما جعل بعض المجرمين يفلتون من العقاب، وبعض المظلومين لم يحصلوا على التعويضات المناسبة، ورغم أخطائه، ظل رمزاً عظيماً للوطنية هناك.
وفى الهند، هناك نموذج الرئيس الدكتور أبوبكر عبدالكلام، الرئيس المسلم للدولة ذات الأغلبية الهندوسية الذى حكم الهند بعد اتفاق أكثر الأحزاب يمينية وأكثر الأحزاب ليبرالية عليه كى يكون الرئيس الثانى عشر من 2002 وحتى 2012.
الرجل فعلاً مبهر بكلامه وتسامحه وقدرته على تخطى حواجز الدين واللغة والعرق فى بلاده، ويسميه معظم الهنود «رئيس الشعب» وليس فقط «رئيس الدولة». الرجل لم يكن له فى حياته أى انتماء سياسى أو حزبى معين، وظل حياده الحزبى وترفعه الأيديولوجى (وهو ما أسميه تخطى الأيديولوجيات الجامدة). وأكيد كان يطلق عليه بعض الصبية والمراهقين سياسياً أنه متلون ومنافق وأفاق وغير ذلك من صفات ننعت بها بعض سياسيينا ومثقفينا.
مصر فيها أسماء عظيمة ولكننا محترفو تكسير وهدم وتدمير الآخرين بلا أى إحساس بتأنيب الضمير. من أيام قليلة، كان لى حديث مع بعض الأصدقاء عن الدكتور محمد البرادعى ممن يصدقون ما يقال بشأنه عن أنه عميل لأمريكا وأنه السبب فى احتلال العراق وغير ذلك من ترهات. وبعد أن دافعت عن الرجل بما أعرف. سألنى صديق: «لكن أنا كنت فاكرك ما بتحبوش؟» وكانت إجابتى: أولاً كلما ازداد الإنسان نضجاً استبدل عبارات الكراهية والحب، بالاتفاق والاختلافثانياً، أنا أحترم شجاعة الرجل وجرأته وقد أيدته ووقعت على وثيقة الجبهة الوطنية للتغيير قبل الثورة ودعوت لها فى مقالاتى ثقة منى فى دعوته لمواجهة نظام الرئيس مبارك. ولكننى أختلف مع معظم مواقفه بعد الثورة وأعتقد أنه فرط فى فرصة كانت متاحة له لقيادة مصر ما بعد الثورة. لكن هذا لا يسمح لى أبداً أن أصف الرجل، أو أى شخص آخر، بما ليس فيه خيانة، وكذباً، وغدراً، وفجراً كما جاء فى الحديث الشريف.

الأحد، 10 مارس 2013

آية وخاطرة.... الحق القانوني والحق الاخلاقي.... محمد عريضة


يقول الله عز وجل: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"

فهذه الآيه تقر "الحق القانوني" أو التشريعي لكل شخص في "حرية" أن يؤمن بالاسلام أو أن يكفر به، ولكن هذا لا يعنى أن الاسلام "يرضى" عن اختياره للكفر أو أن يستحسنه، بل القرآن مليئ بتفنيد حجج الكفر والإلحاد وتثبيت عقيدة الايمان والتوحيد.

فهناك فرق بين حقك في اختيار الكفر لأنك لك الحق القانوني في حرية الاختيار، وبين أن اختيارك هذا هو الاختيار الصحيح بالمعيار الأخلاقي والقيمي. فالكفر وإنكار وجود الله هو اختيار خطأ بالمعيار الاخلاقي والقيمي والعقلي.

أزمة أخلاق: تحلل المجتمع..... معتز بالله عبد الفتاح

كتبت كثيراً أننا نعانى من «كثرة فى الخَلق وندرة فى الخُلُق». ناس كثيرة وأخلاق قليلة بعبارة أخرى. القضية ليست فى السياسة أو الاقتصاد أو الإعلام أو التعليم أو الرياضة. قضية هى عجز شديد فى الأخلاق تظهر آثاره فى كل المجالات المشار إليها.
وما يحدث فى شوارع مصر إجمالاً بما فى ذلك الألفاظ التى يتفوه بها البعض وما يحدث من بعضهم احتجاجاً على أحكام القضاء يؤكد أن بيننا من يسيطر عليه منطق الثأر الشخصى وليس القصاص العادل أو العفو الأخلاقى. بيننا من فقد أخلاقه وفقد معها الخوف من قانون رادع أو حياء من مجتمع يضر به. وقال الحكماء: من أمن العقوبة، أساء الأدب.
وفى مجتمع يدّعى التدين فإن الأخلاق هى قرينة الحرص على المبدأ والقيم النبيلة وتغليب الصالح العام على المصلحة الشخصية. قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (النحل، 90)، وفى هذه الآية العظيمة يبدأ الله أمره لنا بالعدل، وكأنه الحد الأدنى لعلاقة الإنسان الأخلاقية بالآخرين، ولكنه يذكر عقب العدل مفهوم الإحسان وهو تعجيل الخير للآخرين حرصاً على حياة أفضل للجميع؛ وهى منزلة أعظم ولا شك. فالعدل يعنى القسط والموازنة وعليه جاء النص القرآنى الآخر: «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به»، لكن للإحسان نصيب «ولئن صبرتم لهو خير للصابرين».
هذه قيم نبيلة جاءت إلينا من القرآن الكريم، وهناك مثلها فى الإنجيل، ولكنها جزء من الكتاب العظيم ولكنها ليست جزءًا من عقولنا وقلوبنا لأننا مثل من نام فى النور، واستيقظ غيرنا فى الظلام. دولة مثل رواندا نجحت فى أن تتبنى منطق القصاص القانونى المنضبط والإحسان الأخلاقى السامى بعد مقتل حوالى 900 ألف من مواطنيها (أى حوالى 10 فى المائة من السكان). ونحن نقابل كل شهيد بعشرات الشهداء احتجاجاً على استشهاده وتتسع الدائرة وكأننا فى حالة من الثأر الجماعى.
القرآن يقول: «وجزاء سيئة سيئة مثلها» كجزء من نظام قصاص عادل يأمرنا الإسلام به، ولكن يذكرنا أيضاً أنه من الإحسان أن نعفو، كما جاء فى نفس الآية: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين»، ويذكرنا كذلك أنه من العدل أن نقول «والجروح قصاص»، ولكن لا ننسى أيضاً أنه من الإحسان قول الحق تعالى «فمن تصدّق به فهو كفارة له».
فما دون العدل ظلم وجور وكذب وخيانة وفحشاء ومنكر وبغى، وكل هذا ليس من الإسلام وليس من الأخلاق، أما ما فوق العدل من إحسان وكرم وتفضل وعفو وصفح وبر بالآخرين فهو من كمال الإسلام بل من كمال الأخلاق الذى وقر فى القلب وصدقه العمل.
وعليه، حين قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار فقد قاتلهم بالعدل، وحين عفا عنهم فى فتح مكة فقد عفا عنهم بالإحسان وما كان ليظلم أو يبغى.
وقد قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» (النور، 19) وهذه الآية هى جوهر الحدود فى الإسلام. فمن أراد أن يمارس الرذيلة بعيداً عن الناس، فعقوبته الأليمة عند ربه، أما من ينشر الرذيلة فى المجتمع طمعاً فى زخرفها فإنه يضلل الناس عن دينهم، ولا بد أن يعاقب فى الدنيا وفى الآخرة؛ وعقاب الدنيا هو الحدود التى يقوم على تنفيذها ولىّ أمر المسلمين بشرط أن يطبقها على نفسه والمقربين منه قبل أن يوقعها على من عداهم.
ومن يعامل الناس بالبغى والظلم، فهو ممن يشيعون الفاحشة ولا بد من عقابه، ولو تُرك بغير عقاب، لانتشر الفساد فى الأرض. ومن الفساد أن يساوى كل منا بين مصلحته ورؤيته وبين ما يعتبره هو الصالح العام بلا اعتبار لحقوق الآخرين فيها: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ «(الأعراف، 33).
هذه قيم أخلاقية عظيمة، نعرفها ونتجاهلها، وياله من بلد لو التزم أهله الأخلاق.

سيادة الرئيس هذا أوان الرحيل.... مصطفى النجار

مشهد بائس اختلطت فيه كل الأشياء، لم تعد تستطيع التمييز بين الخسيس والشريف، وصاحب الحق والمجرم، وصاحب الغرض وصاحب المبدأ، والثورى ومدعى الثورة.. حرائق تشتعل ودماء تسيل وعنف مجنون تتسع رقعته، يوماً بعد يوم، فى ظل وجود سلطة متبلدة لا تشعر بما يحدث حولها ولا تأبه به.. سياسيون يمارسون العهر السياسى، يدينون ما يحلو لهم، ويسكتون عما هو أفظع وأجرم منه، لأنه يوافق رغباتهم وأحلامهم فى تحقيق الانهيار الذى يستر عوراتهم ويخفى فشلهم وعجزهم..

حاكم ضعيف أصبح مصدراً للفتنة، بعجزه وضعفه وأدائه الردىء، فتح باب الفوضى وهيأ لها المناخ بقرارات حمقاء لم ينظر فيها سوى تحت قدميه، فلا حقاً أقام ولا شعباً حمى ولا مجرماً ردع، شارك فى الإجهاز على أحلام الثورة وأهدافها عبر الفشل، وفتح الباب لذئاب النظام السابق وضباعه كى يعودوا راقصين، نشوة وطرباً، على جثمان الثورة، وليقولوا للثوار ها نحن قد عدنا لنقول لكم إن ثورتكم كانت خطأ يجب أن تعتذروا عنه.

لا تقل إن كل من حولى يتآمرون علىّ ويريدون إسقاطى، فأنت لم تأت لنزهة خلوية، بل قلت للناس أنا القوى الأمين، فلا قوة رأينا ولا أمانة لمسنا فى نزع فتيل الأزمات وحسن قيادة سفينة الوطن، مقامرة بالمستقبل وعناد وبطء وهروب حين يجب أن تظهر.. لم تسمع للناصحين حولك من مستشاريك وحتى حلفائك، فانفضوا جميعاً لتبقى وحدك ترتكن إلى عشيرتك التى أغرقتك ولن تستطيع انتشالك من هاوية السقوط، ارتضيت الصمت وآثرت السلامة واحترفت التبرير والحديث بعموميات لا تقترب مما نعانى ونصرخ منه . جئت عبر صندوق انتخابات فى لحظة استثنائية لم يكن أمام كثير ممن انتخبوك سوى اختيارك هرباً من عودة النظام القديم، لكنك أهدرت فرصة لن تتكرر فى جمع المصريين وتحقيق أهداف الثورة، ضعفت عن مواجهة ما ينبغى مواجهته وتخطيت ما لم يكن يجب أن تتخطاه، ثم لُذت بالاختفاء حتى أصبح الناس يشعرون بأن الدولة بلا رئيس ولا حكومة، وأنها تسير بالقصور الذاتى.

نحترم الخيار الديمقراطى وإرادة الناس، لكن حين تهتز هذه الثقة، فلابد من العودة مرة أخرى لهؤلاء الناس، إما لتجديد هذه الثقة أو لإفساح الطريق لحاكم جديد يكون على قدر المسؤولية فى إدارة بلد بوزن مصر. يؤسفنى أن أطلب منك الآن، وقبل أن يمر عام على توليك، العودة للناس قبل أن تتفكك مصر وتنهار الدولة، هذا ليس قفزاً على الديمقراطية ولا إسقاطاً لآلياتها، لكنه إنقاذ للوطن من خطر السقوط والانهيار.

لن أدعم أحداً ممن نافسوك فى الانتخابات الرئاسية الماضية، فهم شركاء فى المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، وأطلب منكم جميعاً، بلا استثناء، الرحيل بهدوء، فأنت قد فشلت فى الحكم، وهم قد فشلوا فى المعارضة. ربما تدخل التاريخ الآن حين تفعل ذلك بمحض إرادتك، وربما تعتبر أن هذا المطلب ضرب من ضروب الجنون، لكن ثق أنك لن تكمل مدتك الرئاسية باستمرار إدارتك للبلاد على هذا النحو، لن تسقطك المعارضة الوهمية صاحبة الخطابات الحنجورية، ولن يسقطك مدعو الثورة، بل سيسقطك الفشل وانفلات الأمور من بين يديك. ما تستطيع أن تفعله اليوم قد لا تستطيع أن تفعله غداً، فاحزم أمرك واعمل عقلك، فلن ينفعك أحد سوى نفسك.

سؤال الساعة فى مصر: هل هى أزمة قيادة أم أزمة ثقافة؟.....معتز بالله عبد الفتاح

هذا سؤال تاريخى ومحورى. هل لو ظهرت قيادة معينة تستطيع أن تعيد توجيه ثقافة الناس (أى أفكارهم ومعتقداتهم من ثم قراراتهم وسلوكياتهم)، أم أن ثقافة الناس أقوى من أى قيادة، بل إن الثقافة نفسها تشكل وعى ورؤية القيادة.
أتذكر أننى كتبت فى الماضى عن محمد على الذى نصفه عادةً بأنه مؤسس مصر الحديثة، وجورج واشنطن، مؤسس الولايات المتحدة، مستخدما مدخلا يسمى باللغة العربية «الواقع المضاد» (Counterfactual) وإن كنت أرى أن الترجمة ليست دقيقة، أى «التحليل بالاستبعاد الافتراضى»، أى سنعيد تحليل بعض الوقائع مع سؤال «ماذا لو؟» تغيرت بعض العوامل التى شكلتها مثلما حلل ماكس فيبر مصير ألمانيا لو لم يشن بسمارك حرب 1866 التى وحدت الأقاليم الألمانية.
سأستند لنفس الفكرة لأسأل: ماذا لو كان محمد على ظهر فى الولايات المتحدة؟ وماذا لو ظهر جورج واشنطن فى مصر؟ مع ملاحظة أن الشخصين عاشا فى نفس الفترة تقريبا.
هل كان سيقوم محمد على بشن مذبحة (على نمط مذبحة القلعة) بقتل الخمسة وخمسين ممثلا عن ولاياتها الثلاث عشرة المستقلة فى عام 1787 ليتخلص منهم ويحكم الولايات المتحدة حكما انفراديا مثلما فعل فى مصر، أم أنه كان سيدخل فى حوار معمق مع أشخاص لهم رؤية فلسفية عميقة (وهم الآباء المؤسسون لأمريكا) تختلف عن المماليك الذين كانوا مستعدين لمعارضة أى حاكم ينال من امتيازاتهم وصلاحياتهم غير المحدودة؟ قطعا كان سيواجه جيمس ماديسون العبقرى الأمريكى الذى قرأ كل كتاب ظهر فى آخر 200 سنة عن الحكم وإدارة شئون الدولة باللغات الإنجليزية واللاتينية واليونانية ليقول له إن أية حكومة جمهورية تقوم بمهام مزدوجة «عليها أن تحكم الجمهور بالقوانين التى يسنها ممثلوه، وعليها أن تضع نفسها تحت تصرفه من خلال انتخابات تنافسية منتظمة وحرة نزيهة».
قطعا كان سيلتقى ويليام جيفرسون المتشكك فى الحكومة والرافض لأن تتدخل فى شئون المواطنين إلا بالقدر الذى يسمح به المواطنون أنفسهم ليقول له: «إن أعظم حكومة هى حكومة الحد الأدنى» ولأن جيفرسون هو صاحب التعديلات العشرة الأولى فى الدستور الأمريكى، التى تدافع عن جميع الحقوق المدنية والسياسية التى لا يمكن للحكومة أن تنتهكها مثل حق الرأى والتعبير والتجمع وحرية الاعتقاد والديانة والتدين والتقاضى النزيه، فقطعا سيقف جيفرسون أمام الباشا معارضا لأية حكومة مركزية تجعل من الباشا الصانع الأول والذارع الأولى والتاجر الأول والمشرّع الأوحد. قطعا كان سيختلف معه فى سيطرة الدولة على الصحافة؛ فجيفرسون هو الذى أقنع الرأى العام بآرائه من خلال مناظراته مع عبقرى الاقتصاد السياسى أليكساندر هاميلتون من خلال مقالات كل منهما فى الصحف، حتى انتهى جيفرسون للقول: «لو لى أن أختار بين حكومة بلا صحافة حرة، أو صحافة حرة بلا حكومة، لضحيت بالحكومة». ولو قرأنا النقاشات التى كانت تتداولها الصحف الأمريكية آنذاك لعرفنا أن رفع مستوى النقاش الفكرى فى صحفنا وإعلامنا من الفرائض لأية أمة ناهضة.
لقد كان سهلا للغاية فى مجتمع من الأمية السياسية (وهذا ليس بعيدا عن حالنا الآن) أن ينفى محمد على كبير الأشراف عمر مكرم الذى قاد الثورة ضد الفرنسيين ثم قاد العلماء والأعيان للثورة ضد الوالى خورشيد حتى استقر الحكم لمحمد على بل وألبسه السيد عمر مكرم بنفسه «الكرك والقفطان»، شعار الولاية عام 1805، فى موكب وطنى عظيم بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق أن يحكم بالعدل وألا يبرم أمرا إلا بمشورة العلماء. لكن فى ظل الأمية السياسية للمصريين (وهو مرض لم نزل نعانيه) لم يكن صعبا أن يخل الباشا بكل تعهداته.
هل كان محمد على يستطيع أن يفرض سلطته وسلطانه على مجتمع قررت نخبته وجماهيره ألا تقبل عن الحرية المسئولة بديلا مثل المجتمع الأمريكى؟ لا أعتقد.
إن دولة محمد على التى صنعها فى مصر لم تزل حية، هى دولة التسلط، لكنها فى زمننا هذا مكبلة بالرخاوة والتفكك فى مواجهة قطاعات من الشعب التى كانت بحاجة لأن تتم توعيتها والتحاور معها قبل تجاهلها ثم الصدام معها. وسنلاحظ أن دولة جورج واشنطن التى صنعها فى الولايات المتحدة لم تزل حية أيضا، هى دولة فيها الكثير من الديمقراطية رغما عن الكثير من مثالبها التى يكتوى بها الكثيرون، سواء داخل أمريكا أو خارجها.
ولنسأل السؤال المقابل: ماذا كان سيفعل جورج واشنطن لو كان على قمة هرم السلطة فى مصر عام 1805؟ ماذا كان سيفعل حين يلتقى عمر مكرم ومشايخ الأزهر؟ هل كانوا سيبايعونه حاكما إلى الأبد استمرارا لتقاليد الأمويين والعباسيين بشرط مشورتهم، أم كانوا ربما سيسعون إلى «مأسسة» (أى وضع قواعد مؤسسية ودستورية وضمانات قانونية) للإرادة الشعبية التى طردت خورشيد باشا وجاءت بجورج واشنطن، الجنرال الذى أنهى معاركه من أجل تحرير المستعمرات الأمريكية، وفور انتهاء مهمته ذهب إلى المجتمعين فى فيلادلفيا يقول لهم: «السادة ممثلى الولايات الأمريكية، لقد وضعتم فى رقبتى مهمة طرد الإنجليز من المستعمرات.. وهذا ما أنجزته. شكرا على ثقتكم، وأرجو قبول اعتزالى العمل العام كى أعود مواطنا مدنيا مرة أخرى»؟ وقد فعل، عاد إلى مزرعته فى فيرجينيا دون أن يحول مكسبه العسكرى إلى أى مكسب سياسى. وهو ما جعل ملك بريطانيا فى تلك الفترة لا يصدق ما قيل له عمَّا فعله جورج واشنطن، وقال: «لو صدق ما تقولون عن هذا الرجل، فسيكون واحدا من أعظم الأسماء الذين سيذكرهم التاريخ». وقد كان. جورج واشنطن لم يكن باشا، لكنه كان رجلا قارئا للتاريخ شديد الإعجاب بماركوس أوراليوس، الإمبراطور الفيلسوف الذى أعطى حياة دامت 300 سنة للإمبراطورية الرومانية بعد أن كادت تنهار تماما فى أعقاب حكم نيرون المجنون وكاليجولا المعتوه.
غالبا كان سيجتمع جورج واشنطن مع عمر مكرم ورجاله حيث يريدونه دون أن يتآمر عليهم، وقد فعلها حقا. فبعد أن انتُخب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بالإجماع فى نيويورك عاد إلى مزرعته وظل الكونجرس مجتمعا فى نيويورك ووجد أعضاء الكونجرس أن مراسلة رئيس الدولة حيث يقيم أمر شديد الصعوبة، فطلبوا إليه أن يختار عاصمة للبلاد يعيش فيها وتكون قريبة من نيويورك. ولأن للرجل أنصارا يعرفون قدره، وإن كانوا لا يملكون بصيرته، فأرادوا الانتصار له ورد «الإهانة» المترتبة على «طلب غير لائق» من رئيس البلاد بأن يغير محل إقامته. لكن الرجل، بلا أى تآمر، وبكل تواضع قال: «يعيش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حيث يريد له ممثلو شعب الولايات المتحدة الأمريكية». ولم يدع الرجل آنذاك أنه «لا يقبل لى الذراع» أو أن «جلده تخين» وإنما هو يعى الدلالة الرمزية للكلمات والقدرة على الاستفادة منها.
كم سنة حكم محمد على باشا مصر؟ حوالى أربعين سنة. كم سنة حكم جورج واشنطن الولايات المتحدة؟ ثمانى سنوات. هل لعجز فى واشنطن وعدم القدرة على الاستمرار؟ الإجابة لا، بل هى البصيرة التى تليق بعظماء درسوا التاريخ وتعلموا دروسه. قرر الرجل أن يكتفى بسنوات حكمه الثمانى إيمانا منه بترسيخ قاعدة أن الرئيس يظل فى السلطة لدورتين رئاسيتين فقط، وظل متفقا عليها بين الأمريكان حتى التعديل الدستورى الثانى والعشرين فى 1951 حيث تحولت القاعدة الشخصية التى أرساها جورج واشنطن وخالفها شخص واحد (فرانكلين روزفلت الرئيس الـ32 لظروف الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية) إلى قاعدة دستورية ملزمة للجميع.
حتى إنجازات محمد على ظلت مادية أكثر منها حضارية، لأنه صنع الوطن ولم يصنع المواطن؛ وهذه هى فضيلة الديمقراطية الحقيقية التى لم نعرفها فى تاريخنا قط، وأخشى أن ندمر فرصها بغفلة قياداتنا وتواضع ثقافتنا السياسية.
هناك بعض الدروس التى يمكن أن نستفيدها من العرض السابق: دروس بشأن القيادة ودورها، دروس بشأن النخبة المحيطة وتأثيرها، دروس بشأن الوعى السياسى ومحوريته.
  • الدرس الأول: القيادات الحقيقية لا تغير فى المبانى والمنشآت فقط، لكنها تقدم القدوة وتعلم الشعوب وتؤثر فى ثقافة الناس وطريقة تفكيرهم من أجل مستقبل أفضل. حين تغيب القيادة الرشيدة، تتحكم ثقافة الغاب على المجتمع.
  • الدرس الثانى: السياسة محيط هائج يحتاج مهارة جماعية لفرق عمل موسعة تجمع أصحاب الخبرة والرؤية والمصداقية، ومن لا يجد فى نفسه القدرة على كل ذلك، فالأولى به ألا يغادر الشاطئ.
  • الدرس الثالث: طاقات الرفض فى المجتمع لا تتحول إلى أدوات هدم وتدمير إلا حين نسىء التصرف معها، وهو ما نفعله الآن.
  • الدرس الرابع: مؤسسات الدولة (سواء الأمنية أو الإدارية) تشعر وكأنها كمن أُجبرت على الطلاق عنوة وعلى الزواج عنوة وحتى قبل انقضاء شهور العدة. هى خرجت من وضع ما قبل الثورة إلى وضع ما بعد الثورة ودخلت فى حالة من الانصياع الظاهرى والعصيان العملى. هم غير راضين عن الطريقة التى تدار بها البلاد ويسهمون فى الخلل؛ لأن القيادة فشلت فى إقناعهم بالدور الوطنى الذى يلعبونه.
  • الدرس الخامس: المعارضة أيقنت أنها لن تملك مفاتيح السلطة، لكنها تملك مفاتيح الشرعية؛ لذا فهى إن شاركت فى الانتخابات فالحزب الحاكم سيحصل على سلطة أقل ولكن شرعية أكثر، ولو لم تشارك، فالحزب الحاكم سيحصل على سلطة أكثر ولكن شرعية أقل. وبما أن المنطق السائد هو أن خسائر الطرف الآخر هى مكاسبى، فحرمان الحزب الحاكم من الشرعية سيعطى المبرر للخروج عليه وربما ثورة أخرى أو انقلاب عسكرى.
  • الدرس السادس: الشعوب كالسوائل تأخذ شكل الإناء الذى توضع فيه، هذا الإناء هو مؤسسات الدولة وقوانينها وتوجهها الاستراتيجى. وهذا ما يفسر لماذا اختلفت مصر قبل 1805 عن مصر بعد 1805، وماليزيا قبل 1981 عن ماليزيا بعد 1981. ولكن الشعوب كذلك لديها القدرة على كسر الإناء إن لم تحسن القيادة توجيه أدواتها السياسية المختلفة.
  • الدرس السابع: الأمل الآن هو أن يكون رئيس وزراء مصر القادم قادرا على سد «عجز القيادة» الموجود فى الرئاسة.