الثلاثاء، 31 مايو 2011

حين يصبح الشعب هـو المشكلة …. فهمي هويدي

فى مصر الآن لوثة ترفع شعار الدستور أولا، معيدة بذلك إنتاج الصخب الذى غرقت فيه البلاد قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس الماضى، من ناحية أخرى، فإن تلك اللوثة جاءت كاشفة لعورات الطبقة السياسية فى مصر، التى تستميت الآن فى الدعوة للانقلاب على نتائج الاستفتاء.
(1)
لدىّ ملاحظتان على الحملة الراهنة التى تقودها وتؤججها الأصوات العالية بين الطبقة السياسية، إحداهما فى الشكل والثانية فى الموضوع.
فمن حيث الشكل أفهم أنه حين تؤيد التعديلات أغلبية 77٪ من المصوتين فإن ذلك يعنى أنه صارت لدينا وثيقة لها حجيتها البالغة، ترسم لنا خريطة طريق لتسليم السلطة إلى المدنيين، ومن ثم وضع حجر الأساس للمجتمع المدنى الذى يتشدق به الجميع ابتداء من الربع الأخير من العام الحالى. وبأى معيار ديمقراطى فإن هذه النتيجة يفترض أن تلزم الـ22٪ من المصوتين الذين اعترضوا على التعديلات، ويستعصى على المرء أن يفهم إصرار تلك الأقلية على عدم الاعتداد بالنتيجة، وسعيها اللحوح منذ إعلانها إلى الالتفاف عليها لإبطال مفعولها. مرة بالتشكيك فى وعى الجماهير التى صوتت لصالحها، ومرة بالادعاء بأن الاستفتاء سقط بإصدار الإعلان الدستورى، ومرة ثالثة بالدعوة إلى إجراء استفتاء جديد، بل إن بعض رموز الطبقة السياسية لم يتورعوا عن الطعن فى نزاهة اللجنة الموقرة التى أعدت التعديلات، وقالوا فى ذلك كلاما أستحى أن أستعيده، لأنه مما لا ينبغى أن يصدر عن أهل المروءة والعفاف.
●●●
إن الشعب ــ أى شعب ــ حين يقول كلمته التى تعبر عن ضميره وقناعته، فإن ذلك لا يعد ممارسة ناجحة للديمقراطية فحسب، وإنما هو ينشئ شرعية ملزمة، ليس لأى سلطة أن تردها أو تعبث بها. ينسحب ذلك على المجلس العسكرى، بما يملكه من سلطات استثنائية فى المرحلة الانتقالية وفرت له صلاحيات واسعة، منها تعطيل دستور عام 1971 وإصدار الإعلان الدستورى وإصدار التشريعات المختلفة، إذ إن هناك شيئا واحدا يلزمه طول الوقت بحيث لا يستطيع الفكاك أو التحلل منه، هو الأحكام التى أيدتها الأغلبية الحاشدة فى استفتاء الشعب..ليس ذلك كلامى لكنه شهادة المستشار طارق البشرى الفقيه القانونى الذى رأس لجنة تعديلات الدستور، استطرادا قال فى مناقشة حول الموضوع إن الأحكام التى تم استفتاء الشعب عليها فى إنجاز تاريخى يحسب للمجلس العسكرى تقيد الإرادة السياسية والتشريعية والدستورية للمجلس ذاته تقييدا حازما. بحيث إن أى قاض موضوعى إذا ما عرض عليه أى قرار أو تشريع صادر عن المجلس، ويكون مضمونه مخالفا لمقتضى ومضمون التعديلات التى أقرتها الأغلبية، فإنه فى هذه الحالة لن يجد مناصا من الحكم ببطلانه.
(2)
هذا الوضع يضعنا إزاء مفارقة مثيرة للدهشة. ذلك أن نضال الجماعة الوطنية المصرية ظل يرنو طوال العقود التى خلت لرفع وصاية السلطة على الشعب وتأسيس نظام ديمقراطى يرد للمجتمع اعتباره وكرامته. وحين وقعت الثورة وسقط النظام الذى احتكر الوصاية والولاية، ثم جرى استفتاء الشعب حول بعض التعديلات التى تسمح بوضع أول لبنة فى بناء النظام الديمقراطى المنشود، أفزعت النتيجة فريقا من الجماعة الوطنية لأنها جاءت بغير ما يشتهون وليس ذلك أسوأ ما فى الأمر، لأن الأسوأ أن فى مقدمة الذين انقلبوا على الإرادة الشعبية نفر من الليبراليين واليساريين والناصريين الذين عرفناهم مدافعين عن الديمقراطية ورافضين للوصاية على المجتمع. ثم فوجئنا بأنهم يتهربون من استحقاقات الديمقراطية ويريدون فرض وصايتهم على الإرادة الشعبية.
أما الأشد سوءا فإن بعض هؤلاء لم يكتفوا باستهجان رأى الأغلبية واحتقاره، ولكنهم لجأوا إلى تسفيه الأغلبية والطعن فى نزاهة اللجنة التى أعدت التعديلات، متعللين فى ذلك بأنها ضمت أحد عناصر الإخوان المسلمين. كأن بقية أعضاء اللجنة، وهم من أساطين القانون ورجالاته، كانوا إمَّعات. انحصرت مهمتهم فى الانصياع لإرادة ذلك الإخوانى «الشرير»، الذى تحول إلى سُبَّة فى وجه اللجنة وتهمة حسبت على المجلس العسكرى لايزال يغمز بها، رغم أن وزارة العدل هى التى اختارته وليس ذلك المجلس.
(3)
الانتقال إلى الموضوع، له مقدمة ضرورية من شقين، أحدهما يتعلق بخصوصية وفرادة الثورة المصرية والثانى يخص العلاقة بين الدستور والمجتمع. ذلك أنه لم يعد خافيا على أحد أن الثورة المصرية صنعتها الجماهير الحاشدة والغاضبة، ولا تستطيع أية قوة أو جهة أن تدعى أنها هى التى صنعت الثورة، وتلك حالة فريدة فى التاريخ العربى المعاصر على الأقل، حيث لا أعرف لها سابقة إلا فى السودان عام ١٩٦٤، حين أرغمت الجماهير ممثلة فى الأحزاب والنقابات وطلاب الجامعات الفريق إبراهيم عبود على الاستقالة من رئاسة الجمهورية، وتسليم السلطة لممثلى الشعب، بعد إعلان العصيان المدنى فى انتفاضة استمرت 20 يوما.
هذه الخصوصية التى ميزت بها الثورة المصرية كان من نتيجتها أنها ولدت جسما كبيرا بغير رأس ولا مشروع للمستقبل واضح المعالم. ولأن أحدا لا يستطيع أن يدعى أنه «صاحب» الثورة فليس بوسع أى أحد بالتالى لا أن يمثلها أو أن يدعى بأنه صاحب مشروعها. والجدل والتراشق وغير ذلك مما نشهده من صور الاشتباك أو التنافس ليست سوى محاولات لملء الفراغ المترتب على غياب الرأس والمشروع.
●●●
العلاقة بين الدستور والمجتمع ملتبسة عند البعض، ممن يرون أن الدستور مجرد فصول ترتب ومواد يحررها أهل الاختصاص لتعبر عن هوية الدولة وقانونها الأساسى. وذلك توصيف غير دقيق، لأن الدستور قبل ذلك هو بمثابة مرآة للواقع الاجتماعى والسياسى. وهذا ليس خبرا جديدا، ولكنه مما تعلمناه على أيدى أساتذة القانون الدستورى فى كلية الحقوق.

وقعت على تحرير لهذه النقطة فى الكتاب الذى صدر للمستشار البشرى عام 2006 تحت عنوان «مصر بين العصيان والتفكك». إذ تصدى وقتذاك لحملة دعت إلى تعديل دستور1971 قائلا: إن الدستور ينظم ما هو قائم ولكنه لا يوجد أمرا غير موجود ولا يقضى بذاته على ظاهرة يراد إنهاؤها، ضرب فى ذلك مثلا بدستور 1923 الذى أتاح قدرا من التداول فى السلطة، لا لأنه نظم ذلك فقط، ولكن لأن المجتمع كان فيه تعدد لقوى سياسية واجتماعية متبلورة فى تنظيمات وتكوينات مؤسسية، ولم يكن فى إمكان أى من هذه القوى أن تنفى الأخريات فى الواقع السياسى الاجتماعى. بكلام آخر فإن التعدد لم يكن معتمدا فقط على ما أتاحه الدستور، وإنما كان يعتمد على الوجود الواقعى الفعال. وخلص إلى أن مشكلة مصر (خلال عهد مبارك) أننا لا نكاد نجد فيها تكوينا سياسيا اجتماعيا ذا إرادة ماضية وذا قدرة على التحريك الفعال المؤثر، ولا نجد من ذلك إلا جهاز الدولة المصرى والهيئات التى تتفرع عنه، وهو خاضع لسيطرة إرادة شخصية فردية واحدة، الأمر الذى يشكل أسوأ مناخ لتعديل الدستور، حيث يصبح فى هذه الحالة معبرا عن تلك الإرادة الفردية بأكثر من تعبيره عن أشواق المجتمع وتطلعاته.
(4)

التجربة المصرية خير شاهد على صحة هذه المقولة. فعورات دستور 1971 ومأساة التعديلات التى أدخلت عليه أعطت رئيس الجمهورية فى مصر صلاحيات تجاوزت ما هو ممنوح للولى الفقيه فى الدستور الإيرانى (مدة ولاية كل منهما مفتوحة، لكن الرئيس فى مصر أعطى حق حل البرلمان المنتخب فى حين يمتنع ذلك على الولى الفقيه)، ثم لا تنس قصة المادة 76 التى مهدت لتوريث السلطة حين قصرت الترشح للرئاسة على من يختاره الحزب الوطنى دون غيره.
إن مشكلة المشاكل فى مصر الراهنة أن النظام السابق أمات السياسة فيها، وحول الأحزاب إلى كيانات هزلية هشة، كانت فى حقيقة الأمر مجموعة أصفار لا تقدم ولا تؤخر. وكانت نتيجة ذلك أننا وجدنا أنفسنا بعد الثورة إزاء فراغ سياسى هائل تحاول مختلف التيارات ملأه، حتى صرنا نشهد ميلاد حزب جديد بين الحين والآخر. ولم يتح لنا أن نتعرف على أوزانها الحقيقية. وكل ما حدث أننا انتقلنا من الفراغ السياسى قبل 25 يناير إلى الضجيج السياسى بعد ذلك التاريخ. وهو ما نسمع صداه عاليا فى وسائل الإعلام فى حين لا نرى له «طحنا» أو أثرا فى الشارع. وكانت النتيجة أن أصبح نجوم السياسة ورموزها هم ضيوف الحوارات التليفزيونية، وتحولت السياسة من فعل على الأرض إلى حلقات للثرثرة المسائية.
إذا صح ذلك فإنه يثير السؤال التالى: هل هذا هو الواقع الذى نريد للدستور أن يعبر عنه. وأليس من الأجدر والأشرف أن يعبر الدستور عن واقع تلوح فيه بوادر الحيوية السياسية، بدلا من واقع يعانى الفراغ ويملؤه الضجيج التليفزيونى الذى يختلط فى ظله الحابل بالنابل والحق بالباطل؟
●●●
دخلت فى مناقشة مع مثقف بارز من أنصار فكرة الدستور أولا. فقال إنه فى أية مباراة ينبغى أن تكون القواعد معروفة سلفا، ولا تستطيع أن تطالب اللاعبين بالنزول إلى الملعب ثم تقول لهم إن قواعد اللعبة ستعرفونها فيما بعد. وكان يعنى أن الدستور هو الذى يبين قواعد اللعبة السياسية، ولذلك فإن البدء بإصداره يعد أمرا ضروريا ومنطقيا فى عملية بناء النظام الجديد.
كان ردى أن هذا الكلام منطقى لكنه لا ينطبق على الحالة المصرية، لأن فراغ الساحة السياسية والهرج الشديد السائد فيها يدفعاننا إلى تبنى مسار آخر يختلف فيه الترتيب، بحيث نحاول تحريك المياه الراكدة فى الحياة السياسية، بما يوفر بعض الحيوية للساحة، ثم نشرع بعد ذلك فى وضع الدستور. وقلت إنه فى البدايات لم توضع قواعد اللعبة ثم دعى اللاعبون للنزول إلى الملعب، ولكن الذى حدث أن الناس لعبوا ثم اكتسبوا خبرة وخرجوا بملاحظات مكنتهم من وضع قواعد اللعب. وهذا ما حدث فى اللغة، فلم توضع قواعدها أولا ثم وعى الناس إلى ضبط ألسنتهم وفقا لها، ولكن الناس انطلقت ألسنتهم بالكلام، ثم وضعوا قواعد للغة بعد ذلك.
اضفت أن الوضع الراهن فى مصر يجسد مرحلة البدايات الديمقراطية. ولذلك فإن فتح الأبواب لظهور الأحزاب السياسية وتنافس الجميع حول الانتخابات البرلمانية من شأنه أن يخرج البلد من حالة الموات السياسى، كما أنه يمكننا من أن نتعرف على موازين وأحجام القوى السياسية المختلفة. فضلا عن أنه يوفر لنا لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن كيانا منتخبا من قبل الشعب، تم اختيار أعضائه بشفافية وحرية. وأن يوفر هذا الحراك بعضا من الحيوية للمشهد السياسى، فإنه يوفر فى الوقت ذاته مناخا مواتيا لانتخاب لجنة وضع الدستور وإنجاح مهمتها.
(5)
إذا جاز لنا أن نتصارح فى تشخيص المشكلة فسوف نقرر أن عناصر الطبقة السياسية الداعية إلى البدء بإصدار الدستور تولدت لديهم «عقدة» من الاختيار الشعبى منذ صدمتهم نتائج الاستفتاء على تعديلات الدستور. فهم لا يريدون أن يغامروا بالخضوع لاختبار الانتخابات خشية أن تتكرر الصدمة. ولا يريدون لمجلس الشعب القادم أن يرشح من جانبه لجنة لوضع الدستور الجديد. ويريدون أن يكبلوا المستقبل بدستور يوضع تحت أعينهم ووفق إرادتهم. وإذا صح ذلك فهو يعنى أن الشعب صار فى نظرهم هو المشكلة التى لا يجدون حلا لها سوى بإخضاعه لوصايتهم. ويعنى أيضا أنه يراد لنا أن نخرج من وصاية نظام مبارك إلى وصاية بعض عناصر النخبة ــ ويا قلبى لا تحزن!

عبدالمنعم ابو الفتوح…. الفارس النبيل


كان يتحدث بطلاقة وعذوبة وعفوية منطلقا كالسيل الهادر ثم فجأة خنقته العبارة واختلجت قسمات وجهه بمشاعر من العاطفة الفياضة لتظهر علي السطح طبيعته الحانية الآسرة وتغرورق عيناه بالدموع النبيلة فيغالبها قسرا و يدافعها مجاهدا ليستكمل حديثه .. شيء من السمو.. لا يمكن تكلفه ولا تصنعه ولا تقليده .. إنه الفارس النبيل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ..
وقد كان لي قصب السبق عندما أطلقت عليه هذا اللقب في مقالة كتبتها عنه بجريدة صوت الأمة عام 1996م يوم اعتقلوه وقلت أصفه ( فارس من الزمن النبيل) ثم تناقلت اللقب الصحف والمجلات بعد ذلك .. من حسن الطالع أننا في زمن يمكننا فيه تسجيل هذه اللحظات العفوية الرقيقة .. صادقة المشاعر .. يمكنك أن تدخل علي (اليوتيوب) ولتنظر بنفسك كيف كانت قسمات وجهه في اللحظة التي يذكر فيها أخاه خيرت الشاطر حين كان أسيرا في سجن ظالم .. وكيف توقف عن الكلمات وهو يتذكر مشاعر إخوانه الدافقة يوم أشيع كذبا نبأ استقالته من الإخوان وكيف ارتج المذيع يسري فوده وهو يري خلجات وجه الأسد الهصور يعتصرها الألم واللوعة ..
أنظر بنفسك إلي مذيع قناة المحور وهو يغالب دموعه عندما تحدث البطل العملاق عبد المنعم أبو الفتوح عن أمه التي علمته دروس الحياة وهي التي لا تقرأ ولا تكتب .. وقال له في برنامج علمتني الحياة .. الحقيقة يا دكتور عبد المنعم أنا أحترم هذه المشاعر في زمان ندر فيه هذا المثال من القيم الرفيعة .. وأخيرا تابع علي النت خاتمة برنامج العاشرة مساء الشهير والمذيعة مني الشاذلي تحاول أن تتماسك والبطل العملاق يصف لها كيف كان يتفقد الشهداء من شباب الثورة وعندما عجز عن تدبير الثلاجات اللازمة لحفظ جثثهم لم يملك نفسه وهو يجلس إلي جوارهم علي الأرض الباردة ويقبل أياديهم وهم بين يدي خالقهم .. وكأنه يبعث رسالة شكر وحب من كل مصري يتنفس نسيم الحرية والكرامة لقاء هذه الدماء الغالية ..
لقد سألني كثير من الإخوان ..ما سر حبك لعبد المنعم أبو الفتوح وكنت أجيب أربعة أشياء عظمته وبساطته ووضوحه ورقته.
أما عظمته فتاريخه وكفاحه يعرفه القاصي والداني ولكني رأيته وعاشرته في الموقف الذي يكون الإنسان فيه أضعف ما يكون .. عاشرته في السجن شهورا طويلة حيث تنكسر الكبرياء وتزوي روح المقاومة ولكنه كان راسخا صامدا عملاقا .. وكنت أري الضباط الكبار يلتفون حوله ويكادون يخطبون وده وكأنه رئيس مصلحة السجون وكأنهم من جملة رعاياه أو مرؤوسيه .. لم يضعف أو يلن عندما تساقط الكثير من إعياء الطريق وطول الحبس ومرارة الانتظار .. كان صلبا فتيا قويا وكما وصفه أبو العلا ماضي (لقد كنا نتترس بعبد المنعم أبو الفتوح) .. وبعد سنوات ذهبت إليه في نقابة الأطباء وكنا حديثي عهد بالعمل النقابي .. دخلت عليه بعد الاجتماع فوجدته واقفا وقد تحلق حوله أساتذة الطب الكبار.. محمد الرخاوي أستاذ التشريح وممدوح جبر وزير الصحة الأسبق والدكتور عبد المنعم منتصبا بقامته الممشوقة كالشمس في رابعة النهار .. يومها قلت عبارة في نفسي ومازلت أكررها من حين لآخر.. خلق الله البشر وجعل منهم قلة يصنعون التاريخ وسائر الناس يعيشون فيه .. وكنت أري عبد المنعم أبو الفتوح أحد هؤلاء الذين يصنعون التاريخ ونحن جميعا نعيشه ..
أما بساطته فهي الوجه الآخر لعظمته وقد سئل الدكتور حسان حتحوت من قبل ما سر عظمة حسن البنا فقال بتلقائية.. بساطته .. أذكر مثلا عندما كنا نتدارس رسالة التعاليم في ليمان طره وكل يوم نتناول بندا من الأصول العشرين .. كنت حريصا علي التحضير والتأصيل والتجويد للعبارات والاستشهاد بالنصوص وعندما يتكلم عبد المنعم كان يذكر كل ما بذلنا فيه الجهد والعنت يذكره ببساطة وتلقائية وعفوية ثم يزيد عليه تطبيقه واقعا نحياه و أمثلة نواجهها يوميا فلا نملك إلا الإعجاب و الانبهار.
أما وضوحه فالغريب أن رجلا مثل عبد المنعم أبو الفتوح الذي عركته السياسة وعركها مازال كما هو بفطرته ونقائه لا يستطيع أن يظهر خلاف ما يبطن وعندي أمثلة كثيرة ولكن الكثير منها لا يصلح لعرضه أو لم يحن وقته ولكني أضرب مثلا من أيام النصب والمطاردة يوم كانت جماعة الإخوان المسلمين محظورة .. كانت مناسبة دينية (الهجرة مثلا) وقد دعوت الدكتور للقاء العاملين بمستشفي الجمعية الطبية الإسلامية بحلوان حيث كنت مديرها وكان هو مديرا للمستشفيات فحضر وألقي كلمة طيبة وأستمع لشكاوي وطلبات العاملين ثم كنا أعددنا لقاء آخر شديد الخصوصية وفائق السرية مع شباب الإخوان في أحد البيوت وطبعا كانت هناك سيارة مباحث أمن الدولة التي تتبعه كظله وكان لا بد من تهريب الدكتور من الرقابة المهم سلكنا سبلا كثيرة ( تشبه أفلام الأكشن) ودخلت بالسيارة إلي جراج العمارة التي أسكن بها وهو متعدد الأبواب وخرجنا من باب خلفي حيث استقللنا سيارة أخري كانت بالانتظار وبعد كل هذا الجهد والعنت والمطاردة جلس الدكتور عبد المنعم ليقول للشباب في اللقاء السري نفس المحاضرة التي ألقاها علي العاملين بالمستشفي بالعلن .. وكنت أضرب كفا بكف علي غباء هؤلاء المستبدين الذين يحولون بيننا وبين الناس ونحن لا نحمل لهم إلا دعوة الخير ظاهرا وباطنا ..
أما رقته والتي سجلتها تلك البرامج التي ذكرتها آنفا فقد عايشناها معه كثيرا .. عندما كان يطول وقت الاجتماعات بنقابة الأطباء ويطلب طعاما كان يحرص علي شراء نفس الطعام للمخبرين البصاصين الذين يرقبونه علي الرصيف المقابل للنقابة وقد نشأت بينه وبينهم عشرة وصداقة لدرجة أنه كان يوقف سيارته أحيانا وينزل لأحد المخبرين الذين يتتبعون خطوه ويقدم لهم عذره أنه سوف يتعبهم اليوم حيث عنده مشاوير كثيرة ولقاءات متعددة .. ويلتفت إلينا ويقول يا جماعة أعذروهم فهم مغلوبون علي أمرهم .. إن الدموع النبيلة التي أغرورقت بها عينا ابو الفتوح لتنبي عن قلب له باب ظاهرة فيه القوة والصلابة وباطنه من قبله الرقة والإخبات …
دكتور علاء الدين عباس
جدة – 22-5-2011م

الاثنين، 30 مايو 2011

إلى جماعة الإخوان ……..عمرو حمزاوي


 نبهت بالأمس إلى خطورة استعلاء الجماعة على القوى السياسية والوطنية التى نظمت مظاهرات الجمعة الماضية ومساوئ خطاب إعلامى يصنف أصحاب المواقف المخالفة للجماعة بالعاملين ضد صالح الوطن والموقعين بين الشعب والجيش. واليوم أنبه إلى خطورة أمرين إضافيين:
  • نزوع بعض القيادات الإخوانية إلى الاستغناء عن التوافق الوطنى مدفوعين بغرور التنظيم المتماسك ذى القبول الشعبى،
  • والاستخفاف بوجهات النظر المختلفة بين صفوف الإخوان ومحاولة فرض رؤية واحدة على جماعة دومًا ما احتوت بداخلها أطيافا متعددة.
أخطأ الإخوان ليس بالامتناع عن المشاركة فى مظاهرات الجمعة، بل بادعاء غياب الوطنية عن القوى الداعية لها (جمعة الوقيعة) وبالإحالة إلى الوجود الشعبى الواسع للجماعة غير المعنية «ببضعة آلاف» من المتظاهرين.
أخطأ الإخوان، وكان بإمكانهم الاكتفاء بصياغة موقف يرفض مطالب الجمعة ويدافع عن انتخابات لا تؤجل ويفتح أبواب الحوار مع المروحة الواسعة من القوى الوطنية المطالبة بالتأجيل. 

أخطأ الإخوان بالوقوع مجددا فى محظور الاستقطاب الذى سيطر على المشهد السياسى قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية وتحول إلى لحظة استقطاب مجتمعى عام، وكان بإمكانهم الحد من المحظور هذا بالامتناع عن تخوين المختلفين والاستخفاف بهم.
أخطأ الإخوان بحساب أهمية القوى الوطنية فقط من منظور القدرة على الحشد وتحريك الشارع، متناسين إمكانات الليبراليين واليسار فى التأثير على الرأى العام وتعاطف قطاعات واسعة من المواطنين معهم إن اقتناعا بهم أو خوفا من هيمنة الإخوان على السياسة والمجتمع.

أخطأ الإخوان بالاستغناء عن التوافق الوطنى والاصطفاف باستعلاء وكأنهم وكلاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والمجلس الأعلى على الرغم من الاختلاف السياسى معه ليس فى حاجة لوكلاء.

كذلك وقع الإخوان فى محظور سحب الشرعية عن شبابهم الذين شاركوا فى مظاهرات الجمعة ودعوا إليها مع ائتلاف شباب الثورة. الإعلان عن أن الجماعة ليس لها من يمثلها داخل الائتلاف ومحاولة فرض الموقف الواحد وبسلطوية على شباب الإخوان بهما من الممارسة السلطوية وغير المتسامحة مع الاختلاف ما يثير القلق بالفعل بشأن قدرة الجماعة على ممارسة التعددية بداخلها وقبول صيغة الأصوات المتنوعة وهى ضرورية لكل من يرغب فى المشاركة السياسية فى لحظة البناء الديمقراطى. 

تضر لحظة الاستقطاب الجديدة هذه بمصر وبفرص تحول ديمقراطى آمن. ومن حق مصر على الإخوان مراجعة مواقفهم والبحث عن عودة حقيقية إلى دائرة التوافق الوطنى والكف عن التصريحات الإعلامية المستفزة والمتعالية على المجتمع وعلى القوى الأخرى. دعونا ندير حوارا هادئا حول الانتخابات وشروط إجرائها ثم نتوافق على موعد لها يضمن صالح الوطن.

تدليس إعلامى… فهمى هويدي

يوم الجمعة الماضى (27/5) حين خرجت الجماهير إلى ميدان التحرير وبعض الميادين الأخرى للتعبير عن يوم الغضب، ذكرت النشرة الإخبارية التى بثتها قناة «أو. تى. فى» إن من بين المطالب التى دعا إليها المتظاهرون تشكيل مجلس رئاسى لحكم البلاد. وفى اليوم التالى مباشرة (السبت 28/5) أشارت صحيفة «المصرى اليوم» فى عناوين الصفحة الأولى إن أهم المطالب: الدستور أولا، وتأجيل الانتخابات. وذكرت صحيفة «الشروق» إن أبرز مطالب المتظاهرين تمثلت فى الدعوة إلى تأجيل الانتخابات. أما جريدة «الأهرام» فتحدثت عن مشاركة عشرات الألوف فى التظاهرات، الذين طالبوا بإصدار الدستور أولا وتأجيل الانتخابات التشريعية، وعدم انفراد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار القوانين. 
 قارنت ما نشرته الصحف سابقة الذكر بالتقرير الذى نشرته صحيفة «الحياة» اللندنية فى اليوم ذاته (السبت 28/5) فلاحظت اختلافا فى أمرين، الأول أن الصحف المصرية ذكرت أن غياب الإخوان لم يؤثر على «المليونية» التى التأمت يوم الجمعة، فى حين ذكرت صحيفة الحياة العكس، وقالت إن التظاهرات «أظهرت قدرات الإسلاميين على الحشد، إذ مثل غيابهم عن ميدان التحرير ضربة لأعداد المحتشدين». الأمر الثانى إن تقرير «الحياة» لم يشر إلى أولوية العناوين والمطالب التى أبرزتها الصحف المصرية، وإنما ذكر أن إحالة الرئيس السابق ونجليه علاء وجمال حظيت باهتمام كبير فى قلب ميدان التحرير، إذ طالب المتظاهرون بضرورة التعجيل بمحاكمة مبارك وأركان النظام السابق علانية. وقالت إن الآلاف توافدوا على ميدان التحرير والميادين الكبرى فى أنحاء البلاد، وإن نحو ثلاثة آلاف مصرى احتشدوا فى ميدان التحرير مطالبين بأمور كثيرة منها تصحيح مسار الثورة وتشكيل مجلس رئاسة مدنى لتنفيذ أهدافها، إضافة إلى إجراء نقاش مجتمعى موسع قبل إصدار التشريعات والقوانين.
 ذكر التقرير أيضا أن خطيب الجمعة طالب القوات المسلحة بالرجوع إلى الشعب والثوار قبل إصدار أى قرار مصيرى وانتقد مشاركة بعض رموز الحزب الوطنى المنحل فى جلسات الحوار الوطنى. فى حين ردد المتظاهرون هتافات طالبت بسرعة محاكمة الرئيس السابق وبطانته ومصادرة أموالهم لمصلحة الشعب.
 الخلاصة إن الصورة التى سجلها وسوَّقها الإعلام المصرى ركزت على ثلاثة مطالب هى: إصدار الدستور أولا، وتأجيل الانتخابات التشريعية، وتشكيل مجلس رئاسى مدنى فى الفترة الانتقالية الراهنة. فى حين أن الصورة التى رسمتها جريدة «الحياة» ركزت على مطالب أخرى متعلقة بمحاكمة الرئيس السابق وتصفية رموز الفساد وغير ذلك مما سبق ذكره. وحين ذكرت مسألة المجلس الرئاسى فى تقرير «الحياة» فإنها وردت ضمن نداءات وعناوين أخرى ترددت فى هتافات الجموع الحاشدة.
 سألت أكثر من شخص ممن كانوا فى ميدان التحرير طوال اليوم فأيد الشهود دقة التقرير الذى نشرته جريدة الحياة، الأمر الذى يدعونا إلى إعادة تقييم مواقف بعض الأبواق الإعلامية وتحيزاتها فى المرحلة الراهنة. إذ يستدعى إلى أذهاننا حقيقة الدور التحريضى الذى قامت به قناة «أو. تى. فى» المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، لتعبئة المشاهدين ضد التعديلات الدستورية. كما يذكرنا بأن صحيفة «المصرى اليوم» التى يملكها رجل الأعمال صلاح دياب نظمت ندوة فى أحد الفنادق الكبرى لمعارضة التعديلات استمرت ثلاثة أيام.
 تنبهنا المفارقة أيضا إلى أن منابر الإعلام الأساسية تحتكرها نخب معينة وتحاول توظيفها لصالح مشروعها السياسى عن طريق لى الحقائق لتخدم أهداف ذلك المشروع، ولا ينسى فى هذا الصدد أن تلك المنابر ذاتها حين قادت حملة التعبئة لمعارضة التعديلات الدستورية، فإن تأثيرها فى أحسن فروضه لم يتجاوز حدود 22٪ من المصوتين. الأمر الذى يعنى أن 77٪ من الذين اشتركوا فى الاستفتاء أداروا ظهورهم لهم.
 إن أزمة الإعلام تعكس أحد أوجه أزمة النخبة المصرية، التى ينتمى أغلبها إلى مربع الـ22٪ والمسافة بين ما تبثه المنابر الإعلامية المختلفة وبين الواقع هى ذات المسافة بين النخبة والمجتمع. وفى الحالتين فإن خطابها يدل على أن تلك النخبة أفرزتها الأنظمة التى توالت فى العهود السابقة، وليست خارجة من رحم المجتمع أو معبرة عن ضميره. إن مصر الثورة تستحق نخبة أكثر انتماء للناس وأكثر أمانة وصدقا فى التعبير عن الحقيقة.

الإخوان ولعبة السياسة….. د . حسن نافعة

كنت، ومازلت، أنظر إلى «جماعة الإخوان المسلمين» باعتبارها قوة سياسية مهمة، وليس بالضرورة القوة الأهم أو الأكبر أو الأكثر تأثيراً فى مسار الحياة السياسية فى مصر. كما كنت، ومازلت، أعتقد أن أى محاولة لاستبعاد «الجماعة» من الجهود الرامية لتأسيس نظام سياسى ديمقراطى فى بلد عظيم كمصر لن تخدم هذا الهدف النبيل والأسمى، ولن يكون لها من نتيجة سوى تأبيد حالة الاستقطاب السياسى المصطنعة والقائمة منذ فترة، وهى الحالة التى لم تكف عن إفراز سمومها فى جسد الحياة السياسية وتغذية أسباب عدم الاستقرار الذى يمهد الطريق دوماً لمجىء الحاكم المستبد والفاسد.
  وكان تقديرى، انطلاقاً من هذه الرؤية، أن حال الحياة السياسية والحزبية فى مصر لن ينصلح إلا إذا تمكنت الحركة الوطنية بكل تنوعاتها، بما فيها الجماعة، من الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية وعلى طريقة إدارتها والاحتكام فى النهاية إلى صناديق الانتخاب للفصل بين المتنافسين على ساحتها. وقد عكست كل كتاباتى ومواقفى، سواء على الصعيد الفكرى من خلال موقعى كباحث وكاتب صحفى، أو على الصعيد السياسى من خلال موقعى كـ«منسق عام للحملة المصرية ضد التوريث» ثم لـ«الجمعية الوطنية للتغيير» بعد ذلك – التزاماً صارماً بهذه الرؤية.
 لا أريد أن أمنّ بكتاباتى المتحدية للنظام السابق، وهو فى عز صولجانه، دفاعا عن رموز الإخوان التى تم الزج بها، ظلماً وعدواناً، فى غياهب السجون، فلم أقم بذلك حباً فى الجماعة وإنما التزاماً بمبدأ، وهو نفس المبدأ الذى دفعنى لشن هجوم ضار على أجهزة الأمن، وهى فى عز صولجانها أيضاً، بسبب إقدامها على تعذيب سيد بلال حتى الموت ومحاولة تلفيق تهمة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية له، فلم أقم بذلك حباً فى السلفيين وإنما التزاماً بنفس المبدأ، وكان حرصى على استمرار تفاعلهم الحى مع بقية الفصائل المعارضة للنظام هو ما دفعنى لكبح جماح المحاولات الرامية لتهميشهم وعزلهم داخل حملة «ضد التوريث» ثم «جمعية التغيير»، وبسبب مواقفهم المراوغة أحياناً تحملت هجوماً ضارياً شنه علىَّ نائب رئيس حزب الوسط، المدفوع دوماً بتصفية حسابات تاريخية مع الجماعة، الذى اتهمنى بأن الجماعة استغلت «طيبتى»، يقصد طبعاً سذاجتى وقلة حيلتى وخبرتى بالعمل السياسى، لفرض هيمنتها على «الجمعية الوطنية للتغيير»، وتحملت الإساءة حرصاً على وحدة الحركة الوطنية المصرية، التى ظللت أؤمن دوماً بأن أى فصيل فيها لن يتمكن من إحداث التغيير بمفرده، غير أننى أعترف بأن الكيل طفح، وأن صبرى الآن قد نفد.
 لا أظن أننى أبالغ إن قلت إن الأداء السياسى للجماعة، الذى اتسم بالغموض فى بعض المواقف ولم يكن بنَّاء فى مواقف أخرى كثيرة خاصة بعد الثورة، أصبح الآن مستفزاً ومخرباً وخطراً على الثورة، بل يهدد بالضياع فرصة حقيقية تتيحها ثورة ٢٥ يناير لتأسيس نظام ديمقراطى حقيقى فى مصر.
وتلك جريمة يتعين أن يتحمل كل من يتسبب فى وقوعها مسؤوليتها كاملة أمام التاريخ، ولا أظن أننى فى حاجة للتدليل بأمثلة على ما أقول، ويكفى أن نسترجع موقف الإخوان من مظاهرة يوم الجمعة الماضى، وإعلامها الرسمى الذى كذب صراحة على الناس لتحقيق أغراض دنيوية ومكاسب سياسية لا علاقة لها بالإسلام ولا بأى دين، كما يكفى أن نسترجع تصريحات الدكتور صبحى صالح، الذى أعترف بذكائه وخُلقه وبراعته كرجل قانون، التى طالب فيها رجال الإخوان بعدم الزواج إلا من الأخوات، لندرك عمق النزعة الفاشية المتأصلة داخل بعض أجنحة التنظيم الإخوانى.
 أرجو ألا يعتبر البعض هذه الكلمات وكأنها بمثابة إعلان من جانبى بالموافقة على الاصطفاف إلى القوى المعادية للإخوان فى مصر، فأنا أدرك أنه أولى ببعض من ينتقدون الإخوان أن ينتقدوا أنفسهم ذاتياً، أو تأييداً لحالة استقطاب كنت ومازلت أقف ضدها وأبذل كل ما فى وسعى لإجهاضها، لكنى أرجو أن تكون كلماتى هذه، وهى كلمات مخلصة لا تستهدف سوى إعلاء المصالح المصرية العليا، بمثابة جرس إنذار أتمنى أن يصل إلى سمع الجماعة لتنبيهها بأنها على وشك أن تفقد كل الذين راهنوا يوماً ما، وأنا واحد منهم، على إمكانية تطورها لتصبح جزءاً من الحركة الوطنية المصرية وتتخلى عن أحلامها فى الهيمنة عليها أو ركوب موجتها.
كما أرجو أن تتحلى الجماعة بما يكفى من الشجاعة للاعتراف بأن ما جرى فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى كان ضرورياً ويعبر عن قمة الوطنية وجاء فى وقته تماماً، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر العميقة أكبر من أى فصيل، وأن مصر، هذا البلد العظيم الذى صنع ثورة ٢٥ يناير، يمكنها فى أى وقت الاستغناء عن أى طرف لا يضع مصالح مصر العليا فوق مصالحه الفئوية الضيقة.

الأحد، 29 مايو 2011

من وحي ثورات عربية جارية…. د/ عزمي بشارة


التعصّب لا يُعوَّل عليه.التشهير لا يعول عليه.الغرور من أنواع الغباء، ولا يعوّل عليه.العصبية جماعية والرأي فردي، العصبية في شؤون الرأي لا يعول عليها.أي رد على حجة يمس قائلها ولا يفند قوله هو تشهير لا يعول عليه.أي حجة يستمدها قائلها من هويته هي عصبية لا يعول عليها.أي رأي في الناس متغير بتغير هوياتهم، لا يعول عليه.أي استخدام لعرف أو عقيدة في فرض ما يحتاج إلى تحليل وإثبات، هو مصادرة للعقل وإرهاب فكري ولا يعول عليه.كل حكم عقلي لا يتغير بتغير المعطيات بموجب التحليل العقلي هو تعنت لا يعول عليه.كل حكم عقلي يتغير رغم تساوي المنهج والمعطيات تعسف لا يعول عليه.أي حكم قيمي ينحاز للظلم بسبب هوية صانعه ليس أخلاقا ولا يعول عليه.إذلال البشر وكسر نفوسهم من أجل التمكن من حكمهم طغيان لا يعول عليه.قتل طالب الحق كفر لا يعول عليه.
1. أخذا بعين الاعتبار للمشترك بين الدول العربية يمكن القول إن الحركة التغييرية التي تمثلها الثورات هي حركة ضد الأنظمة السلطوية بأشكالها المختلفة.
لقد صادرت هذه الأنظمة جميعها حقوق المواطن الفرد، واحتكرت مصادر القوة بمزاوجة السياسة والاقتصاد، وبين النفوذ السياسي والربح المالي، واستسهلت بناء الولاء السياسي للنظام على أساس علاقات وشائجية، وأيسرها علاقات الولاء بقرابة الدم أو العشائرية أو الجهوية (التي قد تتقاطع مع المذهبية والطائفية). وكان الناتج غالبا هو نظام سلطوي مملوكي رث معصرن بواجهات ويافطات حديثة كاذبة.
2. اختلفت الجمهوريات العربية عن الدول الملكية والنظم المحافظة باقتصاديات التنمية بواسطة القطاع العام، وبأيديولوجية الحزب الحاكم الوحدوية عموما، وبمقاومة الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على المنطقة، وبالفكرة القومية العربية.
وقد تآكل الفرق تدريجيا مع نشوء رأسمالية الدولة واقتصاد الفساد المرتبط بها عبر الولاءات السياسية المذكورة أعلاه. كما أدى اندثار نظام المعسكرين إلى براغماتية لدى هذه الدول في العلاقة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك قضية قبول إستراتيجية التفاوض مع إسرائيل.
3. وضاقت الهوة بين نمطي الأنظمة، مع تعميم وتجذر سلوكيات الدولة القُطرية، وبتحوّل الحفاظ على استقرار النظام إلى طلب الحكم مدى الحياة، ومع نشوء نوايا علنية وخطط للتوريث كيّفت بموجبها سلوكيات وبنية النظام.
كما قرّبت بين طبائع الأنظمة مشاريع اللبرلة الاقتصادية، وتنفيذ شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المعروفة بمبادئ إجماع واشنطن.
ساهمت اللبرلة الاقتصادية في ظل الاستبداد السياسي في اختلال توزيع الدخل القومي وتكديسه في أيدي حفنة من المقربين لإنتاج رأسمالية جديدة هي رأسمالية "الحبايب والقرايب".
كما ساهمت في توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وبين المناطق المختلفة داخل كل قُطر عربي، وذلك من دون السماح بالتعبير السياسي, مما شكّل خلفيات اجتماعية لانتفاضات متتالية.
وأدت الهزات الاجتماعية -التي قادت إليها اللبرلة الاقتصادية المقترنة بالتسلطية السياسية- بدايةً إلى إصلاحات شكلية، ثم ما لبثت أن استغنت عن الشكلية ودفعت إلى تشديد الاستبداد لحفظ الاستقرار السياسي للنظام وتوازن الدولة.




وبدل أن تؤدي الخصخصة في ظل الاستبداد إلى الدمقرطة، فإنها أدت إلى تشديد السلطوية. لقد كانت اللبرلة المنفلتة بموجب مبادئ إجماع واشنطن (النيولبرالية) لبرلة ضد الديمقراطية واحتكارا ضد المنافسة وتركيزا للثروة ضد الإنصاف وعدالة التوزيع.

4. والفرق أن فئات البرجوازية الجديدة المستفيدة من الخصخصة والبرامج اللبرالية/ التسلطية أصبحت أكثر تصالحا مع الاستبداد السياسي، وشكلت عنصرا جديدا في قاعدة النظام السياسي.
لقد تمتعت هذه الفئة بالقرب الاجتماعي من النظام السياسي الأمني، الذي سمح لها بممارسة حياة استهلاكية بشكل أكثر تحررا بما فيه بعض الحريات لهذه الفئة التي بدت وكأنها إصلاح سياسي.
حين شاركها النظام المغانم، لم يهم هذه الفئة التي كانت تنتقد الاستبداد أن تتصالح مع النظام بالذات حين زاد استبدادا. وإذ سمح لهذه الفئة بممارسة نمط حياة أكثر انفتاحا، فإنها وسمت نمط حياتها، الاستهلاكي المنحل في ظل الاستبداد، علمانية.
ولا يعنيها أن النظام يسوّق للجمهور تدينا شكليا يتعارض حتى مع مقاصد الشرع، ويشجع الوعاظ الموالين للنظام، وينقض في الوقت ذاته على التطرف الديني الذي تولده النواحي المحرومة، وأحزمة الفقر حول المدن، حين يتحول إلى العنف السياسي.
5. إن انضمام الطبقة البرجوازية المدينية إلى المستفيدين مباشرة من العلاقة مع النظام الحاكم هو أحد أهم أسباب حالة الارتباك التي أصابتها مع نشوء الثورات ضد الاستبداد. ويرتبط بهذه الفئة وصالوناتها جزء من مثقفي المدينة.
6. لقد نشأت فئة من أبناء المسؤولين ورجال الأعمال الذين يرغبون بالظهور بمظهر الحضاريين على خلاف أهلهم العسكريين ورجال الأمن. ويغطي الاستهلاك الثقافي وأنماط الحياة الغربية التي يتبنونها على الجرائم التي ترتكب في أقبية التعذيب، وفي الاقتصاد بالاستهلاك الثقافي. يشكل هؤلاء جمهور صفوة ذات امتيازات بالنسبة للفنانين والمثقفين، ويرتبط بهم قطاع من صناعة تسويق الثقافة في المدن.
ويرتبط جزء من المثقفين والفنانين بهم من خلال علاقات صالونية. ويتوهم المنخرطون في مثل هذه العلاقات أنها شهادات في التنور، وأن عقاقيرها تزيل رائحة الاستبداد والفساد. والحقيقة أنهم فقدوا حاسة الشم، فالرائحة تزكم أنوف كل من يعيش خارج هذه المجتمعات الفرعية والصالونات.
7. ولكن الارتباك الأكبر عند المثقفين ينجم عن الخوف من الجمهور لأنه لا يتحرك بموجب خطة معدة سلفا. هذا الجمهور لا يذكر المثقفين بالأساطير التي يحملونها في رؤوسهم عن الثورات، وتختلف صورته عن الصور التي تحملها اللوحات الفنية والشعر والأدب عن دول لم تكن جماهيرها أكثر حضارية، ولا أكثر تنظيما وأقل فوضى من الجماهير العربية.
ومن هنا ينتظر المثقفون عهودا وهم يتذمرون من النظام ومن كسل الجماهير، وحين تخرج الجماهير إلى الشارع يقفون عاجزين مرتبكين.
ويؤدلج بعضهم العجز فيهاجم "فوضى الشارع وتخلفه وسلفيته"، ويبدأ بالوعظ في الواقعية والإصلاح والخوف من الحرب الأهلية، أو يتحول إلى معلق بلا موقف مقارنا بين الثورات، أيها أرقى، وأيها أجمل، وأيها أكثر حضارية في نظره، وينسى أن اللحظة هي لحظة الموقف، وأن المثقف يخون دوره حين يبرر الأوضاع القائمة ويمتنع عن اتخاذ موقف في لحظة تاريخية لن تتكرر، ولن يفيد بعد الغياب عنها كل التنظير اللاحق.
لا يمكن توجيه الثورة من خارج الموقف المنحاز لها. يرتبك بعض المثقفين أكثر في حالة حمل نظام الاستبداد لأيديولوجية في مقاومة إسرائيل والصهيونية، ويرتبك المثقف أكثر حينما تنضم الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإدانة النظام.
وغالبا ما لا يسأل المثقف المرتبك ذاته عن تأثير غيابه عن قيادة الثورة في تحصين الثوار من التأثير السياسي الناجم عن هذا الموقف الغربي المشبوه.
وينطوي هذا الموقف المرتبك على قناعة مفادها أن ما يحصن الموقف السيادي ضد الإملاءات الغربية هو نظام الاستبداد، أو إرادة الشعب المجازية التي تمثلها، وأن الأغلبية الفعلية المعبر عنها في انتخابات دورية لن تؤسس لموقف مقاوم للإملاءات السياسية الغربية والإسرائيلية، أو لموقف رافض للاحتلال، أو متمسك بقضايا الأمة.
8. وخافت فئات كانت تنتقد النظام وارتبكت من حركة الجمهور؛ لقد تبين أن ما اعتبر نقدا للنظام في عرف هذه الفئات لم يكن نقدا ومعارضة، بل تذمرا وتنفيسا لا يمكنه أن يُمارَس إلا في ظل النظام، فهو يحتاج للنظام لكي يبدو متقدما ومتنورا بواسطة الشكوى والتذمر منه، ولكن تغيير النظام يودي بنرجسيته كلها.
9. ليس هدير الجماهير مخيفا في حالة العرب لأنها لا تتحرك نحو احتلال الحكم والحيز العام، ولا تريد أن تحكم عبر حزب شعبوي يدعي تمثيل إرادة الجماهير. فلا مبرر أن يخشى المثقفون حكم الجماهير، فالشعب لا يدعو لاستبدال حكم نخبوي ظالم بحكم جماهيري مظلم، بل يرنو إلى تأسيس الديمقراطية وحقوق المواطن.
وإن حضور الجماهير الدائم في الساحات والحيرة التي يولّدها ناجم عن تخلي القيادة الديمقراطية عن واجبها في طرح البرنامج الديمقراطي للحركة الشعبية.
10. ليس انتقاد نظام، على أن إعلامه لا يقدم صورته كما يجب، نقدا ديمقراطيا، ولا انتقاد نظام على عدم قدرته على القمع بوسائل أخرى نقدا مواطنيا، بل هو نقد يليق بمنظمات دولية تنطلق من تسويقات الحكم الرشيد لتجميل صور الأنظمة التسلطية. إن وظيفة المثقف النقدي هي أن يفضح النظام لا أن يرشده كيف يجمل نفسه.
11. وحدها لحظة الثورة هي التي يحق لها أن تسأل: "هل أنت معنا أم ضدنا؟". إن المثقف الذي يقف مبررا للنظام واعظا الثوار وهم يتلقون الرصاص في الصدور، والهراوات على الرؤوس، هو كمن يقف ضد الثورة.
12. إن أسخف استخدام لنظرية المؤامرة، هو الادعاء أن الشعب المتحرك لنيل حقوقه لسبب بديهي هو فقدان هذه الحقوق، هو جزء من مؤامرة دولية. هذا الاستخدام يتضمن استخفافا بعقول الناس واستهانة بفقدانهم لحقوقهم.
13. إن أي مقاومة للهيمنة الاستعمارية ترى في نفسها موقف أقلية تحافظ على سلطتها بالاستبداد ضد الأغلبية لا يمكن أن تبقى مقاومة، ولابد أن تتحول بنفسها إلى أداة في الحكم وتبرير الحكم.
14. إن موقفا يجمع بين دعم الثورات من أجل الديمقراطية فيما يسمى دول الاعتدال والوقوف ضدها في حالة ما يسمى دول الممانعة، إنما يميز بغير حق بين شعب تحق له الحرية والديمقراطية وآخر ليستا من حقه. وهو يفاضل بين شعب قادر بالديمقراطية على تشكيل أغلبية مقاومة، وآخر غير قادر عليها.
15. إن النظام الذي يبرر ذاته بأن الاستبداد ضروري للحفاظ على الوحدة الوطنية، وأن التعددية السياسية لن تؤدي إلى التنافس، بل الحرب الأهلية على أساس سياسات الهوية، هو النظام الذي يخلق الحالة التي يستخدمها لتبرير ذاته. إنه يبقي حالة التوازن بين الهويات لكي يحكم، ولكي تلجأ إليه الناس خوفا من قمع أبناء هوية أخرى.
ومع ذلك لا يجوز الاستخفاف بهذه الحجة، لأنها قد تكون نبوءة تحقق ذاتها لأن النظام قادر على خلق الوقائع التي تثبت صحتها، ولأن عقودا من حكمه ومن تلاعبه بمكونات الواقع الاجتماعي قد غيّرت الواقع الاجتماعي على صورته ومثاله.
16. لا تختلف الشعوب العربية في طموحها للعدالة والحرية، ولا تختلف الأنظمة العربية كثيرا، ولكن المجتمعات العربية تختلف في بنيتها، وفي علاقة هذه البنية مع الدولة. ففي بعض المجتمعات تتماهى بعض الجماعات الأهلية أو تتنابذ مع النظام القائم الذي لم يطور علاقة مواطنية من خلال عملية بناء الأمة والمؤسسات.
17. يتعقد التحول الديمقراطي في الدول المتعددة الهويات والتي يتضمن بعض هوياتها مع النظام القائم. هنا ينشأ خطر أن يشق التحرك الثوري المجتمع شاقوليا بين هذه الفئات. وفي هذه الدول يفضل أن يتم الإصلاح بالتدريج وأن يشمل تخفيف حدة تسييس الهويات. ولكن السؤال الكبير هو ما العمل حين ترفض الدولة الإصلاح وتصر على تأجيج سياسات الهوية.
18. إذا خرج شعب مطالبا بالإصلاح وقدم التضحيات فلن توجد قوة في الدنيا يمكنها إقناعه أن يتنازل عن حقوقه بحجة أن النظام يرفض الإصلاح والانتقال التدريجي نحو الديمقراطية، ولأن البديل لهذا النظام هو الفتنة الطائفية. فحين يرفض مطلب الإصلاح يتحول الاحتجاج إلى ثورة.
وهنا ينشأ خطر أن تؤدي الثورة إلى احتدام سياسات الهوية، وينشأ أمل أن تقوم هي بعملية بناء الأمة المواطنية عبر النموذج الذي تطرحه بواسطة قياداتها، وخطابها، وبرنامجها، وسياساتها.
وعلى الديمقراطيين في هذه الحالة أن يختاروا بين الانضمام للثورة والتأثير فيها ضد المنزلقات الطائفية وضد استغلالها من قبل قوى خارجية، أو تركها عرضة للأخطار التي يحذرون منها.
19. في حالة الأنظمة التي لم تكن على وفاق مع الولايات المتحدة، نشأت عبر السنوات عناصر معارضة للأنظمة تلتقي مع أعداء الأنظمة، ومن ضمنهم الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى باتت تتبنى رواية إسرائيل بخصوص التطرف والاعتدال في الوطن العربي. ربما نشأ بعضها نتيجة للوجود في المنافي، وربما نشأ بعضها الآخر نتيجة لكراهية عمياء للأنظمة.
المهم أنه في خضم نسج علاقاتها في الغرب، وبسبب مواقفها الناقمة على الأنظمة، راحت تتهمها بتحمل المسؤولية عن غياب السلام في المنطقة، كما اعتبرت المقاومة المشروعة ضد الاحتلال مجرد أداة بيد الأنظمة.
وهي رغم تعرضها للظلم لم تر وجه المقاومة المشروع. لقد انضمت هذه العناصر مع الوقت عمليا إلى المواقف الغربية الاستشراقية وحتى العنصرية من العرب.
وهي تشبه في ذلك عناصر من المعارضة العراقية التي قدمت على دبابة أميركية، وهي تخفي ذلك وراء قُطرية تابعة للولايات المتحدة تلبس لبوس الوطنية المحلية.
وهي لا تعي التركيب القائم في بنية مواطنيها، فهم عرب ومسلمون وسوريون، أو عرب ومسلمون وليبيون في الوقت ذاته، وجميعهم يتمسكون برفض الاحتلال في فلسطين والعراق.
ومع نشوء الثورات العربية تحرج هذه العناصر من موقف الغرب اللامبالي، ثم لا تلبث أن تزدهر مع تبني الغرب لموقف صارم ضد الأنظمة. بعض هذه العناصر موال للغرب، وقد نشأت لبعضها علاقات حتى مع الإسرائيليين.
لقد أثبتت التجربة العراقية أن بعض هذه العناصر الذي يبدو لبراليا أثناء وجوده في الغرب، يستسهل تبني مواقف طائفية وعشائرية لكي يصنع له قاعدة زبائنية سياسية في بلاده. فالمواقف الموالية للغرب وإسرائيل لا تشكل بحد ذاتها قاعدة اجتماعية وسياسية. فنبقى في النهاية مع عناصر متنفذة طائفية وعشائرية وموالية للولايات المتحدة، ومؤيدة لمواقف "معتدلة" من إسرائيل.
وهذا خطر على أي مستقبل سيادي ديمقراطي. لم تخرج الجماهير العربية شاهرة دماءها لكي تنسخ تجربة العراق الطائفية السياسية، ولا تجربة لبنان التي يلتقي فيها الصراع الداخلي بتحالفات خارجية معادية للأمة. بل خرجت على الرغم من نفورها من هذين النموذجين.
ومن هنا لا بد من تحصين الثورة خاصة في داخل البلد من هذه التأثيرات والعناصر. والرهان هنا هو على القيادات الوطنية، وعلى نشوء قيادات ميدانية تعرف من أجل ماذا خرجت تتحدى الموت والمصير، ولا تخشى المجهول لأنها تعرف ماذا تريد.
من هنا لا بد من تحصين الثورات بالهوية الوطنية والقومية، وبوضع المواطنة الديمقراطية هدفا إجماعيا يغدو الخروج عنه خروجا مدانا عن أهداف الثورة، وتدنيسا للدماء التي سفكت في سبيله.
ومن يحصّن الثورات هم الأفراد الذين يحملون هذه الأفكار، وينضمون إلى الثورات ويحولونها إلى برامج ثورية. من يحصن هذه الثورات هو ليس من يحذرها من الانزلاق للطائفية ويتمسك بالنظام الحامي للوحدة الاجتماعية و"الأقليات".
20. الثورات العربية هي ثورات تدعو إلى الإصلاح. والأنظمة التي تطلق النار بوحشية على دعاة الإصلاح لا ترغب أن تمهلها الجماهير حتى تقوم به كما تدعي، بل هي ترفضه جملة وتفصيلا، وتخشى أن يؤدي الإصلاح إلى فقدانها زمام المبادرة. فما زالت "متلازمة غورباتشوف" تلاحقها وتقض مضجعها، لقد بدأ إصلاحا أودى بنظامه.
في حالتي تونس ومصر تصدت لمهمة الإصلاح نخب من المؤسسة القائمة، من الجيش وحتى السياسيين. ويدور صراع مستمر على تعميق الإصلاح وعلى استبعاد رموز النظام السابق.
ولكن لم يحتل الحكم في أي منها حزب شمولي كما في حالتي روسيا وإيران. ومهمة القوى الديمقراطية هي أن تجعل الديمقراطية والمواطنة والحفاظ على السيادة الوطنية منسجمة في ميثاق الثورة الذي يفرض نفسه على الجميع.

السبت، 28 مايو 2011

(ترشيد تناقضات الثورة المصرية).. قراءة ثانية …. معتز بالله عبدالفتاح

كتبت فى مطلع مارس الماضى مقالا بعنوان «ترشيد تناقضات الثورة المصرية». جاء فيه أن «السياسة هى فن التوفيق بين الأهداف المتعارضة، وليست المفاضلة، بينها. والظروف التى تمر بها مصر حاليا تؤكد أن المجلس الأعلى للشئون العسكرية والحكومة المصرية تقتضى المهارة والحذر فى التوفيق بين تناقضات نعيشها. وقدرتها على إدارة هذه التناقضات والتوفيق بينها هى التى ستحدد إن كنا نسير فى الاتجاه الصحيح أم لا». وهذه التناقضات تحتاج منا أن نعود إليها لنعرف إن كنا نسير فى الاتجاه الصحيح أم لا.
●●●●

أولا ــ تناقض المساحة الزمنية للفترة الانتقالية: حيث كان يوجد هدفان متعارضان. الأول هو رغبة المجلس العسكرى لأن يترك السلطة فى أسرع وقت ممكن (وقد حددها آنذاك بستة شهور). وكان تقييمى أن هذا بالفعل هدف جيد حتى تعود القوات المسلحة إلى ثكناتها مع تأكيدهم بعدم ترشيح شخص تدعمه القوات المسلحة بما يجنب مصر العودة إلى حكم عسكرى. ولكن هذا يتعارض مع هدف آخر وهو أن هذه الفترة ليست كافية لقيام أحزاب سياسية جديدة تعبر عن مطالب الثورة والثائرين وتقنع عددا كافيا من المصريين بالتصويت لها. وقد قرر المجلس العسكرى حلا وسطا بأن يؤجل خروجه من السلطة لمدة ثلاثة أشهر نزولا على رغبة الكثيرين الذين يريدون فرصة أطول حتى يمكن لهم أن يشكلوا أحزابا سياسية وأن يبنوا قواعد شعبية لهم. 
●●●●

ثانيا ــ التناقض بين التعدد الحزبى والفلتان الحزبى: بدا آنذاك تعارض واضح بين الرغبة فى أن يوجد أكبر عدد من الأحزاب لتمثيل مصالح أكبر عدد من المواطنين، وبين الخوف هو أن ننتهى إلى فوضى حزبية نتيجة ارتباط الأحزاب بالأشخاص أكثر من ارتباطها بالأيديولوجيات والمصالح. وكان الحل الذى تبنته الدولة هو أن تكون الأحزاب بالإخطار بشرط توقيع خمسة آلاف عضو من أعضائه المؤسسين من عشر محافظات على الاقل. ورغما عن أننى كنت أفضل أن يكون عدد الأعضاء المؤسسين أقل من ذلك مع وجود عتبة انتخابية معقولة مثل 5 بالمائة من الأصوات لوضع قيد على عدد الأحزاب التى ستدخل البرلمان، لكن القيد الرقمى العالى نسبيا على تأسيس الأحزاب بالإخطار قد يكون دافعا لأن تتكتل الأحزاب المتشابهة برامجيا فى تكتل واحد.
ثالثا ــ تناقض مكافحة الفساد والإخلال بحقوق الإنسان: قلت آنذك إنه ينبغى التعامل مع قضايا الفساد بحذر شديد أقرب إلى مشرط الجراح وليس ساطور الجزار حتى لا تنال الثورة من الشرفاء الذين لم يخرجوا على قوانين وإنما ارتبطت أسماؤهم بمعاملات عادية مع مسئولين فى النظام السابق. والمعضلة لم تزل قائمة لأن قوانيننا فى معظمها جعلت الفساد ممكنا ومقبولا حتى فى ظل القوانين القائمة، وهنا يكون السؤال الذى طرحته على عدد من القانونيين بشأن مدى إمكانية إصدار قوانين جديدة لمحاكمة مسئولين سابقين محاكمات غير مسيسة مع الحل العاجل للمجالس المحلية. الفكرة ممكنة ولكن واضح أن الإدارة السياسية لا تسير فى هذا الاتجاه. 
●●●●
رابعا ــ التناقض بين تصعيد الشباب ومكانة مخازن الخبرة: الثورة فى الأصل كانت ثورة شباب ثم احتضنها الشعب، ولكن لا نريد أن يسود الانطباع بأن هناك فراعين جددا لا يلوون على شىء ولا يستمعون لغيرهم، لكن هناك خوف حقيقى من ديكتاتورية الثورة التى تعنى أن أى صاحب رأى معارض لهدف أو لسلوك أى من الثائرين يتحول إلى تصوير الأمر وكأنه نوع من العمالة أو الخيانة أو فلول النظام. والانطباع السائد لدى الكثير من شباب الثورة أنهم قد استبعدوا من لعب أى دور سياسى وأن نصيبهم حتى من العمل الحزبى لن يعكس حجم تضحياتهم. وهو ما سيقتضى أن نفكر معا فى كيفية الاستفادة من هذه الطاقة النبيلة لدى هذا العدد الكبير من الشباب الذين يعملون باجتهاد من أجل بناء وطن أفضل. وقد اقترحت أن تكون هناك اجتماعات دورية مع قطاعات متنوعة من الشباب للاستفادة من رؤاهم وطاقاتهم وتوضيح الصورة لهم.
خامسا ــ تناقض الإصلاح السياسى والإصلاح الاقتصادى: كان كلامى آنذاك أن هناك تركيزا واضحا على المطالب السياسية ولكن هناك خوف حقيقى إن طالت الفترة الانتقالية أن نجد قدراتنا الاقتصادية تتراجع بشدة مع تعطل السياحة وتوقف الاستثمارات الأجنبية ونزوع القطاع الخاص المحلى إلى عدم التوسع فى الإنفاق. وما طالبت به أن نسرع فى التخلص من بقايا النظام القديم (فى الحكومة والإعلام والمحليات) حتى يعود الاستقرار إلى المجتمع ومن ثم إلى الاقتصاد. ولكن يبدو أننا تأخرنا أكثر من اللازم. 
●●●●
سادسا ــ تعارض المثالية المدنية والواقعية العسكرية: قلت آنذاك إن هناك مطالب بعودة المدنيين لإدارة المشهد السياسى من خلال مجلس مدنى رئاسى، ولكن نادرا ما وجدنا صوتا موحدا للقيادات المدنية بعد جلسات نقاش بحيث تقوم بالتعبير عن مصالح الثائرين المصريين، فى مقابل الانضباط العسكرى الواضح والقدرة على الحديث بصوت موحد. ولم يزل المدنيون يفاجئوننا بعدم قدرتهم على العمل بروح الجماعة. 
●●●●
سابعا ــ تعارض قداسة الدين مع حسابات السياسة: قلت آنذاك إن هناك حديثا متواترا عند العديد من القوى والجماعات الدينية التى تسعى لتكوين أحزاب سياسية. وهو أمر جد خطير إن لم يسبق ذلك أو يتزامن معه تربية على التسامح السياسى وبناء ثقافة ليبرالية حقيقية. وقد اقترحت آنذاك ولم أزل أقترح إضافة مادة أخرى فى الدستور الجديد، على أن تكون مادة فوق دستورية (أى غير قابلة للتعديل)، تؤكد على حل أى جماعة أو حزب يتبنى رؤية سياسية تقوم على التفرقة بين المواطنين بسبب الاعتقاد الدينى ويكون القرار فى هذا الصدد لمحكمة النقض، حتى نضمن لأتباع الجماعات الدينية حقهم فى أن يشاركوا فى حياتنا السياسية كمواطنين مصريين مع ضمان أن تكون حركتهم منضبطة فى حدود ما يحفظ الوحدة الوطنية.
ثامنا ــ معضلة الاستيعاب والاستبعاد: والذى كان يناقش بقاء الحزب الوطنى أو حله، وقد حسم القضاء هذه المسألة، ولم يزل القضاء ينظر فى مسألة منع أعضاء الحزب من المشاركة فى الحياة السياسية لفترة من الزمن. 
●●●●
تاسعا ــ معضلة الديمقراطية غير الليبرالية: كتبت آنذاك إن الديمقراطية هى مقاومة استبداد الحكومة على المواطنين من خلال حكم الأغلبية، والليبرالية السياسية هى مقاومة استبداد الأغلبية بالتأكيد على أن هناك حقوقا أساسية للأقلية لا يمكن أن تنتهك بسبب قرار تتخذه الأغلبية. المشكلة فى مصر أن الديمقراطية تبدو أقرب إلى أيدينا من التسامح السياسى، وهنا نكون أمام معضلة إجراءات الديمقراطية بلا أخلاقياتها مثل من يقود السيارة ولا يعرف آداب المرور، فيقتل من يقتل ويصيب من يصيب. وهو ما يجعلنا بحاجة حقيقية لدورات مكثفة فى التسامح السياسى وقبول الآخر فى مجتمع ستنفتح شرايينه للتعبير والتمثيل دون اهتمام كاف بالمادة التى ستمر عبر هذه الشرايين. وما الحوار الوطنى الأخير إلا مثال واحد من أمثلة عديدة تؤكد أننا بحاجة للعمل الدؤوب فى هذا الاتجاه. 
●●●●
لم نزل نعيش فى تناقضاتنا وسنظل كذلك إلى أن تمر هذه المرحلة الحرجة. ورغما عن البطء لكن إجمالا أزعم أننا نسير فى الطريق الصحيح. وأعظم ما فى كل تناقضاتنا، أننا نكتب معا مستقبلنا الذى سيكون أكثر إشراقا قطعا. هناك تنافس داخل السفينة، لكنها تسير فى الاتجاه الصحيح بقدرتها على تصحيح نفسها.

لماذا يخشون الانتخابات البرلمانية؟….. د/وحيد عبدالمجيد

يريد بعض من يؤمنون بالديمقراطية، ومن ناضلوا طويلا من أجل حق المصريين فى اختيار ممثليهم وحكامهم بحرية، تأجيل أول انتخابات برلمانية حرة ونزيهة وتنافسية منذ أكثر من ستة عقود. وهذا إحدى أبرز غرائب المرحلة الانتقالية الراهنة التى يريد من يخافون إجراء الانتخابات فى سبتمبر المقبل إطالة أمدها. يطالب بعضهم بمجلس رئاسى مدنى، أو مدنى- عسكرى، يحكم لفترة لا تقل عن سنتين بدون انتخابات أو تفويض. ويرى بعض آخر استمرار المجلس الأعلى فى إدارة المرحلة الانتقالية بعد إطالة أمدها.
لا يفكر المطالبون بمجلس رئاسى فى الصيغة التى يحكم بمقتضاها وآليات اتخاذ القرار فى داخله، وطريقة حل الخلافات التى لابد أن تظهر بين أعضائه تجاه بعض القضايا، ولا حتى فى كيفية اختيار هؤلاء الأعضاء الذين لا يزيدون على أربعة أو خمسة فى الوقت الذى قد يجد فيه عشرات أنهم جديرون بعضويته.
ولا يهتم المطالبون باستمرار المجلس الأعلى لفترة قد تطول إلى عامين أو ثلاثة بعواقب توريط القوات المسلحة فى مهمة قبلت قيادتها مشكورة أن تؤديها لدعم الثورة وإنقاذ البلاد لفترة قصيرة حددتها فى ضوء حسابات تُقَّدرها.
ويذهب بعض المطالبين بتأجيل الانتخابات إلى مدى أبعد. فهناك من يدعو إلى أن يحكم الجيش حكما مباشرا بدعوى أن إجراء انتخابات فى المدى القريب ليس فى مصلحة البلاد. وثمة من يقترح أن يتولى المشير حسين طنطاوى رئاسة الدولة.
ورغم أن هناك من يفضلون إصدار الدستور الجديد أولاً، يظل القاسم المشترك الأساسى بين المطالبين بتأجيل الانتخابات هو الخوف، معلنا أو مستترا، من إجرائها فى سبتمبر المقبل. وبلغ خوف بعضهم مبلغا غير معقول عندما دعوا لأن يكون تأجيل الانتخابات أحد مطالب «مليونية» اليوم. وهذه سابقة لابد أن يسجلها التاريخ. فلم يحدث أن دعا ديمقراطيون إلى مظاهرات ضد إجراء الانتخابات. المعتاد هو أن يتظاهروا سعيا لإجرائها ولانتزاع ضمانات تكفل سلامتها وحريتها ونزاهتها. والمعتاد، أيضا، أن يتظاهر خصوم الديمقراطية ضد الانتخابات.
وهذا هو ما حدث عام ١٩٥٤ عندما خرجت، أو أُخرجت فى رأى البعض، مظاهرات ضد الديمقراطية والانتخابات. ولذلك كله، ولغيره، يخاطر دعاة تأجيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها فى سبتمبر بصورتهم فى الشارع ويضعون أنفسهم فى موضع من ينقلب على الديمقراطية بالرغم من أنهم ديمقراطيون حقاً. وقد يُنظر إليهم كما لو أنهم مستعدون للعصف بالديمقراطية إذا لم تأت بهم إلى السلطة مثلما فعل فصيل صغير من الليبراليين فى مرحلة دستور ١٩٢٣. فقد تحالف حزب الأحرار الدستوريين مع قوى غير ديمقراطية، وتواطأ مع القصر لإلغاء نتائج أكثر من انتخابات خسرها عبر حل البرلمان. كما شارك فى تزوير بعض الانتخابات من أجل الوصول إلى السلطة.
وبدلا من تضييع الوقت والجهد فى السعى إلى تأجيل الانتخابات، يمكن استثمارهما إلى أقصى مدى ممكن فى الاستعداد لها والنزول إلى الشارع والرهان على الناخبين الجدد الذين سيذهبون إليها للمرة الأولى فى حياتهم، على نحو يجعل الخوف والتخويف من هيمنة تيار واحد على البرلمان القادم غير مبرر. لم تزد نسبة المشاركين فى أى انتخابات سابقة، بما فى ذلك انتخابات ٢٠٠٥، على ٢٠ فى المائة فعليا. فإذا وصلت النسبة إلى ٤٢ فى المائة كما حدث فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، سيكون المشهد الانتخابى مختلفا تماما. فما بالنا إذا زادت على ٥٠ فى المائة.
ويعنى ذلك أن معظم الناخبين الذين سيذهبون إلى الانتخابات البرلمانية هم من الشرائح والفئات التى لم تكن لديها ثقة فى أى انتخابات سابقة. وكثير منهم شباب ينتمون إلى شرائح اجتماعية حديثة يرجح أن تقلب معايير العملية الانتخابية التى تحكمت فيها طويلا قوى تقليدية عائلية وعشائرية ودينية.
كما أن الكثير من الناخبين الجدد لن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع لبيع أصواتهم، وإلا لفعلوا فى انتخابات سابقة. ورغم أن ضعف الحضور الأمنى يعتبر مشكلة فعلاً، فمن الصعب تأجيل كل شىء إلى أن نتمكن من بناء جهاز شرطة جديد بعد سنوات قد تكون طويلة. كما أن انشغال الناس بالتنافس الانتخابى يخلق روحا إيجابية وشعورا بالمشاركة يجعل المواطنين أنفسهم الركيزة الأساسية لحماية العملية الانتخابية. وقد رأينا كيف أُجرى استفتاء ١٩ مارس الماضى فى أجواء رائعة بالرغم من حدة الصراع الذى افتُعل بين أنصار نعم ولا.
وهكذا تفيد المعطيات السياسية والاجتماعية الجديدة أنه لا مبرر من الخوف من انتخابات يستحيل أن تكون نتائجها محسومة إذا نزل الخائفون إلى الشارع فوراً وعملوا بجد واجتهاد، وتمكنوا من خلق أجواء تنافسية تشيع فيها ثقافة المشاركة المنظمة الواعية التى تبدو سبيلا وحيدا لتأكيد التعدد والتنوع السياسى والاجتماعى، ووضع حد لانغماس أطياف من المجتمع فى صراعات طائفية ومطالبات فئوية.

الخميس، 26 مايو 2011

مصر بين خطرين …. عمرو الشوبكي

تعتبر المرحلة الانتقالية هى الأصعب فى تاريخ أى بلد ينتقل من الاستبداد إلى الديمقراطية، وهى المرحلة التى يعنى الفشل فيها العودة لنظام شبيه بالنظام الاستبدادى السابق بصورة أفضل قليلا أو أسوأ، فى حين أن النجاح سيعنى الانتقال نحو نظام ديمقراطى يلبى احتياجات المواطنين وطموحاتهم.
والحقيقة أن الثورة المصرية وضعت نفسها على أول طريق النجاح حين أسقطت النظام وحافظت على الدولة، وبدا الحديث عن أنها ثورة ناقصة لأنها لم تهدم الدولة وتحل الجيش والقضاء وباقى المؤسسات خارج أى سياق نجاح، لأنه يضع مصر مع تجارب استثنائية هدمت الدولة ولم تجلب الديمقراطية لشعوبها (نماذج الثورات الفرنسية والشيوعية والإيرانية) فى حين أن كل تجارب التغيير التى شهدها العالم فى أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية والبرتغال وإسبانيا وتركيا لم تفكك الدولة إنما أصلحتها وطهرتها من العناصر الفاسدة.
والحقيقة أن مصر اختارت الطريق الصحيح بأن أسقطت النظام ولم تسقط الدولة، ولكنها وقفت فى منتصف الطريق ولم تقم بأى إصلاحات تذكر على أداء مؤسساتها العامة، ولم تقدم الحكومة ولا المجلس الأعلى أى رؤية متماسكة تساعد على عبور المرحلة الانتقالية، ودخلت البلاد فى خطرين من الصعب على حراس المرحلة الانتقالية تحملهما ما لم يتم طرح مشروع سياسى محدد المعالم لتطهير الأمن وأجهزة الإدارة وإعادة بنائها على أسس جديدة.
إن الخطر الأول هو الضغوط غير المحسوبة التى يقوم بها بعض شباب الثورة ضد أداء المجلس العسكرى، معتمدين على تيار واسع فى الشارع وضع سقفاً مرتفعاً لتوقعاته بعد الثورة ولم ير أى تغير يذكر فى معيشته، بل وجد أن بعض رموز النظام السابق مازالوا جزءاً من «الحوار الوطنى»، وبعض ضباط الشرطة المتورطين تطوعاً فى قتل المتظاهرين وتعذيب الناس يُكرّمون فى الإسكندرية، ومازال رؤساء الجامعات الذين أدخلوا البلطجية إلى حرم الجامعة يُدْعون فى الحوارات السياسية فى حين أن المطلوب محاسبتهم على جرائم جنائية وليس فقط سياسية.
والحقيقة أن الضغوط الشعبية من أجل محاسبة رموز النظام السابق ليست خطرا على الثورة فى حد ذاتها بل على العكس يمكن أن تكون فى صالحها فى حال إذا كانت جزءًا من مشروع سياسى قادر على تقديم رؤية لبناء مصر الجديدة وترجمتها إلى واقع يشعر به الناس.
إن المسار الاحتجاجى فى مصر لعب دوراً تاريخياً فى صناعة الثورة لأن مصر كانت تعيش فى ظل نظام استبدادى، أما الآن فإن التعامل مع الاحتجاج وكأننا ما زلنا محكومين بنفس النظام المستبد السابق أمر فى غاية الخطورة لأننا فى الحقيقة نعيش فى ظل «لا نظام» وحالة فراغ سلطة، ونعانى من غياب الرؤية والتخبط والعشوائية.
ومن هنا يصبح الضغط على المجلس الأعلى والحكومة أمراً مشروعاً، بل توجيه رسائل مليونية إلى فلول النظام السابق بأن الشعب مازال مستيقظاً وقادراً على حماية ثورته أمراً أيضا مطلوباً، ولكن الخطر الأكبر هو الضغط بغرض هدم ما هو «ملصم»، وهنا ستكون الكارثة الكبرى لأن الهدم هنا لن يطال نظاماً كما جرى فى السابق، إنما هو هدم ما تبقى من الدولة لصالح الفراغ الكامل والفوضى العارمة، وهذه كارثة حقيقية.
هل يعقل أن يطالب البعض على الـ«فيس بوك» بانتخاب قادة الفرق والكتائب فى الجيش المصرى كدليل على الديمقراطية، وهو أمر لم يحدث فى أى جيش فى العالم من السوفيتى إلى الأمريكى ومن البوروندى إلى الصومالى؟ وهى دعوة هدفها تفكيك العمود الأخير الباقى فى الدولة المصرية التى خرّبها مبارك.
إن التظاهر غدا يجب أن يكون بغرض الضغط على النظام الانتقالى لا إسقاطه، لأن البديل هو الفراغ والفوضى، خاصة أننا لم نمتلك تنظيماً ثورياً أو زعيماً ملهماً على الطريقة الإيرانية أو كوادر مدربة قادرة على أن تحل مكان من فى أيديهم القرار الآن.
إن ضغوط بعض الثوار بغرض هدم ما تبقى من الدولة سيفتح الباب واسعا أمام الخطر الثانى، وهو ضغوط بقايا النظام السابق من أجل الانقضاض على الثورة مدعومين من تيار الاستقرار الذى يشعر بأن ظروفه المعيشية لم تتحسن، ومعظمهم جزء من 30 مليون مواطن بقوا فى بيوتهم أثناء الثورة، خاصة فى الريف وفى كثير من مدن الصعيد، دون أن يعنى ذلك أنهم متخاذلون أو جزء من النظام السابق إنما مثلهم مثل كل تجارب التغيير فى العالم التى كانت الأغلبية الصامتة تنتظر ولا تشارك.
إن قيم «تيار الاستقرار» وطموحاته البسيطة لا تلبيها بالضرورة مطالب شباب الثورة، فبعضهم لا يرتاح إلى انتقال الثورة من التحرير إلى التليفزيون، والبعض الآخر لا يتقبل أن يقود البلاد شباب فى عمر أبنائه، وآخرون يشعرون بأنهم متهمون من قِبَل الشعب بسبب الثوار، خاصة شرفاء الشرطة.
إن الخطر على مصر ليس فى تظاهرات الناس التى هى حق لا يجب التنازل عنه، ولا فى وجود تيار الاستقرار الممتد داخل مؤسسات الدولة وخارجها، إنما فى إحساس كل طرف أن نشاط الطرف الآخر ينتقص من حقوقه ومطالبه، فالثوار ينظرون بريبة لأداء مؤسسات الدولة، ويتظاهرون ضد بطء الإصلاحات، فى حين أن التيار الآخر يرى فى التظاهر تعطيلاً لمصالح البلد، حتى أصبح هناك انقسام فى تعامل الشعب المصرى مع «مليونيات التحرير».
لابد أن نعود إلى قيم الثورة التى يجب ألا يحتكرها أحد، ويجب أن تقدم رسالة طمأنة لكل مواطن مصرى بأن هدف الثورة إصلاح أحوال البلاد والعباد، وعدم الانتقام من أحد، إنما محاكمة صارمة لكل رموز الفساد والاستبداد، والحفاظ على الدولة فى مواجهه الفراغ والفوضى، ورفض تفصيل نظام ديمقراطى على مقاس أى تيار سياسى، فيجب عدم تأجيل الانتخابات عاماً (على الأكثر شهراً أو شهرين) ولابد من وجود مرجعية دستورية تحكم عمل اللجنة التى سينتخبها البرلمان المقبل، وهى خطوة كان يجب على المجلس الأعلى للقوات المسلحة القيام بها بديلا عن الاستفتاء والإعلان الدستورى، وبما أنها لم تحدث فيجب عدم التراجع عن الآلية التى اختارها الشعب إنما دعمها بمجموعة من المواد فوق الدستورية التى تضمن عدم احتكار أى من القوى السياسية لمواد الدستور المقبل.
إن كل تجارب التحول قامت فيها القوى السياسية أولا بالتوافق على إطار قانونى ودستورى تجرى على ضوئه الانتخابات، على عكس مصر التى أنيط لمتنافسين فى انتخابات تشريعية أن يصنعوا هذا التوافق وهى مخاطرة غير مضمونة العواقب، وكان يمكن التوافق على الدستور أولا بضمانة من الجيش بدلا من تعميق الاستقطاب فى المجتمع المصرى بصورة وضعتنا أمام خطرين حقيقيين: أولهما هو الفوضى والفراغ، والثانى هو مرشح الأمن والأمان الذى لا نراه.
لا بديل إذن عن مواجهه كلا الخطرين.

الأربعاء، 25 مايو 2011

على رِسْلِك يا دكتور غزلان!! … الشيخ/ عصام تليمة

كتب الأخ الحبيب الدكتور محمود غزلان مقالا بعنوان: (لماذا لن نرشح أو نؤيد واحدا منا في انتخابات الرئاسة القادمة؟!)، ومن حقه أن يتبنى رأيا، ويدافع عنه، بما شاء من أدلة، ومتى شاء، سواء عبر فيما كتب عن رأيه الشخصي، أو عن رأي الجماعة التي ينتمي إليها، جماعة الإخوان المسلمين، ووقفتي معه لا تنفي ما في المقال من نقاط اتفاق، لا أختلف فيها معه، بل أتفق تماما معه، مثل: مصداقية الجماعة في إعلانها في بادئ الثورة عن عدم الترشح، وتأكيدها على ذلك، واستمرارها في هذا التأكيد، ومثل: الشورى الملزمة، وهو ما لا أختلف معه عليه. 

الاثنين، 23 مايو 2011

أفق التفكير الجامع: ما بعد الأيدلوجية… وما قبل النهضة….. د/ هبة رؤوف عزت

لا أعرف إلى متى يستمر أصحاب المشاريع الفكرية في عالمنا العربي في تعميم مقولاتهم وتسطيح دعاواهم وتسفيه خصومهم، فإذا كنا نواجه أزمة القومية العربية ومأزق الإسلام السياسي وتراجع الليبرالية وتشظي الاشتراكية فإن واقعنا «ما بعد الأيدلوجي» جدير بأن يجمع أصحاب الرؤى الكبرى لا أن يفرقهم.
عشنا طويلا مع مقولات سياسية من جبهات مختلفة ضد المشروع الإسلامي (ولا أقول الدولة الإسلامية لأن المشروع أكبر وأعمق) وكانت المقولة السائدة هي مقولة: أي إسلام؟ ويضرب المعرضون الأمثلة بأنظمة استبدادية أو عسكرية وعلى رأسها: إيران!
لكن النقاد لا يدللون على رؤيتهم بشكل عميق، ففي كل تجربة هناك مثالب ومزايا، وهناك تنوع شديد في رؤى ومدارس الاتجاهات الفكرية ناهيك عن اختلافها في ملفات السياسات العامة ورؤيتها للسياسة والمجتمع، ففي قضية المرأة وحدها وجدت إخوان الخليج أكثر سلفية من السلفيين الذين نعرفهم في مصر، وهكذا.
بل يمكن القول أن التنوعات بين الاشتراكيين والليبراليين فلسفيا ونظاميا تتنامى بدرجة ربما تزيد على تنوعات النموذج الإسلامي بمذاهبه ومدارسه وحالاته، بما يسمح لأصحاب التصور الإسلامي (وليس «الإسلام السياسي» كما يسمونه في الخطابات السياسية والذي أتحفظ شخصيا على كثير من أطروحاته وبالطبع أتحفظ على التسمية) أن يسألوا بدورهم: أية قومية وأية اشتراكية وأية ليبرالية وأية عولمة.
مشكلة الليبرالية - وقدرها - هو أنها ارتبطت بالرأسمالية وبالتحديث في نشأتها في التاريخ الأوروبي، ولأن التحديث والتطور الاقتصادي متنوع الدرجات والمسارات فقد تنوعت الأنماط، وما بين العلمانية الفرنسية المعادية بصلف للدين المبدية البغضاء له من ناحية، والمثالية الألمانية المتجاوزة التي تؤمن باللغة والتاريخ والإنسان والعقل الفطري من ناحية أخرى تقف في الوسط الليبرالية الأنجلو - أميركية بثرائها وتنوعها إلى حد التناقض، ونتأمل الأمثلة الكندية والأسترالية بعمق لنرى فوارق وفروق.
التحدي أن نؤسس رؤية للحريات وللمساحات السياسية والمدنية في المجال العربي الإسلامي تحترم الإنسان وتحترم قوة الدين الروحية والاجتماعية في آن واحد. هذا هو تحدي على الليبراليين قبل غيرهم.
أما الاشتراكيين العرب فلم يطوروا رؤاهم كما فعل أصحاب المذهب في مناطق أخرى، في أميركا اللاتينية امتزج الدين (الكاثوليكية) بالاشتراكية في تناغم فريد صبغ الثقافة وقدم رؤية مركبة لمناهضة الرأسمالية والبحث عن عولمة بديلة.
القومية أيضا تطورت في بقاع كثيرة، وصار مفهومها الجامد محل نظر وخاصة مع صعود مفهوم التعددية الثقافية الذي يناقض أصول تصورات المواطنة الجامدة التي تريد وضع الفرد في قالب سياسي يتنكر للدور القوي في حياة الشعوب للثقافة والعرق والدين، لكن مازال هاجس منح الأقليات قدرا من الحكم الذاتي والحقوق الثقافية يؤرق القوميين، وهو ما يدفع تلك الأقليات باتجاه الانفصال بدلا من الوصول لصيغ فدرالية حميدة تقوي مفهوم الأمة ولا تضعفه.
زمن العولمة لم يعد الخيار الحاسم هو نموذج إسلامي محدود يعود للوراء أو تقليد أعمى لنموذج غربي، فالمشروع المتكامل للمجتمع والثقافة والإدارة السياسية لا يمكنه الآن أن يفلت من الاجتهاد ولا تفلح الآن الحلول السهلة الجاهزة، لا في التراث ولا من الغرب.
في تصوري الشخصي تنامى وعي بأن لكل رؤية قدر من الصواب، فإن قدمنا تصورا للدين يجعل السلطة في يد الملالي ودور الإفتاء قد يؤدي الأمر لمعارضة مقاصد الشريعة التي صار استكشافها في كل عصر مناطه اجتهاد جماعي للعلماء من كل التخصصات، ولذا فقدر من تحديد الأدوار والمساحات مطلوب، وهو ما قد يدخل في مسألة تحديد دور الدين في المجال العام وليس تقييده. مثال واضح على ذلك رفض مجمع البحوث الإسلامية في مصر أن يتبع جمع الزكاة وزارة المالية، فالفرائض لا يجب أن تمارس بالإكراه فتصبح الدول هي المسئولة عن معاقبة من لا يدفع الزكاة، فهذه ليست دولة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، هذه دولة… أخرى.
وفي تصوري أن حرية السوق لابد من كفالتها لحد ما، لكن الرأسمالية المتوحشة التي لا تبالي كثيرا بالحرية والعدالة وقيم المواطنة وحقوق الناس، بل تنصرف إلى حسابات الربح والخسارة والأرقام وأسعار الأسهم ومواضع الكسب حتى لو كان على أشلاء الناس.. هي في تقديري ضد الديمقراطية وضد العدل.
وإذا كانت قيم الليبرالية النبيلة قد حاولت أن تستعصم بالنظام الديمقراطي كنظام سياسي يرفع صوت الناس حتى تتمكن الجماهير من مواجهة الرأسمالية إذا طغت وتجبرت، فإن العالم يشهد (بعيدا عن البحوث الأكاديمية والنزاعات الحزبية) تحولا كبيرا من الديمقراطية الليبرالية العادلة إلى الإدارة السياسية للرأسمالية العالمية والتي تضع في كرسي الحكم في أكبر دول العالم من يحمي مصالحها وتمول هي حملته الانتخابية فتقنع الناخبين من المستهلكين بأنه الأقدر على تحقيق أحلامهم… وينتهي الأمر بكارثة مالية كالتي تخيم على مجتمعنا اليوم.
فضلا عن أن ما نراه في ديارنا المحروسة ليس ليبرالية حقيقية ولا ديمقراطية تحديثية تبني وتؤسس، بل رأسمالية مشوهة طفيلية صارت جسرا للرأسمالية الدولية المتعولمة، والكارثة أن هذا يتم في ظل غياب تام لحركات اجتماعية قوية، ولأي حضور لصوت الأغلبية في قنوات التغيير.
هل يجدي أن نرفع أصواتنا فنقول يا ناس الإسلام أكثر عدالة وتحريرا مما تزعمون، وأكثر تقاربا مع رؤية لدور الدولة في تحقيق الرفاهة والشفافية وليس دور الدولة في إكراه الناس على تقوى محلها القلب، وأن نصرخ أن فلسفة الليبرالية في جذورها التنويرية الأولى لدي لوك وجيمس ميل الأب أكثر أصالة وإنسانية مما نرى؟ وهل يجدي أن نشرح أن الليبرالية الحقيقة ليست ضد الدين، وليست ضد العدل الاجتماعي، وأن القومية حلم للوحدة والنهضة وليست سجن كبير للأغلبية يسحق فيه المخالف.
ربما يكون الغد أكثر إشراقا في عالمنا العربي لو خطا الناس خطوة شجاعة إلى مربع جديد، فأدرك أصحاب المشروع الإسلامي أن آفاق الليبرالية في احترامها للإنسان تتقاطع مع مفهوم الاستخلاف ومقاصد العدل، وأدرك التيار الليبرالي أن الليبرالية ليست بالضرورة مع العلمانية المتطرفة ضد الدين، وفهم أصحاب المال أن مناخ الاستثمار لا يستقر إلا فوق دعائم العدل الاجتماعي كضمانة وحيدة للاستقرار، ودافع اليسار الباقي بأطيافه عن قيم المستقبل الإنساني يدا بيد مع كل الأطراف فنظر للأمام لا للخلف قبل أن يكتسح طوفان الرأسمالية العالمية الهادر الدين والليبرالية الحقة والإشتراكية المتزنة وكل ما نتفق عليه من إنسانية وعدل ومساواة وحرية ونهضة وحضارة وعمران وأخلاق.
تشرذم النخب السياسية والثقافية على الساحة العربية هو البلاء، وهوس التصنيف هو الداء، ولو سعيت للخروج منه فعليك لعنة الجميع لأنك أفسدت عليهم متعة تصنيفك وأقلقتهم وعكرت مزاجهم بتفردك بمساحة غير قابلة للحكم عليك بالعداوة أو الصداقة، فكيف ينام الناس وتغمض جفونهم وفيهم من يغني خارج السرب أو يأتي من أقصى المدينة يسعى يقول: أليس منكم رجل رشيد!

لا ….. معتز بالله عبدالفتاح


ليست مصادفة أن أول كلمة يقولها الإنسان وهو يعلن استسلامه وإيمانه بالله أن يقول «لا» مثل قولنا: «لا إله إلا الله».
أداة النفى «لا» هذه لها ثلاث دلالات: حرية الاختيار، والقدرة على الاختيار، وتحمل نتائج الاختيار.
ولهذه الأسباب أزعم أننى سأقول «لا» لخمس مقولات تشيع فى حياتنا السياسية.
«لا» للتصالح مع الرئيس مبارك خارج إطار القانون المدنى وعبر حقه الطبيعى فى الدفاع عن نفسه. ما قامت هذه الثورة كى تكون أداة ثأر أو ظلم، وإنما قصاص وعدل.
«لا» للمساواة بين من أفسد عامدا، ومن جارى الفساد مضطرا. وعلى هذا فلا بد من التصالح وبسرعة مع المستثمرين (الذين انخرطوا فى فساد المضطر) وبالذات الذين حصلوا على أراضٍ رخيصة نسبية من خلال إعادة تقييم لا توقف عجلة الاستثمار سواء الأجنبى أو المحلى. إن فرص الاستثمار فى دول أخرى أفضل كثيرا من عندنا، ونحن بحاجة لاستثمارات وبسرعة حتى لا نقوم بإعادة توزيع الفقر.
«لا» للمساواة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والرئيس السابق. من وقف بجوار شباب بلدى ورفض أن يطلق عليهم الرصاص له فى رقبتنا تحية شكر وتقدير وسيذكرها لهم التاريخ. ببساطة إذا كنا نتحدث عن ثورة فى أى بلد فالسؤال الأول هو: «أين يقف الجيش؟» وقد وقفوا بجوار الوطن ضد الطغاة.
«لا» لمن يطالبون المجلس العسكرى بأن يستمر فى السلطة فترة أطول من المدة المقررة فى الإعلان الدستورى. قواتنا المسلحة حامية الوطن، وأتمنى أن يكون أقصى دور لها فى السياسة الداخلية هو أن تستدعى من قبل المحكمة الدستورية العليا لحماية الدستور ومؤسسات الدولة لو قررت جهة ما تهديدها. ويكون الاستدعاء بناء على اقتراح من رئيس الدولة أو أغلبية البرلمان.
«لا» للمجلس الرئاسى المدنى الذى لا أعرف كيف يتشكل أو ممن يتشكل. بل أنا لا أعرف خمسة من «النخبة» المصرية لهم تاريخ فى أن يتعاونوا معا فى إدارة حزب أو جبهة أو جماعة، ما بالك بإدارة بلد إلا إذا كنا سنأتى بزعيم وبعض أنصاره. كما لا أفهم ما هو الذى استنتجه البعض من نتائج الاستفتاء الذى صوت فيه 14 مليون مصرى لأن يستمر المجلس العسكرى لحين الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
«لا» لتصوير أن اجتهادات الحوار الوطنى والوفاق الوطنى وغيرها من منابر لتلاقى الآراء على أنها كتابة للدستور من غير ذى صفة. لا بد للطبقة السياسية المصرية أن تلتقى وأن تتلاقى وأن تناقش المستقبل. هذه الحوارات مفيدة إجمالا لأنها تخرج لنا أفكارا تستحق التأمل والدراسة وستكون أمام لجنة المائة كى تستفيد منها.
«لا» لبرلمان من لون واحد. أتمنى أن أجد فى البرلمان كل أطياف الحياة السياسية من أقصاها إلى أقصاها. ولهذا أتمنى أن يتحالف الليبراليون معا فى ائتلاف أو أكثر، وكذا لليساريين. ليس من المنطق فى شىء أن يكون لدينا 100 ناشط يسارى وينتظمون فى 18 جبهة وحزبا مثلا. وسأكون من أسعد الناس لو نجح شباب الثورة فى أن يحصلوا على خُمس مقاعد البرلمان أو أكثر.