الخميس، 19 مايو 2011

نظرة فى الخريطة (التصويتيه) للشارع المصرى ـ د. هشام الحمامي


حجم وملامح الخريطة التصويتيه للشارع المصرى بعد الثورة تختلف كثيراعنها قبل الثورة فهى الأن أكثر اتساعا وأكثر تنوعا وتجربة الاستفتاء الأخيرمما يدلل على ذلك ويوضحه. وبإمكان أى متابع أن يصنف الخريطة التصويتيه إلى إسلاميين وعلمانيين وأقباط وعامة الناس. ومن المهم ان نعلم أن أى منهم لا يمثل كتله تصويتيه واحدة.
الإسلاميون بينهم تيارات متعددة صحيح أن الاختلافات بينهم فى التقديرالانتخابى لن تكون كبيرة..لكنها لن تكون كتلة واحدة التيارالاسلامى العريض أختلف داخله فى مسألة الانتخابات الرئاسية. فقد أعلن معظم أقطابه عن عدم دعمهم للدكتورابو الفتوح وأختلف الأمرفى القواعد خاصة الشباب والمرأة فأغلبهم يميل إلى منحه أصواتهم وهو الأمرالذى سيمثل حرجا شديدا للقيادات..فليس من المعروف حتى الأن عما إذا كان الأمرسيترك للاختيارالفردى الحر أم سيكون موجها!..بعض المتابعين تناقلوا أنباء تشيرالى أنه قبل قرار د.ابو الفتوح بالترشح كان هناك اتفاق مع الدكتور البرادعى على منحه أصوات التيارالكبير! لكن الأمر أختلف كثيرا بعد قرارالترشح.. فواضح أن الاتفاق هنا سيكون بالغ الهشاشة والجمهورالكبير لن يتمكن من مجافاة وجدانه ومشاعره. وهو ما يفسرحالة الحنق الشديدة التى ساورت بعض القيادات..وحملوا المسأله على جانب المصداقية..
ولا أدرى على أى ركيزة من ركائز الحكمه والدراية والسياسة كانت المسارعة الى الوعود السابقة بعد ان أصبح هناك صندوق انتخابى مصون وصوت انتخابى مأمون .. والعبرة بالقدرة على تحقيق مصالح الوطن والناس.. والفاشل يبعد والناجح يستمر..أما حاله تطمين المجتمع التى تلبست البعض مدفوعا بتجارب سابقة تكونت فى ظرف استثنائى وهى التجارب التى لم تختبر فى الحقيقة.. وآتيه من غمامات وضبابات عهود الاستبداد..هذه الحالة التى استملح البعض تكراراها دون سبب واضح لا محل لها من الاعراب بل لا محل لها من الواقع والحكم على الحاضر بمعاييرالماضى خروج من الزمن وتفريط فى حق النفس والمبادىء واستهزاء بالناس.
الجانب الأخر فى المسألة هوأن المرشح الاسلامى ليس مجرد كادرفى التيارلكنه قيادة تأسيسيه كبيرة ومهما كان الالتزام التنظيمى إلا انه كما سمعت من أحد القيادات الكبيرة (من منكم تطيب نفسه بعدم انتخاب أبوالفتوح حال ترشحه)..
طبعا ستكون هناك تأويلات كثيرة وتخريجات أكثروسنذكر فى فهمها مقولة معاوية فى مقتل عمار بن ياسر(قتله من أخرجه)..وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بأن الفئة الباغية ستقتله..وقد قتله معسكر معاوية.فتبين لكثيرين منهم أنهم هم الفئة الباغية..إلا ان معاويه رضى الله عنه أعاد انتاج الموقف وأخرجه من الحقيقة الى المجاز..وقال أن من قتله ليس من قتله فى الواقع..ولكن من قتله هم الذين اخرجوه للقتال.وهذه الطريقه فى التفسيروالتبرير يحبها أهل السياسة بل ويكادوا يعشقوها..لأنها تظهرمواهبهم البلاغيه التى يستعلون بها على الجماهير من ناحية وتجعلهم يتحللون من دواعى الحق من ناحية اخرى .
لا عجب إذن حين نسمع اصواتا تشيرإلى تجربة الجزائر والجيش..وأطفال السياسة يعرفون الفارق بين على بالحاج وابو الفتوح أو بين خالد نزار والمشير طنطاوى..ولا أدرى هل هو استدعاء للمشهد عنوة على حساب الوطن والشعب نتيجة لحساسيات تنظيمية قد لا تخلو من حسابات ضيقة.. لا عجب إذن حين نسمع أصواتا تشيرإلى وحدة الكلمة والجماعة والالتزام الحزبى رغم أننا نستهل طورا جديدا من أطوار التاريخ نميز فيه بوضوح بين الأشياء وكان من أوليات ذلك التمييز بين الاختيارات الفردية فى نطاق السلطة والسياسة والالتزام الثابت فى رحاب المبادىء والفكرة. والأمر كله فى مجال البحث عن الأصلح والأنفع وفى نهاية الامر يجمعنا المبدأ وتجمعنا الفكرة…السياسة لا تعدو كونها متغيرات واختيارات ورهانات..تتعدل وتتبدل.
باقى مكونات الحالة الاسلامية لن تغيب عن المشهد وقد قرأنا للأستاذ جمال سلطان رأيا واضحا فى عدم انتخاب مرشح إسلامى وتحدث عن حاجة البلاد الى فترة انتقالية مرنة تتوافق فيها الأفكاروالحركات والأحزاب دون استقطاب واضح وعلى ذلك فسنجد أصواتا إسلامية ستذهب الى د.البرادعى أوالمستشار البسطويسى أو أ.حمدين صباحى..والأخيرين اقرب الى الأصوات الإسلامية وهذه الاراء بها وجاهة وموضوعية وتخلو من الحساسيات التنظيمية وجديرة بالتأمل والانتفاع.
الأصوات العلمانية ليست ذات طبيعة واحدة فهناك العلمانى المخاصم للدين(الشامل) وهم فئة من المثقفين قليلى العدد والتأثير وهناك العلمانى المتدين المتأثر بالثقافة الغربية.وهناك العلمانى النفعى الذى يتوجه حيثما توجهت منافعة.وهناك العلمانى (الجزئى) الذى ينظرإلى ثقافة المجتمع بعين الأحترام. وعلى ذلك فسنرى هذه الأصوات تتوزع بين د.ابو الفتوح وبين د.البرادعى.
الاقباط هم أيضا ليسوا كتلة تصويتية واحدة..هناك عدد غيرقليل ممن أعطوا توكيلا لغبطة البابا لإدارة شئونهم الدينية والدنيوية!!! وهم لا يشغلون أنفسهم بالسياسة والأمور العامة وسيلتزمون بما يملية غبطة البابا.. وهناك اعداد كبيرة ممن يفتحون صدروهم برحابة المصريين للدخول الى مصر المنشودة..مصر المستقبل ..وأغلبهم من الشباب الجامعي وفى الأغلب ستتوزع اصواتهم بين أ.عمرو موسى ود.البرادعى ود.ابو الفتوح.
عامة الناس ..وهم الذين يحكمون على الأشياء بأذانهم ومشاعرهم أكثرمما يحكمون عليها برؤوسهم وعقولهم ومع انتشارالأمية وضعف الوعى العام وقلة الدراية بشئون السياسة فقد بات للحملات الانتخابية والأصوات العالية دورا كبيرا فى توجيههم ناهيك عن نصائح أهل الثقة ممن حولهم وهى حالة منتشرة بكثرة فى الريف والصعيد ..
الدين سيكون له تأثيركبيرللغاية فى توجيه أصوات هذه الكتلة التصويتيه الهائلة وهو أمرلا حيلة لأحد فيه وسنحتاج وقتا كبيرا حتى يستوعب الناس الثقافة الانتخابية الصحيحة التى تقوم على المفاضلة طبقا للكفاءة والقدرة ..أ.حمدين صباحى لم يكن بعيدا عن هذا المعنى حين أعلن أن مرجعيته إسلامية على الرغم من أن الرئيس عبد الناصر صاحب التجربة الملهمة له أيد الهندوس على المسلمين فى الحرب بين الهند وباكستان ..وساند الأسقف مكاريوس على المسلمين الأتراك فى أزمة قبرص..هذا بالطبع ليس تثبيتا للناس فى خنادق تاريخية مدى الحياة..لكن النموذج هنا قريب .
(تدبير العوام)إحدى الصفات الأكثر أهمية لأى مصلح أوسياسى.. والمصطلح صكه الجاحظ أديب العربيةالكبير(159-255هـ) ووصف التعامل مع العامة بانه (ليس فى الأرض عمل أكد لأهله من سياسة العوام)..وقدم نصيحته (النووية) فى التعامل معهم (قاربوهم وباعدوهم ..كونوا معهم وفارقوهم ..واعلموا ان الغلبة لمن كانت معه..والمقهور من كانت عليه) كثيرمن الزعماء والمصلحين والسياسيين والمثقفين أيضا انتبهوا الى ذلك..وقد رأينا كيف أودى الإمام الغزالى(450_505هـ) بالفلاسفةوالفلسفة وكيف مزقهم شرممزق وهزمهم بلمس الأكتاف وجعل الناس تزدريهم وتضعهم فى قاع (القفة) التاريخيه..ليس فقط بدغدغة مشاعرالعوام ولكن والحق يقال بالفكرالسهل الواضح وحين كتب (تهافت الفلاسفة) كتب معه (الاقتصاد فى الاعتقاد) و (بغية المريد فى مسائل التوحيد) واستحق عن جدارة جديرةأن يلقب بحجةالاسلام.
نذكر ايضا فى هذا السياق (الإمام حسن البنا) وقد كان أستاذ الأساتذة فى التعامل مع العوام وقد ادرك برؤيته الثاقبة أن ما أخفق فيه الأفغانى وعبدة ورضا.. لهو أجدر الناس بالنجاح فيه..وهو اجتذاب العوام الى مشروع الإصلاح الإسلامى الكبيرالذى يؤمن بضرورته للشرق. ونجح الرجل فى ذلك نجاحا مدويا وأصبح مشروع الاصلاح الاسلامى فى القرية والنجع يؤمن به الفلاح الأمى ويدعو اليه العامل البسيط.ولعل ذلك مما أثار(غيرة) كثيرمن المفكرين والمثقفين الاسلاميين الكبار أمثال الاستاذ العقاد واحمد أمين ومحمود شاكر ومحمد فريد وجدى وحسين هيكل وغيرهم من أساطين الفكرالاسلامى وقتها ..فقد كان الرجل يقف متحدثا فى حديث الثلاثاء ويقف لسماعه الألاف المؤلفة من بسطاء الناس وعوامهم.وهو الأمر الذى جعل هؤلاء المفكرين يناصبونه الخصومة ويرفضون بعنف شديد الانضمام لحركته..سيذكر التاريخ بعدها أن الأستاذ البنا انتبه فى منتصف لاربعينيات انه بالغ شيئا ما فى سياسة (تدبيرالعوام) وأهتم كثيرا بعدها بقسم الطلبه ووجه كثيرمن الشباب لحضورصالونات الثقافه والفكر..لكنه استشهد رحمه الله ثم دخلت بعدة أروع وأعظم تجربة إصلاح فى الشرق نفقا طويلا قد يشاء الله العلى القديرلها بالخروج منه قريبا.
إن يكن من أمر فستشهد الانتخابات القادمة تفاعلا كبيرا فى المجتمع المصرى وهوالتفاعل الذى سيكون بمثابة مخاض ضخم لولادة ليست عسيرة إن شاء الله ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق