السبت، 21 مايو 2011

الدستور والحكومة والجيش والشباب ….. معتز بالله عبد الفتاح

يبدو للبعض أن الثورة انتهت إلى غير نتيجة أو أنها أجهضت أو أنها فى جوهرها لم تكن ثورة وإنما «انقلاب عسكرى». والكلام فى هذا المقام كثير. وهى مشاعر خوف حميدة ورغبة حقيقية فى ألا نحتاج ثورة أخرى على نتائج هذه الثورة. ولنتأمل المشهد بشىء من التروى.
هل هناك محاولات لإجهاض لجنة إعداد الدستور بكتابة دستور الآن؟
ما أعتقده جازما بأن لجنة المائة التى ستضع الدستور ليست ملزمة قانونيا بأى وثيقة أو فكرة تخرج الآن سواء من «الحوار الوطنى» أو من «الوفاق الوطنى» أو غيرها من الاجتهادات المحمودة، لتبصر مواضع الاتفاق والاختلاف بين القوى السياسية المصرية. لجنة المائة ستجتمع لتجد تراكما جيدا يمكن لها أن تدرسه وأن تستفيد منه بدلا من «تخترع» ما لا علم لنا به.
ولكن هذا فى ذاته قد يثير مخاوف لدى البعض بأن «لجنة المائة» التى سيختارها الأعضاء المنتخبون من مجلسى الشعب والشورى ستكون مطلقة اليد فى ما تريد. وهذا أيضا لا يعبر عن قراءة المشهد المصرى الآن.
 المصريون يتجهون نحو التعايش ومساحات الاختلاف بيننا قليلة حتى وإن بدت الفجوة هائلة فى الألفاظ المستخدمة. كل القوى السياسية سلمت ابتداء بأنها ستحترم المواد الثلاث الأولى من الدستور بما فيها من تأكيد على الألفاظ التالية وبما تحمله من دلالات سياسية: «جمهورية، ديمقراطية، مواطنة، الهوية العربية، مبادئ الشريعة، السيادة للشعب وحده، الوحدة الوطنية». مصر شعبا، وحكومة، ومثقفين وجيشا لا يريدون لمصر أن تكرر أخطاء النظم السياسية الأخرى فى العالم، وهذا واجب دارسى النظم السياسية المقارنة وأساتذة القانون والتاريخ بصفة أساسية.
•••
هل حكومة شرف متباطئة أو متواطئة؟
ما أعلمه يقينا أن عملية «التسليم والتسلم» لم تحدث، فما حدث هو عملية اكتشاف ذاتى داخل كل مؤسسة. لم يدخل الوزراء الجدد إلى وزاراتهم كى يجدوا أمامهم وزيرا سابقا ليقول لهم كيف كان حال الوزارة، بل على العكس هناك من يخفى الملفات أو يحرف الكلام عن مواضعه.
الحكومات السابقة كانت كلها محسوبة على نفس الحزب والتسليم والتسلم يبدو وكأنه من طاقم إلى طاقم آخر على نفس النهج. بل ما فهمته أن الكثيرين دخلوا الوزارة ليجدوا فجوة فساد بين ما هو مكتوب على الورق وما هو موجود على أرض الواقع فى بلد كانت تدار معظم مؤسساتها بمنطق المافيا. يدخل الوزير الجديد إلى وزارته وكأنه يسير فى حقل ألغام بلا خريطة، فينفجر فى وجهه ابتداء لغم مطالب الكثير من العاملين، الذين يريدون حقوقهم قبل أن يؤدوا واجباتهم، وكأن الجسد فى ألم داخلى، وبالتالى غير قادر على العطاء الخارجى.
ولا شك أن ثلاثين أو أربعين (وفى أقوال أخرى ستين سنة) من الحكم بمنطق أهل الثقة والشلة والزبانية السياسية تجعل الكثير من موظفى الصف الأول والثانى يدينون بالكثير من الولاء للسابقين أكثر من ولائهم للتخصص أو المهنة أو الموقع. وهذا يخلق إشكالية الفرز الداخلى، وهى مهمة ليست سهلة لا سيما وأن استبدال القديم بأشخاص آخرين احتاجت وقتا فى بعض المؤسسات، ولم تتم أصلا فى مؤسسات أخرى فبدا للكثيرين وكأن الثورة لم تصل الكثير من مؤسسات الدولة. 
•••
مصر كانت دولة بلا نظام قادر على أن تقوم المؤسسات فيه بواجباتها بمعزل عن التحالف المعيب بين المال والثروة والإكراه. ما أزعمه أن حكومة شرف حين تترك السلطة للقادمين بعدها ستقدم لهم ملفات واضحة بمسئوليات محددة وبشفافية عالية، هى تسعى لإطفاء كل الحرائق المشتعلة وهى جد كثيرة والكثير منها منطقى لأنه يعبر عن مظالم حقيقية، ولكنها كذلك ستضع بذور العلاج كى تتحول كل أزمة إلى فرصة لمأسسة الحلول حتى لا تبدو مشاكلنا وكأنها مفاجآت بلا سوابق أو طرق متعارف عليها فى الحل.
ومع ذلك لا بد من نقد الحكومة كى تتبصر مواطن الخلل، ففى مرحلة سابقة كانت هناك وعود ولكن مع غياب آليات التنفيذ، وحتى مع توافر النوايا الحسنة، كانت تبدو لمن تلقاها وكأنها «مجرد كلام»، ولكن الأمور الآن تتحسن كثيرا. الكثيرون معهم الحق فى تساؤلاتهم بشأن بعض الأسماء فى بعض المناصب التنفيذية سواء فى القاهرة أو المحافظات. ولكن مرحلة الاستكشاف والتشخيص اقتربت من الانتهاء والقادم أفضل. 
•••
هل المجلس العسكرى له أهداف خفية؟
البعض يقرأون المشهد من منظور أن المجلس العسكرى يريد أن تسوء الأحوال لدرجة أن نخرج فى مظاهرات مليونية مطالبين بأن يظل العسكريون فى السلطة وتتحول المسألة من ثورة فاشلة إلى انقلاب ناجح. أستأذن أصحاب هذا الرأى فى الاختلاف معهم. المجلس العسكرى يتضمن ضباطا كبارا تربوا على تقاليد العسكرية المصرية التى اختبرت فيهم كفاءتهم ونزاهتهم واستعدادهم للتضحية من أجل الوطن كثيرا.
روى لى أحدهم كيف كان قائدا لكتيبة صاعقة فى حرب الاستنزاف وكان معه ثلاثون جنديا وكان يأتى «التعيين» أقل من المقرر، ويضطرون لأكل الخبز ويتفيح منه رائحة السولار. وكيف كان يؤثر أحدهم على نفسه وهو قطعا فى نفسه خصاصة. وكان مقام تذكيرى بهذه القصة أن القوات المسلحة هى ملك الشعب وأنها ما قطعت وعدا إلا التزمت به، ويوم أن قررت أن تسترد سيناء فعلت كل ما استطاعت، ولو لم تكن اتفاقية السلام وقعت مع إسرائيل، فما كان لهم أن يهدأوا حتى يستكملوا ما بدأوا فى السادس من أكتوبر. أذكر هذا الكلام لأننى على يقين من أن روح أكتوبر عام 1973 هى نفس روح يناير 2011: حماية الشعب وحماية الوطن من أعداء الداخل والخارج. وحتى وإن كان هناك داخل المجلس العسكرى من له طموحات شخصية، فالمؤسسة، وبالذات هذه المؤسسة، أقوى من أى شخص فيها. 
•••
هل الثوار تحولوا إلى ثورجية؟
كلمة «ثورجى» تعنى من اتخذ «الثورة» مهنة أو حرفة. وأنا لا أستطيع أن أتحدث عن جميع الثائرين لأننى ببساطة لا أعرفهم، ولكن من التقيته منهم يريدون حماية الثورة، ويريدون أن يترجموا عطاءهم فى الثورة إلى عطاء فيما وراءها. وأنا مطمئن لأن المجهود المبذول جيد إجمالا. وهناك محاولات جادة من قبل الكثير من ثائرى مصر لمساعدة مصر على تخطى أزماتها. ولولا جهود الكثير من شباب الثورة لما نجحنا فى وأد فتنة امبابة ثم فض اعتصام ماسبيرو.
كما أنهم سيلعبون دورا مهما فى آلية الإنذار المبكر التى ستكون جزءا من «مجلس العدالة الوطنية» التابع لرئاسة الوزراء. كما أسعد كثيرا للجهد الذى يقوم به زملائى فى العمل الوطنى ممن يساعدون شباب الثورة على تكوين أحزاب سياسية. فعمرو الشوبكى وآخرون يتعاونون مع حزب العدل كى يكون واحدا من أحزاب مصر الواعدة. وعمرو حمزاوى أصبح وكيلا لحزب مصر الحرة، والذى أتمنى له التوفيق كى يحتل مكانه اللائق بين الأحزاب القائمة.
كما علمت أن باسم خفاجى يتحرك فى الاتجاه ذاته مع مجموعة من الشباب كى يترجموا رؤيتهم لعمل حزبى مأسس، وسعدت بانضمام عدد من إخواننا الأقباط إلى حزب الحرية والعدالة حتى نجتمع على مائدة الوطنية الجامعة، كما أسعد بتحلق عدد كبير من الشباب حول حزب الوسط، وأسعد كثيرا بتفاعل الشباب مع مبادرة مصطفى حجازى عن التيار الرئيسى المصرى، والتى تترجم ما دعوت إليه من قبل فى هذا المكان بشأن أن نتفق قبل أن نتحزب. وسيكون لنا نقاش مستفيض عن هذه الأحزاب تباعا. 
•••
إذن تفاءلوا، فالفأل نعمة، واعملوا، فالعمل واجب، وانتقدوا، ولكن ترفقوا، فما وضع الرفق فى شىء إلا زانه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق