الأربعاء، 30 مايو 2012

الإخوان مطالبـون بطمأنـة الجميــع …. فهمي هويدي


هذه لحظة الاستنفار والاحتشاد وإنكار الذات، بعدما أصبحت مصر الثورة عند مفترق طرق، وغدا طريق «الندامة» ظاهرا للعيان، وصار التهديد الماثل ينذر بإجهاض الثورة، الأمر الذى يدعو جميع فصائل القوى الوطنية إلى ضرورة إعادة النظر فى مواقفها، وفى المقدمة منها جماعة الإخوان المسلمين.


(1)

لا أنسى أننا خارجون لتونا من نظام مستبد دمر الحاضر وأمات السياسة وشوه المستقبل، وأننا نخطو خطواتنا الأولى فى رحلة الديمقراطية، وأفهم أننا لا ينبغى أن نتوقع انتقالا إلى ديمقراطية كاملة الأوصاف. وأن إحدى قواعد تأسيس النظام المنشود أن نقبل ونحترم كلمة صندوق الانتخاب، طالما توفرت للعملية شروط النزاهة والحرية. أدرى أيضا أن هذه هى المرة الأولى فى التاريخ المصرى التى يتولى السلطة فى البلد رئيس خارج من الصندوق، ومنتخب من بين 13 مواطنا آخرين، توسم كل واحد منهم أن بوسعه أن يرأس مصر.

هذا كله أقدره ولا أستطيع أن أتجاهله. لكننى أيضا لا أستطيع أن أغض الطرف عن أن نتائج فرز الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وضعتنا أمام تحد لم يكن فى الحسبان. إذ فى حين دخلنا فى تلك الجولة مخيرين بين مرشحين يتنافسون على كيفية تحقيق أهداف الثورة فإن نتائج الفرز فاجأتنا بأننا صرنا مخيرين بين أن تكون الثورة أو لا تكون. وأن أركان الثورة المضادة أطلوا بوجوههم وفرضوا أنفسهم على المشهد الانتخابى بعدما ارتدوا مسوح الثوار ورفعوا أعلامهم.

ذلك تطور يقلقنا لا ريب. لكننى أزعم أنه لا يخيفنا ولا ينبغى له أن يشيع اليأس بيننا، بل أزعم أنه على سوئه ليس شرا كله، ولكن يمكن أن يكون له مردوده الإيجابى إذا فتحنا أعيننا جيدا واستخلصنا منه الدرس الذى يقوى من عزائمنا ويعزز من صفوفنا، بحيث تتحول الأزمة إلى فرصة كما يقول الصينيون.
(2)

إذا سألتنى كيف؟ فردى تلخصه النقاط التالية:

●إن النتيجة كشفت لنا عن جانب فى المشهد كان غائبا على الأذهان، يتمثل فى ظهور رموز الثورة المضادة، وثبوت قدرتهم على التحرك والتأثير. وإذا صرفنا النظر عن عددهم أو حجم تأثيرهم فالشاهد أن النظام الذى استمر طيلة ثلاثين عاما لم يسقط بسقوط رأسه، وإنما أتاحت له المدة الطويلة التى قضاها فى الحكم أن يشكل طبقة مستفيدة فى عمق المجتمع. وأن يزرع أيادى وأصابع له فى معسكر الإدارة وأروقة السلطة. وقد كان لهؤلاء وهؤلاء دورهم الذى لا ينكر فى تعزيز مرشح الثورة المضادة فى بعض الأوساط. يؤيد ذلك الادعاء أن عناصر فريق الفريق الذين يحيطون به ويبثون دعايته هم من أبواق النظام السابق، وبعضهم من كبار رجال الأمن السابقين فى الداخلية، حتى بعد الثورة.

● إن المفاجأة شكلت تحديا جديدا للجماعة الوطنية والقوى السياسية فى مصر سوف يرغمها على التوافق، الذى تمنعت عنه فى السابق. ذلك أن الجميع أدركوا الآن أنهم إذا لم يتوافقوا فيما بينهم من خلال التقارب والتفاهم فإن رياح الثورة المضادة سوف تعصف بهم جميعا، لذلك أزعم أنه ما كان خيارا تطوعيا قبل الانتخابات بات ضرورة بعدها. وما كان نافلة فى السابق أصبح فريضة بعد «الآذان» المدوى الذى رفعته الانتخابات.

● إن تصويت الجماهير العريضة أثبت أنها تعى ما تفعل، وأنها ليست ذلك «القطيع» المتهالك الذى ينساق وراء أكياس الأرز وزجاجات الزيت وأنابيب البوتاجاز كما صورتها وسائل الإعلام. ولكنها بوعى شديد عاقبت الإخوان على مواقفهم، وانحازت إلى من اعتبرته أكثر قربا منها، وأفضل تعبيرا عن أشواقها. وتلك شهادة ينبغى تسجيلها ووضعها فى الاعتبار.

● حين اختلفت مواقف الإخوان والسلفيين، بدا واضحا للكافة أن الطرفين ليسا شيئا واحدا كما يشاع. بل تبين أن السلفيين أنفسهم ليسوا شيئا واحدا. فقد أيد بعضهم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح. وأيد فريق آخر من السلفيين الدكتور مرسى. ولا أستبعد أن يكون بعضهم قد صوت لصالح حمدين صباحى. بالتالى فمن الآن فصاعدا لا ينبغى أن يتم التعامل مع «الإسلاميين» باعتارهم كتلة تصويتية واحدة. ولابد أن يشار هنا إلى أن قيادات الدعوة السلفية وحزب النور قد تصرفت بدرجة ملفتة للنظر من الرشد والمسئولية، حين اعتبرت أن هناك مصلحة وطنية فى الظرف الراهن تقتضى الالتفاف حول الدكتور أبوالفتوح واعتبرت أن المصلحة الوطنية تشكل نقطة لقاء، لا تنفى وجود مسافات بينها وبينه فى نقاط أخرى.

● النقطة التى لا تقل أهمية عن كل ما سبق، وقد تزيد، أن المجتمع بعث من خلال التصويت العقابى برسالة تنبيه وتحذير للإخوان، عبرت فيه الجماهير عن عدم رضاها عن سلوكهم وأدائهم السياسى بوجه عام سواء فى تراجعهم عن بعض ما وعدوا به (فى عدم الترشح للرئاسة وفى نسبة المقاعد التى أرادوا الحصول عليها فى البرلمان)، أو فى موقفهم من لجنة الدستور التى أرادوا تشكيلها تبعا للأغلبية وليس تبعا للكفاءة والتمثيل المجتمعى. ومعلوماتى أن هذه الرسالة تلقاها الإخوان، حين وجدوا أنهم خسروا نحو خمسة ملايين صوت فى الانتخابات الرئاسية مقارنة بالانتخابات التشريعية، وهذه نقطة إيجابية تحتاج إلى وقفة.

(3)

قلت فى الأسبوع الماضى إن الخوف سيد الموقف فى الانتخابات الرئاسية، سواء كان خوفا من الإسلاميين أو خوفا من الفلول وأركان النظام السابق. والأول أهم وأخطر لأنه ينعكس على المستقبل المفتوح، أما الخوف من الفلول فهو يظل جزءا من الماضى ومنسوبا إلى الثورة المضادة، التى تقف على النقيض تماما من الجماعة الوطنية المصرية.

للدقة فإن الخوف من الإسلاميين ليس مصدره سلوك الإخوان فقط، لكن أسهم فيه سلوك وخطاب ــ وربما مناظر ــ بعض السلفيين الذى أصاب الناس بالذعر، كما عمم الخوف وأشاع بين الناس موقف وسائل الإعلام التى لم تقصر فى الاصطياد وتشويه الصورة والتركيز على الأخطاء والمبالغة فيها. وهو ذات الإعلام الذى لم يتغير فى أساليبه شىء بعد الثورة، وإنما ظل متمسكا بتقاليد ومفردات خطاب الفزاعة المتراوح بين الإسلاموفوبيا والإخوانوفوبيا.

رغم تعدد مصادر الخوف وأسبابه إلا أننى أزعم أن الإخوان يتحملون القسط الأكبر من المسئولية عنه، لسبب جوهرى هو أنهم يشكلون القوة السياسية الأكبر فى البلد، إضافة إلى تمتعهم فى الأغلبية فى البرلمان، الأمر الذى لفت إليهم الأنظار والأضواء.

لقد أصبح مصطلح الاستحواذ لصيقا بالإخوان، إلا أنه لا يخلو من مبالغة ذهبت إلى حد اتهام الإخوان باستنساخ دور الحزب الوطنى، الذى كان مهيمنا على كل المناصب الرئيسية فى البلد، من رئاسة مؤسسات الدولة إلى مناصب الوزراء والمحافظين والمجالس العليا والسفراء ومديرى الجامعات…إلخ. ورغم أن الإخوان «اعجبتهم كثرتهم» وتصوروا أن الأغلبية التى حازوها تقتضى توليهم رئاسة مجلس الشعب والشورى والحكومة ولجنة الدستور إلى جانب دفعهم بمرشح لرئاسة الجمهورية، فإنهم لم يدركوا أن المجتمع ليس مستعدا لاحتمال وهضم هذه الصورة، بمعنى أنه غير مستعد لأن يرى «المحظورة» قد ملأت عليه الأفق وشغلت أهم أربعة أو خمسة مناصب فى الدولة، متجاهلة الجماعات والقوى السياسية الأخرى. وإذا أضفت إلى ذلك ما شاع عن قلق الأقباط والنساء والمبدعين والكلام عن التدخل فى الحياة الخاصة للناس، فلك أن تتصور حجم الخوف الذى انتاب الناس مما اعتبروه تغولا للإخوان أثار ارتيابهم وتوجسهم.

(4)

إذا اعتبرنا أن خوف الناس من الإسلاميين عامة والإخوان خاصة وراء تراجع شعبيتهم وتقدم غيرهم، بمن فى ذلك مرشح الفلول، فإن طمأنة الناس وكسب ثقة القوى السياسية يصبحان واجب الوقت. وهذه الطمأنة لا تتحقق إلا بعد نقد ذاتى يكشف عن مواضع الخلل وفى ظل شجاعة تدفع إلى الكشف عن الثغرات ومواضع الخلل وتحث على علاجها بسرعة وحزم.

فى مقام سابق استشهدت بنجاح تجربة التوافق فى تونس بين حركة النهضة الإسلامية وحزبى المؤتمر والكتلة العلمانيين، إضافة إلى عدد من الأحزاب اليسارية والقومية الأخرى. وعرضت لخلاصة من انتهت إليه هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات حين بدأت فى عام 2005 تحضير عدة أوراق تترجم التوافق حول بعض العناوين الأساسية المتعلقة بالتعايش فى إدارة شئون المجتمع. وقد كان ذلك التوافق كامنا فى خلفية ما جرى بعد الثورة، حين تولت حركة النهضة رئاسة الحكومة وتولى رئاسة الدولة رئيس حزب المؤتمر كما شغل رئيس حزب الكتلة منصب رئيس اللجنة التأسيسية الأقرب إلى البرلمان.

أشرت فى السابق أيضا إلى تنازل حركة النهضة عن إيراد كلمة الشريعة فى الدستور التونسى الجديد والاكتفاء بالاعتبار الإسلام دينا للدولة، وكيف أن الشيخ راشد الغنوشى قبل بهذه الخطوة حفاظا على وحدة الجماعة الوطنية وتجنبا لإحداث أية شروخ أو تصدعات فى المجتمع.

هذا الذى ذكرته أردت به تأييد اقتراح من جانبى أدعو فيه الإخوان إلى السعى بشكل جاد لطمأنة المجتمع والقوى السياسية وإزالة أسباب الخوف التى سحبت من رصيدهم وأضعفت من موقف الجماعة الوطنية فى الانتخابات الرئاسية. إلا أن ذلك الاقتراح يظل منقوصا إذا لم يطالب القوى العلمانية والليبرالية بوقف إطلاق النيران باتجاه الإسلاميين، ولو على سبيل الهدنة، حين يجتاز الجميع المرحلة الحرجة الراهنة، ذلك أننا لا نستطيع أن نطالب الإخوان بتقديم تنازلات للتوافق مع الآخرين، بينما هم يواصلون قصفهم ليل نهار والدعوة إلى إقصائهم بمختلف السبل.

إننى أدعو الإخوان إلى إصدار إعلان باسم الجماعة يقرر عدة أمور منها ما يلى:
  • إن رئيس الحكومة القادم. إذا نجح مرشح الإخوان، سيكون كفاءة مستقلة من خارج الجماعة 
  • إن نائب رئيس الجمهورية أو أحد نواب الرئيس سيكون من شباب الثورة المستقلين 
  • إن الجماعة متمسكة بالقيم الديمقراطية وفى مقدمتها التعددية السياسية وتداول السلطة 
  • إن الأقباط والنساء والشباب سيمثلون فى المجلس الاستشارى للرئيس 
  • إن الجماعة تتعهد باحترام الحريات الخاصة وحرية الإبداع كما إنها ملتزمة باحترام حقوق الإنسان بما فى ذلك حرية التفكير والتعبير
  • إنها ملتزمة بتثبيت قيمة المواطنة وبعدم التمييز بين المواطنين فى الدين أو الرأى أو الجنس 
  • إن النهضة الحقيقية لا تقوم إلا من خلال العدل الاجتماعى والانحياز إلى الفقراء.
إذا فعلها الإخوان فربما استطاعوا أن يهدئوا من روع الناس بما يبدد بعض مشاعر الخوف والقلق، التى لن تختفى إلا إذا ترجمت الأقوال إلى أفعال.

الاثنين، 28 مايو 2012

فتنة الدعاية السوداء……….. فهمي هويدي


 أخشى أن يلتبس الأمر على بعضنا، فيخطئون فى توصيف ما جرى فى مصر، الأمر الذى يوقعنا فى محظور انتكاسة الثورة والتمهيد لإجهاضها. ذلك أننى لم أفهم أن يقول قائل بأن خيارنا القادم هو بين الفاشية والديكتاتورية، أو أن الصراع يدور بين الدولة المدنية والخلافة العثمانية.

كأنه لا فرق يذكر بين المتنافسين أو أن الفريق شفيق يمثل الدولة المدنية! والدكتور مرسى يمثل الدولة العثمانية. لا أعرف إلى أى مدى يمكن أن يؤخذ هذا الكلام على محمل الجد، لكنه حين يصبح متداولا فى بعض وسائل الإعلام فإنه يتعذر تجاهله. بصرف النظر عما فيه من تدليس أو خفة.

منذ اللحظات الأولى قلت إننا بصدد الاختيار بين أستمرار الثورة أو الانحياز للثورة المضادة. وحذرت من تغليب المرارات وتراكم الأحقاد التاريخية على المصلحة الوطنية، الأمر الذى يصرف الانتباه عن التناقض الرئيس بين أنصار الثورة وخصومها، وينشغل بالتناقضات الفرعية أو التنافس المرحلى بين قوى الثورة، الأمر الذى يقدم هدية مجانية ثمينة إلى خصومها.

هذه الصورة بدت واضحة لدى بعض العناصر الوطنية التى عبرت عن رؤيتها بأكثر من صيغة. فمنهم من قال إن الخلاف مع الدكتور محمد مرسى سياسى بالدرجة الأولى، أما الخلاف مع الفريق أحمد شفيق فهو جنائى أولا وأخيرا وقال آخر إننا بصدد تمثل سياسى لموقعة «الجمل» التى حاول فيها بعض أنصار مبارك الانقضاض على الحشود المجتمعة فى ميدان التحرير. وأحد المرشحين يمثل طابور الغزاة فى حين يعد المرشح آخر جموع ميدان التحرير. وسمعت أستاذة فى علم النفس اعتبرت يد الأول ملوثة بدم الشهداء، أما يد الثانى فهى غير مطمئن إليها. والأول يستحيل مصافحته لأن ما بيننا وبينه ما لا يمكن عبوره أو نسيانه. أما الثانى فإننا نستطيع أن «نلاعبه» وأن نفرض عليه ما نريد، والأخير بحاجة إلينا لكى يتغلب على خصمه، بقدر ما أننا بحاجة إليه لأن منافسه خصم لنا أيضا.

فى مقابل ذلك فهناك آخرون لا يزالون أسرى المرارات والمواقف المتطرفة الحدِّية، التى تقر على إقصاء الآخر وترفض الاعتراف بفكرة الموازنة بين المصالح والمفاسد. كما ترفض الاعتراف بمقتضيات الضرورات التى تبيح المحظورات. وقد قلت لبعضهم إن نتائج فرز الأصوات وضعتنا بين طرفين أحدهما قد يقودنا إلى مستقبل غامض. وآخر يستدعى ماضيا بائسا. والأول ينبغى أن تفكر قبل أن ترفضه فى حين أن الثانى ترفضه دون أن تفكر. وإذا كان الأول لا يمثل أفضل ما تمنيناه إلا أن الثانى يجسد أسوأ ما توقعناه. وفى نفس الوقت فإن الأول منسوب إلى النظام الجديد الذى نتطلع إلى بنائه أما الثانى فهو مجرد استنساخ للنظام القديم، الأمر الذى يضع الأول على هامش الحلم الذى يراودنا أما الثانى فيستدعى الكابوس الذى دفعنا ثمنا باهظا للتخلص منه، وبالدم كتبنا شهادة التخارج من قبضته.

الميزة الوحيدة للتحدى الذى نواجهه فى انتخابات الإعادة أن التناقض بين المرشحين واضح فيه بما لا يسمح بأى شك أو التباس. وأقول «ميزة» لأن الإعادة لو تغيرت فيها الشخوص لأصبح الالتباس واردا. إلا أن ذلك الوضوح لم يكن كافيا من وجهة البعض لمراجعة المواقف وإعادة النظر فى خريطة الاصطفاف السياسى. وهو أمر لابد أن يثير الدهشة والاستغراب الشديدين، لأن التحدى المطروح على الجميع بات يخير كل صاحب صوت بين أن ينحاز إلى الثورة أو إلى الثورة المضادة.



أدرى أننا إزاء شريحة استثنائية فى محيط الصف الوطنى، تضم أولئك الذين هم على استعداد للاصطفاف إلى جانب الثورة المضادة، لمجرد رفضهم لمرشح الإخوان أو انتقادهم لمواقف الجماعة. إلا أننى أخشى من خطابهم فى أمرين. الأول ما يبثونه من دعاية سوداء تتبنى عناوين ومفردات «الفزاعة» التى استخدمها النظام السابق. وهى التى تصب فى وعاء تخويف المسلمين وترويع الأقباط. وقد قرأت شيئا من ذلك القبيل أخيرا يتحدث عن «الإخوان الفاشيين» الذين ينسب إليهم ما يلى: تسريح فنانين وغلق بلاتوهات السينما وتشميع دار الأوبرا ــ فرض الحجاب حتما ــ تعليق الخطاب للخصوم وعدم التسامح حتى مع تعاطف بعضهم ــ تصفية الصحفيين والمثقفين والمفكرين بالحبس والتشويه والتكفير ــ مطاردة المخالفين لما يدعون أنه شرع الله فى الشوارع والمقاهى.. إلخ.



 هذه الدعاية السوداء التى ترددها منابر إعلامية أخرى بصياغات مغايرة تسمم الأجواء لا ريب. وتستصحب معها حملة من الشائعات التى لا تشيع الخوف فقط، ولكنها تدفع إلى الإحباط أيضا. وهذا الإحباط من شأنه أن يحدث تأثيرا سلبيا على الإقبال على التصويت فى انتخابات الإعادة. وهذا هو المحظور الثانى الذى أحذر من وقوعه. إذ الملاحظ أنه بمضى الوقت يهدأ الحماس وتتراجع نسبة المصوتين فى الانتخابات (كانت النسبة فى انتخابات مجلس الشعب 54٪ وهى فى الانتخابات الراهنة لم تتجاوز 50٪). وأخشى إذا استمر الترويج للإحباط أن تقل أيضا نسبة المشاركين فى الإعادة، فى حين أن المطلوب هو استثارة الهمة واستنفار المجتمع للدفاع عن استمرار الثورة. لأنه إذا حدث العكس ففرصة فوز مرشح الثورة المضادة تصبح واردة.. لا قدر الله.

الأحد، 27 مايو 2012

قراءة في نتائج انتخابات الرئاسة.... محمد عريضة


عشت وعاش معظم المصريين يومين من أصعب الأيام التى مرت علينا في حياتي، حيث ترى أمام عينيك تسرب حلم جميل عشته ورجوت الله أن يكتمل ويكتب له النجاح. أستطيع أن أدعى أننا (بغباءنا وعنادنا) ضيعنا فرصة ذهبية على مصر أن تبدأ في مرحلة بناء على قواعد متينة من الشفافية والعدالة ووحدة الصف الوطنى والبعد عن حالة الاستقطاب. ولكن نقول –ان شاء الله- ان الحلم لم يتبدد وعلينا العمل على تحقيقة، قد نكون خسرنا جولة وبكن ان شاء الله ستكسب الثورة في النهاية وسيتحقق الحلم.

تقريبا أصبحت النتائج شبه محسومة غالبا بالاعادة بين مرشح الاخوان د/ محمد مرسي ومرشح الفلول شفيق، وهذه وقفة وقراءة في نتائج الانتخابات لمحاولة فهم كيف حدث هذا:
1-     ماحدث هو ماتوقعناه سابقا من أن عدم توحيد الصف لمرشحى الثورة قد يهدد الثورة ويأتى بالفلول إما بأصوات حقيقية أو مزورة تزويرا ناعما.
2-    النتائج اظهرت حجم كل تيار.. ولا يوجد تيار يمثل حتى ثلث الشعب المصري.
3-    إذا نجح –وإن شاء الله ينجح- مرشح الاخوان د/محمد مرسي فى جولة الاعادة، يجب أن يعلم هو والاخوان أنه رئيس برضا 25% فقط  (وهم أصوات الاخوان والجزء الأكبر من السلفيين والذي كان يمثل 70% في البرلمان) من أصوات المصريين وسينجح في الاعادة بأصوات مكرهة أن تصوت له هربا من الأسوأ، وبالتالي ياريت الاخوان تتواضع في خطابها وتعلم أنها جزء من الصورة الكلية وان تغلب المشاركة (الحقيقية وليست الخطابية) على المغالبة.
4-     أحلام الثوار فى المدن والحضر تفتت بسبب الغباء والمصالح الشخصية والمؤمرات الناجحة من الثورة المضادة (اكثر من 60%).
5-     القرى والنجوع ومعظم الشعب المصرى (اكثر من 50% بقليل) لازالت بين الثنائية القديمة "الدين والدولة"…
6-     خطاب الاخوان الذى يجمع مابين الاستقطاب الدينى والخطاب الثورى (وان بدرجة أقل) جعلتهم يحافظون على الكتلة التصويت الصلبة لهم.
7-     حوالى ربع الكتلة التصويتية أعطت لشفيق.. نتيجة غير متوقعه وان كانت بالتحليل الهادئ مفهومة بعد عام ونصف من التشويه المنظم للثورة والثوار والضغط على الشعب بمشاكل البنزين والغلاء المعيشي وغيرها.. وبسبب غباء البعض وتفتيت الاصوات وتكتل بقايا الفلول والحزب الوطنى القديم بالمال المنهوب وبقايا سلطة الدولة العميقة بالاضافة لبعض الشبهات للتزوير الناعم الذي حذرنا منه مرارا وتكرارا.
8-    لا أستطيع تصديق أن مرشحا لم يستطيع أن يعقد مؤتمرا جماهريا واحدا، بل كان يطارد في كل مكان تقريبا باللعنات والأحذية، يستطيع أن يحصل على مايقرب من خمسة ونصف مليون صوت، هناك شيئ ما حدث قد تكشفه الأيام القادمة، وكما قال أستاذنا د.سيف الديـن عبدالفتاح: "هناك فرق بين الانتخابات النزيهة والانتخابات الحرة، فالانتخابات النزيهة تعبر عن اجراءات سليمة دون تزوير أو تسويد. أما الانتخابات الحرة فهى تحتاج لمجتمع حر تتوافر فيه كافة شروط الإرادة السياسية للمواطن.
الآن أصبح الشعب المصرى في وضع اختيار بين التيه السياسي وبين بقاء نظام مبارك العسكري، أخطر تحدى للاخوان والثورة ليس في من سيصوت لشفيق، فهذه النسبة لن تتغير غالبا بل سيضاف اليها جزء كبير من أصوات عمرو موسى بالاضافة لجزء كبير من الأقباط الذين صوتوا لأبوالفتوح وصباحى.

ولكن التحدى والخطورة في الدعوات المتصاعده لمقاطعة الانتخابات، فلابد ان يعى الاخوان خطورة الموقف ويدركوا انهم في حاجة ماسة لتعديل خطابهم السياسي وطمئنة باقى الثوار (الاخوان حصلوا فقط على 25% من الاصوات والباقى حوالى 40% من أصوات مرشحى الثورة). 

من المهم أن يخرج الاخوان في اجتماعاتهم مع القوى الوطنية بقرارات نستطيع بها ان نقنع من سيقاطع بالتخلى عن موقفه والوقوف مع آخر أمل للثورة وهو مرشح الاخوان. وهذه لا تفهم على انها شروط (وان كان هذا ليس عيبا فى السياسة) وابتزاز وغيرها من المصطلحات التى تعبر عن حالة التوحد والاستعلاء الذي عاشه الاخوان ومناصريهم في الفترة الماضية نتيجة الخطاب الاستقطابي الحاد.

الشروط السياسية ليست عيبا او حراما في عالم السياسة، بل هذا مايحد لأى طرف سياسي يجد نفسه في موقف مثل الاخوان حيث حصل مرشحهم على 25% من المصوتين المصريين، فطبيعى جدا أن يعدل من برنامجه الذى لم يعجب 75% الباقيين لأجل استمالتهم له. يجب أن نمتنع عن نغمة  "احنا كده واللى عايزنا كده ماشى واللى مش عايز ميهمناش" …  … فالانتخابات كشفت الحجم الحقيقي لكل تيار –مع بعض التحفظات على نتائج شفيق وحمدين- حيث اتضح ان كلام من عينة اننا سنفوز بأكثر من 60% من الاصوات ثبت عدم صحته، وبالتالي يجب تغيير الخطاب وتغيير البرنامج ليصبح على الحد الادنى المسترك ويصبح برنامجا وطنيا معبرا عن الثورة وعن التيار الرئيسي المصري.

هناك فرصة حقيقية لبناء هذا التوافق الوطني، وهو ليس عيبا ولا تنازلا ولا ابتزازا، بل هو عودة لما كنا عليه في الميدان طوال 18 يوم من توافق ووحدة على هدف واحد وهو الآن اسقاط الفلول وعمل مشروع وطنى يجمع الجميع بكل الاطياف لبناء مصر الجديدة.
ليس الجميع -مثلى- سيدعم مرسي بلا توضيحات وتعديل للخطاب، البعض يظن أن معظم الكتلة التصويتية لأبوالفتوح وصباحى ستأتى تلقائيا للاخوان دون تقديم تعديلات او شروط في الخطاب والرنامج الاخوانى. وهذا خطأ كبير. انتبهوا يرحمكم الله.

أخى الذى يفكر في المقاطعه، أرجوك فكر كثيرا قبل هذا الموقف، قد يكون بينك وبين الاخوان خلاف سياسي…. ولكن لا تنسى أن الذي بينا وبين شفيق دم وفساد ونهب للوطن، الاخوان نستطيع أن نعارضهم بل أن نزيلهم من السلطة بسهولة، ولكن شفيق وهو امتداد لمبارك قال لك ان ماحدث في العباسية مجرد بروفة لما يمكن أن يحدث لو أن أحدا تجرأ ونزل التحرير للاعتراض عليه، نحن لا نقارن بين برنامجين، بل بين ثورة أن تكتمل أو ثورة تموت ويموت معها حلم المصريين.

الأربعاء، 23 مايو 2012

انتخابات فى ظلال الخوف……فهمي هويدي


   يمنعنا الصمت الانتخابى من أن نتحدث عن الذى سيجرى فى مصر، لكنه لا يحول دون أن ´نأخذ راحتنا فى الحديث عن الذى جرى.

(1)

لن نقع فى المحظور إذا قلنا إن باب المفاجآت مفتوح على مصراعيه لأكثر من سبب. فقلة خبرتنا بالانتخابات الديمقراطية، فإننا لا نستطيع أن ندعى إحاطة كافية بخرائط المجتمع المصرى بتوجهاته السياسية وتركيبته الاجتماعية والثقافية. لذلك لا مفر من الاعتراف بأن اهتمامات النخب وتأثيرات وسائل الإعلام  أصبحت هى التى تفرض نفسها على الجميع، وتشكل مرجعنا الحقيقى فى التعرف على ملامح تلك الخريطة. وإذا كان الحضور المعتبر للسلفيين يعد إحدى مفاجآت الانتخابات التشريعية، فإن ظهور أركان ورجال النظام السابق يشكل إحدى الملاحظات المهمة على الانتخابات الرئاسية. إذ من الواضح أن رجال النظام السابق الذين سقطوا فى اختبار الانتخابات التشريعية يحاولون أن يستعيدوا دورهم واعتبارهم فى الانتخابات الرئاسية. وربما اعتبروا تلك الانتخابات فرصتهم الأخيرة للعودة إلى الساحة. وثمة قرائن عديدة تدل على أنهم يعتبرونها مسألة حياة أو موت، إذا فشلوا فى استثمارها ولم ينفضوا، فقد غدا بديلهم الوحيد أن يخرجوا من الساحة وينفضوا.

لعلنا لا نبالغ أيضا إذا قلنا إنه باستثناء الأحزاب الإسلامية، فإن الأحزاب الأخرى العلمانية والليبرالية لم يعد لها تأثير يذكر فى الساحة السياسية. ينطبق ذلك على حزب الوفد الذى صار جزءا من التاريخ وليس جزءا من السياسة، أو حزب التجمع الذى لم يعد يذكر الأمن خلال استدعاء بعض قادته فى برامج التليفزيون أو ظهورهم على صفحات الصحف، أو الحزب الناصرى الذى يعتمد على الحنين إلى الماضى وعلى التوجس من الإسلاميين بأكثر مما يعتمد على الكوادر الفاعلة على الأرض. وإذا كان ذلك شأن الأحزاب التى كانت موجودة قبل الثورة، وعاشت تجربة موت السياسة، فإن حداثة ميلاد الأحزاب التى تشكلت بعد الثورة تعد سببا قويا لمحدودية حضورها فى الشارع المصرى فى الوقت الراهن.

إلا أن هذا الغياب للتيار العلمانى والليبرالى على الأرض، لم يلغ وجود شخصيات منتمية إلى ذلك التيار فى المجال العام. وقد أثبتت هذه الشخصيات حضورها وتأثيرها لسببين: أحدهما انتشارها فى وسائل الإعلام المرئى والمقروء التى اصبحت الساحة الأوسع التى يمارس فيها الحضور السياسى.  والثانى سوء أداء أبرز قوى التيار الإسلامى الذى أثار مخاوف البعض ودفعهم إلى الاصطفاف مع الطرف العلمانى والليبرالى، ليس انحيازا إليه ولكن توجسا وإبعادا عن الإسلاميين.

(2)

عودة المصريين إلى السياسة ظاهرة ارتبطت بسقوط النظام السابق، واختفاء لافتة مصر مبارك وانضواء الجميع تحت شعار مصر للمصريين. وقد رفعت الحملات الانتخابية من مؤشرات انغماس المصريين، ليس فقط بسبب كثافة الحملات الدعائية التى ظلت مادة يومية لوسائل الإعلام المختلفة منذ 18 شهرا تقريبا، ولكن أيضا بسبب احتدام المواجهة خصوصا بين المرشحين الإسلاميين ومرشحى النظام السابق، ومحاولة مرشحى البين بين أن يلفتوا الأنظار إليهم فى ذلك السباق.

ومن العلامات الفارقة فى هذا التنافس تلك الصدمة التى أصابت المجتمع جراء إقدام بدائل مبارك على الترشح، الأمر الذى وسع كثيرا من دائرة الخوف وأعاد إلى الأذهان كابوس سنوات المعاناة من الاستبداد والفساد.

ولم يعد خافيا على أحد أن أحداث العنف التى شهدتها مصر وكان الثوار ضحية لها، وكذلك وقائع الانفلات الأمنى التى تعددت، كانت من العوامل التى دفعت كثيرين إلى التطلع للعودة إلى الاستقرار والتعافى، خصوصا حين أدت هذه الأحداث وتلك إلى الإضرار بمصالح الناس ومعايشهم.

ولست واثقا مما أشيع عن أن ذلك كله مرتب لإيصال الناس إلى تلك النتيجة، لكن الذى لا شك فيه أن الشعور بالقلق كان حقيقة وليس وهما، وأن المنسوبين إلى النظام السابق اتكأوا عليه فى دعايتهم وحاولوا إقناع الناس بأن مفاتيح الأمن والاستقرار بأيديهم، وليست فيما تنشده من ديمقراطية. وكأنهم أبرياء مما حل بالبلد من دماء وتشوهات طوال الثلاثين سنة الماضية.

إذا أضفنا إلى هذه الخلفية حالة الاستقطاب التى تعمقت فى مصر بين الإسلاميين باختلاف فصائلهم من جانب، وبين العلمانيين والليبراليين من جانب آخر، فسنجد أن ذلك كان عنصرا آخر رفع من وتيرة الاستنفار ووسع من دائرة الجدل السياسى. وكانت النتيجة أن موضوع مرشحى الرئاسة فرض نفسه على كل حوار يدور فى أى محفل. وأصبح من المألوف أن يسأل سائق التاكسى أى راكب معه عن المرشح الذى سينحاز إليه، أو أن تصبح المفاضلة بين المرشحين مادة للجدل الصاخب بين الجالسين فى أى منتدى أو مقهى.

مع الاستقطاب تراجعت فرصة التوافق، وانفرط عقد الجماعة الوطنية، وتعمقت أزمة الثقة بين الجماعات والقوى المختلفة. ولم يكن غريبا فى هذه الأجواء أن تختفى روح ميدان التحرير، حين كان الجميع حقا يدا واحدة، وكان المطلب الذى رددته هتافات تلك المرحلة أن يكون الثوار مع الجيش يدا واحدة. لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب، فلا بقى ثوار التحرير كما كانوا، ولا نجحوا فى أن يصبحوا مع الجيش يدا واحدة.

(3)

حتى التيار الإسلامى لم يعد يدا واحدة فيما بين فصائله المختلفة. والمرشحون الثلاثة الذين التزموا بالمرجعية الإسلامية تعبير عن ذلك التشرذم. والتباين فى المواقف من المرشحين بين الإخوان من ناحية وبين السلفيين وحزب البناء والتنمية (الجماعة الإسلامية) نموذج آخر.

بل إننا نجد أن ذلك التباين حاصل أيضا فى محيط السلفيين أنفسهم. فحزب النور المعبر عن جماعة الدعوة السلفية. انحاز إلى أحد المرشحين، فى حين أن آخرين من السلفيين أيدوا مرشحا آخر، ووجدنا أن الجانبين تبادلا التراشق اللفظى جراء ذلك التباين، الذى اتسع نطاقه ووجدنا له امتدادات أثرت سلبا على الجسور الممتدة بين الإخوان وحزب النور.

حين ظهر السلفيون إلى العلن اكتشفنا ثلاثة أمور مهمة.
  • الأول أنهم يمثلون كتلة تصويتية معتبرة فى المجتمع المصرى ينبغى أن يعمل لها حساب فى المعادلة السياسية، 
  • الثانى أنهم ليسوا شيئا واحدا ولكنهم مدارس مختلفة لا يجمع بينها أى إطار تنظيمى، باستثناء الدعوة السلفية التى عمدت إلى تشكيل حزب النور. وهذا الحزب مقره فى الإسكندرية حقا، لكن له أفرعا فى بقية المحافظات المصرية. أما الآخرون فهم مجموعات تلتف حول بعض شيوخ السلفيين، وكل واحد له طريقته التى يمكن أن تختلف عن الآخر.
  • الأمر الثالث أن الصورة النمطية التى جرى تعميمها إعلاميا على السلفيين ظلمتهم كثيرا وشوهت المعتدلين منهم والعقلاء جراء الإصرار على التركيز على المتطرفين منهم والمشوهين فكريا. وكل من يقترب منهم يستطيع أن يتبين أن بينهم عقلاء على استعداد لتطوير أفكارهم والتفاعل مع متغيرات الواقع السياسى. وقد قيل لى إن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام نظم دورة تدريبية لأعضاء مجلس الشعب الجدد، وكان ممثلو السلفيين وحزب التنمية والبناء هم أكثر المشاركين حرصا على الانتظام فى الدورة حتى آخر يوم فيها.
لقد أدهشنى المتحدثون من حزب النور الذين سمعتهم فى أحد المؤتمرات الانتخابية، وكان رئيس الحزب الدكتور عماد عبدالغفور فى المقدمة منهم، حينما ركزوا فى خطابهم على أهمية إحلال العدل فى مصر، مستندين فى ذلك إلى الآية القرآنية التى تقول إن الله يأمر بالعدل ــ ولم يذكر أحد منهم كلمة الشريعة، ليس إنكارا لها بطبيعة الحال، ولكن إدراكا منهم أن التركيز على قيمة العدل يحقق أحد مقاصدها الشريعة، بل مقصدها الأكبر. وبدا ذلك نموذجا لمنظور الخطاب ونضجه لدى عقلاء السلفيين فى نفس الوقت.

(4)

لا أستبعد أن ترتفع كثيرا نسبة المشاركين فى عملية التصويت فى الانتخابات. وإن كنت استبعد ان تصل النسبة إلى 90% كما ذكرت جريدة الأهرام. ذلك أن الحماس والاستنفار على أشده فى كل أنحاء مصر، ورغم التأكيد على ضرورة احترام النتائج أيا كانت طالما توافرت لها ضمانات الحرية، إلا أننى لا أستطيع أن أتجاهل أن ذلك الحماس يختلط بدرجات متفاوتة من الخوف. وفيما استشعره فإن ثمة خوفا من أن يكون الخيار فى نهاية المطاف محصورا فى الاعادة بين من انتسب إلى عصر مبارك وجرحت ذمته السياسية، وبين أحد الإسلاميين الذين جرحت خبرتهم السياسية. وإذ أشارك الخائفين من عودة أعوان مبارك قلقهم، إلا أننى لا أعفى الإسلاميين من المسئولية عن تخويف الناس منهم. أدرى أن الإعلام لعب دورا كبيرا فى تعميم الخوف والمبالغة فيه، لكننى أسجل أيضا أن سلبيات أدائهم وفرت للإعلام المتصيِّد والمخاصم زادا مستمرا لإشاعة ذلك الخوف. وأعنى بالإسلاميين فى هذا السياق الإخوان المسلمين بالدرجة الأولى وبعض السلفيين أو المنسوبين إليهم. وأخص بالذكر موقف الإخوان من الحكومة والرئاسة واللجنة التأسيسية للدستور، وموقف السيد حازم أبوإسماعيل وأمثاله.

مازلت عند رأيى فى أن مصر أجرت جراحة كبرى بإسقاط نظام مبارك، ولابد لها أن تمر بفترة نقاهة قبل أن تتعافى وتؤسس بنيانها الديمقراطى، وهذا الذى نمر به أحد أطوار مرحلة النقاهة التى لن تخلو من بطء فى الحركة وتعثر فى المسيرة، إلا أن ذلك لا يهم مادمنا نسير فى الطريق الصحيح، الذى أحسب أننا ماضون على دربه.

الثلاثاء، 22 مايو 2012

المرشح الربانى…. فهمي هويدي


 لا أستطيع أن أصدق أن ثمة «مرشحا ربانيا» لرئاسة الجمهورية فى مصر. كما أننى لا أصدق أن ثمة تكليفا شرعيا بالتصويت لمرشح بذاته. لمجرد أنه ينتمى إلى فصيل مرجعيته الإسلامية. ومثل هذه الإيحاءات التى توظف المشاعر الدينية لصالح مرشح دون آخر قد تصدر بحسن نية، ولكنها يمكن أن تكون سببا للبلبلة إذا ما خسر المرشح الربانى مثلا، حيث يفترض فى هذه الحالة أن يكون فوزه مضمونا بل ساحقا. على الأقل لكى تبلغ الرسالة إلى الجميع ولكى يعرفوا الفرق بينه وبين آخر «غير ربانى». وستكون الطامة الكبرى أن يفوز عليه مرشح آخر «غير ربانى»، الأمر الذى قد يفسر بأحد أمرين، إما أن يكون المرشح الذى زعم أنه ربانى، انتحل الصفة وكذب على الجميع، أو أن المقادير تخلت عنه لإدراكها أن الرجل لا يستحق أن تشمله الرعاية الربانية.

لا يقف الأمر عند احتمال البلبلة. ولكن المشهد قد يبدو عبثيا، حين يشار إلى مرشح بذاته ويقول أحد الدعاة إن التصويت لصالحه يعد تكليفا شرعيا، لأنه منحاز إلى المرجعية الإسلامية. ولكن حين يكون هناك أكثر من مرشح ينطلق من المرجعية الإسلامية، كما هو الحاصل مثلا فى الحالة المصرية، فإن فكرة العبث تلوح فى الأفق. إذ من حق أى أحد أن يسأل لماذا يكون التكليف الشرعى الموحى به متجها صوب مرشح واحد من ذوى المرجعية الإسلامية، ولماذا يحجب التصويت عن نظراء له لهم نفس المرجعية. وهل يجوز عقلا أن تصدر الفتوى محبذة التصويت لذوى المرجعية الإسلامية جميعا، الأمر الذى يمكن أن يشتت الأصوات بما يؤدى إلى سقوطهم وفوز غيرهم من ذوى المرجعيات الأخرى؟

الأمر كما رأيت محرج ودقيق، وقد يبدو فى بعض جوانبه مسكونا بالافتعال والتدليس الفكرى. وهو ما يعيد إلى الذاكرة مواقف وممارسات الحاخامات فى التجربة الإسرائيلية. ومشهورة فى هذا الصدد فتاوى الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحى لحزب شاس (اخترال لعبارة حزب الشرقيين المحافظين على التوراة) الذى قال فيها إن من لا يصوت لشاس فى الانتخابات ستحل عليه اللعنات لأنه لم يلب نداء الرب ــ وتصويتك للحزب سيجعلك تمثل مكانة مرموقة فى الجنة ــ وأن الذى يصوت لمنافسه ليبرمان (نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب إسرائيل بيتنا) كمن يصوت للشيطان ــ وقد ألقى أحد رجاله (اسمه شمعون بعدنى) ــ موعظة فى معبد يزديم بالقدس المحتلة قال فيها إن الذين يصوتون لغير حزب شاس سيدخلون جهنم، أما أعضاء شاس فالنار محرمة عليهم إلى غير ذلك من الفتاوى التى تتاجر بالآخرة لتحقيق مكاسب سياسية فى الدنيا.

مبلغ علمى أن شئون المعاملات التى لم يرد فيها نص قرآنى يخرج التقدير والاجتهاد فيها من دائرة الحلال والحرام ليصبح شأنا يتم التفاضل فيه بين الصواب والخطأ. وغاية ما يمكن أن يبلغه الفقيه فى اجتهاده بخصوص تلك المعاملات أن يفتى بالاستحباب أو الكراهية، وليس له أن يستخدم معيار الحل والحرمة.

إن المشكلة التى تواجهنا فى المفاضلة بين المرشحين للرئاسة فى مصر أن أحدا منهم لا يستطيع أن يحدثنا عن إنجاز له على الأرض، لسبب جوهرى هو أن إنجازات العقود السابقة كانت كلها منسوبة إلى «السيد الرئيس»، إن لم يكن بتوجيه منه فباستلهام لحكمته. ولا نستطيع أن نعتبره إنجازا أن يؤدى المسئول عمله المفترض، كأن يبنى وزير الطيران مطارا أو يشق وزير التعمير طريقا أو ينجح وزير البيئة فى مكافحة السحابة السوداء. ذلك أن الموات السياسى لم يكن يسمح بأكثر من ذلك. فتلك كلها فى أحسن فروضها من علامات الكفاءة فى التنفيذ ولا تعنى بالضرورة نجاحا فى الإدارة السياسية لدولة كبيرة بحجم مصر ووزنها.

لأن سجل الإنجاز السياسى على الأرض ضعيف بالنسبة للجميع، فإن المبالغة فى استعراض مناقب المرشحين تصبح الصيغة المتاحة لجذب الناخبين، وفى هذه الحالة يلجأ المرشحون إلى دغدغة مشاعر الناس، فالقلقون المتوجسون يقال لهم إن المرشح هو الرجل القوى الذى سيوفر لهم الأمان، وسيقدم لهم رجل الدول الذى لا يشق له غبار. والمتدينون سيتم جذبهم بإعلان تقوى المرشح وورعه ومواصفات الرجل الربانى الذى تتوفر له.

مثل هذه المبالغات أفهمها، لكنى أحذر من دغدغة المشاعر الدينية، لأنها تفتح الباب لاستدعاء الهويات الدينية وتوظيفها فى التنافس أو التنابذ السياسى. والأهم من ذلك أنها تشوه الدين وتسىء إليه. ذلك أن معيار الاختيار المستقر فى التفكير الإسلامى ينحاز إلى صفتين أساسيتين وردتا فى النصوص القرآنية هى القوة والأمانة، (إن خير من استأجرت القوى الأمين) الآية 26 من سورة القصص ــ وأذكر هنا بأن النبى عليه الصلاة والسلام حين اختار دليلا من المشركين فى هجرته من مكة إلى المدينة، فإنه تحرى كفاءته وإخلاصه ولم يأبه بشركه أو اعتقاده، ونحن لا نريد فى الرئيس أكثر من أن يكون قويا وأمينا، علما بأن كل منسوب إلى النظام السابق مجَّرح فى أمانته.

الاثنين، 21 مايو 2012

سأصوت لأبو الفتوح……..إبراهيم الهضيبى


 الاستقطاب على أساس هوية الدولة، والذي يصر البعض على الدفع باتجاهه هو أخطر ما يواجه الثورة المصرية وهي على أعتاب الانتخابات الرئاسية، وتجاوز هذا الاستقطاب المصطنع عند اختيار الرئيس واجب، ليصل للقصر من يستطيع خوض معركة استرداد السيادة الشعبية.

هذا الاستقطاب -الذي هو من أمراض نخبة مبارك، ومن نتائج عقود طويلة منع فيها المصريون من حريتهم - يبقي الصراع السياسي في إطار نخبوي، بحيث لا تتم مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تهم القطاع الأوسع من المواطنين، ولا وسائل تمكينهم وضمان سيادتهم، ثم إن حدة هذا الاستقطاب سمحت تدريجيا خلال الأشهر الماضية بتطبيع العلاقة مع الفلول، وتركت مساحات واسعة بين التيارات المنتسبة للثورة نفذ هؤلاء من بينها حتى صار من بين المرشحين للرئاسة من يعد بإعادة تصنيع نظام مبارك، ومن يعد بالعودة لنهاية القرن المنصرم، أي نظام لمبارك قبل صعود ابنه جمال.

ومعايير اختيار الرئيس القادم لابد أن تتجاوز هذا الاستقطاب إلى اصطفاف للقوى الوطنية تستطيع به انتزاع السلطة كاملة، وثمة معايير تتعلق ببرنامج المرشح، وهي ستة:
  • أولها ما يتعلق بالهوية، وفيه سيكون المرشح الأقرب لمنهج الأزهر الشريف - بأصالته العلمية ومنهجه التراثي- أقدر من غيره بناء التوافق واستيعاب الخلاف وإدراك التحديات الحالة، 
  • وثانيها يتعلق بالاقتصاد، والمعيار الرئيس فيه هو الانحياز للمستضعفين والفقراء، والقدرة على تحقيق إنجاز في قضية العدالة الاجتماعية، 
  • وثالثها الموقف الحقوقي وفيه الانحياز للحقوق المدنية والسياسية المعيار الأهم، 
  • ورابعها الموقف الديمقراطي، والأفضلية فيه تكون لمن ينحاز للتشاركية وتمكين الشعب، 
  • وخامسها السياسة الخارجية لمن يحفظ الاستقلال الوطني بسياسة معادية لإسرائيل، مستقلة عن أمريكا، متقاربة مع المحيط العربي والإسلامي والإفريقي، محافظة على الميل الجنوبي، 
  • وسادسها جودة وتركيب ووضوح المشروع التنفيذي في كل من هذه النقاط.
تضاف لذلك معايير أخرى تتعلق بشخص المرشح، منها احترامه التخصص، وقدرته على تقبل النقد، وعلى قيادة تفاوض يقرب وجهات النظر، وعلى خوض معارك النفس الطويل التي بها تتحرر إرادة المؤسسات لتكون معبرة عن الشعب، ومنها ما يتعلق بنزاهته كنظافة اليد والصدق.

وبطبيعة الحال فإن تلك المعايير لا تنطبق انطباقا كاملا على أي من المرشحين، غير أن بعضهم أقرب إليها من غيرهم، وهؤلاء لا بد من السعي لإيصالهم للحكم مع استمرار نقدهم وتقويمهم، وتقديري أن الأقرب من هؤلاء لهذه المعايير هو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، فأما من حيث الهوية الدينية فمشروعه يقوم على التسليم بمرجعية وثيقة الأزهر، واعتبار علمائه المرجعية المعتمدة في التعرف على أحكام الشرع.

أما ما يدور من جدل عن علاقته بالجماعة الإسلامية يقوم على الخلط بين الجماعة الدينية التي أسسها مع غيره من طلبة الجامعات في بداية السبيعات ثم تحولت لمسمى الجماعة الإسلامية ولم تكن تنتهج العنف، وبين الجماعة الإسلامية المسلحة التي انشقت عن تلك الأولى بعد قطيعة فكرية ومارست عنفا لمدة عقدين ثم تراجعت عنه وصارت جزءا من المشهد السياسي، وهذه الفروق بين الجماعتين أشار إليها المهندس أبو العلا ماضي في كتابه (جماعات العنف المصرية وتأويلاتها للإسلام) الذي فيه ينقل شهادته عن الانفصال بين الفريقين، كما نقلت الدكتورة سلوى العوا شهادات قيادات الجماعة في كتابها (الجماعة الإسلامية المسلحة في مصر)، ومجمل هذه الشهادات أن أبو الفتوح كان على رأس الفريق الرافض للعنف، الراغب في المنافسة السياسية السلمية، كما أن أفكاره تطورت كثيرا خلال العقود الماضية، ثم انطلقت إلى آفاق جديدة خلال العام المنصرم الذي كان انشغاله فيه بالسياسة - بمعنى التدبير- أكثر من ذي قبل.

أما في البرنامج الاقتصادي فرؤية أبو الفتوح فيه تقوم على كون مصر دولة (مفقرة) تعاني سوء توزيع مواردها، وبرنامجه للعدالة الاجتماعية والتنمية الإنسانية يركز فيه محوري التعليم والصحة، فيعيد توجيه الموارد لضمان جودة ومجانية الخدمة التعليمية والصحية الشاملة، ويربط ذلك بمكافحة الفقر، وإقرار حد أدنى للأجور والدخول، وبالمشكلات اجتماعية أخرى كالأسر التي تعيلها نساء، وبقضايا لها علاقة ببنية النظام الاقتصادي كتوجه الدعم للأغنياء لا الفقراء، والرؤية التي يقدمها هي ورؤية المرشح خالد علي الأكثر جذرية في بنية النظام الاقتصادي.

وعلى الصعيد الحقوقي يبدو أبو الفتوح منحازا للحقوق السياسية بالكامل، وموقفه من الإبداع أكثر انحيازا للحريات من عموم الشعب، وأقل بعض المرشحين بفروق غير مؤثرة في الواقع العملي في المستقبل المنظور، أما في تعميق السيادة فلا شك أن ما يطرحه في برنامجه من آليات للديمقراطية التشاركية هو الأكثر تطورا بين المرشحين.

وفي السياسة الخارجية يقف أبو الفتوح، مع المرشحين حمدين صباحي وخالد علي، في المعسكر المدافع عن الاستقلالية بلا مهادنة: يصرح بالعداء لإسرائيل، ويؤكد أن السياسة الخارجية تقوم على قدمين هما استقلال الإرادة المصرية وتحقيق المصلحة الوطنية، ويقدم مواقف تتسم بالوضوح فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، ويتعامل في برنامجه مع قضية مياه النيل، والمناطق الحدودية باعتبارها قضايا أمن قومي يتم علاجها على مستويات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة.

وعلى مستوى المرشح فأهم ما يميز أبو الفتوح قدرته على صياغة تفاهمات، فكل طرف يجد فيه بعض ما يريده لا كله، وبالتالي فهو الرقم الصعب الذي لا يمكن بسهولة أن تحسبه على (المعسكر الآخر) في إطار مناخ الاستقطاب الذي نعيشه، ولذلك فإنه - في هذا المناخ - يواجه اتهامات متناقضة، فهو تارة سيفرض الحجاب بالقانون وتاره سيمنعه بالقانون، ويقول بعض كارهي الإخوان أنه مرشح الإخوان الخفي فيما يقول بعض الإخوان أنه سيحل الجماعة ويسجن قادتها، ويتهمه غير الإسلاميين بالارتماء في أحضان السلفيين بعد تأييد حزب النور له، فيما يراه بعض الإسلاميين متخليا عن الهوية بالكامل باستناده في صياغة برنامجه لأهل الخبرة والاختصاص والتميز من الاتجاهات المختلفة، والقابلين بالعمل في ضوء التوجهات الكلية التي سبقت الإشارة إليها في فقرة سابقة.

وهذه الحالة تجعل أبو الفتوح مرشحا غير مقلق لأي طرف رئيس من القوى الثورية، وهو لا يعادي أي تيار فكري بل يتوزع أنصاره بين أبناء هذه التيارات المختلفة، وعليه فهو قادر في حال نجاحه على إيجاد صيغة جامعة للتعايش، ومن ثم الجدل السياسي من خانة الهوية والأيديولوجية الصلبة إلى خانة البرامج والمقاصد، فيكون أكثر فائدة ويدفع باتجاه تحقيق أهداف الثورة.

عندي ولا شك تحفظات على أداء أبو الفتوح وبرنامجه، غير أني أدرك دقة اللحظة الاستثنائية التي نعيشها، والتي لا نمتلك فيها رفاهية مقاطعة الانتخابات التي يمتلكها المواطنون في الديمقراطيات المستقرة (لأن ذلك سيؤدي قطعا لردة لنظام مبارك)، كما أننا لا نملك ترف إهدار فرصة الانتقال للإمام بالقبول بالأسر لجدل الهوية، ولا نملك ترف (إهدار الصوت) لمرشح لا فرصة له في الفوز من أجل إثبات الموقف، لأن إهدار حق التصويت هذه المرة قد يعني إهداره لأجل غير مسمى، ولا شك أن احترامي لأبو الفتوح يزيد كثيرا عن تحفظاتي على مشروعه السياسي، وحرصي على انتخاب رئيس لا يرضي فقط أنصاره وإنما يشترك مع خصومه في بعض تصوراتهم، يجعلني أقرر أن أصوت لأبو الفتوح، لأني أريد رئيسا تصلح معه المعارضة.

الأحد، 20 مايو 2012

الأعمدة الخمسة.. لمصر القوية ……….. د/عبدالمنعم ابوالفتوح

 في تاريخ الأمم والشعوب أوقات تتسم بقدر كبير من الروعة والأهمية.. سواء بما تحمله من تطور وتقدم في انتقال حضاري وزمني نحو المستقبل.. أو بما تحمله من مخاطر التحول والانتقال.. والأمة المصرية تمر الآن بهذه الأوقات.. فبعد أيام قليلة يمر الوطن بتجربة هي الأولى من نوعها على مدى قرون عدة.. وهي خروج الناس إلى صناديق الاقتراع لاختيار الحاكم/ الرئيس في مناخ أنتجته ثورة شعبية حقيقية سالت فيها دماء واستشهد فيها شهداء.

 التجارب الأولى عادة ما تحمل قدرا من القلق والترقب.. وبحكم طبائع الأمور يمثل مسار التجربة في حد ذاته كسبا كبيرا من ناحية الحركة نحو المستقبل استنادا إلى قواعد وأسس صحيحة ومن ناحية أخرى تراكم الوعي بما تحمله التجربة من الجديد الذي لم يعرفه الشعب.
لقد عاش المصريون خلال العقود الماضية تجارب حكم تؤسس للاستبداد وتبديد الثروة ونشر الفقر والجهل والمرض وأخذت (الدولة) تتضاءل وتتحلل داخل هياكلها الضيقة وتزداد قوة أمام الشعب وضعفا أمام الأجنبي تاركة الميدان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والصحي لعوامل الانهيار.. ولولا تلك الثورة العظيمة التي قدرها الله برحمته لاستمر التردي إلى ما لا يحتمل.
كل ذلك أثر بطبيعة الحال على الوعي والرؤية.. لكن التاريخ يقول إن المصريين طوال تاريخهم كانوا أصحاب إحساس دقيق وواع في لحظات التاريخ المهمة بما يجب أن تكون عليه الأمور.. المصريون وإن حرموا من السياسة أكثر من نصف قرن فإنهم سياسيون حتى أطراف أظافرهم.. قد يلوذون بالصمت طويلا لكنهم يعرفون جيدا كيف يخرجون من أزمات التاريخ في دوراته المتعاقبة.
في مشروعنا الذي تقدمنا به إلى عموم المصريين (مصر القوية) نستند في حلمنا الذي ننشده إلى حقائق عن طبيعة هذا الشعب العظيم وإلى أسس وأعمدة يعتبر المصريون من أعرق الشعوب معرفة بها وإدراكا لها.
  • الدين الذي يسير في أوردة وشرايين المصريين مع دمائهم كما يسير النيل أمام أعينهم.. المصري يعتبر (الدين والبحر) الوجود كله.. ولا نندهش إذا علمنا أن النيل هو النهر الوحيد في العالم الذي يسميه المصريون (البحر) وكذلك وصفه القرآن الكريم. لقد رأينا كيف استقبلت مصر المسيحية على يد مرقس الرسول عام 55 م وكيف قدموا من التضحيات أمام الإمبراطورية الرومانية حفاظا على نقاء إيمانهم.. ورأينا كيف استقبلت مصر الإسلام عام 639 م ثم ما هي إلا سنوات قلائل وقدم المصريون من أبنائهم كبار الفقهاء والعلماء كأنهم نشأوا في أرض النبوة.
وإلى الآن يتظلل المسلمون والمسيحيون بظلال الحضارة الإسلامية بمكوناتها العربية والقبطية.. وعبر التاريخ الطويل ترافق نهوض المصريين وريادتهم (بالفكرة الدينية).. وكان افتقاد مشروع النهوض والتجديد في تجربتي محمد علي وعبد الناصر إلى الفكرة الدينية نقصا كبيرا لمكون شديد الأهمية عند المصريين.
  • على أن (التسامح) كخلق وثقافة كان دائما الأرض الصلبة التي يمارس المصريون عليها وعيهم بالدين.. فقط في فترات التخلف رأينا بعض المظاهر البعيدة عن الإسلام السمح.. العظيم في نظرته (للآخر) المختلف في الدين. وبعض المظاهر التي تخالف قيم المحبة والصفاء التي تتميز بهما المسيحية الغراء.. لكن كل ذلك لا يؤثر بشيء في صلابة الوحدة الاجتماعية والتماسك الوطني.. وتظل (المدرسة) و(الجيش) نبعا فياضا لقيم الوحدة والتماسك والحب والتعايش الآمن.
  • العلم.. يشهد التاريخ على اهتمام المصريين بالعلم اهتماما كبيرا ولدينا صرحان كبيران يدللان على ذلك.. مكتبة الإسكندرية التي علمت الدنيا والأزهر الشريف صائن الشريعة. والأمر يتسع لفهم معنى العلم في حياة الأمم والحضارات لأبعد من ذلك.
على أني أقف كثيرا أمام تجربة محمد علي الرائدة في العلم ونشر التعليم. وقد رد عليه المصريون العظام صاعا بصاع فكما أرسل البعوث وأنشأ المدارس قدم المصريون من أبنائهم أعظم العقول وأذكاها فنشأت نهضة علمية عمت كل الديار المصرية في وقت وجيز وكان تفاعل المصريين مع هذه النهضة العلمية نموذجا رائعا للتفاعل النجيب بين المصريين والسلطة. والحق أن التاريخ يشهد للمصريين بأنهم أساتذة الجد حين يرفع لهم الحاكم رايات الحكم الرشيد.
وأرى أن الخطوة التي تسبق كل الخطوات في مشروعنا القادم إن شاء الله هو (التعليم الكامل) الذي يعني المدرسة الرحيبة والمعلم القادر الكفء والمناهج التعليمية المتقدمة.. على أن الوعي بالفكرة وغرسها في الإدراك والحس يكفل لها حسن التطبيق وصحة المسار.. وهذا من فضائل الثورة التي نفضت عن المصريين غبار السلبية والخمول واليأس وهو ما نتطلع إلى أن يكون الشعور باقتراب حلم (مصر القوية) هواء يتنفسه الناس وماء يشربونه.
  • الفن هو وقع الوجود على الوجدان كما يقولون.. وقد عرف المصريون الفن بكل ألوانه وجمالياته المتعددة معرفة حب وقرب.. وآثار مصر عبر تاريخها العريق أبلغ الأثر في رؤية المصريين للجمال والفن.. والفنون عند المصريين يربطها خيط جامع، تختلف وتتعدد وتتنوع ولكنها كلها تتكامل لتعزز جانب الرقي والإنسانية. أعتبر الفن عضلة شديدة الأهمية في بنياننا الفكري والأخلاقي.. في كل إبداعاته.. مسرح وسينما.. موسيقى وقصيدة. رواية ولوحة.
  • العمل والمال: أمير الشعراء العرب له بيت شهير يقول فيه..
                                           بالعلم والمال يبني الناس ملكهم        لم يبن ملك على جهل وإقلال
مجتمع الرفاه هو المجتمع الذي نهدف اقتصاديا إلى الوصول إليه.. وأهتم كثيرا بما قاله الباحث العلامة (ليستر ثرو) الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن نظريته في عدم التعارض بين العدل الاجتماعي والكفاءة الاقتصادية أو كما أسميها (رأسمالية النبلاء) وذهب أيضا إلى أن البرامج الاجتماعية لتحقيق هذا العدل من تأمين صحي عريض ومراكز الرعاية الخاصة ومنح الدراسة… إلخ، كلها في حقيقتها منتج اقتصادي.. وإذا تحدثنا عن نظرية (الضريبة المعكوسة) لميلتون فريدمان حائز نوبل في العلوم الاقتصادية والتي تنص على دفع وزارة المالية هذه الضريبة لكل من يكسب أقل مما يكفيه، فلن نغادر مواقعنا الأولى ونذكر بكل الإجلال والإعظام أن الإلزام بالعطاء والتوصية به ذكر في القرآن في 82 موضعا.. ونتيجة لثورة هادئة في المجتمعات العربية عبر التاريخ تكونت مفخرة حضارية اسمها (الأوقاف). نهدف إلى الوصول بالمجتمع إلى أقصى (الإنسانية) وأقصى (الكفاءة(.
وأرى في كثير إن لم يكن كل القوى السياسية والاجتماعية هذه الصفات، وإن تعددت الدروب إليها كما يقولون. ونحن نهدف من خلال خطوتنا القادمة إن شاء الله إلى تكوين (سبيكة التوافق والتلاقي).. وقد أكرمني الله بشرف التواصل الأمين مع كل قوانا وتياراتنا الفكرية والسياسية.. والذين رأوا في (مشروعنا) ما يقرّب بينهم ولا يباعد وهذه فضيلة سياسية سيذكرها لهم التاريخ بما تحمله من تجاوز وعبور لمواضع الخلاف تحقيقا لوحدة الوطن وتماسكه في هذه الفترة الحرجة. لم أقدم لهم إلا برنامجي المعلن فقرأوه ووعوه.. فكان منهم الدعم والتأييد.
وأشكر الله كثيرا أن جعل يدي ملتقى الأيادي الصادقة من الإسلاميين (الدعوة السلفية والجماعة الإسلامية وحزب الوسط) والأقباط والليبراليين واليسار والكتلة الصلبة الكبيرة من المصريين الطيبين الذين رأوا في مشروعنا الخطوة الأولى للانطلاق باتجاه المستقبل.

المعروض أمام الناخب المصري…محمد عريضة



يتجه الناخب المصري بعد يومين لصناديق الانتخابات لاختيار رئيس للجمهورية لأول مرة في تاريخ الشعب المصري، ولأول مرة لا نستطيع الجزم لمن سيصوت الشعب المصري، وستحبس أنفاسنا يومى الاربعاء والخميس حتى اعلان النتيجة لمعرفة الرئيس القادم. 
وأظن أنه الآن أصبح لدينا –غالبا- خمسة مشاريع اساسية معروضة على الناخب المصرى وهى: 

1-     المشروع الفلولى ويمثله عمرو موسى واحمد شفيق، وهو يهدف الى الإبقاء على النظام القديم وبقاء المعادلة السياسية لمصر والمنطقة العربية بدون تغير حقيقي وبالتالي الحفاظ على مصالح رجال الاعمال فى الداخل والمصالح الامريكية والاسرائيلية فى المنطقة…وبالتالي ضياع فرصة الاستقلال للقرار الوطنى لمصر وتنميتها… وان شاء الله لن يحدث ذلك..

2-     المشروع الاسلامى… والذي يمثله د/ مرسي ، وهو مبني –حسب الخطاب السياسي الحالي للجماعه والحزب- على الاستقطاب الحاد للتيار الاسلامي ويدعمه جماعة الاخوان المسلمين وجزء من دعاة السلفيين وبعض الشخصيات المحافظة والتى تتوق لحلم الدولة الاسلامية التاريخية، وأرى ان هذا المشروع يخلط ماهو مشروع للأمة كلها وماهو مشروع رئاسة لمدة 4 سنوات، ويخلط ماهو وظيفة سياسية اساسية للرئيس القادم بماهو وظيفة تنموية واقتصادية والتى هى مهمة الحكومة والوزارات والمحليات في المقام الأول. كما ان طريقة الطرح السياسي الاستقطابي فيه خطورة شديدة على الدولة والتى تمر بمرحلة انتقالية شديدة الخطورة، وهى مرحلة وضع اساس التعامل بين اطياف واجزاء المجتمع، فإذا بدأناها بهذا الشكل الاستقطابي فالمستقبل غير مبشر بالخير، ويكفى ان تنظر الى الشخصيات والرموز التى تلتف حول مشروع د/ مرسي (مع كامل الحب والاحترام لها) وقارن بينها وبين الشخصيات والرموز المتنوعه والتى تلتف حول مشروع د/ابوالفتوح لتعرف الفرق بين المشروعين.. 

3-     المشروع الوطنى بمرجعية اسلامية حضارية مقاصدية… ويمثله د/ ابوالفتوح ود /العوا (وان بشكل اقل وضوحا) وهو مشروع يتسم بأنه يبحث عن تجميع قوى الوطن جميعا والبحث عن المشترك لكل اطياف المجتمع المصرى لصياغة مشروع للوطن يستهدف مصر القوية، ويحقق أهداف الثورة والتى استشهد وجرح من أجلها الآلاف من المصريين وهو الشعار الأول الذى رفعه ثوار 25 يناير "عيش حرية عدالة احتماعية". وهو يستلهم هذا الاصطفاف الوطنى من روح ميدان التحرير خلال أيام التحرير الثمانية عشر، والتى أيقن المصريين حينها أنهم يستطيعون أن يحققوا مايريدون، حيث تلاشت الأيدلوجيات لتحقيق هدفا واحدا وهو اسقاط حسنى مبارك ونظامه… وهو بهذا مشروع وطنى بمرجعية الاسلام الحضارية والتى هى مرجعية المصريين جميعا مسلميه ومسيحييه، وهو مشروع المرحلة الحالية مرحلة بناء الوطن على قاعدة الاصطفاف الوطنى وليس على قاعدة الاستقطاب..

4-     مشروع وطنى … يمثله أ/ حمدين صباحى والمستشار البسطويسي وهومشروع جيد ويستوعب اهداف الثورة ولكنه لا يتقاطع مع الهوى العام للشعب المصرى والذى يريد ان يطمئن ويضمن أن يكون الحاكم والرئيس الجديد لا يصطدم مع المشروع الاسلامى العام

5-     مشروع يساري ثورى… يمثله أ/ خالد على و أ/ابوالعز الحريري وهو يهدف الى تحقيق اهداف الثورة بشكل واضح وان كان لم يأخذ وقته في فى الانتشار وسط الناس ولا يقدم رؤية متكاملة، وهو يمثل الى حد بعيد مشروع لتيار معين….
 هذه رؤية قد تكون صوابا او خطأ.. ولكنه جهدالمقل لمحاولة فهم الواقع السياسي الآن ونحن على اعتاب انتخابات رئاسية ستغير وجه مصر والمنطقة بل والعالم أسره

استدراك لتوضيح بعض المصطلحات:

اقصد بالمرجعية الاسلامية الحضارية هى المرجعية التى لا تستثنى أحدا من اطياف المجتمع وتشاركهم فى صنع التقدم والتنمية لمصرنا الحبيبة…

وأقصد بالمقاصدية .. هو المشروع الذى يستلهم المقاصد العليا للشريعة الاسلامية والتى تطمئن الليبرالي على الحريات العامة واليسارى على العدالة الاجتماعية والاسلامي على حرية الدعوة وممارسة الشعائر الدينية دون خوف او ملاحقة.. هى البحث عن المشترك النافع بين التيارات كلها والعمل يدا بيد لبناء الوطن على اساس المشاركة لا الاستبعاد والاقصاء…


 أسأل الله أن يوفقنا جميعا للاختيار الذي فيه مصلحة الدين والوطن… آمين

الجمعة، 18 مايو 2012

محاولة موضوعية لإختيار رئيس الجمهورية: الوصول لقرار أخيرا… حازم هلال


 مقدمة ضرورية:
هذه محاولة شخصية للوصول لقرار انتخاب رئيس الجمهورية انطلاقا من معايير موضوعية ، بعيدا قدر الامكان عن الحماس و العواطف.  أنا أبحث عن الأفضل لمستقبل مصر بصرف النظر عن تفضيلي الشخصي. سيختلف الكثيرون معي فى تحديد الأولويات و التقييم لكل مرشح و بالتالي قد يصل البعض لنتائج مختلفة عني حتي في حالة استخدام نفس المنهج بل و نفس المعايير. يقتصر هذا التحليل علي أصحاب الفرص أو شبه الفرص، بحد أدني 5% طبقا لإستقصاءات الرأي في الشهر الماضي، و بالتالي تستبعد أسماء مثل د. العوا و المستشار البسطويسي و خالد علي و أبو العز الحريري و غيرهم من الأقل حظا، و هكذا تقتصر المقارنة علي عمرو موسي و أحمد شفيق و عبد المنعم أبو الفتوح و محمد مرسي و حمدين صباحي باعتبارهم الخمسة الكبار.  

أما المعايير فهي خمسة:
1) التوافق الوطني 2) البرنامح الإنتخابي 3) ادارة العلاقات الخارجية 4) القدرة علبي الإنجاز 5) المصداقية و القدرة علي مواجهة الجماهير

المنهج الذي اقترحه مبني علي أربعة خطوات:

    أولا: تحديد المعايير، طبقا للدور المتوقع من الرئيس أن يقوم به و أهم التحديات التي ستواجهه. من المهم الاشارة هنا أن صلاحيات رئيس الجمهورية قد تتغير طبقا لنظام الحكم فى الدستور الجديد. بمعني أن النتيجة ستتغير لو صار دور الرئيس شرفيا كالرئيس الايطالي مثلا أو مقتصرا دوره علي الأمن القومي و السياسة الخارجية كالرئيس الفرنسي.و لهذا أبني هنا التحليل علي أساس صلاحيات الرئيس في الاعلان الدستوري (مارس 2011) الذي احنفظ بصيغة النظام الرئاسي.

   ثانيا: اعطاء وزن نسبي لكل معيار، لأن المعايير ليست متساوية في الأهمية. فمثلا لون السيارة قد يكون معيارا في اختيارها لكنه معيار أقل أهمية من جودة المحرك. و هكذا فانني أضع علي سبيل المثال في معايير اختيار الرئيس أهمية التوافق الشعيي وزنا نسبيا أعلي من القدرة علي ادارة العلاقات الخارجية.

 ثالثا: اعطاء كل مرشح درجة من 100 عن كل معيار.

التحليل:

 أولا: معايير اختيار رئيس الجمهورية: ما الدور الذي يجب به الرئيس المقبل وما أهم التحديات التي ستواجهه؟

المعيار الأول:
التوافق الوطني (35%)

أول تحدي سيواجه الرئيس المقبل هو أن يتركه معارضوه أساسا لممارسة صلاحيته. و بالرغم من أن الرئيس المقبل سيكون بطبيعة الحال حائزا علي تأييد أكثر من 50% من الناخبين سواءا في الجولة الأولي أو جولة الإعادة، إلا أنني أنظر بتخوف الي نوعية من لم ينتخبوه و مدي غضبهم من فوزه، خصوصا في ظل حالة الإستقطاب الموجود حاليا في المجتمع المصري.  و أنا أعطي لهذا المعيار أهمية قصوي، بنسبة 35% كوزن نسبي بين كل المعايير.
ستصاب مؤسسة الرئاسة بالضعف الشديد أو حتي بالشلل لو زحف الآلاف الي ميدان التحرير و سور قصر الرئاسة معرضين سياسته حتي لو كانوا يمثلون 10% فقط من الشعب. مرة أخري، تقييمي هنا هو "ترمومتر" الغضب لدي فصيل سياسي منظم في حالة فوز أسوأ المرشحين بالنسبة له. و أري ما يلي كدرجة من 100 بالنسبة ل"الخمسة الكبار":
  • أحمد شفيق: 25 %. مأساة! فوز أحمد شفيق سيمثل إهانة لكل القوي التي خرجت في يناير 2011، بتنوع خلفايتهم من إسلاميين و 6 ابريل و حركة كفاية و اليسار المصري و الأحزاب الجديدة. ستهاجمه الصحف المستقلة و الإعلام عند كل هفوة، لن يهنأ بيوم واحد في الرئاسة و قد تبدأ ثورة جديدة عليه خلال الشهور الأولي لرئاسته.
  • عمرو موسي: 50%. عمرو موسي وضعه أفضل كثيرا، هو ليس أحمد شفيق أو عمر سليمان. يده ليست ملطخة بدم. لم يكن جزءا من النظام المباشر في آخر 10 سنوات و لم يندرج تحت قانون العزل المحال للمحكمة الدستورية. علي مدي نحو عام و نصف من بداية حملته الإنتخابية، من الصعب أن تجد له تصريحا واحدا صادما لمعارضيه. لا توجد جملة واحدة تصلح "مانشيت" لمعارضيه. لم يقل مثلا مثل شفيق "الشريعة لن تطبق اليوم أو في المستقبل" أو "سأنزع العمامة عن مصر" مثل سليمان. عمرو موسي هو أصلا البديل رقم 2 أو 3 للعديد من الناخبين، فالاسلاميين يفضلونه علي شفيق، و التيارات المدنية تفضله علي الاسلاميين بشكل عام. ببساطة، بالنسبة للمعارضين هو "أوكيه" لأربع سنوات و هو أحسن من غيره.
  • عبد المنعم أبو الفتوح: 90%. من الصعب جدا أن تجد من يكره أبو الفتوح. بالعكس، أصبح يلام عليه أنه يحاول تقديم نفسه كمرشح للجميع رغم تناقضتهم. أصبح البديل الأول للعديد من مؤيدي البرادعي بتوجهاتهم الليبرالية، و هو شيء صادم بالفعل أن يلتف هؤلاء علي عضو سابق في مكتب الإرشاد لم يمر علي فصله (أو استقالته) أكثر من عام. و هذا شيء يحسب له بالتأكيد و ليس عليه. هو المرشح الأول للدعوة السلفية، و البديل الأول لمؤيدي حمدين صباحي. حتي  أفراد جماعة الإخوان (باستثناء قيادتها) سيكونون سعداء بهذا الاختيار.فأبو الفتوح لم يكن مجرد عضو في الجماعة أو واحد من قيادتها، انه الأب الروحي للكثيرين و أحد أهم (إن لم يكن أهم) من قاموا بإعادة احيائها بعد بعثها من جديد من النصف الثاني من السبعينات. لم أعطه 100% للضغينة من جانب خيرت الشاطر و زملائه، بالإضافة للمجموعة التي تري أنه خطر علي مدنية الدولة، وهي نقطة الارتكاز فبي الهجوم عليه من الآن و حتي يوم الإنتخابات.
من ناحية أخري، أبو الفتوح هو أفضل و ربما آخر فرص مصر لبناء جسر توافقي -وسلمي- بين التيار الإسلامي من ناحية و بين جهاز الدولة، و الأقباط و معارضي التيار الإسلامي من جهة أخري.  لقد فشلت كل المحاولات السابقة في القضاء علي التيار الإسلامي، منذ جمال عبد الناصر و حتي تحالف مبارك-العادلي-سليمان. بل إن بعض هذه المحاولات أولدت نتائج عكسية من عنف و ارهاب و جماعات جهادية/تكفيرية. وما فشل فيه هؤلاء لن ينجح فيه أي رئيس قادم. إننا يجب أن ندرك الفرصة الفريدة الآن لإدماج الجماعات الدينية في العمل السياسي السلمي. إن تقبل السلفببن و الجماعة الإسلامية  بقواعد اللعبة الديمقراطية يمثل تغيرا غير مسبوق في أفكارهم السابقة التي كانت تحرم الديمقراطية و الإنتخابات. بل إن العديد من قادة التيار السلفي  أعلن صراحة أنهم قبلوا ذلك علي مضض، وكأنهم يعطون للديمقراطية "فرصة" للتجربة. مواجهتم بعد ذلك بعنف أو تقييد من الدولة قد ينتج عنه انتكاسة خطيرة قد تصل إلي درجة المواجهة المسلحة .أبو الفتوح هو الفرصة الوحيدة هنا. يأخذ عليه خصومه الآن الفترة التي قضاها في الجماعة الإسلامية. و هذا الهجوم مفهوم في موسم الإنتخابات. و لكن المهم في هذه النقطة أن نفس هذه العلاقة السابقة مع الجماعة الإسلامية تعطيه مصداقية في التعامل معهم، فهم لا يستطيعون المزايدة عليه، و هو من الناحية الأخري لم ينتقدهم خلال حملته لدرجة تسببت في نقده شخصيا من قبل "المجموعة المدنية".

حتي في حالة الإخوان.  وضع أبو الفتوح فريد من نوعه.. هو منهم و ليس منهم، هو يعارضهم و لكن لا يختلف معهم في الأهداف (فمن قضي 37 عاما كقيادي في الإخوان ثم استقال لا يمكن أن يناقض ما ظل يسعي إليه طوال عمره).. وضع فريد يجعل أبو الفتوح قريب من قواعد الإخوان و معاديا في نفس الوقت لقيادتها.. نجاحه في حد ذاته هو ضرب لفكرة الجماعة في صميمها.. فكيف يكون الوضع في الجماعة التي قامت علي أساس السمع و الطاعة إذا انشق عليها واحد منها و استطاع أن يتغلب وحده علي مليون عضو؟ فما بالك لو كان سبب استقالته –أو إقالته- هو مخالفته لقرار الجماعة المبدئي بعدم التقدم بأحد أعضائها لرئاسة الجمهورية، ثم ترجع الجماعة نفسها عن هذا القرار.. و يفشل مرشحها أمامه؟ إن أبو الفتوح هو الأقدر علي تحجيم الجماعة.. و هو ما بدأ يظهر في تصريحات له كحديثه عن خضوع الجماعة للقوانين المنظمة للعمل الأهلي و مراقبة مصادر تمويلها.. أبو الفتوح هنا هو الأقدر بين جميع المرشحين علي تحجيم دور الإخوان و منعهم من التوحش ، و هو كذلك سيكون قادرا علي التعاون معهم و هو أمر ضروري حتي لا نشاهد فصولا جديدا من العناد بين الرئاسة و البرلمان و مجلس الوزراء تنتهي بشل الحركة إلي الأمام.

وأخيرا أبو الفتوح هو الجسر بين كل أطياف التيار الإسلامي من ناحية، و باقي المجتمع من المتخوفين من المشروع ذاته بحكم كونه الوجه الأكثر قبولا للتيار الإسلامي. نري ذلك بوضوح في تأييد أو علي الأقل تقبل العديد من الأقباط و الليراليين و اليساريين لأبو الفتوح باعتباره المرشح المفضل أو رقم 2 لهم.  هذه الفرصة لن تكرر، لأنها مرتبطة بسمات شخصية لأابو الفتوح لا تتوفر لغيره.. بعدها.. سنري وجه أكثر قسوة للإسلاميين يدفع المجتمع إلي انقسام لن يتم اصلاحه.
  • محمد مرسي 40%. و هي النسبة التي اري أنها القوة الحقيقية للإخوان و السلفيين المنظمين.أما ال 60% الباقية فتضم أطيافا من أبناء الثورة و الذين يرون أن الإخوان "ركبوا الثورة" باإضافة إلي مؤيدي التيار المدني إلي المواطن العادي الذي يخشي من استحواذ الإخوان علي كل مؤسسات الدولة.
  • حمدين صباحي: 80%. لم يصدم الكثيرين بأي من تصريحاته، و لم يستدرج الي معارك جانبية بحكم أن منافسيه لم يعيروه اهتماما لضعف فرصه، و بالتالي لم يصنع أعداءا يكرهونه. أما في حالة فوزه، فسينتبه من يضعون "تطبيق الشريعة" كمعيار أول أن حمدين يقف علي نقيض هذا الرأي، و عندئذ ستبدأ المواجهة. و لكن سيقف معه العديد من أنصار التيار المدني و المواطنين الذين يرون في خطابه تعبيرا حقيقيا عن أمالهم.

    المعيار الثاني: البرنامج الإنتخابي 
وأعطيه وزنا نسبيا 20%.

ربما في زمن آخر كنت أعطيه وزنا أكبر.. و لكنني أدرك أن الكثير مما هو مذكور في برامج المرشحين يسرف في الوعود المتفائلة، و ربما لم يستطع الكثير من المرشحين الاطلاع علي أرقام حكومية دقيقة تسمحلهم بوضع برامج أكثر واقعية، وبالتالي من المرجح جدا أن تتغير خططهم بالإضافة و التعديل عندما يواجهوا الواقع.

ولكني أهتممت بقراءة جميع برامج المرشحين المفصلة, فالبرامج في كل الأحوال تشير إلي مدي إدراك المرشح للواقع و الأولويات بما يتيح له البدء في العمل بسرعة فور انتخابه عن طريق البدء في تنفيذ البرنامج كخطة عمل. كذلك تشير قوة أي برنامج علي مدي قدرة كل مرشح في العمل مع فريق محترف من المتخصصين لطرح برامج مفصلة تحترم عقلية الناخب. و أخيرا، نتعرف من خلال قراءة البرنامج علي رؤية المرشح لمستقبل مصر، و مدي قدرته علي الحلم و تقديم حلول مبتكرة.

استغرق هذا مني وقتا مطولا. و بدأت للغرابة بقراءة برنامج حسني مبارك في انتخابات 2005 حتي أستطيع تقرقة ما بين الأفكار الجديدة و المنقولة. و المفاجأة أني وجدت أن برنامج مبارك أفضل كثيرا مما يعرضه كثير من المرشحين من حيث الوعود البرامج المفصلة.بل إن برنامج مبارك هو أول من دعي إلي مساعدة "الأم المعيلة" (وهي ما كنت أظنه فكرة أبو الفتوح)  و العلاقة مع الولايات علي أساس "استقلال القرار المصري" و هو ما يكرره حمدين صباحي مثلا في برنامجه.. و هذا يؤكد أن البرنامج في حد ذاته ليس مؤشرا في حد ذاته علي قوة المرشح. قراءة البرامج أوضحت لي أيضا وهم ما يطلق عليه "المشروع الإسلامي".. فلا يوجد اختلاف يذكر في البرامج يشير إلي اختلاف بين من يطلق عليهم "المرشحون الإسلاميون" و غيرهم. بل إنني أتحدي أن يستطيع القاريء أن يحدد من هو المرشح اذا حذفنا اسمه من الغلاف بين برامج عمرو موسي و أبو الفتوح و حمدين صباحي. أما برنامج محمد مرسي فقصة أخري سننظرها في حينها. و فيمل يلي تقييمي المتواضع لكل برنامج:
  • عمرو موسي: أعطيه 90 درجة. برنامجه هو الأفضل علي الإطلاق. الأكثر حرفية بالتأكيد.  يبني عمرو موسي برنامجه علي أساس التحديات التي ستواجها مصر مع ازدياد عدد سكانها إلي 150 مليون نسمة في 2050، ثم يحدد خطته في فترة الرئاسة مع توضيح أولوياته في ال 100 يوم الأولي في شكل 14 قرار سيتخذهم فور انتخابه. البرنامج مطول (81 صفحة) و مفصل أكثر من أي برنامج آخر. يتضمن العديد من الحلول المبتكرة، تأسييسا لما أطلق عليه "الجمهورية الثانية". و الأهم، أنه أكثر برنامج يحتوي علي خطوات مححدة لا غموض فيها بشكل يطمئك أنه سيبدأ العمل في تنفيذ برنامجه في اليوم التالي لانتخابه. لا تستطيع أن تمنع نفسك من التفاؤل و الثقة في أن تري مصر أفضل كثيرا إذا تم تنفيذ هذا البرنامج. فضل ما استقوفني فيه هو "ورش عمل رئاسية" تشكل من المتخصصين المصريين داخل البلاد وخارجها خلال أول 100 يوم لوضع رؤية مصر للمستقبل قي شتي المجالات.
  • أحمد شفيق: لم يقدم شفيق برنامج من الأساس.. في صفحة حملته الرسمية تجد "قريبا" علي البرنامج الإنتخابي وكأن الانتخابات ليست بعد 10 أيام. قد يرجع ذلك إلي تأخر قرار ترشحه، أو اقتناعه أن مؤييديه سينتخبوه لشخصه و ليس لبرنامجه. الخطير في هذا الوضع أننا لا نعلم ما هي خطة أو أولويات أحمد شفيق.. و لكن من الظلم أن نفترض أنه ليست لديه أي رؤية للمستقبل علي الإطلاق. أعطيه في هذا المعيار 30% بافتراض أنه سيسير علي نفس برنامج مبارك.
  • عبد المنعم أبو الفتوح: 60% البرنامج يشعرك بالتفاؤل. تشعر فيه أن الأمور ستدار بشكل مختلف. يتضمن توجهات و أهداف و لكن لا يتضمن تفاصيل مما يقلق القاريء بخصوص سرعة أو قدرة تحقيقها لأنك تشعر أن هذه الخطط غير مدروسة. و لكن يحسب له أنه من أكثر البرامج التي احتويت علي أفكار مبتكرة و كأنه اخنصر البرنامج علي ما يميزه عن غيره. أهم ما أستوقفني هو كيف تتطور الشرطة و تطوير التعليم. 
  • حمدين صباحي: يتحث البرنامج عن بناء الجمهورية الثالثة، ربما لأنه يعتبر أن فترة السادات/مبارك هي جمهورية ثانية تختلف جذريا عن فترة عبد الناصر. في كل الأحوال، برنامج حمدين صباحي هو أضعف البرامج شكلا و مضمونا و هو كذلك أكثرهم اختصارا. يتكلم البرنامج عن عموميات كإطلاق الحريات و دعم اللا مركزية و محاربة الفقر، و هي نقاط تشترك فيها جميع برامج البراشحين، حتي أن برنامج مبارك في 2005 استفاض فيها أكثر من حمدين نفسه.  يتكلم البرنامج كذلك عن طموحات دون أي ذكر لكيفية تنفيذها علي شاكلة "زيادة ايرادات قناة السويس من 6 إلي 40 مليار دولار في أربع سنوات" أو "القضاء علي العشوائيات في أربع سنوات" بدون أن يشرح كيفية تحقيق ذلك. هو يسرف في الوعود بشكل مبالغ فيه كمثال "اسقاط ديون الفلاحين" و "حق السكن لكل مواطن" و "وإقرار إعانة بطالة لكل من لا يجد فرصة عمل لحين توفيرها له" دون أن يعطيك الثقة في كيفية تمويل ذلك. علي العكس، فبالرغم من يعلنه من استهداه جعل مصر مركزا جاذبا للإستثمارات، فإن  ما أعلنه من سياسات إقتصادية تتناقض تماما مع هذا الهدف النبيل. فعندما يعلن مثلا أنه سيستقطع 10% من ثروة كل مصري تتجاوز ثروته 50 ملبون جنيه، فلا بد حينئذ أن نتوقع تهريب رجال الأعمال لأموالهم خارج مصر فور انتخابه.. و لا بد أن يخاف كذلك المستثمر الأجنبي من هذا الرجل لو تجرأ بهذا الفعل علي أبناء وطنه. فيبقي سؤال التمويل لطموحاته الواسعة محل شك كبير.  لكل هذه الأسباب أعطيه 20%.
  • محمد مرسي: قراءة مشروع النهضة لمحمد مرسي كان لها اشتياق خاص لدي، لأكثر من سبب. أولها، كم الدعاية الرهيبة لمشروع النهضة التي صاحبت قرار ترشيح خيرت الشاطر، بشكل يوحي أن جماعة الإخوان تمتلك الإجابة السحرية لكل مشاكل مصر بعد إستعانتها بتجارب الدول الأخري واستشارة الخبراء بالإضافة إلي كوادر الإخوان. ثانيا، كنت أيضا متشوقا لقراءة برنامج نهضوي مؤسس علي الشريعة الإسلامية، لمعرفة ما يتميز به هذا البرنامج المستمد من مرجعية شريعة الله تعالي بالمقارنة بما يقدمه غيرهم من "العلمانيين". أخيرا سأختبر مقولة: "جربتم الإشتركية و فشلتم، جربتم الرأسمالية و فشلتم، فلماذا لا تجربوا شريعة الله؟ الاسلام هو الحل".
 الوصول للبرنامج سهل عن طريق صفحة الحرية و العدالة. في البداية نجد "بانر" مكتوب عليه "برنامج الرئيس.. من 81 صفحة شاملة الغلاف". و الجواب يبدأ من عنوانه. التركيز علي عدد الصفحات أشعرني بال"حشو" الذي تعودنا عليه في المدارس. فرغم أن 81 صفحة هو نفس عددد صفحات برنامج عمرو موسي، إلا أن الفرق شاسع. ما يريد برنامج الإخوان أن يقوله ممكن اختصاره بدون تكرار في حوالي 25% من المساحة دون حذف أي جملة مفيدة.. البرنامج مليء بالإطالة والشعارات بخلاف استخدام  "فونت كبير" لإشعار القاريء أن البرنامج دسم جدا ومفصل، ولكن هذا غير صحيح في أغلب الأجزاء.

نقطة أخري و هي الشريعة الإسلامية. نستطيع أن نري الملمح الإسلامي في أمر كتشجيع البنوك الإسلامية وجمل مثل "ترسيخ قيم العفة والحياء في الإعلام، وفي مناهج التعليم، وإعلانات الشوارع." يتضمن كذلك البرنامج توجهات غير واضحة تترك أسئلة و لا تقدم أجوبة مثل "مراجعة قوانين الأحوال الشخصية وتنقيتها من المواد الهادمة للأسرة" دون تحديد ماذا يريدوا أن يغيروا بالفعل. و لا تجد في برنامج محمد مرسي ما يفرقه عن غيره بسبب الشريعة إلا تضمينه "تشجيع الزكاة و الصدقات" دون توضيح آليات (و هو في هذا مثلا لا يختلف عن مبارك.. فمبارك لم يمنع الناس من الزكاة أو الصدقات) أو تضمين البرنامج كلام مرسل علي شاكلة "ترسيخ مباديء بر الوالدين" ضمن الحلول التي يقدمها في حل مشاكل المعاشات.

عامة، تحاول الصياغة أن تضفي علي البرنامج صيغة اسلامية دون أن تستطيع أن تفهم ذلك عمليا ذلك في الخطط نفسها. فلا يوجد فرقا أبدا في المضمون عندما يقول برنامج عمرو موسي أن التمية البشرية هدف أساسي لنهضة المجتمع و بالتالي "أستهدف رفع ميزانية البحث العلمي إلي 2.5%" و بين أن يستهل البرنامج  الإخوان ذات الموضوع بذكر الآية القرآنية "و لقد كرمنا بني آدم"  ثم يسهب في أهمية بناء الإنسان و أخيرا يقول البرنامج نفس  جملة عمرو موسي نصا  " نستهدف رفع ميزانية البحث العلمي إلي 2.5% " بمعني آخر، اذا استثينا الجمل الإستهلالية التي تقتبس من القرآن و السنة و حذفنا الكلام المرسل حول القيم الدينية المجتمعية و نظرنا بعد ذلك  بشكل موضوعي بحت إلي الخطط مجردة، فلن نجد فرقا جوهريا يختلف به برنامج النهضة عن غيره بسبب الشريعة.

لا يتضمن البرنامج كذلك آليات واضحة، رغم أنه يحاول الإيحاء بغير ذلك عن طريق تكرار الكلمة أكثر من مرة. علي سبيل مثال، عندما يذكر البرنامج هدف " حماية غير القادرين على المشاركة في العملية الاقتصادية”  أن الآلية هي " توفير الخدمات الأساسية للقرى والمدن المحرومة" بدون ذكر أي تفاصيل أخري.
هناك علي الجانب الآخر بعض الأمثلة المثلة المبتكرة، مثل برنامح احياء "الأوقاف" و تحديد صناعات تكميلية محددة تستثمر فيها كل محافظة طبقا لاستعدادها و ثروتها الطبيعية ضمن "برنامج الريادة المحلية". و كذلك، فالإبتكار المميز للبرنامج هو حزمة المشارع القومية في أنحاء مصر و التي تستهدف توسيع نسبة الرقعة المأهولة من مساحة مصر. الفكرة نفسها موجودة في برنامج عمرو موسي و لكنها أوضح في برنامج الإخوان. الخلاصة في رأيي، برنامج مرسي أفضل من أبو الفتوح و لكنه أقل جودة من برنامج عمرو موسي. أعطيه 75 درجة.

    المعيار الثالث: القدرة علي الإنجاز
 هذا معيار مهم وأعطيه 15% كوزن نسبي

يستطيع كل مرشح أن يسرف في الوعود و البرامج كما يشاء، و لكن تبقي بعد ذلك قدرته علي انجاز ما يريد كمدير ناجح. و أبني هنا تقييمي علي أساس أن القدرة علي الإنجاز هي مهارة تصبح طبيعة شخصية، و الطباع لا تتغير بسهولة.. و بناء عليه أري ما يلي:
  • أحمد شفيق: 90%. الأفضل بلا جدال. تقريبا الوحيد ب CV يدل علي تفوقه. تفوق علي زملائه باستمرار في جميع المناصب التي أوكلت إليه منذ كان طيار مقاتل إلي رئيس أركان إلي قائد قوات جوية ثم وزيرا للطيران المدني. قادر علي وضع رؤية و إدارة فريق و تنفيذ رؤيته علي الأرض. لا يشغلني تسفيه الناس لإنجازه في تطوير المطارات، فالمدير الناجح مهارة و سلوك لا يتجزأ. إن مشروعه في مجال الطيران هو مشروع اقتصادي و إداري عملاق يحتاج لرؤية و إدارة فريق و قدرة علي المشاكل. و من يقول أن مشروعه في الطريان المدني و كأنه مجرد أعمال مقاولات يمكنه القول أيضا أن الكتاب هو مجموعة ورق و أن الأهرامات هي مجموعة حجارة. لا يجب أن تمنع التحيزات الشخصية من الإعتراف بنقاط قوة خصمك.  و بالتالي، فعندما يصرح جميع المرشحين أنهم سيطورون  قناة السويس مثلا و يضاعفوا إيرادتها، أثق في أن شفيق هو الأقدر علي تنفيذ ما وعد به أكثر من أي مرشح آخر.
  • عمرو موسي: 30%. متفوق نعم.. قادر علي الإنجاز؟ ليس دائما. إذا نظرنا إلي فترته كوزير للخارجية، كان ملك المؤتمرات بلا منازع و التصريحات بكاريزمته و قدرته علي الخطابة و التعامل مع الأسئلة المحرجة. ثم ننزل علب الأرض: هل غير من طريقة ترقية و انتقاء الدبلوماسيين في السفارات المختلفة أم أبقاها كما هي بيروقراطية تعتمد علي الواسطة و الأقدمية و المعارف؟ هل أستطاع مثلا أن يحرك ملف ازالة الألغام من الصحراء الغربية بالضغط علي الدول التي زرعت تلك الأغام في الحرب العالمية الثانية كنقطة بداية للإستفادة من الصحراء الغربية؟ هل استطاع أن يقوي علاقات مصر الأفريقية و لو عن تطريق التعاون الثقافي و البعثات الأزهرية؟ كذلك وهو أمين عام للجامعة العربية.. أتفهم أنها جامعة "الدول" العربية و ميثاقها يجعل الدول ملزمة فقط بما توافق عليه، و أن دوره أقرب إلي منسق للجهود منه إلي فارض لها.. و لكن في النهاية.. ما الذي سيكتبه التاريخ عن ألأعوام العشرة التي قضاها علي رأس الجامعة العربية؟ يضاف إلي ذلك كبر سنه، و هما وضح في مناظرته الأخيرة مع أبو الفتوح.. حيث وضح جدا فقدانه للياقته الذهنية المعهودة.. يترشح عمرو موسي و هو 77 عام، وستنتهي فترته وهو في ال 81.. التخوف من قدرته الصحية التي تمكنه من الإدارة و النتابعة محل شك كبير. بعد عام أو عامين علي الأكثر. سنتهتي تماما قدراته علي المتابعة و التذكر. باختصار سنري عمرو موسي كمبارك آخر في الشيخوخة بعد عام أو عامين.   
  • عبد المنعم أبو الفتوح (40%) و حمدين صباح(20%): لا يوجد ما يدل علي التفوق أو القدرة علي الإنجاز باستثناءات قبيلة. كلاهما تجاوز الستين من عمره.. ماذا أنجزوا؟ أبو الفتوح مثلا طبيب بالأساس.. هل عرفنا عنه أنه طبيب متفوق مثلا؟ دكتور أبو الغار علي سبيل المثال أصبح رجل سياسة لكنه أفضل الأطباء في تخصصه.  أبو الفتوح مهموم بالمشروع الإسلامي علي مدي أكثر من 40 سنة.. هل له انجاز فكري مثل سليم العوا أو حتي كتاب واحد يضع فيه رؤيته؟ حتي مذكراته حررها له المرحوم حسام تمام و لم يكتبها بنفسه. بل كسياسي و مناضل داخل الجماعة، أضع علي الجانب الآخر في حسابه الإيجابي قدرته علي الإنجاز في دوره في إعادة بناء الإخوان، و جهوده في الإغاثة و إدارته المتميزة لحملته الإنتخابية، و لذلك يتفوق في رأيي علي حمدين صباحي الذي لم أستطع أن أجد في سيرته الذاتية أي شيء يدل علي تفوقه باستثناء مرحلته في الكلية و نضاله لصالح الفئات الفقيرة و نجاحه كنائب سابق في مجلس الشعب. يتساوي في ذلك مع 20 شخص آخر. حمدين مثلا خريج إعلام و رأس تحرير صحيفة أسسها بنفسه.. من منا يقرأها؟ من منا سمع به كصحفي في الصف الأول مثل أبناء جيله؟ توجها حمدين الفكرية من المفترض أن تجعل حزبه يكتسح في بلد 40% من مواطنيه تحت خط الفقر.. ماذا أنجز مثلا في الأنتخابات الأخيرة؟ حتي حملته الإنتخابية.. هي بالتأكيد الأضعف أثرا بين الخمسة الكبار..لا يوجد عمل إداري واحد في تاريخ حمدين صباحي يجعلني أثق في قدرته علي الإنجاز.. و ربما هذا مع جعله يكتب برنامجه مليئا بالوعود لكن خاليا تمتما من الخطط.. ففوضع الخطط التفصيلية هي من سمات المدير الناجح و هذه ليست سمات حمدين. لذلك لا يأخذ في تقييمي أكثر من 20%.
  • محمد مرسي: 60%. لديه ما يكتبه في سيرته الذاتية. تفوق كمهندس، حصل علي الدكتوراة و تفوق بين أقرانه و صار أستاذا في الجامعة. صعد في صفوف الإخوان حتي صار رئيسا لحزب الحرية و العدالة, أدار حملة أنتخابية حصل بها علي الأغلبية في البرلمان. تتماهي هنا الحدود الفاصلة بين ما يمكن أن ينسب له شخصيا بالمقارنة لما يمكن أن ينسب للجماعة بقوتها و انتشارها، و يحمل وزرها كذلك في سوء الأداء البرلماني بعد فوزهم في الإنتخابات و مأساة ادارة اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية. هو الوحيد بين الخمسة الكبار الذي ممكن أن يستند الي كوادر حزب منظم خلفه يستطيع أن يدعمه. لذلك يستحق 60% في رأيي.
المعيار الرابع: ادارة العلاقات الخارجية (15%) 

هذا المعيار يكاد يختفي في النقاش الدائر الآن حول مرشحي الرئاسة و مغطي عليه تماما لصالح الحديث عن الأمور الداخلية. و هنا من المهم التنبيه لأهمية هذا المعيار. لأن تحقيق النهضة سيحتاج إلي سياسة خارجية حكيمة، تبعد مصر مرحليا من التوتر حتي تتم حماية المشروع النهضوي. جذب استثمارات و قروض خارجية مصر في أشد الحاجة إليها لا يمكن أن يحدث إذا انتهجت مصر سياسة تصادمية. لا يجب أن ننسي أن جميع مشاريع مصر الكبري من محمد علي إلي جمال عبد الناصر انكسرت بسبب التصادم مع القوي الخارجية قبل أن تتم أركان مشروع النهضة.

 كذلك، من الناحية الأمنية، إدارة العلاقة مع اسرائيل خصوصا في ظل الوضع الأمني المتدهور في سيناء أمر حيوي جدا، ويتطلب كفاءة وحنكة في التعامل بعيدا عن الشعارات الجوفاء. ادارة العلاقة مع فتح و حماس أمن قومي لا يجوز فيه القفز بمواقف غير محسوبة. الوضع في الحدود مع ليبيا و ادارة علاقة مع كيانات لم تظهر بعد. الحرب الوشيكة في السودان و ملف حوض النيل. العلاقة مع أمريكا و الاتحاد الأوروبي و ملف الاستثمارات و القروض الخارجية. كلها أمور لا يمكن أن تنسي ببساطة وسط الجدل الدائر حول أمور داخلية. أعطي هذا المعيار وزن نسبي 15%، و أري ما يلي كتقييم للمرشحين:
  • أحمد شفيق: 50 %. لا توجد أي مؤشرات أن سياسة شفيق الخارجية ستكون مختلفة عن مبارك. س هو ببساطة امتداد لحسني مبارك، و ال 50% التي أقترحها هي تقييمي لنجاح لسياسة الخارجية لحسني مبارك. لا أخجل من القول أن نظام مبارك أستطاع أن يجنب مصر عداوات خارحية غير محسوبة، و أستطاع أن يحمي علاقات مصر من الهزات مع الدول العربية و أمريكا. لم يدخل مصر في مواجهة غير محسوبة مع اسرائيل. علي الجانب الآخر، لم يحسن نظام مبارك ادارة ملفات حيوية مثل حماس و حوض النيل، لم يهتم بالعلاقات الأفربقية، لم يبن جسور تواصل مع القوي الجديدة في آسيا و الصين،  و لم يستطع أن يشعر المصريين بكرامتهم فبي الخارج.
  • عمرو موسي: 80%. الأفضل بلا جدال في هذا المعيار بدون استفاضة. يحمل طبعا جزءا من المسئولية عن مساويء السياسة الخارجية في عصر مبارك، و لكن في نفس الوقت ماذا يفعل وزير خارجية عندما يقرر رئيسه أن يقاطع قارة بأكملها بعد محاولة اغتياله قي أديس أبابا عام 95؟   كذلك، الأعوام العشرة التي قضاها كأمين عام للجامعة العربية أضافت له بالتأكيد علاقات واسعة و خبرة لم تكن لديه عندما خرج من وزارة الخارجية في 2001. لا أعطيه 100% لأنه سيحتاج للتغلب علي صورته الذهنية عند حكام الدول العربية، الذين ظلوا ينظرون اليه ك"سكرتير" الجامعة العربية و ليس ندا لهم.
  • عبد المنعم أبو الفتوح و حمدين 30% و مرسي 40%:  أضعف نقاطهم جميعا بلا جدال. ليست لدي أي منهم ما يدل علي أي نوع من الخبرة في هذا الملف. بالعكس، تصريحاتهم مبدئيا مواقف هواة, لا يوجد شيء اسمه "أنا عن نفسي لا أعترف بمعاهدة السلام و لكني أحترم معاهدات الدولة". أن يقول أبو الفتوح مثلا أن "اسرائيل عدو استراتيجي" فهذ كلام له ثمنه السياسي خارجيا. فعندما تكون رئيسا فأنت تمثل الدولة. تاريخ حمدين و أبو الفتوح ببساطة عبأ عليهم. لن يستطيعوا بسهولة أن يناقضوا نفسهم. لن يستطيعوا أن يناوروا في علاقتهم الخارجية بينما يحتفظون بنفس مؤييدينهم الذين اختاروهم علي خلفيته قناعاتهم المعلنة. لا أستطيع تخيل صورة لأبو الفتوح أو حمدين مستقبلا مثلا "نتنياهو" في القصر الرئاسي، و لا أستطيع كذلك تصور كيف يمكن أن يتعاملوا مع أزمات سيناء و فلسطين دون حوار مباشر مع الحكومة الإسرائيلية. لقد نجح نظام مبارك للأسف في أن يصغر أهمية دور مصر الأقليمي و يحصره في كونها "وسيط" بين الإسرائيليين و فلسطين. نعم بكل أسف.
و لكن الحقيقة أننا سواء رضينا أو أبينا، فدور مصر الإقليمي انحصر في هذا الرصيد الوحيد المتبقي، و هو أساس مدي تعاون العالم الغربي مع مصر من حيث الاستثمارات و الدعم. إذا لم تلعب هذا الدور فأنت بلا ثمن للدول الخاجية. نعم يجب بناء و تنمية دور مصر الأفريقي و العربي و لكن هذا سيحتاج لوقت طويل و الوقت ليس في صالحك الآن. أخشي كذلك من فرض أنواع من العزل الأقتصادي علي مصر في حالة اتخاذ مواقف غير محسوبة و نصبح مثل سوريا أو ايران. في المقابل، قد يجبرهم تاريخهم و الضغوط عليهم لإثبات "اعتدالهم" أن يقوموا بتنازلات لم يكن يحتاج اليها مبارك مثلا. في الحالتين، معيار السياسة الخارجية يخصم من رصيد الجميع باستثناء عمرو موسي. يمتاز مرسي قلبلا عنهم بتأكيد التزامهم بالمعاهدات الدولية، و هو ما أكدوه أكثر من مرة علنا و في حوارهم المباشر مع الإدارة الأمريكية. كذلك لم يذكر برنامجهم الإنتخابي أي حرف عن اسرائيل رغم إفرادهم عدة صفحات عن العلاقات الخارجية.. و هو ما أعتبره بوادر واقعية في تجنب الصدام.. و هو في رأيي ما نحتاج إليه.. و لهذا أعطي مرسي 40% في هذا المعيار بينما أعطي 30% فقط لكل من حمدين و أبو الفتوح.

المعيار الخامس: المصداقية و القدرة علي مواجهة الجماهير

أهمية هذا المعيار هو أن الرئيس القادم سيضطر لإتخاذ قرارات غير شعبوية بعد انتهاء شهر العسل في فترة الدعاية المليئة بالوعود الانتخابية المعسولة. التغيير دائما له أعداؤه. إذا أراد الرئيس حقا نهضة لهذا البلد، فسيقتحم ملفات شائكة كالدعم، و محاربة الفساد، و فرض سيادة القانون علي كل من يتجاوز أيا كان موقعه. سيواجه االشعب بالحقيقة و يتخذ إجراءات لن يرضي عنها الكثيرون، ناهيك عن الحرب المنظمة التي ستشن عليه من قبل أصحاب المصالح و المنتفعين، بالإضافة إلي هجوم الإعلام المتوقع ضده بعد الإحباط المتوقع في أول سنتين لإرتفاع سقف التوقعات من الرئيس القادم و كأنه المهدي المنتظر. لن يستطيع الرئيس أن يصمد أمام هذه المعارضة إلا إذا كان يقف علي أرض صلبة من الثقة و المصداقية أمام الشعب. أما اذا اختار الرئيس القادم سيناريو عدم المواجهة و عدم اتخاذ قرارات حاسمة حتي لا يستثير غضب الجماهير عليه، فسؤثر ذلك علي وتيرة التغيير و سنكون أمام مبارك جديد. و فيم يلي تقييمي لما يتمتع به كل مرشح من مصداقية:
  • عمرو موسي 40% و أحمد شفيق: 20%. سيظل انتماؤهم للنظام السابق عبأ عليهم في فترة الرئاسة. سيشكك الناس في أي قرار يتخذونه و يتهموه بأنه خطوة لإحياء نظام مبارك و شبكه المتفعين الفاسدة. لن يستطيعوا أبدا تجاوز هذه النقطة. أعطيت شفيق درجة أقل من موسي نظرا لأخطائة الدائمة عند الحديث إلي الرأي العام، و لالتصاقه بنظام مبارك أثناء الثورة بينما ابتعد موسي هن الدائرة الضيقة حول مبارك في ال 10 أعوام الأخيرة، بالإضافة إلي قدرته في الحديث للرأي العام بشكل سيجنبه توابع أخطاء قد يقدم عليها شفيق.
  • عبد المنعم أبو الفتوح: يمتاز أبو الفتوح بنقاء سيرته الذاتيه و مصداقيته في الحديث و تواصله الطويل مع كافة أطياف المجتمع. تضفي أيضا صبغته الإسلامية أحساس بالصدق و النزاهة.اعترف له الجميع بذلك بما فيهم خصومه طوال تاريخه. و لكنه خسر بعض رصيده خلال حملته الإنتخابية بسبب عدم وضوحه و مراوغته أحيانا، و بسبب تركيز منافسيه علي هذا النقطة بالذات لحسابات إنتخابية تحاول كسر التوافق خلفه من سلفيين و ليبراليين. كذلك، تترك علاقته السابقة بالإخوان شكوك لدي البعض حول مدي انفصاله عنهم من عدمه. اقتطع كل ذلك من رصيده. لذلكأعطيه 70% في هذا المعيار.
  • حمدين صباحي: شعاره واحد مننا هو أفضل توصيف له. يمتاز حمدين بقرب حديثه للمواطن العادي. يعبر عما يشعر به أغلب المصريين و يستخدم لغة دارجة قريبة من البسطاء. لا توجد في سيرته الذاتيه ما يشوب نزاهته و عفة يده. لم يكتسب عداوات مع أي من التيارات الرئيسية. من الصعب اتهامه بتغليب مصالح طرف معين عند اتخاذه لقرارات غير شعبوية.. و من الصعب أصلا المزايدة عليه في هذه الجزئية. يأخذ بجدارة في تقييمي 95% في هذا المعيار.
  • محمد مرسي: انعدام كاريزمته عبأ عليه لن بتركه أبدا. لن يستطيع أن يدافع عن قرار صعب و يقنع الجماهير به. ستظل تبعيته للمرشد اتهاما ملاصقا له طوال فترة رئاسته. كونه مرشح احتياطي لخيرت الشاطر من الأصل سيلاحقه بالسخرية طول فترة رئاسته. هذا بالإضافة للشك الأكبر و هو السؤال المنطقي هل يعمل لتمكين استحواذ الجماعة علي كل شيء؟ يعوض بعض من ذلك آلة التيارات الإسلامية القوية في الدعاية له و الدفاع عنه.. و يأخذ بناء علي كل ما سبق 30% في هذا المعيار.
الخلاصة:
الحساب الختامي لكل مرشح بعد ضرب تقدير كل معيار في وزنه النسبي هو الترتيب التالي:
1)       عبد المنعم أبو الفتوح 63
2)       عمرو موسي 58
3)       حمدين صباحي 54
4)       محمد مرسي 50
5)       أحمد شفيق 39

الخلاصة أنه ليس لدينا مرشح مثالي.. و ليس بينهم من ليس فيه عيب قاتل أو أكثر.. وبناء علي التحليل الموضوعي طبقا لما قدرته من معايير هو أن عبد المنعم أبو الفتوح هو مرشحي الأول، و أن عمرو موسي هو مرشحي الثاني لو وصل دون أبو الفتوح إالي جولة الإعادة.  

الاجتهاد الذي أتبعته يعتمد في التقييم علي عنصر التقدير الشخصي و ان كان يحكمه في النهاية حسابات الأرقام. و هو كذلك قد يشوبه القصور طبقا لما هو متوافر لدي من معلومات. و لذلك، فنتيجة المحاولة تلزمني و لا تلزم غيري، و ان كنت أدعو الجميع لتبني نفس الفكرة: ضع معايير الاختيار، ثم قيم المرشحين، و التزم بالنتيجة الموضوعية حتي لو صدمتك بالمقارنة بتفضيلك الشخصي العاطفي.

حازم هلال- 15 مايو 2012