الخميس، 3 مايو 2012

هل حقا نقض أبوالفتوح عهده مع الله؟!…… محمد بريك


 لا أشعر برغبة الحقيقة في الدخول في ساحة التنافس الانتخابي والدعاية لهذا الطرف أو ذاك، مع أني بالطبع لي خياري الشخصي كما يعرف من هو قريب مني. ولم أتشرف بالتواجد في حملة دأبوالفتوح أو غيره، ربما لقناعة عندي أن مصر تحتاج في هذه المرحلة لمجاميع من المهنيين المتخصصين في مجال السياسة والاستراتيجية بعيدين عن الاستقطابات الحزبية.. خصوصا ونحن في دولة كم عانت  وتعاني  وستعاني للأسف من اختلال العلاقة بين ماهو مهني وماهو سياسي وبالأخص في مجال الاستراتيجية والأمن القومي.

وكذلك لأن هناك استحقاقات سياسية وثورية أراها أهم من السياق الانتخابي الرئاسي وبالأخص الدستور  وضبط موازين القوى بين الإرادة الشعبية وإرادة العسكر والنظام القديم في المؤسسات والمناخ السياسي العام وقيم الحرية والكرامة.

المهمّ .. أنه إن رأى البعض في اتهام أبي الفتوح -وغيره ممن كان في تنظيم جماعة الإخوان وتركه - بنقض العهد مع الله نوعا من سوء الخلق والتجريح والتنافس الانتخابي غير اللائق، فإني أتعامل - فوق هذا - مع هذا الطرح وغيره من عبارات (الدعوة تنفي خبثها ، المرشح الإسلامي الوحيد، الجماعة الربانية، الله يتخير للجماعة قياداتها..) كمتلازمة وهن معرفي وأصولي وتربوي تسود في قطاعات الحركة الإسلامية منذ دهر..وتنتج إجمالا عن رقة الوعي الأصولي والتأسيس التربوي الذي يميّز بين الفكرة المطلقة وتجلياتها في الأدبيات الشرعية والوعي والذوق والسلوك وبين المقاربة البشرية لها في الفهم والتنزيل.. أي الخلط بين الدين والدعوة والتنظيم، وجماعة المسلمين وجماعة من المسلمين.

وهذا يمثل خطرا على المشروع الإسلامي وسلامته ويحمل في جعبته بذور استبداد ديني ودولة شمولية ترى مُعارضيها - وتجربتها - زائغا غن الهدى ورائما غير سبيل الوطنيين!

وتحدثت سابقا عن التكييف الشرعي للبيعة التي يطلقها فرد الإخوان وتبعاتها وآثارها وسبل انقضائها، ولكن أعيد نقل هذا للإفادة.


التكييف الشرعي لجماعة الإخوان كما هو حاضر في أدبياتها يدور على وضعين:

  • الأول أنها نواة عينية لجماعة المسلمين ولكن لا تأخذ أحكام جماعة المسلمين قبل أن تمكّن، وقد ألمح لهذا الهضيبي في دعاة لاقضاة وتبنى هذا الرأي بشدة الشيخ سعيد حوى وأشار له الشيخ الراشد حين هذّب الغياثي للجويني (وهو رأي بعض فقهاء الشافعية والأحناف إذا انعدمت جماعة المسلمين).
  • والوضع الثاني وهو المنتشر في أغلب قطاعات الإخوان في كل الأقطار - وليس الأول - أنها جماعة من المسلمين تقوم على تحقيق فرائض معطلة في الدعوة والتربية والإصلاح السياسي والتحرر والوحدة -انتهى.
وهذا الرأي هو السائد في أدبيات الإخوان وصفوفها وهو بهذا يعتبر إمام هذه الجماعة (إماما خاصا) وليس بمقام الإمام العام، وبيعتها (بيعة خاصة) وليست بمقام البيعة العامة.

ولقد انحاز الشيخ الراشد لهذا الرأي في (أصول الافتاء والاجتهاد التطبيقي في نظريات فقه الدعوة) ورأى أن الجماعة باقية حتى في ظل وجود الإمام المسلم، وهاجم مصطفى الطحان رأي الشيخ سعيد حوى في كتابه الذي قدّمه مصطفى مشهور (الفكر السياسي الإسلامي) وهذا لأنه قد يحمل للخلط بين الإخوان وجماعة المسلمين في التصورات الكلية والأحكام التنظيمية والسلوكية.

فمثلا لو تصور الفرد الإخواني - أو المنتمي لحركة إسلامية فيها بيعة - أن بيعته (عامة) حتى لو اعتقد أنها غير ملزمة لغيره فماذا يكون موقفه إذا قام عقد مواطنة ودولة قطرية صحيح- كحالتي مصر وتونس الآن والبقية على الطريق- وأي دائرتي الولاية تكون أعلى وأولى في حقه إذا تنازع الاختصاص؟!

كذلك .. البيعة (العامة) تلك تسحب أحكام دائرة الإمامة العامة وحدود تدخلها .. فهل يقضي إمام الجماعة في الأموال والأعراض والدماء؟ وهل يعلن الحرب والسلم؟ وماعلاقة كل هذا بعقد المواطنة وقوانين الدولة؟ (وهذا الخلط حصل بالفعل في بعض الجماعات الإسلامية في فترة الثمانينات والتسعينات)

وهل إذا ظهرت جماعة أخرى - وقد ظهرت جماعات - تطرح نفس عقد البيعة العامة (الاجتهادي هذا) يوجب هذا المقاتلة؟

وهل الشرط الذي وضعه الهضيبي لهذا الرأي (أن الخيار الفقهي في عقد البيعة هذا -سواء في تكييفه أو طبيعته -ملزم لصاحبه غير ملزم لغيره ) حاضر في المعرفة والسلوك التربوي فلايُنظر لمن رأى وجه إعذاره في سبيل آخر وفك عقد البيعة هذا أنه ارتكب إثما؟ بل هل كل قطاعات الإخوان في دول العالم تتبنى فكرة البيعة أصلا؟ وهل يشكك الإخوان في إخوانية هذه التنظيمات مع أنها لاتتبنى مسألة البيعة؟

حتى الشيخ سعيد حوى الذي رأي مثل هذا الرأي وقع في بعض تناقض حيث أنه رأى أن فك عقد البيعة هذا - وقد روي عنه أنه فعله - يلزم كفارة اليمين لاغير (فهو تعامل مع البيعة العامة كبيعة خاصة قائمة فقط على اليمين).

مع أن الشيخ سعيد حوى كان يرى أن البيعة الخاصة ليست ملزمة بذاتها ولاتوجب سمعا ولاطاعة، وإنما الملزم هو ماتكون البيعة عليه إن كان واجبا، ولهذا تحول لخيار البيعة العامة الاجتهادية - كما في آفاق التعاليم.

وعقد البيعة العامة لايشمل خيارات تفصيلية ومنهجية في جوانب فكرية وحركية وتربوية ولكن فقط السمع والطاعة للإمام السياسي، أما بيعة الإخوان فمفصّلة.

وماذا إن رأى شخص أن مابايع عليه من المنهاج ليس حاضرا ورأى أن الطرف الآخر قد نقضه، فهل يستقيم كل هذا مع التكييف السابق؟

ولهذا فالرأي الأرجح أن بيعة الإخوان هي:
  • بيعة خاصة..وهي بمثابة عقد (رضائي) بين الطرفين على منهج بعينه ، وهذا يقتضي وضوح المنهج بين المتعاقدين ، ووضوح دوائر الولاء .. يعني الطاعة للجماعة وأميرها ليست مقدمة على الطاعة للدولة وأميرها مثلا خصوصا إذا أتى الأخير بعقد سياسي صحيح غير مزور .
  • والخروج من الجماعة وفك البيعة ليس مظنة الإثم إذا رأى الشخص مسارا إعذاريا أولى في حقه، أو رأى نقضا للعهد المتفق عليه - بل يكون واجبا في حق الأول وجائزا في حق الثاني أن يبقى لإصلاح أو يفارق.
  • ولكنه إن كان لهوى في نفسه - كأي فعل ممايتعبد به - فهو إثم طبعا، ولايقدر لأحد أن يجزم بصحة نية فلان أو فسادها.
الأصل العام في المسألة أن (الاختيار الفقهي ملزم لصاحبه وغير ملزم لغيره) وهذا ماذكره الهضيبي في دعاة لاقضاة، والاختيار الفقهي قد يصيب أو يخطيء وقد يتغير ويرى المرء خيرا من رأيه الأول.

وكنا أيام الجامعة نقول للشباب: إذا اقتنع فرد ما أنه يلزمه أن يرتبط بالدعوة السلفية مثلا لزمه ذلك شرعا - وكذلك الإخوان - فإن ترك الجماعة مع اختياره هذا لهوى -مع إيمانه بوجوب العمل الجماعي- كان هذا مظنة الإثم.

فإن لم ير وجوب العمل الجماعي في حقه كأن ير أن يخدم الدين والوطن في مسار فردي مثلا.. فله وضعه الخاص.

وقد نقل الشيخ حوى - مع تشدده في تكييف الجماعة وبيعتها - عن الشيخ محمد الحامد علامة الفقهاء في سوريا قوله أن من الأعيان من يحرم عليه الانتماء للإخوان إذا كان هذا مضيعا في حقه فريضة كفائية قد تعين هو لها.وعلى كل حال.. فنحن الآن في عهد جديد يستلزم تجديدا أصلا لتكييف الجماعات الدعوية - كالإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية - وتقنينا لها لتصبح مؤسسات دعوية وتربوية داخل نظام الدولة ويكون التعامل معها بالصيغة المؤسسية التراضية دون حرفية السمع والطاعة الذي يصلح للعمل السري والعسكري.. لاالدعوي المفتوح والقائم على الانفتاح في المراجعة والنقاش والنقد والالتزام الطوعي.

الخلاصة..  

حين نحكي عن عقد رضائي .. ففكه يكون على ثلاثة أحوال:

1- أن يرى المرء خيرا منه. (فيلزمه القضاء والكفارة والتحول عنه)

2- أن يرى المرء أن الطرف الآخر هو من نقضه (فهو على الخيار)

3- أن يترك لهوى في نفسه وفساد نية.. فمظنة الإثم.

وياليت كان يتنزل علينا الوحي من السماء ليخبرنا بمن ينصلح نيته ممن تفسد .. تكون الحياة الدنيا أكثر يسرا إذن.. أو هكذا نظن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق