الأحد، 31 يوليو 2011

تعالوا نتعاهد ….. معتزبالله عبدالفتاح


فى حياة الإنسان أيام تكون لها دلالة خاصة. ونحن مقبلون على شهر كريم اختصه الله بما لم يختص به غيره من شهور العام. تعالوا نتعاهد أن نستوفى فيه ما علينا من التزامات تجاه الخالق، وتجاه البشر، وتجاه النفس.
  • أما تجاه الخالق، ففضلا عن الصيام: فلنصل بضمير.. نصلى بجد. نصلى وكأننا فى مناجاة مع من خلقنا، نحدثه ويحدثنا، نشكو إليه من أنفسنا، ونرجوه ألا يؤاخذنا، نقف أمامه على حقيقتنا: ضعافا، أذلاء، نتكبر على خلقه بالباطل، ونطلق العنان لأعيننا وألسنتنا دون ضوابط. نطلب منه العون والمدد، والحكمة والرشد، ونطلب منه أن يعيننا على ضعف أنفسنا. 
  • أما تجاه المجتمع، ففضلا عن التهنئة التقليدية بالشهر الكريم، فلنجعلها مناسبة ليقول كل منا للآخر: سامحنى. سامحنى بجد. لا تؤاخذنى إن كنت قصرت. غلبتنى نفسى فى لحظة فقلت ما لم يكن ينبغى على أن أقوله. ولنبدأ صفحة جديدة. ولنجعل منطقنا: «وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم». فلنبدأ نحن بالعفو والصفح، عسى الله أن يجد فينا إحسانا مع أنفسنا، فيعاملنا هو كذلك بالإحسان. وأنا سأبدأ بنفسى، وأعتذر إلى جميع قراء «الشروق» وإلى كل أحد يعتقد أن له فى رقبتى واجبا أو حقا، سامحونى على تقصيرى إن قصرت، وعلى خطئى إن أخطأت، وأرجو أن تتسع مساحة عفوكم عنى كى تحتضنونى معكم فى قائمة من لا تظنون بهم شرا. فلكل جواد كبوة، ولكل إنسان توبة. وأسأل الله التوبة عن كل ذنب أذنبته، وأى كبوة وقعت فيها. 
  • أما تجاه النفس، ففضلا عن الجهد المعتاد فى تأنيب النفس وانتقادها، فليكن لكل منا خطة عمل فى مجالات العمل الأربعة الرئيسية:
  1. دينيا، فلا تجعل هذا الشهر ينتهى دون ختم القرآن العظيم ولو مرة واحدة، ولا تجعله يمر دون أن تتأكد من أنك قد اقتربت من الله خطوة ولو واحدة، فمع الكريم سبحانه خطوة واحدة تعنى الكثير لأنه سيأتى لك بأسرع وأقرب مما تظن.
  2. علميا، التخصص التخصص يا أهل مصر. لن نتقدم إلا إذا كنا أقوياء فى تخصصاتنا.
    ولن نهزم إلا إذا كنا ضعفاء فى تخصصاتنا. من لا يعرف كيف يستفيد من طاقته فى تخصصه، فليراجع نفسه أو يغير تخصصه. جهاد الوقت، هو جهاد العلم والعمل.
  3. مجتمعيا، فقراء ومحتاجو مصر فى رقابنا. فلنجعل جزءا من برنامجنا مساعدتهم بالمال أو بالوقت أو النصيحة أو بالعلم.
  4. سياسيا، لا تتركوا أحدا يتحدث باسمكم إلا برضاكم. فكروا واقرأوا وتناقشوا، ولا تتعجلوا فى القبول أو الرفض. واحرصوا على حقكم فى التصويت فى الانتخابات أى انتخابات: اتحادات طلبة، نقابات، أحزاب، جمعيات، نوادٍ. وناضلوا من أجل أن يتولى المنصبَ الأصلحُ بغض النظر عن السن أو الجنس أو الدين. هذا الوطن سينهض بأبنائه كل أبنائه وببناته كل بناته. ولا بد أن يكون المعيار الوحيد هو الكفاءة.
شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هو شهر رمضان الذى يذكرنا الله فيه بما فى القرآن من هداية وورع وحب للكون بدءا من خالقه سبحانه وانتهاء بكل مخلوقاته. وكما يقول إخواننا المسيحيون: الله محبة. فعلا، من أحب الله أحب خلقه ووجد فى نفسه الاستعداد لتقبلهم مهما ناله منهم. أحبكم فى الله ولله وبأمر الله. وكل رمضان وأنتم جميعا أقرب إلى الله وإلى حب مخلوقاته. كل رمضان ومصر أجمل وأروع وأقدر.

فازوا وخسر الوطن……. فهمي هويدي


لم يحدث الأسوأ فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى 29/7. وذلك خبر سار لا ريب. إذ فشل الرهان على تحول الميدان إلى ساحة حرب بين الإسلاميين والعلمانيين، ولم يقع «التطهير» أو «كمين الدم» الذى تحدث به البعض وتمناه آخرون. مع ذلك فإننى لست سعيدا بأداء الجماهير السلفية، وإن كنت أفهمه. وأرجو ألا يبالغ الآخرون فى التعبير عن الاستياء منه.
عندى فى فهم موقفهم أربعة أسباب هى:
  • أنهم بعد عقود من التغييب والتعذيب والازدراء، إذا أرادوا أن يطلقوا صيحة عالية فى الميادين العامة بالقاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن. فقد يعذرون فى ذلك. أعنى أن المبالغة فى إثبات الحضور يمكن أن تفهم بحسبانها رد فعل على المبالغة فى التغييب والإقصاء.
  • السبب الثانى أنهم قوم حديثو عهد بالممارسة السياسية. ذلك أن الفكر السلفى فى أصله معنى بتصحيح العقائد ومحاربة البدع. والحركة السلفية بمفهومها المعاصر إنما نشأت فى الجزيرة العربية فى القرن الثامن عشر ردا على انتشار البدع آنذاك ودعوة إلى تقويم ما اعوجَّ فى معتقدات وتقاليد مجتمع المسلمين آنذاك. ولم نعرف لجماعتهم اشتغالا بالعمل السياسى إلا فى العقد الأخير على الأرجح، وتجلى ذلك فى ممارسات بعضهم فى الكويت والمغرب فى حدود ما أعلم. وكان ذلك من تداعيات تطور التجربة الديمقراطية فى البلدين. وإذا صح ذلك فهو يعنى أن الجماعات السلفية فى مصر التى كان لها موقفها السلبى من العمل السياسى طوال السنوات التى خلت، تحتاج إلى بعض الوقت لإنضاج موقفها وتطوير خطابها، بما يساعدها على الخروج من ضيق مشروع الجماعة إلى سعة مشروع الوطن، ومن الانكفاء على الذات إلى التفاعل مع الآخر.
  • السبب الثالث الذى يدعونى لإعذار الجماعات السلفية هو أننا إذا كنا قد احتملنا طوال الوقت أصوات المثقفين الذين تصدروا المنابر الإعلامية وهم يرددون بصوت عالٍ «علمانية علمانية»، فيتعين علينا أن نحتمل أصوات آخرين رفعوا فى المقابل شعارات تنادى «إسلامية إسلامية». 
  • السبب الرابع أنه إذا جاز للبعض فى الوقت الراهن أن يحاولوا احتكار صدارة المشهد فى مصر، ويقدموا أنفسهم بحسبانهم ممثلين للوطن والثورة، ويحاولون بهذه الصفة أن يرسموا خريطة المستقبل، فينبغى ألا نستغرب من غيرهم أن يسعوا إلى تصويب تلك الصورة لإقناعهم وإقناع غيرهم بأن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم، وإنهم إذا كانوا قد احتكروا الفضاء الإعلامى، فإن للشارع صوتا آخر جديرا بالاعتبار.
ذلك كله أفهمه لكننى مازلت عند رأيى فى أننى غير سعيد به. ذلك أن المشهد فى ميدان التحرير كان يمكن أن يكون أفضل كثيرا لو أن السلفيين تصرفوا على نحو آخر. فالتزموا بشعار اجتماع الإرادة الشعبية ووحدة الصف الوطنى، وتجنبوا رفع الشعارات وترديد الهتافات التى عبرت عن هويتهم ونقلت إلى الملأ مطالبهم. وإذا استخدمنا المصطلح الذى شاع مؤخرا. فإننى تمنيت أن يكونوا مع غيرهم يدا واحدة، وليس يدا أخرى موازية.
تصوروا مثلا لو أن السلفيين ذهبوا إلى الميدان بحضورهم المكثف، واكتفوا بهيئتهم التى تعبر عن هويتهم، والتزموا فى لافتاتهم وهتافاتهم وكلمات ممثليهم بمطالب التوافق الذى تم مع الجماعات الأخرى، وانطلقت من فكرة لم الشمل. ومر اليوم والجميع يلتفون حول ذلك الموقف. ماذا كان يمكن أن يحدث؟
لست أشك فى أن الصورة كانت ستصبح أكثر إبهارا، من حيث إنها تضيف صفحة جديدة إلى سجل التلاحم النبيل الذى عرفه الميدان منذ 25 يناير حتى 11 فبراير. كما أن السلفيين وغيرهم سيكونون أكثر تفاعلا وتفهما واقترابا. كما أنهم سيبددون قلق الخائفين والمتوجسين، ناهيك عن أن المشهد لن يجدد الثقة فى الجميع فحسب، ولكنه أيضا سيحبط آمال المتربصين والساعين إلى إجهاض الثورة وإفشالها. الأهم من ذلك أن من شأنه إشاعة جو من التفاؤل باستقرار الأوضاع، الذى لابد أن يكون له صداه على الصعيدين السياسى والاقتصادى.
الشاهد أن السلفيين لو كانوا قد انخرطوا مع غيرهم والتزموا بعناوين لم الشمل، لكانوا قد كسبوا نقطة لصالحهم تعزز الثقة فيهم والاطمئنان إليهم، ولحققت الثورة والجماعة الوطنية والوطن ذاته مكاسب أخرى. لكنهم للأسف لم يروا كل ذلك وشغلوا فقط بإثبات الحضور، فحققوا مرادهم لكنهم زادوا من مخاوف الخائفين، ولم يبالوا بالثورة أو الجماعة الوطنية أو، الوطن ذاته ــ وا أسفاه!

التوافق بديلاً عن التنابذ …. فهمي هويدي

الحشد الكبير الذى اجتمع فى ميدان التحرير أمس أعاد إلى الأذهان فكرة «التوافق» التى كادت تتراجع، منذ برز فى الأفق مشهد التراشق والتنابذ. وذلك تطور مهم للغاية، ينبغى أن يسعى الجميع للحفاظ عليه، ببساطة لأنه يحقق مصلحة أكيدة للجميع. ذلك أن تجارب كثيرة علمتنا أن مصر التى ننشدها أكبر من أى فصيل بذاته، مهما بلغت قوته. 
أعنى بذلك مصر الديمقراطية المستقلة التى يديرها أهلها ولا تخضع لوصاية أى أحد فى داخل البلد وخارجه.
لقد شهدنا فى الآونة الأخيرة تنافسا وسباقا على تمثيل مصر وثورتها من جانب أكثر من طرف. تابعنا من ادعوا أنهم استدعوا كل القوى الحية فى المجتمع، وأنهم صاروا ناطقين باسم الثورة والوطن، ثم تبين أن المحاولة ليست سوى تظاهرة سياسية من جانب بعض عناصر النخبة التى جمعت نفرا من الطامحين وآخرين من المتوجين والخائفين الذين قدموا أنفسهم بحسبانهم ليبراليين وعلمانيين وديمقراطيين.
وأمس كنا بصدد تظاهرة أخرى من جانب التيارات الإسلامية والسلفية منها بوجه أخص، حاولت بدورها أن تثبت الحضور وتستعرض القوة. ولو أن الأمر وقف عند ذلك الحد، وظل مقصورا على طرف يتظاهر فى الفضاء الإعلامى والسياسى وآخر يتظاهر فى الشارع، لاحتملناه ومررناه.
ولكن المشكلة تحدث والمحظور يقع إذا تصور أى طرف أنه صاحب الزمان والمكان، وإذا ظن أن قوته تسوغ له أن يفرض إرادته على الجميع. خصوصا الأغلبية التى هى ليست إلى جانب هؤلاء أو هؤلاء. أما المحظور الأكبر فهو أن ينشغل كل طرف بذاته ناسيا أن هناك وطنا يريد أن يستعيد كرامته وأن هناك شعبا يتطلع إلى مستقبل أفضل تسوده الحرية والعدالة التى تحفظ للمواطن كرامته بدوره.
أحسب أن هذا المعنى كان واضحا فى رسالة الذين أرادوها مليونية الإرادة الشعبية والوحدة الوطنية، وهو عنوان عريض تطل منه بادرة التوافق الذى اهتزت صورته فى الساحة المصرية. والتوافق كما أفهمه لا يعنى الاتفاق فى كل شىء. ولكنه يعنى إدارة الاختلاف بوعى ورشد. بما لا يطمس خصوصية أى طرف. ولا يطالبه بالتنازل عن مبادئه أو شعاراته. وإنما يهتدى بأمرين هما: المصلحة الوطنية العليا، والتفرقة بين نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف، وتقديم الأولى على الثانية فى الوقت الراهن.
بكلام آخر، فإن التوافق يعنى بين ما يعنى إمكانية الالتقاء حول هدف أو أهداف مرحلية، مع بقاء الاختلاف حول الأهداف النهائية. كما أنه يعنى التفرقة بين التناقض الرئيسى والتناقضات الفرعية والثانوية. بحيث يصيح الوقوع فى فخ الأول هو المحظور قطعا، فى حين أن الثانية يمكن احتمالها والتعايش معها.
لكى يتحقق ذلك، فإن الغيورين على الثورة والوطن ينبغى أن يكونوا واعين بمسئوليات وأولويات المرحلة التى تمر بها مصر. وأتصور أن هذه الأولويات تتمثل فى أمور ثلاثة هى: استتباب الأمن وإدارة عجلة الاقتصاد، والإسراع فى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية وبرلمان تختاره إرادة الشعب الحرة.
إن الكلام عن علمانية الدولة أو تحكيم الشريعة أو العدول عن تمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50٪ أو إلغاء مجلس الشورى، مثل هذه العناوين المهمة لا تمثل أولوية فى الوقت الراهن، فضلا عن أنها تفتح الأبواب للشقاق والخلاف، فى حين أن المطلوب الآن هو أن نفرق بين الأهم والمهم، وأن ننشغل بالأولى كى ننتقل بأمان وثقة إلى الثانية.
كان بوسعنا أن ننجز شيئا من ذلك الذى أزعم أولويته لو أننا احتفظنا بلم الشمل واعتنينا بالتوافق حول ما هو مرحلى وأجلنا ما هو نهائى إلى أوانه، ولكن آفة الاختلاف والحسابات الخاطئة ضيعت علينا ستة أشهر دون أن ننجز شيئا منها. 
وإذا أسهمت جمعة لم الشمل فى استفاقة الجميع وتعاهدهم على استمرار التوافق فإن ذلك سيعد إنجازا عظيما، لكنى أزعم أن الأمر ليس بهذه السهولة، لأن فى مصر الآن من يحرص على الارباك والتشتيت خوفا مما يمكن أن يأتى به المستقبل. وهؤلاء لا يكفون عن وضع العصى فى العجلات كى لا تتقدم المسيرة خطوة إلى الأمام، تشهد بذلك عناوين الصحف التى صدرت صباح أمس الجمعة، حيث ركز بعضها على لمِّ الشمل فى حين سعى البعض الآخر إلى غرس الألغام فى ميدان التحرير. لذا وجب التنويه والتحذير.

شاهد عيان لليلة جمعة الإرادة الشعبية… أحمد عبدالجواد

أكتب هذه الكلمات بعد أن عُدت من ميدان التحرير الذى أقمت فيه هذه الليلة من الثامنة مساءً وحتى السابعة صباحاً ولم أنم البتة وجُلت فيها الميدان كُله.. هُناك عدةُ أُمور ينبغى التأكيد عليها فى البِدء:

 1- خلال الفترة الماضية خاضت جماعة الإخوان المسلمين من خلال كوادرها سلسلة حوارات وجلسات تنسيقية مُكثفة مع رموز وقيادات التيار السلفى والجماعة الإسلامية من أجل أن يكون اسم هذه الجمعة "هى جُمعة الإرادة الشعبية" وعدم الإصرار على اسم "جُمعة الشريعة" و "جُمعة الهوية" ! و أبدى الجميعُ استعدادا لهذا! ووافقوا عليه بل وصرحوا به فى الإعلام! وقد سمعت بأُذنى مُتحدثاً رسمياً باسم الدعوة السلفية ورمزاً لامعاً من رموزها يُصرح بنفسه بأننا راعينا أن الوضع لا يحتمل لجُمعات من قبيل"جُمعة الشريعة" و "جُمعة الهوية" فتوافقنا على اسم "جُمعة الإرادة الشعبية" ؛؛

2- يُفترض أن الاتفاق قد تم على عدم رفع أية لافتات إسلامية أو لافتات تُطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية أو خلاف هذا ؛ وإنما تكون الجمُعة هى جُمعة إرادة شعبية بكُل ما يعنيه مُصطلح "إرادة شعبية" بتركيبه من معنى! وهذا ما لم يحدث بتاتاً!!!! فلم يُراع تحقيق الوحدة بين الصفوف ولا توحيد المطالب ولا إظهار الميدان بصورة مترابطة!

3- يتواجد فى الميدان الإخوان المسلمون بعدد جيد عند منصتهم التى تُنصب ؛ وكذا التيار السلفى وله منصة خاصة وكبيرة؛ وكذلك التيارات اليسارية والليبرالية والحركات الشبابية؛؛

4- التيار السلفى ليس سواءاً وليس تنظيماً مركزياً يُمكن التحكم فيه بسهولة وتوجيهه بإحكام؛ بل هو تيار متسع غير مركزى مُشتت كُل مجموعة تتبع شيخاً ؛ وتكوينهم الفكرى والنفسى والبنائى مختلف تماما فى داخله!

5- لقد شارك بعض السلفيين شبابا وشيوخاً فى الثورة وأعرف أصدقاءً شاركوا من اليوم الأول ؛ وأعرف شباب من السلفية الحركية الجهادية التى دخلت سجون مبارك كثيراً وكانت لا ترى وجوب طاعته وجواز الخروج عليه؛ شارك كثير من هؤلاء فى الثورة؛ لكن يجب ان يُوضع فى الحسبان أن هؤلاء ليسوا هم السلفيين! وليسوا الكثرة! بل الكثرة من السلفيين ومن شيوخهم لم يُشاركوا فى الثورة فضلاً عن مهاجمتها بكل شدة وقوة وحماسة وإقدام-"فبعضهم وصمهم بالخوارج والآخر قرر من لدن نفسه أن من قتلوا ليسوا بشهدآء وثالثهم دعا الناس أن يعودوا لديارهم "ويصلوا على النبى"! -صلى الله عليه وسلم- . !

6- لا مُشكلة فى ظل التدافع السياسى بين قوى وتيارات مُختلفة فى أفكارها وأيدلوجياتها أن يكون هناك تدافع نتاجاً لمواقف سياسية متابينة ومحاولة الضغط لتحقيق توازان! وقد يكون هناك ضرورات لإبراز بعض العضلات! لكن هذا يكون بشكل ضمنى فى إطار التوافق وليس بهذا الشكل الفج الصريح الذى يجعل عضلاتك تنفجر أو .. تقتلك!

7- هُناك بعض الرعونة من قبل بعض الأفراد من تيارات راديكالية تحاول مراراً وتكرارا مهاجمة التيار الإسلامى بمكوناته وإقصاءه وتشويهه مما يُدفع فى اتجها الاحتقان وشحن النفوس بشكل سلبى لا يخدم التوافق ولا يُحققه!

ماذا حدث؟
1-نزلنا جميعاً على هذا الأساس -الذى اتفق عليه الجميع وفى قلبهم التيار السلفى- نزلنا على اتفاق أننا لن نرفع لافتات واضحة سوى المطالب التوافقية ومطالب الثور والإرادة الشعبية وضرورة احترامها! فقط! وسرنا مُطمئنين لهذا ! وظننا أن الناس على عهودهم فضلاً عن "المؤمنين"! إلى حين الساعة العاشرة مساءً ! حتى رُفعت لافتة تُقول :"الشعب يُريد تطبيق الشريعة"! دار نقاش حولها بين الشباب وبين المجموعة السلفية ودار جدل ولغط وشد وجذب! لأننا كُنا نظن أن هذه لافتة استثنائية-لأن الناس على عهودهم-! ثُم مشكورين أنزلوا اللافتة! وظننا أن الأمر قد مر.!

2- ثُم تجولنا فى الميدان فوجدنا رجلاً فى حدود الخمسين لديه لحية ويرتدى جلباباً ؛ وقفت مع صديقى الذى أُرافقه وتحدثنا إليه ؛ هذا الرجل يحمل لافتة مكتوب عليها نُريد تطبيق حد الشريعة الإسلامية وحد الحرابة على حُسنى مبارك وأُسرته! وقفنا نُحدثه ونناقشه وكُنت مُشاهداً غير مُتحدث! وكان صديقى هو الذى يقود الحوار! والرجل يرفض النقاش بشكل جاد ويستشهد له صديقى بشيوخ الجماعة الإسلامية الذين "من المُفترض ِأنهم قالوا أنهم لن يرفعوا مثل هكذا لافتات"! فكان الرجلُ يُصر على أنه لا يتبع احداً ولا يلتزم إلا بما اقتنع هو به!

3- شاهدنا مجموعة غريبة عجيبة تجول فى الميدان قليل منهم مُلتحى والبقية بدون لِحى ولا يبدو عليهم أنهم ينتمون للتيار السلفى! هؤلاء يجوبوا الميدان يهتفوا مرة "إسلامية إسلامية" وأُخرى : "يسقط يسقط حُكم العسكر-يسقط يسقط المشير" ومرة ثالثة " بالوحدة"! وحيال التفافها يدخل معهم مجموعةٌ من السلفية! باندفاع منهم! حاولنا الحديث معهم فتوجه شاب إلى شيخ هذه المجوعة وقال لهم : هل من يهتفون هؤلاء وتسيرون ورائهم .. هل هؤلاء سلفيون معكم؟! فقال: له: لا! فذكره بأن هناك مندسين قد يسعوا للفتنة وكذا فسحب الشيخ مجموعته مشكوراً !

4- فى حدود الحادية عشرة مساءً وأنا أتجول فى الميدان لرصد هذه الظواهر شاهدت دخول مجموعة مُنظمة يبدو عليها أنها من التيار السلفى مُنظمة تدخل فى صفوف منظمة ترفع لافتات وتهتف بهتافات"إسلامية إسلامية" وتكبيرات وكذا! تحدث إليهم صديق فأبدى له الشخص الذى يبدو أنه مسئول المجموعة الاقتناع ثُم ساروا وأكملوا فى المسيرة بذات الهتافات! ويبدو أن كُل المجموعات مما رأيته إنما هى مجموعات دخلت بشكل منظم على شكل مجموعات صغيرة كُل مجموعة فى حدود خمسة وعشرين شخصاً؛ وظلت هذه المجوعات تطوف الميدان وتحمل نفس اللافتات بذات الشكل مما يُؤكد أنها ليست تلقائية أو بجهد فردى بل هى مُنظمة بأعداد كبيرة جداً تُوحى وتُظهر بشدة أنها مُعدة سلفاً وبتخطيط -فى حين أنه سلفاً قد أخذ الجميع عهوداً على أنفسهم ألا يرفعوا مثل هكذا لافتات!

5- الواحدة ليلاً أقف أمام منصة السلفيين التى يُعلق عليها لافتة "حزب النور السلفى" ولافتات أُخرى؛؛ بدأت أستمع إلى هتافات توافقية عن ضرورة المحاكمات العاجلة والتطهير والقصاص! ثُم قلبت الهافات مرة واحدة عن "إسلامية إسلامية-لا مساس بالهوية" ؛ "وتكبيرات" -و تعريض بالكلام عمَن يتلقى تمويلاً من الخارج! ثم جاءت كلمة حازم شومان فقال كلاما ً تجاوز فيه كل شيىء! تحدث بخطاب راديكالى نارى !!! من قبيل"اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد فى هذه الأرض"!! ؛ "ارفعوا أصواتكم بالتكبير فكُل تكبيرة هى سهم فى قلوب أعداء الدين"!! ؛ "ظنوا أن الدين قد مات لكن أنتم الشباب الآن حُماة الدين"/؛لكن لا أعلم من هو الذى ظن أن الدين قد مات!!! وكيف يفهم حازم شومان ومن يهتفون خلفه الدين؟! وأين كانوا أيام الاستبداد الذين لا يكاد يُسمع لهم صوتا! وما هو "الدين" وتصوره الذى يريدونه! وماذا يعنوا"بإسلامية" !! وأين كانوا أيام ما انُتهكت كُل مقاصد الدين!!! وضاعت حُقوق الإنسان الآدمية وكرامته البشرية!!وماذا تعنى "إسلامية" فى مرحلتنا هذه؟! وما هو تصورهم عن الدولة!!التى يُريدونها "إسلامية"!

6- ظلت هذه الهتافات طيلة الليل هكذا وبعد الفجر انطلقت تسجيلاتً مُسجلة لحازم شومان وآخرين وفيها شتمية واضحة وسب واضح لــ "العلمانية والليبرالية والاحزاب الجرثومية والماسونية"!!! ومهاجمة وإقصاء لكل المخالفين لهم من غير "الإسلاميين" وهذا دليل قاطع على عدم مشاركة هؤلاء فى الثورة التى كان يُشارك فيها الجميع بروحٍ واحدة ودماءٍ واحدة وجراح واحدة وهمٍ واحد!! ولم يسب فريقٌ فيها فريقاً آخر!

7- بدأت حشود جديدة تتوافد على الميدان ولافتات موحدة تُرفع تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وأن الهوية إسلامية ونقد شديد المبادىء فوق الدستورية وضرورة احترام الاستفتاء! ووصم للإعلام بأنه إعلام علمانى ومطالبات بتطهيره! وكانت منصة السلفيين تُردد باستمرار لا هتافات إلا من المنصة ومع ذلك كانت المنصة تُلقى هتافات أشبه بالقنابل ! وحتى انصرافى من الميدان كانت هُناك مجموعات تتكون من حوالى ثلاثين شخصاً تتوافد على الميدان! وتحمل ذات الشعارات بلافتات تحمل مضامين مُشابهة!-جُلها عكس المتفق عليه- ؛؛

تقييم للموقف السلفى
1- وفّى الإخوان المسلمون بعهودهم ولم يرفعوا أية شعارات ولم يرفعوا أية مطالب غير توافقية ؛ ومنصتهم معنونة بعنوان توافقى وهى "اللجنة التنسيقية للثورة المصرية" التى يُشارك فيها تيارات من اليمين لليسار! وكانوا حريصين على التهدئة وعلى تهدئة السلفيين للحظة الأخيرة!

2- لا شك أن الإسلاميين تعرضوا لحملات تشويه إعلامية وأن التيار السلفى قد تم الهجوم عليه بشدة فى الإعلام فى الفترة الأخيرة ؛ ولا شك كذلك أنه تيار متشعب لا تجمعه وحدة فكرية ولا بناء تنظيمى مما يصعب السيطرة عليه ؛ وأنه تيار لاخبرة تنظيمية له ولا خبرة حركية له فى المجال العام والعمل العام ؛ وأنه تعرض لكبت وعدم حنكة وخبرة سابقة.

3- لكن ينبغى المُلاحظة كذلك أنه قد جرت سلسلة حوارات وجلسات حول هذه القضايا بشكل مُكثف بالساعات التى تتجاوز أصابع اليدين -يومياً-! و أن التنظيم الذى فى الهتافات والذى فى اللافتات لا يُمكن أن يكون إلا بشكل منظم مسبقاً؛ وليس أقل من المنصة التى يتحكمون فيها-هل قيادات التيار السلفى لا تستطيع أن تتحكم فى منصة .. منصة؟!!!!-! والتى كانت فى قمة الراديكالية وشرخ الإجماع الوطنى التوافقى وخلق حالة من الإقصاء ومُهاجمة القوى السياسية العلمانية والليبرالية واليسارية!

4- بكُل صراحةٍ ووضوح .. لقد نقض السلفيون عهدهم ؟ ولا أعرف بِم يُمكن أن نُسمى هذا؟! هل هذا خيانة للعهد .. أم للأمانة ؟! أم ماذا؟! لقد كُنا فى بداية الليلة نظن أنه سلوك فردى أو تصرف استثنانى نُحاول استيعابه مرة ذات اليمين وأُخرى ذات اليسار؛حتى اكتشفنا أننا أمام سياسة مُمنهجة وأمام تنظيم مُسبق ينوى تحقيق أهداف وإيصال رسائل -لربما يكون بعضها لخارج "التيار الإسلامى" وأُخرى "لتيارات مُنافسة داخل التيار الإسلام نفسه-!!!

5- هل ينوى التيار السلفى أن يُعيد ذات تجربة الإخوان المسلمين التى مروا بها بعد خروجهم من المعتقلات فى السبعينات بعد سنوات القتل والتعذيب بسجون الطواغيت! -والتى بالمناسبة لم تكن بهذه الفجاجة!!- خلال السبعينات والثمانينات ثم التسعينات ! هل ينوى السلفييون ألا يستفيدوا من هذه التجربة ويحرقوا على أنفسهم هذه المراحل!والحكيم من اتعظ بغيره واعتبر!

6- هل يُدرك التيار السلفى مُصيبة ما يحدثه من أفعال ومآلاتها؟! هل يُدرك التيار السلفى التعقيدات الدولية ومعادلات التوازن والضغط الخارجى الذى قد يكون إيجابياً فى أمور وسلبياً فى أُمور أُخرى .. وأحيان اُخرى؛ وهل يدرك كذلك أثر رفع هذا الضغط وإيجابياته وسلبياته فى أُمور أُخرى! هل يُدرك التيار السلفى أن ما يقوم به قد يكون داعماً لبقاء حُكم العسكر! أو قيامه بأية إجراءات تُجهض التجربة الدُيمقراطية وهذا يفتح التفكير فى سيناريوهات عدة من صفقات أو تنسيق لتحقق أهدافٍ أُخرى-وكُل السيناريوهات فى السياسة مطروحة وافتراض سوء النية مطورح وبقوة ولا إنكار فى ذلك لأن هذا هو المعتاد ولاسيما حين تُدعمه القرائن-!؟؟

7- لو كان التيار السلفى الذى صمت أغلبه على استبداد مبارك ودعمه وأعلن بعضهم البيعة لأمير الفاجرين الظالمين الفراعين ؛ لو كان هذا التيار مُستعدا أن يمضى فى مُراهقاته الطفولية فى أخطر لحظة من لحظات تاريخ مصر.. فإن مصر لا تحتمل! وإن القوى الإسلامية التى دفعت زهرة شباب أبناءها ودفعت حياتها وأموالها فى سبيل التصدى لحُسنى مُبارك ونظامه المستبد وحُوكموا عسكرياً وكانت تُدافع وتصارع فى عدة جبهات! وتتلقى النيران من عدة مدافع! فى حين كان التيار السلفى ينعم فى كُتب الحديث والمصطلح! وفى غياهب الخنوع! -فإن هذه القوى يجب أن تضع حداً للتنسيق الذى لا ينبنى عليه عمل وأحسب أن هذه القوى الإسلامية يجب أن تُدرك أن هذه العقليات-التى نقضت عهدها- والتى تتصرف بهذه المُراهقة والطفولية والسخافة لا أمل قريب فى تطويرها وأنها بالفعل خطر على الثورة وعلى التجربة الديمقراطية بمصر!!

لو كان السلفيون قد اعتاداوا أن يعيشوا فى ظل نظام فاجر ظالم مستبد يحكم بالحديد والنار ويسوغوا له من أجل أن يُبقى على نص المادة الثانية من الدستور-والتى دونها خرق القتاد- فيعيشوا فى أنغام الظاهر فى حين تُدمر كُل مقاصد الشرع بدون استنثاء وهو ما يتناسق مع نموذجهم الفكرى المبنى على الظاهر ودولتهم الطُهرانية المزعومة بأرض الحجاز التى تهدم الدين بمعاول حادة! - لو اعتادوا على ذلك فإننا لم نعتد عليه! وإنهم ليسوا مصر! وإن الثورة التى تجلى فيها الشعب المصرى كله وما مُثلوا إلا فى مجموعةٍ قليلةٍ منهم! هى بخلاف ما يحاولون إبداءه الآن من صورة وهمية غير حقيقية! فهذه الحشود تتجاوز بآلاف المرات عدد السلفيين الذى شاركوا فى الثورة من أول يوم إلى آخر يوم .. لو قمت بجمعهم!

 حقاً .. عدو عاقل .. خير من صديق جاهل! جُملة كُنت أقرأها بالمجمع الأزهرى الابتدائى مخطوطة على لوحة .. وأفهما أكثر وأكثر فيما أراه! يا ليت التيارات السياسية كلها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تستفيد من هذه التجربة وتتلقى الرسائل وأن تُعلى مصلحة مصر فوق كُل المصالح الحزبية الشخصية ؛ وألا تركب غيها وعنادها فتهُدم مصر! يحسن للجميع أن يعرف لماذا حدث هذا وما أسبابه؟ وكيف نتجاوز مآلاته التى "قد" تكون "كارثية" واللهم سلم سلم! ؛ يجب على الجيمع أن يُدرك أننا لم نعد فى المعارضة أيام حُسنى مبارك! وأن الجميع .. الجميع .. اصبح فى موقع المسئولية وأن كل فعلٍ الآن له رد فعل وله نتائج ومآلات !! ولسنا نسبح .. فى الهواء! فالهواء لا يُسبح فيه ومن يحاول السباحة فيه تُكسر قبته! اللهم احفظ مصر من الغباء والبلاء .. من أغبياءها وسفهاءها وسُذاجها وطواغيتها!! ياااا رب ! سترك!

خواطر حول جمعة “الارادة الشعبية ووحدة الصف”


البعض قد يرى ماحدث يوم الجمعه 29/7 يخصم من التوافق الوطني والتوحد حول الثورة وطلباتها، وقد يكون معه الحق جزئيا في هذا بسبب بعض الممارسات التي حدثت من قبيل رفع شعارات على قضايا لم تكن مطروحة مثل (اسلامية … اسلامية) وكأن هناك طرف آخر يطرح أن تكون مصر دولة غير اسلامية (قد يكون مصطلح مدنية)، وربما يكون هذا رد فعل على بعض التصريحات والافعال من البعض والتي فهمت على أنها تغيير لهوية مصر الاسلامية. وأري أن السبب الرئيسي هو غياب الحوار بيننا ووصول رسائل مغلوطة من كل طرف للآخر.

وأدعى أنه لا يوجد سياسي عاقل يطرح هذا الطرح، بل أن كل الوثائق (المسماه فوق دستورية) كلها تقريبا وضعت المادة الثانية بالدستور والخاصة بإسلامية الدولة والشريعه كمصدر رئيسي للتشريع، وضعتها جميعا ضمن الوثائق.

قد يكون الحوار حول تنظيم العلاقه بين الدين والدولة وهذا لا غبار عليه، إذا تم هذا الحوار في جو يسوده الثقه المتبادلة وعدم التخوين.
نعود لأحداث الجمعه الماضية، حيث يمكن رؤية ايجابيات -أراها أكثر- مثل:
  • نزول قطاع من المصريين -أقصد السلفيين والاسلاميين الغير مسيسين- لم نره من قبل بهذه الكثافه، وطبعا قد نرى سلوكا يغلب عليه الكثير من العاطفه والقليل من الحسابات السياسية، وهؤلاء ليس الحل معهم هو التفزيع منهم والتخويف منهم بل الاستفادة من هذه العاطفه وتوجيها للوطن من خلال الحوار. فلا خيار لدينا الا الحوار مع بعضنا البعض. حوار يصلح أخطاء الممارسة ونتعلم من بعضنا البعض. وليس الحل في إقصاء  طرف لطرف آخر.
وأرى أن هناك مسؤلية كبيرة على الاخوان المسلمين وحزب الوسط والاسلاميين المستقلين مثل د/ العوا وغيره، فى عمل "معبر" بين هذا القطاع الكبير من الشعب المصري وبين باقى قطاعات الشعب. فالاخوان وغيرهم يحوزوا على قدر من الثقة لدى السلفيين ولدى الليبرالين فى نفس الوقت. فدورهم كبير ومسؤول فى ترشيد الفعل السياسي للطرفين وتقريب وجهات النظر.
  • من الايجابيات أيضا فى خروج هذا العدد الضخم جاء رسالة الى البعض -المخلصين لوطنهم- الذين ظنوا فى غمرة حماسهم للوطن أنهم قد يتحدثوا نيابة عن الشعب كله، فجاءت هذه الحشود لتنبيه النخبة السياسية -خصوصا المسيطرة على الاعلام- أن هناك طرفا أصيلا فى المجتمع له رؤية -قد نتفق أو نختلف حولها- لابد أن يعمل حسابه ولا يجوز إقصاءه.
  • من الايجابيات أننا كشعب بدأنا نتعرف على بعضنا البعض، لأن سنوات القهر الماضية كان النظام يحاصر كل فصيل ويجعله يتقوقع على نفسه ويتحدث ويتحاور مع نفسه، ويتوجس من الطرف الآخر ويبنى صورة ذهنية عن هذا الطرف أو ذاك فيها القليل من الحقيقة والكثير من التشويه والتصورات الخاطئة، وكان النظام يخوف كل طرف من الاخر لكى يستمر هو بدعوى أنه حامى البلد من الفتن. فالآن وبعد حدوث الثورة المباركة بدأ كل فريق يتعرف على الآخر. ومايحدث الآن أمر طبيعي لأناس تتعرف على بعض لأول مرة.
فلا حل أمامنا إلا الحوار وأن يسمع بعضنا للبعض، ليس من خلال برامج التوك شو والتى -فى بعضها- تقتات على هذا الخلاف وتزكيه وتزيده، بل لابد من الجلوس مع بعضنا البعض فى ورش عمل وجها لوجه ونتجادل ونتفاعل حتى نصل لتوافق يحفظ وطننا ويدفعه للأمام فى بناء مصر القوية المتقدمة.

السبت، 30 يوليو 2011

معضلات فى طريق الثورة ……… معتزبالله عبدالفتاح


ثورتنا حتى الآن سياسية (أى ضد الساسة الذين كانوا يحكموننا)، ولكنها ليست ثورة فكرية أو أخلاقية بعد. لم نزل نفكر فى أغلبنا بنفس الطريقة القديمة. 
أغلب المصريين يعيشون معضلة «المأزق المفتعل» (false dilemma) وهى تقوم على افتراض أن أى سؤال له إجابة واحدة صحيحة وإجابة واحدة خطأ. وبما أن الكثير من الأمور الفكرية والثقافية والدينية تتأبى على هذا الافتراض، فإن الإنسان صاحب هذا المأزق المفتعل يفترض أنه هو مركز الإجابة الصحيحة. وكل من هم عن يمينه مخطئون وكل من عن يساره مخطئون.
لى خبرة مباشرة تؤكد أننا مصابون (بدرجة ما) بهذا المرض. فقد وصفنى البعض بحدة بأننى إخوان (أو على الأقل خرجت من عباءتهم). وقد وصفنى آخرون بأننى علمانى متغرب (أو على الأقل مهزوم نفسيا تجاه الغرب)، ثم بدأت موجة انتقادى لأننى «محامى الجيش» وكأنه جيش إسرائيل، مع أنه الجيش الذى نريده جميعا أن يترك الحكم فى أقرب فرصة وبأسرع وقت، وهو وعد بهذا. ثم أجد من ينتقدنى كذلك لأننى «دافعت عن حركة 6 أبريل» التى ثبت للبعض، أنهم «خونة وعملاء.» وهو ما لا أقبله إلا ببينة دامغة، وحتى الآن لم أر أمامى هذه البينة.
وما يزعجنى حقا أن البعض يتبنى استراتيجية هادمة لذاتها (self-defeating strategy) يريدون أن يتخلصوا من الحكم العسكرى ويتخذوا كل التدابير التى تطيل فترة بقاء العسكر فى السلطة.
يطالبون بتمديد فترة الحكم العسكرى الانتقالى، وفى نفس الوقت يسعون للصدام مع المجلس العسكرى ولا أدرى هل هم واعون بأنهم قد ينتهون إلى أن البلد كله يغرق فى الفوضى. 
●●●
وهناك معضلة أخرى، اهتم باحثو علم الاجتماع السياسى فى أمريكا اللاتينية فى دراستها وهو ما سموه: تفاوت المكانة الاجتماعية والسياسية للثائرين. ولا أعرف مدى إمكانية انطباق هذا التحليل على حالتنا، ولكن طرح الفكرة وارد حتى من باب التأمل الذهنى؛ فالثائر يتحول إلى نجم وزعيم سياسى. وإن لم يصل إلى السلطة فيكون مطالبا بأن يعود إلى الحياة المدنية التقليدية فى مكانه ومكانته المجتمعية التقليدية؛ فلو كان مهندسا أو محاميا سيعود فى أعقاب الثورة إلى وضعه الطبيعى له مدير وله زملاء وتحكمه اللوائح والقوانين بما فيها من حضور وانصراف. إذن هو يقع فى مفارقة أنه بين الثائرين «زعيم» تستضيفه الفضائيات ويحضر الندوات ويجلس مع الوزراء والقيادات. وبعد أن ينتهى كل هذا يكون مطالبا بأن يعود إلى مكتبه أو شركته لتنطبق عليه القيود البيروقراطية المعتادة. 
إذن الثائر لا شعوريا يرى أن مكانه الذى يحقق فيه مكانته هو فى الثورة وبين الثائرين، وليس فى المكتب بين الموظفين. هذا ما يفسر لماذا قال لى بعض الأصدقاء، الذين لم تأخذهم أضواء الثورة، أنهم يستغربون كيف انقلب حال ميادين التحرير من ساحة لتلاقى الجميع لساحة لبعض الناس (ولا أقول كل الناس) الذين لا توجد لديهم مهنة أخرى غير الثورة والتظاهر والاعتصام.
هذا الدافع النفسى لا يغفل أن الكثير من الشباب الثائر لهم مطالب مشروعة جدا، بل لولا أنهم طالبوا بها لما وجدنا هذا التسارع فى تغيير وزراء ومحافظين والتطهير والإسراع فى المحاسبات. ولهذا لابد من شكرهم. ولكن هناك معضلة ترتبط بأن البعض يشكرهم، وفى نفس الوقت ينتقدهم، رغما عن أنهم، من وجهة نظرهم، استخدموا نفس الأدوات التى أدت إلى الشكر والمديح مرة وإلى النقد والتقريع مرة أخرى. هل من طريقة ما لفهم هذه المعضلة؟
طبعا. هذه هى «البرجماتية التجريبية». الثورة كفكرة، كما يقول ايريك هوبسبوم، هى أكبر تجربة يمكن لمجتمع أن يخوضها.

وككل تجربة، وككل قراءة برجماتية، فالحكم عليها يكون بنتائجها. الاعتصام المفضى إلى نتائج إيجابية، هو اعتصام جيد ونبيل وخير. والاعتصام المفضى إلى نتائج سلبية، هو اعتصام سيئ ومعيب وشرير. 
قياسا على مدخل ايريك هوبسبوم فى تحليله للمحاولات الثورية. لو كان فشل انقلاب 1952 لكان وصف جمال عبدالناصر والتسعين ضابطا الذين معهم أنهم خونة وخارجون على القانون. ولو كانت الأسود هى التى نجحت فى ترويض الإنسان لكانوا كتبوا التاريخ بطريقة مغايرة قطعا.
ولأن التجربة الثورية يمكن أن تفضى إلى نقيضها، مثلما هو الحال مع الحجر الضخم الذى ينزل مندفعا من قمة الجبل، فإن أى حجر صغير يمكن أن يحول مسار الحجر الضخم. لذا الثورة لا بد أن يعقبها مرحلة من التفكير الهادئ والعقلانى الذى يتبنى قيم وأهداف الثورة ولكن يديرها بالطريقة التى تحققها، لأن الثائرين «جوعى» (والتعبير لهوبسبوم)، ويريدون الجائزة حالا. وكل الثورات هدأت ولكن بعضها يهدأ بعد سنوات من الثورة الدائمة ومن هنا جاء التعبير الشهير لأنتونى جيدينس «الثورة تأكل أبناءها،»، مثلما حدث فى فرنسا وفى الصين وروسيا وإيران والبرازيل حين تقاتل الثوار من أجل من يحصل على الجائزة الكبرى وهى حكم البلاد وكان القتال دمويا ولعدة سنوات.
وهو ما نجا به الله مصر بفضل الطريقة التى أديرت بها هذه المرحلة الانتقالية. وستظل فترة ملتبسة حتى بعد عشرات السنين، ولكن ضعونى فى خانة من يذكر للقوى الثورية إجمالا أنها كانت راقية فى سلوكها، وللمجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه اجتهد وأصاب كثيرا وأخطأ أحيانا.
انتقدوا المجلس العسكرى كيفما تشاءون، قولوا فيه ما قال مالك فى الخمر. ولكن عندى من حمى الثورة ورفض أن يقتل أبناءنا، سواء لحسن خلق وفضيلة، أو لقراءة ذكية وواقعية لموازين القوى، أحسن فعلا. ومن يرد أن يطهر مصر من أمراضها، فليبدأ بتطهير بيته، وليقنع أباه وأمه وأخاه بأن يتوقفوا عن الرشوة وسوء الخلق، وليتوقف هو عن الإهمال فى عمله أو المبالغة فى النيل من الآخرين لمجرد أنهم يختلفون معهم فى الرأى.
«كن التغيير الذى تريد أن تراه فى الآخرين»، كما قال غاندى. ابدأ بثورة فى ذاتك وفى المحيطين بك، إن كنت جادا فى تطهير مصر، طهِّر من يقعون فى دائرة تأثيرك أولا وابدأ بنفسك. 
●●●
إن القوات المسلحة تقوم بدور مؤقت وضرورى، وهو حماية البلاد من الاقتتال المحتمل بين قواها السياسية المختلفة نتيجة غياب المؤسسات، وإدعاء الكثيرين بأنهم الثورة وأنهم الشعب وأنهم العارفون الحقيقيون بمصالح البلاد. أعاتب قيادات المجلس العسكرى، فى السر، أكثر مما أفعل فى العلن، لأن المهاجمين فى العلن كثيرون، ولكن المضمون لا يكون عادة مختلفا.
أختلف مع بعض القيادات وأتمنى منهم أن يكونوا أكثر استجابة وأسرع تفاعلا مع نبض الشارع، لكن فى نفس الوقت هم حماة هذا الوطن من أعدائه ومن أبنائه حتى يأتى اليوم الذى يغادرون فيه السلطة كما وعدوا وكما نريد.

الجمعة، 29 يوليو 2011

المحافظ والثائر والراكب والمندس ….. د/ معتز بالله عبدالفتاح

قال لى صديق: «الشعب سرق الثورة من الثوار». وتركته يسترسل فقال: الثوار قاموا بالثورة والشعب أيدها، ولكن الشعب لم يعد يريد الثورة مرة أخرى. هو يريد الاستقرار.
وككل أصحاب الفكر المحافظ فهم يميلون لتغليب الخبرة على التجربة، كبار السن على صغار السن، الإصلاح البطىء على الإصلاح الجذرى. يشكو من الوضع الراهن، ولكنه غير مستعد على أن يتركه لوضع آخر، ما لم يكن يعرف تفاصيل هذا الوضع الآخر، وكيف سيصل له. وهو عكس كل ما يؤمن به الثائرون.
ولكن هذا ما كان ليؤدى إلى مشكلة لولا أن الثورة أصبحت مشاعا لكل من يتحدث باسمها، وهنا ظهر «راكب الموجة» وظهر «المندس».
أما راكب الموجة فهو الذى يعتبر أن المرحلة الانتقالية (بما فيها من غياب مؤسسات الدولة التمثيلية وعلى رأسها البرلمان، وضعف فى مؤسساتها القمعية وعلى رأسها الشرطة). هى فرصته لكى يأخذ حجما أكبر من حجمه، وأن يتحدث بلسان الزعامة، وأن يثبت حالة «النضال» التى هو عليها قبل أن تأتى الانتخابات لتكشف الأوزان النسبية الفعلية للجميع.
أما المندسون، فهم فئة ممن «يتظاهرون بالتظاهر» من أجل التصعيد وصولا إلى مواجهة حقيقية بين الجميع ضد الجميع. ويبدو أنهم ناجحون فى أن يتخفوا بمهارة شديدة، بحيث إن حديثى مع شباب الثورة يؤكد أنهم يعلمون بوجودهم ولكنهم غير قادرين على تحديدهم من الناحية الفعلية.
إذن المعادلة فى الشارع أصبحت رباعية:
  • أغلبية من الشعب تريد الاستقرار ولم تعد مستعدة لثورة أخرى حتى لو جاءت كنوع من استكمال الثورة الأولى،
  • وقيادات الثورة من الكبار والصغار الذين يرون أن الثورة لن تؤتى جدواها إلا بمزيد من الضغط الشعبى (والتجربة أثبتت لهم أنهم على صواب)،
  • وفئة ركبت الموجة وأصبحت تزايد على الثوار والثورة من أجل تحقيق مصالحها ومطالبها هى قبل أن تدخل انتخابات مجلسى الشعب والشورى وتنكشف ومعها كتيبة الإعلاميين والصحفيين الذين يخلطون الحقيقة بالخيال ويتغذون على نقص المعلومات (الذى هو نقص حقيقى ولكنه ليس مبررا لاختلاق القصص والروايات)،
  • وأخيرا الفئة المندسة، التى يطلق عليهم البعض فلولا للحزب الوطنى ممن قرروا ضرب الثورة فى مقتل بدفعها نحو الهاوية بالدخول فى معركة مع المجلس العسكرى ومع أغلبية المواطنين.
ثلاثة دروس ينبغى أن نتعلمها: 
أولا: ما حدث فى العباسية لا ينبغى اختزاله فى أن مجموعة بلطجية أو قوى محسوبة على المجلس العسكرى أو الشرطة هى التى ضربت المتظاهرين المتوجهين إلى مقر وزارة الدفاع. هذه قراءة سطحية جدا، لأن هناك الملايين من المصريين الذين يعتبرون أن الجيش «آخر عمود فى البيت» وأن «الثوريين مخربون يعطون لأنفسهم الحق لأن يتكلموا باسم الجميع بدون سند شرعى» على نحو ما سمعت من البعض. إذن على الثوار أن يحذروا غضبة الملايين، لأن ثورتهم وثورتنا ما كانت لتنجح لولا دعم هؤلاء.
ثانيا: معركة التطهير مستمرة، وستأخذ وقتها، ومن يعود إلى ثورة 1952، كما أوضحت فى عمود سابق لى، حتى وإن كانت أسرع فى قراراتها الاقتصادية والاجتماعية، ولكنها كانت أبطأ فى إجراءاتها السياسية والتطهيرية.
ثالثا: لو كان المجلس العسكرى يريد أن يظل فى السلطة، كما يقول البعض، لفعل كل ما يطلبه الثائرون وربما زايد عليهم حتى تخرج المظاهرات دعما وتأييدا له، ولكنهم يبدو أنهم فعلا صادقون فى عهدهم لنا. ولكن هل نحن صادقون فى عهدنا معهم ومع الوطن بأن نبنيه وأن نجتهد فى رفعته؟ سؤال مفتوح للجميع.

المليونية القادمة …… معتز بالله عبدالفتاح


جمعة الغد ينبغى أن تكون نقطة الانطلاق فى التعامل مع ثلاث فجوات، اتساعها سيكون خطرا.
أولا: فجوة ثقة بين المجلس العسكرى وقطاع من المواطنين بسبب:
فجوة بين المجلس العسكرى وقطاع من أجهزة الإعلام. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق «تسييس المؤسسة العسكرية» بأكملها وليس فقط المجلس الأعلى وما لهذا من نتائج سلبية على رؤية القيادات الأدنى للقيادات الأعلى ومن ثم تماسك هذه المؤسسة.
الحل: لابد من التزام أجهزة الإعلام أقصى درجات النزاهة، والكف عن تصوير الأحوال فى مصر وكأنها حرب جعلت الكثيرين يخافون حتى من زيارة مصر بحكم ما يشاهدونه وما يقرأونه.

فجوة بين المجلس وقطاع من ناشطى الثورة. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق اعتبار أن المجلس الأعلى استمرار لنظام مبارك، وأن على الثائرين إسقاطه.
الحل: آلية منتظمة للحوار بين القوى الوطنية المختلفة، بما فيها ناشطو الثورة، والمجلس العسكرى، وأن يأخذ المجلس العسكرى فى الحسبان رؤية الأحزاب الـ28 التى اقترحت نظاما انتخابيا مختلفا عما قرره المجلس العسكرى.

ثانيا: فجوة ثقة بين الحكومة وقطاع من المواطنين بسبب:
فجوة بين الأداء الحكومى فى بعض القطاعات على المستوى الوزارى ومستوى المحافظين وما كان مأمولا. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق «الحكومة الفاشلة» والذى يعنى ضمنا عدم نجاح الثورة فى أن تأتى بحكومة تعكس طموحات الثائرين.
الحل: لابد من تطوير العمل الحكومى بسرعة نسبية.

فجوة بين ما كان متوقعا من الحوار والوفاق الوطنيين كنقطة التقاء حقيقية بين القوى السياسية المختلفة وبين ما شهدناه من انسحابات وانشقاقات. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع سيؤدى إلى مأزق «الاستقطاب الحاد» بدون آلية حوار فعالة تدير الخلافات والاختلافات فى الرؤى.
الحل: لابد من تطوير آليات أخرى للحوار وعلى رأسها انتخابات نقابية من أجل أن يحدث حوار داخل أبناء المهنة الواحدة.

ثالثا: فجوة ثقة بين القوى السياسية المختلفة بسبب:
فجوة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين. ولو استمرت هذه الفجوة فإن «الاستقطاب الحاد» قد يصل إلى «حرب أهلية سياسية» لن تكون عنيفة، ولكنها ستكون معطلة. لا نريد مجموعة 19 مارس ومجموعة 27 مايو على نمط 8 آذار و14 آذار.
الحل: التيارات الرئيسية داخل كل تيار فكرى مدعوة لأن تلعب دورا أكبر فى وقف هذا الاستقطاب.

فجوة ثقة بين الثائرين ومعارضى الثورة. ولو استمرت هذه الفجوة فإن الثورة نفسها لن تكون نقطة التقاء بيننا وإنما ستكون بذاتها واحدة من أسباب فرقتنا والتنازع بين قوانا السياسية.
الحل: لابد من التلاقى الفكرى والسياسى على أن الثورة كفعل سياسى وكقرار جمعى للمصريين أن تحدث لوقف النزيف الذى كان حادثا فى مجتمعنا، لكن معضلة ما بعد الثورة تحتاج منا سرعة أكبر وحوارات أكثر وآليات مؤسسية أكثر انضباطا.

الأربعاء، 27 يوليو 2011

هل يكفي القانون لضبط السلوك الإنساني؟ د/ يوسف القرضاوي


القانون أمر لابد منه لتنظيم شؤون الجماعة وتحديد علاقاتها، ولكنه لا يصلح وحده ضابطاً لسلوك البشر، لأن سلطانه على الظاهر لا على الباطن، ودائرته في العلاقات العامة لا في الشئون الخاصة. ومهمته أن يعاقب المسيء دون أن يستطيع مكافأة المحسن، على أن التحايل على القوانين ميسور، وتطويع نصوصها للأهواء مستطاع، والهرب من عقوبتها ليس بالشيء العسير، وإذا كان القانون عاجزاً عن أن يكون زاجراً عن الشر ورادعاً عن الجريمة والفساد، فإنه لأعجز وأعجز عن أن يكون دافعاً إلى خير أو باعثاً على حق أو حافزاً على عمل صالح.

ومهما افترضنا في القانون الإنساني من مطابقة العدل والحق، فإنه على كل حال ليس له قوة ذاتية وإنما قوته في "الحكومة" القائمة على رعايته وتنفيذه. ويقول السيد جمال الدين الأفغاني في هذه الحكومة، وأنها لا تكفي في إلزام النفس حدود العدل "ليس بخاف أن قوة الحكومة إنما تأتي على كف العدوان الظاهر، ورفع الظلم البين، أما الاختلاس والزور المموه والباطل المزين والفساد الملون بصبغ من الصلاح، ونحو ذلك مما يرتكبه أرباب الشهوات، فمن أين للحكومة أن تستطيع دفعه؟ وأنى يكون لها الاطلاع على خفيات الحيل، وكامنات الدسائس ومطويات الخيانة ومستورات الغدر حتى تقوم بدفع ضرره؟..
على أن الحاكم وأعوانه قد يكونون، بل كثيراً ما كانوا ويكونون ممن تملكهم الشهوات، فأي وازع يأخذ على أيدي أصحاب السلطة، ويمنعهم من مطاوعة شهواتهم المتسلطة على عقولهم؟ وأي غوث ينقذ ضعفاء الرعايا وذوي المسكنة منهم من شره أولئك المتسلطين وحرصهم؟". ويقول أستاذنا الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه «الدين»: "لا قيام للحياة في الجماعة إلا بالتعاون بين أعضائها، وهذا التعاون إنما يتم بقانون ينظم علاقاته، ويحدد حقوقه وواجباته. وهذا القانون لا غنى له عن سلطان نازع وازع، يكفل مهابته في النفوس، ويمنع انتهاك حرماته".

الإنسان يساق من باطنه
ونقرر أنه ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين، أو تدانيها في كفالة احترام القانون وضمان تماسك المجتمع، واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه.

والسر في ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الحيوانات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمعه ولا بصره، ولا يوضع في يده ولا في عنقه. ولا يجري في دمه ولا في عضلاته ولا في أعصابه، وإنما هو معنى إنساني روحاني اسمه الفكرة والعقيدة، ولقد ضل قوم قلبوا هذا الوضع، وحسبوا أن الفكر والضمير لا يؤثران في الحياة المادية والاقتصادية بل يتأثران بها. ( يقصد الماركسيين ).

أجل إن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره، وليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تحترم فيها الحقوق وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل، فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية. لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة القانون.

يقول الدكتور المرحوم محمد عبد الله دراز في كتاب «الدين» : (ومن الخطأ البين أن نظن أن في نشر العلوم والثقافات وحدها ضماناً للسلام والرخاء وعوضاً عن التربية والتهذيب الديني والخلقي، ذلك لأن العلم سلاح ذو حدين يصلح للهدم والتدمير، كما يصلح للبناء والتعمير، ولابد في حسن استخدامه من رقيب أخلاقي يوجهه لخير الإنسانية وعمارة الأرض لا إلى الشر والفساد ذلكم الرقيب هو "العقيدة والإيمان") .
 
———————————————————————–
من كتاب "الإيمان والحياة" للدكتور يوسف القرضاوي- الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع - تاريخ النشر 1/1/1998.

أخذ الحق صنعة ………… بقلم بلال فضل


وعدتك بالأمس أننى سأشرح لماذا أختلف مع الذين يقومون بالتصعيد مع المجلس العسكرى، وها أنا أحاول، وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.

شوف يا سيدى، على حد معلوماتى المتواضعة لم تندلع فتنة فى التاريخ لأن مجموعة من الناس خرجت على الملأ وأخذت تصرخ بعلو صوتها «نحن دعاة فتنة.. هيا إلى الفتنة»، دائما تندلع الفتن على أيدى أناس يعتقدون أن لديهم كل الحق فيما يطلبونه، ودائما تندلع الفتن عندما يعتقد الجميع أن لديهم كل الحق فيما يطلبونه، ولا يكون لدى أى أحد الاستعداد على أن يهدأ قليلا وينقد ذاته ويفكر فى عواقب أفعاله وأقواله.

مع الأسف الفتنة الكبرى فى تاريخ الإسلام اندلعت على أيدى أناس لم يكونوا جواسيس ولا متآمرين بل كانوا أناسا صالحين عبادا وراعين أتقياء، وهم لم يكونوا يطالبون بمكاسب شخصية لأنفسهم، على الأقل لم يكن هذا الخطاب المعلن، بل كانوا يطالبون بالقصاص للخليفة الراشد ذى النورين عثمان بن عفان مشهرين قميصه الملطخ بدمائه فى وجوه كل من يعارضهم مزايدين حتى على علىّ بن أبى طالب، كرم الله وجهه، سأترك لك الرجوع إلى كتب التاريخ الموثقة لتأمل التفاصيل المؤسفة، لكننى سأذكرك أن النتيجة كانت فى النهاية القضاء على الخلافة الراشدة وإعطاء الشرعية لملك عضوض مستبد كان هو بداية المأساة التى حلت بالمسلمين، التى ما زلنا نعيشها حتى الآن.

نعم، أعرف أنه ما ضاع حق وراءه مطالب، لكننى أعرف أيضا أن أخذ الحق صنعة، وأن حقوقا كثيرة ضاعت لأن المطالبين بها لم يتقنوا صنعة أخذها، وأعرف أن الثورة لا يصح أن تكون حالة تصيب الإنسان، بل يجب أن تبقى روحا تلهمه وهو يفكر، وأن من يضع الملح على جروح أهالى الشهداء لكى يدفعهم إلى تصعيد غير محسوب مثله مثل الذى لا يضع فى عينيه حصوة ملح ويتعامل مع دمائهم بكل كلاحة الدنيا وبرودها.

إذا كنت حريصا على أن يدفع قتلة الشهداء الثمن غاليا، فاحرص على أن تنتقل مصر إلى الديمقراطية فى أسرع وقت، لأن ذلك هو السبيل الوحيد إلى معالجة كل المشكلات التى نعانى منها الآن، ليس فقط لأن وضع مصر قدميها على أول طريق الديمقراطية هو وحده الذى لن يجعل دماء الشهداء تضيع هدرا، بل لأن الديمقراطية هى التى ستجعل صانع القرار المنتخب يزيل كل العوائق القانونية التى ستحول أى محاكمات لقتلة الشهداء إلى مهزلة، وهو الذى يمكن أن يحقق لنا كل ما نتمناه من تطهير للقضاء والأمن والإعلام وكل ما نريد له تطهيرا.

يمكن أن تغير الثورة أشياء كثيرة ليس من بينها على حد علمى الشروط الأساسية لأن تكون بشرا، ومن بينها أن لا تصدر حكما على شىء قبل أن تجمع عنه الحد الأدنى من المعلومات الصالحة لإصدار حكم. طبعا يبدو لك هذا الكلام فلسفة ماسخة ليس لها طعم، عندك حق، ليس هناك ما هو أحلى من الهتاف، الهتاف حلو ومريح ورائع وجميل ونبيل ويسقط الأنظمة، لكنه مع الأسف لا يبنى بالضرورة أنظمة أخرى صالحة لإدارة الدول.

مع الأسف أعرف كثيرين الآن يمتنعون عن إبداء أى آراء عاقلة أو تتسم بالحكمة أو تدعو للتفكير لأن ذلك يمكن أن يجلب لهم الشتائم والاتهامات بالخيانة والجبن، وأنا أعتبر أن من يمتنع عن قول ما يرى أنه الحق هذه الأيام لكى يظهر بمظهر البطل الصنديد هو الذى يخون نفسه وضميره وبلده، ولذلك أقول ما سبق أن قلته مرارا وتكرارا: أى صدام عنيف مع المؤسسة العسكرية لا يوجد له أى مبرر ولا هدف ولن يؤدى إلا إلى الخراب، ومن السخافة أن أكرر أن الصدام لا يعنى الانتقاد ولو كان عنيفا، وراجع مقالاتى إذا كنت مهتما بتكوين رأى موضوعى، أنا أعنى الصدام بمعناه المادى الذى يتصور أن الجيش المصرى يجب أن تتم معاملته مثلما تمت معاملة جهاز الشرطة لمجرد أننا نختلف مع الأداء السياسى لقياداته، أرجو أن تقرأ ما بين السطور عندما أقول لك إننى لا أحب ولا أتمنى أن يتم توظيف المشاعر التى تدعو إلى حق من أجل خدمة باطل ينصر هذا على ذاك، أو يدخلنا فى نفق لا ندرى كيف سنخرج منه، وأزعم أنه لا أحد من الذين يقودون حملات التسخين والتحريض المطالبة بإسقاط المجلس العسكرى يمتلك تصورا واضحا لما يمكن أن يتم فعله، على الأقل لكى يعطينا فرصة لكى نتفق معه ونحن مرتاحو الضمير أن ذلك لن يلحق الضرر بالبلاد.

أقولها ورزقى على الله، إذا كان هناك من يريحه اندفاع الأدرينالين فى عروقه الثورية، فعليه أن يفكر قليلا فى مصير البلاد، ويدرك أن هذه الثورة لم تقم لهدم الدولة المصرية، بل قامت من أجل هدم النظام، وإذا كان لديك من النزق ما يجعلك تستريح عندما تردد كلاما فارغا من نوعية أن «الثورة تمت سرقتها ولم تحقق شيئا وهى عملت إيه يعنى» فلن أطلب منك أن تتقى الله وتتذكر ما كنت تحلم بحدوثه فى أيام الثورة، سأقول لك فقط إن هذه الثورة ستكون أنجح ثورة فى تاريخ مصر لو حققت لمصر هدفا واحدا هو أن يحكمها لأول مرة فى تاريخها الطويل حاكم منتخب فى انتخابات حرة سنقاتل لكى نضمن نزاهتها.

يا سيدى إذا كنت تريد أن تهتف «يسقط يسقط حكم العسكر»، فسأهتف معك من كل قلبى بشرط أن نكون متفقين على أنه سيسقط بالانتخابات وليس بمعارك الشوارع، إذا كنت تريد تطهير أى شىء فى هذه البلاد فذلك لن يحدث على أيدى أناس ينتمون إلى عصر فات ويمتلكون عقليات عجوزة وأرواحا شائخة وهمما فاترة، لن يحدث إلا بإعلان القطيعة الكاملة مع الماضى، ولن تتحقق القطيعة الكاملة مع الماضى إلا عندما يصل إلى كراسى الحكم والبرلمان أناس أتى بهم الشعب باختياره الحر، أيا ما كان اختياره، أما إذا كنت من أنصار مدرسة أن الشعب مش عارف مصلحته، وأن الانتخابات الحرة يمكن أن تأتى بأناس يخربون البلد، فأنت لا تفرق شيئا عن العسكر الذين تهتف ضدهم.

اللهم الطف بمصر من كل حق يراد به باطل، ومن كل باطل لا يجد وسيلة أنجع ولا أنجح من الاختباء فى صفوف من يظنون أن معهم الحق

الثلاثاء، 26 يوليو 2011

قبل وبعد الحكومة…….. معتز بالله عبدالفتاح

البعض يبالغ فى الهجوم على الحكومة الجديدة والبعض يبالغ فى توقعاته منها. والحقيقة وسط بين هاتين، لأن الإنسان قد يكون ثوريا قبل الحكومة ويصبح أقل ثورية بعد أن يصبح وزيرا مثلا.
لماذا؟ بافتراض أن الشخص لم يفسد أو يتكسب من منصبه خروجا على القانون، فهناك أربعة أنواع من المتغيرات التى تجعل الإنسان أقل قدرة على تفعيل «ثوريته» بعد أن يدخل إلى دولاب العمل الحكومى.
أولا المتغيرات الإنسانية: أنت إنسان، تفكر بسرعة الضوء، ولكن حين تبدأ فى تنفيذ ما تريده ستكون أبطأ بحكم إنسانيتك، وحين يكون ما تريده يرتبط بشخص آخر معك، ستكون أكثر بطئا فى التنفيذ. ماذا لو كان ما تريد تنفيذه يرتبط بجموع من البشر؟ قطعا ستكون أكثر بطئا، لأن العمل الجماعى له ديناميكيات وتفاعلات تتعقد لمجرد زيادة العدد، إلا إذا كنت تقود مجموعة من مسلوبى الإرادة والعاجزين عن التفكير، ناهيك عن الراغبين فى تعطيلك وتضليلك.
ثانيا المتغيرات القانونية: من يعمل فى محل بيع مأكولات يستطيع أن يرفت أو يستخدم من يشاء فى توقيت سريع، لأن «من حكم فى ماله ما ظلم». لكن داخل العمل الحكومى سيكون هناك عدد من الناس مفروض عليك بحكم القانون؛ فهناك مديرو عموم ووكلاء وزارة وغيرهم. طبعا يمكن نقلهم أو عقابهم، لكن المسألة ستحتاج أن تجمع الأدلة ضدهم وتثبت عليهم ما يدينهم حتى لا يرفع أحدهم عليك قضية مثلا لإساءة استخدام سلطاتك. فلا ينس أحد أنه هو شخصيا موظف بدرجة أعلى من موظفيه وليس صاحب العمل. ونفس الأمر لو أردت أن تستبدل ماكينة مكان ماكينة أخرى، فهناك إجراءات لا بد من استيفائها وصولا لمناقصة علنية. وهذا كله يتطلب جهدا ووقتا.
ثالثا المتغيرات الأمنية: هذه دولة، وليست عزبة، حتى وإن كانت تدار فى مرحلة ما بمنطق العزبة. من الذى قال لك إن الشخص الذى يخرج عليك ليل نهار يتحدث عن الفساد فى قطاع كذا، والسرقة فى قطاع كذا، هو نفسه غير فاسد وغير سارق ويريد أن يتمكن من المنصب الأعلى حتى لا يكتشف فساده؟ ومن الذى قال لك إن من تعتقد فيه حسنا، ليست عليه مؤاخذات شديدة فى عمله، ولكن اعتبارات أمنية عديدة تفرض السرية حولها؟ هذا ليس اتهاما لأى شخص ولكن هكذا تفكر الأجهزة الأمنية والسياسية.
رابعا المتغيرات الثورية: الثورة الأخيرة فرضت علينا تصنيف الناس إلى «فلول» أو «لا فلول». وبحكم التعريف، عند البعض، أنت «فِل» حتى تثبت العكس، والإثبات يكون بعطائك للوطن وعدم تورطك فى أعمال يمكن أن تدان بسببها سياسيا أو إدرايا أو ماليا، ولكن الأعقد الآن هو أن تثبت أنك لست «فِلا» «باللسان». كيف هذا؟ أن تبدأ فى الطعن على الآخرين واتهامهم بأنهم «فلول» والمزايدة عليهم كضربة استباقية من قبيل «أبلغ عنه للرأى العام قبل ما يبلغ عنى». وهنا نكتشف أن البعض لا يلتحق بالعمل الحكومى، لأنه لا يضيع وقته، والأهم وقت الآخرين، فى مناقشة إذا كان «فِلا» أم لا لأنه مشغول بالمستقبل. المعضلة أن الكثير من هؤلاء الشرفاء لن يتعاون مع الجهاز الحكومى، لأن حملة تشويههم ستضيع الهدف الأصلى من وجودهم فى منصب حكومى.
من سيحكمنا بعد انتخابات نوفمبر المقبل سيكون عليه أن يعد العدة لما سيواجهه. ويمكن اعتبار هذا العمود فقط انذارا مبكرا.

أزمة الشرعية فى مصر…….. فهمي هويدي

بعد مضى ستة أشهر على إسقاط نظام مبارك، هل يصح أن نقول إن ركوب الثورة بات مقدما على إنجاحها، وإن شرعية تمثيلها أصبحت محل شك كبير؟
(1)
هذا الكلام يحتاج إلى ضبط كى لا يساء فهمه، من ناحية لأن ذلك الذى نتساءل عنه ما كان له أن ينشأ لولا خصوصية وضع ثورة 25 يناير التى صنعتها الجماهير الغفيرة التى لم تكن لها قيادة أو مشروع واضح المعالم، ثم إنها فرضت نفسها وسط فراغ سياسى مخيم، لذلك كان طبيعيا أن تشكل التجمعات والائتلافات فى وقت لاحق وتتسابق لملء ذلك الفراغ، وبسبب التردد والبطء النسبى فى اتخاذ القرارات من جانب المجلس العسكرى، فقد زادت أهمية تلك التجمعات التى تحولت إلى عنصر ضاغط كان له اثره الفعال فى إنجاز بعض الخطوات المهمة التى جاءت ملبية لمطالب الذين خرجوا يوم 25 يناير (تصفية أركان النظام السابق ــ تطهير وزارة الداخلية من قتلة الثوار ــ رعاية أُسر الشهداء ــ علنية محاكمات المسئولين عن الفساد السياسى والمالى.. إلخ) بالتالى فإن من الظلم البيّن الإدعاء بأن التجمعات والائتلافات لم تفعل شيئا، لأنها أدت دورا مهما، إلا أنها لا ينبغى أن توضع كلها فى سلة واحدة، حيث فيها الاصيل والدخيل والبرىء وغير البرىء والحقيقى والوهمى، هذه التمايزات تسوغ لنا أن نتحفظ على تعميم كله «الثوار» على الجميع كى لا يساء استخدامها او ابتذالها، فى هذا الصدد فإننى افرق بين الذين خرجوا إلى الميادين يوم 25 يناير وظلوا صامدين فيها حتى أسقطوا نظام مبارك وأرغموه على التنحى فى ١١ فبراير، وبين المتظاهرين الذين التحقوا بالأولين بعد ذلك، وشاركوهم الغضب لسبب أو آخر، فافترشوا الميدان واعتصموا واعتلوا المنصات وتسابقت عليهم وسائل الإعلام، التى فتن بعضهم بها وتعلقوا ببريقها، وهؤلاء وهؤلاء يختلفون على المنتحلين الذين تقاطروا على الميدان من كل صوب وتراوحت دوافعهم بين البراءة وغير البراءة.
من ناحية أخرى فإننى لا أريد أن أعمم ملاحظاتى على الجميع، وأقر بأن معظم تلك الملاحظات مستقاة من المشهد الراهن فى ميدان التحرير، الذى يستأثر بالأضواء وبالاهتمام الاعلامى والدبلوماسى، ويراه كثيرون رمزا ومرآة للثورة، فى حين اننى ادرك جيدا أن الصورة اكثر جدية ونقاء فى محافظات الدلتا والصعيد، التى هى أبعد عن مظان الغواية والفتنة، وهو ما يدعونى إلى القول إن الصورة فى ميدان التحرير بالقاهرة وحتى فى الإسكندرية، إذا اعتبرت ناطقة باسم ثورة 25 يناير، إلا أنها من بعض الزوايا ليست أفضل ولا أصدق تعبيراً عنها.
(2)
بوسع أى واحد وابن عمه وزوجته وأولاده القصر أن يشكل «ائتلافا» ينسبه إلى الثورة وأن يقدم نفسه بحسبانه «ناشطا»، وأمامه وسيلتان لإشهار الائتلاف، الأولى أن يتعرف على احد مندوبى الصحف أو معد من البرامج الحوارية وما أكثرها، أو أن ينشئ لنفسه موقعا على الإنترنت يبث من خلاله ما يشاء من آراء وبيانات «ثورية». واذا اعتبر نفسه ليبراليا ومدافعا عن الدولة المدنية ومنضما إلى جوقة المهاجمين للإخوان والسلفيين والتيارات الدينية، فإنه سيجد من يحتفى به وينقل مقر إقامته من بيته أو المقهى الذى اعتاد الجلوس عليه، بحيث يصبح زبونا فى استوديوهات التليفزيون ولأن كل شىء صار مباحا فبوسعه أن يكتسب شعبية واسعة إذا زايد على الجميع واستخدم ألفاظا جارحة فى نقده لرئيس الوزراء واحتشم قليلا، ولم يطلب من المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى سوى الاستقالة، بعدما غمز فى قناة المجلس العسكرى واعتبره جزءا من الثورة المضادة.
ليس فى هذا الكلام أى مبالغة، ذلك انه إذا كان فى الميدان الآن 130 ائتلافا كما ذكر «الناشط» جورج إسحاق للاهرام يوم الخميس الماضى 21/7، فأغلب الظن أن 80٪ من تلك الائتلافات على الاقل قد تشكلت بالطريقة التى ذكرتها، هذا اذا كان لها وجود اصلا.
عند الحد الأدنى، فثمة علامات استفهام كثيرة حول بعض تلك الائتلافات وجهات الاتفاق عليها، وفى حدود معلوماتى فإن شخصا واحدا شكل خمسة ائتلافات بأسماء مختلفة، كلها ثورية، ولست متأكدا مما قيل لى عن أن بعض الاجهزة شكلت ائتلافات أخرى لخدمة أغراضها، ولأن الميدان مفتوح امام الجميع فليس مستغربا أن يحاول كل صاحب مصلحة مشروعة او غير مشروعة، أن يثبت حضورا من خلال ائتلاف يعبر عنه وخيمة ينصبها يقيمها فى قلب الميدان.
الساحة تبدو اكثر انفتاحا عبر الانترنت اذ بوسع أى احد أن ينشئ موقعا وهو قاعد فى بيته، ثم يقول إن عشرة الاف تضامنوا معه ويظل «الثائر» مجهولا، كما أن احدا لا يستطيع أن يتحقق من اعداد اولئك المتضامنين وما إذا كانوا اشخاصا حقيقيين أم وهميين.
ولعل كثيرين يذكرون أن بعض الناشطين اعلنوا عن حملة لجمع 15مليون توقيع لتأييد المطالبة بالدستور أولا، وقصدوا أن يكون الرقم متجاوزا الـ 14مليونا الذين صوتوا لصالح التعديلات الدستورية ولأن التوقيع يفترض أن يتم عبر الانترنت، فإن حامل الكمبيوتر ذكر بعد ساعات انه تلقى 300 ألف توقيع، وفى المساء قيل إن مليون شخص أيدوا المطلب، وفى اليوم التالى أعلن أن عدد الموقعين وصل إلى ثلاثة ملايين، وكانت تلك الاخبار تحتل مكانها على الصفحات الاولى للصحف المنحازة للموقف، ولكن يبدو أن الذين دبروا الحملة ادركوا أن الحيلة «واسعة» بعض الشىء فأوقفوها بعد ايام قليلة.
قصص الانتحال التى من ذلك القبيل كثيرة بينها قصة المذكرتين اللتين قدمتا إلى المجلس العسكرى ومجلس الوزراء وضمتا آلاف التوقيعات التى أيدت فكرة المطالبة بالدستور أولا، ثم تبين أن أغلب التوقيعات لشخص واحد وقلم واحد لم يتغير!
(3)
فى ظل النظام السابق كان يقال إن عشرين شخصا يحتكرون اغلب ثروة البلد وفى النظام الجديد لدينا اضعافهم يحتكرون الحديث باسم الثورة، كأنما كتب علينا أن نظل محلا للاحتكار من جانب فئة من الطامحين، والذى تغير لم يتجاوز اسماء المحتكرين وموضوع الاحتكار، من نماذج ذلك أن ينبرى اكثر من واحد من الطامحين لتشكيل وتمويل تجمع يضم أصدقاءه ومعارفه ومن لف لفه، ومن هؤلاء يشكل مؤتمرا تحت لافتة تحمل اسما كبيرا ورنانا، وهذا التجمع ينتخب الرجل أمينا ويرشحه ــ رئيسا ويباشر ذلك التجمع انشطة متعددة بدعوى انه يمثل الامة، هكذا مرة واحدة. 
قرأت بيانا لتجمع من هذا القبيل اصدر بيانا استهله بعبارات تقول: اثناء التحضير لمؤتمر مصر الأول والذى عقد يوم 7 مايو 2011 تحت شعار «الشعب يحمى ثورته» بحضور خمسة آلاف مشارك يمثلون جغرافيا كل مصر وجميع اطيافها السياسية والاجتماعية والثقافية، قدمت مجموعة العمل الوطنية لنهضة مصر الدستورية والقانونية التى تمثل خبرات رفيعة المستوى من الفقهاء الدستوريين وكبار القضاة والمحامين والقانونيين مشروع وثيقة لإعلان مبادئ الدستور المصرى القادم بعد ثورة 25 يناير، سميت الوثيقة واحد، تم طرحها للحوار الوطنى عبر موقع المؤتمر (المجلس الوطنى) لمدة ثلاثة اسابيع، وقد ورد على الموقع آلاف الاستجابات التى تمثل افكارا وآراء قيمة من جموع ابناء الشعب المصرى بجميع اطيافه، وتم ادراج هذه الافكار فى الوثيقة (2) التى عرضت فى الجلسة الاولى لمؤتمر مصر الاول، وشارك فى مناقشتها عشرات المشاركين من كل التيارات.
وقدمت مئات من المقترحات البناءة حول ما ورد فيها، وتمت اضافة العديد من هذه الافكار القيمة والمبادئ المهمة، فكانت الوثيقة (3) التى عرضتها جريدة الشروق ليتواصل الحوار الوطنى حول ما تضمنته من مبادئ وافكار دستورية لرسم معالم شرعيتنا الدستورية القادمة.
هذا النص يجسد فكرة الجهد الخاص الذى يتصدى باسم الأمة لصياغة الحاضر والمستقبل، لكنه يظل مفتقدا للشرعية رغم استخدامه أوصافا كبيرة رنانة. فصاحب المشروع تخير اناسا بذواتهم شكّل منهم ما سماه المجلس الوطنى وهذا المجلس دعا إلى مؤتمر مصر الاول، الذى قيل إن خمسة آلاف شخص شاركوا فيه يمثلون كل أطياف مصر السياسية والاجتماعية والثقافية، وقد قدمت اليهم مجموعة العمل الوطنية المختارة والتى ضمت ارفع خبرات الفقهاء الدستوريين وكبار القضاة والمحامين وهؤلاء رسموا معالم الشرعية الدستورية القادمة لمصر.
بعد ذلك التقديم اللغوى الفاخر الذى اريد به اسكاتنا وافحامنا وجدنا أن الشخصيات المحترمة المختارة قدمت لنا وثيقة اغرب ما فيها بندان: الاول يعبث بالمادة الثانية من الدستور ويضعف من الهوية الاسلامية لمصر، حيث يبقى النص على أن الاسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ويضيف اليه عبارة تقول: مع تأكيد هذا المبدأ بالضمانات الدستورية التى تكفل حق غير المسلمين فى الاستناد لمبادئ شرائعهم الخاصة كمصدر لتشريعات أحوالهم الشخصية، وهى إضافة تشكك فى عدالة النص الاول الذى يعد مرجعا ضامنا لحقوق غير المسلمين، ولم يحدث فى اى مرحلة من مراحل التاريخ المصرى أن كان سببا فى تعطيل اى حق من حقوق غير المسلمين، الأمر الذى يشكك فى براءة هدف تلك الإضافة.
البند الثانى يقتبس من الدستور العلمانى التركى الذى تجاوزوه هناك منذ اربعين عاما نصا يقضى بقيام القوات المسلحة وليس المجتمع بحماية الدولة المدنية والنظام الجمهورى الديمقراطى من اى انتهاك، وهى الفكرة التى حولت الجيش هناك إلى صانع للسياسة ودفعته إلى القيام بثلاثة انقلابات عسكرية واحد كل عشر سنوات.
هل يمكن أن يقال إن مواقف من ذلك القبيل تعبر بأمانة عن جميع الاطياف فى مصر، ام انها وجهة نظر تيار علمانى انتحل تمثيل الامة وأراد أن يفرض رأيه على المجتمع من خلال شخصيات لم يخترها ذلك المجتمع.
(4)
ليست لدّى مشكلة مع مثل هذه الوثائق، التى تعبر عن آراء واجتهادات يمكن أن تحترم، اتفقنا معها او اختلفنا، لكن المشكلة تنشأ حين يصر اصحاب تلك الآراء على فرضها علينا بدعوى انها تمثل كل اطياف المجتمع المصرى، إذ يحق لنا حينئذ أن نتساءل عمن ندبهم إلى ذلك وعن المعيار الذى لجأوا اليه فى ادعاء تمثيل المجتمع. ادرى أن القدرات المالية التى يتمتع بها البعض وزعيق الأبواق الإعلامية التى تعبر عنهم وامكانات ثورة الاتصال التى تيسر الوصول إلى دائرة واسعة من البشر، هذه كلها وسائل تثبت الحضور حقا لكنها لا توفر شرعية التعبير عن المجتمع خصوصا فيما يتعلق بنظامه السياسى ووثائق وخرائط مستقبله. وهو ما يسوغ لنا أن نقول إنه بعد ستة أشهر من الثورة فإننا فى مصر لم ننجح فى إقامة اى كيان يستند فى شرعيته على انتخاب الناس واختيارهم الحر ــ والحالة الوحيدة التى عبر الناس عن رأيهم فيها كانت الاستفتاء على التعديلات الدستورية التى لم يكن لها من هدف سوى انها وفرت لنا خريطة طريق لتأسيس المجتمع المدنى الذى يتشدق به الجميع ويهتفون له. ولكن لأن النتيجة لم تكن على هوى البعض فقد تم الطعن فى نتيجة الاستفتاء وجرى تشويه من أيدوه وتسفيه موقفهم.
الآن عرفنا لماذا قاوموا بشدة فكرة البدء بإجراء الانتخابات التشريعية، ولماذا يحاولون الاستباق والانفراد بصياغة الحاضر والمستقبل على النحو الذى يستجيب لأهوائهم وأطروحاتهم، ولماذا قبلوا بإطالة أمد استمرار العسكر فى السلطة وتأخير تسليمها للمدنيين، إلا أن ذلك لا يمنعنا من التأكيد على أن الانتخاب الحر المباشر هو السبيل الوحيد لاضفاء الشرعية على أى كيان سياسى يبغى تمثيل المجتمع أو كل مشروع يراد له أن يصوغ مستقبل النظام الجديد فى مصر.