الأربعاء، 6 يوليو 2011

للحقيقة وجه آخر .. محمد عفان


للحقيقة وجه آخر .. رسالة "لن تكون الأخيرة" إلى إخواني
في مثل هذا الصيف منذ عشرين عاما بالضبط كانت بداية اتصالي بجماعة الإخوان المسلمين شبلا من أشبالها.. ونظرا لأن هذه السنوات هي جل عمري بل كل عمري الواعي تقريبا فإن انتمائي لهذه الجماعة هو مكون رئيسي لشخصيتي بل ولهويتي الذاتية.. فبالرغم من التقلبات التي مرت علي طوال هذه السنوات إلا أن واحدا من أهم الثوابت التي عشتها هي أنني عضو في هذه الجماعة .. جمعتني طوال مراحل عمري المختلفة أخوة فريدة بالمئات من أبنائها .. وتتلمذت على يدي العشرات من كوادرها.
لذا فأرى في هذه المرحلة العصيبة أنه حق لي – إن لم يكن واجبا علي – أن أقدم هذه النصيحة لأخواني حتى وإن كانت الألفاظ خشنة أو الأفكار حادة ولكني – وكما قدمت – أدافع عن كيان هو جزء مني. ولأنني أدرك بالطبع أنه لا أحد يحتكر الحقيقة .. وأن ما أطرحه من رؤى هو ما أظنه الصواب وليس بالضرورة الصواب.. فإني أقدم هذه النصيحة على أنها "وجه آخر للحقيقة" أتمنى أن يضعها إخواني في الاعتبار.

وجه للحقيقة يقول: إن الالتزام بالشورى هي من أبجديات العمل الجماعي .. وأن العمل الجماعي يعني بالضرورة التخلي عن آرائنا لصالح رأي المجموع.
والوجه الآخر للحقيقة يقول إنه من واجبات القيادة التأكد من كفاية وفاعلية آليات الشورى المتبعة.. ومن وجهة نظري فإن الواقع بما يعكسه من تبرم قطاع "غير قليل" من القواعد بقرارات القيادة ومن عدم اكتراث قطاع آخر بهذه القرارات ينم عن حالة من عدم التبني لهذه القرارات تحتاج إلى وقفة مع آليات الشورى الداخلية.

لكن للأسف عوضا عن ذلك – وبناء على ما عاينته عن قرب في الفترة الأخيرة - تتوجه القيادة إلى الاحتفاظ " بتركز" القرار داخل الجماعة .. فلا الدعوة لانتخابات مجلس شورى مبكرة عقب الثورة (باعتبار أن الانتخابات السابقة تمت في ظروف مختلفة جذريا وأفرزت قيادة تلائم هذه الظروف وأنه شابها مشاكل إجرائية للدواعي الأمنية التي كانت تعوق سلامة الإجراءات ) لاقت قبولا .. ولا مقترح العودة للقواعد باستفتاء عام حول شكل الجماعة والحزب وعلاقتهما معا نظرا لأهمية هذا الموضوع أخذ على محمل الجد .. ولا الدعوة إلى مؤتمر عام - على نمط المؤتمرات في عهد الإمام البنا - لمناقشة تطوير الجماعة تعاملت معه القيادة بجدية ..

بل وبدلا من محاولة تنويع أفكار التطوير بإشراك ممثلي القواعد على مستوى الشعب ورموز إسلامية غير إخوانية ورموز إخوانية غير مصرية بل وأكاديميين مهتمين بالحركة الإسلامية أسندت الجماعة هذه المهمة إلى فرد واحد من القيادة "مع كامل احترامنا لشخصه وتاريخيه وقدراته" والأنكى أنه لم يفرغ لهذه المهمة المعضلة بل يتولاها بجوارملفات أخرى .. ولتوضيح الفكرة أضرب لها مثلا رأيته في فرنسا .. حيث تحدث أحد الباحثين السياسيين أن هناك أزمة في الديمقراطية الفرنسية تتمثل في انخفاض حاد في نسبة التصويت في الانتخابات في مقابل زيادة كبيرة في الفاعليات الاحتجاجية في الشارع .. بمعنى أن الشعب لا يثق في الآليات الرسمية للتأثير في القرار السياسي بالرغم من نزاهة الانتخابات وانتظامها .. فليس كافيا أن تكون هناك شورى بل الأهم أن نتأكد من فاعلية آليات هذه الشورى.

وجه للحقيقة يقول: أنه من حق الجماعة أن تفصل من لم يلتزم بقراراتها كما يحدث في كل المؤسسات المحترمة.
والوجه الآخر للحقيقة يقول إنه بالنظر إلى نزيف الأفراد بل والقيادات التي فصلت أو استقالت أو جمدت عضويتها في الجماعة خلال السنوات الأخيرة فإننا سندرك بشكل واضح أن هناك أزمة في إدارة التنوع داخل الجماعة.
هذا التنوع الذي أحب أن أجمله بشكل عام في مدرستين: المدرسة التنظيمية التي ترى أن الجماعة تدار بآلية التنظيم بما تعنيه من اتباع آلية انتقائية (الدعوة الفردية) كمدخل وحيد لعضوية الجماعة وتقديم معيارالثقة والانضباط وقدم الولاء على معيار الكفاءة في تولي المناصب بل وفي المحاسبة واعتماد نمط الإدارة على السلطة الأدبية للأشخاص أكثر من الاعتماد على الثقافة اللائحية.
والمدرسة الثانية هي مدرسة المؤسسية التي ترى أن الجماعة في الأصل مؤسسة مدنية – كما كانت في عهد الإمام البنا - وأن آلية التنظيم - والتي أصبحت ثقافة- هي استثناء وإن طال أمده. لذا فهي تتبنى رؤى أكثر انفتاحا في العضوية وأكثر لائحية في نمط الإدارة وأكثر احتراما لمعيار الكفاءة في تولي المناصب.
والذي يحدث الآن هو تمدد المدرسة الأولى على حساب المدرسة الثانية .. حتى عندما ظهرت تحولات في الثقافة التنظيمية داخل الجماعة في السنوات الأخيرة نظرا لاتباع سياسات "الانفتاح على المجتمع وإعلان الهوية" كانت ردة فعل القيادة على هذه التغيرات هي المزيد من التأكيد على الثقافة التنظيمية باعتبارها من ثوابت الجماعة واتباع آليات عقابية صارمة للمخالفين .. 

والخلاصة فإننا في هذه المرحلة في حاجة إلى إعادة صياغة قوانين داخلية جديدة بل ونشر ثقافة "مؤسساتية" وليس نصب المشانق وفق قوانين طوارئ فقدت الهدف منها ومبرراتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق