الثلاثاء، 31 يناير 2012

الإشكالية الحركية …لجماعة ” الإخوان المسلمين”………. مختار نوح


مقدمة:
حركة العمل الجماعي …ترتبط دائماً بالفلسفة التي يقام عليها ذلك العمل الجماعي والاهداف التي يريد تحقيقها .. وقد نشأت في مصر أشكال من العمل الجماعي تنتمي إلي سائر الأفكار والأيدولوجيات .. وكانت جماعة "الإخوان المسلمين" هي إحدي هذه التشكيلات الجمعية التي أسسها الإمام "حسن البنا" – رحمه الله – في النصف الأول من القرن الماضي…وكانت قد اتخذت شكلاً رسمياً في بعض أزمانها كجمعية " فكرية و إجتماعية"..وإتخذت شكلاً سريا في زمن آخر حتي دارت الأيام وأصبحت الجماعة تعيش في زمن "المشروعية الواقعية"…وهي حالة قد تفتقد فيها الجماعة إلي الرسمية والتوثيق إلا أنها لا تفتقد حق الوجود الواقعي علي المستوي السياسي أو الجماهيري
إلا أن معاناة الجماعة لم تقف عند حد عدم الإعتراف الرسمي..أو المواجهة الحكومية ذلك أنها تعاني من مشاكل وأزمات أهمها "الإشكالية الحركية " فقد اتخذت الجماعة شكل الجماعة الإصلاحية العلنية في بعض أزمانها..ثم اتخذت شكل التنظيم السري في أزمان أخري ..إلا أنها عادت في تلك الآونة وعقب تطورها الحركي العلني إلي الجمع بين الشكلين..وهو ما يؤدي عادة إلي مظهر التناقض
جماعات الدعوة..و جماعات الإصلاح الوطني:
وإذا أمكن لنا أن نحصر أشكال العمل الجماعي في مصر فهي تدور بين شكلين أساسيين أولها "الجماعة التنظيمية المغلقة" وثانيهما هو "حركة الإصلاح المفتوحة" ولكل منهما أهدافه الخاصة والتي ينبني عليها بالقطع تنوع الأساليب النضالية وتباينها.
·        وتمثل جماعة "الإخوان المسلمين" أحد هذين الشكلين وهو الشكل التنظيم لواحدة من جماعات الدعوة…وهذا الشكل يجمع في إطاره بين جمع من الأفراد ينتمون إلي أيدولوجية واحدة ويستهدفون سيادتها … فيتخذون من الوسائل ما يمكنهم من الدعوة لهذه الفكرة وتربية أبناء التنظيم عليها …وحال كونها جماعة منظمة مغلقة فهي تخضع لقواعد تختلف عن أي جماعة مفتوحة…وتسير علي خطط تناسب مفهومها عن الواقع..فتبدأ بدعوة الفرد حتي يتمكن الفرد من تأسيس الأسرة وصولاً إلي المجتمع..
وهذا المجتمع المسلم الذي تكونه الجماعة هو مجتمعها الخاص والذي من الممكن أن يتسع ليضم أفراداً أو عائلات من خارج هذا التجمع.. إلا أن هذا الإنضمام يكون علي مراحل بقدر الإقتراب من الإلتزام العام بمباديء الجماعة…من أجل ذلك كان لكل فرد تلك الدرجات المتتابعة التي يرتفع عليها حتي يصل إلي مرتبة المجاهد داخل إطار الجماعة المغلقة ..
ومع ذلك فكل من هو خارج أسوار الجماعة يكون مسلماً له كل الحقوق…إلا أن حقوق الجماعة هي الأولي عند التعارض ذلك أن الجماعة هي الإطار الذي يضمن بقاء الفكرة وسيادتها ..من وجهةنظر إستراتيجية بحته..
وهذه المنهجية الدقيقة هي التي حكمت حركة الجماعة حتي نهاية القرن العشرين ..وهي أيضاً التي حافظت علي قيمة الجماعة العددية وقدرتها علي التماسك وسط أجواء التغير والتحول الفكري….إلا أن هذا التماسك قد بدأ يتعرض لأزمات اختلف الناس في تفسيرها وسنعرض لها في حينه
·        أما جماعات الإصلاح الوطني .. فهي جماعات مفتوحة..لا يربطها أي إتصال تنظيمي ولا تعتمد علي رباط تنظيمي وإنما هي تسير بطريقة التوافق السياسي..و تضع لها أهدافاً عامة تتنوع تحتها الأفكار أو ان تكون حزباً سياسياً فيكون رباط الحزب في تلك الحالة هو اللائحة التي تحكمه والتي تحدد له إطار الحركة المنظمة وفق اللائحة وليس وفق آليات العمل التنظيمي الخاص… ومن أجل ذلك فإن المصلحة محل الحماية لدي جماعات الإصلاح الوطني قد تتعارض مع الفكر الخاص لدي كل فريق وفي هذه الحالة تكون الغلبة للمصلحة المتفق عليها دون إرتباط بالفكر الخاص لكل فريق… من أجل ذلك فإن هذه الجماعات مطالبة أمام الجماهير بأن تقدم نموذجاً ديمقراطياً فريداً إذا ما كان موضوع نضالها هو المطالبة بالديمقراطية… وذلك عكس التنظيمات الخاصة التي ينحصر هدفهافي تربية الأفراد داخلها علي فكرة محددة ولا تكون علي إستعداد للتخلي عن تلك الإيدولوجيات.
فروق إستراتيجية بين هذين النوعين من الجماعات :
و قد انبني علي تباين الأهداف لدي هذين النوعين من أنواع الجماعات وعلي تباين المصلحة الأولي بالدعاية لدي كل منهما اختلاف الوسائل لدي كل شكل منهما…ففي الوقت الذي اتسمت فيه جماعات الدعوه بإسلوب العمل التنظيمي ..والتشدد في الناحية الوقائية والإعتماد علي وسيلة السمع والطاعة كوسيلة وحيدة تعبر عن آليه تنفيذ القرار وصدوره .. وقناة واحدة بين مصدر القرار وبين منفذه …اختلف الأمر تماماً في جماعات الإصلاح الوطنية و تغيرت الأساليب و القواعد ..
·        ففي جماعة الإخوان المسلمين مثلاً قد تم فرض وسائلها الخاصة بواسطة الأعضاء المنظمة لإدارة الجماعة " جماعة الإخوان المسلمين "… بإعتبارها الوسائل المحققه لغاية بقاء التنظيم.. فبقاء التنظيم عندها هو هدف في ذاته بإعتباره وسيلة نشر الفكرة …وبإعتباره أيضاً هو المتطابق مع الشعور بالخوف الداخلي لدي قيادات الجماعة بأنه ليس من الواجب أن ينصهر افراد الجماعة في المجتمع الخارجي بصفتهم الفردية وكما أنه ليس أيضاً من الصحيح أن يتم إختراق الجماعة من خارجها بأشخاص لم يؤمنوا الإيمان الكامل بفكرتها وهذا النوع من القيود أو من التمايز أدي إلي الخلط بينه وبين خطيئة استبعاد الآخر أو الإنفصال عنه.. وعدم القدرة علي إدارة الحوار والمشاركات المجتمعية .. وذلك بحكم التربية علي هذه القيود حتي تسربت تلك السلوكيات إلي أفراد وجماعة الإخوان المسلمين دون أن يشعر الطالب في مدرستها بتسربها إليه…إلا أنها استقرت في النفس الإخوانية بسبب الخوف المتزايد من الإختراق وجو المعارك الذي يحيط بالجماعة فضلاً عن فكرة الإضطهاد المجتمعي أو الحكومي… وكلها عناصر ذات تأثير مباشر علي النفس الإنسانية دون أن يصح وصفها بالصواب أو الخطأ لوقوعها في مجال الإجتهاد..
 
·        أما جماعات الإصلاح الوطني فقد اختلف الأمر لديها أيضاً بسبب تباين الغايات بينها وبين جماعات الدعوة...ففي الوقت الذي تظهر فيه جماعات الدعوة التماسك التنظيمي..تختفي كل عناصر التنظيم بين جماعات الإصلاح الوطنية …بل وتزداد لديها خاصية الإعتداد بالرأي والقدرة الواسعة علي التعامل مع الآخر والإندماج معه إلي درجة التأثير والتأثر به. إلا أن هذه الجماعات الإصلاحية الوطنية المفتوحة قد تتسم بعدم القدرة علي التحكم في أفرادها ذلك أن السلطان الأدبي الذي يجمع بينها لا يكون في جميع الأحوال قادراً علي جمع الأفراد علي كلمة أو موقف موحد من الناحية النظرية.. ومع ذلك فإن التحكم في الأفراد ليس هدفاً من أهداف الجماعات الوطنية..و لكنها – أي جماعات الحركة المدنية- تتميز بقدرتها علي خلق وصناعة القيادات الواثقة…ذات الحركة الواسعة مع القدرة علي التعامل مع الجماهير .. وهذه الصناعة تكون وليدة الأحداث و الإنطلاقات ذات الحرية غير المحدودة لدي الفرد وقد يتسع المجال لهذه القيادات حتي تظهر بعض الجماعات الوطنية " المدنية " أحياناً كقادة بلا جنود.. ويكون جنودها من عموم الشعب اللذين يتجاوبون مع القيادات دون قالب محدد.
الناتج الطبيعي لمنهج كل من النوعين :
و لن يكون مستغرباً و الحال كذلك أن يتزامن مع فكرة التنظيم لدي جماعات الدعوة تنمية الشعور بالغربة لدي أبنائها .. وزيادة الإحساس بالإنتماء إلي الفكرة و التنظيم علي حساب بقية الإنتماءات…مع الشعور بالمواجهه بصفة دائمة مع المختلفين في الرأي .. و لما كان هذا الشعور هو الذي يتنامي في داخل الأفراد .. بل و فيه يتم صياغة فكرهم علي هذا النحو فمن الطبيعي جداً أن يكون للسمع و الطاعة أكبر تقديس في نفوس الأفراد لأنها تعبر عن حالة العسكره التي تحياها الجماعة ..فإذا ما تخلت الجماعة عن منهج السمع و الطاعة ,, فإنها تكون قد حكمت علي فكرة التنظيم بالزوال ذلك أن التنظيم هو الهدف الذي يهدف الحاكمون للتنظيم علي الإبقاء عليه…
أما ما يسبغه البعض علي الحاكمين في جماعة الإخوان المسلمين من صفات (القطبية – التنظيمالسري – التنظيم الخاص) فهي تعبيرات لمحاولة الوصول إلي التوصيف الإستراتيجي الخاص بالحاكمين للجماعة وهو التنظيم المغلق… وليس هناك وصف بالعيب أو النقص في مثل هذا الأسلوب التنظيمي لا سيما و أن هذا الأسلوب قد يلقي الموافقة من غالبية أعضاء التنظيم أما الرافضون لفكرة التنظيم بهذا المعني الضيق فهم يريدون ولا شك الإنتقال بجماعة الإخوان المسلمين إلي أن تكون جماعة مدنية وطنية بالمعني الواسع .. وهو هدف مشروع إلا أنه من المستحيل أن يأتي بيد المؤمنين بفقه التنظيمات… فجماعة الدعوة "التنظيم" هي بحكم تكوينها تعتمد علي أسلوب التعيين في بناء هياكلها … وذلك إنطلاقاً من الإيمان بأولوية الثقة وشعور الحاكمين لها أنهم هم المتحملون وحدهم مسئولية الحفاظ علي هذه الجماعة وأمن بقائها وتكون نظرتهم إلي أنصار الجماعة فكرة تحويل الجماعة إلي جماعة مدنية وطنية مفتوحة إلي أنهم و علي أحسن الفروض من حَسِني النية اللذين قد تتسبب حسن نيتهم في ذوبان التنظيم و تلاشيه…
ومن هنا تظهر الفروق في سلوكيات وأدبيات جماعة الإخوان المسلمين …
1.     فهي لا تعتمد أسلوب الديمقراطية أو الشوري التي من الممكن أن تؤدي إلي تداول السلطة..و هذا تناسق مع الإيمان بفكرة التنظيم ..شئنا أم أبينا .. و هو حق المعركة التي يعيشها أفراد التنظيم … أو يعيشون فيها…بغض النظر عن صحة وجود هذه المعركةفي الواقع من عدمه.
2.     و هي لا تعتمد الأساليب المدنية من طرح الثقة أوالعزل بواسطة المجموع … أو تغليب فكرة الإنتخاب في كل المواقع .. حتي و إن كانت تؤمن بصحة ذلك إلا أنها لن تعتمده وفق آليات فقه التنظيم.
3.     و هي لا تعتمد عندها فكرة الإنتخاب المجرد…بل إنها عادة ما تصاحبه بفكرة التعيين و التي هي الأصل في الأساليب المعتمدة لدي فكرة التنظيم.
4.     كما أنها لا تؤمن أو توافق علي اللامركزية الإدارية بأي صورة من صورها…فكل هياكل التنظيم لا تملك إلا التوصيه … أما الحاكمون فهم وحدهم أصحاب القرار
5.     قوة السلطة التنفيذية و غلبتها علي سائر السلطات و تركيز الإدارة في يد أفراد السلطة التنفيذية ( مكتب الإرشاد) بل وجعله هو المهيمن علي الجماعة وله كافة السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية.
6.     عدم إعتماد حرية التعبير في مواجهة الجماعة داخل أروقة ( التنظيم ) إلا بحدود مناطها عدم إثارة الفتنة .. أما خارج إطار التنظيم فهي تعني الإخلال بثقة العامة فيالجماعة …
هذه هي بعض النقاط و مستلزمات فكرة التنظيم …و من عجب أن بعض الإخوة الممثلين للجماعة تجدهم عند المواجهه بقواعد فقه التنظيم و قد تكون لديهم الإحساس الخاطيء بالذنب …فينكرون كل أو بعض ما سلف من فروق … دون أن يكونوا في حاجة إلي ذلك…فالتنظيم الذي يشعر بالإضطهاد و يخوض حرباً من أجل البقاء من حقة أن يعيش تحت شعار المعركة ..و هكذا تفعل النظم الحاكمة في الدول … فلم نسمع عن معركة تم إدارتها بالديمقراطية أو الشوري أو تداول السلطة و إنما يعتمد أسلوب إدارة المعركة علي السمع و الطاعة و الثقة في القيادة و إعتماد آليه التعيين لدي كافة المناصب…و مهما حاولت الجماعة المنظمة – أي جماعة منظمة- و لو كانت جماعة أخري غير الإخوان المسلمين أن تخاطب الآخرين بمحاولة إثبات منهجها الديمقراطي أو أسلوبها الإنتخابي فإنها تخسر مصداقيتها حال كونها تعجز عن إثبات ذلك …وذلك لسببين :
·        الأول أنه يستحيل علي الجماعات التنظيمية أن تطبق قواعد (تداول السلطة) أو (الإنتخاب المطلق) أو (لا مركزية القرار) علي الأقل لأن مثل هذه المناهج قد تؤدي إلي إتساع حرية القرار التنظيمي و عدم إمكانية السيطرة عليه .. مما يشكل خطراً علي وجود الجماعة أمام واقع يرفضها و يحاول أن يجعل منها ( محظورة ) رغم إتساع وجودها وذلك وفق تصور الحاكمين للجماعة …
·        أما السبب الثاني ,, فإنه أصبح معلوماً لدي الكافة أن أسلوب إختيار أفراد ممثلي الجماعة في النقابات أو المجالس البرلمانية أو المحلية .. إنما هو بقرار تنظيمي بالمعني الضيق ,.. و كذا كافة القرارات الأخري حتي لو تم إجراء مشاورة بشأن بعض النقاط إلا أن القرار النهائي يبقي في إطار تنظيمي دقيق .. من أجل ذلك فإنه ينبغي علي جماعة الإخوان المسلمين أن تحرر نفسها من ذلك الشعور بالإثم الذي يصاحبها بسبب إبتعادها عن مجال الشوري أو الديمقراطية أو اللامركزية العملية .. و أن عليها أن تعلن و بصراحة أنها مرتبطة بفقه التنظيم الذي يعتمد علي السمع و الطاعة و الثقة في القيادة في زمن من أزمنة المعارك بالنسبة لها .. و أن عليها أن تحل إشكالية إزدواجية الشكل السياسي.. و الذي جعل منها خليطاً غير محدد الهوية .. ما بين الجماعة الدعوية في شكلها التنظيمي .. أو الجماعة الإصلاحية الوطنية بطابعها و وسائلها المفتوحة.
خطأ الجماعة في الترقيع..فقه التنظيم أو فقه الجماعة المدنية:
و من هنا فإنه ليس من خطأ ينسب إلي الجماعة لإنحيازها إلي فكرة التنظيم و تبنيها كل قواعد و أصول فقه التنظيم ..بل إن عليها أن تعلن ذلك صراحة و أن تواجه الآخرين بما تراه هي من حكمة إعتماد هذا الفكر وهذه الحركة وهذا الأسلوب… وعليها أن تشرح لأبنائها و المنضمين إليها هذه الفلسفة و أن يكون ذلك العرض بوضوح شديد …
و من الجدير بالذكر أنه لا يوجد في عالم المناهج و الإستراتيجيات شيء إسمه الخطأ .. أو آخر إسمه الصواب فكلها آراء من أمور الإجتهاد..و لا عيب في أن نصف القائمين علي أمر الجماعة أنهم هم الحاكمون .. ولا نصفهم بالمنتخبين ..ذلك أن مسألة الإنتخاب الخاص بهم فيها قول كبير… فالجماعة غير ملتزمة بأي قواعد… بل إنها غير ملتزمة بأحكام الشوري العامة .. وذلك حال كونها تستشعر أنها في غمار المعركة فهي تحدد نطاق الشوري.. وليس علينا أن ننتقد وسائلها إلا وفقاً لطبيعة الجماعة من حيث صياغة نفسها كتنظيم أم كجماعة إصلاحية .
ولكن المشكلة تظهر حينما تتم محاولة ترقيع الفقه التنظيمي بأحكام لا تصلح إلا للجماعات الإصلاحية المفتوحة …. فيظهر التناقض و تضطر الجماعة إلي أن تتجمع في صورة دفاعية،فعلي سبيل المثال .. تعتمد جماعة الإخوان المسلمين علي نظام الإدارة المركزية … فيرأس كل قسم فيها عضو من أعضاء مكتب الإرشاد…ويقوم مكتب الإرشاد بدور القيادة التنفيذية العليا فضلاً عن قيامة من الناحية الواقعية بالدور التشريعي .. و رئاسة (مجلس الشوري) والذي هو مجلس ليس له إختصاصات حقيقية… و لا يمكن للجماعة من الناحية الواقعية التخلي عن تلك المركزية … حال كونها أهم سمات العمل التنظيمي.. و لا يكون الإنضمام للجماعة بمجرد إبداء الرغبة .. ولا حتي التكليف بالأعمال .. فإنتقاء المنضمين أمر يمر بمراحل توثيقية كما يمر بمراحل أكثر دقة في الإختيار .. والمعتمد لدي الجماعة هو أسلوب التعيين بصفة عامة .. حتي صياغة بعض اللوائح لا تتخلي الجماعة أبداً عن فكرة التعيين حتي في نطاق الجمعية العمومية .. كل هذا هو نقاط تفرض نفسها من فقه التنظيم ووسائله للتحكم في الأفراد بهدف بقاء التنظيم المكلف بنشر الفكرة و ليس في كل ما سبق أي خطأ … إنما يأتي الخطأ من إصرار الجماعة علي الظهور بمظهر الحركة المفتوحة .. أو الجماعة الإصلاحية العامة… فتشير إلي أنها علي سبيل المثال سوف تقوم يتأسيس حزبها الأول.. و أنها بصدد إعلان برامجه و هذا أمر لا يتناسب مع فقه التنظيم .. و قيود حركتة .. فلا التنظيم و لا إرادة الحاكمين له تسمح بالإنتماء و الإنضمام المفتوح.. ولا تداول السلطة داخل التنظيم …
حتي ولو كان هذا التداول بين أبناء الفكرة الواحدة الذين قد يختلفون في رؤيتهم في داخل الجماعة ثم يكون الأسوأ و هو محاولة مسايرة التنظيمات المفتوحة في فكرة الإنتخاب أو إعداد اللوائح أو غير ذلك… كل هذه الإستعارات المرفوضة جعلت بعضاً من أبناء الجماعة يتصورون أن الجماعة تعمل بصورة التجمعات المدنية المفتوحة.. و هذا تصور خاطيء .. فالجماعة ما زالت حريصة علي فكرة التنظيم.
ومن هنا فقد تم إنزلاق الجماعة إلي منزلق عرض أفكارها ورؤيتها الفقهيه لبعض الأحكام مثل قضية ولاية المرأة والقبطي .. وكان الدفاع عما استشعرته من حرج بعد الإعلان عن هذه الأحكام هو دفاع أقرب إلي إتهام نفسها بالتسرع وعرض الأمور في غير زمنها و أوانها و أكثر من ذلك أنه عرض للأمور للظهور بمظهر ليس هو حقيقة الجماعة ولا من فقه الحركة التنظيمية ولا يعيب الجماعة التنظيمية أن تخالف الجماعات الأخري المفتوحة في بعض أو كثير من المعطيات ذلك أنها لا تطرح نفسها كبديل سياسي حتي الآن ..و إنما هي تجمع يهدف إلي نشر فكرة .
أما المثال الثاني للترقيع فهو إصرار الجماعة كتنظيم أن يكون لها لائحة تحكمها أو تنظم أمور الإنتخاب فيها والترشيح و الإختيار …رغم أن سنوات الجماعة التي إقتربت من المائة لم تكن تعتمد في أولها علي اللوائح بقدر ما كانت تعتمد علي الترابط التنظميي أو تلاحم الأكتاف و هذا هو فقه الستينات و هو الأقرب في الترتيب الزمني و الأكثر تأثيراً .. إلا أنه وبدون مقدمات ظهر فيالوجود ما يسمي باللائحة و ربما تكون قد فرضتها مستلزمات أخري..و أصبح الحاكمون لجماعة الإخوان في إحتياج إلي لائحة و إنتخابات و نجاح للبعض دون البعض…فقرروا أن يقوموا هم بصياغة لائحة و بالطبع فلم تكن هذه اللائحة لتعبر عن خيارات المجتمع الحديث و تطوراته التشريعية ..ولا هي عبرت عن فقه التنظيم المعتمد علي السمع والطاعة و الثقة في القيادة ولا هي إستبدلت التعيين في المناصب القيادية بأسلوب الإنتخاب…. ولا هي استبعدت التعيين كصورة من صور التحكم في إرادة الناخبين .. فجاءت اللائحة شكلاً مرفوضاً من الجميع..و إذ يعكف الرافضون لفكرة التنظيم بالمعني الضيق .. وهم من أطلق عليهم البعض اسم (الإصلاحيون) ..فيعكفون علي نقد اللائحة .. أمسك الحاكمون بزمام الأمور و قرروا تعديل اللائحة بواسطتهم أيضاً.. ولا نعتقد أن تنظيم الإخوان المسلمين سوف يقوم بتعديل اللائحة ولا نظن أيضاً أنه راغبفي ذلك …. ففقه التنظيم يتعارض مع نظرية اللوائح التي يكون من أهم أهدافها تدوال السلطة.. ومرة أخري يقع التنظيم الإخواني العريق في ذات المنزلق فيعلن أن تغييراً في مجلس الشوري قد تم بعد الإنتخابات الأخيرة بنسبة 16% و مرة أخري يعلن أنه بصدد صياغة نصوص أقرب إلي الشوري وهو الأمر الذي أصبح مشكلة في المواجهات العامة.
إن أسلوب الترقيع يعبر عن حالة شعور بالإثم وبالتخلف عن الركب الحضاري وهو ليس بإثم و لا تخلفاً .. فالتنظيمات التي وهبت نفسها لحماية الدعوة ليس من مهامها مطلقاً أن تقيم مجتمعاً ديمقراطياً داخلها … أو أن تقوم بترقيع أسلوبها في العمل الداخلي حتي لا يصبح مشوهاً فلا هو عمل تنظيمي دقيق و لا هو عمل مدني بالمعني الواسع ..
حل الإشكالية في سطور.. :
وليس معني كل ما سبق أننا ندافع عن أسلوب عمل الجماعة ( كتنظيم دعوي ) يقوم علي فقه المعارك من سمع و طاعة وثقة في القيادة فهذا أمر يحدده الحاكمون في الجماعة .. إلا أننا نؤيد أن يكون من حق الجماعة التنظيمية أن تتبني كل ما تراه من قواعد حاكمه لتنظيمها .. حتي لو تناقضت مع كل قواعد التنظيمات المدنية الوطنية المفتوحة وذلك بعد إستظهار شروط ذلك الفقه التنظيمي و مضمونه هو ألا تختلط لدي الجماعة التنظيمية (فقه التنظيم مع فقه الحركة المدنية المفتوحة) فتنتقل الجماعة بين الوسائل و تنتقل بين الأيدلوجيات …
فإذا ما اختارت الجماعة أسلوب التنظيم الذي يخوض معركة البقاء ويعمل علي نشر الفكرة لدي الأفراد .. وتربيتهم عليها .. فليس من المتفق مع هذه الإستراتيجية خوض غمار الحياة السياسية العامة والمطالبة بإصلاحها ووضع أسس هذا الإصلاح دون أن تكون الجماعة قد أعادت بناء إستراتيجيتها علي أساس العمل الوطني المفتوح ( فقه الإصلاح السياسي) وعلي الجماعة أن تعلم أنه ووفق هذا الفقه لا يجوز لها أن تصنع لنفسها اللوائح أو ان تقيد حق تداول السلطة داخلها أو أن تستعين بستار ( الشأن الداخلي ) لمنع الآخرين من النقد أو التدخل .. إن الجماعات الإصلاحية لها فقه خاص كما أن للتنظيمات فقه خاص .. فبينما تكون الأخيرة حرة في إختيار أحكامها فإن الأولي لا تملك أي قدر من الحرية في الحركة أو التشريع ..ذلك أن عليها أن تقدم ما يتفق مع آراء العموم من المفكرين و المثقفين و جمهور الواثقين في الجماعة…وأن تخوض حركة نضالية في الشارع السياسي لا تقيد الإنضمام إليها ولا تتدخل في إستيعاب أفرادها..
من أجل ذلك فلا يمكن الجمع بين أسلوب العمل التنظيمي داخل دائرة التنظيمات الخاصة …و بين أسلوب جماعات الإصلاح الوطنية التي يجب أن تبدأ بتقديم نفسها كنموذج إصلاحي ديمقراطي إلي الشارع السياسي..وعلي الإخوان المسلمين حل هذه الإشكالية بعرض إستراتيجية واحدة ووسيلة واحدة ..ولا عيب في إختيار واحدة أو الإعراض عن الآخري..إنما هي مناهج يراها البشر بالوصول بأفكارهم إلي الحالة المثلي وفق مستهدفاتهم الخاصة
الخاتمة
الخلاصة إذن..إن الدعوة إلي فكرة ما أو عقيدة محددة حينما تأخذ قالباً تنظيمياً فإنما هي تتقولب داخل إطار تحكمه مصلحة التنظيم وهي المصلحة القريبة بينما يحيط بها في إطار أوسع مصلحة الوطن بإعتبارها المصلحة البعيدة .. ومن ثم فإن الدفاع عن الإستقرار التنظيمي يرتفع فوق المصلحة في أن يكون تنظيماً ديمقراطياً أو نموذجاً للقواعد المدنية الحديثة … وقد نجمع كل هذافي عبارة (فقه التنظيم) …
بينما لا يمكن لجماعة إصلاحية مفتوحة أن تهدر قيمة الشكل والموضوع الديمقراطي داخلها..وإلا فقدت هذه الجماعة الإصلاحية حجة و سبب وجودها …. ومن هنا فإن حركة شعبية مثل حركة كفاية أو حركة التغيير… قد لا يجمعها الإطار التنظيمي الواحد إلا أن كل فرد يعمل داخلها أو ينادي بأفكارها إنما هو مطالب أن يقدم نفسه كنموذج تطبيقي علي المستوي الفردي من الجماعة علي الأقل فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية و تداول السلطة…
وأياً ما كانت هذه الأهداف فليس من الخطأ أن تتبني جماعة الإخوان فقه التنظيم .. و ليس من الصواب أن تتبني فقه الجماعة الإصلاحية فكلها آراء و إجتهادات… إنما يحدث المأزق حينما تظهر امام المجتمع كجماعة إصلاحية وطنية بينما تريد تطبيق ذلك مستخدمة فقه التنظيم و مركزية الإدارة و تطبيق قواعد الثقة .. و كلها قواعد منتجه و لكن في إطار التطبيق التنظيمي أما الجماعات المفتوحة فلا يصح معها إلا القواعد المدنية و النموذج التطبيقي المفتوح مع وجوب تداول السلطة و ليس جواز ذلك فحسب.