الاثنين، 30 يناير 2012

نقطة نظام ووعي واستقامة - رجاءً .. هل فعلا يخاف الغرب من مرشح إسلامي للرئاسة؟…محمد بريك


تتوارد علينا تأكيدات الإخوان آخرها (المرشد) وبعض تصريحات مشايخ السلفيين الضمنية منذ زمن(ولا أتعجب إن حسم حزب النور موقفه ليصل لهذا قريبا) بخصوص عدم دعم مرشح إسلامي للرئاسة .. والحقيقة هذه المواقف تثير استغرابي أولا. وحين  أسمعها تبالغ في رد فعل الغرب على هكذا مرشح أشعر بزكام شديد من رائحة قلة الوعي أو قلة الاستقامة .. خصوصا وأني منذ سنين أتواجد في الغرب و دوائره الأكاديمية والبحثية القريبة من دائرة اتخاذ القرار الاستراتيجي .. فوقع الصدمة علي يكون أكبر من غيري بلاشك - فاعذروني.

- أنا لي موقف سياسي منذ أعلن د أبو الفتوج الترشح للرئاسة فيما بعد استفتاء مارس ومبني على قراءة استراتيحية ترى أنمشكلة الثورة ليست في مرشح للرئاسة بعينه يأتي لينقذها من فوق جواده؛ ولكن بتنحية وصاية العسكر عبر نضال ثوري وسياسي.. ولهذا فمصر تحتاج لمشروع ثوري لارئاسي - خصوصا وأن نظام الوصاية سيحرص على جعل الرئيس طرطورا دستوريا (بالأخذ من صلاحياته) وسياسيا (بتفاهم العسكر مع القوى السياسية على مرشح بعينه في أكبر تهديد على الديمقراطية وفرص تنحية العسكر).

وكنت أرى كذلك - أن مصر تحتاج لمشروع مقاصدي ثوري يتحرك مع بقية القوى الوطنية نحو الأهداف الوطنية الجامعة في الحرية والعدل الاجتماعي والاستقلال السياسي والاقتصادي ، ويؤكد على الهوية الحضارية ومباديء الشريعة ولكنه يتيح للشريعة أن تكون استدعاء مجتمعيا لاتنزيلا سلطويا ، ويميّز بين القراءة البشرية للشريعة وبين الجوانب القطعية بها ، ويميز بين ماتدخل فيه الشريعة اختصاصا وماتحيله الشريعة لغيرها من دوائر التجريب الإنساني (دائرة الإمامة في مقابل دائرة الإفتاء والتشريع كما يعبر الأصوليون) ، ويقلل من سلطة الدولة المركزية في التدخل في الفضاء المجتمعي ، ولايرى وضع أي قيد علمائي سلطوي على مؤسسات الدولة المدنية ، ويفصل بين مساحات العمل الدعوي والخيري والحزبي.. وكنت أرى د أبو الفتوح - مثلا - أبرز شخصية تصلح لتكون رمزية مثل هذا المشروع السياسي والشعبي  مع آخرين- وهذا المشروع المقاصدي الثوري يختلف في المضمون والخطاب والتوجهات والاستراتيجيات عن الحملة الرئاسية.

أقول هذا حتى لايفهم من كلامي أن نقدي لموقف الإخوان والسلفيين مرتكزا على دعم لأبي الفتوح أو حتى الشيخ حازم (الذي أويده ثائرا لا مرشحا ) في الرئاسة.

ولكني بيني وبينكم ..  لو وجدت نفسي أمام استحقاق الرئاسة فإني  سأعطي صوتي لأبي الفتوح بلا ريب - بغض النظر عن الإنجاز الثوري الذي تحقق أو سيتحقق…ولكن هذا شأن شخصي وموضوع آخر.

 دعونا نُفَصّل ماهي المشكلة تحديدا:

  أولا - هناك مشكلة جوهرية هي في تصدي قيادات الإخوان ومشايخ السلفية المستمر لقضايا التنافس الحزبي وتفصيلات الملفات السياسية السلطوية والتي لايمكن أن نقبل في أي دولة ديمقراطية أن تتدخل فيها جماعة دعوية (الإخوان بالطبع أسوأ كثيرا في هذا الملف من مشايخ السلفية) .. هذا خطر وخطأ سياسيا وإسلاميا ويطعن في ديمقراطية العملية السياسية. وياحبذا لو التزم الإخوان بما أعلنوه مسبقا بخصوص الفصل بين الجماعة والحزب - وأنا لاأرى نمط إعطاء وعود والتزامات سياسية لاجتياز بعض الضغوط المرحلية (كما حدث في نسبة الترشح في مجلس الشعب والتي قفزت من 35 % إلى مايزيد عن 75 %) ثم التخلي عنها سريعا بعد اقضاء الضغط أمرا مستقيما أخلاقيا وسياسيا. والأليق للجماعة الإخوانية ومشايخ الدعوة السلفية ألا ينشغلوا بهذا الملف الرئاسي من بابه فهو من اختصاص الحزبين.

المهم - كمناقشة سياسية لفرضية خوف الغرب والأمريكي والإسرائيلي من المرشح الإسلامي .. فالقرار الغربي والإسرائيلي يكون مبنيا في طرفه الغالب على القراءة الاستراتيجية والواقعية السياسية .. وما يشغله في منطقتنا ومصر تحديدا ملفان: الترتيب الاستراتيجي للمنطقة بما يتضمن علاقة مصر مع الأمريكي والإسرائيلي والخريطة السياسية العربية وبقاء المنافذ الجيواستراتيجية مستباحة أمريكيا ، والثاني - هو السياسات الاقتصادية العليا سواء بخصوص البترول أو سياسات الاستثمار واستمرارية الخضوع لمرادات المؤسسات الاقتصادية الدولية.

لو يأتي (إسلامي) ولكنه متفاهم مع الغرب في هذين الملفين ، ويقبل بأداة ضمانتها في مصر (الوصاية العسكرية) فإنه يبقى مرحبا به حتى لو كان متشددا في سياساته الاجتماعية.. بل كم شهد تاريخنا الحديث أن دفع هذا النمط الإسلامي سياسيا -لأنه الأقرب لمزاج الشارع والأقدر على صياغة شرعية دينية تعزز السياسية - تكرر كثيرا بل كان في مرحلة ماهو الأصل خصوصا في الخمسينات والستينات (نظرية mobilizing Islam) لجون دالاس والتي حاولت تطبيقها سياسة الأحلاف - ودعم دولة السادات منذ النصف الثاني للسبعينات والجهاد الأفغاني والرعاية الأزلية للدولة السعودية منذ نشأتها ، ومشروع الإسلام المعدل بعد 2003 لاستبدال النظم المستبدة الفاسدة - عدا الخليج -  ، بأنظمة إسلامية تتصالح مع المصالح الأمريكية وكان في خاطر الأمريكي حينها النموذج الأردوغاني الذي كان صقور المحافظين الجدد كتشيني وولفينز دائمي الإشادة به.

ولهذا - فأنا أستغرب حقيقة أن تحكي الأحزاب الإسلامية الإخوانية والسلفية عن موضوع رفض المرشح الإسلامي من منطلق إخافة الغرب ؛ إذ أنهم قد بذلوا جهودا جبارة بخصوص طمأنه الغربي (حتى أن الأمريكي يضغط على متخذ القرار الإسرائيلي منذ شهور في محاولة لطمأنتها تجاه الإخوان والسلفيين) .. !! أما بخصوص سياسات العدل الاجتماعي والاستقلال الاقتصادي فالحزبان الإسلاميان الكبيران بطبيعة سياستهما الاقتصادية - وبالدفع الذاتي - لايمثلان أي خطر في هذا الملف!! أما بخصوص قبول الوصاية العسكرية .. فالغربي - والأمريكي خصوصا - مطمئن منذ شهور لقبول هذه الأحزاب لدرجة معتبرة من الوصاية (نموذج هجين بين التركي والباكستاني).

إذن - فيحق لي ولمثلي الاستغراب - إذ أن وجه التخوف من الغرب بخصوص المرشح الإسلامي (أو النظام الإسلامي بشكل عام) قد تم التخفيف منه كثيرا- أو بمعنى أدق أن تخفيف هذا القلق الغربي ارتبط بتصور هذه الأحزاب  وأدائها القاصرين في مسائل الاستقلال والعدل الاجتماعي والوصاية العسكرية ولايعتمد على (إسلامية) المرشح - أي استعلانه بالشعار الإسلامي - من عدمه. (لاشك أن الإسلامية الحقة هي تلك الإسلامية التي تنحاز بشكل تام للحرية والاستقلال والعدل الاجتماعي ورفض الوصاية بالطبع).

- أقول أن اختيار الأحزاب الإسلامية لمرشح إسلامي هو أمر يستقيم مع الأجندة السياسية ، وأنني حين أسمع حديث هذه الأحزاب عن عدم الدفع بمرشح إسلامي خوفا من الضغط الدولي والزلزال الإقليمي فإن قفصا من الفئران (يلعب في عبّي) .. الغرب وإسرائيل غير معنيين بهذه المساحة كأهداف وجودية أو حيوية .. ربما يهتمون بها أحيانا كأهداف شكلية وتحسينية ويتم التضحية بها سريعا إذا تهددت المصالح الحيوية.

- بالنسبة لي - وكإطلالة عامة على هذا المأزق .. فإني لاأرى مشكلة الثورة الآن واقعة في المربع السياسي ولكن في بناء حالة ثورية ومعززة بتوافق وطني ( يأتي بالقبول الطوعي للقوى أو الضغط الشعبي والداخلي على القوى السياسية والبرلمانية) على: تنحية العسكر عن التدخل في الشأن السياسي ،وتحريم أي توافق مع العسكر على مرشح رئاسي بعينه أو على وضعية خاصة ومجلس أمن قومي سيادي ، و .. وتحريم أي لقاءات خاصة أو توافقية لأي فصيل مصري مع دولة أجنبية على شروط سياسية ووجهات اقتصادية بعينها.. كانت هذه القوى تعلن رفضها مثل هذه اللقاءات أيام مبارك (وهو معروف بتبعيته شبه التامة للأمريكي) إلا بحضور الخارجية .. فماذا حدث؟ وهل الثورة المصرية تزيد من تجردنا الوطني والاستقامة السياسية أم توهنهما؟!!

أما كيفية إدارة الحالة السياسية (المنتخبة والشعبية) بعد ذلك لملفات الاستقلال السياسي والاقتصادي والعدل الاجتماعي والصراع حولها مع الغرب والإسرائيلي فتلك مسألة أخرى .. وهناك مساحات واسعة وفرص استراتيجية أكثر اتساعا للجمع بين المبدأية والمرحلية… ولكن لايمكن البدء في أي استراتيجية استقلالية دون تنحية العسكر أول الأمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق