الثلاثاء، 3 يناير 2012

قوة المجتمع وقوة الدولة…….. معتز بالله عبد الفتاح


المواطنون المصريون بحاجة لأن يستعدوا لمرحلة ما بعد مبارك بأن يحولوا فائض المشاركة السياسية إلى مجتمع مدنى قوى، فبقدر ما يكون من المفيد أن تكون لدينا أحزاب جديدة لكن هذا لا يقلل من أهمية بناء نوعين من مؤسسات المجتمع المدنى:
  • أولا التطوعية (مثل المنتديات والجمعيات الثقافية) التى تكون ساحات للنقاش والتدافع البناء بين المسلم والمسيحى، اليمينى واليسارى، من تعلم فى مدارس حكومية ومن تعلم فى مدارس لغات، وهكذا.
  • وثانيا التمثيلية مثل المحليات والنقابات واتحادات الطلبة حتى يمكن تقوية روابط المجتمع من خلال هياكل الوساطة هذه. أما أن يكون الجهد الأكبر من خلال التحزب والتخندق فقط، فهذا ليس فى صالح الوطن.
وعلى كل مصرى أن يكون له حضور فى أى من هذه المؤسسات أو أكثر، ولا تكرروا أخطاء آبائنا الذين تركوا السياسة لمن هم دونهم ومن لم يراعوا مصالحهم، كما قال أفلاطون من قبل. ولا ينبغى أن نقصر العمل العام على العمل السياسى، فهناك كذلك العمل العام المجتمعى المدنى.
ولهذا العمل العام المجتمعى المدنى وظيفتان: الترسيخ (bonding) والتجسير (bridging).
  • ترسيخ وتقوية الروابط بين الناس أصحاب الهوية الفرعية أو الرؤى المشتركة والمتشابهة مثلما تكون بين أبناء الأيديولوجية الواحدة أو الديانة الواحدة، فالعمل المدنى المسيحى يجعل المسيحيين من أبناء نفس الكنيسة الذين يعملون معا أكثر قربا نفسيا وفكريا. ولكن هذا التقارب الداخلى بينهم قد يؤدى إلى التباعد الخارجى بينهم وبين غيرهم ممن لا ينتمون لنفس الكنيسة أو غير المسلمين لأن مجموعاتهم مغلقة عليهم وكأن مصر بالنسبة لهم هى الكنيسة وما خارجها يبدو غريبا عليها. ونفس الكلام ينطبق على أى جماعة أو مجموعة يقتصر فيها التفاعل الداخلى بين أعضائها على مواطنين لهم نفس الهوية الفرعية (مثل الديانة أو العرق) أو الأيديولوجية. 
  • أما الوظيفة الأخرى فهى وظيفة تجسير الفجوة (أى أن يكون العمل المدنى جسرا للتواصل والتفاعل والتفاهم) بين أبناء الأديان المختلفة والأيديولوجيات المتنافسة سياسيا والمتكاملة مدنيا. أحداث الثورة كانت مناسبة هائلة لخلق روح التواصل وتجسير هذه الفجوة حتى يشعر الجميع وكأن الكل فى واحد لغرض واحد وهو بناء الوطن.
 ومن عجب أن مواقع الانترنت وسائل التواصل الاجتماعى (تويتر وفيسبوك) يفترض فيها أنها أداة مفيدة لتجسير الفجوة بين الناس من مشارب وأيديولوجيات مختلفة، لكن بعضنا حولها إلى أداة لترسيخ الانقسامات.

إذن ماذا نفعل؟

كل واحد منا مطلوب منه زكاة وطن مقدارها أربع ساعات أسبوعيا (أى عُشر ساعات العمل الأسبوعى) لنستعيد روح ميدان التحرير من خلال عمل مؤسسى فى كل شارع مثلما كان الحال فى اللجان الشعبية التى أخرجت من المصريين أجمل ما فيهم.

هذه اللجان تحول المقابر التى يدرس فيها الطلاب إلى مدارس حقيقية، وتحول مقالب القمامة التى نسير فيها إلى شوارع حقيقية، وهكذا. ظن البعض حين كتبت هذا الكلام من قبل أننى أستهدف مساعدة البلدية أو المحليات.

الحقيقة أن الهدف هو مجتمع مدنى قوى بمعنى أن يكون ما يجمعنا من أهداف مشتركة فى الشارع الواحد والحى الواحد أكبر مما يفرقنا، وهذه ضمانة كبرى للديمقراطية تفوق الانتماء الحزبى. وللمجتمع المدنى وظائف سياسية هامة كذلك كما أشرت فى مقال الأمس. إذن، كما لمعظمنا انتماءات كروية وتفضيلات سياسية، لا بد لنا من انتماء مؤسسى إلى واحدة من مؤسسات المجتمع المدنى التى تقوم بمهام «تجسير» الفجوة بيننا وبين من يخالفنا فى العقيدة والأيديولوجية من أجل خدمة المجتمع الأكبر بمن فيه من أناس لا نعرفهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق