الخميس، 29 ديسمبر 2011

تحولات السلفيين.. والإخوان أيضا………….. ياسر الزعاترة


فاجأت مذيعة في إحدى الفضائيات المصرية مرشحا سلفيا من قيادات حزب النور بعد نهاية الانتخابات التي صعد من خلالها للدورة الثانية ثم خسر أمام مرشح آخر، فاجأته بعرض شريط "فيديو" له يقول فيه إن الديمقراطية كفر، فارتبك الرجل بعض الشيء وراح يبرر موقفه القديم مقابل موقفه الجديد.
ولعل مشكلة التيار السلفي في مقارباته السياسية تتمثل في أنه -خلافا للإخوان- كان يعالج سائر القضايا السياسية من باب الحرام والحلال الحاسم في كثير من الأحيان، وليس على قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح التي تشكل العنوان الأبرز لكل ما يتعلق بإدارة الشأن العام كما ذهب العلامة (ابن القيم) باستثناءات محدودة.
هناك بالتأكيد مجموعات سلفية توصف بأنها إصلاحية كانت لها مقاربات سياسية جريئة، كما هو حال حزب الأمة في الكويت، وخالفت ما تعارفت عليه التيارات السلفية التقليدية التي تعد الأكثر انتشارا إذا أخذنا العالم العربي كمثال جامع.
في السياق السلفي العام رأينا عجبا عجابا فيما يتصل بالفقه السياسي، فقد رأينا كيف ذهبت مجموعات تنتمي إليه نحو تبرير قتال الأنظمة وكل المنضوين في سلكها خلال الثمانينيات، ثم أجرى مراجعات جذرية بعد ذلك، وفي الحالتين استنادا إلى الكتاب والسنة.
ومن قرأ كتابات الدكتور فضل أو سيد إمام الشريف التي كانت مرجع الجهاديين خلال الثمانينيات (أبرزها العمدة في إعداد العدة والجامع في طلب العلم الشريف)، ومن ثم مراجعاته بعد ذلك (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) سيرى الروحية التي يتصرف بها جزء من هذا التيار!!
عندما قال شيخ (حزب النور) الذي أشرنا إليه في مطلع المقال ما قال في مقاربته الأولى التي عرضتها عليه المذيعة، وهو للمفارقة مهندس وليس شيخا تقليديا، لم يكن يخطر بباله أنه سيقف هذا الموقف في يوم من الأيام، فقد كان يعيش ظروفا مختلفة، وعموما يمكن القول إن الربيع العربي -بطبعته التي نعيش- قد فاجأ الكثيرين، بمن فيهم قيادات في الظاهرة الإسلامية.
كان بعضهم في التيار الإخواني قد تعايشوا مع مقولة الإصلاح التدريجي لأنظمة يستحيل إصلاح معظمها في واقع الحال، فيما تعايش السلفيون (معظمهم للدقة) مع الواقع القائم وفق نظرية "حاكم الغلب" الذي لا يجوز الخروج عليه ما أذن بالصلاة وليس ما أقام الصلاة، مع أن نتنياهو يأذن بالصلاة، بل بوجود حركة إسلامية أيضا. كما حرَّموا الأحزاب والانتخابات، فضلا عن المظاهرات وصولا إلى تحريم نقد الحاكم في العلن.
بالطبع ثمة فقه سلفي لا يزال مقيما على هذه المقولات، بما في ذلك في الساحة المصرية بعد الثورة، لكنه لن يلبث أن يغيرها (غالبا إذا رغب ولاة الأمر في ذلك!!)، تماما كما غير موقفه من جواز المشاركة في الانتخابات (تصويتا) وليس ترشيحا في الأردن مثلا، بل كما غير موقفه من قضايا فقهية تقليدية مثل الظهور على الفضائيات، فضلا عن إنشائها (كانوا يقولون بحرمة التصوير!!).
في الحالة المصرية شهدت الحالة السلفية تغيرات يمكن وصفها بأنها جذرية، فيما ستذهب تيارات سلفية أخرى في العالم العربي نحو ذات الوجهة، وأتذكر أن التيار السلفي السعودي (تيار الصحوة كما يعرف هناك) كان له ذات الموقف من الانتخابات، وعندما أجريت الانتخابات البلدية قبل سنوات تردد في الجولة الأولى ثم انخرط فيها خلال الجولة التالية، بينما بات الكثيرون من رموزه يدعون إلى إصلاحات بروحية ديمقراطية (ملكية دستورية في بعض الأحيان).
في الحالة الإخوانية رفض الإمام حسن البنا تأسيس حزب، لكن تنظيمات الإخوان في الدول العربية لم تلتزم تاليا بهذا الرأي، حيث بادرت إلى تأسيس أحزاب. وعموما يمكن القول إن الفقه الإخواني كان واضحا في انحيازه إلى نظرية المصالح والمفاسد في العمل السياسي، فكان أن تعددت اجتهادات فروع الجماعة في التعاطي مع الشأن السياسي، حتى تجاوز بعضها الخطوط الحمر في علاقاته وتحالفاته، كما هو حال العمل السياسي من خلال منظومة أنشأها الاحتلال كما فعل فرع الجماعة في العراق (رفضت ما فعله سائرُ فروع الجماعة الأخرى، وإن لم تتخذ موقفا صارما منه)، أو التحالف مع العسكر ضد فريق إسلامي آخر (جبهة الإنقاذ) كما هو حال حركة مجتمع السلم في الجزائر.
واقع الحال من الناحية الشرعية والتاريخية هو أن الإسلام (في رؤية أهل السنة) قد أعلى من شأن الأمة، واعتبر أن الحاكم موظف عند المسلمين يقوم على شأنهم ويتلقى أجرا مقابل ذلك، وهو ما كان خلال فترة الخلافة الراشدة عبر ما عُرف بالبيعة التي كانت الطريقة المتيسرة في ذلك الحين في ظل واقع الحياة البسيط المعروف (بخاصة وسائل النقل والاتصال). وقد كان ذلك تميزا عن الواقع السياسي المحيط في العالم الذي لم يعرف في تلك الأثناء سوى الإمبراطوريات الوراثية.
مع معاوية بن أبي سفيان بدأ الحكم العضوض، وذهب الفقه الإسلامي في بعض تجلياته نحو تبرير الواقع الجديد الذي انسجم عمليا مع السائد عالميا وابتعد عن روح الشريعة، لا سيما أن القرآن واضح كل الوضوح في جعل الأمر شورى بين المسلمين.
اليوم يستعيد الإسلاميون مقولة الولاية العامة للأمة عبر أطر ديمقراطية حديثة، وهي بالمناسبة ليست أطرا نهائية ويمكن تغييرها بحسب ظروف الزمان والمكان، بما فيها القيم الاجتماعية والدينية (مثال ذلك الاشتراطات المتعلقة بالدعاية واستخدام المال فيها، إلى غير ذلك من شروط تجعل الاختيار أقرب ما يكون إلى الحرية بعيدا عن التأثيرات المرفوضة)، ومعلوم أن قوانين الانتخابات وشروط الترشيح والدعاية تختلف بين بلد وآخر، إذ لم يتوصل العالم بعد إلى قانون عادل تماما، كما لم يتوصل إلى صيغة تفرض التصويت على جميع الناس، وسيأتي اليوم الذي يتحول فيه التصويت إلى مهمة تتعلق بكل شخص في ظل ثورة الاتصالات، من دون الحاجة إلى صناديق اقتراع لا يتجاوز فيها المشاركون حدود النصف في أكثر الأحيان.
من هنا، فإن ولاية الأمة هي العنوان الأبرز لحراك الإسلاميين السياسي، ومن العبث التشكيك في ذلك، لا سيما أن الوضع الجديد جاء نتاج ثورات شعبية وليس انقلابات عسكرية يمكن لأصحابها أن يتصرفوا بعدها كيف يشاؤون. وعموما سيكونون -كما غيرهم- أمام اختبار الجماهير التي لا تمنح أحدا شيكا على بياض، بل تنحاز إليه بقدر انحيازه إلى همومها في القضايا الداخلية والخارجية.
اليوم يركز طموح الإسلاميين -بل يجب أن يكون كذلك- على أن يتحقق الإجماع بشكل تدريجي على المرجعية الإسلامية للدولة المدنية، ويكون التنافس بين القوى بعد ذلك على هذا الأساس.وقد كان طموح الدكتور حسن الترابي في مسيرة الإنقاذ أن يكون التداول على السلطة ضمن إطار المرجعية الإسلامية، لكن شركاءه رفضوا ذلك وانقلبوا عليه هو أيضا، لا سيما أن المرجعية الإسلامية في السودان لا خلاف عليها عمليا بين سائر القوى الأساسية في الساحة.
من حق القوى الإسلامية أن تحشد الناس خلف برنامجها عبر الأطر الشعبية المستندة إلى التعددية، وليس من حق أحد أن يملي عليها شيئا بعد ذلك، وعلى سائر القوى أن تقبل بما تفرزه الصناديق. هذا هو المسار المتاح لتحقيق طموحات الأمة في العدالة والمساواة والوحدة ومواجهة المخططات الأجنبية.
فاصل بالغ الأهمية
فاجأ المتحدث باسم حزب النور (يسري حماد) الدوائر السياسية، لا سيما الإسلامية منها بتصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي (يوم الأربعاء 21 ديسمبر/كانون الأول)، وهي خطوة بالغة الخطورة لجهة التطبيع مع العدو الصهيوني، (قال لصحيفة المصري اليوم "قلت لمراسل الراديو الإسرائيلي"، مما يقلل من إنكاره معرفة هوية المراسل بعد الضجة التي أحدثتها القصة).
أما الأسوأ فيتمثل في تصريحاته المتعلقة بالمعاهدات مع الدولة العبرية، والتي تجاوز مسألة احترامها إلى تأييد حل الدولتين بدعوى القبول بما قبل به الفلسطينيون، مع العلم أن حل الدولتين يعني الاعتراف بالكيان الصهيوني واحتلال لـ78% من أرض فلسطين التاريخية. ولا تسأل بعد ذلك عن تصريحات لقياديين آخرين لا تستبعد الجلوس مع الإسرائيليين، وهي التي رحبت بها الدوائر الإسرائيلية.
سيقول البعض إن الإخوان قد قالوا باحترام المعاهدات الدولية، ولكنهم أولا لم يصرحوا لوسيلة إعلام إسرائيلية، أما ثانيا فقد قالوا كلاما ينطوي على إمكانية إعادة النظر في "كامب ديفد" بما يخدم مصالح الشعب المصري.
وعموما نحن نرفض أي شكل من أشكال التلكؤ في رفض المعاهدة من حيث المبدأ لأن غالبية المصريين ترفضها، وإن تفهمنا القول إن أي موقف جديد منها سيؤخذ من خلال الأطر الدستورية التي قبل بها الجميع.
هذه التصريحات من طرف المتحدث باسم حزب النور تستدعي الاستنكار في واقع الحال، وتشير إلى عمق أزمة التيار الذي يتراجع بسرعة رهيبة عن الكثير من مبادئه من أجل السياسة والسلطة رغم أنه ليس مرشحا لاستلامها، أقله بشكل منفرد.
إذا كان قادة الحزب يعتقدون أنهم بتصريحاتهم ومواقفهم تلك يستجلبون رضا الغرب، فإن عليهم أن يتذكروا أنهم يفقدون بسببها ثقة المصريين وعموم الشارع العربي والإسلامي، وهو ما ينطبق على الإخوان وأية قوة سياسية لا تأخذ في الاعتبار مشاعر الأمة حيال الكيان الصهيوني، وكذلك الدول الغربية التي تناصب الأمة العداء.

شبهة وجود مسيحيين وغير إسلاميين على قوائم الإخوان….بقلم: عصام تليمة


شبهة تثار للأسف في هذه الآونة، من بعض إخوة أفاضل، دخلوا مؤخرا في العمل السياسي، وهنا مكمن الخطأ الذي يقع فيه بعضهم، فهو يدخل العمل السياسي بعقلية الواعظ، وينسى أن العمل السياسي يحتاج في البحث العلمي إلى عقلية الفقيه والمفكر، وأن يبتعد الباحث في مثل هذه القضايا عن العاطفة، بل يحكم النصوص، والعلم القائم على المنهج.وأود بداية أن نضع أصولا نحتكم إليها في قضيتنا هذه، وكل القضايا السياسية التي يكون فيها مشاركة بين المسلم وغير المسلم في بناء الدولة، وبقية قضايا المجتمع المسلم وهي:

الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

ثورة الكرامة…….. بقلم:سوري حر


ثورة الكرامة
سوري حر
عَذِّبوني حَرِّقوني………قَطِّعوا أوصالَ جِسْمي
شوِّهوني واقتُـلوني……..أفسِدوا أوصافَ رَسمي
واقلَعوا منِّي عُيوني……..لَفِّقوا بالزُّورِ جُرْمي
لكنَّكُمْ لنْ تَجْعَلُوني …….خانِعاً فالحُرُّ اسمي
********
أنا حرٌّ ثائِرٌ ودَمي………شِعارُ هَوِيَّتي عُنْوانُ سِلْمِي
وثورَتِي ثورَةُ شَعْبٍ…….طاهِرٍ بِأَبي وأُمِّي
زينبٌ اسمي وطلُّ ربيبتي …….وأنتِ حياتي يايمانُ وحُلْمي
درعا موطني ودارُ ولادَتي………وحِمصُ هويَّتي وحماةُ لحمي
ولوائي بيدِ الهرموشِ نورٌ……..وسِلاحي بيدِ الغَيَّاثِ قلمي
وصوتي بِفَمِ القاشوشِ شِعْرٌ……ولِسانٌ صادقٌ بالحقِّ يرمي
ومجلسي مجلِسُ عزٍّ……..بُرهانُهُ حامٍ لِكَرْمِي
******
فانتفض ياشعبُ وانهَضْ…….أعراضنا بالروحِ نحمي
واعتصِم بالله وحدَه……….نصرُهُ لابُدَّ حَتْمِي
وادفُنِ الخَوفَ وغنِّي……..حرِّيتي تابوتُ ظُلْمي
وكرامتي بالنفسِ أفدي…….في موطِنٍ يَفْداهُ دَمِّيْ

وللديمقراطية وجوه أخرى……معتز بالله عبد الفتاح


كما هو الأمر فى كل أمر، فإنه درجات وأنواع. فهناك درجة من الديمقراطية تقف عند الإجراءات وكأن العملية الديمقراطية هى انتخابات واستفتاءات على مدى زمنى معين وما بينهما دعة وسكون ولا فعل. وهذا كان نمط الديمقراطية السائد فى القرن التاسع عشر وصولا إلى العشرينيات حتى اكتشف منظرو الديمقراطية أنهم حين ينتخبون حكامهم وممثليهم فإنه لا وسيلة لهم لإبلاغهم بتفضيلاتهم السياسية إلا بعد عدة سنوات حين يأتى موعد الانتخابات اللاحقة. لدرجة أن دارسى العلوم السياسية تبين لهم أن نسبة أعضاء الكونجرس الذين كانوا يفقدون مناصبهم بعد كل انتخابات كان ضعف ما يحدث الآن، ذلك أن التواصل بين الناخب والمنتخب كان ضعيفا مقارنة بما عليه الآن. وأطلق الباحثون على هذا النمط من الممارسة الديمقراطية اسم: «الديمقراطية الإجرائية».

ثم جاء النقاش فى مسارين متوازيين للحديث عن وجهين آخرين للديمقراطية وهما الديمقراطية التداولية والديمقراطية التشاركية.
  • أما الأولى فهى تتطلب من السياسيين أن يضيفوا إلى مهام صناعة القرار، مهام استلهام الرأى العام، أى ألا يظن الحاكم أو ممثل البرلمان أنه معه عقد تنازل ممن يمثلهم عن حقهم فى إدارة شئونهم (هذا مفهوم فى ضوء الديمقراطية الإجرائية)، وإنما يتحول الحاكم أو عضو البرلمان إلى وكيل (مثل المحامى) عمن انتخبه، وليس بديلا عنه.
وهذا المدخل التداولى للديمقراطية يقتضى تواصلا منتظما بين عضو البرلمان وأهل دائرته وبين المسئول التنفيذى وأهل الاختصاص فى مهنته. ومن هنا بدأت نسبة بقاء البرلمانى فى منصبه ترتفع لأن أصبح أكثر قربا ممن يمثلهم.
  • ولكن هذا المدخل للديمقراطية يفترض أن الإسهام الحقيقى لجموع المواطنين سيكون بصفة أساسية عبر ممثليهم وحكامهم، فى حين أن هناك طاقات كبيرة يمكن أن توظف لو كانت هناك درجة أعلى من المشاركة المجتمعية القائمة على جهود المجتمع المدنى وجماعات الضغط المنظمة والمبادرات الشعبية. وهنا تأتى أهمية هذا النمط من «الديمقراطية التشاركية» التى يتحول فيها كل شخص إلى مواطن شريك ومشارك فى عملية صنع القرار من خلال مبادرته بتوجيه صانع القرار إن أخطأ والتعاون معه إن أصاب، وملء الفراغ فى التخطيط والتنفيذ إن حدث.
 فى أحد كلاسيكيات «الاقتصاد السياسى للتنمية» يقال: «التنمية ليست قرارا تتخذه الحكومة وينفذه المجتمع، ولكنها عملية متداخلة تمهد فيها الحكومة الطريق، وتنطلق من خلاله المبادرات المجتمعية».

الديمقراطية التشاركية تقتضى منا أن نتحرك على مستويات ثلاثة:
  • أولا، لابد لشباب الثورة أن يفكروا فى العمل الجماعى من خلال أطر جامعة سواء محلية أو عامة؛ فالفعل الجماعى أصبح ضرورة.
  • ثانيا، لا ينبغى أن يكتفى الشباب برد الفعل على القرارات والسلوكيات التى تثير حنقهم، وإنما عليهم أن يتشاركوا فى بناء تصورهم عن مستقبل دورهم فى بناء وطنهم.
  • ثالثا، المشاركة لا تعنى بالضرورة المعارضة بل هى فى جزء كبير منها التعاون مع ما يحقق الصالح العام بالتعاون مع الحكومة المنتخبة والتى تعبر عن الإرادة العامة للمواطنين.
إذن، فلنعرف ابتداء أن المطلوب منا يتخطى كثيرا فكرة الديمقراطية الإجرائية الانتخابية إلى فكرة الديمقراطية التداولية والديمقراطية التشاركية. وربما تكون حركة «مصرنا» أو غيرها مدخلا ملائما لذلك الهدف.

إنما النصر صبر ساعه... محمد عريضة


اشتد قمع النظام السوري للشعب السورى البطل التواق للحرية والكرامة، ورغم هذا يزداد الزخم الثورى، فبعد أن كانت بضع مدن وقرى في بداية الثورة أصبحت الثورة الآن تغطي سوريا كلها وأصبحت يوميا وليست يوم الجمعه فقط، وصباحا ومساءا بعد كانت ليلية… في صمود اسطوري غير مسبوق لهذا الشعب العظيم…

إخوتى… إياكم أن يتسرب اليكم اليأس أو الاحباط من تخاذل الجميع عن نصرتكم وعظم تضحياتكم، فالناجى من الخزى فى الدنيا والحساب العسير في الآخرة هو من يلحق بكم ويدعمكم، فأنتم عنوان الحق والفضيلة هذه الأيام وكلنا نتمسح بكم لننال شرف صحبتكم، فلا تنتظروا شيئا من أحد، ولا تستعينوا إلا بالله، وأذكركم بحديث الرسول محمد (ص)…

عَنْ خَبَّابٍ بن الأَرتْ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَسِّدًا بردًا لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، قَالَ: فَجَلَسَ مُحْمَرًا وَجْهُهُ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ قَبْلَكُمْ تَحْفَرُ لَهُ الْحَفِيرَةُ، ثُمَّ يُنْشَرُ بِالْمِنْشَارِ مَا يَصُدُّهُ عَنْ دِينِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ قَبْلَكُمْ لَيُنْشَطُ مَا بَيْنَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ مَا يَصُدُّهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتَمِّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّجُلُ مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا لَا يَخَافُ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ".

فقد ظل المسلمون بمكة 13 عاما يسامون سوء العذاب فذهب هذا الصحابي الجليل ليطلب النصر وكأنه استبطأ النصر، وهذا يفسر احمرار وجه الرسول (ص) غضبا من كلامه وكأنه يقول أن الله هو الذي يحدد متى ساعة النصر، وكل الذي عليكم أن تقوموا بواجبكم من صبروثبات على المبدأ وصمود في فى وجه الظالمين وعدم البخل والتضحية بالغالي والنفيس وان تخلصوا الأمر لله وحده لاشريك له وأن تعتقدوا يقينا لايتزحزح أن النصر بيد الله وحده.

فلا تنتظروا اخوتى فى سوريا -وهم بالفعل لاينتظرون- أن ينصركم مجلس الأمن أو الجامعه العربية أو غيرهم، فهؤلاء وغيرهم لايقفوا مع الضعيف وإلا كان وقفوا مع حقوق الفلسطينين وحقوق الشعوب العربية منذ زمن بعيد. ولكنهم يقفوا مع المنتصر، وماكان تحركهم إلا لأنهم أدركوا قوة الشعب السورى وإصراره على المطالبة بحقوقه وأنه سينتصر لا محالة.

فميزان القوة بأيديكم أنتم، أنتم من تحركون العالم كله بصمودكم وتضحياتكم، أنتم معكم الحق ومعكم نواميس الكون وحقائق التاريخ، فماضاع حق وراءه مطالب، وفى التاريخ كل الشعوب (مسلمة أو غير مسلمة) التي انتفضت للحصول على حريتها انتصرت، هذه سنة الله في خلقه،  فصبر جميل، وإنما النصر صبر ساعه.

حفظكم الله ونصركم وتقبل  شهداءكم وشفى جرحاكم ووحد صفوفكم وربط على قلوبكم برباط الايمان والصبر الجميل… آمين

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

وجهة نظر فى الدستور الجديد……..معتز بالله عبد الفتاح

أفضل دستور هو الذى يقوم على حوار مجتمعى حقيقى مبنى على اجتهادات الجميع. من يصوغ الدستور فى صورته النهائية هو الطرف الذى قرر المصريون اختياره لهذه المهمة ولكن هذا لا يمنع اجتهاد المجتهدين. والأمر ليس بعيدا، مع الفارق الهائل فى التشبيه، عن حق كل صاحب خبرة فى مجال كرة القدم أن يقدم وجهة نظره بشأن التشكيل الأمثل وخطة المباراة القادمة، لكن القرار النهائى للجهاز الفنى الرسمى الذى ينبغى أن يكون من الحكمة والحرص على الصالح العام بأن يستمع لوجهات النظر المختلفة عسى أن يكون بينها ما هو أنفع.

المهم أن أى دستور يحدد نقاطا خمسا رئيسية وهى:
  • الهوية: سواء هوية الدولة أو هوية المجتمع. والحقوق والحريات الأساسية للأفراد،
  • ومراكز الثقل فى عملية صنع القرار السياسى: الصلاحيات وطرق المساءلة.
  • وتحديد حجم الثابت والمتغير فى الدستور من قبيل تحديد المواد غير القابلة للتعديل (مثلا الدستوران البرازيلى والألمانى وضعا مواد معينة تحت بند أنها غير قابلة للتعديل على الإطلاق أو أن تعدل فقط بأغلبية استثنائية للغاية، مثل مواد الحقوق والحريات وطبيعة العلاقة بين السلطة الفيدرالية والولايات)،
  • وكذلك تحديد المواد التى يضع فيها الدستور المبدأ العام ثم يحيل للقوانين التفاصيل. ولعل هذه النقطة الأخيرة هى التى تفسر لماذا يوجد دستور شديد القصر مثل الدستور الأمريكى ودستور شديد الطول مثل الدستور الهندى (أطول الدساتير المكتوبة)، ولماذا يوجد دولة مثل بريطانيا لا يوجد فيها دستور مكتوب أصلا مع اعتبار أن أى قانون يمرره مجلس العموم وكأنه تعديل على النظم الأساسية المستقرة.
  • وأخيرا يوجد فى معظم دساتير العالم باب أخير بعنوان: «أحكام الفترة الانتقالية» للحديث عن إدارة الملفات العاجلة فى مرحلة ما بعد إقرار الدستور مباشرة. ومن هذه النقاط هو الشق الخاص بـ: هل يعاد انتخاب برلمان جديد أم يستمر البرلمان فى ممارسة دوره، فيظل نفس البرلمانيون ولكن بعد فترة انتقالية قصيرة يمارسون أدوارا جديدة أو أدوارا قديمة فى ضوء قواعد الدستور الجديد؟.
 والحقيقة أننى، سمحت لنفسى، مع بعض زملائى فى مركز دراسات «بيت الحكمة» أن ننظر فى 20 دستورا حديثا فضلا عن عدد من الدساتير التقليدية، ووصلت إلى قناعة أن دستور 1971 فى الكثير من أبوابه الأولى، ومع تنقيحات قليلة جدا، ومع مراجعة شبه تامة لأبوابه من الخامس إلى السابع، يمكن أن يكون أساسا معقولا جدا للتحول بمصر من دولة رئاسية فرعونية إلى دولة ديمقراطية مدنية حديثة تحترم الشريعة والشرعية فى غير تنافر.

ومع ذلك هناك قضايا أرى أنها لا بد أن تناقش بحذر شديد، مثل:
  • أولا، المادة الثانية من الدستور، وإضافة النص المتفق عليه لضمان حقوق غير المسلمين فى قوانينهم الشخصية وحرية العبادة.
  • ثانيا، قضية الخمسين بالمائة عمالا وفلاحين (ومن ثم موضوع السماح بتكوين أحزاب على أساس فئوى)،
  • ثالثا، مجلس الشورى (الباب السابع فى الدستور بدءا من المادة 194)،
  • رابعا، موقع رئيس الوزراء من عملية صنع القرار وهل هو «رئيس سكرتارية رئيس الدولة» مثلما كان الأمر عليه فى دستور 1971 أم هو رئيس الحكومة على نمط النظام شبه الرئاسى فى فرنسا، فيسحب الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية.
  • خامسا، قضية محاكمة الوزراء والذى أعتقد أن دستور 1954 قد عالجها بحكمة فى مادتيه 120 و121.
  • سادسا، فكرة إنشاء مجلس اقتصادى واجتماعى، على نمط العديد من الدول الفرانكوفونية.
  • سابعا، تنظيم استدعاء رئيس الجمهورية لوحدات من القوات المسلحة للقيام بمهام شرطية.
  •  ثامنا، قضية مجانية التعليم (المادة 20).
  • تاسعا، تشكيل وصلاحيات مجلس الأمن القومى وعلاقته بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

ثورة مصر من افتقاد الرأس إلى ضياع الهدف…… فهمي هويدي


أخطر ما تواجهه أي مسيرة أن يضيع منها الهدف، لأنها في هذه الحالة ستكون معرضة للتيه والضياع. وأخشى ما أخشاه أن تكون تلك حالة الثورة المصرية الآن.
(1)
في أشهر البراءة الأولى كان ظننا أن مصادر الخطر الذي يهدد الثورة تتراوح بين فلول النظام السابق والقوى الإقليمية والدولية التي أدركت أن مصالحها ستتضرر بنجاحها. وكنت وما زلت أحد القائلين بأن الوضع الاستثنائي لمصر المتمثل في ثقلها ودورها المؤثر في العالم العربي، من شأنه أن يجعل من الثورة ولادة عسرة و"قيصرية"، في حين أنها يمكن أن تصبح ولادة طبيعية ومحتملة في أية دولة أخرى بالمنطقة. قلت أيضا إن الديمقراطية في مصر، إذا قدر لها أن تتحقق، فإن ذلك سيصبح مصدر استياء من جانب أطراف عدة، عربية وإقليمية ودولية، وقد أثبتت الأشهر التي خلت صحة ذلك التقدير.
تجلى ذلك من الموقف السلبي لبعض الدول العربية التي امتنعت عن تقديم أي مساندة للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، وبعض تلك الدول ذهبت إلى حد ممارسة ضغوط مختلفة على المصريين العاملين سبقت الإشارة إليها. 
ما حدث في إسرائيل لم يكن استياء وإنما كان ذعرا حقيقيا ومتغيرا إستراتيجيا لم يكن في الحسبان، عبرت عنه كتابات المحللين التي نشرتها مختلف الصحف، وكان ذلك واضحا في التقرير الإستراتيجي الإسرائيلي الذي صدر في شهر سبتمبر الماضي، وفي الزيادات التي طرأت على نفقات الأمن والجيش، بعدما كانت الحكومة قد اتجهت قبل رحيل مبارك إلى تقليصها، حتى إن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لم يتردد في مطالبة الولايات المتحدة بدفع عشرين مليار دولار إضافية لموازنة الأمن، مساهمة منها في "مساعدة إسرائيل على تحمل تبعات الثورات العربية على أمنها القومي". وكان الوزير والنائب الحالي بنيامين بن إليعازر قد طالب إسرائيل بالاستعداد لخوض حرب جديدة ضد مصر، بعد الذي طرأ على نظامها من تحولات.

صحيح أن الدول الغربية -وفي مقدمتها الولايات المتحدة- أبدت استعدادا للتعامل مع الأمر الواقع في مصر، لكنها في الحقيقة اشترطت ألا يكون ذلك متعارضا مع مصالحها أو ماسا بمعاهدة السلام مع إسرائيل. هذا في الوقت الذي ألقت فيه بثقل تمويلي كبير لدفع الأمور باتجاه الحفاظ على تلك المصالح. وكانت بعض منظمات المجتمع المدني هي الوعاء الذي وجه إليه ذلك التمويل، الذي فهمنا أنه محل تحقيق في مصر لم تعلن نتائجه.

(2)
كل ذلك مفهوم ولا مفاجأة فيه. كذلك لم تكن هناك مفاجأة في موقف فلول النظام السابق، ذلك أن الأولين إذا كانوا قد تحركوا تحسبا لمواقف محتملة، فإن الفلول تضررت مصالحهم بصورة مباشرة، رغم أنني أشك في أنهم بالقوة التي تتحدث عنها بعض وسائل الإعلام. على الأقل فذلك ما أثبتت الانتخابات التشريعية في مرحلتيها الأولى والثانية، ناهيك عن أن دورهم في الاضطرابات التي شهدتها مصر مؤخرا لم يثبت بعد أو لم يعرف حجمه على وجه التحديد، وكل ما سمعناه كان إحالة شفهية إلى دورهم، أو حديثا عن "رائحتهم" كما قال اللواء عادل عمارة عضو المجلس العسكري في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم 19 ديسمبر/كانون الأول.
ما لم يكن في الحسبان هو المفاجأة التي جاءت من الداخل، والتي قامت النخب والإعلام بدور رئيسي فيها، لم يكن الوحيد لكنه الأهم والأكثر فاعلية، ذلك لأنه ما إن بدأت أولى خطوات التحرك لإقامة النظام الديمقراطي المنشود وتسليم السلطة إلى المدنيين، وتمثلت في التعديلات الدستورية التي تم الاستفتاء عليها في شهر مارس/آذار الماضي، حتى حدث أول شرخ في بنيان الجماعة الوطنية. في تلك التجربة المبكرة ظهرت بوادر الانقسام في مصر، وكان ذلك مؤسفا لا ريب، أما المحزن فأن الخلاف بدا في ظاهره سياسيا لكنه تحول إلى صراع هويات.
وانطلقت الشرارة التي أججت ذلك الصراع من اختيار أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين عضوا في اللجنة التي أجرت التعديلات، وطالت السهام المستشار طارق البشري الذي رأس اللجنة لما عُرف عنه من غيرة على دينه. لم يكن موضوع النقد هو كفاءتها القانونية وإنما هويتها الإسلامية. 
ورغم أن اللجنة ضمت ستة آخرين من أكفأ رجال القانون أحدهم قبطي، إلا الناقدين تجاهلوا دورهم، واعتبروا أن الحضور المتواضع للهوية الإسلامية في اللجنة جريمة لم تغتفر في نظرهم حتى هذه اللحظة. ومنذ ذلك الحين والرأي العام المصري يخرج من معركة فرعية لكي يدخل في أخرى.

ترتب على ذلك أنه خلال الأشهر العشرة التي مضت لم نلمس جهدا حقيقيا للتوافق بين النخب، التي فشلت في الاتفاق على ما هو مشترك بينها. وفي حين تابعنا خلال الأسبوعين الأخيرين كيف أن ثورة تونس استطاعت بالتوافق أن تتقدم أكثر من خطوة مهمة للأمام، بحيث اشتركت الأحزاب الرئيسية الثلاثة في إدارة البلد وترتيب وضع الدستور، فإننا وجدنا أن روح المغالبة ظلت مخيمة على الحراك السياسي في مصر.

(3)
في هذه الأجواء لم يتوقف التراشق بين الجماعات السياسية باختلاف مسمياتها، وظهر السلفيون فأربكوا الحسابات وقلبوا الطاولة على الجميع بآرائهم الصادمة وأولوياتهم المختلة، وأسفرت الانتخابات عن نتائج سجلت تقدما للتيار الإسلامي على الآخرين فاتسعت جبهة المواجهة، وشن الإعلام حملة ترويع وتخويف من ذلك التقدم، انضافت إلى جهود الإثارة والتهييج التي تمارس منذ لاحت بوادر الشقاق، الذي كانت السهام تطلق فيه من فوق المنصات الإعلامية.

أخطر ما في هذه الأجواء ليس فقط أنها مزقت الصفوف وأهدرت الطاقات وعمقت المرارات، إنما الأخطر أنها جرفت الانتباه بعيدا عن الأهداف الأساسية للثورة، حتى الأهداف المرحلية لم تكن واضحة. فلم يكن مفهوما الهدف من اقتحام وزارة الداخلية أو الوصول إلى وزارة الدفاع، أو إغلاق مجمع التحرير، أو منع رئيس الوزراء من الذهاب إلى مكتبه، أو اقتحام مبنى مجلس الشعب، حتى حرق مبنى المجمع العلمي وتحويل نفائسه إلى رماد، لم تكن معلومة أسبابه ومقاصده ولا عرف الفاعلون الذين حرضوا عليه.
أدري أن الغاضبين الذين أرادوا أن يعبروا عن احتجاجهم أو يسجلوا مواقفهم لم تكن لهم يد في التخريب الذي تم أو الحماقات التي ارتكبت، لكننا لا نستطيع أن ننكر ثلاثة أمور: الأول أن ذلك كله نسب إلى الثورة والثوار. الثاني أن أولئك الغاضبين لم يكن لديهم اتفاق واضح حول الأهداف، حتى أزعم أن التعبير عن الغضب كان هدفا بحد ذاته. الأمر الثالث أن صفوفهم لم تخل من المهيجين والفوضويين ذوي الأصوات العالية، الذين ظلوا يقفون دائما ضد أي محاولة لترشيد سلوك المتظاهرين أو إدارة عجلة الدولة.

لا يستطيع أحد أن ينكر أن التظاهر حقق المراد منه حين كان الهدف منه واضحا، كما حدث في المحاكمة العلنية لمبارك ورجاله أو في إسقاط حكومة الدكتور عصام شرف أو إسقاط وثيقة الدكتور السلمي، لكن ذلك التظاهر أصبح عبئا على الثورة حين انقسم الصف وانفرط العقد واختلط الحابل بالنابل.

لا أشك أيضا في أن الأخطاء التي وقع فيها المجلس العسكري كانت من الأسباب التي أججت مشاعر الغضب وأسهمت في توسيع نطاق الحريق، وكان أبرز تلك الأخطاء استخدام العنف المفرط بحق المتظاهرين مما أدى إلى قتل بعضهم وتلطيخ وجه الثورة بدماء الثائرين.

وكان مستغربا أننا إزاء ذلك لم نلمس أي اعتراف بالخطأ الذي وقع أو اعتذار عنه، لكننا تلقينا ردودا جانبها التوفيق، حيث لجأ ممثلو المجلس العسكري إما إلى إنكار ما حدث أو محاولة تبريره وتوجيه الاتهام للمتظاهرين أو تحميل المسؤولية لطرف ثالث غير معلوم.
(4)
في مختلف الدراسات الإستراتيجية تحذير دائم من إغفال الأهداف أو الحيدة عنها، وهو أمر مفهوم لأن الإستراتيجيات معنية بالكليات والمقاصد النهائية، الأمر الذي يستدعي سؤالا جوهريا ينبغي أن يطرحه الباحث على نفسه دوما هو: هل الوسائل والسياسات المتبعة تقرب من الأهداف المنشودة أم تبعّد عنها؟

لدينا مستويان في الإجابة عن السؤال، إذ لا بد أن نسجل أن المضي في إجراء الانتخابات التشريعية وإنجاز المرحلتين الأولى والثانية يشكل تقدما مهما باتجاه نقل السلطة إلى المدنيين، وأن ذلك حدث رغم عدم استقرار الوضع الداخلي، ورغم تخويف البعض من إجراء الانتخابات والتحذير من احتمالات الفوضى التي تغرق البلاد في بحر الدماء، وهي التلويحات التي كانت قد رددتها بعض المنابر الإعلامية وحذر منها عدد غير قليل من المثقفين. من هذه الزاوية فإن واجب الوقت الذي ينبغي أن تؤديه الجماعة الوطنية هو مساندة تلك المسيرة ودفعها لإنجاز المرحلة الثالثة، ومن ثم تشكيل أول نواة منتخبة في مسار تأسيس النظام الديمقراطي الجديد.

المستوى الآخر يتعلق بالحراك الحاصل في المجتمع، بالأخص في دوائر المتظاهرين والنخبة والإعلام. وإذ نلاحظ أن الانفعال والغضب من سمات حركة المتظاهرين الذين قد نعذرهم في بعض الحالات، فإننا نجد النخبة مستغرقة في تصفية حساباتها، أما الإعلام فأغلب ما يصدر عنه يدور في فلك صب البنزين على النار، ومواصلة إشعال الحرائق وتأجيجها. وحصيلة ذلك كله لا تخدم هدف نقل السلطة إلى المدنيين، إذا لم تؤدِ إلى تعويق ذلك الهدف وتأجيله.

إننا في أشد الحاجة إلى الاستعانة بموازنات الأصوليين في التعامل مع تحديات المرحلة القادمة، تلك التي تتحدث عن الموازنة بين المفاسد بما يحبذ القبول مؤقتا بمفسدة صغرى خشية أن يترتب على إصلاحها وقوع مفسدة كبرى، أو احتمال الضرر الأصغر لتجنب الضرر الأكبر، أو تلك التي تتحدث عن تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة.

إذا أردنا تنزيل هذه الفكرة على أرض الواقع فإنني أزعم أن مسؤولية الحفاظ على الثورة تفرض على الغيورين عليها أن يصوبوا وجهتهم بحيث يصبح إتمام الانتخابات وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة هو المصلحة الكبرى التي قد يتطلب تحقيقها احتمال وتمرير بعض المفاسد الصغرى. وما لم يحدث ذلك فاللحظة التاريخية مهددة بأن تفلت من أيدينا، بحيث لا تبقى لنا ثورة بل قد لا تبقى لنا دولة.

وهو أمر مقلق ومحزن، أن نشكو في البداية من افتقاد الثورة للرأس، ثم بعد مضي عشرة أشهر نخشى على الثورة من ضياع الهدف.

حكايات في تطوير الذات……..فهد عامر الأحمدي


حكايات في تطوير الذات

فهد عامر الأحمدي


أخوكم في الله من المدمنين على قراءة كتب التحفيز وتطوير الذات .. فمن خلال ملاحظاتي الشخصية اكتشفت أننا سرعان ما ننسى الإرشادات والنصائح المباشرة في هذه الكتب، ونتذكر القصص ذات المغزى التي وردت فيها .. فأنا مثلا أتذكر -في هذه اللحظة-
قصصا كثيرة عن التحفيز والنجاح ولكنني لا أتذكر متى ولا أين قرأتها ولا حتى أسماء الشخصيات الواردة فيها …

فهناك مثلا قصة الخليفة الذي استلم رسالة من أحد الأمراء يهدده فيها بالعصيان والتمرد مالم يمنع عبيده وماشيته عن دخول مزرعته .. وحين استلم الخليفة الرسالة استشار من حوله فقالوا له: نرى أن ترسل له جنودا أولهم عنده وآخرهم عندك. ولكنه لم يوافقهم الرأي وقال أعرف ماهو أفضل، وبعث إليه رسالة يعتذر فيها عن الحادثة ويهبه العبيد والماشية التي اعتدت على مزرعته .. فما كان من الرجل إلا أن أتاه معتذرا ونادما ومقدما عهود الولاء والطاعة…!


(ومغزى القصة هو إيضاح أهمية الحلم والتعامل الراقي وكيف أنه يؤخذ بالرفق مالا يؤخذ بالقوة)…


أيضا هناك قصة عازف الكمان الفرنسي الذي تقدم للعزف أمام لجنة تتضمن سبعة موسيقيين مشهورين..
وكان عرضه أمامهم كفيلاً بتحديد مستقبله المهني دون وجود أي فرصة للإعادة .. وحين بدأ بالعزف انقطع أحد أوتار الكمان فاستمر في العزف بنفس المستوى.. ولكن سرعان ما انقطع الوتر الثاني ثم الثالث ولم يتبق إلا الرابع فاستمر بالعزف حتى انتهى من المقطوعة كلها… اللجنة من جهتها أعطته الدرجات كاملة ليس لجمال عزفه فقط بل ولشجاعته وإصراره وعدم انسحابه!

(ومغزى القصة هو عدم التوقف عن المحاولة مهما
انقطعت أوتارك في الأوقات الحرجة)…

أيضا هناك قصة المزارع الذي باع كل ما يملك في هولندا لشراء أرض في جنوب أفريقيا بغرض
تحويلها إلى مزرعة ضخمة.. ولكن بعد استلامها اكتشف أنها لم تكن فقط أرضاً جدباء وبوراً بل ومليئة بالعقارب والأفاعي القاذفة للسم. وبدل أن يندب حظه قرر نسيان الزراعة برمتها واستغلال كثرة الأفاعي لإنتاج مضادات للسموم الطبيعية لدرجة تحولت مزرعته (اليوم) الى أكبر منتج للقاحات السموم في العالم!

(ومغزى القصة هو عدم الاستسلام والبحث عن الجانب
الإيجابي في أي مصيبة، ناهيك عن
ترك المسار التقليدي والاختراق بفكرة جديدة)…

وجاء في كتاب "كيف تؤثر في الناس" لخبير العلاقات الانسانية دييل كارنيجي قصة جميلة عن كيفية قيادة الآخرين وتوجيه الناس لفعل مانريد .. فهو يخبرنا عن زوجة مزارع كانت تراقب من نافذة المطبخ فشل زوجها وأطفالها في تحريك ثور ضخم ودفعه الى الحظيرة فخرجت بنفسها حاملة حزمة برسيم وسارت أمام الثور الذي تبعها حتى دخل الحظيرة بطيب خاطر !!

(ومغزى القصة هو دفع الآخرين لفعل مانريد ليس بأسلوب القوة
والدفع المباشر بل بإغرائهم وجذبهم وإشراكهم في الموضوع)…

كما أورد كارنيجي قصة أخرى (تتعلق بإضفاء الأهمية على الشخص المقابل) بطلتها سيدة عجوز
عانت كثيرا من صبية مشاغبين كانوا يتلفون الورد والنباتات في حديقة بيتها .. وقد جربت معهم اللوم والتعنيف
وإبلاغ البوليس ولكن بلا جدوى.. وأخيرا اختارت أسوأ الصبيان وأكثرهم سلطة وتجبرا وأخبرته أمام بقية
الأطفال أنها عينته قائدا عاما ومشرفا خاصا على حديقة المنزل، ومن يومها لم يتجرأ أي صبي آخر على دخول حديقتها مجددا…

(ومغزى القصة إعطاء الآخرين أهمية
خاصة بطريقة تحقق كذلك مصالحنا الخاصة)…

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

منا أمير.. ومنكم أمير…………… معتز بالله عبد الفتاح


ليست عندى معلومة موثقة، ولكن أستغرب كثيرا إن لم يحدث اجتماع ما بين أحد القيادات العليا فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع أحد القيادات العليا فى الإخوان المسلمين. ملعب السياسة فى مصر الآن أشبه بساحة ليست فيها خطوط أو مكان للمرمى أو تحديد للحكام أو للقواعد بعد أن قامت ثورة 25 يناير بالتخلص من اللاعبين القدامى والقواعد البالية التى كانوا يديرون بها لعبة السياسة فى مصر.

الفكرة ببساطة أن المجلس الأعلى بحكم أنه يدير المرحلة الانتقالية والإخوان بحكم أنهم أصحاب الأغلبية البرلمانية لديهما الكثير مما يمكن أن يتفقا عليه ولديهما الكثير مما يمكن أن يختلفا عليه. كلاهما يريد انتقالا سلميا بلا صراعات أو مواجهات، كلاهما يريد ألا تغرق المركب لأنها مركب الجميع، كلاهما يريد أن تتوقف القوى الثورية عن ممارسة ضغطها الشديد على الساحة السياسية عبر المليونيات وغيرها، كلاهما مستعد أن يقدم تنازلات متبادلة لصالح شراكة جديدة.

ولكن لا ننسى أن بينهما الكثير مما يمكن أن يختلفا عليه:
  • القوات المسلحة مؤسسة وطنية قطرية لا ترى لها مصلحة فى أن تستدرج أو أن تفتعل صراعات خارج حدودها لا باسم القومية العربية ولا باسم الأخوة الإسلامية، وبالتالى هى تريد أن تكون أمينة على قضايا الأمن القومى المصرى على وجه الخصوص وعلى توجهات السياسة الخارجية بصفة عامة.
  • هناك كذلك نقطة توتر محتملة وهى المرتبطة بسرية ميزانية القوات المسلحة وعدم رقابة البرلمان عليها والتى هى قضية بالغة الحساسية عند قيادات القوات المسلحة وهى كذلك بالغة الحساسية عند الرأى العام الذى التهب عند طرح الفكرة مع وثيقة الدكتور على السلمى. وغالبا ستطلب مرة أخرى من المجلس الاستشارى. وهنا سيكون على جماعة الإخوان إما أن تتعامل بمنطق أن هذه صفقة وعليهم أن يمرروها كثمن مدفوع لضمان خرج المجلس العسكرى من بعض جوانب المعادلة السياسية، أو أن يعلنوا انحيازهم للقوى الرافضة لأى استثناءات لأى مؤسسة إلا فى حدود ما هو متعارف عليه دوليا من وحدة موازنة الدولة وشموليتها.
  • وهناك كذلك الجدل الذى سيثار بشأن الدستور وضمان مدنية الدولة ووجود مجلس للأمن القومى «يتحكم» وإن لم «يحكم».
وهناك نظرية «منا أمير ومنكم أمير» فتكون الأغلبية فى البرلمان للإخوان، ويكون رئيس الجمهورية القادم شخصا يرضى عنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

لا أعتقد فى أى من الطرفين نزعة للخيانة أو عدم الوطنية، وإنما كل طرف له طريقته فى النظر لما هو كائن ولما يجب أن يكون وكيف نصل إلى هناك.

أعتقد أنهما سيسعيان لتخطيط الملعب غير المخطط، وأعتقد أنهم سينجحان إن اتفقا. ولكن عندى تحذيرا: لا تخططاه وكأنكما اللاعبان الوحيدان. خططاه بما يتسع للجميع، فالحياة السياسية المصرية أوسع كثيرا من الإخوان حتى وإن كانت معهم الأغلبية، ومن المجلس العسكرى حتى وإن كان يمثل رأس المؤسسة الوطنية الأكبر التى نحترمها. ولنتذكر أن مبارك كان معه الأغلبية وكان القائد الأعلى للقوات المسلحة. دامت مصر دائما بخير.

الأحد، 25 ديسمبر 2011

كنت مرشحًا لحزب الحرية والعدالة!….. د. محمد جمال حشمت

لا شك أن تولي أي مسئولية في مصر في هذه الفترة الانتقالية لا يقبلها إلا صنفان:
  • الأول: من لم يشعر بتغيير حقيقي حدث في مصر بعد أكثر من 11 شهرًا، ويريد أن يستمر في الأداء؛ باعتبار أنه ليس هناك من قرر- على مستوى أعلى- أن تغييرًا جذريًّا قد حدث في أداء المسئولين، أو أن هناك مراقبًا يراجع القرارات الفردية التي ما زال البعض يتفرد بها في مؤسسته، فتعصف بالغلابة أو تتعسف مع الموظفين، وهذا الصنف هو ما أطلقت عليه لفظ "الأربعين حرامي" الذين ما زالوا يمارسون الدور السيئ الذي تبنَّاه نظام مبارك المخلوع بعد سقوط على بابا بتاعهم!!.
  • أما الصنف الثاني فهو الذي يرى في نفسه وإمكاناته وقدرته ورغبته في الإصلاح  الكفاءة التي تؤهِّله للقيام بهذا الدور، ويتولى وهو مشفق على نفسه من صعوبة المهمة وتلوث المناخ من حوله برغبات البعض في إفشال التجربة الديمقراطية المصرية بعد ثورة 25 يناير!.
وأعتقد بعد أن منحنا الشعب المصري ثقته في الانتخابات البرلمانية أننا من الصنف الثاني الذي يتولى إدارة تركة مثقلة بالفساد والديون والنهب والسرقة، طوال عشرات السنيين الماضية، ولكن يقيننا بالله تعالى وعونه لمن أخلص له يجعلنا نركن إلى جناب الله ونحن نجتهد في الأداء وهو سبحانه خير معين متى علم في قلوبكم خيرًا فسيجزيكم خيرًا منه إن شاء الله!.
ويقيني الذي لا يهتزُّ- وقد التزمت به منذ كنت نائبًا لأول مرة عام 2000م- هو أننا وإن كنا مرشحين لحزب الحرية والعدالة، لكن بعد نجاحنا في كسب ثقة الناخبين فقد أصبحنا نوابًا لكل أبناء الشعب المصري، من منحنا ومن حرمنا صوته، المسلم والمسيحي، الحزبي ومن لا انتماء له، وتلك هي أول ما نعد به.

أما ثاني الوعود فهو الثأر لدماء شهداء مصر طوال العهد البائد؛ الذين ماتوا حرقى أو غرقى أو مرضى، مرورًا بشهداء 25 يناير و19 نوفمبر و16 ديسمبر، وكل مصري يقع صريع العنف والاعتداء على حقه في حياة آمنة، وكذلك كل من أصيب في هذه الفوضى التي نأمل في إنهائها كي نتفرغ لبناء مصر.

ثالثًا: نعد بمساعدة أجهزة الشرطة كي تتطهَّر من قيادات العار فيها، وتثق في نفسها، وتعود لحفظ أمن مصر والمصريين؛ لأن في عودة الأمن والأمان للشعب المصري خير معين على العمل والإنتاج.

رابعًا: ألا تمر موازنة أو خطة لأي حكومة قادمة داخل المجلس إلا وتخدم وتمثل الفقراء ومتوسطي الحال في مصر؛ الذين نسيهم وأهملهم النظام الفاسد السابق؛ الذي حوَّل خططه وموازناته لصالح الأغنياء، وهذا ما لن يحدث إن شاء الله في الفترة القادمة؛ حتى يستعيد شعب مصر كرامته وحقوقه، ويستشعر أهميته ويمارس نفوذه وإرادته في اختيار حياته!.

خامسًا: نتعهَّد بأن نمدَّ أيدينا لكل أبناء الاتجاهات والأحزاب الذين ترشحوا في الانتخابات ولم يوفقوا، لعل بعضهم يملك أفكارًا وحلولاً تستحق الاهتمام؛ كي يشارك كل أبناء مصر في بنائها وتنمية مواردها.

سادسًا وأخيرًا: نتعهد ببذل كل غال ورخيص وكل جهد من أجل تحقيق الكرامة وإقامة العدالة لشعب مصر، نفتح أيدينا لكل أبناء مصر داخل الحزب وخارجه إن شاء الله، ولعل هناك احتياجات لن تحتاج سوى قرارات فورية، وأخرى تحتاج إلى تعديلات تشريعية، وثالثة لتوفير تمويل مناسب؛ فالوقت هنا جزء من العلاج، يقصر أو يطول حسب المشكل المطروح، وفي النهاية سيمارس المصريون حقهم في اختيارات جديدة في انتخابات قادمة؛ ليعبروا عن رضائهم أو عدم قناعتهم بما تمَّ بذله، وسنحترم قرارهم ونتقبله بصدر رحب ونفس توَّاقة لممارسة الديمقراطية التي تجعل من الشعب مصدرًا للسلطات!.

في نهاية هذه الوعود أدافع بكل قوة حول وعي الشعب المصري وإرادته في الاختيارات التي تمَّت رغم التهم الكثيرة التي ألقاها الكثيرون ممن لم يوفَّقوا في الانتخابات، وقد اتهموا هذا الشعب العظيم بالغفلة والجهل والتحرك على نغمة القطيع أو الانخداع بالشعارات الدينية، لكن في الحقيقة كلمات سمعتها من العشرات، كلٌّ في مكانه، رغم بعد المسافات يقولون بكل وعي وذكاء لنا: "نحن أمانة في أعناقكم، فلا تضيعوا الأمانة، وقد وثقنا فيكم كل الثقة".

ولم يكن أمامنا سوى أن نطلب من هؤلاء الشرفاء البسطاء الدعاء لنا وتقديم العون المستطاع والرقابة الدائمة، فاللهم أعنَّا على حمل الأمانة، وعلى حسن أدائها.. اللهم آمين.

من يريد هدم الدولة؟……… معتز بالله عبد الفتاح

الناس يتبنون مواقفهم إما استنباطا أو استقراء أو بالجمع بينهما. أما الاستنباط فهو من قبيل أن يقول أحدنا: أنا لا أحب فلانا لأنه من محافظة كذا وأهلها يقال عنهم إنهم «بخلاء» أو «خبثاء»، أو أن يقول أحدنا «أنا لا أحترم فلانا لأننى لا أثق فى العسكر أبدا».

وأما الاستقراء فهو قائم على أن نحاسب الناس على أساس أن «يظهروا لنا أفضل أخلاقهم، والله يتولى السرائر» كما قال العظيم عمر بن الخطاب، أو من باب أولى كما جاء فى القرآن الكريم الذى علمنا حين نتعامل مع أهل الكتاب على أنهم «ليسوا سواء».

وهو ما فعله الرسول الكريم حين هادن قريش حين هادنوه، وحاربهم حين حاربوه. وهو ما قرره القرآن الكريم فى قصة «نوح» عليه السلام: «قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوتُ قَومِى لَيلاً وَنَهَارًا (٥) فَلَم يَزِدهُم دُعَائى إِلَّا فِرَارًا (٦) وَإِنِّى لَّمَا دَعَوتُهُم لِتَغفِرَ لَهُم جَعَلُواْ أَصَـابِعَهُم فِى اءَاذَانِہِم وَاستَغشَواْ ثِيَابَہُم وَأَصَرُّواْ وَاستَكبَرُواْ استِكبَارًا (٧)» وكأن النبى الكريم فى البداية أحسن الظن بقومه وبذل كل الجهد حتى تأتى آخر الآيات فى السورة ليقول: «وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَر عَلَى الأَرضِ مِنَ الكَـافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِن تَذَرهُم يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُواْ إِلَّا فَاجِرًا كفَّارًا (٢٧)». إذن موقف النبى نوح تغير استقراء مع تغير مواقف قومه. وهو أشبه بما حدث مع من قال فى الماضى: «الجيش والشعب إيد واحدة» ومن يقول اليوم: «يسقط، يسقط حكم العسكر». وهكذا سيحاسبنا الله: «بما كسبت أيدينا» وليس بالصور النمطية عنا.

قطعا أنا لا أشبه أيا من المعاصرين بنوح عليه السلام أو بقومه. ولكن القياس على الأفعال وليس على الفاعلين. من ظن حسنا فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الماضى كان نتيجة ما فعلوا من حقن دماء المصريين والسعى إلى تسليم سريع للسلطة ورغبة فى القضاء على الفساد. ومن يظن سوءا فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الآن فهذا نتيجة أنهم نكصوا عما وعدوا وأساءوا فيما فعلوا. وأسوأ ما فعلوا هو أنهم أطالوا الفترة الانتقالية، ولم يلتزموا بنتيجة الاستفتاء، ووضعوا مواطنينا من الجنود فى مواجهة مع مواطنينا من المدنيين، وتوقفوا عن التفاعل والتواصل مع القوى السياسية، وحتى حين قرروا إنشاء مجلس استشارى بعد شهور من مطالبتنا به نزعوا عنه الكثير من مصداقيته حتى قبل أن يعلن عن تشكيله.

الحقيقة أنا لا أعرف من الذى يريد هدم الدولة المجلس العسكرى أم شباب الثورة أم أنها ستكون، لا قدر الله، جهدا مشتركا بين طرفين يسيران بسرعة شديدة فى مواجهة بعضهما وستأتى لحظة يصطدمان كقطارين مندفعين بقيادة إما غير حكيمة أو غير موجودة. والحقيقة أن قطارا ثالثا يأتى من جهة ثالثة وهو قطار الحائزين على الأغلبية فى البرلمان والذين أتمنى ألا يخطئوا قراءة العشرة ملايين مصرى الذين صوتوا لهم حتى الآن، فهناك ثلاثون مليون مصرى إما لم يصوتوا لهم أو لم يصوتوا على الإطلاق. أزعم أن المحطتين القادمتين قبل الاصطدام سيكون «ملامح الدستور» و«25 يناير 2012».

من الحصافة أن تبادر الأغلبية البرلمانية بطمأنة الجميع على مستقبل العيش المشترك من الآن وعدم الاستكانة وراء «الشرعية الانتخابية» لأن «التقلبات السياسية» أقوى وأشد من «الشرعية الانتخابية». وما خبرة الجزائر عنا ببعيد مكانا وزمانا وحالا. ومن الحصافة ألا يتصور المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن «المجلس الاستشارى» سيحقق له ما فشل فيه الدكتور على السلمى، فلا تحسبوها غلط للمرة العشرين أو ربما الثلاثين، حرام علينا جميعا مصر.

 ولشباب الثورة التواق لمستقبل أكثر عدالة وحرية ومساواة عليكم أن تفرقوا فى كلامكم وأفعالكم بين «الثائر والراكب والمندس» حتى لا يسىء لكم من ليس منكم.

خطة عمل وطنية للأسابيع القادمة…. عمرو حمزاوي

مليونية رد الشرف والاعتبار، ومن قبلها المسيرة النسائية بالتحرير والتى أوقفت مع بعض الجهود الفردية الأخرى العنف أمام مجلس الوزراء وحمت المعتصمين والمتظاهرين، دللت على ضرورة التلازم بين مسار الاحتجاج الشعبى السلمى وبين العمل السياسى الهادف إلى بناء دولة القانون والإسراع بنقل السلطة من المجلس العسكرى لسلطات مدنية منتخبة.

  • فلا سبيل للتأسيس لدولة القانون غير المحاسبة المنضبطة والشفافة للخارجين عنه، بانتهاك حقوق الإنسان والاعتداء على أرواح وأجساد وكرامة المصريات والمصريين وكذلك بممارسة العنف وإتلاف منشأت عامة وخاصة. جل الشعارات والهتافات التى صاغت وعى المشاركين فى مليونية رد الشرف والاعتبار عبرت عن رغبة جماعية حقيقية فى إحقاق الحق والانتصار لثقافة المحاسبة دون خوف من الموقع السياسى للمسئولين عن الانتهاكات أو الجهة السيادية التى يمثلونها. والترجمة السياسية لهذه الرغبة لا يمكن أن تخرج الآن عن الضغط من أجل تشكيل هيئة قضائية خاصة للتحقيق فى قتل المصريين وانتهاك حقوقهم واستخدام القوة المفرطة ضدهم وممارسة العنف ضدهم وضد منشآت عامة وخاصة. تلك هى مسئولية النواب المنتخبين والقوى السياسية إن أرادوا تجديد الروابط بين مسار الاحتجاج الشعبى وبين مسار بناء مؤسسات ديمقراطية (البرلمان) لنظام سياسى جديد. وتلك هى النقطة الأولى فى خطة العمل الوطنية للأسابيع القادمة.
  • النقطة الثانية فى خطة العمل الوطنية هى شروع النواب المنتخبين لمجلس الشعب فى الترجمة السياسية للهدف العريض الذى تبناه بوعى مسار الاحتجاج الشعبى وهو الإسراع فى نقل السلطة من المجلس العسكرى للهيئات المدنية المنتخبة. ليس فى تبنى هدف نقل السلطة فى أقرب وقت ممكن دعوة للصدام مع الجيش أو مساس بكرامة المؤسسة العسكرية، وليس وراءه مؤامرة لدفع مصر نحو فوضى أو هدم للدولة المصرية. فنقل كامل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية من المجلس العسكرى إلى برلمان منتخب ورئيس منتخب هو جوهر أجندتها الوطنية منذ ١١ فبراير ٢٠١١. والإسراع فى إجراءات النقل من خلال تبكير موعد انتخابات الرئاسة بعد الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب يستند إلى حقيقة مفادها أن إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد تعثرت كثيرا ووقعت فى أخطاء كبرى أفقدتها شرعية القبول الشعبى، خاصة بعد الفشل فى عصمة دماء المصريين، وأن آوان الرحيل قد آن.
نحن إذا لسنا مع دعوة للفوضى أو لهدم الدولة أو تفتيت مؤسساتها، بل مع عمل على نقل السلطة لمدنيين لحماية مسار التحول الديمقراطى وحماية تماسك الدولة ومؤسساتها بما فيها المؤسسة العسكرية التى ينبغى إخراجها من السياسة سريعا. لسنا أيضا مع صناعة لصدامات مستمرة فى مصر تعطل إعادة الحياة لشرايينها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهو هاجس قطاع واسع من الرأى العام بات يشعر بقلق من ميادين التحرير. بل نحن مع احتجاج شعبى سلمى (وينبغى الحفاظ على سلميته كى لا نفقد تعاطف الرأى العام) وعمل سياسى لابد من أن يتواكب معه ولا ينفصل عنه.

هنا على النواب المنتخبين ما إن تعقد الجلسة الأولى لمجلس الشعب أن يشرعوا فورا فى بناء التوافق حول تبكير موعد انتخابات الرئاسة وتحديد الإجراءات الدستورية والقانونية اللازمة لذلك، ثم التفاوض مع المجلس العسكرى حول تنفيذ التبكير إن تم التوافق عليه. فقد نحتاج لتعديلات فى الإعلان الدستورى لتبكير الانتخابات وقد نحتاج للتفكير فى إلغاء أو تأجيل انتخابات مجلس الشورى، وغير ذلك من أمور يتعين حسمها.

سيادة القانون ونقل سريع للسلطة هدفان مشروعان وجوهرهما هو بناء الدولة الديمقراطية الجديدة وليس الدعوة للفوضى. فدعونا لا نقلب الحقائق ولا نفصل بين مسار الاحتجاج الشعبى ومسار بناء الديمقراطية، وهى حقنا وأملنا.

عماد الأزهر والوطنية………… إبراهيم الهضيبى


لم يكن وجود الشيخ  فى الاعتصام مستغربًا فقد كان دائم الانحياز للمظلومين..

 كان تجسيدًا لقول شيخه: «نتعلم ما يصير به الإنسان إنسانًا.. قبل مايصير به المسلم مسلمًا»فضيلة الشيخ عماد الدين أحمد عفت عفيفى جمعة، الحسنى نسبا، الأزهرى تربية، الأشعرى اعتقادا، الشافعى مذهبا، المصرى وطنا، الثائر موقفا، أمين الفتوى ورئيس لجنة الحساب الشرعى بدار الإفتاء، أوجع قلوبنا باستشهاده الجمعة الماضية متأثرا برصاصة قصدته خلال تضامنه مع المعتصمين عند مجلس الوزراء، يتحمل مسئوليتها المجلس العسكرى بوصفه حاكما، بينما يمتد أثرها متجاوزا حدود أسرته ومحبيه إلى أزهر عز فيه المجاهدون، ووطن سالت دماء شرفائه أنهارا.

لم يكن وجود الشيخ فى الاعتصام مستغربا، فقد كان دائم الانحياز للمظلومين، يسارع بالانضمام لكل المتعرضين للقمع قائلا: ليكثر السواد فلا تتمكن السلطة من إيذائهم، وبسبب انحيازه هذا أدان السلطة فى أحداث ماسبيرو، واعتبر أن أى موقف لا يبدأ بإدانة القتل بالمدرعات والرصاص فهو إعلام مفتقر للإنسانية والوطنية والدين.

ولم يكن ذلك الأمر مستغربا لأن الشيخ انحاز للثورة قبل انطلاقها، فأرسل لتلاميذه يوم هروب الرئيس التونسى يقول: (أقيمت عليكم الحجة يا مصريون)، وترك عقيقة ابنه واحتفاله به ليشارك فى جمعة الغضب فأصيب فيها بالخرطوش، ودافع عن الثوار فى موقعة الجمل، وألغى درسه الأسبوعى وحثَّ طلبته على النزول إلى لميادين، ونزل مع ابنه الذى كان قد أكمل للتوِّ شهره الأول يوم (11 فبراير)، وشارك فى اقتحام مقر أمن الدولة، وفى كل المليونيات التى شهدها ميدان التحرير، وصولا للمواجهات التى بدأت فى (19 نوفمبر) ولم تنتهِ باستشهاده.

بيد أن الرصاصة التى اخترقت قلب الشيخ أصابت أيضا قلوب تلاميذه المعترفين بفضله، والذين رأوا فيه امتدادا لمنهج الأزهر الذى محص عبر ألف سنة أو يزيد، وأنتج علما وعلماء، فأما العلم المتراكم فيتمثل فى مذهبين اعتقاديين (الأشعرى والماتريدى)، وأربعة مذاهب فقهية (الحنفى والمالكى والشافعى والحنبلى)، تلقتها الأمة بالقبول، ودونتها فى المتون والشروح والحواشى، وتناقلتها بالأسانيد المتصلة، وساوت بينها فى الصحة، واعتبرتها العمود الفقرى الذى عليه تقوم هويتها وعلومها، وكان الشيخ متعبدا فى محراب تلك المدرسة، يتقن مذاهبها ويغوص فى علومها ويشرح كتبها لتلاميذه فلا يزيدهم إلا فهما وعلما.

وأما العلماء فقد عزوا فى هذا الزمان، ولكن الشيخ أقرأ طلابه سيرهم، وكان له اعتناء بطبقاتهم، ومن ثم فقد تعرف عن قرب على حالهم مع الحق والخلق، فكان فى سمته أشبه بما نقرأه عنهم؛ ينزه نفسه عن الاقتراب من السلطة، ويتعبد إلى الله تعالى بنصرة المظلوم والوقوف فى وجه الظالم، ويتجرد عن الهوى فى تعامله مع أحكام الشرع، وينحاز للمبادئ على طول الخط وبغير شروط، ولا يخاف فى الله تعالى لومة لائم، حتى لقى ربه شهيدا فى مواجهة الظالمين.

وبهذا المنهج كان الشيخ عماد ــ رضى الله تعالى عنه ــ إنسانا عالما، تجسد فيه قول شيخنا (عبدالمنعم تعيلب) الأزهرى الأشعرى الشافعى ــ رحمه الله تعالى ــ: (نتعلم ما يصير به الإنسان إنسانا قبل أن نتعلم ما يصير به المسلم مسلما)، فقد كان مدرسة فى الإنسانية، يعطى كل شىء قدره، فيكون أكثر الناس حزما فى مقام التربية والتقويم، وأكثرهم لينا ورِقَّة فى مقام التشجيع، يتعبد بقراءة القرآن، وبالصلاة والذكر فى الخلوة، ويهوى أشعار المديح النبوى، ويرسل لنا عبر البريد الإلكترونى بعض أغانى أم كلثوم، والأغانى الوطنية، ويذهب مع أسرته لاحتفالات الليلة الكبيرة بدار الأوبرا.

وبه ــ أعنى المنهج الأزهرى ــ كان الشيخ متوازنا فى انتماءاته، فهو مصرى يعتز بمصريته، يشعر بالعَلَم الذى يحمله على كتفه فى ميدان التحرير وكأنه قطعة من جسده، ويرسل إلينا القصائد والأغانى الوطنية، وهو عربى يعتز بعروبته، يغضب إن رأى تلاميذه يتبادلون الرسائل بالعامية، ويحرص على تعليم اللغة التى ترك دراسة الهندسة ليدرسها قبل اتجاهه للعلوم الشرعية.

وهو مسلم غيور على أحكام الشرع يبينها للخلق ويرشدهم للحق، ومنتمٍ لأمته يشعر بآلامها ويتحرك فى كل وقت لنصرة قضاياها، فألغى درسه وقت الحرب على غزة لأنه لم يستطع مباشرة التدريس وأهلنا هناك يقتلون، وغضب علىّ يومَ أن سافرت فى قافلة إغاثة لرفح من غير أن أدعوه للحضور، واتصل مرة ليطلب منى استشارة بعض أهل الرأى فيما يمكن تقديمه للمنكوبين فى أفغانسان من غير أن تكون هناك مناسبة مباشرة لذلك، بل كانت الأوضاع أقرب للاستقرار، ولكنه القلب النابض بحال الأمة.

وكان من منهجه أيضا احترام التخصص، فكان يرجع فى كل علم لأهله، يتصل بى سائلا عن رأى فلان المتخصص فى مسألة ما ليبنى عليه موقفا شرعيا، وأشهد أنى رأيته يتواضع لأساتذة فى السياسة، والإدارة، والاجتماع، يضع نفسه منهم فى منزلة التلميذ، يستمع لما يقولون ويُدَوِّنَهُ، ثم يناقشهم بعد ذلك، وآخر ذلك كان قبل استشهاده بأيام.

الأصالة العلمية والنقاء الإنسانى مَيَّزَا منهج الشيخ عن غيره ممن تمتلئ بهم المؤسسات الرسمية والفضائيات والساحات فى أربع قضايا رئيسة، أولها: دقة الاستدلال العلمى، فكان رحمه الله تعالى يغضب بشدة إن استعمل الدليل الشرعى فى غير موضعه، ومن ذلك غضبه حين اعتبر بعض المنتسبين للعلم اعتصام المعلمين خيانة لله ورسوله، وقد أرسل لنا حينها رسالة يقول فيها: «بالله تعالى نريد فهم ما سبب سر هذه الظاهرة المنحرفة فى الفهم عند المشايخ؟» إلى أن قال: «لماذا يستخدمون النصوص بهذه الطريقة ويفهمونها بهذا الشكل، على حين أن العامة ترى بسهولة شديدة روح الدين واضحا جليّا، حتى وصل الأمر بأحد المعلقين على المقالة اللقيطة وهو غير مسلم يقول: أنا مسيحى وأعتقد أن النبى لم يقصد إهدار حق الأجير». اهـ. الأمر يحتاج إلى دراسة: «من أين الخلل؟» وفى التعليق وغيره من النقول السابقة يظهر أيضا انحيازه للمظلومين الذى هو ثانى القضايا المميزة لمنهج الشيخ.

أما ثالث القضايا المميزة لمنهجه فكان انحيازه للأمة الذى سبقت الإشارة إليه، والذى كانت القضية الفلسطينية فى القلب منه، فكانت أغلب رسائله الإلكترونية المرسلة إلينا تتعلق بها، وكان فى العشر الأواخر من رمضان معتصما أمام السفارة الإسرائيلية، يدخل للمسجد المقابل لها يصلى ويعود للاعتصام، وصلى الفجر مع أسرته فى ميدان التحرير يوم (13 مايو) دعما للانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وغضب بشدة ذات مرة حين قام خطيب الجمعة بالدعاء للرئيس المخلوع وقتما كان يعالج فى ألمانيا، معتبرا دعاءه لمن يحاصر الفلسطينيين ويهين شعبه ويعذب المواطنين إهانة لأهل الشرع.

وأما رابع المميزات فأدبه وتواضعه، فلم يَسْعَ يوما لشهرة وإنما سعى جاهدا لتجنبها والتفرغ للتعليم والجهاد، حتى أنه عند استشهاده لم يعرفه المحيطون به، وقد كنا نصلى الجمعة فى جامع السلطان حسن فيجلس بعدها فى أحد أركان المسجد يلتف حوله بعض طلبة العلم لا يزيدون على أصابع اليد الواحدة، بينما غيره من دعاة الفضائيات يخرج من المسجد ــ فى الوقت ذاته ــ محاطا بمئات السائلين والمستفتين، وكان يخرج من عمله كل يوم فيخلع لباسه الأزهرى قبل أن ينطلق إلى المظاهرات، لئلا يكون عَلَما فى الميدان، ولا يستفتيه الناس وهو فى مقام التظاهر ضد الظلم لا الإفتاء، ولا يسبب حرجا لدار الإفتاء بموقفه السياسى المناقض لموقفها، وقد تتلمذ على شيخها وظل يحفظ له حق المعلم رغم تناقض مواقفهما السياسية، ولم يكن يرد لأحد طلبا حتى أنه كان يعلق على كل مقال أُرْسِلُه إليه (وقد اعتدت الاستفادة برأيه وغيره من أساتذتى فى مقالاتى قبل إرسالها للنشر)، فكانت آخر رسائله الأسبوع الماضى تحوى تعليقاته على المقال، لم أتلق منه بعدها إلا رسالة واحدة عن فلسطين.

كانت جنازة الشيخ تعبيرا عن قصة حياته: يشتهر اسمه فقط حين يكون فى ذلك نفعا عاما، وتتعالى الهتافات من داخل الأزهر الشريف رافضة للظلم، وتلح على طلابه القضايا التى كان عاش الشيخ من أجلها، موقنين بأن الله جل شأنه سينتقم لوليه، وهو القائل فى الحديث القدسى: «من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب».

لم تبق فى مصر دماء أشرف من التى سالت على مدى الشهور الماضية لاسترداد الوطن، ولم يعد ثمة عذر لأولئك الذين اتهموا الثوار بالبلطجة والعمالة، وصار الانشغال بسخرية دعاة الفضائيات ممن قل زادهم العلمى والأخلاقى من رجال مصر ونسائها المتظاهرين عن فعل الراسخين فى العلم ممن خطوا الطريق بدمائهم محض عبث، ومع عظيم الألم الذى يعتصر القلوب فإن التفاؤل الذى علمنا إياه الشيخ والنموذج الذى قدمه بتضحيته يدفعان للمزيد من البذل، إرضاء لله وفداء للوطن.

إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا عز وجل، إنا لله وإنا إليه راجعون.

السبت، 24 ديسمبر 2011

مصر.. جَلَد الفاجر وعجز الثقة…………… محمد الهامي


(ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا، هو أقرب للتقوى، واتقوا الله)
"ما رأيت مظلوما تواطأ الناس على هضمه كالحقيقة" - الشيخ محمد الغزالي

* التعميم الوارد في المقال لا يعني الجميع بطبيعة الحال

***
لا أحد يريد أن يرى الصورة كاملة..

الإسلاميون يعتبرونها مؤامرة عليهم لتفويت الانتخابات، قد يكون ذلك حقا، لكن هل معنى هذا أن الواقفين أمام العسكر بلطجية وعاهرات ومدمني مخدرات؟؟

العلمانيون يرون ما حدث جريمة أخرى من العسكر ودليلا آخر على دياثة الإسلاميين ونفاقهم وتجارتهم بالدين، قد يكون ذلك حقا، لكن: من الذي طالب بتأجيل الانتخابات وإطالة الفترة الانتقالية ليستعد؟؟

الإسلاميون يعتبرون أن الحكمة في تفويت الفرصة، قد يكون ذلك حقا، لكن متى انتصر ذو حق على عدو مخادع يزرع الفخاخ وينصب الكمائن لأنه كان ماهرا في سحب الذرائع وتفويت الفرصة؟

العلمانيون احترقوا لعرض المرأة التي عُريَت وللشباب الذين طُحِنوا، وثاروا يسألون عن النخوة والرجولة والدين، لا بأس، لماذا لا تكونون رجالا ذوي نخوة ودين تقبلون بخسارتكم الحقيقية في الانتخابات أمام من يريدون تطبيق الدين في الحياة؟

الإسلاميون لا ينزلون إلى الشارع لحقن الدماء، ليكن، لماذا لم ينزلوا إلى جنازة الشيخ الشهيد عماد عفت؟

العلمانيون يصرون على أن الإسلاميين لم يشاركوا لا في الثورة ولا في الاعتصامات بل ركبوها أبو باعوها، ربما، لكن أين نضع: الشيخ عماد عفت ومصعب الشاعر ومصطفى الصاوي؟ أين نضع حملة حازم أبو إسماعيل وائتلاف دعم المسلمين الجدد والجبهة السلفية ورابطة النهضة والإصلاح؟؟

الإسلاميون يدينون محاولات ركوب الثورة من البرادعي والأسواني وممدوح حمزة، ويخشون أن يوفروا الغطاء لهؤلاء لمحاولة الانقلاب على مسار تسليم السلطة، لعلهم محقون، لكن هل يكون البديل الوحيد هو وضع كل البيض في سلة العسكر ليصير البديل المطروح إما عسكريا وإما علمانيا؟ إذا كنتم تناوئون حتى حازم أبو إسماعيل.. فما هو البديل الشعبي الذي تقدمونه؟

العلمانيون صاروا أحرص الناس على دماء الشهداء وحقوق الجرحى، ورغم هذا لا نجد أحدا من ساكني الفضائيات مرة في الميدان أو في خطوط المواجهة، نجدهم في الصحف وفي الفضائيات، يوجهوننا وينصحوننا ثم ينزلون بعد الهدوء ليفرضوا علينا البرادعي باعتباره اختيار الميدان!!

الإسلاميون اضطربت لديهم الموازين، لأنهم متعلقون بتقديرات قياداتهم وشيوخهم، من الصعب على من عاش زمنا يثق في عقلية ورؤية الشيخ الكبير أو القيادة الخبيرة أن يعيش عذاب الشعور بالخدعة، لذا يقومون بما هو حرام لتبرير سكوتهم، حرام يصل إلى قذف العرض للفتاة المنتهكة العرض باعتبارها لم تلبس المزيد من الثياب أو التساؤل: لماذا نزلت من بيتها أصلا؟ أو القول بأن الصور "فوتوشوب".. لقد كانت الفضيحة قاسية حين جاء الفيديو!

العلمانيون يريدون تصفية الحسابات مع الإسلاميين على جثث الشهداء.. وزاد في غيظهم ما حققوه من تقدم في الانتخابات، لا حبا في الشهادة ولكن كرها في الإسلاميين!! كيف يتكلم إنسان فيه ذرة من عقل أو ذرة من وطنية في هذه اللحظات بإلغاء الانتخابات والبداية من جديد؟؟؟؟؟ البداية من جديد تحت حكم العسكر!!

الإسلاميون رغم تقدمهم في الانتخابات لا يقفون بقوة وثبات ليتحدثوا باسم الشعب.. والعلمانيون حين انصرف الشعب عنهم بدأوا في شتمه كما تعودوا دائما.. رحم الله سيدنا عمر "اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة"

***
العسكر لن يسلموا السلطة إلا إذا وُضِعوا بين هذين الخيارين: خروج آمن أو محاكمات.. بغير هذا سيظلون يطمحون لوضع في الدستور ولنصيب في السلطة.

الخارج لن يتعامل مع خيار الشعب إلا إذا علم أنه لا طريق آخر، ولن يعلم هذا إلا حين يعرف أن عملاءه من العسكر والنخبة فشلوا في مهمتهم.. هذه مهمة الإسلاميين في الحقيقة، مهمتهم ولو كان الثمن هو الشهادة، فالموت نصيب الإسلاميين بعد كل الثورات الفاشلة، ولكنه موت في السجون والمعتقلات، فلتكن شهادة ترفع الوطن لا موتا في الزنزانة يعيد الوطن إلى الاستبداد من جديد.

***
ثمة مقترح بأن يتم تسليم السلطة في يناير إلى رئيس مجلس الشعب ليدير انتخابات رئاسية في فبراير.. لو أن النفوس تريد مصلحة الوطن فسيمكنهم الضغط على العسكر!