الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

في الطريق‏..‏ من استمرارية الميدان إلي فاعلية البرلمان…. بقلم: د.سيف الدين عبد الفتاح

وقعت بين هذين الأسبوعين أحداث كثيرة وكبيرة‏,‏ كنت قد كتبت في المقالة السابقة أبشر بالانتخابات ضمن صياغة جامعة بين أخلاق الثورة وفضائل الميدان وقيم الانتخابات وفي ذات اليوم التي نشرت فيه المقالة وقع عالم أحداث في مسلسل شديد الكارثية وتمنينا أن تكون أحداث. 

ماسبيرو آخر الكوارث, وربما تعلم الجميع الدرس. ولكن في مسلسل أشد كارثية كانت القصص تتداخل قصة الميدان, قصة الانتخابات, قصة البرلمان, وحاول البعض أن يجعل من الميدان في مواجهة حتمية مع الانتخابات والبرلمان, وهؤلاء لا أنزه أغلبهم عن الغرض اللئيم والتلبيس الذميم.

أرادوا أن يمرروا كل معاني التبرير وعدم المسئولية عن هذه الكوارث ضمن إدارة لمرحلة انتقالية صارت من تكرار أزماتها إدارة بالكوارث, سواء نتج ذلك عن جهل أو غباء أو مصالح أنانية أو كل هذا معا, فعنوان هذه الإدارة كما أكدنا التعتيم والتعويم والتأزيم وفي كل مرة سقط المصابون وسالت الدماء وفقدنا الشهداء وفي كلام سقيم خرج علينا الجهابذة الذين يبررون ويسوغون للإدارة المتعثرة للمجلس العسكري للمرحلة الانتقالية, صنعوا فن المصادمة الذي لا يجيدون غيره بين الميدان من جهة والانتخابات والبرلمان من جهة أخري, في هدف مباشر يتغيا تبرئة المجلس العسكري من مسئولية يتحملها ومن مساءلة واجبة يجب القيام بها وعليها.
هذه الكائنات المدنية المظهر العسكرية الهدف من علماء سلطان العسكر وهذه فئة جديدة ولدت مع المرحلة الانتقالية تحاول تكسير مثلث البدهية المتعلق بالسلطة:
كلما زادت السلطة, زادت المسئولية, وكلما زادت المسئولية وجبت المساءلة.
السلطة, المسئولية, المساءلة, مثلث البديهة في عالم الحرية والكرامة, إلا أن هؤلاء الذين أرادوا تبريرا وتسويفا وتسويغا أرادوه خطا واحدا هو خط صناعة الاستبداد تزيد فيه السلطة من دون مسئولية أو مساءلة وكأنهم الآلهة لايسألون عما يفعلون والآخرون يسألون.
وفي غمرة حملة المباخر الذين يسوغون لكل سلطة استبدادها ويزينون لها فعلها المشين, تحول حملة المباخر للدفاع عن حملة القنابل المسيلة للدموع وقاذفي الخرطوش ومطلقي الرصاص معتقدين أن إسكات الأصوات التي تنادي بضرورة الانتقال إلي حكم مدني, وأرادوا بقنابل الغاز خنق اللسان وقتل الإنسان ولم يتعلموا أن درس الكرامة أعظم وأشد, يتحمل فيه الإنسان الشريف حتي قتله ليعيش في كرامة وعيش وحرية وعدالة اجتماعية.
يا حملة المباخر للمجلس العسكري أو كل سلطة أيا كان مقامها وأيا كان سندها, يا من تبررون لحملة القنابل المسيلة للدموع والخانقة للأرواح ياترزية القوانين والتي يفصلونها لكل مقام اعلموا في كل مكان أن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا, أم أنكم تعلمتم درس القتل من دون درس الحياة والإحياء وتغافلتم عن درس الحياة في القصاص ولكم في القصاص حياة, وأردتم درس السلطة والجبروت والطغيان, أقول لهؤلاء جميعا في الميدان تعلمنا درس الحياة والإحياء, في الميدان تعلمنا قيمته لأن فيه ولدت كرامة الإنسان وقيمة الأوطان, في الميدان أسس الوطن الصغير الذي نتمناه, في الميدان الذي كان رمزا لكل ميادين الحرية ولايزال, ليس في مصر وحدها بل في كل مكان من الإنسانية والمعمورة هذا هو مشهد الميدان ؟!
قد يقول البعض ما هذه البلاغة وما شأن هذا الدرس في الحماسة ؟
أقول: إن هذا ليس درسا في الفصاحة أو البلاغة أو الحماسة ولكنها عبقرية الميدان والحاجة إليها والمطلوبية له, لأن الميدان ميزان الحياة السياسية والمجتمعية حينما اجتمعت فيه أطياف الجماعة الوطنية, ومن فيض الميدان جاءت الانتخابات علي هذه الشاكلة وأقيلت حكومة العجز وبدا المجلس العسكري يحدد ولأول مرة متي سيسلم السلطة علي وجه الدقة لا وجه الحقيقة, فالميدان هو من دفع من بيدهم السلطان إلي أن يؤمنوا الانتخابات علي هذا النحو وإلا لتآكلت شرعيته, والميدان هو الذي حرك هذا الشعب العظيم الواعي في شكل غير مسبوق لأداء انتخابي بكل طوائفه ليعلن أنه هو الرقم الصعب الذي لا يجوز تخطيه ولا يجوز القفز عليه.
تعرفون أن الميدان خيار, وخيارات الميدان في نزع الشرعية عن كل من لا يستحق ولكن السلطة جهة قرار, وهي بعد لم تتعلم درس الميدان ولم تتواكب معه بل عن عمد أغفلته وقفزت عليه وبدلا من العمل علي موجته أرادت تارة الالتفاف عليه أو علي مطالبه أو تشويه الصورة حوله والإدراك عنه.
هذا التشويه المقيت في تصويره بميدان البلطجية, بدفع عصابة البلطجية كل مرة, ناسين أن سلطة الداخلية هي التي كانت ومازالت توظف البلطجية وتحركهم وتستأجرهم في معارك مفتعلة وتدسهم بسلوكياتهم لتشويه نقاء الميدان وطهارته بالمدفوعين والمدفوع لهم من البلطجية والمجرمين.
تشويه الميدان وتزييف صورته بإعلام مهترئ وبأجهزة إعلامية حكومية ضبطت بوصلتها علي السلطان أيا كان صناعتها التشويه والتشويش.
تشويه الميدان الأصيل لاصطناع الزيف الكبير, إن أهل السلطان وأهل حملة المباخر وحملة القنابل يعرفون قيمة الميادين التي يصنعونها وقيمة الميادين التي تشكل نبض الناس وحقيقة الشعب ومستقبل مصر الجديد.
أيها الناس إن الميادين النابعة غير الميادين التابعة لا يستويان.
إن ميدان وميادين الثورة غير ميادين الضرار التي تشكل وتبور الأرض لتوطيد عناصر استبداد جديد, إلي هؤلاء الذين جعلوا من صناديق الانتخابات همهم الأول والأخير جعلوها( الفكرة الوثن) علي حد تعبير مالك بن نبي, إن صناديق الانتخابات مهمة في الخروج إلي حال انتقال سياسي تنتقل فيه السلطة من العسكري إلي المدني وهي أول ثمار الثورة في انتقالها المؤسسي ولكن وضع الانتخابات والبرلمان في مواجهة الميدان هو افتعال لتناقض غريب…. ولكن كيف نتحدث فقط عن صناديق الانتخاب وننسي أو نتناسي أو نغفل صناديق الشهداء التي تمر أمام أعيننا؟.. أهانت الأرواح والنفوس, والله لحرمة صناديق الشهداء أشد حرمة من صناديق الانتخاب وأي صناديق يتخيلون.
إن صندوق الانتخابات وسيلة وليس وثنا وجعله المدخل والمخرج والمبتدي والمنتهي خطأ بل خطيئة وأن الوسائل لابد أن تتكامل لصنع مستقبل مصر الجديد وإلي هؤلاء الذين يطالبوننا في ميدان التحرير وغيره من الميادين بالحفاظ علي الدولة والقوي المنظمة لا أن يطالبوا الطرف الأضعف الذي لا يملك إلا الخيار وغيره المتنفذ محتكر أدوات القوة يملك القرار, آن لهؤلاء أن يطالبوا صاحب القوة الطاغية, منذ متي يطالبنا البعض بالحفاظ علي دولة قاتلة ظالمة لا دولة عادلة آمنة, سالت علي يد بعض مؤسسات أمنها الدماء وذهب الشهداء, وإلي هؤلاء الذين يجعلون الميدان ضد بناء الدولة وأن علينا أن نضع عبء الثورة لنواصل مرحلة البناء, أقول أن ثورة البناء ثلاثية الأبعاد( التغيير والتطهير والتعمير) وما لم نتعلم ذلك ستسرق الثورة بوهم البناء, إن الميدان يعلمنا أن بناء واستمرار الثورة هو المقدمة لثورة البناء, شاع في أمتنا وعلي ألسنة إعلام السلطة هذا الخطاب( البورصوي) المتهافت, نسبة إلي البورصة, لعمري مصر لم تكن ولن تكون في يوم( بورصة) بل مصر وطن يتطلب الأمل والعمل وبناء المستقبل.
إذن ما علاقة استمرارية الميدان بفاعلية البرلمان, أقول وبلا مواربة أن لدينا معركة قادمة لابد أن تتكاتف الأيدي والعقول, والقوي فيها الخروج من مؤسسات, كأن لدينا وزارة وكأن لدينا برلمانا وكأن لدينا رئيسا, إلي معني المؤسسات الحقيقية الفاعلة, أقولها عالية, إن فاعلية البرلمان لن تكون إلا باستمرارية الميدان, وتصريحات أهل السلطان تدور في تقليم كل عناصر الفاعلية والقوة لأي مؤسسات حكومة كانت أو برلمانا, نحن لا نريد حكومة طراطير أو برلمان الطراطير, نريدها مؤسسات مكينة رصينة فاعلة غير منقوصة الصلاحية أو المسئولية.
إن برلمان منزوع الصلاحية والفاعلية لا يستطيع استجواب المسئولين من أهل السلطة والتنفيذ لا يمكن أن يكون برلمانا في حقيقته بل هو تمويه علي البرلمان وعلي الدولة القوية الفاعلة والعادلة.
ومن عجيب ما يحدث في مصر في المرحلة الانتقالية وفي العملية السياسية أن يطالب بأدوار سياسية لمن يمنع عليه السياسة وتمتنع عليه( دور المؤسسة العسكرية) وأن يمنع أعمالا وأدوارا أساسية لمن هو في صميم وظيفته أن يقوم بها مثل البرلمان منزوع الصلاحية والأدوات الرقابية حتي الاستجواب, وخوض معركة فاعلية الحكومة والبرلمان لابد أن تمر بالميدان.
وفي النهاية إلي كل هؤلاء الذين يهينون دماء الشهداء التي سالت في ميدان التحرير الطاهر في رمزيته أحذروا إن من يهين دماء الشهداء أو ميدان التحرير التي سالت فيه هذه الدماء ستحاسبكم عليه الأمة حسابا عسيرا غير يسير, وإلي قاتلي النفوس وقناصي العيون والخانقين بالغاز إن القصاص آت لا ريب فيه, والميدان لا يفض إلا بمحاكمة هؤلاء محاكمة ناجزة وفاعلة.
إن في ترك الميدان بداية لمشوار الهوان, فالميدان طريق البيان, والميدان ميزان, والميدان إنسان وكرامة وكيان, والميدان مواجهة للطغيان, والميدان طريق الفاعلية للبرلمان, والميدان كان قبل البرلمان وسيظل بعد البرلمان, فالبرلمان لم يملك فاعليته أوشرعيته إلا بعد ترجمته لقيم الثورة والميدان.
والميدان في البداية والنهاية محفوظ بعناية الرحمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق