الخميس، 29 ديسمبر 2011

شبهة وجود مسيحيين وغير إسلاميين على قوائم الإخوان….بقلم: عصام تليمة


شبهة تثار للأسف في هذه الآونة، من بعض إخوة أفاضل، دخلوا مؤخرا في العمل السياسي، وهنا مكمن الخطأ الذي يقع فيه بعضهم، فهو يدخل العمل السياسي بعقلية الواعظ، وينسى أن العمل السياسي يحتاج في البحث العلمي إلى عقلية الفقيه والمفكر، وأن يبتعد الباحث في مثل هذه القضايا عن العاطفة، بل يحكم النصوص، والعلم القائم على المنهج.وأود بداية أن نضع أصولا نحتكم إليها في قضيتنا هذه، وكل القضايا السياسية التي يكون فيها مشاركة بين المسلم وغير المسلم في بناء الدولة، وبقية قضايا المجتمع المسلم وهي:


·        أولا: تحكيم نصوص الشريعة الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة: فما جاء في هذه الأصول فالعمل به واجب، وما وافقها فالعمل به صحيح، وما خالفها مما ليس منها فهو على أصحابه رد، والعمل به اجتهاد بشري، لصاحبه - إن كان مجتهدا، أو مؤهلا للاجتهاد – أجره، وعليه – إن لم يكن كذلك – إثمه ووزره.

·        ثانيا: قبول ما تقتضيه المشاركة في الدار، أو الوطن بتعبيرنا العصري، فكل ما حقق مصالح المشتركين معا فيه جاز، وكل ما أهدرها فهو بالإهدار أولى وأحق.وقد قَعَّد هذه القاعدة الأصوليون والفقهاء حين قرروا: أن الشريعة مبنية عموما على جلب المصالح، ودرء المفاسد، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده به فهو باطل . ولا يبعد من يقول: إن هذه القواعد محل اتفاق الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وتنوع منازعهم في الاجتهاد والفتيا والاستنباط.

·        ثالثا: إعمال روح الأخوة الإنسانية بدلا من إهمالها، فكل قول، أو رأي، أو فعل، نافى روح الأخوة، فقد غفل صاحبه عن أصل من أصول الإسلام عظيم، نطق به القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، وصدر عنه في أقوالهم وأفعالهم أصحاب رسل الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالحون، وتبعهم في كل عصر دعاة الإسلام الهادون المهديون، بل وعاش في ظله رعايا دولة الإسلام منذ كانت وإلى يوم الناس هذا: في مدنهم وقراهم، وأفراحهم وأحزانهم، وبيعهم وشرائهم، وأعيادهم ومواسمهم، حتى إنه لولا الاستمساك المحمود للمسلمين وغير المسلمين بشعائر دينهم الظاهرة، ما عرف منهم مسلم إسلامه ولا كتابي بكتابه.

·        رابعا: الإسلام دين القسط والعدل والحق، فكل رأي نافى القسط الذي أمر به القرآن، أو العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، أو الحق الذي به يحتمي الناس، فهو مردود ومناف لروح الإسلام ، ورحم الله ابن القيم حين قال: (الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحمته الدالة عليه، وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهُداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل).

·        خامسا: ما ورد في اجتهادات السابقين من أئمتنا رضوان الله عليهم، وأساتذتنا، مما لم يقم عليه دليل من الكتاب والسنة، وكان اجتهادا نابعا من روح عصره، فلنا أن ننتقي منه، وأن نختلف معه، ولكل أن يجتهد لزمانه وعصره.
بقيت هناك نصوص يستشهد بها الإخوة المعترضون على قائمة التحالف، وهي في مجملة تتجه إلى اتهام الطرف الآخر بعدم الولاء، والخوف من غدره وخيانته، وعدم إعطاءهم أي دور في الحياة السياسية، ومن هذه الأدلة: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) آل عمران: 118. وكل الآيات التي في نفس المجال، يقول العلامة المجدد محمد رشيد رضا: وأنت ترى أن هذه الصفات التي وصف بها من نهي عن اتخاذهم بطانة لو فرض أن اتصف بها من هو موافق ذلك في الدين والجنس والنسب لما جاز لك أن تتخذه بطانة لك إن كنت تعقل، فما أعدل هذا القرآن الحكيم وما أعلى هديه وأسمى إرشاده!
لقد خفي على بعض الناس هذه التعليلات والقيود فظنوا أن النهي عن المخالف في الدين مطلقا، ولو جاء هذا النهي مطلقا لما كان أمرا غريبا، ونحن نعلم أن الكافرين كانوا إلبا على المؤمنين في أول ظهور الإسلام، إذ نزلت هذه الآيات ولا سيما اليهود الذين نزلت فيهم على رأي المحققين، ولكن الآيات جاءت مقيدة بتلك القيود لأن الله - تعالى - وهو منزلها - يعلم ما يعتري الأمم وأهل الملل من التغير في الموالاة والمعاداة كما وقع من هؤلاء اليهود فإنهم بعد أن كانوا أشد الناس عداوة للذين آمنوا في أول ظهور الإسلام قد انقلبوا فصاروا عونا للمسلمين في بعض فتوحاتهم (كفتح الأندلس) وكذلك كان القبط عونا للمسلمين على الروم في مصر فكيف يجعل عالم الغيب والشهادة الحكم على هؤلاء واحدا في كل زمان ومكان أبد الأبيد؟ ألا إن هذا مما تنبذه الدراية . ولا تروي غلته الرواية، فإن أرجح التفسير المأثور يؤيد ما قلناه.
ويكمل العلامة رشيد رضا شرحه للآيات التي تمنع من التحالف والاستفادة من غير المسلم في شؤون الدولة السياسية والاقتصادية وغيرها، فيقول:
(ما أشبه هذا النهي في قيوده بالنهي عن اتخاذ الكفار أنصارا وأولياء ، إذ قيد بقوله - عز وجل - : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة: 8، 9.
هذا التساهل الذي جاء به القرآن هو الذي أرشد عمر بن الخطاب إلى جعل رجال دواوينه من الروم، وجرى الخليفتان الآخران، وملوك بني أمية من بعده على ذلك، إلى أن نقل الدواوين عبد الملك بن مروان من الرومية إلى العربية. وبهذه السيرة وذلك الإرشاد عمل العباسيون وغيرهم من ملوك المسلمين في نوط أعمال الدولة باليهود والنصارى والصابئين، ومن ذلك جعل الدولة العثمانية أكثر سفرائها ووكلائها في بلاد الأجانب من النصارى.
ولو رجع المعترضون إلى كتب الفقه والتراث الإسلامي لوجدوا الفقهاء قد أشبعوا الموضوع كتابة وبحثا، تحت باب الاستعانة بغير المسلم في الحرب، ومنها:
أولاً : ما رواه الإمام الشافعي، وأبو يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن مقسم عن ابن عباس قال: استعان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيهود بني قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم.
ثانياً : ما رواه أبو داود في "مراسيله" عن الزهري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه فأسهم لهم.
ثالثاً : ما رواه أحمد وأبو داود عن ذي مخبر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ستصالحون الروم صلحاً تغزون أنتم، وهم عدوا من ورائكم" فأخبر عليه الصلاة والسلام بأن المسلمين سيحصل منهم التعاون مع الروم وإخباره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق لا شك فيه، ولم يذكر ما يدل على أنه ممنوع.
رابعاً: هناك حوادث أخرى اشتهرت عند أهل السير يفيد الاستعانة بهم كما في "زاد المعاد"، و"عيون الأثر" والشوكاني منها أن قزمان خرج مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر، ومنها أن خزاعة خرجت مع النبي صلى الله على قريش عام فتح مكة، ومنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان بن أمية دروعاً وأشياء أخرى يستعان بها في الحرب، وكان صفوان في ذلك الوقت مشركاً.
خامسا: قول رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ستصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم".
فإذا كانت هذه النصوص في الدفاع عن دولة الإسلام وحروبها، في الاستعانة بغير المسلمين، في وقت كانت بينهم وبين الإسلام عدم أمان، وخيانات لبعضهم، فكيف وقد حكم الناس الآن عقد المواطنة، القائم على المساواة بين الحقوق والواجبات؟! وكيف والحال هو السلم والوطن، والإخاء والتحاب؟!
يغفل المعترضون على تحالف الإخوان عن أمر مهم في بناء الدول والحضارات، أن هؤلاء المرشحين مواطنون من أبناء الوطن، وليسوا غرباء عنه، ولهم حق المواطنة الكاملة، التي تتساوى في الحقوق والواجبات.
كما يغفلون عن أمر أهم من سابقه، وهو: أن بناء الدول والحضارات لا يعرف ما يسمى بالنقاء العقدي، فالدول تبنى وتقام، بأيدي مواطنيها وغير مواطنيها، بمسلميها وغير مسلميها، فالدواوين لم تكن عربية إلى أن جاء عبد الملك بن مروان وعربها، ومعظم مهرة الطب والعلوم الإنسانية في مطلع الحضارة الإسلامية لم يكونوا مسلمين، ولم يمانع الإسلام من الاستفادة بخبراتهم في بناء حضارته، والاحتفاظ لهم بمكانتهم وقيمتهم في المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق