الخميس، 28 فبراير 2013

آداب الاختلاف (رسالة الأسبوع)..... أ.د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..

فإن الأمة الإسلامية تعيش في مرحلة تحتاج فيها إلى جمع الشمل وتوحيد الصف حتى تستطيع أن تصل إلى غايتها، وتسترد سيادتها، وتتبوَّأ مكانتها بين الأمم، وقد أمرنا الله بذلك فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103).

كما يجب على الأمة الإسلامية أن تبتعد عن الفرقة والتنازع حتى لا تبُوء بالفشل الذي حذَّرنا منه ربنا عز وجل (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).

وما أجمل أن نتذكَّر قول الشاعر:
تَأبَى الرِّمَاحُ إذا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا *** وإذا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرتْ آحَـادا

الاختلاف سنة كونية
وحين ننصح الأمة الإسلامية بالاتحاد، ونبذ الفرقة والخلاف، ليس معنى ذلك ألا يكون هناك اختلاف بين أبناء الأمة فيما ينزل بها من أحداث، أو ما يعتريها من مشكلات، لا سيما وهي في مرحلة تنفض عن كاهلها ميراث ظلم واستبداد وقهر واستعباد استمرَّ لأحقاب عديدة وأعوام مديدة، وتسلك سبيل الحرية والعزة، وتسعى لتحقيق ما تصبو إليه من عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.
إننا بذلك لا ننفي الاختلاف، وإنما نُحذِّر من الخلاف الذي يؤدي إلى تفريق أبناء الوطن، وإيقاع الخصومة والعداوة والتنازع فيما بينهم، وبدلاً من أن ننصرف إلى العمل والبناء والارتقاء، يشغلنا شياطين الإنس والجن (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحج: 52).

أما الاختلاف فإنه آية من آيات الله وسُنَّة كونية مَبْثُوثَة في الإنسان وفي الكون من حولنا، قال الله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ(الروم: 22). وقال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ) (فاطر: 27، 28). (ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود: 118، 119).
وقال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: 32).

إن أساس عمارة الكون الاختلاف والتعدد في الجنس والنوع واللون والطاقات والإمكانات، وبهذا الاختلاف تخدم الأجناس بعضها بعضًا، وتتعاون الأنواع على الخير للبشرية، كما تتعاون جميع أجهزة الجسم لمصلحته وصحته وقيامه بمهامه ومسئولياته رغم اختلافها وتنوعها، فتعمر الحياة وتُسدّ حاجات الإنسان في مجالات حياته المختلفة، وتتحقق مقومات خلافة الإنسان وعمارة الأرض.

ولا يتصور بحال من الأحوال أن يكون أبناء الوطن على رأي واحد؛ لأنه لا يصحّ لأحد أن يصادم نواميس الكون؛ لأنها غلابَة، ولكن نستثمر سُنّة الاختلاف في تلاقح الأفكار، وتبادل المعلومات، وفضّ النزاعات، وتطوير مستوى الأداء بالتعرف على الرؤى المختلفة، واستخدام ذلك في إثراء المواقف والتعاون والتساند والتآزر والتكامل من أجل رفعة الوطن ونهضة الأمة..

الاختلاف في فروع الدين ضرورة
وكيف لا نُقِرّ بالاختلاف في الرأي في أمور الدنيا ووسائل تحقيقها، بينما نقرأ في القرآن الكريم أن داود وسليمان عليهما السلام اختلفا في الحكم في قضية الحرث، وأن هارون وموسى عليهما السلام اختلفا، وأن موسى اعترض على العبد الصالح مرات، بل ملائكة الرحمة وملائكة العذاب اختصما في مصير الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم خرج تائبًا ومات في الطريق، أيكون من أهل القرية الصالحة التي خرج قاصدًا إياها أم من أهل قريته الظالمة التي فرَّ منها، وقد بعث الله تعالى ملكًا يحكم بينهم فحكم لملائكة الرحمة.

والصحابة رضوان الله عليهم جميعًا اختلفوا والرسول- صلى الله عليه وسلم- بينهم، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "سمعت رجلاً قرأ آية سمعت النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: "كِلاكُمَا مُحْسِن ولا تختلفوا فإنَّ من كان قَبْلَكُم اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا"، والخلاف في أركان الوضوء قام على أساس تفسير حرف الباء في قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) (المائدة: 6)، كما وقع الاختلاف في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح وصلاة الخوف وتكبيرات العيد.

والخلاف في صلح الحديبية يُرسِّخ حق الفرد في إعلان رأيه والدفاع عنه في حُريَّة كاملة وأمنٍ تام، وكانت وصيته الخالدة- صلى الله وعليه وسلم- لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري- رضي الله عنهما- ولنا جميعًا من بعدهما "بَشِّرا ولا تُنَفِّرَا.. يَسِّرا ولا تُعَسِّرا.. تطاوعا ولا تختلفا".
أسباب الاختلاف
إن الاختلاف بين الناس يقع في كثير من جوانب الحياة ونظمها؛ بسبب التنوع في الأفكار وأساليب التربية وعادات المجتمعات، وكذلك الاختلاف في الرؤى والاتجاهات والميول والآراء، وعدم وضوح الرؤية للموضوع من كل جوانبه، فالكل يدرك الموضوع من الزاوية التي ينظر إليها، وربما ينظر أحدهم من زاويتين أو أكثر، وربما ينظر من هو أوسعهم رؤية للموضوع من جميع زواياه. وما أحسن من قال: "إن الحقّ لم يُصبه الناس من كل وجوهه، ولم يخطئوه من كل وجوهه، بل أصاب بعضهم جهة منه، وأصاب آخرون جهة أخرى".

والإمام  البَنَّا- رحمه الله- أكد ذلك وهو يتحدث عن أسباب الاختلاف في الدين:
                       · منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه، وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يُفسِّرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلا بد من خلاف.
                       · ومنها سعة العلم وضيقه، وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك وقد قال مالك لأبي جعفر: إن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تفرَّقوا في الأمصار، وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.
                       · ومنها اختلاف البيئات حتى إن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي- رضي الله عنه- يُفتي بالقديم في العراق، ويفتي بالجديد في مصر، وهو في كليهما آخذ بما استبان له، وما اتضح عنده، لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما.
                       · ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها، فبينما نجد هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسه وتطيب بالأخذ به، تراه مجروحًا عند غيره لما علم عن حاله.
                       · ومنها اختلاف تقدير الدلالات، فهذا يعتبر عمل أهل المدينة مقدمًا على خبر الآحاد مثلاً، وذاك لا يقول معه به، وهكذا...

مُسَلَّمات لا يَصِحّ تجاوزها عند الاختلاف
لابد أن تكون هناك مُسَلَّمات بين المختلفين يُقِرُّون بها، وتكون حدًّا فاصلاً لا يَصِحُّ لأحدهم أن يتجاوزه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
                       · أن الشعوب المسلمة لا تقبل أن تكون لها مرجعية في كل ما تذهب إليه غير المرجعية الإسلامية.. (ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ(الشورى: 10)، وهذه أصول وقواعد، وعليها تُبْنَى كل الأحكام الفرعية والاجتهاد الحر فيها.
                       · أن مصر فيها صرح الأزهر الشامخ الذي حفظ للدين نَقاءه وصفاءه ووسَطِيَّته، واتسع صحنه لطلاب العلم من كل دول العالم، واستوعب كل المذاهب الفقهية وصهرها في بوتقة الإسلام الجامعة، فنشر نور الإسلام النقي، ومنهجه المعتدل المتوازن في العالم الإسلامي.
                       · أن حب الوطن من الإيمان، وأن مصلحته تعلو على كل المصالح، وعلينا أن نُضَحِّي في سبيله بمصالحنا الشخصية، ونذود عن استقلاله وحريته وسيادته بأرواحنا وأموالنا.
                       · أنّ الشعب المصري شعب عظيم حُرّ رشيد، وأهله خير أجناد الأرض، وأنه صنع حضارة وقهر الغزاة، ولا يصح لأحد أن يفرض نفسه عليه أو يتحدث باسمه دون أن يفوضه في ذلك.
                       · أن نُسَلِّم بأن الشعب إذا اختار شيئًا وفق آلية الديمقراطية المعمول بها في العالم كله، فإنه لا يصح لأحد أن يتجاوزه.
                       · أن نختار حكمًا بيننا من أهل الحكمة والنظر، وممن عُرِفَ بالعلم والأمانة، لكي يكون رأيه حكمًا فاصلاً فيما تنازعنا فيه في ظل هَدْي السماء: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59). (فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء : 65).

آداب الاختلاف
وفي ظلِّ هذه المُسَلَّمات نتحاور لمصلحة الوطن ورفعته، ونحن نتحلى بآداب وقيم تكفل لنا أن نصل إلى هدفنا، ونحتفظ بإكسير الحُبِّ والمودَّة والاتحاد بيننا، ومن هذه الآداب:
أولاً: إخلاص النية لله تعالى والتجرد من الهوى والتعصب، وعدم التشكيك في النوايا، وأن يكون الهدف هو الوصول إلى الحق وإلى رضا الله سبحانه، وهذا يقتضي أن نخلص ضمائرنا لله عز وجل، ونستلهم من الله تعالى الرُّشد بقلوب صادقة التوجُّه، فإن الأمر كله له سبحانه، وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها.
ثانيًا: أن نكون على تقوى وخشية من الله عز وجل، وأن نتحلَّى بالصبر وضبط النفس، والإنصاف مع المخالف حتى ولو كان مخالفًا لك!. 
ثالثًا: أن نذكر أصول المناقشة في الاستئذان والهدوء والإيجاز، وترك الحرية للقائل حتى يفي موضوعه فلا يُقاطَع، وترك الجدل في الجزئيات ليقرر كُلٌّ رأيه، ويُدلِّل عليه بما يرى من الأدلة، وفي ذلك ما يكفيه عند فقد رأي أخيه. 

رابعًا: طول التفكير والأناة، ووزن الأقوال وزنًا دقيقًا، والصَّراحة التامَّة في إبداء الرأي؛ فإننا جميعًا نتلمَّس الخير، ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا إليه، والله حسبنا ونعم الوكيل.

خامسًا: أن نعرض رأينا بأدلته دون التعرض للأشخاص أو الهيئات بالتجريح، وأن نحذر من أن يجرنا الخلاف إلى التعرض إلى ما يسيء، حتى ولو كان الحق مع الرأي الآخر "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق"، بدلاً من أن نلقي الضوء على فكرته أو نناقش الموضوع وليس الشكل.

سادسًا: الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، وفتح باب الحوار معه، ومجادلته ودعوته بالحسنى، كما أمر الله سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(النحل: 125). وذلك يتم في ظل الاحترام المتبادل، وعدم الانتقاص من قدر الآخرين أو فكرهم. 
 سابعًا: البُعْد عن الجدل؛ لأنه يؤدِّي إلى الضلال، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ"، ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ الآيَةَ: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ(الزخرف: 58).
 ثامنًا: أن نحدِّد المتَّفق عليه ونبادر بتنفيذه وتحويله إلى واقع يخدم الوطن، ونَعْبُر به إلى مستقبل أفضل، وعدم التركيز على القضايا الخلافية فقط.
 تاسعًا: اعتماد الوسائل السِّلْمِيَّة، ونبذ كل أشكال العنف والتعنيف.

عاشرًاترفُّع الأطراف المختلفة عن نشر الشائعات وعدم الافتراء أو اتهام الآخرين بالكذب والزور والبهتان.

أيها المسلمون في كل مكان:
إن الشعوب المسلمة في أشدّ الحاجة إلى أن تتوحد ولا تختلف، وتتعاون على البرِّ والتقوى، ولا تتعاون على أي إثم أو أي عدوان "وهاتان الكلمتان جامعتان للأخطاء الفردية والأخطاء في حق أفراد المجتمع"، كما أنها في حاجة إلى جمع شمل أبناء الوطن وتوجيه طاقاته وقدراته لما فيه مصلحة الوطن والتخلص من كل تبعية تنقص من سيادته على أرضه أو تعوقه في السير إلى إكمال مسيرته في استرداد حريته وعزته وكرامته، وهذا واجب وطني على كل حُرٍّ مخلص غيور، وحينئذ يعمّ الأمن والأمان ويتحقق الرخاء والاستقرار في ربوع الوطن وما ذلك على الله بعزيز.

إن الاختلاف داء به هلكت الأمم السابقة، وقد حذَّر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته منه أشد التحذير، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ".
ولنعلم جميعًا يا كل المسلمين أن الله عز وجل لا يريد بنا إلا اليسر ولا يريد بنا العسر، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- مدحه ربه أنه (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128).

لذا الواجب علينا أن نطمئن ونرضى ونثق أنه لا حياة لنا إلا في ظل الضوابط والقيم والأخلاقيات الإسلامية، وهي الأسس التي تقوم عليها الأحكام الفرعية، وأن نذوق حلاوة الإيمان بهذا الموقف "ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد- صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً".

فهيَّا.. إلى الاستجابة لنداء الله عز وجل ففيه حياتنا وسعادتنا في الدارين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ(الأنفال: 24).

حفظ الله تعالى الأمَّة وأعزَّها بالإسلام وأعزَّ الإسلام بها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والله أكبر ولله الحمد

القاهرة في: 18 من ربيع الآخر 1434هـ، الموافق 28 من فبراير 2013م.
---------------------------------------------------
- See more at: http://www.ikhwanonline.com/Article.aspx?ArtID=140425&SecID=213#sthash.0xRTsvuk.dpuf

والله العظيم أشفق عليهم!!....مصطفى كمشيش

إنهم شباب اليوم – من كل التيارات - وقد خدش محترفو الإعلام والسياسة طهارة وبراءة أعمارهم – فشباب التيارات الإسلامية – وفى القلب منهم الإخوان - وقد كنت أعتبر نفسى لكثير منهم بمثابة الأب أو الأخ الأكبر (سنًا فقط).. أشفق عليهم حين تتقلب مشاعرهم بين الحب والكراهية, بين المدح والقدح, بين الإعجاب والازدراء.
  • فقد تم تجييش مشاعرهم ليساندوا "البرادعي" قبل الثورة فى حملة المليون توقيع, ثم جاءت استحقاقات السياسة بعد الثورة فكان الفراق, وأصبح البرادعى شر الناس, ثم التقى به الكتاتنى مؤخرًا فهدأت الكلمات.. 
  • تحالف الإخوان مع الناصريين فى انتخابات مجلس الشعب باعتبارهم رفاق الميدان, ثم اختلفوا, وتأجج الخلاف مع انتخابات الرئاسة وما تلاها, فتم استدعاء خلاف (ناصر والإخوان),
  • واصطف حزب النور على المنصات مع الإخوان وفى الميادين.. وقال بعض السلفيين كلامًا, مثل قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار (فى إشارة الى المعارضة).. وتعجبنا لما رآه بعضنا من إضرار بوسطية الدعوة التى ناضل من أجلها علماء ودعاة, ولكن ضرورات السياسة تجاهلت ذلك, وألقت بمنهج الوسطية على قارعة الطريق, وتم تجييش المشاعر بين (دينى وعلماني).. اليوم اختلف حزب النور مع الرئاسة (الإخوان), فتحولت المشاعر, واشتعلت العبارات بين الطرفين, فتم استدعاء الخلاف (سلفى / إخواني)!! 
  • ومن قبل, أحجم الإخوان عن التقدم بمرشح للرئاسة, وأصدروا بيانًا رائعًا عن خطورة ذلك, وأهمية التدرج بالدعوة والتربية طبقاً لمراحل محددة من الإعداد (الفرد فالأسرة فالمجتمع فالدولة)، فأعجب به شبابهم, ثم تبدلت القراءة (وكأن الساحة المصرية بشعبها وجيشها وأمنها ومؤسساتها ورجال أعمالها وإعلامها وأحزابها وفنانيها وأدبائها ومثقفيها قد تهيأت فجأة لاستقبال مرشح إسلامى!!), فقررت قيادة الإخوان التقدم بمرشح للرئاسة, وذهبت الحيثيات المعتبرة لعدم الترشح أدراج الرياح, وشمر الشباب عن سواعدهم للعمل على إنجاح مرشحهم, ونال بعضهم من منافسين كرام بشكل غير مقبول, وأتت نتائج الجولة الأولى لتدق ناقوس خطر (فقد هبط التصويت للإخوان من 10 ملايين فى مجلس الشعب إلى حوالى 6 ملايين فى انتخابات الرئاسة)، وهنا تم استدعاء الفرقاء للنجدة, كان أبو الفتوح على لسان "العريان" متمردًا, فأصبح (على لسانه أيضًا) الأخ المجاهد الكبير!!
ونسى أبو الفتوح آلامه وأحزانه فأعلن مساندته للدكتور مرسى حفاظا على مسار التغيير حتى لا ينجح "شفيق" فتحول قرابة 4  مليون صوتاً لدعم د.مرسى, بينما تردد آخرون فى دعمه, وساندته أغلب القوى الثورية بل ورموز وطنية معارضة للإخوان مثل (حمدى قنديل – الأسوانى – بلال فضل – محمود سعد.. إلخ), فتلقت مدحًا حينها وتنال اليوم ذمًا (فى تقلب عجيب للمشاعر)، وكأن المطلوب من الناس الموافقة فقط, فإن اعترضوا أو انتقدوا فهم بلا حُرمة!!

لم ينجح د.مرسى بأصوات الإخوان ولا بجهودهم القصوى, فقد انضمت أصوات مرشحين آخرين للدكتور مرسى فى الجولة الثانية, (ليرتفع التصويت له من 6 مليون إلى 13 مليون ), أى أن حوالى 54% من المصوتين له لم يكن د.مرسى خيارهم الأول, ومن ثم فهم لا يحبونه بالمطلق ولا يعطونه شيكًا على بياض كمحبيه وأنصاره, وتصويتهم له تصويت مشروط بالإجادة, حيث كانوا يأملون أن يكون رئيسًا لهم جميعًا, حتى يُقلل من حجم المقاومة له, فرئيس من الإخوان ليس كغيره.

وقد قلنا وقتها مرارًا إن وجود مرشح من الجماعة يختلف عن أى مرشح آخر, لأن الرئيس "بعد نجاحه" سيعمل بمؤسسات الدولة لا بمؤسسات الجماعة, وكلما استعان بالدولة العميقة (ولن تخلو من عناصر شريفة ووطنية) كلما قلت المقاومة, وكلما استعان بالجماعة كلما ازدادت مقاومة الدولة العميقة فى مواجهته لأنها ستشعر بمخاطر الإزاحة.. وهو ما يفسر تعثر العمل فى وزارات ومؤسسات كثيرة بحيث لم يلحظ المواطن أى تحسن يُذكر فى أى ملف من الملفات, بل إن بعضها ازداد سوءًا, وذهبت التقديرات كلها سدى, ابتداء من تقدير المائة يوم وما بعدها.

استغل هذا الإخفاق فلول النظام السابق والانتهازيون سعيًا للإطاحة بالنظام الجديد, وحين يسمع شباب الإخوان كلام هؤلاء فى الإعلام ويرون البلطجة فى الشارع والإعلام تزداد قناعتهم بفكرة المؤامرة (وهى موجودة قطعًا)، لكنها ليست السبب الوحيد للإخفاق والتعثر, فسوء أداء الحكم وضعفه وارتباكه وفقدانه للبوصلة التى كانت تستلزم أن يتحصن بالشعب وشركاء الميدان وأنقياء الوطن ليبنى معهم شراكة حقيقية تمكنه من مواجهة أخطار الداخل والخارج.. لكنه لم يفعل.. وبقت مشاعر الشباب أسيرة لفكرة المؤامرة دون سواها..

أخطر الأسئلة
بعد وصول الإسلاميين للسلطة, وما حدث من إخفاق, انعكس ذلك سلبًا على الدعوة الإسلامية, وهنا نطرح هذه الأسئلة حرصًا على دين ودعوة ووطن أكثر من حرصنا على أى مصلحة لأى جماعة أو فصيل أو حزب:
  • هل يدركون تراجع مستوى التدين فى المجتمع؟
  • وهل يدركون حجم التردى الأخلاقي؟
  • وهل يدركون أن بعض الفتيات بدأن فى خلع الحجاب؟
  • وأن بعض الشباب بدأ يسلك طريق الإلحاد "وبعضهم من أبناء التيارات الإسلامية"؟
  • وهل يدركون أن حالة الإباحية تزداد فى المجتمع بدعم من أفلام ومسلسلات ومؤسسات ونوادٍ ليلية وفنادق وصالات قمار وبارات ومحلات ديسكو تبتز النظام الحاكم الذى لا يجرؤ على محاربة الحرية والفن والإبداع!!
  • هذا فضلاً عن ملفات أخرى (لا تقل أهمية) قد توارت, وفى صدارتها الاستقلال الوطنى, سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا,
  • أما السؤال المهم لأصحابه (أحسبه مهمًا لهم أكثر من أهميته لغيرهم)، وهو: كم بقى للرئيس من رصيد الـ 13 مليون ناخب؟ وهل ارتفعت شعبية الجماعة أم انخفضت؟ لعل أصحاب الرصد الحقيقى والمنصف والمتجرد أن يُضيئوا لهم الطريق.. 

شباب آخرون 
على الجانب الآخر, نجد شبابًا آخرين, وحّدهم الميدان وفرقتهم الأحزاب وسدنة السياسة والإعلام, فاجتمعوا على كراهية الإخوان, بل وتجاوز بعضهم إلى رفض الفكرة أصلاً, فبدأ بعضهم يشغب على الدين, فيهاجم المساجد والمقرات ويحرق ويسب ويشتم ويتجاوز ويعتقد أنه ثوري, ويعتقد أنه على صواب.. أشفق عليهم من تغلغل الكراهية فى نفوسهم.. فالكراهية تهدم صاحبها وغيرها.. الكراهية لا تبنى, ولا تؤسس مشروعًا, ولا تبنى وطناً ولا تصنع بديلاً.. 

صيحة تحذير
لقد بدأت بعض ظواهر العنف تكشف عن كفر بعض الشباب بالسياسة ومساراتها السلمية, واستغل ذلك خصوم الوطن فى الداخل والخارج, فتكونت جماعات لا تعرف غير العنف سبيلا, وفى المقابل, أظن أنه ستتكون تيارات دينية تؤمن أيضًا بالعنف (إن لم تكن قد تكونت بعد), يرى بعضها أن النظام الحالى خطر على مصالحها, بينما يرى آخرون (فى غيبة دعاة الوسطية لانشغالهم بالحزبية) أن النظام الحالى قد فرط فى ثوابت الإسلام ولم يف بأهم واجباته, فى موجة جديدة للتطرف والتشدد, وقد يرى بعضهم أنه لا ثمة سبيل لمواجهة العنف إلا بعنف مضاد, وهنا مكمن الخطر على الوطن. 

سامح الله كل ساسة مصر وكل إعلامييها!!

كل يدعي وصلاً بالوفاق الوطني!... شريف عبد الرحمن سيف النصر

على التوازي مع المعارك العديدة الدائرة فيها، تشهد الساحة السياسية المصرية معركة خاصة يتبارى أطرافها في احتكار والحديث باسم مفاهيم بعينها، أشهرها على الإطلاق مفهوم "التوافق الوطني"، والذي تدعي كل الأطراف اقتناعها به، وتمثلها له، ولكنهم عند التطبيق يفترقون ويتجادلون، إذ ينطلق كل طرف من قناعته الخاصة وتصوره الضيق لهذا المفهوم، حتى صار لدينا أكثر من نسخة من نسخ التوافق الوطني.
  • فالمعارضة العلمانية ترى أن التوافق لا يتحقق إلا بالعودة لنقطة الصفر، وإلغاء كافة المكتسبات التي تم إحرازها منذ بداية الثورة، وضرورة الدفع بمسار الأحداث في وجهة مختلفة تضمن تصدرهم للمشهد السياسي، واعتلاءهم قمة مؤسسات الدولة، من دون الاحتكام إلى إرادة الجماهير. وقد تم اللا إفصاح عن هذه الأفكار منذ الأسابيع الأولى للثورة بالدعوة إلى تأجيل الانتخابات التشريعية الأولى، ثم الدعوة إلى صياغة وثيقة مبادئ فوق دستورية، ثم الدعوة إلى إعادة كتابة الدستور، وأخيرا من خلال الدعوة الفجة لإعادة الانتخابات الرئاسية. أخطر ما في هذا التصور هو قناعة الكثير من أصحابه بأنه من الممكن فرض التوافق بالقوة أو العنف، وذلك بالدعوة إلى تطبيق العصيان المدني قسرا، بقطع الطرق وتعطيل المؤسسات، وانتهاء باستخدام العنف اللفظي والبدني لتمرير مشروعهم التوافقي!

ويبدو من تفكيك هذا التصور للتوافق أنه يقوم على إفراغ الديمقراطية من محتواها، وذلك من خلال الإلحاح على فكرة أن الديمقراطية ليست هي الصندوق الانتخابي فحسب، وأن الشعب المصري غير مهيأ بعد لممارسة الديمقراطية كاملة، أو أن الديمقراطية لا تتعارض مع التفكير في استدعاء الجيش وقت اللزوم، أو حتى دعوة الغرب للتدخل في الشأن الوطني الداخلي.
  • وعلى العكس من هذا التصور الذرائعي للتوافق تدعو المعارضة الإسلامية ممثلة في حزب النور السلفي إلى تصور مختلف للتوافق يعكس حالة من المثالية الساذجة التي تكاد تتصادم مع الواقع على نحو تام، فقد افترض الحزب أن الحوار حول التوافق يمكن أن يتم في أجواء من الإخلاص المطلق لمصلحة الوطن، وأن المعارضة يمكنها أن تسمو إلى حالة من التجرد عن تحيزاتها الضيقة وأن تنبذ مخاوفها الخاصة بوجود تيار مناوئ لها في السلطة.

آفة هذا التصور أنه لا يأخذ في اعتباره حقائق الواقع، مثل حقيقة أن قوى المعارضة التي يعرض عليها مبادرته يسيطر عليها هاجس الهوية (التي يرون أنها صارت إسلامية أكثر مما ينبغي)، بأكثر مما تقلقهم أخطاء النظام السياسي القائم (كما يدعون)، كما يفترض هذا التصور لمفهوم التوافق أن الخلافات الأيدلوجية بين القوى السياسية يمكن أن تتواري متى بدأ الحديث عن الوطن، ويغفل المناورات التي قامت بها هذه القوى في السابق لكي تشق الصف الإسلامي، ولكي تسرق إرادة الجماهير التي اختارت فصيل الإسلام السياسي لكي يقود بها هذه المرحلة من عمر الثورة.
  • أما الطبقة الحاكمة ممثلة في الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين، فتتحدث عن التوافق الوطني وفي ذهنها أن تكسب المزيد من الوقت الذي تستفيد منه في إكمال المسار المؤسسي الذي يتبقى منه إجراء الانتخابات التشريعية. ولكن الرئاسة في الوقت الذي ترفض فيه فكرة وضع شروط مسبقة لبدء الحوار حول التوافق الوطني، فإنها تضع ما يبدو للجميع أنه شروطا مسبقة، من مثل استبعاد فكرة تغيير الحكومة ورفض مطالبة النائب العام الحالي بالتنحي من موقعه تمهيدا لاختيار نائب جديد، والأسوأ أن الرئاسة تمتلك في هذا الصدد سجلاً من حالات التراجع عن الالتزامات ما يجعل من التوافق معها محل نظر فيما يخص الجدوى من ورائه، خاصة أنها قد استبقت المعارضين بتحديد موعد الانتخابات المقبلة على نحو منفرد، في الوقت الذي كانت قوى المعارضة تبتغي أن يكون هذا الموضوع (موعد إجراء الانتخابات القادمة) من المواضيع المدرجة على أي برنامج مزمع للحوار أو التوافق الوطني.

النموذج الذي تتبعه الطبقة الحاكمة يوحى أنها تعتبر التوافق مجرد جزء من مناورة سياسية، الغرض منها استهلاك الوقت واستنفاد طاقة الخصوم. وفي أحسن الأحوال يتم النظر إلى التوافق على أنه من ضرورات الشكل الديمقراطي، الذي يتزين بجولات الحوار المتعددة والتي لا تكاد تنتهي إلى قرارات ملموسة، حتى صارت بمثابة مناسبة لعدم القيام بأي شيء ذي جدوى، فالحوار من أجل الحوار صار هو الشعار الفعلي لكثير من الفاعليات التي عقدت لهذا الغرض، والاستماع إلى المعارضين كان يتم في غالب الأحيان بغرض استيعاب أضرارهم أكثر من المشاركة معهم في إعادة تأسيس الوطن.

وهكذا تتعدد طرق النظر إلى التوافق، ويفهمه كل فصيل بطريقة مختلفة، فيشارك فيه أو يرفضه لاعتبارات مغايره لاعتبارات خصومه.
أما النسخة الغائبة من التوافق فهي:
  •  تلك النسخة التي تؤكد أنه ضرورة لمرحلة البناء والتأسيس، وتؤمن أنه إنما يصنع بين القوى التي تؤمن به وتراهن على نجاحه وتتبناه كمشروع وليس كمناورة،
  • هذه النسخة من التوافق تنطلق من تصور للواقع بكافة تضاريسه، وبفهم كامل لطبيعة القوى المؤثرة فيه، وبأوزانها النسبية الحقيقية، والتي تصنعها قدرتها على التأثير الإيجابي في هذا الواقع.
  • هذه النسخة من التوافق تؤمن بأن الواقع معتبر ولكنه ليس قيدا حديدياً،
  • وأن مؤسسات العهد السابق معيبة ولكن يتعين الاستفادة من حقيقة وجودها لا نفيها بالكلية،
  • النسخة الغائبة من التوافق هي النسخة التي تحاول وضع قواعد لإدارة الخلاف الحالي وخلافات المستقبل،
  • وتعتبر أن التوافق هو عملية سياسية تخص الوطن بأكمله ولا تخص فصيلاً بعينه،
  • وأنه يصنع حول أولويات ومصالح الدولة، وليس على أساس أولويات ومصالح فصيل أو جماعة أو فرد.


ارفعوا أيديكم عن الجيش ..... فهمي هويدي

انتقلنا من مرحلة استنفار الجيش وتحريضه إلى مرحلة الجهر باستدعائه. وبعدما ظلت الهتافات تردد فى الفضاء المصرى هتاف «يسقط.. يسقط حكم العسكر»، وجدنا أصواتا متزايدة ترفع الآن شعار «العسكر هم الحل». وفى حين كانت تلك الأصوات تصدر عن بعض الهواة المحدثين فى عالم السياسة والصحافة. فإننا فوجئنا أخيرا ببعض السياسيين المحترمين يدخلون على الخط، الأمر الذى يدعونا إلى أخذ الكلام على محمل الجد، لأننى أزعم أن هذا موضوع لا يحتمل الخفة أو الهزل. وأذهب فى ذلك إلى أنه إذا كان هناك حديث نبوى يتحدث عن ثلاث هزلهن جد وجدهن جد (الزواج والطلاق والعتاق)، فإن ثمة أمورا فى عالم السياسة ينطبق عليها ذات الكلام، منها الجيش والعسكر. ذلك ان المسئولية الوطنية والمصلحة العليا للبلد تفرض على الجميع أن يتوخوا الحذر فى الخوض فى الموضوع، هازلين كانوا أم جادين.

أدرى أن بعض الأصوات تثير المسألة فى نقطة وسط بين الهزل والجد، هى نقطة الوقيعة والكيد. بمعنى ان أصحابها لا يهزلون كما انهم ليسوا جادين فى الدعوة لاستدعاء الجيش وتسلمه للسلطة، ولكنهم يريدون الوقيعة بينه وبين السلطة أو بينه وبين الإخوان. وقد كان ذلك التصنيف فى ذهنى إلى أن قرأت ما نسب إلى القيادى الإخوانى الذى نقل عنه قوله إن المجلس العسكرى دبر حادث الهجوم على الضباط والجنود (الذين قتل منهم فى رفح 16 شخصا خلال شهر رمضان الماضى)، لإحراج الرئيس محمد مرسى، وهى القصة التى نشرتها جريدة «الشروق» يوم الاثنين 25/2، وذكرت أنها حصلت على شريط «فيديو» لمحاضرة ألقاها القيادى المذكور، على إخوان كفر الدوار (محافظة البحيرة) فى نهاية الشهر الماضى، وكانت تلك الإشارة ضمن ما قاله. وإذا كان ذلك صحيحا فإنه يضيف تصنيفا آخر يتمثل فى الخطاب غير المسئول، الذى لا هو هازل ولا هو جاد ولا هو ساع إلى الكيد والوقيعة. ولكنه مؤيد للسلطة وله موقعه داخل الإخوان، لكنه حين أراد أن يدافع عن الدكتور مرسى، فإنه قال هذا الكلام بحسن نية شديد، ولم ينتبه إلى أنه جرح الجيش وأساء إليه، بما يستحق التصويب فضلا عن الاعتذار عنه.

لى فى مسألة المطالبة باستدعاء الجيش عدة ملاحظات هى:

• إنها دعوة ضد التاريخ وضد الديمقراطية. ذلك أن أى حكم رشيد يبدأ بإقصاء العسكر وإخراجهم من ملعب السياسة، تمهيدا لتولى الشعب المهمة من خلال مؤسساته الديمقراطية والدستورية. وللعلم فإن هذه المعركة لم تكسبها تركيا إلا بعد مضى 40 عاما من النضال السياسى.

• إن الجيش المصرى ظل بمنأى عن الصراع السياسى طول الوقت. ولم يحدث أن تدخل لصالح طرف ضد طرف آخر. لأن ثقافته وعقيدته العسكرية جعلت منه جيشا وطنيا محترفا بمعنى أنه حارس للوطن بالدرجة الأولى، وربما كان ذلك واضحا فى خطاب وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسى الذى حذر فيه ذات مرة من انهيار الدولة التى هو حارس لها. وفى غير ذلك فإنه يظل بعيدا عن أية صراعات سياسية.

• إن تجربة المرحلة التى تولى فيها المجلس العسكرى السلطة فى مصر لم تكن مشجعة، لأن إدارة البلد عرضت الجيش وقيادته لسهام كان فى غنى عنها، ووضعت الشرطة العسكرية غير المدربة على التعامل مع الجماهير فى المظاهرات فى مواقف أساءت إليها وكانت بدورها فى غنى عنها.

• إن الجيش المصرى بعد الثورة يشهد تطورات كبيرة من شأنها استعادة شبابه ورفع قدراته المهنية والاحترافية. ولأن وزير الدفاع يولى هذه المهمة أولوية قصوى فإنه يبدأ عمله كل يوم فى الخامسة والنصف صباحا، فى حين أن رئيس الأركان لا يغادر مكتبه قبل الواحدة بعد منتصف الليل. وتبرز أهمية ذلك التوجه إذا لاحظنا أنه طوال سنوات حكم مبارك الثلاثين كان الاهتمام بالشرطة يحظى بالقسط الأكبر من الاهتمام لأنه ظل الحارس الحقيقى للنظام الذى اعتمد عليه فى قمع المعارضين وتزوير الانتخابات وترتيب التوريث.

• إن الذين يدعون إلى تدخل الجيش لمجرد إسقاط ما يسمونه حكم الإخوان، لا يقحمونه فقط فى الصراع السياسى ولا يقدمون لنا تصورا لما يمكن أن يحدث فى اليوم التالى فقط ومن ثم يسلموننا إلى مجهول لا يعرف إلا الله تداعياته، وانما الأخطر من ذلك والأسوأ أنهم يسعون إلى توريط الجيش فى معركة فرعية وتكتيكية، مضحين فى ذلك بالدور المحورى والاستراتيجى الذى ينهض به الآن مستهدفا به استعادة عافيته ورفع كفاءته ومهنيته. كأنهم باتوا مستعدين لإسقاط حكم الإخوان بأى ثمن، حتى إذا كان ذلك على حساب الجيش ومستقبله. الأمر الذى يدعونا إلى التساؤل عما إذا كانت تلك الدعوة لأجل الثورة أم لصالح خصومها.

الحملة الشعبية لمكافحة الأفْورَة.... وائل غنيم


هو إحنا ليه كتير من الأحيان بنأفْوَر (أفْوَرَ يُأفْورُ أفْوَرَة فهو Over) في ردود أفعالنا؟ 
  • بنأفْور في تعاملنا مع البشر .. بنتعامل مع الناس بمنطق: هو ملاك يسير على قدمين (لو بنحبه) .. أو شيطان يتطاير الشرر من عينيه (لو بنكرهه) 
  • بنأفْور في تقييمنا لأي شخصية سياسية: القائد - القدوة - البطل الملهم - المنقذ - المعلم (لو بنؤيده) .. العميل - الخائن - الفاسد - المفسد (لو بنعارضه)
  • بنأفْور في أعداد الناس اللي بتنزل تشارك في أي مظاهرة: مئات الآلاف - الملايين - الشعب المصري قال كلمته (لو مؤيد للمظاهرة) .. العشرات - المئات - قلة مندسة لا تعبر بأي حال عن الشعب المصري (لو معارض ليها)
  • بنأفْور في تقييمنا لكتير من الأحداث المؤلمة اللي بتحصل في المجتمع كنتيجة للجهل والإهمال والتقصير .. فالمتهم في الغالب مش بيبقى الجاني الحقيقي .. المتهم دائما بيبقى طرف ثالث تكشفه خيوط المؤامرة الداخلية والخارجية التي يقودها سكان كوكب عطارد الذين لا يريدون استقرارا للمحروسة (لو انت مؤيد للسلطة) .. أو المتهم هو السلطة التي قامت بهذه الخطة الجهنمية للفت الأنظار بعيدا عن كارثة أخرى يقوموا بها (لو انت معارض للسلطة)
  • بنأفْور في تقييمنا لكتير من الانجازات الإيجابية اللي بتحصل في المجتمع: انتصار تاريخي - لحظة حاسمة - أبهرنا العالم - أفضل دستور عرفه التاريخ الحديث (لو مؤيد لمن قاموا بهذه الانجازات) .. اشتغالة - أكيد هيطلعوا من وراها مصلحة - وإيه يعني؟ - ده بيلمعوا نفسهم - ده كذب - الموضوع ده فيه إنّة (لو انت معارض لمن قاموا بهذه الانجازات)
  • بنأفْور في توصيف الوضع الاقتصادي بعيدا عن التحليل الموضوعي المعتمد على الأرقام .. المليارات تتدفق - مصر لن تركع - الوضع الاقتصادي أكثر من ممتاز (لو إنت مؤيد للسلطة) .. مصر على أعتاب كارثة إفلاس اقتصادي - احنا منهارين (لو إنت معارض للسلطة) 
  • بنأفْور في تصديق ونشر الشائعات اللي بتشوه أشخاص وكيانات دون بحث عن دليل لها (لو احنا معارضين لمن يتم تشويهه) .. في نفس الوقت اللي بنأفْور فيه في تكذيب الأخبار الموثقة اللي بتظهر سلوك مشين أو جريمة أخلاقية (لو احنا مؤيدين لمن يتحدث عنه الخبر)
والسؤال
ما هو السبب وراء هذه الظاهرة؟ هل مثلا هناك ما نتعلمه في المدارس والجامعات يؤدي لتفاقم هذه الظاهرة؟
متى يصبح تقييمنا للأمور بحجمها بعيدا عن الأفورة؟ 
كيف نُنمّي لدينا جميعا ثقافة البحث عن المعلومات لا التخمينات .. والتحليل الموضوعي لهذه المعلومات الموثقة للوصول إلى القناعات الصحيحة؟
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ]

الأربعاء، 27 فبراير 2013

مصطفى النجار يكتب أخطر تحليل حول أزمة انتخابات مجلس النواب: مشاهد سياسية إباحية

مصطفى النجار يكتب أخطر تحليل حول أزمة انتخابات مجلس النواب: مشاهد سياسية إباحية

الأربعاء، 27 فبراير 2013 - 14:22
جانب من مؤتمر جبهة الإنقاذجانب من مؤتمر جبهة الإنقاذ





















مشهد 1
إحنا هنعمل أيه بعد ما نعلن مقاطعة الانتخابات؟
مش عارف!!
طيب إزاى نعلن إننا هنقاطع وإحنا مش عارفين هنعمل أيه بعدها؟
نعلن وبعد كدا نشوف هنعمل أيه!!
طيب ينفع ناخد خطوة وإحنا مش عارفين بعدها أيه؟ دا مش منهجى ولا موضوعى!
هنبقى نتفق بعد كدا هنعمل أيه ونشتغل ازاى.



مشهد 2
هو حزب حضرتك هيلتزم بالمقاطعة؟
آه الحزب أعلن المقاطعة بس فى أعضاء كتير هينزلوا مستقلين.
طيب ما دا خرق للمقاطعة وتفريغها من مضمونها!!
مقدرش أحكم على الناس ما تنزلش، أنا رأيى أننا كنا لازم ننزل بس المزايدات موجتها عالية أوى المرة دى.
طيب إحنا هنمشى ورا المزايدات ونسيب البلد تضيع؟
قولهم ممكن يسمعوا كلامك، أنت كلامك صح، المقاطعة مش هتهز الإخوان والانتخابات هتتعمل كدا كدا وهنعزل نفسنا 5 سنين عن الناس ودا هيمكن الإخوان أكتر وأكتر.



مشهد 3
أنت راضى عن المقاطعة ومقتنع بيها؟
لا طبعا دا تهريج وهروب من المعركة اللى لازم ندخلها عشان ننقذ البلد.
طيب ليه مش هتعلن دا وتاخد موقف؟
هاخد موقف لوحدى واتشتم لوحدى؟ لازم يكون فى حزب تانى معانا!!
طيب ما تاخد الخطوة دى والمقتنعين بوجهة نظرك هيلحقوا بيك.
هيقولوا علينا بنفتت المعارضة وبنقسم الصف الوطنى.
طيب هتعمل أيه فى حزبكم؟
هنقفله ونبطل سياسة ونشوف شغلانة تانية!!
طيب والبلد هنسيبها لمين؟ هنعلن اختفاء المعارضة فى ظروف غامضة ونهدى درع الفوز للإخوان؟
مش عارف أقولك أيه، العواجيز ضيعونا فى انتخابات الرئاسة وهيضيعونا فى البرلمان.




مشهد 4
هو حضرتك شايف إننا فى لحظة ثورية هنوقع النظام قريب؟
آه طبعا أنت مش واخد بالك العصيان المدنى جاى والملايين هتنزل!
أنهى ملايين بتاعة جمعة الزحف ولا الخلاص؟
أنت شكلك تعبت وبقيت ثورى متقاعد ومش عايز تكمل الثورة! الشباب بيمنعوا الموظفين من الدخول لشغلهم وكمان شوية العصيان المدنى هيبقى شامل!
هو منع الموظفين من دخول شغلهم هو دا العصيان المدنى؟ طيب هو إحنا عندنا كمان نقابات وروابط عمال ومهنيين مقتنعين بالكلام دا عشان يحصل العصيان المدنى؟
هى هتمشى لوحدها والإخوان هيقعوا ومفيش انتخابات هتحصل من الأساس؟
إزاى؟
الثورة هتمنع الانتخابات إنها تتم!
إزاى؟ هنشيل مولوتوف كلنا ونحرق اللجان واللى هيروح يصوت ونوقف الانتخابات؟
الثورة تعمل اللى هى عايزاه!!



مشهد 5
كتبت على صفحتى:


(لن أحسم موقفى من الانتخابات إلا بعد استبيان آراء الجماهير فى دائرتى بشكل علمى وشفافية تامة وسأعلن ذلك أيا كانت النتيجة وسألزم نفسى بها، قرار المقاطعة أو المشاركة يجب أن يكون شعبيا ونلتزم به كسياسيين، مصر ليست النشطاء أو النخب السياسية فقط مع احترامى للجميع)
علق أحد الرموز الشبابية الفلولية المعروفة بأنها كانت من عبيد جمال مبارك قبل الثورة على ما كتبت قائلا: يا أخ مصطفى أدرك اللحظة الفارقة، الثورة لا تعرف الحلول الوسط، لا تخون الثورة!!
علق على تعليقه شاب ثورى من ائتلافات شباب الكاميرا: لا هو خلاص باع الثورة من زمان وعايز يشتغل سياسة.
الرمز الفلولى الشاب: يا خسارة، بس الحمد لله الثورة كاشفة وبينت مين مع الثورة ومين ضدها!!
ابتسمت ابتسامة صامتة وأغلقت شاشة الجهاز وعدت لذكريات قريبة فى المشهد القادم.



مشهد 6
الزمان: نهاية عام 2010
المكان: اجتماع للجمعية الوطنية للتغيير قبل انتخابات مجلس الشعب 2010.
نائب سابق: لازم ندخل الانتخابات تحت أى ظرف عشان نكشف تزويرها ونفضح النظام.
مدير الاجتماع: ما هو النظام مفضوح، الأفضل نقاطع مقاطعة جماعية عشان نسقط الشرعية عن النظام.

النائب السابق: ما ينفعش نسيب للنظام الساحة يلعب فيها وحده لازم ندخل نناكف فيه ونرهقه والسياسة والتغيير تراكم، مش عشان خايفين من التزوير نقعد فى بيوتنا ونسيب النظام يرسخ سيطرته أكتر وأكتر، كدا إحنا بنسلم البلد للنظام بالكامل!!
مدير الاجتماع: بس الدكتور البرادعى كان أمله إن كل مكونات الجمعية الوطنية للتغيير تقاطع الانتخابات ونركز فى جمع توقيعات بيان التغيير.

النائب السابق: لما يبقى يجى مصر ويقعد معانا يبقى يقولنا نعمل أيه، إحنا اللى على الأرض والجماهير ورانا ومش بعد ما اشتغلنا معاها وارتبطت بينا نروح نقولهم هنقاطع الانتخابات عشان البرادعى عايزنا نقاطع، الناس مش هترحمنا وهنخسر كل اللى بنناه على الأرض.
مدير الاجتماع: بس كدا هيبان إن المعارضة منقسمة ودا يضعفنا قدام النظام.

النائب السابق: لا دا مش انقسام دى مسارات متوازية لازم نمشى فيها ناس تقاطع وناس تشارك وفى الآخر الهدف واحد، واللى هيقاطع ما ينفعش يزايد على اللى وجهة نظره أنه يشارك، دى هتبقى خسة سياسية وضرب فى الظهر لصالح النظام
مدير الاجتماع: ربنا يستر.

ولك عزيزى القارئ أن تقارن بين عام 2010 وعام 2013 لتدرك وحدك الفارق!!



قبل إسدال الستار
ربما ينسى بعضهم مواقفهم القريبة والتى لم ننساها بعد، ربما ينسى بعضهم أنه خاض الانتخابات على قوائم الإخوان حين خاض آخرون معارك شريفة وضارية فى مواجهة الإخوان، ربما ينسى بعضهم أنهم كانوا جزءا من النظام القديم وأنهم التحقوا بركب الثورة فى لحظة ارتباك وتشوش عبروا من خلالها إلى الجماهير ليختلط الثورى بغير الثورى بسبب أداء الإخوان المزرى الذى جعل هؤلاء يصطفون فى صف الثوار ولم يعد يدرى الناس الفارق بينهما، ربما يكون البرادعى ونفر قليلون معه ينادون بالمقاطعة عن قناعة بمبادئ وقيم وقراءة معينة للحظة الراهنة، ولكن المؤكد أن الجميع ليس كذلك ولكل طرف أغراض أخرى هو يعلمها ونحن نعلمها، ندفع ثمن تقهقرنا كشباب أشعلوا فتيل هذه الثورة ثم تحلوا بالتعفف والزهد وتركوا الآخرين يعبثون بجسد هذه الثورة حتى لفظت أنفاسها، ولم يتوقفوا بل استمروا فى مضاجعة الميتة وهتك عرضها، ندفع ثمن الركون لوجوه شاخت أفكارها وعقمت تصوراتها سلمنا لهم زمام القيادة فاكتشفنا أننا نعود للخلف وهم يدهسوننا بأقدامهم التى كثيرا ما تثاقلت وكنا نحن من ندفعها للأمام بحسن نية وجعلنا منهم رؤوسا وقامات دون أن يستحق بعضهم ذلك.

ربما كان أدبنا ورقينا وتسامينا عن الإساءات والمزايدات سببا فى أن يتخيل بعض الحمقى ومدعى الثورية أنهم على حق وأننا نصمت لعجزنا وإقرارنا بالعته السياسى الذى يمارسونه.
إن كل ما حولنا يخبرنا أن نجاح هذه الثورة ومواجهة مسلسل التمكين والأخونة وتغيير هوية مصر يبدأ بتنقية المشهد السياسى من هذه الوجوه البائسة وتكهينها فى متاحف التاريخ ثم بناء قدراتنا عبر الممارسة والتراكم والتعلم بالخطأ والتجربة ونقد الذات لنزيح عن مصر ما أصابها من حزن وألم وأسى.

نعلم أن عموم المصريين البسطاء المخلصين يستطيعون التمييز بين هؤلاء وبين الصادقين الذين يراهنون عليهم لنهضة هذا الوطن، لذا لن نخذل شعبنا ولن نتركه أسيرا لهذه النخب البالية.



مسألة المشاركة فى الانتخابات أو المقاطعة ليست هى القضية الأساسية التى تشغل بالنا لأنها عرض للمرض الأصلى وهو عدم وجود نخبة سياسية حقيقية فى مصر تفهم هموم الناس وتبنى قدراتها وقواعدها الشعبية التى تؤازرها لتستفيد من زخمها فى تحقيق مشروعها، لدينا مجموعة ممن تجاوزهم الزمن ولدينا أصوات تجيد المزايدة والشتم وهدم كل الناجحين لأنهم لا يستطيعون اللحاق بهم فى نجاحهم، لدينا مناضلون حنجوريون يعرف كل منهم نفسه على أنه ناشط على مواقع التواصل الاجتماعى (حيث صارت هذه مهنة) حيث يكتمل النضال فى عالم المزرعة السعيدة، وكلهم يناضلون دون أن يبذلوا.

من خرجوا من بين الناس يجب أن يعودوا للناس وليس لهؤلاء، نحن صوت الناس وأملهم ولن نخذلهم وسنأتمر بما يأمروننا به ولن نخضع لابتزاز وتخوين ومهاترات تأكد لدينا أنها ديدن هؤلاء وسمتهم.

على من يقولون كلاما فى الغرف المغلقة ثم يقومون بتغييره تماما حين تلمع أضواء التصوير فى عيونهم أن يتحلوا بالاتساق مع الذات حتى يستطيعوا أن يحترموا أنفسهم بعد ذلك، على لقطاء السياسة وثوار ما بعد الثورة أن يدركوا حجمهم الحقيقى وإفلاسهم، وعلى من قفزوا فى الهواء دون أن يعلموا أين سيهوى بهم أن يدركوا أنهم فى المشهد الأخير من هذه الفقرة البائسة التى ستنتهى قريبا ليطوى بها الوطن صفحة مؤلمة خطها هؤلاء الذين حان وقت رحيلهم.

الإنسانية قبل التدين......... الحبيب على الجفرى

الحمد لله..
جاء رجل إلى مكة فى بداية البعثة وقد وصل إليه طرف من خبر النبى الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ يبحث عنه فلما وجده باشره بالسؤال قائلاً:
- من أنت؟
- رسول الله.
- ومن أرسلك؟
- الله عز وجل.
- بماذا أرسلك؟
- فأجابه النبى الكريم: «بأن تُوصلَ الأرحام، وتُحقن الدماء، وتُؤمَّن السبل، وتُكسَّر الأوثان، ويُعبد الله وحده لا يُشرك به شىء».
فقال الرجل: نِعمَ ما أرسلك به، وأُشهدك أنى قد آمنت بك وصدقتك.
وهنا دروس عظيمة فى حرص الرجل على التثبت والتأكد من الخبر بمباشرة التحقق من صاحبه قبل الحكم عليه وعدم الانصياع إلى الشائعات التى كانت تطلَق لتشويه الرسالة.. ودروس فى مباشرة السؤال ووضوحه والنظر فى محتوى الرسالة قبل الحكم عليها.. ودروس فى سرعة الاستجابة للحق عند ظهوره وعدم التمسك بالموروث والسائد على نحو يحجب القلب والعقل عن تمييز الحق من الباطل.
غير أن الشاهد هنا فى توصيف النبى للرسالة؛ ففيه ما نحتاج إلى التوقف معه وتأمله والاستفادة منه فى المرحلة التى نمر بها.
أصل الرسالة عقيدة التوحيد: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّما إِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحِدٌ».
ومع ذلك قدَّم النبى الكريم فى تعريفه الرجل بما أرسله الله به ثلاثة أمور قبل أن يذكر له التوحيد ويطالبه به، هى:
١- صلة الأرحام؛ الروابط الأسرية (الأمان المجتمعى).
٢- حقن الدماء؛ قيمة النفس (تأمين الحياة).
٣- تأمين السبل؛ أى الطرقات (الأمن العام).
ثم ذكر تكسير الأوثان وعبادة الله وحده.
فالرجل جاء من بيئة تشكو من نتائج تفشى قطيعة الأرحام والاستهانة بالدماء وقطع الطريق، وهذا الحال، من فقدِ الإنسان لأوليات حق العيش الكريم وحرية الاختيار وتحقيق العدالة، لا يمكن معه فقه عظمة الصلة بحقائق التوحيد الخالص أو تذوق حلاوة الإيمان بالله قبل أن يستقر فى القلوب الإيمان بضرورة ترسيخ هذه المعانى.
ودون «تأمين الحياة» و«الأمان المجتمعى» و«الأمن العام» لا تتشكل لدى الإنسان حرية الاختيار الناضج، ومن ثمَّ لا يكون اختياره حقيقياً بل يكون أشبه بالاضطرار والإكراه المعنوى.
وهذا الدين يقوم على أساس حرية الاختيار: «لَا إكْراهَ فِى الدِّيْنِ».. وتقوم تكاليفه كذلك على أساس حرية الاختيار، فالـمُكرَه تسقط عنه المؤاخذة.. بل إن العقل الذى هو مناط التكليف لا يستقل بالنظر فى الأمور فى ظل فقد الأمان، فلا يكون اختياره حقيقياً ولا تنضج قراراته.
وأما القلب الذى هو بيت الإيمان ومستودعه فلا يجد طمأنينته فى ظل غياب هذه التعاليم الفطرية الإنسانية الصحيحة، ومهما توهَّم صاحبُه رسوخَ إيمانه وهو غير مبالٍ بالروابط الإنسانية ولا بحرمة الدماء ولا بحق الأمان فلا يكون بناء الإيمان فى قلبه إلا على شفا جرف يوشك أن ينهار عند أول هزة تحصل له.. فالإيمان يستقر فى قلب الإنسان.
تأملوا هذه العبارة جيداً: الإيمان يستقر فى قلب الإنسان.
ودون «قلب إنسان» لا يكون هناك استقرار حقيقى للإيمان مهما كانت صور العبادات التى يقوم بها، ومهما قرأ من كلام الله تعالى ورتَّله «قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ»؛ لأن أثر القرآن يتوجه إلى القلب «إنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد».
وهذا القلب الحى هو الذى يتفاعل مع ذكر الله بالطمأنينة «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللهِ..»، ويستشعر معانى الخشية والوجل «إنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم..»، ويتعشق الطهارة من الغل والحقد «وَلا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنا غِلّاً للَّذِينَ آمَنُوا..»، ويكون صاحبُه منسجماً مع محيطه مؤتلفَ القلب صادق الأخوّة متجاوزاً للعداوة سامياً بإيمانه عنها «وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً..».
ولهذا جعل الله أساس الكسب هو القلب «وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم..»، وجعل نظره تعالى إليه قبل نظره إلى العمل «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»..
وربط تعظيم الشعائر برسوخ التقوى فى القلب «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ»..
وعندما وصف الله أتباع السيد المسيح، عليه السلام، قدَّم وصف قلوبهم على ذكر أفعالهم فقال: «وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً..».
فقدَّم النبىُ صلة الأرحام وحقن الدماء وتأمين الطريق على ذكر التوحيد؛ لأن الإخلال بها والتجرؤ على قطيعة الرحم وسفك الدماء والتعدى على من يسيرون فى الطريق أفعال تضر قلوب مرتكبيها فيحيط بها الران «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلوبِهِمْ مَا كَانوا يَكْسِبُون»، ويصيبها العمى «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ».. وتفقد التمييز والفهم «لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يفْقَهُون بِها..»، وتُغلِّفها القسوة «ثمَّ قَسَتْ قُلوبُكُم مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِى كَالحِجَارَةِ أَو أَشَدُّ قَسْوَةً..»، فيسهل على الإنسان الكذب ويصبح كلامه مخالفاً لحقيقة ما فى قلبه «يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ..»، ويسهل عليه أن يقول للناس ما يأباه قلبه «يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأبَى قُلُوبُهُم..»، دون أن يشمئز من المرض الذى أصاب قلبه أو يخشى ازدياده بتماديه «فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً..».
وعندها يفقد إحساسه الإنسانى بالخطأ ولا يزداد إلا تمادياً فى الرذيلة وإن صلى وصام وقرأ القرآن «وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ..».
وقد حذَّر الله من هذه الحالة التى يقسو فيها القلب فلا يتحرك ولا يتأثر بالذكر «فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيةِ قُلُوبُهُم مِنْ ذِكْرِ الله..».
بل ربط سبب إصرار الكفار على الكفر بعد وضوح الحق لهم بما فى قلوبهم من حمية جاهلية «إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى قُلوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ..».
ودعاهم إلى التطهر منها بالسير الآمن فى الأرض كى تتنور قلوبهم فتتفكر وتعقل «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَتُكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يعْقِلُون بِها..».
نعم أحبتى..
الإنسانية قبل التدين، ولا أقول قبل الدين.. فالمرأة التى حبست هِرَّة حتى الموت دخلت النار، والمومس التى سقت كلباً غفر الله لها بالرحمة التى فى قلبها.. كما أخبر المعلم الأعظم والإنسان الكامل، صلى الله عليه وآله وسلم.
لهذا فنحن بحاجة إلى استعادة إنسانيتنا حتى يصح تديننا..
ونحن بحاجة إلى أن يتوجه تديننا إلى إحياء قلوبنا لتنتعش آدميتنا وتستيقظ إنسانيتنا فتخلع عنها الاغترار وتأوى إلى رحاب الله وحده لا شريك له.. فتخلع عنها شرك «الأنا»، وتخلع عنها شرك الطمع، وتخلع عنها شرك الرياء والسمعة، وتخلع عنها شرك حب المكانة والشهرة، وتتلقى حقيقة العلم الأقدس: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِناتِ واللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ».
اللهم ثبِّت عِلم «لا إله إلا الله» فى قلوبنا واغفر لنا ذنوبنا والمؤمنين والمؤمنات.