السبت، 16 فبراير 2013

صباحى والعريان.. كان ياما كان!!..... مصطفى كمشيش


كان جمال عبد الناصر عضوًا بجماعة الإخوان المسلمين, وابتدأ عهده بزيارة قبر الإمام البنا ليترحم عليه, وأعاد فتح التحقيق فى قضية مقتله التى تمت فى عهد فاروق, وحل ناصر جميع الأحزاب واستثنى جماعة الإخوان, ثم حدث ما حدث بينهما من خلافات بلغت ذروتها فى 1954 (للإخوان رواية وللناصريين رواية أخرى)، لكن تبقى الحقيقة أن ناصر حل الجماعة واعتقل كثيرًا من أعضائها ونالهم من القتل والاعتقال ومصادرة الأموال والأذى والعذاب ما نالهم.. ثم كان ما كان فى 1965 حيث حكم نظام ناصر بالإعدام على "سيد قطب" ومن معه مع اعتقال كل من سبق اعتقاله فى محنة أخرى لا تقل عن محنة 1954.. ومات جمال عبد الناصر وخرج الإخوان من السجون فى عهد السادات لتبدأ حقبة جديدة فى عهده ثم فى عهد خلفه مبارك أقل حدة مما كان فى زمن ناصر..
نشأت أجيال جديدة تؤمن بفكر الإخوان من ناحية وبالفكر الناصرى من ناحية أخرى, وأثمر مناخ الحريات النسبى فى سبعينيات القرن الماضى عن بزوغ نجم قيادات جديدة من جامعات مصر, جمعهم معارضة نظامى السادات ثم مبارك ونشأت بينهم صداقات معتبرة وكأنها تجاوزت ما كان فى الماضى، باعتباره كان بين أشخاص آخرين, كما أن الأمر كله قد أصبح بين يدى الله سبحانه وتعالى الحكيم الخبير العادل.
صداقات جيل السبعينيات
 نشأت بين الشباب الناصرى (حمدين صباحى وعبد الله السناوى وغيرهما) والشباب الإخوانى (أبو الفتوح والعريان وغيرهما)، صداقات تجاوزت عُقد الماضي, ونال القيادات الشابة نقدًا مُعلنًا حيناً ومكبوتاً حيناً آخر من شيوخ التيارين اللذين كانوا أسرى الماضى بآلامه ومراراته.. 
فى زمن مبارك استمعت لحلقة من برنامج على إحدى الفضائيات استضاف "حمدين صباحي" وسأله المذيع سؤالاً فى أول الحلقة، فقال  صباحي": "قبل الإجابة على السؤال دعنا أولاً ندعو الله أن يفرج كرب ويفك أسر أخ عزيز غالٍ سجنه النظام ظلمًا هو الدكتور عصام العريان, وأخذ يُعدّد فى مناقبه!!
حتى بعد ثورة 25 يناير, تحالف الإخوان مع الناصريين فى انتخابات أول مجلس شعب بعد الثورة.. ثم بدأت الخلافات بعد ذلك هادئة ثم تصاعدت, وللدلالة على ذلك, أتذكر أننى شاهدت برنامجًا جمع بين عصام العريان (الإخواني) وعبد الحليم قنديل (الناصري) وبدت بينهما بعض الخلافات حول تقييم كل منهما لمسار كل فريق بعد الثورة, ومع ذلك كان الحوار هادئاً, لدرجة أن (قنديل) المشهور بحدته ونقده اللاذع قال للعريان: (أنت عندى مُصَّدق)!!
جهود على طريق الوحدة 
رأى ذلك الجيل أن الفكر الناصرى الذى يدعو إلى الوحدة العربية (وإن كان بالمفهوم القومي)، والعمل على مناصرة حركات التحرر الوطنى فى الأقطار العربية المختلفة سعيًا لاستقلال الأوطان من المستعمر, وكذلك تبنى فكرة العدالة الاجتماعية) أنها أفكار جديرة بالاحترام وتلتقى مع الفكر الإسلامي), وانتبه لذلك المؤتمر القومى العربى الثالث عام 1992، وعمل على إقامة تعاون بين القوميين والإسلاميين لتحقيق أهداف الأمة وتطلعاتها بدلاً من ضياع الجهود وتشتتها فى خلافاتهم معًا ونسيان أعداء الأمة الأصليين.. وتشكلت لجنة تحضيرية ضمت (مع حفظ الألقاب) أحمد صدقى الدجاني، خير الدين حسيب، راشد الغنوشي، عبد الوهاب الافندي، عصام نعمان، محمد البصري، محمد حسن الأمين، محمد سليم العوا.
  تابعت اللجنة التحضيرية جهودها حتى نجحت فى أكتوبر 1994 فى انعقاد المؤتمر القومى – الإسلامى الأول فى بيروت – وبمشاركة مائة وثلاثة من أهل الفكر، والعلم، والسياسة، والفعاليات المهنية والحركية وقيادات الحركات الأكثر فعلاً فى ساحة العمل القومى – الإسلامى - حيث تضمن بيانه الأول: [أن المؤتمر القومى – الإسلامى يأتى استجابة لتحديات المرحلة الراهنة من تاريخ الأمة التى تحدق بها الأخطار، مستذكرة جهاد قوى النهضة التى واجهت الهجمة الاستعمارية وبلورت من خلال جهادها أهدافها فى التحرر والاستقلال، والوحدة، وسيادة الديمقراطية والشورى، والكفاية والعدل، والتجدد الحضارى. ولقد سجل التاريخ صفحات مشرقة لقوى النهضة من التيارين القومى والإسلامي].. 
ومضت الأيام, وأهلّت على أمتنا نسائم ربيعها, وكان المتوقع أن يكون التعاون أكبر بين ممثلى التيارين الرئيسيين فى الأمة, القومى والإسلامي.. لكن العكس هو الذى حدث.. ومن يتابع المشهد فى تونس أو فى مصر يجد أن التنافر قد بلغ مداه.. بل وبدا أن (مشروعًا) يواجه (مشروعًا آخر) فى صورة إقصائية كريهة تهدم ولا تبنى.. وكل تيار يلقى باللوم على الآخر.. وأتصور أن أعداء الأمة فى قمة الفرح, وكأن لسان حالهم يقول (دعوهم ينشغل بعضهم ببعض حتى تنصرف أنظارهم عنا).
أسوأ المشاهد
كان الأمل معقودًا على جيل السبعينيات المتحرر من عُقد الماضى فى بناء التعاون المشترك, وبدت الظواهر تبشر بذلك, لكن للأسف ضاع ما كان بينهم من صداقة واحترام وتفاهم, وعاد رجال جيل السبعينيات إلى قواعد التشدد, فما عاد "العريان" هو العريان, ولا "صباحي" هو صباحى..
بل حدث ما هو أسوأ من ذلك, لقد رأينا ميدان التحرير يضم شبابًا جديدًا لم يكن يعانى من عُقد الماضى ومرارته.. وبعد التنحى.. عاد هؤلاء الشباب إلى أحضان التيارات السياسية القديمة.. منهم من عانى من التهميش والإقصاء وهو يحاول أن يختط لمصر نمطاً جديدًا, ومنهم من ذاب فى خيارات قادته القديمة..
هتف (بعد ذلك) بعضهم: [عبد الناصر قالها زمان: الإخوان ملهمش أمان].. ولعل بعضهم لا يعرف ما كان زمان إلا بالسمع من قادته القدامى.. وقد لا يعرف إخوان زمان ولا طبيعة الخلاف ..لكنه أصبح يرددها مُجددًا عداوة لم يكن طرفاً فيها!! وبدأ شباب الإخوان يردون على الغضب بغضب.. وتولدت ثارات ومرارات جديدة لأبناء العشرينيات..
قد يكون لكل تيار انتقادات معتبرة ضد التيار الآخر, لكن أغلبهم من الوطنيين, فمن يُعيد ضبط البوصلة؟ ومن يجمع من جديد جهودهم صوب العدو الأصلى الذى يشاهد ما يحدث وهو يأمل ألا ينتهي؟..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق