الأربعاء، 27 فبراير 2013

بل أتبرأ منه تماماً!.......عمرو حمزاوي

فى هذه الزاوية أكدت أكثر من مرة أن رئيس الجمهورية وجماعته وحزبها مسئولون، بإدارتهم الفاشلة للشأن العام، عن دفع العملية السياسية فى مصر إلى حافة الهاوية وتعريضها لخطر الانهيار. أكدت أكثر من مرة أن قواعد العملية السياسية، متمثلة فى الدستور وقوانين رئيسية كقانون الانتخابات (تعديلات قانون مجلس الشعب وقانون مباشرة الحقوق السياسية) وغياب الحكومة المحايدة واستمرار أزمة النائب العام وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، غير عادلة وتشكل مجتمعة إطاراً غير متوازن يصعب معه إجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية ونزيهة.
خلال الأيام الأخيرة الماضية، نبهت إلى أن عدم تغيير قواعد العملية السياسية والإصرار على إجراء الانتخابات البرلمانية سيدفعان قوى ومجموعات من السياسيين إلى مقاطعة الانتخابات كقرار اضطرارى. وبالفعل بدأت بعض الأحزاب فى إعلان مقاطعتها، وأفصح عدد من السياسيين، كنت من بينهم، عن اتجاههم لمقاطعة الانتخابات ما لم تتغير قواعد العملية السياسية. وكنت، وما زلت، على جميع هذه المستويات، وبدافع تقديرى للمصلحة الوطنية وإعمال الضمير فى السياسة، أقف موقف المعارضة المبدئية للرئيس وجماعته وحزبها.
اليوم، وبذات دافع المصلحة الوطنية وإعمال الضمير، أجدنى مضطراً لتسجيل رفضى الكامل لأحاديث وتلميحات بعض معارضى الرئيس بشأن استدعاء الجيش للسياسة لمواجهة فوضى محتملة ومسئولية القوات المسلحة عن حماية شرعية الدولة ومؤسساتها مع استمرار أخطاء الرئيس المنتخب.
فلست ولم أكن يوماً من أنصار الاستقواء بالجيش على المدنيين حين يديرون الشأن العام، مهما كانت أخطاؤهم ومهما كان اختلافى السياسى معهم. ولست، ومع كامل التقدير لوطنية القوات المسلحة المصرية، بمدافع عن الوضعية الاستثنائية للجيش فى السياسة، بل دوماً ما واجهتها انتصاراً للدولة المدنية، وليس رفضى للنصوص الدستورية القاضية بتقييد صلاحية البرلمان فى المناقشة التفصيلية لميزانية الجيش وبإحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى إلا مثالين راهنين على هذه المواجهة المستمرة.
ولست، ومع تأكيدى على خطر انهيار العملية السياسية لغياب العدالة عن قواعدها وعلى انهيار الشرعية الأخلاقية لرئيس الجمهورية مع انتهاكات حقوق الإنسان، بمروج لتدخل الجيش فى السياسة كمخرج من هذه الأزمات. فالمسئولية هنا هى مسئولية المدنيين من السياسيين والقوى الشعبية المؤيدة لهم ودفع خطر انهيار العملية السياسية وشبح الفوضى يرتبط بنجاح المدنيين فى تعديل قواعد العملية السياسية بكافة الوسائل السلمية، مشاركة ومقاطعة واحتجاجاً سلمياً وعصياناً مدنياً طوعياً. والجيش المصرى، وقناعتى أن قيادته لا ترغب فى التدخل فى السياسة مجدداً، دوره الدستورى هو الدفاع عن البلاد وأمنها والتحول تدريجياً إلى جيش احترافى بعيد عن السياسة وتفاعلاتها.
أحاديث وتلميحات بعض معارضى رئيس الجمهورية بدور الجيش فى مواجهة الفوضى، وكذلك مساعى الترويج فى بعض وسائل الإعلام لاستدعاء الجيش للسياسة كالمنقذ الأخير جميعها تتناقض بوضوح مع مطالب الديمقراطية والدولة المدنية وتتناسى حقيقة الأخطاء الكثيرة التى وقعت بها الإدارة العسكرية الانتقالية وانتهاكات حقوق الإنسان المتكررة التى حدثت. نحن هنا أمام تناقض صارخ مع قيم الديمقراطية أتبرأ منها وصناعة لوهم «الجيش هو ملاذنا الأخير» التى ستعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وإن تحولت إلى حقيقة مجتمعية وسياسية قد تفتح الباب على مصراعيه للعنف.
أتبرأ من استدعاء الجيش للسياسة باسم معارضة تريد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. أرفض أن توظف معارضتى للرئيس المنتخب للانقلاب على أدوات الديمقراطية التى أسعى لتعديل قواعدها ووقف سيل الأخطاء القاتلة للرئيس ولجماعته وحزبها. أسجل ابتعادى الكامل عن وهم يرى فى انهيار العملية السياسية وعودة الجيش الفرصة الوحيدة لتعديل القواعد، فخطر انهيار السياسة ودفع مصر إلى نقطة العجز عن إدارة الشأن العام واستدعاء الجيش معناهم الوحيد هو أزمة شاملة وعنف مجتمعى (عنف الكل ضد الكل) لن نخرج منه سريعاً.
الحل يكمن فى تعديل قواعد العملية السياسية بكافة الوسائل السلمية المتاحة، مجدداً مشاركة ومقاطعة واحتجاجات سلمية، ومن ثم فى «ضبط» الرئيس المنتخب ديمقراطياً أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، إن استمرت أخطاؤه. ليس الحل فى الانقلاب على السياسة وإعادة التأسيس لحكم الجيش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق