الأحد، 30 ديسمبر 2012

على ماذا نربي أبنائنا…. د/هبة رؤوف

 لم أفهم كيف وصلت لابنى «على الدين» فكرة أن المصريين كلهم مسلمون.كان لايزال فى السنة الأولى الابتدائية، خارجا من مرحلة الحضانة التى كان فيها فى الفصل أطفال مسلمون وأطفال مسيحيون، لكنه سألنى ذات مرة ونحن نمشى فى الشارع: ماما هو إزاى فيه مسيحيين مصريين؟

لم أفهم السؤال، قلت ربما هو يقصد كيف يتعبدون وماذا يعتقدون وكيف يمارسون حياتهم الدينية، فقلت له هم يؤمنون بالله ونحن نتشارك بداية قصة السيد المسيح ونؤمن بعذرية مريم ونرى المسيح نبيا لكن نختلف فى قضية صلب المسيح وكونه ابن الله، لكن هذه أمور لا نناقشها معهم فى الحياة الاجتماعية احتراما وتأدبا. 
عاد وسأل نفس السؤال: طيب إزاى يعنى مصريين ومسيحيين!
أفزعنى تكرار السؤال لأنى أدركت حينذاك أنه ــ رغم أنى أشارك فى حوارات وطنية منذ بداية التسعينيات تجرى بين المسلمين والأقباط ولا أفرق بين مسلم ومسيحى فى الحياة العامة ولا فى الحياة الوظيفية ويعرف أولادى أننى تتم دعوتى للإفطار فى رمضان فى كنائس ــ رغم ذلك تسلل من الثقافة السائدة اليوم معنى ما دخل عقله الصغير أن المصريين مسلمون وأن المسيحيين بالتالى فى الغالب ليسوا كذلك.

شرحت وأوضحت تاريخ مصر بقدر أعلى من الهدوء والتروى والتبسيط، ففهم.. لكننى أعلم أن هناك قصصا أخرى كثيرة مسكوت عنها.طفل آخر لا شك سأل أمه: ماما هو المسلمين دول من فين؟ وإزاى مسلمين ومصريين.

أنا على يقين أن أما مسيحية قالت له هؤلاء إخوتنا فى الوطن.. ومصر كانت مسيحية وحين دخل الاسلام بقى البعض على مسيحيتهم وآمن البعض الآخر بالإسلام ونعيش فى وطن واحد، ونحن كمسيحيين نحب كل الناس.لكننى أيضا أعلم أن هناك أما مسلمة قالت لطفل سألها نفس السؤال إجابات أخرى، وأعلم أن هناك باليقين أيضا أما قبطية سيكون لها ردود مختلفة.


من الذى يربى أبناءنا؟
نحن الأمهات والآباء.منا من يقول نحن أبناء وطن واحد، ومنا من يزرع فى القلوب الصغيرة الكراهية.
متاكلش عند واحد مسيحى.. ولا تشترى منهم.متصاحبش واحد مسلم.. لكن عامله كويس. هؤلاء ضيوف. تقولها بعض الأمهات قبل أن يطلقها تصريحا أحد أبرز آباء الكنيسة.والأمهات والآباء هم الذين هم الذين يفقدون أولادهم فى صدامات الفتنة وأعمال الارهاب.

أدمى قلبى سقوط ضحايا العنف الطائفى عبر السنوات من المسيحيين، كما بكيت على القتلى المسلمين فى صدامات طائفية أو جرائم ثأر ممن تزوج مسيحية أسلمت. نفس الألم.نحن الأغلبية الصامتة تماما، لكننا نحن الذين نملك القدرة على الاعتراف..
اجلس مع نفسك واسأل هل ضحكت على نكتة على المسيحيين؟ وأنت هل ضحكت حين سخر أحدهم من رسول الإسلام؟
من هنا تبدأ الفتن الطائفية.. ومن هنا تبدأ الحروب الأهلية.الجبهة التى تجمعنا هى جبهة الأخلاق وإن اختلفت العقائد. فأين ذهبت أخلاقنا الدينية والمدنية؟

أنا لا أحب السخرية من أديان الآخرين. تؤذينى ولا تشعرنى بالارتياح. أعلم أبنائى دين الحق، لكنى أعلمهم وصية الرسول وأحكام الشرع، وأن العقيدة ليست موضوعا للنقاش المدنى ولا مناط للمساواة السياسية كما فعل الرسول مع نصارى نجران وكما أسس فى دستور المدينة.. دستورا لبناء أمة العقيدة وأمة التمدن المشترك ـــــ لا ينفصلان.

أحب الإيمان النقى، وأحتفى بمحض الإيمان لأن الله قال إن الاختلاف حكمة يقوم عليها منطق خلق البشر، وهو الحاكم بينهم يوم الفصل، وحده.وأحب أصوات الأجراس لأنها تشعرنى بالفخر أن إسلامى حين سكن هذه الديار ووفر مظلة الحماية لها كى تدق أربعة عشر قرنا، فى حين أخرجت أوروبا المسلمين من الأندلس بالقتل والتنكيل.. ودخلت أمريكا تدمر العراق بصهيونية تحالفت مع تيار يمين مسيحى رجعى يحمل لواء الشر.
نختلف بعدها على صياغة الدستور، نذهب فى التيارات السياسية يسارا ويمينا وإسلاميين وناصريين واشتراكيين ثوريين.لا بأس. لكن لابد من خلق قاعدة اجتماعية للتعايش وتركز على الأخلاقى والإنسانى، وتدافع عن العدالة الاجتماعية.
فى لبنان كنت أناقش صديقة شيعية وسألتها عن الطائفية، قالت: الحرب الطائفية علمتنا الدرس، واليوم حين يلعب الأطفال ثم يختلفون فيبدأ أحدهم فى سب الآخر بدينه ننهره بعنف ــ «ما فى مزح» فى هذه الأمور!هل نحتاج حربا طائفية لنتعلم دروسا بسيطة؟ 


الاجتماعى والأخلاقى أولا
فالسياسة بدون رحمة وانسانية ومحبة تبقى هشة، بل قد تصبح مطية الانتهازيين. فى لحظة نواجه فيه خطر الانقسام الطائفى وتنامى التطرف على الجانبين الإسلامى والمسيحى، تطرف الأفكار والمشاعر، ومرارات الشكوك المتبادلة والاتهامات المرسلة الدينية والاجتماعية والسياسية، ونسعى من أجل رأب الصدع الذى يهدد الوطن، تتسارع الجهود وتتوالى المبادرات التى يقودها الناس، ويقدمها الشباب على الفيس بوك وفى الشارع والمجتمع المدنى وتدفع لها قوى وطنية فى ساحة المجال العام، لكن هناك طرفا غائبا عن الحوار رغم جسامة مسئوليته ولا يسمع له صوت هو نحن الأمهات والآباء، نحن الذين يمكن أن نربى أبناءنا على الاعتزاز بدينهم دون أن يكون هذا التدين أداة لإقصاء المواطنين الذين يعتنقون دينا آخر، ونحن الذين نملك أن نفتح بيوتنا أمام الأصدقاء من دين آخر نحترمهم ونحتفى بهم.. أو نغلق الباب فى وجوههم ونحذر من استضافتهم أو زيارتهم، نحن الذين يمكن أن نرسل لأسر الأصدقاء الحلوى فى العيد والطعام فى أيام العزاء أو نردد أن طعام الآخرين لا ينبغى تناوله ولا تشاركه أو حتى تهنئتهم بعيد وإلقاء سلام عليهم، أو نرفض رد السلام ونختار صباح الخير ــ بتحفظ!

نحن الذين يمكن أن نفتح عقول أبنائنا وقلوبهم لمعانى الرحمة والمحبة أو نزرع فيها الكراهية والأحقاد والشكوك نحن الأمهات والآباء، المحضن الأول، نحن الذين نربى ونوجه ونساند ونقوِّم ونهذب، نحن الأسر المصرية، حماة الوطن، ربات البيوت والناس فى الشارع والحى والجيران والزملاء.

جلست مع نفسى أتساءل: هل دفعت أبنائى يوما لكراهية الآخرين؟ فليسأل كل واحد نفسه.. فهذا سؤال المرحلة.
دون لقاءات تليفزيونية ولا حوارات خفية ولا فتاوى عصبية ولا هتافات كراهية أو حتى مبالغات فى المظلومية.. أو الغرور.
فلنحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا التاريخ والوطن وأبناؤنا يوما. وقبل أن يحاسبنا الله.افتحوا نوافذكم وراجعوا مشاعركم وخفايا قلوبكم، مسلمين ومسيحيين.
قيم الرحمة والعدل هى البداية.. وإلا فإن دم الضحايا سيكون فى أعناقنا.. جميعا

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

الدعاة بين الدعوى والحزبى…. ناجح إبراهيم


 * المشروع الحضارى الإسلامى يقوم على ثلاث أذرع: إحداها ذراع دعوية وإصلاحية وتربوية.. والثانية ذراع سياسية.. والثالثة ذراع اجتماعية تهتم بالفقير والمسكين واليتيم.
* والآن نهتم جميعاً بالذراع السياسية تاركين كل شىء سواها.. حتى كره الناس هذه الذراع الطويلة، التى تغولت على الذراعين الأخريين.. وأخشى أن يضمر كل شىء على حساب السياسة الحزبية.. ليتحول الأمر فى نهاية المطاف إلى صراع سياسى إسلامى إسلامى، بعد الفراغ من الصراع الإسلامى الليبرالى.
* قبل أن تدعو وتعظ الآخرين عليك أن تتأكد أن التليفون الذى تتحدث إليهم عبره فيه حرارة.. فإذا فقدت الحرارة فلن يصل صوتك للناس.. وحرارة التليفون هنا هى صدق القلب وإخلاصه وتجرده عن نزعات الهوى ورغبات الدنيا والعصبية للحزب أو الجماعة أو الفيصل دون الحق.
* الدعوة إلى الله تجمع القلوب المتنافرة.. والسياسة الحزبية تفرق النفوس المتآلفة.
* فى المسجد يقول الداعية: تعالوا إلى الله.. فإذا انتقل إلى العمل السياسى الحزبى يقول: «انتخبونى.. انتخبونى».
* فى المسجد يقول الداعية: «ربى.. ربى».. فإذا انتقل إلى السياسة يقول: «نفسى.. نفسى.. انتخبونى.. أنا الأفضل.. أنا الأقوى.. أنا الأحكم.. لن أتنازل لغيرى».
* انتقال البعض من الدعوة والمسجد إلى السياسة دون تربية حقيقية تدريجية وتأهيل سياسى يفرق بين المقدس والبشرى.. والمعصوم وغير المعصوم.. ومنبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. ومقاعد الأحزاب السياسية قد يدمر الدعوة والدولة.. والداعية والسياسى.. وقد قال (صلى الله عليه وسلم): «آخر ما يخرج من نفوس الصديقين حب الجاه».. أى السلطة.
* المسجد يستر العيوب.. ولكن السياسة الحزبية فاضحة تفضح من لا عيب فيه.. فليتحصن الدعاة بدعوتهم ويستتروا بردائها الأبيض الناصع الواسع.
* الداعية الذى يكشر ولا يبتسم وينفر ولا يبشر ويتشاءم ولا يتفاءل ويسب ويشتم ولا يسوق دعوته للناس فى ثوب من الأدب الراقى والخلق النبيل عليه أن يبحث عن زعيم آخر غير النبى (صلى الله عليه وسلم).
* انتقلت الحركة الإسلامية من ابتلاءات الدعوة إلى ابتلاءات السلطة.. والأخيرة أصعب وأشق.. وهى التى أشار إلى مثلها سيدنا سليمان فى قوله تعالى: «هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ».. وشكر السلطة هو التواضع للناس والإحسان والعدل السياسى والاجتماعى.. والكفر هنا هو استطالة الحاكم على رعيته وظلمه لهم وغياب العدل السياسى والاجتماعى والاغترار بالسلطة.
* نجحت التجربة السياسية والإدارية والتنموية لحزب أردوغان التركى فى تركيا؛ لأنها اعتمدت على ثقافة التحالف على أساس مشروع وطنى وتقديم وحدة الوطن على المفاصلة الأيديولوجية.. فقد اعتبر الحزب أن تركيا تعيش مرحلة إنقاذ وطنى وليس مرحلة مفاصلة أيديولوجية.. مما جعل كل فصائل العمل السياسى التركى تؤمن بالدولة ولا تصطدم بها حتى لو قصرت معهم.. ومن يريد استيراد التجربة التركية فعليه أن يستورد الشعب التركى معها؛ لأننا جميعاً لا نقدم الوطن على أحزابنا وأفكارنا.
* الثورة المصرية الآن بكل فصائلها الإسلامية والليبرالية والاشتراكية والقومية ليس لها رؤية مستقبلية محددة فى السياسة والاقتصاد والاستراتيجية والعلاقات الدولية والأمن القومى.. والذى نحسنه الآن ونجيده هو شتم الماضى وذكر سلبياته.. وهذا لا يكفى لبناء المستقبل.. فهدم الماضى فقط لا يعنى صناعة مستقبل جيد.. وعلى كل هذه القوى أن تترك الصراع السياسى المدمر بينهما وتتفرغ لعقد حوار وطنى حقيقى حول مستقبل مصر السياسى والاقتصادى والإدارى والاستراتيجى والأمن القومى ونحوه.
* كلنا يترك ما يمكن التوافق عليه ونتوقف عندما اختلفنا عليه.. ونترك الممكن والمتاح ونبحث عن اللا ممكن والمستحيل.. ولذا لا نصل إلى نتيجة فى أغلب الأحيان معظم الوقت.

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

التحذير الكبير…. الحبيب على الجفري


 الحمد لله على كل حال.. ألتمس بدايةً العفو والمسامحة على ورود بعض ألفاظ وعبارات قد تؤذى أعينكم عند قراءة هذه الخاطرة.. غير أن الانتشار، المؤسف، لهذه اللغة فيما بيننا اليوم جعلها فى الغالب غير صادمة للقارئ، والله المستعان وإليه المشتكى.
كثيراً ما نسمع أنواعاً من التحذيرات المختلفة بل المتناقضة من قبيل:
احذروا من اليهود أو النصارى أو الكفار أعداء الإسلام ومن مؤامراتهم التى باتت تتحكم فى كل شىء يجرى فى العالم عبر الماسونية العالمية ومخططاتها السرية النافذة..
أو: احذروا من الليبراليين والعلمانيين الكفار أو القوى المدنية الماسونية أو الخونة الأناركية عملاء الغرب وفاقدى الانتماء..
وأتباعهم من الشواذ والسكارى المحششين ممسوخى الهوية الحالمين بنشر النموذج الغربى الفاسد..
أو: احذروا من الكنيسة ورجالها فهم أعداء الدين والوطن المتآمرون أو المستقوون بالخارج المدعومون لضرب الإسلام، الذين يخططون لتمزيق الأمة.. وأتباعهم المواطنين النصارى الحاقدين على المسلمين، الحالمين بقيام الدولة القبطية..
أو: احذروا من الشيعة الروافض أو المجوس الفرس أبناء المتعة الكفار سابِّى الصحابة أصحاب المشروع اليهودى..
وأتباعهم من مرتزقة الصوفية أو طالبى المال والمندفعين خلف خرافة الثورة الإسلامية ليقعوا فى العمالة الإيرانية..
أو: احذروا من الوهابية النواصب المجسمة أو السلفيين التكفيريين الجهاديين و«القاعدة» الإرهابيين أو الظلاميين المتخلفين الرجعيين عملاء السلطان..
وأتباعهم الفاشلين والبسطاء المغفلين والمندفعين وراء حلم تطبيق شرع الله دون وعى أو الطامعين فى البتروريال السعودى..
أو: احذروا الإخوان المتأسلمين القطبيين وأمثالهم من تنظيمات (الإسلام السياسى) ومستغلى الدين للأغراض السياسية أو ميليشيات تجّار الدين الكاذبين اللاهثين خلف السلطة وليس لهم ولاء للوطن..
وأتباعهم قطيع الخرفان المندفع وراء حلم الخلافة دون وعى والذين ألغوا عقولهم وسلّموها لبيعة السمع والطاعة فى المنشط والمكره أو البسطاء المحتاجين للسكر والزيت والغاز والعلاج..
أو: احذروا الصوفية المبتدعين والقبوريين المشركين أو الخرافيين أو مرتزقة السلطان وحلفاء بنى علمان البائعين دينهم لنسخة الإسلام الأمريكى المذكورة فى تقرير راند..
وأتباعهم من الدراويش والجهلة والفاسدين اللاهثين خلف الرقص فى الموالد والتجمع على موائد الفتة والطواف حول القبور..
وعليه:
فلا تستغرب حينئذ عندما تتحول مجتمعات الأمة الواحدة إلى مجموعة أعداء يناضلون أو يجاهدون للقضاء على بعضهم بوهم محبة للوطن أو وهم الجهاد فى سبيل الله..
ولا تستغرب إذا أصبحت النظرة إلى البقاء مرتبطة بالفناء..
فتنازع البقاء يؤدى إلى الفناء.. كما قال شيخنا الإمام عبدالله بن بيه..
إلا أنّ الحذر الراشد مطلوب فقد قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ»..
ولكن.. إذا التزم الحذر صفة (الرشد)..
  • والحذر الراشد لا يحمل صفة التعالى ولا الاحتقار ولا سوء الظن..
  • والحذر الراشد لا يحمل لغة التعميم ولا الحكم على النيات ولا تبرير العدوان..
  • والحذر الراشد لا يجعل من الصراع غاية.. ومن الخصومة منهجاً..
  • والحذر الراشد لا يجعل من الكراهية أصلاً.. ومن البذاءة لغة..
  • والحذر الراشد لا يحوّل الاختلاف الفكرى إلى عداء شخصى وتحريض جماعى..

غير أننا مع هذا كله ننسى التحذير من الخطر الحقيقى.. نعم التحذير من الخطر الحقيقى..
فلا نسمع جيداً وبوضوح من يقول:
  • احذروا ضياع القيم الأخلاقية والمبادئ التى فطر اللهُ الناسَ عليها..
  • احذروا تفشى الغش والكذب والسرقة والظلم..
  • احذروا استغلال فقر الفقير وجهل الجاهل ومرض المريض..
  • احذروا ضياع الرحمة والمحبة والأخوة الصادقة والألفة الحقيقية..
  • احذروا تفشى الحقد والكراهية والبغضاء والحسد والانتقام.. 
  • احذروا ضياع العلم والمعرفة وثقافة التوثُّق والتثبّت..
  • احذروا تفشى الجهل البسيط والجهل المركّب والأمية الدينية والأمية المعرفية..
  • احذروا التخلف عن فريضة التقدم العلمى والبناء الحضارى والاكتفاء الذاتى الضامن لخروجنا من حالة التبعية المهينة إلى مرحلة الشراكة الإنسانية العالمية..
  • احذروا انتشار حالة التأخر والنقص فى المقومات الأساسية للبنية الصناعية والتقنية والطبية والاقتصادية مما يؤدى إلى بقاء الأمة عالة على غيرها..
  • احذروا تفشى البطالة والإحباط المنتشرَين بين شبابنا الذى يمتلك مقومات نهضة الأمة ومفاتيح رقيّها..
  • احذروا إهمال الشباب وتجاهل وجودهم.. فهم قوة انطلاق الأمة.. إن (احترمنا) عقولهم.. و(آمنّا) بعلو همتهم.. و(أنصتنا) إلى طرحهم.. و(شاركناهم) كل قرار نتّخذه.. وجعلناهم فى (أولوية) حساباتنا فى كل مرحلة نمر بها..
  • احذروا مواصلة التعامل مع الشباب على أنهم مجرد وقود لمعاركنا، دينيةً كانت أو وطنية.. فنستحلّ ونستحلى تعبئتهم والزج بهم فى كل معترك متوهمين أنهم سيبقون أسرى لحماستهم واندفاعهم وراء شعاراتنا وخطاباتنا ومشاريعنا.. فقد بدأ الشباب يعى ويميّز..
  • احذروا لحظة إفاقة الأتباع.. لأنها ستكون كارثية ومدمرة لمن تُطربهم الهتافات ويروق لهم الحمل على الأكتاف.. بل ستكون مدمرة للقيم النبيلة التى ينادى بها الكبار من كل الأطراف.. وذلك عندما يكتشف التابعون أنها كانت وسائل للاستغلال والتعبئة..
  • احذروا.. فقد (بدأ) الشباب ثورتَه على هذا الاستغلال وإعلانَه الاشمئزاز من هذه الانتهازية ورفضَه هذا النوع من الوصاية.. وإذا تحولت هذه (البداية) إلى رؤية عامة فلن يستطيع أحد أن يوقف انطلاقتها.. وليس من حق أحد أن يلوم أصحابها..
  • احذروا وصول الشباب إلى حالة انعدام الثقة فى الكبار.. الذين لم يعودوا فى نظرهم كباراً.. لأن نتيجة ذلك هى اتخاذهم قرار الانفصال الكلى عن صلتهم بمن سبقهم ليرسموا طريقهم منقطعين عن امتدادهم الثقافى.. وعندها فإن الخسارة ستشمل الجميع..
  • احذروا الاكتفاء باجترار تاريخ الأمجاد أو الاقتصار على التنظير لرؤى المستقبل الحضارى.. مع الرضا بالتوقف عن (التطور) الثقافى و(الاتساع) المعرفى و(الاستيعاب) العملى لسنّة التغيير.. فالتطوير والاتساع والاستيعاب هو ما يجعل منا حلقة فى سلسلة امتداد هذه الأمة وجزءاً من استمرار ارتقائها.. 
  • احذروا ضياع تعظيم حرمات كل من الدين والنفس والعقل والنسل والمال.. وتفشى تبرير العدوان اللفظى والجسدى.. والتجرؤ على الأذى والضرب والقتل والتحريض عليه.. بل والأسوأ من ذلك هو محاولة تأصيله دينياً أو تبريره وطنياً.. 
  • والتحذير الكبير الكبير الكبير الذى لم نعُد نسمع من ينادى به: احذروا إغفال تزكية أنفسكم.. وإهمال الصدق فى نقد الذات.. وضعف الإخلاص فى معاملة (عالِم السر وأخفى) سبحانه وتعالى.. فهذا هو الخطر الأعظم..

وأخيراً..
التحذير النافع هو التحذير الجاد.. المصحوب بالحرص وإرادة الخير.. والصادر عن صدق المحبة والرحمة والرأفة..
«وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ».
اللهم يا رؤوفاً بالعباد آتِ نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليُّها ومولاها يا نعم المولى ويا نعم النصير..
اللهم قِنا شرَّ أنفسنا وسيّئات أعمالنا.. وألهمنا من الرشد ما تُبلّغنا به رضاك فننال سعادة الدارين..
اللهم احفظ شبابنا ووفقهم وخُذ بأيديهم وألهمهم سبيل الرشاد.. يا رؤوفاً بالعباد.

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

حديث المؤامرة ………… فهمي هويدي


 لا نريد أن نسرف فى الحديث عن المؤامرة على الرئيس بما قد يشغلنا عن المعلوم بالمجهول. وعن الحقائق بالأوهام والظنون، ويدفعنا فى نهاية المطاف إلى الاستغراق فى تحرى ما يدبره الآخرون لنا، والانصراف عن النظر فيما فعلناه بأنفسنا.

 علما بأن هذا الأخير يكون أحيانا من الجسامة بحيث إنه يهوِّن الأمر على المتآمرين أو أنه يعفيهم تماما من بذل أى جهد، لأنه يحقق لهم مرادهم دون أن يبذلوا فى ذلك جهدا يذكر. وذلك منطوق يحتاج إلى بعض التفصيل.

أرجو ابتداء أن تكون قد لاحظت أننى دعوت إلى «عدم الإسراف» فى الحديث عن المؤامرة، ولم أتحدث عن تجاهلها أو نفى وجودها من الأساس. وإنما رجوت أن نعمل لها حسابا بعد أن نعطيها حجمها الطبيعى، بحيث لا نتسرع فى إرجاع كل ما نصادفه من نوازل إلى تأثيرها، الأمر الذى يحولها إلى مشجب نعلق عليه عثراتنا وخيباتنا لكى نتهرب من المسئولية من ناحية، ولكى نقنع أنفسنا وغيرنا بأننا ضحايا كتب علينا أن نظل مستهدفين دائما من ناحية أخرى. بكلام آخر، فإننى أرجو أن نتفق على أن المؤامرة موجودة حقا، لكننا لا نستطيع أن نحملها بالمسئولية عن كل ما يحل بنا من شرور.

إننى أفهم أن يتآمر عليك خصومك لإلحاق الهزيمة بك، أو لتسجيل أكبر قدر من النقاط والفرص التى يحمون بها مصالحهم. وإذا لم يفعلوا ذلك فإنهم يكونون مقصرين فى الحفاظ على تلك المصالح، مشروعة كانت أم غير مشروعة، لكن الذى لا أفهمه أن تضعِّف من حصاناتك وتفرط فيما تملكه من أسباب المنعة، بحيث تيسر على من يتربصون بك أن يخترقوا جبهتك الداخلية ليلحقوا بك الهزيمة، من هذه الزاوية فإن التمييز يغدو مهما بين مساعى الاختراق وبين حالة القابلية للاختراق. فإذا كان الخصم هو الذى يبذل تلك المساعى، فإنه لن يمكن من تحقيق مراده إلا إذا كانت حصونك من الهشاشة بحيث تكون جاهزة للاختراق ومستسلمة لتجلياته.

لن أضرب مثلا بمصر، التى يتواتر فيها الحديث عن المؤامرة هذه الأيام، وسأضرب مثلا بسوريا التى منذ قامت فيها الثورة لا يكف المتحدثون باسم نظامها عن الحديث فى كل مناسبة عن المؤامرة التى تحاك ضدها. وهو كلام لا يخلو من صحة، لكنه من قبيل الحق الذى يراد به باطل. ذلك أنه من الصحيح أن سوريا تتعرض لمؤامرة من أطراف خارجية عدة، حتى قيل لى أنه ينشط على أرضها فى الوقت الراهن أكثر من 1200 تنظيم مسلح معارض، أكثرها يعتمد على التمويل الخارجى. لكن ذلك التآمر الخارجى ما كان له أن يصبح فاعلا فى الداخل، إلا حين مارس النظام الحاكم قهرا واستبدادا بحق الشعب السورى استمر طوال الأربعين سنة الماضية (منذ تولى الرئيس حافظ الأسد السلطة فى أعقاب هزيمة عام 1967).

ومن الثابت أن الثورة الراهنة خرجت من رحم الغضب الشعبى ولم تبدأ بمؤامرة، ذلك ان شرارتها انطلقت من درعا حين ذهب ممثلو النظام بعيدا فى إذلال وإهانة أهالى تلاميذ إحدى المدارس بعدما كتب بعضهم على جدران المدرسة عبارات انتقدت النظام، فألقى القبض على التلاميذ وعذبوا ونزعت أظافرهم  وقيل لأهاليهم صراحة انسوهم، وإذا لم تستطيعوا إنجاب غيرهم فهاتوا نساءكم لنقوم نحن باللازم! ــ وكان طبيعيا أن تثور ثائرة القوم، وكلهم ينتسبون إلى عشائر لها كبرياؤها وكرامتها. ولأن الإذلال كان عاما الأمر الذى هيأ التربة المناسبة لانفجار الغضب، فإنه ما إن لاحت شرارة الثورة فى الأفق حتى انتفض الشعب فى أنحاء البلاد على النحو الذى رأيناه، أما التدخلات الخارجية فإنها تمت فى وقت لاحق، وحاولت ان تستفيد من الغضب الشعبى لتوظفه لصالح مخططاتها، التى ترفضها أغلب قوى المعارضة. وهو أمر ليس مستغربا، لأنه إذا كان النظام قد تصدع وأصبح مؤهلا للسقوط فمن الطبيعى أن تسعى الأطراف صاحبة المصلحة إلى تأمين مصالحها، خصوصا فى ظل ما يثار من لغط حول هوية النظام الجديد والتأثيرات المتوقعة على جغرافية البلد والشائعات التى تتردد بخصوص تقسيمه.

إذا عدنا إلى الحالة المصرية فينبغى أن يكون واضحا فى الأذهان أنه إذا كان تغير النظام فى سوريا من شأنه أن يغير من خرائط المشرق العربى، فإن التغير فى مصر لابد أن تكون له تداعياته فى المنطقة العربية بأسرها. بل لعلى لا أبالغ إذا قلت إنه إيذان بإحداث تغيرات تهدف  الشرق الأوسط كله. ولذلك فمن العبط والسذاجة أن يظن أحد أن الدول المهتمة بالمنطقة ــ على الأقل الدول الغربية وإسرائيل ــ وقفت متفرجة على ما يجرى. وليس سرا أن عواصم تلك الدول تتابع ما يجرى فى مصر ليس يوما بيوم فحسب، بل ساعة بساعة، ليس فقط لفهم ما يجرى ولكن أيضا للحفاظ على ما تعتبره مصالح لها، وللتأثير فى مسار الأحداث قدر الإمكان. وهذا هو الجهد الذى يسميه البعض مؤامرة، ويسميه آخرون تخطيطا لحماية المصالح، وقد يبدو عن طرف ثالث رصدا للفرص وتحسبا لاحتمالاتها. وذلك كله ليس بمقدورنا أن نتحكم فيه أو نوقفه، وإن تعين علينا أن نراقبه ولا نغمض أعيننا عنه. لكن التحدى الأكبر، وما نملكه حقا ومن ثم نستطيع أن نتحكم فيه، هو كيف نحصن الواقع المصرى ونقوى دفاعاته بحيث يصبح قادرا على صد الاختراقات التى تأتى من أية جهة. أما كيف يتحقق ذلك فذلك أمر تطول مناقشته ولأهل الاختصاص كلام كثير فيه يتطرق إلى قضايا الديمقراطية والعدل الاجتماعى والوفاق الوطنى وغير ذلك.

إن هشاشة وضعنا الداخلى، واستمرار احترابنا الأهلى وتراجع الثقة أو تعميق الفجوة بين السلطة والمجتمع، هذه كلها ثغرات تغرى وتشجع على الاختراق. وإذا فتحنا ذلك الباب فإننا لا نستطيع أن نلوم الداخلين، ولكن لومنا ينبغى أن ينصب على الذين فرطوا فيه وضيعوا مفاتيحه.

الجمعة، 14 ديسمبر 2012

خواطر داعية ملّ السياسة والساسة… ناجح ابراهيم


مللت الحديث فى السياسة مجدداً، وأردت أن أكتب اليوم عن عشقى وحبى الأثير، وهو الدعوة إلى الله، لأخط لقرائى هذه الخواطر الدعوية:

1- التحدى الأكبر اليوم أمام الإسلاميين هو كيفية الجمع بين الواجب الشرعى والواقع العملى جمعاً لا يخل بأحدهما.. فيقيم الشرع ولا يضيع الوطن.. وقد ندر من يحسن الجمع بينهما.

2- نحن دعاة لا قضاة.. ونحن هداة لا بغاة.. ومهمتنا ليست إخراج الناس من الدين بتكفيرهم أو تفسيقهم أو تبديعهم.. ولكن مهمتنا هى إدخال الناس فى دين الله وهدايتهم إلى طريق الحق.


3- الإسلام هو كلمتان فقط هما: تعظيم الحق (سبحانه) والرحمة بالخلق.

4- الداعية بحق هو الذى يجمع بين الصدع بالحق وعفة اللسان.. وبين التمسك بالدين والإحسان إلى الناس.. وبين مراعاة الحق وملاطفة الخلق.

5- الخلق الكريم لا يتجزأ فلا يكون المسلم حسن الخلق مع قوم سيئ الخلق مع آخرين لأنه يختلف معهم فى الفكر أو الرأى أو الدين أو الموقف السياسى.. وقد قال (صلى الله عليه وسلم) : «وخالق الناس بخلق حسن».. وقال تعالى «وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً».. الناس كل الناس.. مسلمهم وغير مسلمهم.. من معك ومن يعارضك.

6- الداعية الحكيم هو الذى يحدو للناس كى تتحمل الطريق إلى الله، لأنه صعب وطويل.. وذلك مثل الراعى الذكى الذى يحدو لإبله كى تسرع فى المسير.. حتى تصل إلى الغاية «وهى الجنة».

7- الداعية العظيم هو الذى يعمل بالحكمة العظيمة: «جن العسل ولا تكسر الخلية».. فمهمته هداية الخلق وليس تحطيمهم أو تدميرهم.. أما الداعية الفاشل فهو كالنحال الفاشل الذى يكسر الخلية ويقتل النحل أو يطرده ويسكب العسل على الأرض.

8- قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من يحرم الرفق يحرم الخير».. فهل تريدون أن تحرموا دعوتكم وحياتكم من الخير.. فمن حرم الرفق حرم خير الدنيا.. حيث يرفض الناس دعوته وينفضّون من حوله.. ويحرم خير الآخرة فيعاقب ويعذب على غلظته وجفوته.

9- الحق مر فلا تزده مرارة..لاتزده بجفوتك وغلظتك وعلو صوتك وسوء خلقك، والنصيحة مرة فلا تزدها مرارة بالسب والشتم أو الإهانة أو التوبيخ.. ولكن علينا أن نضع على الحق بعض السكر الذى يحليه ويجعله مستساغاً محبوباً.. كما يصنع الطبيب مع مريضه، فيضع له السكر فى شراب الدواء كى يكون مستساغاً محبوباً.. وليعلم كل الدعاة أن هذا السكر لا يغير من طبيعة الحق ولا يجعله باطلاً.. وهذا السكر هو الرفق والحلم.. فتسوق دعوتك إلى الناس فى ثوب من الأدب الراقى والخلق النبيل.

نعم للدستور اضطرارا….محمد عريضة

سأصوت بنعم

أيام قليلة وندخل في اختبار ديمقراطي جديد للتصويت على دستور جديد لمصر. يدخل الكثير وهو في حيرة شديدة، بدلا من أن يذهب مطمئنا على أول دستور يأتى من خلال الشعب انشاءا وتصويتا.   سامح الله من أوصلنا لهذه الحالة… الكثير منا يحس بالحيرة فعلا في الاختيار بين مسارين..

الاول: يقصر المسافة ويجعلنا نبدأ في خطوات بناء مؤسسات الدولة ولكن بدستور عليه ملاحظات موضوعية ومواد ﻻ تحقق ماكنا نتمناه بعد الثورة..
الثاني: يطول المسار شوية طمعا في توافق حول دستور يعبر عنا بعد الثورة ولكننا لا نضمن اننا قد ننجر الى معارك فارغه من جزء انتهازى من المعارضة اعطى غطاءا سياسيا للفلول تدخل منه للمشهد بأسلوبها القذر الذي نعلمه..

في الشريعة الاسلامية هناك مايسمى "حكم المضطر" والذي يلجأ فيه المسلم لفعل أو قول شيئ حرام او مكروه نتيجة لظروف قهرية ضاغطة عليه…. ونظرا لما وصلنا اليه من وجود مسودة دستور بها بعض الملاحظات والعيوب التي يراها البعض -وانا منهم- خطيرة وخصوصا في المواد التي تخص العلاقة بين العسكري والمدني، ونظرا للحالة السياسية المفككة والاقتصادية الضاغطة، وعليه فلأنى:
  • لا أجد أملا في المستقبل القريب… أن تترشد المعارضة الحالية (اقصد معظمها) وتبحث عن المصلحة الوطنية بعيدا عن الحماقة الانتهازية والعداء الايدولوجى للطرف الآخر…
  • ولا أجد أملا في المستقبل القريب… أن يحدث توافقا وطنيا حقيقيا واصطفافا وطنيا يدفع بالتنمية والتقدم لهذا البلد المبتلى بنخبته الضيقة الأفق والانتهازية…
  • ولا اجد أملا في المستقبل القريب… في وضع دستور يليق بثورتنا ثورة 25يناير نتيجة لضغط "التوازنات" (حسب تصريحات د. محسوب) وليس استجابة لأحلام وطموحات الشعب… 
  • وأملا… في استقرار وهدوء مطلوب بشدة من المواطن البسيط الذي يئن تحت الظروف الاقتصادية والمعيشية المهينة، ولا يدرك ليه الخناقة دى ويريد ان يرى اثرا لهذه الثورة على حياته الخاصة…
  • وأملا أن تخف ضغوط المؤسسات المتحكمة في المشهد على صانع القرار…
  • وأملا… في أن يستشعر الفريق الذي يقود البلاد حاليا بخطورة ماوصلنا اليه من تشقق في الصف الوطني فيعمل جاهدا للم الشمل بعد الاستفتاء ويجمع -بالفعل لا بالقول- الملاحظات التي يعترض عليها الكثيرين من الوطنيين في الدستور ويعمل على تعديلها بعد تكوين البرلمان، ولا يغتر بالنتيجة ويدعي ان الشعب معه، بل يجب ان يفهم أن في مرحلة بناء الدولة يكون الاصطفاف الوطنى مقدم على كل شيئ حتى ولو تنازلنا عن بعض مانظنه أصوب، فلأن نجتمع على الصواب خير من أن نتفرق على الأصوب…
  • وأملا في أن تتغير التركيبة السياسية لمجلس الشعب القادم ليأتي معبرا عن تنوعات الحالة السياسة الجديدة ومستوعبا لها فنصل لتوافق وطني حقيقي…
  • أملا في بدء مرحلة نضال جديدة من المعترضين على بعض المواد للضغط على مجلس الشعب القادم لتغييرها…

    وأخيرا… حتى لا أقطع حبالا من الود بينى وبين بعض اخوتى واصدقائي الذين لم يستوعبوا بعد معنى التعددية السياسية، وان التصويت يظل شهادة فرديه تحاسب بها امام الله وحدك ولما استقر في يقينك وليس ما أملاه عليك غيرك… 

    وبعد الاستخارة أتوكل على الله وسأصوت بـ "نعم" للدستور الجديد…
الناس والدستور..
وينقسم الناس -فيما أرى- حول الدستور الى 4 أصناف:
  • الأول: سيصوت بنعم، ويراه انجازا تاريخيا وليس في الامكان أبدع مماكان……الخ 
  • الثاني: سيصوت مضطرا بنعم، ويراه دستورا جيدا ولكن به ملاحظات تستحق المراجعه والتغيير، ولكنه يخاف من المسار الآخر… 
  • الثالث: سيصوت مضطرا بلا، لأنه يرى ان به مواد لايجوز ان نوافق عليها وأن مصر الجديدة تستحق دستورا أفضل يحقق احلامنا وطموحاتنا…
  • الرابع: سيصوت بلا، لأنه يرفض أى شيئ ولو كان جيدا من الطرف الآخر، ولو جاءه بقطعة من السماء فسيرفضها ايضا…

فلو كانت النتيجة "نعم" … واتحد الصنف الثاني والثالث واللى يعقل من الرابع وكونوا جبهة ضاغطة على صانعى القرار والتشريع لتعديل ماهو خطأ بالدستور، أظنه أسلم من المسار الآخر… 

الخميس، 13 ديسمبر 2012

الأزمة المصريّة: مخاض الديمقراطيّة العسير..... عزمي بشارة

مقدمة

أصدر الرئيس المصريّ محمد مرسي في 22 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي إعلانًا دستوريًّا تضمّن ستَّ موادّ، نصّت على إقالة النائب العامّ؛ وإعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين والشروع في قتلهم التي تورّط فيها كلّ من تولّى منصبًا سياسيًّا أو تنفيذيًّا في ظلّ النظام السابق؛ ومنع حلّ الجمعيّة التأسيسيّة ومجلس الشورى؛ وتحصين قرارات رئيس الجمهوريّة وجعلها نهائيّة ونافذة ولا يمكن طلب وقف تنفيذها أمام أيّ جهة قضائيّة.

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

عن مباراة كسر العظم في مصر…….. فهمي هويدي


 لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائج مباراة كسر العظم الدائرة في الساحة السياسية المصرية هذه الأيام. مع ذلك بوسع المراقب أن يسجل بعض الملاحظات على جولاتها ومسارها، على الأقل هذا ما حاولته في التعامل مع مشهد بات متعذرا الدخول فيه أو الخروج منه.

(1)

أولى الملاحظات أن ساحة الصراع الراهن باتت موزعة بين القضاء والفضاء، إذ لا بد أن تثير حيرة المرء ودهشته أن يصبح القضاة رأس الحربة في المعركة الدائرة بين جماعات المعارضة والرئيس محمد مرسي، ذلك أن القضاة لم يعتادوا أن يذهبوا بعيدا في الاشتباك مع رئيس الدولة إلى الحد الذي يجعلهم يعلنون تحديه والصدام معه، بل تصعيد إجراءات المواجهة حينا بعد حين.
وما يبعث على الدهشة أن الذين يقودون ذلك الصدام أناس وصفوا ثوار يناير بأنهم من الرعاع، ولم يسمع لهم صوت في ظل النظام السابق، سواء حين سحل أحد المستشارين أيام نادى القضاة أو حين زورت الانتخابات بشكل فاضح رغم أنف الإشراف القضائي.
كما أننا لم نسمع لهم صوتا في الدفاع عن دولة القانون حين أصدر المجلس العسكري إعلانه الدستوري الذي فرض فيه وصاية العسكر على مصر.
لقد أصدر المجلس العسكري خمسة إعلانات دستورية لم يطعن في أي منها أمام المحاكم، ولكننا فوجئنا بالطعون تتوالى لوقف كل خطوة إلى الأمام بعد إقصاء المجلس وانتخاب رئيس الجمهورية.
وكان إلغاء مجلس الشعب بصورة متعسفة بدا فيها التحيز السياسي واضحا أحد أبرز الضربات التي وجهت إلى النظام الجديد. ولم يكن سرا أن طعون الإلغاء استهدفت مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع الدستور، كما استهدفت إلغاء الإعلانات الدستورية التي أصدرها الرئيس مرسي، الأمر الذي من شأنه العودة بالثورة إلى نقطة الصفر وإبقاء البلد بغير سلطة تشريع ورقابة منتخبة وبغير دستور.


في الصف الأول من المعارضة السياسية وقف بعض القضاة، فمنهم من حكم الهوى السياسي في أحكامه، ومنهم من حرص على وقف العمل بالنيابات العامة والمحاكم، ومنهم من دعا إلى مقاطعة الإشراف على الاستفتاء على الدستور في منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي.
وإذ أفهم أن يحتج القضاة على ما بدا أنه ماس باستقلال السلطة القضائية في الإعلان الدستوري الجديد، ما لم يكن مفهوما أن يلجأ بعض قياداتهم إلى توسيع نطاق الصدام مع رأس الدولة إلى الحد الذي أشرت إليه توا، وأن يزج بالمحاكم باختلاف درجاتها كي تصبح طرفا في ذلك الصدام. كما لم يكن مفهوما أن تسعى بعض الرموز الناطقة باسم القضاة إلى التواطؤ مع أطراف أخرى من المحامين لتأجيج الحريق المشتعل وتوسيع نطاقه.

وصار مستغربا أن تعلن شخصية قضائية من أعضاء المحكمة الدستورية العليا في أكثر من مناسبة وموقع أن الرئيس فقد شرعيته، في انحياز إلى موقف له تأثيره على مصير قضايا معروضه أمام المحكمة.
لقد ذكرت مصادر الرئاسة أن الأزمة بدأت بتغول من جانب السلطة القضائية على السلطتين التشريعية والتنفيذية في حل مجلس الشعب، واعتبرت أن شبح ذلك التغول هو الذي دفع الرئيس مرسي إلى تحصين قراراته ضد الإلغاء من جانب الأطراف القضائية التي انضمت إلى المعارضة السياسية، وفهم أن بينها من شارك في سيناريو إعادة حكم المجلس العسكري مرة أخرى.

لا أستبعد ذلك التبرير، لكني أزعم أنه من المهم أيضا الانتباه إلى عدة أمور، منها أننا نتحدث عن فئة محدودة من القضاة تصدرت مواقع القيادة في بعض هيئاتهم، منها أيضا أن الذين حرضوا القواعد للتصادم على السلطة خليط من عناصر بعضها له غيرته على استقلال القضاء، لكن بعضها الآخر كانت له دوافعه الأيديولوجية، كما أن هناك عناصر أخرى لها ارتباطاتها بالنظام السابق، ولا أتردد في القول إن سلبيات صياغة الإعلان الدستوري الأخير الذي أصدره الدكتور محمد مرسي استنفرت هؤلاء جميعا، وحشدتهم في مربع واحد وضعنا في الموقف الذي صرنا إليه.

(2)

إذا كان القضاء هو رأس الحربة في الاشتباك الدائر، فإن الفضاء الإعلامي هو الساحة التي تدور فيها رحى المعركة، وإذا كان القضاء يضغط على السلطة ويتحداها، فإن منابر الفضاء هي التي تنقل ذلك كله إلى الناس، وهى التي تشكل وعي المجتمع، أضع التلفزيون في مقدمة تلك المنابر. وتأتي بعده الصحف، حيث بات معلوما في الدنيا كلها أن الإعلام المرئي أقوى تأثيرا بمراحل من المقروء والمسموع.
وإذا ما تلفت المرء حوله من هذه الزاوية فسوف يجد أن أغلبية المصريين لم ينقسموا في الوقت الراهن فقط إلى مؤيدين للرئيس مرسي ومعارضين له، لأن هؤلاء انقسموا إلى مشاركين في التظاهرات والاعتصامات بالميادين، وآخرين تسمروا أمام شاشات التلفزيون لمتابعة ما يحدث في البلد.

وأكثرنا لا ينسون أن الذين اعتصموا في ميدان التحرير لجؤوا في السابق إلى توزيع شاشات التلفزيون على أرجائه لكي يتمكنوا من متابعة ما يجرى خارجه، وربما من مشاهدة أنفسهم أيضا. ولآن القائمين على أمر المحطات الفضائية أدركوا ذلك فإنهم أبقوا مراسليهم في الميادين على مدار الساعة.
كما أنهم حرصوا على توزيع كاميرات التلفزيون على بعض المدن المهمة في أنحاء مصر. ومن ثم بات بمقدورنا أن نرى على الشاشات في وقت واحد صور المتظاهرين في القاهرة والإسكندرية والسويس وأسيوط وغيرها من المدن.
لم يقف الأمر عند حد إسهام التلفزيون بالدور الأكبر في تشكيل الإدراك وترسيخ الانطباعات في الفترة الماضية، وإنما لا مفر من الاعتراف بأنه كان الباب الأوسع الذي دخل منه البعض إلى الحياة السياسية، فصاروا نجوما وقياديين، رغم أنهم لم يكونوا معروفين من قبل.
وتكفلت تلك النجومية التلفزيونية بدفعهم إلى الصفوف الأولى، فترشحوا إلى مواقع ولجان عدة، ومنهم من ترشح في الانتخابات وفاز فيها، ليس لأداء أو خلفية سياسية تذكر، ولكن فقط لأنهم كانوا زبائن في العديد من البرامج والمداخلات التلفزيونية، وإلى جانب النجوم الذين صنعهم التلفزيون، فإنه تولى تسويق آخرين بعد النفخ فيهم وإضفاء أوصاف التفخيم والتبجيل عليهم. فهذا فقيه دستوري وذاك محلل إستراتيجي، والثالث كاتب كبير والرابع قيادي في التنظيم الفلاني وهكذا.

ليس ذلك حكرا علينا بطبيعة الحال.. فالدور الجوهري الذي يقوم به التلفزيون في الحياة السياسية مشهود ومعترف به في كل بلاد الدنيا. لكن الفراغ السياسي عندنا الذي خلفه النظام السابق أضفى عليه أهمية مضاعفة.
ذلك أن تعدد مؤسسات المجتمع المدني والحيوية السياسية التي تشيع في الديمقراطيات الحديثة لها دورها إلى جانب التلفزيون في تشكيل الرأي العام، في حين أن موت السياسة والهشاشة التي يتصف بها المجتمع عندنا جعلا من التلفزيون المؤثر الأكبر والأخطر على العقل الجمعي.
إزاء ذلك أصبح السباق على شاشات التلفزيون متقدما كثيرا على التحرك على أرض الواقع، حتى أزعم أن الفضائيات أصبحت أكبر وأقوى أحزاب المعارضة في مصر.

وحين يدقق المرء في خطاب مقدمي البرامج الحوارية وفى وجوه ضيوفهم فإنه سيلاحظ أن الجميع يشكلون فريقا متناغما يتوزع أعضاؤه على أرجاء "الملعب"، لكنهم جميعا يصوبون باتجاه مرمى واحد.
جدير بالملاحظة في هذا الصدد أن بعض قنوات التلفزيون الرسمي أصبحت تنافس الفضائيات الخاصة في ذلك الاتجاه، حتى قرأت مثلا أن قناة النيل للأخبار ظلت تبث لأربع ساعات تقريبا مؤتمرا لنادى القضاة حفل بالهجوم على رئيس الجمهورية والهتاف ضده، في حين خصصت أربع دقائق فقط لتغطية مؤتمر "قضاة من أجل مصر" الذي أيد الرئيس ونظامه، وعرض وجهة نظر مغايرة للطرف الآخر.

(3)

ثمة ملاحظة أخرى لا يستطيع المراقب أن يتجاهلها، وهى أن الأحزاب المدنية والائتلافات المتناثرة حولها ظلت متباعدة ومتنافسة منذ قامت الثورة، ولم يخل الأمر من انشقاقات وتجاذبات فيما بينها.
وأغلب تلك الجماعات باستثناء أحزاب اليسار، لم يكن لديها لا هدف ولا برنامج واضح. بل أزعم أن أغلبها التف حول أفراد أكثر من التفافه حول أفكار أو مشروعات سياسية متعددة الاجتهادات، كما أن عددا منها كان يتعامل مع حزب الحرية والعدالة الممثل للإخوان باعتبار منافسا وليس خصما.
غير أن المشهد اختلف تماما بعد الإعلان الدستوري الأخير، الذي أنقذ هذا الفريق من مأزقين هما مأزق التشرذم والتنافس والتجاذب ومأزق غياب المشروع والهدف.
فتحولوا إلى كتلة واحدة لها هدف محدد هو الاشتباك مع الرئيس محمد مرسى وممارسة الضغط عليه. وفي الوقت نفسه تصفية الحساب مع جماعة الإخوان وذراعها السياسي المتمثل في حزب الحرية والعدالة.
غير أن أسوأ ما في الأمر أن فلول النظام السابق وجدوها فرصة لإثبات الحضور واكتساب الشرعية، حتى وجدنا بعضهم يتقدم لتشكيل حزب جديد باسم مضلل، وشخصيات خلفياتها محل تساؤل وارتباطاتها الخليجية ظاهرة للعيان.
ولا يقل سوءا عن ذلك أننا وجدنا بين من يدعون الانتماء للقواعد المدنية من لا يرى في ذلك غضاضة أو مأخذا.
وكانت الحجة التي ترددت في هذا الصدد أن الجميع -الفلول والقوى المدنية- صار لهم الآن خصم مشترك هو الرئيس مرسى والإخوان وحزب الحرية والعدالة.
ورغم أنها كارثة مزدوجة رفضت بعض العناصر الوطنية في القوى المدنية تلك الحجة، واعتبرت أن الفلول وأركان النظام السابق هم الخصم الإستراتيجي من حيث إنهم يمثلون الثورة المضادة، في حين أن الاشتباك مع الرئيس مرسى هو مرحلي ويظل في محيط الثورة.

(4)

إن السؤال الذي تطرحه هذه الملاحظات هو: من صاحب المصلحة في وقف مسيرة التطور الديمقراطي في البلد؟
ما أفهمه -دون الدخول في التفاصيل- أن ما أريد هدمه هو المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا والدستور الذي يسهم في وضع اللبنات الأولى للنظام الجديد، وما أفهمه أيضا أن من شأن تلك المؤسسات إذا قامت أن تسحب سلطة التشريع من رئيس الجمهورية وأن تشرع في ممارسة الرقابة على أداء الحكومة ومختلف أجهزة الدولة.
كما أن من شان الدستور الجديد أن يقلص من صلاحيات الرئيس ويوسع من نطاق الحريات وضماناتها، وتلك كلها خطوات تقطع الطريق على احتمالات العودة إلى الاستبداد أو إعادة إنتاج الفرعون والرئيس الإله، وهى المخاوف التي تشيع في بعض الأوساط.
ولا يختلف أحد على ضرورة التخلص منها بكل السبل.
إذا صح الذي أدعيه فإن الإجابة على السؤال تصبح بالغة الأهمية. وللأسف فإنني لا أستطيع أن أتطوع بتلك الإجابة، لأن في مصر جهات أخرى حريصة على مستقبل البلد وأمنه ومن واجبها أن تجلي الغموض المريب الذي يخيم على الساحة، بما يكشف عن حقيقة المعارضة التي تريد استمرار الثورة، وتلك التي تتآمر لإجهاض مسيرتها.

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

هل هو انقلاب على الانقلاب؟ فهمي هويدي


 إذا صحت المعلومات التي تتداولها دوائر السلطة في الأسابيع الأخيرة، فهي تعني أن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي يوم الأربعاء الماضي (21/11) هو خطوة استباقية لإجهاض انقلاب قانوني كان يجري الإعداد له، بما قد يصف قراره بأنه انقلاب على الانقلاب.
(1)
يستطيع المرء أن يستشف ذلك من ملاحظة النقطة الجوهرية في الإعلان (الواردة في المادة الثانية) التي نصت على أن الإعلان الدستوري والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية حتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نافذة ونهائية وغير قابلة للطعن عليها. وهي المادة التي أريد بها تحصين ما يصدره الرئيس من قرارات ضد دعاوى الطعن والإلغاء التي لا تتم إلا من خلال القضاء.

* إن ثمة إشارات وقرائن دلت على أن بعض أعضاء المحكمة الدستورية يتبنون مواقف سياسية تتجاوز حدود صلاحياتهم القانونية، الأمر الذي دفعهم إلى إعلان معارضتهم للحكومة في قضايا منظورة أمامهم. ولم يكتف أولئك البعض بإعلان مواقفهم تلك عبر وسائل الإعلام، ولكن منهم من شارك في أنشطة واجتماعات تم خلالها ترتيب بعض الطعون التي استهدفت إضعاف موقف رئيس الجمهورية.
وقد قيل لي إن هناك أربعة أمور تكمن في خلفية إيراد هذه المادة هي:
* إن المحكمة الدستورية العليا كانت قد ألغت قرارا للرئيس محمد مرسي قضى بعودة مجلس الشعب للانعقاد، بعدما تم حله بصورة متعسفة من جانب المحكمة الدستورية، التي نصت على الحل في الحيثيات وليس في نص حكم لها بخصوص طعن في دستورية انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشعب.

* إن المعلومات التي توافرت في الآونة الأخيرة أشارت إلى أن هناك تنسيقا بين بعض القضاة في المحكمة العليا وآخرين من قضاة مجلس الدولة، في توزيع المهام والأدوار ضمن حملة تكثيف الضغوط القانونية لصالح تبنى مواقف معينة تمثل نوعا من المعارضة السياسية.
* تسربت معلومات عن اعتزام المحكمة الدستورية المعينة من قبل الرئيس السابق إصدار أحكام يوم 2/12 المقبل تستهدف إحداث فراغ دستوري كبير في البلد، كما تستهدف فتح باب الطعن في شرعية قرارات الرئيس محمد مرسي. الأمر الذي يعيد المجلس العسكري إلى السلطة. وتلك نقطة خطيرة تحتاج إلى مزيد من التفصيل.
(2)
إذ من المقرر أن تنظر المحكمة الدستورية العليا في الثاني من شهر ديسمبر/كانون الأول (الأحد المقبل) في ثلاثة أمور: الطعن في تشكيل الجمعية التأسيسية، والطعن في تشكيل مجلس الشورى، وتكييف الوضع القانوني للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي يوم 12 أغسطس/آب الماضي، والذي حل بمقتضاه المجلس العسكري وأحال رئيسه إلى التقاعد.
ذلك أن ثمة طعنا في ذلك الإعلان اعتبره عائقا ماديا من شأنه تعطيل تنفيذ الإعلان الدستوري المؤقت والشرعي -من وجهة نظرهم- الذي سبق أن أصدره المجلس العسكري يوم 17 يونيو/حزيران من العام الحالي (2012)، وبعدما بدا أن رائحة الهوى السياسي تفوح من بعض قرارات المحكمة الدستورية (الأمر الذي تجلى بوضوح في قرار حل مجلس الشعب) فإن سيناريو اتخاذ قرارات سلبية في الموضوعات المعروضة في ذلك اليوم ظلت واردة بقوة، عزز ذلك وأكدته المواقف التي عبرت عنها شخصيات من بين أعضاء المجلس، أيدت حلّ لجنة الدستور وحل مجلس الشورى، واعتبرت الإعلان الدستوري الذي أصدره الدكتور مرسي باطلا بسبب تعطيله للإعلان الذي أصدره المجلس العسكري، الأمر الذي يرتب النتائج التي سبقت الإشارة إليها.
رجح ذلك الاحتمال أن بعض أعضاء المحكمة الدستورية أعلنوا في وسائل الإعلام انحيازهم إلى الرأي الذي يدعو إلى بطلان قرارات الرئيس مرسي، وبالأخص الإعلان الذي أصدره في شهر أغسطس/آب الماضي.

ذلك كله ليس مقطوعا به ولكنه احتمال وارد، رغم الرسائل التي وجهت وتحدثت عن احتمال تأجيل البت في تلك الملفات من جانب الدستورية العليا. إلا أن ذلك لم يكن كافيا لسببين، الأول أن الباب لا ينبغي له أن يظل مفتوحا لأية مفاجآت، حتى إذا كانت نسبتها محدودة.
الثاني أن مجرد قبول الطعن في شرعية قرارات الرئيس مرسي يفتح باب الجدل حول مصير الإعلان الدستوري الذي سبق إصداره، ناهيك عن أنه يشي بأن ثمة نية لتأزيم الموقف السياسي.
ذلك أنه إذا تم حل اللجنة التأسيسية للدستور وكذلك حل مجلس الشورى، وتم إبطال الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي، فسوف تواجه مصر أزمة فراغ كبير، إلى جانب أن ذلك سيعيد الثورة إلى نقطة الصفر، حين كان المجلس العسكري هو الذي يدير البلاد، ويمسك بزمام السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهو ما يدخل البلاد في نفق العواقب الوخيمة التي يعلم الله وحده نهايتها أو كيفية الخروج منها.
(3)
ليس ذلك وحده المؤرق في المشهد، لأنه قيل لي إن وقائع أخرى مريبة تثير العديد من علامات الاستفهام، حول حقيقة القوى التي تقف وراء الانقلاب المفترض، من ذلك مثلا أنه تم القبض في الإسكندرية هذا الأسبوع على ضابط لا يزال يعمل بأحد الأجهزة السيادية يوزع أموالا على بعض المشاركين في المظاهرة المعادية للإخوان والتي حاولت حرق مقرهم بالمدينة. وقد سلم الضابط إلى الشرطة، التي أحالته إلى النيابة العامة. وبعد اتصالات قوية قام بها الجهاز الأمني المختص مع كبار المسؤولين في النظام والداخلية أطلقت النيابة العامة سراحه. إلا أن ملف القضية لم يغلق لأن الواقعة أثارت أسئلة كثيرة حول دافع الضابط إلى ما فعله، وحول الجهة أو الجهات التي تقف وراءه. وهو ما تحاول التحقيقات الجارية الآن تتبع خيوطه وفك ألغازه.
هذه الخلفية إذا صحت فإنها توسع من دائرة الاشتباه، وتسلط الضوء على زوايا غير مرئية في المشهد. وما يتردد في هذا الصدد يثير أسئلة عديدة عن أسباب تجديد الاشتباك وتأجيج الانفعال في مناسبة ذكرى أحداث شارع محمد محمود، التي سقط فيها قتلى وجرحى ومثلت ذروة المواجهات بين المتظاهرين والسلطة.
كما أنه يشير إلى أدوار لبعض رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالنظام السابق واستفادوا منه، واجتماعهم بنفر من "الفلول" وعدد من العاملين السابقين في الأجهزة الأمنية، والمعلومة الأخيرة استدعت ملاحظة أخرى خلاصتها أن قيادات الشرطة وأمن الدولة العاملين في بعض المحافظات اتخذوا موقفا سلبيا من المظاهرات التي استهدفت بعض مقار الإخوان. بل قال لي مسؤول كبير إن الأمر يتجاوز المواقف والمبادرات الفردية، وأن هناك تنظيما يحرك الحملة المضادة والمظاهرات المعادية، وأن فئات عدة من أصحاب المصالح ضالعون فيه، من بينهم بعض رجال القانون وآخرون من العاملين في الحقل الإعلامي.
كما تحدث المسؤول الكبير عن تمويل من جانب بعض رجال الأعمال في الداخل، وآخر من جانب بعض الدول الخليجية. وحين قلت له إن التمويل يمكن تتبعه من تحويلات البنوك كان رده، إن الأموال التي قدمت من الخارج جاءت في حقائب محمولة باليد.
(4)
أرجو أن تكون قد لاحظت أن أول ثلاث كلمات أوردتها في النص الذي بين يديك هي: "إذا صحت المعلومات"، الأمر الذي أردت به أن أنبه من البداية إلى أن الكلام منقول عن الدوائر التي أصدرت الإعلان الدستوري وتبنته. وهو ما لا يعني التشكيك في صحة المعلومات أو الطعن في الإعلان الدستوري، ولكنني أردت بذلك التنويه أن أعطى المعلومات حجمها الحقيقي، وأن أعرض لخلفية "الضرورة" التي ألجأت الرئيس محمد مرسي إلى إصدار الإعلان الدستوري.
وإذا جاز لي أن أسجل ملاحظاتي على ما سمعت في هذا الصدد فإنني أضع في مقدمتها ما يلي:

* إنه إذا كانت الفكرة الجوهرية في الإعلان هي قطع الطريق على توظيف القضاء لتحقيق المآرب السياسية فإن الخطأ الجوهري الذي وقع فيه تمثل في التوسع في تحصين ما يصدر عن الرئيس ليس فقط من إعلانات دستورية أو قوانين وإنما أيضا عن "قرارات"، وهو الخطأ القاتل الذي أثار الزوبعة وأشعل الحريق الذي يكاد لهيبه ودخانه يسد الأفق في بر مصر. وقد أحسن مجلس القضاء الأعلى حين دعا في البيان الذي أصدره يوم الأحد الماضي (25/11) إلى ضبط صياغة المادة بحيث يقتصر التحصين على القرارات السيادية دون غيرها.

* إن التعامل مع مجمل الملف يبعث على الحيرة لسببين، أولهما أن مستشاري الرئيس لم يحاطوا علما بالصيغة التي تم إعلانها، بل إن فريق المستشارين الذين كلفوا منذ أسابيع عدة بإعداد مسودته فوجئوا بأن ما أعلن غير الذي قدموه، الأمر الذي أثار استياءهم ومنهم من عبر عن غضبه وطلب من الرئيس إعفاءه مما كلف به، وثمة جهد يبذل هذه الأيام لمعالجة ذلك الشرخ.

السبب الثاني أن الرئيس فاجأ الرأي العام بالإعلان، ولم يحطه علما بالظروف التي استدعت إصداره، والمعلومات التي سبقت الإشارة إليها، معززة بالأدلة المتوفرة لدى الجهات المعنية، الأمر الذي يعني أن إدارة العملية كانت بحاجة إلى قدر أكبر من الحنكة السياسية، ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن الرئيس الأميركي باراك أوباما حين أعد مشروعه للضمان الاجتماعي المهم في حياة الأميركيين فإنه أرسله إلى الكونغرس، وبعد ساعة من إرساله وجه خطابا بخصوصه إلى الشعب الأميركي، ثم قام بجولة في عشر ولايات ليشرح للرأي العام وجهة نظره فيه. والفرق بين الحالتين يعكس الفرق بين الكفاءة الديمقراطية هناك والتعثر الديمقراطي عندنا.
* إن الطريقة التي عالج بها الرئيس مرسي الموقف أحدثت شرخا في صفوف أنصاره، كما أنها عمقت كثيرا من الاستقطاب الحاصل في مصر بين الإسلاميين من ناحية والعلمانيين والليبراليين واليساريين من ناحية ثانية. وإذا أخذنا على الرئاسة أنها لم تتعامل مع الموقف بالحذق اللازم، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أن الطرف الآخر تصيد ثغراته للانقضاض على النظام القائم ومحاولة هدم المعبد على من فيه. وكانت الإثارة والتهييج التي اتسم بهما الأداء الإعلامي من الوسائل الأساسية التي استخدمت في ذلك (ذكرت صحف أمس مثلا أن معظم القضاة أضربوا عن العمل ولم يكن ذلك صحيحا، لأن الأغلبية الساحقة منهم أدت عملها كالمعتاد).
* إنني استغربت مظاهر المبالغة في الاستقواء التي مارسها بعض الذين أعلنوا تحدِّيهم للرئيس وإعلانه، من جانب أطراف سارعت إلى ركوب الموجة، في حين أننا لم نعرف عنهم بطولة ولا شجاعة في مواجهة مفاسد النظام السابق. بذات القدر فإنني استغربت رفع البعض الآخر شعار "لا حوار إلا بعد إلغاء الإعلان الدستوري" في استنساخ للشعار الذي رفع في مواجهة الاحتلال البريطاني لمصر، معلنا أنه "لا مفاوضة إلا بعد الجلاء".
علما بأن الثورة المضادة ونظام مبارك هو المستفيد الأكبر والأكثر جاهزية لقطف ثمار احتدام المواجهة الراهنة. وإذ أفهم أن تعلن تحفظات وشروط معقولة للحوار، فإنه يصعب مطالبة الرئيس بالانتحار أولا، وقد تقبل الحجة من برلمان منتخب يحاسب الرئيس وله أن يحاكمه، لكنها لا تقبل من أشخاص حضورهم في الإعلام وبرامج التلفزيون أكثر من حضورهم في الواقع.
إنني أذكِّر الجميع بأن استمرار الثورة ينبغي أن يقدم على ليّ ذراع الرئيس مرسي أو تجريحه. وللأسف فإن كثيرين مشغولون بالثانية دون الأولى.

السبت، 17 نوفمبر 2012

دستور دولة النخبة…….. إبراهيم الهضيبى


 مسودة الدستور الجديد، على ما بذل فيها من جهد، تعبر عن رغبة فى «إصلاح» دولة يوليو التسطلية بإزالة ما يعوق مؤسساتها عن العمل بفاعلية، ولا تعبر بحال عن رغبة فى «تغيير» بنية النظام بتمكين المجتمع وحفظ حقوقه، على النحو المبتغى وجوده فى أعقاب الثورة. 
●●●

تعددت مسودات الدستور، واختلفت بعض تفاصيل نصوصها، غير أنها - فى مجملها- أبقت البنية التسلطية للدولة، فبالرغم من تقرير الدستور مبدأ سيادة الشعب (مادة ٥ من مسودة ٢٢/١٠/٢٠١٢)، والتأكيد فى غير موضع على المسئولية المشتركة للدولة والمجتمع (المواد ٩، ١٠، ٢٨، ٦١، ٧٧ مثلا) فى حفظ النظام العام وحقوق المواطنين والأمن القومى، فإن نصوصه خلت مما يمكن المجتمع من مشاركة الدولة هذا الدور.

وتبدو النزعات الإصلاحية فى الدستور واضحة فى سعى المشرع إعادة تنظيم العلاقة بين مؤسسات الدولة المختلفة بما يضمن توازنها، كالمادتين ١٢٨ و١٤٣ الهادفتين لتنظيم العلاقة بين الرئيس والبرلمان بما يضمن عدم استئثار ايهما بالسلطة، والمواد المنظمة للإعلام والصحافة (٢١٥، ٢١٦) والتى تنشئ هيئة مستقلة لإدارة الإعلام وتنظم صلاحياتها وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى من غير أن تتناول كيفية تشكيلها وضمانات الديمقراطية والمهنية فيه.

ومجمل المواد على هذه الشاكلة: تهتم بتنظيم العلاقة بين مؤسسات الدولة المختلفة بدلا من إعادة ترتيب العلاقة بينها والشعب، فأبقت المواد هذه المؤسسات بعيدة عن السيادة الشعبية، إذ منعت المحاسبة الشعبية للبرلمانيين بأن قصرت الحق فى إسقاط عضويتهم على مجالسهم دون الناخبين أصحاب الحق الأصيل (مادة ١١١)، وأوجدت بدائل تتجنب اللجوء للشعب صاحب السيادة فى حسم النزاع بين المؤسسات المختلفة (مواد ١٠٣، ١٠٤ مثلا)، ولم توجب اللجوء للاستفتاء إلا عند حل البرلمان والتعديل الدستورى، وجعلت اللجوء له فيما وراء ذلك «حقا» لرئيس الجمهورية (مادة ١٥٥)، بل لم توجب العودة للشعب فيما يتعلق بالتعديل فى أراضى الدولة، واكتفت باشتراط موافقة البرلمان على ذلك (مادة ١٥٠).

وفى حين جعلت المادة ٧٧ حماية الأمن القومى «واجبا على كل من المجتمع والدولة» فإن المفهوم يبقى فضفاضا، تملك الدولة دون المجتمع إمكانية تعريفه، والآليات التنفيذية لحمايته، على نحو يبقى للدولة، وبالأخص الأجهزة الأمنية فيها، شرعية للبقاء خارج إطار القانون، ويمكنها- فى ظل غياب التعريف المنضبط للأمن القومى- من التوسع فى حجب المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق عن المواطنين، متذرعة بالاستثناء الخاص بما يتعلق بالأمن القومى فى المادة ٤٣ من المسودة.

وتقلص المواد المتعلقة بالقوات المسلحة من مساحة السيادة المدنية، إذ تنزع من نواب الشعب صلاحية مناقشة الميزانية العسكرية، أو مناقشة ما يتعلق بتأمين البلاد، بقصر هذه الصلاحيات على مجلس للدفاع الوطنى (مادة ١٩٥)، كما تقلص من سلطان المدنيين بالنص الشاذ على وجوب تعيين وزير الدفاع من بين ضباط القوات المسلحة (مادة ١٩٧).

وثمة مواد أخرى ترسخ لهيمنة الدولة على المجتمع، كالمادة ١١ التى تعين الدولة واصيا على «الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصرى!» (على افتراض وجودها ومحموديتها)، والمادة ٢١٣ التى تفتح بابا واسعا - فى ظل عدم تحديد كيفية تشكيل الهيئة العليا لشئون الوقف- لتدخل الدولة فى الأوقاف متذرعة بالسعى لضمان الادارة الاقتصادية الرشيدة، والمادة ٥٢ التى تلزم جميع المؤسسات التعليمية «العامة والخاصة والأهلية وغيرها بخطة الدولة التعليمية وأهدافها» فى ظل انعدام الحديث عن آليات وضع هذه الخطة وضمان تعبيرها عن التنوع وعدم تبعيتها للسلطة التنفيذية.

وإجمالا فإن هذه المواد ترسخ وصاية الدولة على المجتمع (التى هى من أركان نظام يوليو)؛ كما تنزع عن المجتمع عمليا أى حق فى الدفاع عن نفسه إزائها (وإن كان تقرر هذا الحق نظريا)، وهو حق لابد من تنظيمه لشدة الاحتياج إليه فى القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها.

●●●

بالتوازى مع هذه المحافظة السياسية، التى تبقى صناعة السياسات بعيدا عن أيدى المواطنين وتبقى الدولة فوق الشعب، تغلب على المواد المحافظة الاقتصادية/ الاجتماعية، ومن ذلك اللجوء لصياغات عامة، مبهمة، لا تترتب عليها مسئوليات وواجبات محددة للدولة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مواد ٥٢، ٥٦، ٥٧، ٦٠)، كما يخلو الدستور من أى مواد تبين آلية تحصيل هذه الحقوق، وكيفية قيام المجتمع بواجبه فى الدفاع عنها إزاء السلطة إذا ما هى تجاوزت وأهملت الحقوق على النحو الذى كان قائما، وهى المشكلة التى تعاملت معها بعض الدساتير الحديثة (كدستور البرازيل) بالنص على آليات تحصيل هذه الحقوق.

ويبدو انحياز المشرع للنخب واضحا فى تعريفه لمستحقى الحقوق، كما فى تأكيده على حق ممارسة الرياضة (مادة ٦١)، والذى انشغل فيه المشرع بالتأكيد على واجب الدولة فى «اكتشاف الموهوبين رياضيا ورعايتهم» (وهى مهمة القطاع الخاص بالأساس، ومقصده البطولة) عن توكيد مسئوليتها فى إيجاد البنية التحتية التى توسع من قاعدة المشاركة (وهو واجب الدولة لو انحازت لحقوق الأغلبية لا النخب)، وكذلك فى حديثه عن الأزهر والذى ضمن فيه لا استقلال المؤسسة وإنما استقلال شيخها، بتحصينه ضد العزل وإن كان عن طريق مؤسسته (مادة ٤).

لم يخل الدستور - مع ذلك - من إيجابيات، كإشارته لفكرة «الثروات الوطنية» التى يحظر تحويلها لملكية خاصة (مادة 16)، وتخفيف القيود الخاصة بتكوين الجمعيات والأحزاب (مادة 48)، غير أنها إيجابيات لا تناقض هذا الطابع النخبوى للدستور، إذ تقتصر الثروات الوطنية على مياه النيل والموارد المائية، على نحو يتجاهل المشكلات الاجتماعية المتعلقة بخصخصة الساحل الشمالى بكامله على سبيل المثال، كما يستثنى تخفيف شروط التكوين فى المادة 48 النقابات العمالية، ولا يضمن تعددية النقابات.

●●●

تأتى كتابة هذا الدستور فى أعقاب ثورة مارس المصريون فيها بغير وسيط سلطانهم السياسى، وتتوازى مع حركة احتجاج اجتماعى- ربما تكون الأوسع فى التاريخ الحديث- تصر على تحصيل الحقوق والاقتصادية والاجتماعية وكسر احتكار النخبة للدولة، وتأتى بنية الدستور - مع ذلك - شديدة المحافظة، على نحو يعبر بدقة عن الانفصال القائم بين الساسة - على توجهاتهم المختلفة الإسلامية والمدنية- والمجتمع، ويؤكد استمرار الصراع لا بين الإسلاميين والمدنيين، وإنما بين المواطنين ودولة الخبراء أو النخبة، والتى ورثها شعب مصر من النظام المخلوع.

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

مقالات في الإبداع (1) تعريف الإبداع…….. بقلم: مهندس / محمود صقر


الإبداع من المعاني التي تم اختزالها وابتذالها، بما يدعونا للعودة لمعنى الإبداع.
ولنكن مبدعين في تعريف الإبداع، فلن نلجأ إلى التعريفات الجاهزة، ولكن لنعد إلى الإبداع كحالة إنسانية يحتاجها الإنسان في أمرين أساسيين. 


الأمر الأول: تلبية حاجة الإنسان في أن يرى الوجود جميلاً . وينبثق عن تلك الحاجة، الإبداع في مجال الفكر، والفن، والفلسفة، وسائر العلوم الإنسانية، …………


والأمر الثاني : هو تلبية حاجة الإنسان في أن يتحدى قوانين الطبيعة ويطوعها لتلبية حاجاته، والوصول إلى رفاهيته .
وينبثق عن تلك الحاجة ، الإبداع في مجال الصناعة ، والطب ، والزراعة ………….

بهذا النوع من الإبداع يستطيع الإنسان أن يتحدى قانون الجاذبية ويطير ، أو يطوع الأثير فيتواصل مع إنسان في أقصى حدود الأرض ، ويستطيع أن يعالج المرض بالطب والدواء ………..
إذاً معنى الإبداع يتسع لكل ما يجعل الوجود جميلاً ونافعاً .

وكل فنان أو فيلسوف أو طبيب أو زارع أو صانع يسهم في هذا المجال فهو من أهل الإبداع الذي يجب أن تحتفي به البشرية .
الحاجة الأولى حاجة جمالية والجمال قيمة وحالة وجدانية تختلف من نفس إلى نفس ، ومن بيئة إلى بيئة ، ومن عصر إلى عصر ، ولكنها في كل حال تنبثق من منظومة القيم السائدة في المجتمع . فلا يمكن أن يرى المجتمع شيئاً جميلاً – حتى وإن كان جميلاً في ذاته – إذا اصطدم بقيم المجتمع ، مثال ذلك التماثيل العارية التي اشتهرت بها فنون اليونان والرومان ، برغم أنها جميلة في ذاتها من حيث الاداء والدقة الفنية ، لا يمكن أن تكون فناً جميلاً في المجتمع الشرقي .
والفلسفة الوجودية قد تلقى رواجاً في أوربا ، ورفضاً في الشرق . 


أما الحاجة الثانية فهي ليست مجال خلاف بين البشر ، فالكل يريد أن يستفيد مما وصل إليه غيره من إبداعات في مجال تطويع الطبيعة لخدمة ورفاهية الإنسان .

بناءاً على هذا الفهم للإبداع نستطيع أن نؤكد أنه ليس كل شئ جديد وغير مسبوق - وهذا هو المعنى اللغوي للإبداع – يعتبر إبداعاً بالمعنى الاصطلاحي إلا إذا كان يضيف شيئاً جمالياً في الوجود ، أو يضيف شيئاً في خدمة الإنسان وتحقيق رفاهيته .
بهذا الفهم للإبداع نستطيع أن نؤكد أيضاً أن الفنون بشتى مجالاتها المقرؤة والمسموعة والمنظورة ، تمثل حاجة من حاجات الإنسان الأساسية في الوجود ، لأنها تشكل مظهراً من مظاهر الجمال في الوجود .

وتربية الشعوب على حب الجمال وتذوقه ، يطبع في ثقافة الشعب نزوعاً إلى الإحسان في العمل ، وتوخياً للكريم من العادات .
إذا اتفقنا على هذا الفهم للإبداع ، والذي يتسع ليشمل كافة المجالات التي تضيف للوجود جمالاً ونفعاً ، مع الاعتراف بأن الجمال حالة وجدانية تختلف باختلاف النفوس والشعوب والأزمان .
فسيكون سهلاً علينا أن نناقش في المقالات التالية بهدوء وأسلوب علمي ، حالة الغليان المجتمعي التي تشهدها بلادنا حول حرية الإبداع .

حب الجمال…… بقلم : مهندس / محمود صقر


التربية على حب الجمال وتذوق الفنون ليست ترفاً ولكنها ضرورة تربوية واجتماعية.
فالتربية على رؤية مظاهر الجمال فيما أبدعه الله وفيما سوته يد الإنسان، ومحاولة الوقوف على أسرار الجمال فيها، والتأمل فيما يتجلى فيها من تكوين محكم، وتنسيق بديع، وفيما تضفيه على ما حولها من ظلال وأضواء، كل هذا يشحذ في الإنسان قوة الملاحظة، وصفاء الفكر، ورهافة الحس، وتنمية الذوق، وتزكية النفس.

وهذه التربية التي ندعو إليها هي عينها التي ربى الله تعالي عليها المؤمنين به من خلال آيات القرآن.
وتأمل معي قوله تعالى : " أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه "
هل نحن نفلح الأرض ونزرع الزرع كي ننظر إليه أم لناكله وننتفع بتجارته ؟

وتأمل قوله تعالى " والسماء بنيناها وزيناها" فهل السماء بنيت كضرورة من ضروريات بناء الكون؟ أم هي للزينة؟
في نظرة الإسلام للكون كلا الأمرين مطلوبين، المنفعة المادية، والاستمتاع بالجمال.
 


ولتأكيد المعنى ، تأمل معي قوله تعالى : " وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) " النحل ( 5 – 8 ) .
فالجمال عنصر أصيل في نظرة الإسلام فيما تقع عليه العين، وليست النعمة هي مجرد تلبية الضرورات من طعام وشراب وركوب، بل تلبية الأشواق الزائدة على الضرورات، تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنساني.


والتربية الإسلامية على حب الجمال لا تقف عند حدود المنظور والمسموع والمحسوس فحسب، بل تتخطاه إلى الخلق الإنساني، فالمتأمل في خطاب القرآن يلاحظ أنه يصف العديد من الأخلاقيات بوصف الجمال، مثل " الصبر الجميل". " الصفح الجميل". " الهجر الجميل". " السراح الجميل "، وكان من دعاء النبي (ص) "اللهم جملني بالتقوى، وزيني بالحلم."
ومع تجميل الخلق، تجميل السلوك الإنساني "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ " لقمان ( 19)
و"تبسمك في وجه أخيك صدقة "


وعليه فإن نظرتنا المنبثقة من نظرة الإسلام للجمال تتغلغل في كل دقائق حياتنا فيما تقع عليه العين أو تسمعه الأذن أو تشمه الأنف أو تلمسه الحواس، وكذلك في كل خلق إنساني نبيل يتمثل في حسن المعاملة، وفي كل سلوك إنساني يتعود على الإحسان في كل شئ من أعماله اليومية.
وبناءاً على هذه النظرة نصل إلى خصوصيتنا في رؤيتنا للجمال والتي تتمحور حول شمولية الجمال لحركة الإنسان في الحياة من ناحية ومن ناحية آخرى مهمة أن الجمال عندنا لا ينفصل أبداً عن الأخلاق، فالقيمة الجمالية تنضبط بالقيمة الخلقية، والقيمة الخلقية تتزين بالقيمة الجمالية.

نقول هذا ونحن على علم كامل بأن فلسفة الجمال بالمنظور الغربي ، تجعل منه قيمة قائمة بذاتها لا تقبل توجيه أو هيمنة القيمة الأخلاقية ، بل إن القيمة الجمالية في المفهوم الغربي قد تفقد قيمتها ومعناها إذا هيمنت عليها القيمة الأخلاقية.

وهذا أيضاً يمثل نقطة نزاع جوهرية في حرية الفن بين من يتبنى فلسفة الجمال بالمنظور الإسلامي ومن يتبناها بالمفهوم الغربي.
ونرى أن حركة المجتمع نحو النهضة المنشودة لن تؤتي ثمارها بغير الاهتمام بهذا الجانب الجمالي المنضبط بالخلق والسلوك.
لأن المجتمع الذي يعتاد على سماع ورؤية الأشياء القبيحة في شوارعه ووسائل إعلامه سيظهر حتماً أثر هذه المناظر في أفكاره وسلوكه .

الاثنين، 12 نوفمبر 2012

تطبيق الشريعة الإسلامية يحتاج إلى ثورة!………… حازم علي ماهر

 

جرت العادة في مصر عند الحديث عند أي تعديل للدستور أو عند وضع دستور جديد، أن يكون التركيز منصبًا على قضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو أمر وإن كان يعتبر مؤشرًا إيجابيًا على تمسك المصريين بشريعة دينهم، وعدم استطاعة أحد نزع حُب هذه الشريعة من قلوبهم، إلا أنه يكشف كذلك دائمًا عن العديد من الجوانب السلبية الخطيرة والمتجددة في منهج التعامل مع هذه القضية الأساسية، والتي تحتاج إلى ثورة فكرية تجديدية للخلاص من هذه السلبيات، وهي:
  1. عدم وضوح المقصود بمفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية عند الكثيرين؛ فمنهم من يضيق به حتى يحصره في “الحدود” و”فرض الحجاب على المرأة” وإطلاق اللحية بالنسبة للرجال (وهذا أمر يتساوى فيه بعض الذين يسمون بـ “السلفيين”، وكذلك بعض “العلمانيين”)، ومنهم من يتوسع فيه إلى درجة المساواة بينه وبين مفهوم “الحل الإسلامي” الشامل والذي يتعدى الجانب القانوني إلى ما عداه من جوانب الشريعة الأخرى.
  2. تصور أن الشريعة الإسلامية هي كيان تشريعي جاهز تمامًا للتطبيق، ولا تحتاج لاجتهاد جديد، أو حتى تدرج لفرضها على الناس، باعتبار أنها اكتملت باكتمال رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ (سورة المائدة: 3).
  3. تصور أن تطبيق الشريعة الإسلامية لا يمكن أن يتم إلا عبر نص دستوري واضح ومحدد ينص على مصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع، مما يجعل كل مساس بالدستور ينتج عنه معركة شرسة بين المؤيدين لتطبيق الشريعة والمعارضين له، تؤدي دائمًا إلى غفلة عن نصوص دستورية أخرى هي ذاتها قد تحول دون التطبيق الصحيح للشريعة بل ودون النهوض بالوطن نفسه، مثل تلك النصوص التي من شأنها ترسيخ الاستبداد والحكم الفردي، وتقنين الاعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم.
  4. عدم الإدراك الصحيح للبيئة السياسية والتشريعية والقضائية التي يراد تطبيق الشريعة الإسلامية فيها؛ فقد يتصور البعض –على سبيل المثال- أن المشكلة الأساسية والعائق الأكبر الذي حال دون تطبيق الشريعة هو أن نص المادة الثانية من الدستور يتحدث عن “مبادئ الشريعة” كمصدر رئيسي للتشريع، وليس عن “أحكام الشريعة” أو عن  ”الشريعة الإسلامية” بدون إضافة مبادئ أو أحكام، غافلين عن أن المشكلة الحقيقية لم تكن في النص الدستوري نفسه بل كانت تتمثل في انعدام الإرادة السياسية لتطبيق الشريعة، ووجود حاكم فرعوني استخف المحكومين فأطاعوه، وأن هذا الأمر –لا غيره- هو الذي دفع بالمحكمة الدستورية العليا إلى تحجيم النطاق الزمني والنطاق الموضوعي لنص المادة الثانية من الدستور، فجعلتها لا تسري على القوانين السابقة على نفاذ هذا النص بعد تعديله سنة 1980، وضيقت من مفهوم مبادئ الشريعة الإسلامية فحصرته في الأحكام الشرعية قطعية الثبوت والدلالة وحدها، وجعلت الخطاب في النص موجهًا للمشرع وحده وليس للقاضي كذلك، وبما أن المشرع –أي مجلس الشعب- كان تحت الهيمنة الكاملة لرئيس الدولة الذي هو نفسه رئيس السلطة التنفيذية، فإن المشرع لم يتحرك قيد أنملة نحو تفعيل هذا النص، فبقي شبه منعدم الأثر يستدعى فقط عند أي تعديل دستوري لإلهاء المواطنين عن إصدار المزيد من النصوص السالبة لحرياتهم وكرامتهم!
وإذا كانت هذه هي السلبيات -باختصار- فما هو السبيل إلى المنهج الصحيح في النظر إلى قضية تطبيق الشريعة الإسلامية؟
يحتاج الأمر إلى ثورة حقيقية للتخلص من تلك السلبيات والتوصل إلى التطبيق الصحيح المنشود للشريعة الإسلامية، ويمكن تلخيص معالم هذه الثورة في النقاط الآتية:
  1. الوعي بأن الشريعة الإسلامية وإن كانت قد اكتملت قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تطبيقها على الواقع يحتاج إلى وعي واجتهاد وتدرج في التنزيل حتى لا يساء تطبيقها فيردها الناس جملة واحدة.
  2. أن ندرك أن العبرة في الإلزام بتطبيق الشريعة الإسلامية ليست بالضرورة في وجود نص دستوري حاسم وجازم يضمن هذا التطبيق، بل إن العبرة تتمثل في وجود رأي عام قوي وواعي يؤمن بالهوية الحضارية الإسلامية للوطن، ويضمن هذا التطبيق ويحميه حتى لو كان النص الدستوري يكتفي بأن “الإسلام دين الدولة” فهذا وحده كافٍ للاستناد إلى مصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع باعتبار أن الدين الإسلامي لا يمكن فصل الشريعة فيه عن العقيدة، فضلا عن أن الوضع في مصر قد تغير الآن وأصبحت هناك إرادة سياسية معلنة بتبني تطبيق الشريعة في ظل وجود رئيس للدولة ينتمي إلى جماعة إسلامية كبيرة، واحتمالية وجود أغلبية برلمانية إسلامية في مجلس الشعب المقبل من السهل عليها –حينئذ- سن قوانين تستمد من الشريعة الإسلامية أيا كانت صيغة نص المادة الثانية من الدستور.
  3. أن ندرك أن الشريعة الإسلامية ليست حدودًا وحجابًا للمرأة فقط، فهي شبكة مترابطة من  عقيدة وشعائر (عبادات) وأخلاق ومعاملات، ولن يفلح أي تطبيق يتغاضى عن أي من هذه المكونات، ولاسيما العقيدة التي تحرم الشرك بالله سبحانه، ومن ثم تستلزم القضاء على “الشرك” الذي حال دون التطبيق الصحيح للشريعة الإسلامية، وهو “الاستبداد” الذي فضلا عن أنه يدمر الأخلاق، فإنه يمثل منازعة لله في حكمه، ويجعل من حاكم البلاد وكأنه إله يقول للشيء كن فيكون، مما جلب التبعية والفساد للبلاد، فأذل وأفقر العباد.
  4. إدراك أن فشل جميع تجارب تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحديث كان ناتجًا –في الأساس- عن التركيز المبالغ فيه على الحدود الشرعية التي تمثل الجانب العقابي في التشريع الإسلامي وعلى الاهتمام ببعض الجوانب الفرعية والشكلية الأخرى، غافلة عن أن الأولى كان البدء بتحرير الإنسان أولا من “شرك” الاستبداد، وإقامة الدولة العادلة الحرة المستقلة، والتي تحفظ للإنسان كرامته وحريته، وتضمن له عيشة هنية سوية، وبعد ذلك وليس قبله تطبق الحدود التي تبقى سياجًا منيعًا تحول دون تضييع مكتسبات تطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق مقاصدها.
  5. ويبقى بعد ذلك الإيمان بحقيقة أن تطبيق الشريعة الإسلامية في النهاية هو تطبيق “بشري” لنصوص إلهية، ومن ثم فهو سيكون دائمًا عاجزًا عن تحقيق الفردوس الأرضي لأن هذا سينافي سنة إلهية قضت بأن الإنسان خُلق في “كَبَد” ومشقة، وأن كل بني آدم خطاء، وأن واجبنا فقط أن نسعى غاية وسعنا إلى التخفيف على الناس والتيسير عليهم في إطار الالتزام بمرجعية الشريعة الإسلامية وبما يحقق مقاصدها ومكارمها.

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

هل يَفُك مُرسى عُقدة الإخوان؟ …………… مصطفى كمشيش



 خرج الرئيس مرسى من (ضيق) تنظيم الإخوان إلى (رحابة) العمل العام, فقد كان من قبل أحد المسئولين عن التنظيم (فقط) فأصبح مسئولاً عن الدولة (كلها)، ومعطيات التنظيم غير معطيات الدولة، وإدارة (تجانس) التنظيم تختلف عن إدارة (تنوع الدولة)، وخطاب التنظيم ووسائله وآليات اتخاذ القرار فيه جد مختلفة عن خطاب وسياسة لعموم الناس, ودرجة استجابة (عموم) الناس لن تكون كدرجة استجابة (أعضاء) التنظيم..
لقد صرح الفارس النبيل (أبو الفتوح) من قبل أنه تلقى اتصالاً هاتفيًا من د. البرادعى، قال خلاله إن الرئيس لم يوجه له أى دعوة للقائه منذ فوزه فى انتخابات الرئاسة, وقال أبو الفتوح إنه التقى بالرئيس قبل جولة الإعادة حينما كان الرئيس مرسى يسعى لحشد مؤيدى أبو الفتوح لمناصرته, لكن د. مرسى لم يتصل به منذ أن فاز.. ودعاه (النبيل) إلى لقاء الرموز السياسية والوطنية ويتحاور معهم لما فيه صالح الوطن.
وحسنًا فعل الرئيس مرسى حين استجاب أخيرًا, ودعا رموز القوى السياسية للقاء معه, وأعتقد أنه استدراك جيد من الرئيس, وخاصة فى ظل الظروف التى يمر بها الوطن والتحديات الضخمة داخليًا وخارجيًا.. وعلى اعتبار خلفية الرئيس مرسى الإسلامية فإنه أولى من غيره للالتزام بمبدأ (لأنه ليس بحديث): ما خاب من استخار ولا ندم من استشار.. ولا نستطيع أن نزايد على الرئيس حين نُذكر بأمر الشورى الصادر من رب العالمين لسيد الخلق (المعصوم) حين قال سبحانه: [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين[آل عمران:159], وقال سبحانه: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] سورة الشورى: آية 38‏.
كان الإخوان يعانون من عدم استجابة الأنظمة لهذه القيم, ودومًا كانوا يطالبون بها, وحينما أصبحت فى محل الاستحقاق لا المطالبة لم تحتمل (بعض) القيادات (قدرًا من الاختلاف) من بعض الرجال والشباب من أبناء التنظيم, مما بعث برسالة سلبية للمجتمع مفادها أنه إذا كانت قيادة الإخوان لم تحتمل اختلافًا (ما) من بعض شبابها ولم يكن علاج الاختلاف إلا بالفصل مع وجود مساحة للمشترك قد تصل إلى90% - فكيف يتعاملون مع غيرهم حيث لا تتجاوز مساحة المشترك 10%؟.
شباب إلكترونى
كثير من شباب الإخوان يتعامل مع شبكة الإنترنت, وقد لا يستطيع أن يتريث فى مساهمته التى يكتبها, أو يُقلب النظر فى منافعها وأضرارها, وأغلبهم يتعامل مع مخالفى الإخوان بحدة وعصبية, فلا يجد فى البرادعى إلا قبلة طبعها على خد أنجلينا جولى (قال أنصار البرادعى إنها بروتوكولية فى الحفلات), لكنه لا يتوقف بإنصاف مع خطاب د. مرسى لبيريز (قال أنصار مرسى إنه بروتوكولى فى الخطابات)، والإنصاف كان يقتضى القول إن هذه وتلك سيئة بنفس المقدار والدرجة.
لقد خاض شباب الإخوان هجومًا ضاريًا على معارضى الرئيس, وهم يتصورون أنهم (يُحسنون) صنعًا, ولم أدر كيف تحول شباب الإخوان (الخلوق) الذى تربى على مائدة القرآن والسنة إلى هذه الحدة والسخرية, فكم سخروا من حمدين صباحى (واحد خمنا) ومن البرادعى (وقبلته لأنجلينا جولى)، ومن أبى الفتوح وإخراجه من الجماعة, ومن القضاة ومن غيرهم.. لقد استحضر بعض شباب الإخوان الحديث الصحيح حينما قال صلى الله عليه وسلم لحسان ابن ثابت (اهجهم وروح القدس معك) دون إدراك الفارق الجوهرى والكبير بين هجاء حسان بن ثابت (للكفار) وهجاء شباب الإخوان (لبنى الأوطان).. حيث تعكس هذه القضية إشكالية ثقافية ضخمة, لعل الرئيس مرسى بحواراته مع القوى الوطنية يفككها فى عقلية كثير من شباب الإخوان (بل ولدى بعض رجالهم)، وهى استدعاء الآيات والأحاديث فى غير موضعها.
نفهم أن الدين هو المكون الرئيسى للرصيد الفكرى والمعرفى والثقافى لدى كثير من الإخوان, لكن يجب التفرقة بين آيات وأحاديث تتحدث عن صراع بين المشركين والمؤمنين لا يجوز الاستشهاد بها البتة فى حديث عن أبناء الوطن الواحد الذى أغلبه من المسلمين.. لقد أخطأ الإخوان (وغيرهم) كثيرًا فى المشهد السياسى المصرى منذ قيام الثورة حتى الآن,  وبدأت بعض الاعترافات البسيطة من الإخوان (وهذا نهج جديد) بهذه الأخطاء, فقد سمعنا د. مرسى أثناء الحملة الانتخابية يتحدث عن ثلاثة أخطاء (وقال مازحًا: خطأ كل شهر)، منها تشكيل الجمعية التأسيسية, والعجلة فى التصريح بعدم تقديم الجماعة مرشح للرئاسة, وتكلم د. البلتاجى عن تراجع الإخوان عن نجدة إخوانهم الثوار فى ملاحم محمد محمود وقصر العينى وغيرها, ثم عن شرعية البرلمان لا شرعية الميدان ونزول الإخوان لحراسة مجلس الشعب, ثم نزولهم فيما سُمى "جمعة الحساب" مما أدى للتشابك مع القوى التى سبقت وأعلنت النزول, وهكذا.
حينما عارض معارضون مثل هذه التصرفات (التى أقر الإخوان لاحقًا بأنها كانت خطأ) لم يسلم (عند معارضته إياها) من سهام نافدة, ورماح مصوبة, واتهامات شتى, دون أى إدراك (متواضع) أنهم (أى الإخوان) بشر يصيبون ويخطئون!!.
بعد اللقاء
لقد تحدث الأستاذ حمدين صباحى (ولتختلف معه ما شاء الله لك أن تختلف) بعد لقاء الرئيس عن مصر بأنها لا يمكن أن تكون علمانية, وعن ضرورة دعم ومساندة الرئيس (بالاتفاق معه حينًا وبالاختلاف أيضًا لتقويم مساره البشرى), وتحدث عن أن نجاح الرئيس هو نجاح لمصر والثورة وعن ترحيبه الفورى باللقاء لكسر حدة الاستقطاب, وعن ضرورة التوافق الوطنى, وأنه كما لا يجوز إقصاء غير الإسلاميين فلا يجوز أيضًا إقصاء الإسلاميين, وغير ذلك من الكلام الموضوعى.. كل ذلك حدث بلقاء واحد, فكيف لو أعقب اللقاء لقاءات, وكيف لو تم قبول بعض الاقتراحات لتتحول اللقاءات من شكليات إلى واقع ملموس؟, سيؤدى ذلك إلى تطييب قلوب الناس وإزالة هواجسهم ومخاوفهم, وكيف لا؟ وربنا ومولانا الخالق الأعلم بنفوس وقلوب من خلق قال: (ادفع بالتى هى أحسن, فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم), وهو القائل سبحانه (فبما رحمة من الله لنت لهم) أفلا يجب أن نلين نحن؟.
هل يتصور شباب الإخوان وبعض رجالهم أن السخرية والتهكم والهجوم ورمى التهم يُمكن أن يلطف الأجواء ويطيب الخواطر ويحقق سلامة المسيرة؟، هل يمكن أن يحول هذا النهج الخصوم إلى محبين أو محايدين؟، لا أدرى كيف تحول د.عصام العريان الذى كان يحظى بتواصل واحترام وتقدير (يستحقه) من كثير من القوى السياسية إلى هذه العصبية, وكذلك الجزار وأخيرًا البلتاجى (وكلهم كانوا رموزًا إصلاحية بامتياز)؟..
لقد سعى الإخوان بالتحالف الانتخابى قبل انتخابات مجلس الشعب, وعند تشكيل الجمعية التأسيسية إلى إشراك (الآخر) معهم, لكنه لم يتجاوز الشكل (إلى المضمون) لأن الإخوان (فى تركيبتهم الثقافية) يتصورون أن فهمهم هو أرقى الأفهام، وأنهم (لانحيازهم إلى الدين) ينحازون إلى (المُطلق)، وكيف لأحد أن يختلف مع (المُطلق)؟، دون إدراك أنهم ينحازون إلى (فهم معين للدين), كما أن مساحة الاجتهاد هى مساحة (حرة) لم يقل فيها الإسلام قولاً قاطعًا (كالحديث عن الدستور والتأسيسية ومجلس الشعب ونزول الميادين والسياسات الاقتصادية والخيارات المجتمعية)..
حينما قال د. البلتاجى إن ممدوح حمزة طلب منه المشاركة فى مشروع النهضة, ففضحه على الملأ, وكان الأجدى به أن يقنع إخوانه بإشراكه كسرًا لخصومته (وقبل أن يطلب), وكان من الممكن أن تسع صدور الإخوان ومقاعد السلطة بعض الصحفيين والإعلاميين والسياسيين المعارضين لمبارك لعلهم يجدوا (فى دولة الإخوان) ما لم يجدوه فى دولة مبارك حتى لا يظلوا على حالة عنادهم ومعارضتهم..
لقد أحسن من أشار على الإخوان بأهمية إشراك عصام سلطان وأبو العلا ماضى (صاحبا الخلاف الأشهر مع الإخوان منذ 1996) فى الجمعية التأسيسية ومحمد محسوب فى الوزارة.. هل يمكن مقارنة مواقف هؤلاء الآن مع مواقفهم السابقة؟.
لقد قلت يومًا فى أكثر من مجال (مقال وخطبة وحلقة فضائية) إن سيد الخلق بسط رداءه عند وضع الحجر الأسود ليسع الجميع, وكان ذلك قبل الإسلام, وأعطى مسلمة الفتح غنائم حُنين وحجبها عن (أنصاره), وكان بعض الناس يقولون (كان محمد أبغض الناس إلينا فظل يعطينا ويعطينا حتى صار أحب الناس إلينا)..
وأخيرًا: هل إذا أشرك الرئيس مرسى قوى المجتمع إشراكًا فعليًا (لا شكليًا) فى المشهد العام المصرى, وسار على دربه الإخوان فهل سيحقق ذلك (رضا) كل الناس؟، قطعًا لا.. فلم يؤمن برب العالمين (كل البشر), فكيف ببشر مع بشر.. لكنه سيقلل كثيرًا من الخصومة بل والعداوة.. لأنه بالعطاء ورحابة الصدر وسعة الأفق والسماحة وعدم التجريح تهدأ الخواطر وتطيب النفوس وتتحقق الأهداف..