الأربعاء، 29 فبراير 2012

إنه عبدالمنعم أبوالفتوح….. عبدالرحمن يوسف

 من أجل مصر.. أحب أن أرى كثيراً من المرشحين (المحسوبين على الثورة) يتنازلون عن ترشحهم لأنهم لا يهدفون سوى مصحلة مصر، ومصلحتها تقتضى ألا تتفتت الأصوات لصالح رئيس يكون حذاءً لكل منتعل من القوى الداخلية أو الخارجية.

إن المرشح الذى ينبغى دعمه فى هذه المرحلة هو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وإنى لأتشرف بأن أكون ضمن مجموعة من المثقفين الذين يدفعون تجاه هذا التصور، وقد بدأت صفحة جديدة على الفيس بوك تحت عنوان: أبوالفتوح وفريقه الرئاسى، وهى صفحة مفتوحة لكل المؤيدين للفكرة، ولكل الراغبين فى الإضافة إليها، ولكل المعارضين بالحسنى، وستكون الصفحة مكانا للحوار، ولكل من يريد أن يعلن تأييده لها من الشخصيات العامة، ولكل من يريد أن ينضم لها من المرشحين الذين لا يهدفون إلا لمصلحة مصر.

هى صفحة يقوم عليها الشباب، ويديرها الشباب، وكما طرح الشباب اسم الدكتور البرادعى فإنهم يطرحون اليوم اسم أبوالفتوح.

أما سبب اختيار الدكتور عبدالمنعم أو الفتوح، فذلك لأسباب:
أولاً: لأنه رجل سياسة، ورجل دولة، وهذا هو السبب الأول لانتخاب أى شخص فى هذا الموقع الرفيع، فلا يهمنى أن يكون عالماً حاصلاً على أعلى الشهادات بقدر ما يهمنى أن يكون سياسياً شريفاً مخضرماً، يجمع بين الحكمة والحزم، ويوفق بين انتمائه الفكرى ودوره الوطنى، ويلم بتحديات مصر الداخلية والخارجية، ويستطيع أن يدير عملية (رفع أنقاض النظام المخلوع) كما ينبغى لها أن تدار.
ولهذا السبب لن أرشح أستاذى الدكتور محمد سليم العوا، لأن تحفظى عليه أنه ليس رجل سياسة، بل هو رجل علم وفكر، وسامح الله من أقنعه بأن يغير موقعه، وأتمنى أن أراه فى مقامه الرفيع فوق كل مهاترات السياسة، كما تعودنا أن نراه دائماً.

ثانيا: لأنه مرشح وطنى، يقبل القسمة على جميع الاتجاهات، وهذا ما تحتاجه مصر الآن، تحتاج رئيساً ينتخبه الناس على أرضية وطنية، لا حزبية أو أيديولوجية، وخلفية أبوالفتوح الإسلامية لن تعيقه، لأن برنامجه يستهدف مصلحة الوطن لا التحدث باسم الدين، وقد اختبرناه حين تعارضت الانتماءات، فقرر أن يختار الانتماء الوطنى لا الحزبى.
ولهذا السبب لن أرشح رجلا محترما آخر هو الأستاذ حازم صلاح أبوإسماعيل، لأنك لا تستطيع أن ترشح هذا الرجل (المحترم) إلا على أرضية إسلامية، وهذا ليس عداءً منى للإسلام، وليس تقليلا من الفكر الإسلامى، ولكن لأن اللحظة الراهنة تحتاج إلى رئيس لكل الاتجاهات، وهذا لا يتوفر – فى رأيى المتواضع – فى الأستاذ حازم، وهذا لا يقلل من رصيده عند الناس، ولا يقلل من احترامى له، بل هو رجل من خيرة الرجال، ولكنى لا أراه الشخص المناسب لهذه اللحظة، وأتمنى أن يقبل منى أنصاره هذا الخلاف فى الرأى.

ثالثاً: لتاريخه فى مقاومة النظام السابق، وهذا بالنسبة لى أمر مهم، فأنا أريد أن أرى فى القصر الجمهورى شخصاً يعادى النظام السابق، ويحرص على تفكيك أخطبوط الفساد، وإخضاع الأجهزة الأمنية كلها وبلا استثناء لسيادة القانون، ولا أريد رئيساً يتصالح مع الأوضاع الملوثة التى تحكمنا مقابل أن يحظى بلقب (رئيس جمهورية)!

رابعاً: وجود حملته الرئاسية على الأرض فى أغلب المحافظات، واكتسابه لثقة ملايين المصريين بالفعل، وهذا ما يجعلنا نطلب من شخصيات محترمة مثل المهندس يحيى حسين والأخ الكريم خالد على الانسحاب، لأنه لا وقت لبدء حملة رئاسية الآن، ولن يكون هناك من أثر سوى السحب من مخزون أصوات مرشح آخر، يمكن أن يربح فنربح جميعاً، وإذا خسر فستخسر قضية التغيير.

خامساً: صفاته الشخصية القيادية، وإخلاصه الذى يعلمه الآلاف من الذين عملوا معه فى شتى المواقع، أو حبسوا معه فى سجون النظام.

حين نتحدث عن عبدالمنعم أبوالفتوح فإننا نتحدث عن زعيم وطنى من الطراز الأول، يجمع بين حزم الزعيم، ولسان الخطيب، وقلب الشاعر، وعقل الفيلسوف، وحيلة المدير، وحمية الشباب، وتروى الشيوخ، وجدعنة ابن البلد.

إنه طراز من الزعماء يستحق أن نضاعف نفعهم بفريق عمل على نفس المستوى، لذلك كم أتمنى أن أرى المرشحين المحترمين ينضمون فى فريق رئاسى مع هذا الرجل.

بقى أن أؤكد على أننى أحترم كل المرشحين المنتمين للثورة، ولكنى أختار هذا الرجل لأنه رجل المرحلة (فى رأيى المتواضع). وإذا لم يتحد جميع المرشحين فى فريق رئاسى واحد، فتأكدوا أننا سنحظى برئيس من الفلول، وأننا سنعطل ثورتنا لعدة سنوات حتى يدرك المصريون الخطأ الذى ارتكبوه بانتخاب مثل هذا الرئيس.

أتمنى أن أرى المناضل حمدين صباحى نائبا للرئيس، وأن أرى أحد شباب الثورة فى منصب النائب الثانى لرئيس الجمهورية، وأن أرى المستشار هشام البسطويسى نائباً عاماً، وأن أرى المهندس يحيى حسين وزيرا لقطاع الأعمال، وأن أرى الدكتور محمد سليم العوا فى موقعه الطبيعى كمفكر وأستاذ للأجيال، فى موقع يناسب عقله الفذ، وأن أرى كذلك الأستاذ حازم صلاح أبوإسماعيل فى موقع يليق بجماهيريته ومصداقيته، وأن تستفيد منه مصر بالشكل المناسب، فى أى موقع يليق به ويعظم من عطائه، كل ذلك ضمن فريق رئاسى يعد المصريين بتحقيق التحول الديمقراطى الذى سيجلب لهم الخير.

إن مساندة مرشح وإعلان ذلك أمر مهم، وأنا أعلن مساندتى وأعلن أمنيتى أن يتحد أهل الحق فى فريق واحد، لكى يقطعوا الطريق على أهل الباطل. أتمنى أن أرى رئيساً يدافع عن سائقه الشاب بجسده ضد لصوص يحملون رشاشات دون أن يخاف، ودون أن يعتبر نفسه أكبر من هذا العمل!
لقد ساهمت يوماً ما فى حشد المصريين – وخصوصاً الشباب – خلف الدكتور محمد البرادعى، وقد اختار البرادعى أن يكون ضميراً للأمة، وهذا موقع هو به جدير، واليوم.. أجد لزاما علىّ أن أدعم رئيسا يستطيع أن يحمى هذه الثورة، وأن يحقق مطالبها بلا تباطؤ أو عجز، وهذا الشخص.. بلا شك.. هو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وأتمنى أن يعلن الدكتور البرادعى دعمه لهذا الاختيار.

يا أيها المرشحون، ادعموا هذا الرجل، أو اتفقوا على مرشح ندعمه جميعا، أما بقاء الترشيحات بهذا الشكل فهو هزل فى موضع جد..
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..

عبد المنعم أبو الفتوح رئيسًا لمصر……… د. عمرو عبد الكريم


 شكّل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح –أحد أبرز رموز جيل السبعينيات- مثار إعجاب جيل كامل من شباب الحركة الإسلامية على مدار الربع قرن الأخير، متجاوزا التصنيف الضيق بين أفرادها.
كانت الكاريزما الخاصة التى يتمتع بها د. عبد المنعم من حيث اعتزازه بنفسه وبهويته وبوطنه،وقدرته على المواجهة فى المواقف الصعبة مصدر فخر وإعجاب كثير من الشباب.
 وكان عمله النقابى حيث نقابة الأطباء قلب العمل العام النابض على مدار سنوات طويلة مشهودًا ومؤثرًا حيث يجذب الناس بصدق حديثه واتساقه مع نفسه وتعبيره أفضل وأنقى تعبير عن الفكرة الإسلامية فى شمولها وصلاحها وصلاحيتها لمشروع النهضة لمصر.
 رجل دولة من الطراز الأول تقديرًا للمسئولية وإحساسا بثقلها، يتسم بالموضوعية والقدرة على اتخاذ القرارات فى أحلك المواقف، لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد من مسلمين وأقباط الكل عنده مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
 أشد ما أعجبنى فى د. عبد المنعم هو اتساقه مع نفسه وتصالحه الداخلى مع ذاته وتساميه عن الصغائر وعدم دخوله فى مهاترات الصراعات التى تبدد الطاقة وتشتت القوة(نحسبه ولا نزكى على الله أحدًا).
 هو مرشح رئاسة توافقى: فعلاً لا قولاً، وعملاً لا ادعاءً، تجتمع عليه كثير من التيارات السياسية المصرية (وخاصة الشباب) التى ترى فيه رمزًا وطنيًا كبيرًا يملك كل المقومات حيث يمثل مشروعه لنهضة مصر مشروعًا حقيقيًا يجمع القواسم المشتركة بين أغلب فئات الوطن.
 وهو أنصع المرشحين فى الجمع فى انسجام تام بين الهويتين الإسلامية والوطنية بلا تناقض موهم ولا شعارات مضللة.
 تجاوز عقبة التصنيف الضيق والانتماء الأضيق وأصبح خالصًا لمصر الوطن والكيان والمستقبل، تجاوز العمل ضمن الأطر الحزبية الضيقة وانفتح على مجالات أرحب من العمل الوطنى العام الذى يتشارك فيك الكل ويصنعه الكل ويعبر عن الكل، فلا فئوية ضيقة ولا حزبية متعنتة ولا أطر تنظيمية خانقة وفى الوطن متسع للجميع، وفى مدارات المستقبل أفق الحركة الأرحب.
 أشد ما أعجبنى فى د. عبد المنعم هو صدقه الشديد مع نفسه ومع الناس (وقبلهما مع ربه، نحسبه كذلك) فمن المعروف عنه أن ما يقوله داخل الغرف المغلقة يقوله فى الساحات العامة.
 نسيج وحده، وأمة وحده، لا يعرف منطق الخطابين: خطاب للداخل وخطاب للخارج، ولا يعرف دوائر العصبية: خطاب للمؤيدين وخطاب للمعارضين.
 أشد ما أعجبنى فى د. عبد المنعم هوأن خطابه السياسى لا يدغدغ مشاعر التيارات الإسلامية ويلاعبها بشعارات وتطلعات يدرك يقينا أنه لن يستطيع تنفيذها على الأرض، ولا يزايد على طموحات العلمانيين بأفكار يعلم يقينًا أنه لا سبيل إليها واقعيًا.
 لا يدعى كذبًا أنه المرشح الإسلامى الوحيد، ولا يخلع هويته وانتماءه إرضاءً لمن لا يرضى.
 أشد ما أعجبنى فى د. عبد المنعم هوأنه لا يزايد ولا يناور ولا يخادع ولا يخاتل، يقدم نفسه وفكره كما هو بقدراته الفعلية وحدود الطاقة المعروفة،فلا تحليق فى عالم الخيال، ولا وعود كاذبة تنطلى على كثير من الناس.
 لا يحسن اللعب على حبال المواقف بل ويترفع عنها، ويتعفف تعفّف النبلاء.
 أخلاق الفرسان هى ما يحكم حركته فى سعيه فى سبيل مشروع مصرى خالص يملك مقومات النهوض، وإبداعات المواجهة مع قوى الاستبداد فى الداخل والخارج، ولديه من الحكمة ما يمنعه من هدر مقومات الوطن والزج به فى مواجهات غير محسوبة قد تودى بالمستقبل، فلا اندفاع فى اتخاذ المواقف ولا هيّاب فى المواجهة.
 أشد ما أعجبنى فى د. عبد المنعم أن طرحه الفكرى طرح عاقل ومتوازن:مدرك لتعقيدات الساحة الدولية، فاهم لتشابكاتها، مستوعب للمصالح والارتباطات، مدرك لتباينات إنزال المشاريع الكبرى من عالم المثال والأفكار إلى عالم الواقع والحقائق على الأرض.
 قريب من الناس لا تشعر بحواجز تفصله عنهم يتعاطف مع آلامهم ويحترمها، ولا يعرف الاستعلاء عن حاجات الناس وضروراتها، يشعر بشعور الناس العاديين الذين لا ينتمون إلى أحزاب ولا جماعات.
 ملاحظة أخيرة
 إذا كان ثمة مشروع إسلامى مستقبلى لمصر فأصدق من يعبر عنه د. عبد المنعم أبو الفتوح.
 وإذا كان ثمة مشروع وطنى خالص لمصر فأصدق من يحمله د. عبد المنعم أبو الفتوح.
 وإذا كانت ثمة حاجة لرجل المرحلة ورئيس قادر على الخروج بمصر من النفق المظلم والعبور بها من عنق الزجاجة فلا أحسبه إلا د. عبد المنعم أبو الفتوح.
 وإذا كانت مصر بحاجة لقائد لديه رؤية وعنده رسالة وأهداف محددة، وقيم واضحة،وإمكانات بناء مشروع وطنى قوى فهو د. عبد المنعم أبو الفتوح.

أحاديث حول الفصل بين الدعوي والحزبي .. 2/3……….بقلم: د. محمد بريك


 تناولنا في الحلقة السابقة بشكل موجز تأريخا لمشكلة الجمع بين الدعوي والحزبي ، وكيف أن الممارسة التاريخية في السياسة الشرعية لم تكن تظهر بها تداعيات هذه المشكلة ، لأن الأداء السياسي لم يكن تنافسيا على السلطة إلا بمواجهة السلطة السياسية ذاتها عبر الخروج عليها ؛ فالظاهرة الحزبية بمفهومها الحديث هي جديدة على العرف الإسلامي ، وهذا ماجعل الفكر الإسلامي المعاصر يأخذ وقتا لتقبلها مع أنه كان يقبل بالنظام النيابي منذ القرن التاسع عشر.


وتناولنا كذلك .. تطور هذه المسألة داخل صفوف الحركة الإسلامية – الإخوانية خصوصا – وكيف أن هناك طروحات ظهرت في التسعينات إما بخصوص الفصل بين العمل الحزبي والدعوي ، أو في تحويل الجماعة لحزب ، وكيف أن هذه الأطروحات على اختلاف تقييماتها وموقفها من المشكلة كانت تعاني من غياب لرؤية استراتيجية كلية تضبط طبيعة الاحتياجات السياسية وأهدافها ضمن مشروع تغييري واضح ، وكيف أن هذه المشكلة ظهرت للسطح بعد الثورة.
أنشأ الإخوان حزبهم وتبنت الدعوة السلفية حزبا سياسيا ، وأعلن كلاهما الفصل الوظيفي والعضوي بين الدعوة والحزب ، ولكن مع تباين بين التزام بدرجة معقولة للسلفيين بهذا الأمر ، وعدم التزام إخواني واضح بالمسألة ؛ بل إن الوضع الحالي ازداد تفاقما في هذا الشأن حتى أن الكثير من الملفات السياسية التفصيلية والخاصة بتوجهات الحزب الإخواني من قضايا البرلمان وانتخابات الرئاسة يكون مصدرها الخطابي من قيادات في الجماعة ، مع ماهو معروف من تأثير شبه كامل على القرار السياسي المفصلي نفسه للحزب.
وهذا مايشير إلى أن الاعلان الأول كان انحناء لضغط سياسي أكثر منه قناعة ذاتية؛ لأن بناء هذه القناعة كان مقتضيا لمراجعة كاملة للبنى الفكرية والرؤية الحركية والبنى والمناخات التربوية والتنظيمية لجماعة الإخوان بعد الثورة وماأحدثته من موجات تغيير شاملة في السياق العام ، ولكن للأسف هذه المراجعات لم تحدث وإنما تمت الاستعاضة عنها بمبادرات للتطوير والتعبئة الداخلية، مع أنه لامعنى لتطوير حقيقي قبل إعادة النظر في المسارات الكلية والأطر البنائية لأي حركة أو دولة.
ونحن في هذه الحلقة الثانية ، نتناول المنطق خلف الفصل بين العمل الدعوي والعمل الحزبي وأبعاد هذا المنطق الديمقراطية والشرعية والدعوية.
المنطق الديمقراطي والقانوني
أما ديمقراطيا فبناء الدولة الحديثة يقضي بالحفاظ على دوائروسلطات متعددة داخلها ولكل دائرة حيزها الوظيفي الذي تهتم به ، فهناك دوائر للعمل المهني وأخرى للعمل المجتمعي والخيري وأخرى للحزبي التنافسي على مصادر السلطة التنفيذية ، وأخرى تمثل الجوانب الدينية والثقافية. وأن العمل الحزبي يعتمد على خطاب برامجي لاينبغي أن يستند إلى تقديم مصالح مباشرة مادية أو خيرية ، ولايستند على استخدام منابر دينية هي للجميع لأجل تحصيل مكاسب حزبية.
طبيعي أنه لأي ممارسة ديمقراطية منظومة قيمية معلنة أو مستترة تتوافق عليها الأغلبية الساحقة في عقد اجتماعي جديد ، وهي في حالتنا مباديء الشريعة الإسلامية. والإسلاميون كذلك قد قبلوا بالمنطق الديمقراطي فيما لايخالف القطعي من الشريعي ،ولكن مسألة الفصل الدعوي والحزبي ليست بأي حال من القطعي الشرعي .. بل كما سنرى أن النسق الشرعي نفسه يشي بها أصوليا وأخلاقيا وسياسيا. ولهذا فالالتزام بها ملزم ديمقراطيا وقانونا.
إذا وُجِدت جماعة مركزية تشتغل بالعمل الدعوي والوعظي ، والعمل النقابي، والعمل الخيري والتعليمي ، وفي نفس الوقت بالعمل الحزبي التي يتنافس على مصادر السلطة فمصر أمام مشكلة كبيرة وأمر يتصادم مع كل البديهيات الديمقراطية المنظمة للعمل الحزبي ، ونكون أمام بذور نظام شمولي. الموضوع ليس فقط من أن مآل اشتراك العمل الدعوي أو العمل الخيري مع الحزبي هو (رشي سياسية) تفيد التقدم لأي جهة تخلط بين هذه الدوائر في التنافس الحزبي؛ بل أن فكرة الدوائر المتوازية في الديمقراطية مهمة لأجل الحفاظ على مصالح الشرائح المجتمعية والتي لابد أن تتصادم ويكون لها أطراف متمايزة في تمثيلها وتصل (لتسويات) اجتماعية وسياسية.
العمل النقابي مثلا يعبر عن مصالح لطوائف مهنية ، والتعليم العالي يقوم بمهام التأهيل المعرفي والمهني لهذه الطوائف، وهناك مصالح لطبقات شعبية تتلقى الخدمة التي توفرها المهنة (طبية – هندسية – محاماة..)، وكل هذه المصالح وأطرافها تكون في مقابل سلطة سياسية منتخبة لها الحق في الإدارة السياسية (وليست الكاملة) لدوائر الدولة الوظيفية .. فإن تسيطر حركة أو حزب على كل هذه الدوائر مجتمعة .. فهي تستطيع أن تفرض رؤيتها المصلحية السياسية على هذه السياقات بشكل كلي وفوقي وغير متوازن (لأنه لايكون نتيجة تسوية مصلحية ولكن فرض أيديولوجي وبرامجي).. وهذا هو النظام الشمولي.
كذلك هناك دوائر خدمية في الدولة محرم على من يتواجد بها الانتماء الحزبي مثل الجيش والشرطة والقضاء ، فهي إما أنها تحتكر أدوات عنف ومهم الحيلولة بينها وبين أي ممارس للسلطة السياسية ، أو أنها لابد من تنزيهها عن أي شبهة محاباة لأدائها وظيفتها.
ونحن أمام مشكلة أخرى تتمثل في عزوف الجماعات الدعوية عن تسوية أوضاعها قانونا ووضع مكوناتها التنظيمية والمالية وعلاقاتها المختلفة تحت إطار الرقابة الرسمية ، مع أنها امتلكت أغلبية الثلثين بالبرلمان وهو أول سلطة سياسية منتخبة في النظام الجديد وتتحرك في علاقات دولية وشبكات اقتصادية متمددة.
المنطق الشرعي والدعوي
والفصل بين الدعوي والسياسي في تصوري يكون الأقرب للتصور الإسلامي وليس فقط أنه مسألة تجريبية خارج الحساب الشرعي.
وهو فصل على مستوى القيادة والتنظيم ، والمواقف والسياسات ، و الخطاب…




  • الفصل في القيادة والتنظيم هام إسلاميا .. فدخول الدعوة على خط السلطة والتنافس عليها مفسد لكليهما ،وهذا سبب عزوف الكثير من الأئمة الأقدمين في بناء علاقات مع السلطان حتى لو كان صالحا .. غير نصح من حين لآخر في عموميات وحقوق للرعية وقطعيات الديانة.. صحيح أن بعضهم كذلك كان له اجتهاد في بناء صلات عضوية (كالذهبي) ولكن العرف العام كما ذكرت..
وكل التجارب التي تحولت فيها الدعوة لحزب أو أنشأت حزبا مرتبطا بها لم تخل من ظهور لأمراض تربوية ودعوية ملموسة .. سواء في اضطراب النوايا حين تكون الأعمال الدعوية والخيرية مظنة التأثير الحزبي على الناس، والتنافس داخل الإطار الدعوي على المكتسبات الحزبية التي تقود لمصادر سلطة وهو إن يكن حادثا في أي حالة حزبية إلا أنه في حالة الجماعة الدعوية يهدم مثالها الأخلاقي، أو إقبال مجاميع عديدة من طبقات انتهازية على الانتماء للجماعة الدعوية بعد أن كانت تتهرّب من ذلك دهرا في وقت الاضطهاد، لأن طريقها للسلطة أصبح مفتوحا ..وهذا ماجعل الإمام البنا رحمه الله يميّز بين أن يكون الداعية سياسيا وهذا ضروري ، وبين أن يكون حزبيا وهذا مرفوض.

  • أما الفصل على مستوى المواقف والسياسات فهو أوضح شرعيا، ويظهر في تمييز الأصوليين بين دائرة الفتوى ودائرة الإمامة والسياسة. نراجع مثلا موقف النبي الكريم مع الحباب بن المنذر مرتين حين استفسر منه (أمنزل أنزلكه الله أم هي الرأي والحرب والمكيدة ، فلما أجاب صلى الله عليه وسلم بالثانية .. قال الحباب: ليس هذا برأي) ، ونراجع ماخطه الإمام القرافي في: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام ، وتوافق عليه جمهور الأصوليين.
والحزب السياسي حين يتقدم ببرنامجه فستكون الغالبية العظمي من بنوده هي في إطار الدائرة المدنية التي لاتتدخل فيها الشريعة اختصاصا ولكن تضع لها المقاصد العليا والمحددات العامة. وبالتأكيد أن هذا البرنامج سيحمل كذلك نقاطا مرتبطة بتصور شرعي قطعي أو ظني لبعض المسائل الاقتصادية والمجتمعية. ولكن مهمة الجماعة الدعوية هو التغيير في الخارطة المجتمعية حتى تتقبل هذه القواطع الشرعية فتكون الشريعة حينها استدعاء مجتمعيا أكثر من أنها تنزيلا سلطويا.. خصوصا أن هذا الخيار بالأخص هو خيار جماعة الإخوان في التعامل مع مسألة الشريعة وتطبيقها ، والكثير من هذه القطعيات تمثل مقاصد إسلامية في الحرية والتحرر والعدل الاجتماعي أكثر منها حدود نصية. المشروع الدعوي يطرح مقاصد إسلامية ويحاول التغيير المجتمعي ليتقبل المجتمع المنظومة الأخلاقية والقطعية خصوصا أن مبدأ السلطة السياسية التاريخية في الإسلام كان في تقليل مركزية السلطة وتمتين الفعل المجتمعي. 
و حين نأتي للبرمجة فهناك خيارات واسعة سواء في النظرة الشرعية للعديد من المسائل الاقتصادية والسياسية ، أو النظرة التجريبية وهي الأغلب، وتجبيس المشروع الدعوي الشامل في خيارت ضيقة على المستوى الشرعي أو التجريبي يعزلها عن القطاعات التي لاترضى بهذه الخيارات أولا ؛ ولذلك فلم تفرض جماعة الإخوان مذهبية فقهية بعينها . فكيف تفرض مذهب اقتصادي إسلامي بعينه يتجه لليمين أو لليسار؟ أو تصورا لشكل الدولة وطبائع العلاقات داخلها مثلا؟ أو خيارات استراتيجية تتباين إزاء ملفات السياسية الخارجية والأمن القومي؟
والأخطر أن في ذلك تهديدا على مدى تقبل المشروع الإسلامي بأبعاده القيمية والعقائدية وحتى السياسية العامة ، لأنك تدخل المشروع الدعوي وترهنه بمسائل قد تفشل أو تفلح في التطبيق.
وقديما أنكر الإمام أبو حامد الغزالي على من احتجوا بفهمهم لحديث الكسوف على قوانين الطبيعيين بقوله: من يظن أن الناظرة في هذا من الدين ، فقد جنى على الدين وضعّف أمره ؛ لأن هذه الأمور تقوم عليها أدلة حسابية لايبقى معها ريبة ، ثم يقول (وأعظم مايفرح به الملاحدة أن يصرّح ناصر الشرع بأن هذا – يعني التفسير العلمي للكسوف – وأمثاله على خلاف الشرع ؛ فيسهل عليهم إبطال الشرع ، إن كان أمثاله شرط ذلك).
وفي صحيح مسلم عن طلحة رضي الله عنه قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل فقال: "ما يصنع هؤلاء؟" فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن يغني ذلك شيئاً" قال: فأُخبروا بذلك فتركوه، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل. " 
والنبي صلى الله عليه وسلم لايقاس عليه في حالة الجمع بين البلاغ والإمامة لأنه نبي مكلف ، فضلا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان في غاية الحرص على التمييز بين هذه الدوائر المختلفة ، ولكن التجربة الإسلامية التاريخية والمعاصرة .. وحتى القريبة – تشي أننا أمام مشكلة كبيرة في التدخل غير الحميد وحتى القاصد لمصالح فئوية وسياسية ؛ فتجد فتوى بوجوب الدخول في الانتخابات كخيار سياسي، أو فتوى بالمشاركة في الاستفتاء وقول نعم ، أو في وجوب العصيان المدني أو تحريمه ، أو في شرعنة تدخل عسكري أجنبي لدولة عربية ، أو في شرعنة نظام سياسي مستبد وتابع وفاسد ..
وكل هذه الأمور إما أنها تخضع لنظر سياسي واستراتيجي لاتتدخل فيه الفتوى أصلا ، أو تخالف النظر الشرعي والسياسي معا. صحيح – لو ظهرت أمور توافق النظر السياسي عليها وارتبطت بقطعيات شرعية كدفع طاغية أو جهاد محتل ، فيمكن للفقيه الاعتماد على هذا في طرح فتوى ، ولكن في أغلب مسائل السياق التنافسي .. ليس فقط أن الأنظار تتعدد سياسيا ولكن هناك شبهة استخدام الفتوى لتمرير مصلحة حزبية. وكما أشرنا في الحلقة السابقة ، أن الخطاب الديني الثوري أيام الثورة الأولى لم يكن مستفزا للقوى السياسية لأنه كان معتمدا على مصالح وهموم.
ولهذا - فلاينبغي للفقيه والداعية أن يتدخلا في السياسات التفصيلية – خصوصا التنافسية - والتي تكون في غالبها تجريبية (من مسائل الإمامة والنظر الدنيوي) .. ولكن أن يرفعوا أصواتهم في حالة محددة وهي أن (يروا) مخالفة أي من هذه السياسات للقطعي الشرعي.
  • وهذا يدخلنا إلى الفرق بين الخطاب الدعوي والخطاب الحزبي السلطوي. الخطاب الدعوي حين يتعامل مع مسائل الشريعة يبينها بشكل واضح ومنسجم مع أولويات الخطاب وخصائصه اللغوية والشرعية. أما الخطاب الحزبي فحتى لو أحب أن يوصف نفس المسألة فلابد أن يتعامل معها بخطاب مختلف يراعي التنوع السياسي والعقائدي داخل محيط الوطن. وهذا بدأت الأحزاب الإسلامية – حتى السلفية – التطور في هذه المسألة.
المشكلة الأخرى .. أن هناك مسائلا متعددة يجب الخطاب الشرعي والدعوي أن يكون شديد الوضوح تجاهها ، ولكن الموقف والخطاب الحزبيين لهما شأن آخر. مثلا – إذا احتك الداعية بمسألة الحجاب فلابد أن يكشف الحكم الشرعي فيها بجلاء ، أما الحزبي فما ينشغل به هو مساحات أخرى لايكون من بينها اتخاذ موقف من الحجاب وفرضه مثلا ، بل حتى لو رأى الحزبي مثلا – وهذا أمر حاضر في الاتجاه السلفي دون الإخواني – تمديد سلطان الدولة لتتدخل في هذا الشأن ، فإنه لايرى ذلك – على حسب الخطاب الرسمي – ممكنا. بل حتى في مسائل العلاقات الخارجية سواء مع الإسرائيلي أو الأمريكي أو غيرها من القضايا.
فالخطاب الدعوي هو كاشف عن النظر الشرعي أولا ، ثم هو يعبر عن الحالة المجتمعية ثانيا ، وإذا اندمج الحزب مع الجماعة الدعوية ألزم أحدهما الآخر – دائما مايكون مقتضي النظر الحزبي حتى لو خرج من الجماعة – بخياراته ، وهذا مفسد لكليهما.. هو مفسد للحالة الشرعية بالطبع لأنه يدجنها في خيارات الحزب ، ويقلل من الحس المجتمعي الناهض ، وهذا بدوره يفقد حتى الحزبي في مقام السلطة أوراقا تفاوضية مع الخارج معتمدا فيها على التصعيد الشعبي.
ومن هنا يظهر أن الفصل بين العمل الحزبي والدعوي هو بديهية ديمقراطية يجب على التيارات الإسلامية الالتزام السياسي والقانوني بها – مادامت لاتخالف القطعي الشرعي ، وأنها تتماهى مع المنظور الشرعي والحس الرسالي من صيانة الحالة الدعوية والشرعية وفي نفس الوقت تمديد دورهما في حماية القطعي الشرعي وتفعيله شعبيا وكضغط سياسي في مسائل الدين والسياسة والاقتصاد.
—-
---------------------

الحلقة الثالثة نخصصها لتناول "تصور التجديد لوظيفة الحركات الإسلامية ورسالتها وما يلي ذلك من الوضع الأمثل لترتيب التمييز بين ماهو دعوي وماهو سياسي وحزبي."

فى الجمعية التأسيسية…..معتز بالله عبد الفتاح

 لو كان لى من بعض الاقتراحات بشأن الجمعية التأسيسية فأتصور أنها يمكن أن تكون ما يلى:

أولا: الفصل بين البرلمان والجمعية التأسيسية.
أتمنى أن يكون أغلب أعضاء الجمعية التأسيسية من غير البرلمانيين. وهذا لا يعنى ألا يكون هناك أعضاء فى الجمعية التأسيسية من البرلمان، ولكن ما أتمناه ألا تزيد هذه النسبة على ثلث أعضاء الجمعية التأسيسية. بحكم التعديلات الدستورية فإن البرلمان بكامل هيئته لن يتحول إلى جمعية تأسيسية كما فعلت دول أخرى؛ فهناك دول كثيرة تحولت فيها برلمانتها إلى الجمعية التأسيسية مثلما حدث فى الهند وباكستان والعراق وجنوب إفريقيا وأغلب دول أوروبا الشرقية، وهذا ليس مساويا لفكرة الدستور أولا التى نادى بها بعض الأصدقاء، وإنما هى كانت بالفعل برلمانات منتخبة واضطلعت بمهام كتابة الدستور عن طريق «لجنة» تعد النسخة الأولية من الدستور ثم يقوم البرلمان بالتصويت عليها. وفى بعض الأحيان يحدث العكس وهو تحول الجمعية التأسيسية إلى برلمان مؤقت مثلما حدث فى كمبوديا وناميبيا وتيمور الشرقية وتونس. وأحيانا نجد صراعا بين الاثنين مثلما حدث فى نيجيريا وأوغندا وكولومبيا. بل إن فى دولة مثل أوغندا، خرجت الجمعية التأسيسية عن سيطرة البرلمان فرفض البرلمان تخصيص الموارد اللازمة للجمعية التأسيسية بما جعل عملية كتابة الدستور تطول لمدة سبع سنوات إلى أن حصلت الجمعية التأسيسية على منحة خارجية. وقد أقدمت كينيا على بديل استثنائى بأن جمعت بين كل أعضاء البرلمان الـ 222 بالإضافة إلى 417 شخصا آخر، فترتب على ذلك صراع حقيقى بين أعضاء البرلمان وغيرهم بما جعل المواطنين يذهبون إلى التصويت بالرفض على مشروع الدستور لاحقا واضطروا للعمل عدة ثلاث سنوات أخرى حتى وصلوا إلى الدستور.

ثانيا، التطويل لا يعنى المزيد من الإجادة.
لا تبدو من تجارب دول العالم أن هناك علاقة سببية أو ارتباطية بين الوقت الذى أخذه كل دستور فى كتابته وبين درجة التوافق عليه أو المهارة فى صياغته. وهذا لا يعنى أيضا أن الدستور «يُسلق» فى أسبوعين. البولنديون كتبوا دستورهم فى الفترة من 1989 حتى 1997 واحتاجوا لأن يكتبوا دستورا مؤقتا قبل انتخابات 1993 لأن المسألة طالت أكثر مما ينبغى وفقدوا البوصلة والاهتمام ودخلوا فى صراعات جزئية كثيرة. بل إن أقدم دساتير العالم الديمقراطية وهو الأمريكى صيغ فى أربعة أشهر بعد نقاشات مستفيضة من الـ55 عضوا الممثلين للولايات الأمريكية المختلفة. وكانت خلفيتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية سببا فى أن كانت النقاشات، رغما عن سخونتها، بناءة بما فى ذلك الاتفاق على ما الذى لا ينبغى المساس به مثل قرار عدم إعطاء حقوق غير البيض والنساء حقوقهم، وتأجيل النقاش بشأن العبودية بسبب الخلافات الحادة بين ولايات الشمال التى كانت تريد إنهاء العبودية وولايات الجنوب التى أرادات الحفاظ عليها. وهنا درس آخر، وهو علينا أن «لا» نتجاهل مشاكلنا لأن هذا التجاهل هو ما أدى إلى حرب أهلية أمريكية بعد حوالى 100 عام أدت إلى موت وجرح حوالى 650 ألف إنسان. وهكذا دائما، ما لا يحله الدستور والقانون سيكون مادة خصبة للصراع وصولا للحروب.

ثالثا، الحجم الأكبر للجمعية ليس مزية. 
هذه نقطة حسمتها التعديلات الدستورية بأن جعلت عدد أعضاء الجمعية التأسيسية بمائة. وهو رقم معقول جدا مقارنة بالـ 500 عضو الذين شكلوا الجمعية التأسيسية فى أعقاب الثورة الفرنسية أو الـ 629 فى الحالة الكينية والتى كان العدد فيهما عبئا شديدا.

رابعا، البناء على ما سبق.
«إن النقاش حول أى وكل مادة فى الدستور يمكن أن يستهلك ساعات طوالا، ولكن المهم أن نوجه النقاش إلى ما هو ضرورى ومؤثر». وردت هذه العبارة فى كتاب عن تصميم المؤسسات فى مراحل التحول الديمقراطى. مصر فيها تاريخ دستورى جيد. وعلينا أن نستفيد مما ورد فى دستور 1923 ودستور 1945 ودستور 1971، وألا تتحول النقاشات داخل الجمعية التأسيسية إلى عملية «إعادة اختراع العجلة.» وهو ما يتطلب أن يكون هناك مجموعة من المتخصصين الذين يقومون بتوضيح التراث الدستورى لأعضاء الجمعية التأسيسية إن كان بينهم من لم يكونوا من المشتغلين بالقانون الدستورى أو العلوم السياسية.

خامسا، الاستفادة من تجارب الدول الأخرى.
العالم تطور كثيرا عما كان عليه آخر دستور لنا فى مصر ويمكن الاستفادة من تجارب هذه الدول. ومن التجارب التى أصبحت مطروحة بشدة هو فكرة «طرح الثقة البناء» المنصوص عليها فى المادة 67 من الدستور الألمانى والتى تقضى بألا يتم طرح الثقة بالحكومة إلا بعد وجود حكومة أخرى قد تم بالفعل الموافقة عليها بأغلب أعضاء البرلمان. وهناك العديد من الاجتهادات الأخرى لضمان التوازن بين الرقابة والاستقرار. وهى آليات يفترض أن تكون الجمعية التأسيسية على علم ببعض تفصيلاتها.
أخذا بما سبق، قام «بيت الحكمة» باقتراح مشروع قانون وآلية إدارية للجمعية التأسيسية للدستور وفقا للقواعد والإجراءات التالية والتى تجعلنا، إن طبقنا الإجراءات أن ننتهى من كتابة الدستور والاستفتاء عليه فى 90 يوما بشرط الانضباط والالتزام الكاملين بالإجراءات والجدول الزمنى المقترح بما يحقق ما يلى:
ضمان تمثيل كافة أطياف المجتمع من خلال ممثلين عن القطاعات الرئيسية به والتى يمكن تقسيمها إلى قطاعات سبعة، بحيث يُرشح عن كل قطاع ثلاثة أمثال العدد المحدد له من أعضاء الجمعية، وتقوم القطاعات والجهات المعنية بالمشاركة فى مسئولية الترشيح فى المواعيد المحددة وإرسالها إلى أمانة مجلسى الشعب والشورى، ليكون إجمالى الوعاء الانتخابى ثلاثمائة اسم على الأقل للقطاعات السبعة مجتمعة.
وعلى هذا الأساس، يكون هناك على الأقل ثلاثمائة اسم تُمَثِل الوعاء الانتخابى الذى يقوم السادة أعضاء مجلسى الشعب والشورى غير المُعينين بالانتخاب من داخله، على أن يتم انتخاب مائة اسم لعضوية الجمعية طبقا لما سيأتى بيانه فى آلية القطاعات السبعة، والتى من شأنها أن تحقق التوازن بين الإعلان الدستورى الذى ينص على انتخاب أعضاء الجمعية من قبل أعضاء المجلسين المنُتخَبين، وبين لا مركزية الترشيح بين أغلب قطاعات البلاد المؤثرة، بحيث يشارك كل قطاع والوحدات التابعة له فى مسئولية ترشيح مُمثليه.
ويتم انتخاب مائة عضو من الوعاء الانتخابى على أساس القواعد التالية:
  • القطاع الأول: وينتخب منه ثلاثون عضوا من العشرة أحزاب الأولى التى حصلت على أعلى عدد من المقاعد فى مجلس الشعب، بحيث يراعى التمثيل النسبى لكل حزب من حيث عدد الأعضاء المنتخبين من هذا القطاع مع نسبة مقاعد الحزب لإجمالى عدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين. وعليه فإن كل حزب يقوم بترشيح ثلاثة أمثال عدد الأعضاء الذين سيمثلونه فى الجمعية فى شكلها النهائى. وعلى سبيل المثال فإن الحزب الأول من حيث عدد المقاعد (حزب الحرية والعدالة) يقوم بترشيح 36 مرشحا من أعضائه (سواء من البرلمانيين أو غير البرلمانيين) على أن يقوم الأعضاء غير المعينين من مجلسى الشعب والشورى بانتخاب اثنى عشر منهم كى يكونوا أعضاء فى الجمعية التأسيسية. وهكذا مع كل حزب من الأحزاب العشرة الأولى الممثلة فى مجلس الشعب على النحو الوارد تفصيلا فى المشروع المقترح.
  • القطاع الثانى: وينتخب منه عشرة أعضاء من الأكاديميين، على ألا يقل تمثيل المرأة فيه عن ثلاثة أعضاء.
  • القطاع الثالث: وينتخب منه ثمانية أعضاء من بين النقابات المهنية واتحادات العمالية الثمانية الأوائل من حيث عدد المشتركين بها، مع انتخاب أعضاء مجلس الشعب لممثلين اثنين عن الفلاحين.
  • القطاع الرابع: وينتخب منه سبع شخصيات دينية إسلامية وثلاث مسيحية.
  • القطاع الخامس: وينتخب منه عشرة أعضاء ممن لهم خلفية عسكرية وحكومية ودبلوماسية، بحيث لا يكون أى منهم يعمل بالدولة وقت الترشيح، ولا يقل تمثيل المرأة فى هذا القطاع عن ثلاثة أعضاء.
  • القطاع السادس: وينتخب منه عشرة قضاة.
  • القطاع السابع: وينتخب منه عشرون عضوا، يتم ترشيحهم من قبل جميع الأحزاب ذات الهيئات البرلمانية، على ألا يقل تمثيل المرأة فى هذا القطاع عن أربعة أعضاء، وألا يقل تمثيل الأعضاء تحت سن الأربعين عن أربعة أعضاء.
هذا اجتهاد، وليقدر الله لهذا البلد خيرا.

ماذا عن الربيع الفقهي؟……….الكاتب: عبدالرحمن الفهد


 حينما وضعت الأصفاد في يدي شيخ الإسلام ابن تيمية وقيد إلى السجن عام 720 هـ، لم يكن الشيخ مجرما ولا خارجا على السلطان، كل ما في الأمر أنه أفتى بمسألة فقهية كانت مخالفة للرأي الشائع في ذلك العصر، هذه الحادثة تبدو بسيطة وغريبة حينما نقرأها بمعزل عن الصراعات الدائرة في ذلك المجتمع، إذ كيف يسجن عالم لأجل مسألة فقهية تتعلق بالطلاق؟ ألم يسع علماء ذلك العصر أن يردوا عليه ويبينوا خطأه وتنتهي الحكاية؟ ليست بتلك البساطة، حتى نفهم تفسير هذه الحكاية لابد أن نعود إلى ذلك المجتمع ونعيش تفاصيله، ونعرف الأفكار التي صاغت ذلك المجتمع حتى أصبح حادا في التعاطي مع الآراء المخالفة.
 إن ثمة مسائل فقهية ضُخمت في عصر شيخ الإسلام حتى أصبحت من المسلمات التي لا تقبل الخلاف، وحينما أفتى شيخ الإسلام خلافا للفتوى الدارجة، كانت فتواه في نظر الكثيرين شاذة وخارقة للإجماع، فكانت نهايته أن يقاد إلى السجن، لست مهتما بمناقشة تلك الفتوى وأدلتها، إذ إن كثيرا من الآراء تُقبل وترفض بتغير الزمان والمكان، حتى هذه الفتوى التي كانت تعد شاذة وخارقة للإجماع في عصر شيخ الإسلام، دارت رحى الأيام فأصبحت اختيار كثير من العلماء في زمننا المعاصر.
 لنتجاوز تلك الفتوى ونسأل السؤال الأهم: كيف صيغ المجتمع على رأي واحد حتى أصبح لا يقبل الآراء المخالفة؟ ماذا عن مشهدنا المعاصر هل لدينا قبول للآراء المخالفة المعتبرة؟ أم أننا نعيش في حقبة ليست بعيدة عن حقبة شيخ الإسلام في التعامل مع مسائل الخلاف؟ دعوني ألتقط مشاهد ثلاثة من واقعنا المعاصر، وأضرب لها أمثلة فقهية لبعض علماء هذا المجتمع.
 لعلها تجيب عن تلك التساؤلات :
المشهد الأول : صوتا التحريم والتحليل، أيهما أقوى ؟
في مجتمعنا ثمة معركة غير معتدلة في مسائل الخلافات الفقهية، إذ لو انقسم الفقهاء في مسألة ما إلى مجيز ومحرم، فإن فتوى التحريم ستنتشر في أوساط المجتمع أكثر من الطرف المقابل، لا لأن أدلة التحريم أقوى من غيرها بل لأن إنكار المنكر ارتبط ارتباطا وثيقا بفتاوى التحريم، فأصبح المناصرون لفتاوى التحريم  يسعون جاهدين لنشر فتواهم وتحذير الناس ونصحهم والإنكار عليهم، أما الطرف الأخر- الطرف المجيز- فسوف يؤمن بفتواه وكفى.
هذا الصراع غير المتكافئ مع طول الزمن يجعل أحد الطرفين هو الرأي الشائع والمعتبر، وما عداه لدى عامة الناس من الأقوال الضعيفة المطروحة.
لنأخذ مسألة “الإسبال” أنموذجا.
يفتح المجتمع عينيه في  الصباح على فتاوى التحريم في كل مكان، في المدرسة حين يدرس الطالب، ومع المصلي حين يذهب إلى المسجد، وفي نبرات أصوات المحتسبين ومريدي الأجر، وبين أسطر النشرات التي توزع هنا وهناك، وحين يغلق المجتمع عينيه في المساء، يكاد يوقن الجميع حينها أن الإسبال من المحرمات بل من الكبائر التي يجب الحذر والحيطة منها، حتى أصبح من الأمور المسلمة لدى معظم الناس، أن طول الثوب وقصره من أهم المعايير التي يحتكمون إليها للحكم على الآخرين بالصلاح من عدمه.
وحين نفتش أكثر، نفاجأ أن جملة من علماء المجتمع ذاته يفتون بأن الإسبال بلا كبرياء ليس محرما، فضلا أن يكون حدا فاصلا بين الانحراف والاستقامة، الشيخ البليهي مثلا والشيخان سليمان الماجد وخالد المصلح وغيرهم يفتون بعدم حرمة الإسبال بلا خيلاء، يقول الشيخ المصلح: ” فذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم إلى أن المحرم من الإسبال ما كان للخيلاء والبطر، وأما ما كان لغير ذلك فمنهم من قال بكراهته ومنهم من قال بإباحته… والذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الجمهور أقرب للصواب، ويقول الشيخ الماجد: ” ولهذا فإن الأرجح دليلا وتعليلا أنه يحرم من الإسبال ما كان لخيلاء، ولا يحرم ما كان لغير ذلك وهو قول الجمهور”.
صوت المجيز إذن ليس صوتا ضعيفا أو شاذا، بل هو صوت معتبر عليه “جمهور العلماء”، لكن هذا الكم الهائل من العلماء لم يشفع لهذا الرأي أن ينتشر، ليس لضعفٍ فيه،  بل لأن الميزان لدى المجتمع غير معتدل، والجهد المبذول في نشر فتوى التحريم أقوى من جهد المجيز، إن كان للمجيز جهد.
ضغط العامة:
الحديث عن العامة وأثرهم في العلماء هو حديث قديم، واجه معه العلماء هجوما شرسا حين خرجوا على الرأي السائد والدارج عندهم، لأن التغيير لا تقواه نفوس البسطاء، يخشون التجديد، ويسعون جاهدين أن يبقى الأمر على ما ورثوه، وفي المشهد المعاصر نأخذ حادثة الشيخ عائض القرني أنموذجا حين سئل عن الحجاب وحكمه، أفتى حينها أن ثمة علماء معتبرين أجازوا كشف الوجه ولهم أدلتهم القوية. انتهى حديثه
 لكن العاصفة التي أعقبت كلامه لم تنته بعد، ثارت ثائرة الكثيرين، طاردوه وألبوا عليه، حتى ضعف الشيخ أمام تلك العاصفة فقدم استقالته من المشهد ومضى، وأعلن أنه سيلزم بيته إذ لا طاقة له بمواجهة ذلك الطوفان، وكتب حينها قصيدة يرثي فيها ما واجه، وكان مما قال :
قلنا لهم هذه الأشياءُ حلَّلَها ** أبو حنيفة بل سُقنا البراهينا
 قالوا: خرقتَ لنا الإجماعَ في شبه ** مِن رأيِك الفجِّ بالنكراءِ تأتينا
إن المشكلة لا تبدأ مع صدور الفتوى وثَمَّ ردة الفعل المعاكسة، بل لا بد أن نعود إلى الخلف، إلى سنين ماضية، لنجد حينها أن الفتاوى عندنا تتشابه، والتعددية تكاد تكون معدومة، حتى صيغ المجتمع على رأي أوحد، وأصبح الرأي الفقهي المتداول جزءا من الدين المسلَّم به، فلا يرضى العامة بديلا عنه، أو أن يمس طرفه رأي مخالف غريب.
التربية وطول العهد:
في هذا المشهد ليس هناك نصح ولا دعاية، أو تحذير وإنكار كما في قضية الإسبال، وإنما فتوى ينشأ عليها الصغير حتى تكاد تكون من المسلمات عنده في آخر عمره، الشيخ سلمان العودة مثلا أخذ بوجوب الوضوء بعد أكل لحم الإبل في صغره، وكان هذا من المقررات في كافة المستويات في مجتمعنا السعودي كما يقول، حتى إذا ما كبر وقرأ ودرس الأدلة، تبين له أمر مخالف للدارج في مجتمعنا، فأصبح بعدها يؤمن أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، لكن ضمير الشيخ لم يساعده على ذلك كما يقول، حتى أصبح يشعر حينما يصلي بعد أكل لحم الإبل كما لو أنه صلى بلا وضوء.
مع أن المغيِّر هنا رجلُ علمٍ قرأ الأدلة فآمن بالتغيير، والقضية ليست من القضايا الشائكة المتعلقة بالعقيدة أو الأصول، إلا أن الشيخ يؤنبه ضميره، ويجد حرجا في أن يصلي بعد أكل لحم الإبل بلا وضوء، دعونا جميعا نتساءل هنا : هذه حالة شيخ، فكيف ستكون حالة العامي البسيط لو أرد أن يتغير بعد طول سنين، وترسخ أمر ما في دينه؟ إنها التربية وقلة الخيارات المطروحة المتاحة لدى المتلقي في مقتبل العمر، حتى إذا ما كبر ونشأ على ذلك الرأي، أصبح التغيير مؤنبا للضمير باعثا للقلق وعدم الارتياح.
ماذا بعد
لابد أن نعترف أننا أمام شريحة ضخمة في المجتمع السعودي تسعى جاهدة أن يبقى الخطاب الفقهي على ما تعودوه، وتؤمن إيمانا جازما أن الاختيارات الفقهية التي نشأت عليها هي جزء من الدين الصالح لكل زمان ومكان، ولهذا فهي تشنع على المخالفين، وترى أن الإفتاء بغير المتداول خروج عن إجماع المجتمع، وبلبلة للرأي السائد.
لكننا في المقابل لا بد أن نعترف أيضا أن المجتمع السعودي لم يعد مغلقا كما كان، وأن الخطابات الشرعية لم تعد تصنع محليا فقط، وأن التغييرات التي كانت تحصل للمجتمعات في عقود طويلة أصبحت تحصل في سنوات معدودة، ولهذا فقد نشأت شريحة أخرى شابة ترى أن الخطاب الفقهي المحلي لم يواكب تلك التغيرات، وتؤمن أن رفع سقف التحريم والتشنيع على المخالفين ليس كافيا للتمسك بتعاليم الدين، بل هي تبحث عن خطاب إقناعي يلامس واقعها أكثر من خطاب يسرد أحكاما شرعية.
هذه الشريحة الناشئة هي التي ستنمو مع الزمن، لأن المجتمعات كلها وليس المجتمع السعودي وحده تتجه إلى الانفتاح أكثر، وإلى تعدد مصادر التلقي، ولهذا فهي في لحظة انتظار أكثر من أي وقت مضى إلى فقهاء من الداخل يقتربون منها أكثر، ويرفعون أصواتهم بآرائهم، حتى وإن كانت مقلقة للعامة أو مزعجة لعلماء آخرين، دام أنهم استندوا على معتضد شرعي، ولم يبتدعوا رأيا أو يخرقوا إجماعا، فالهروب من المشهد كما فعل الشيخ القرني لا يحل المشكلة، والهمس بالفتوى بعيدا عن أذن العامة ليس حلا كذلك، يقول الذهبي عن شيخ الإسلام :
“لقد نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات، وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا، وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه، وبدّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المرّ الذي أدّاه إليه اجتهاده”.
كان في استطاعة شيخ الإسلام ألا يذهب إلى السجن لو أنه تهيب وأحجم كما أحجم غيره، لكنه حتى في مسألة الطلاق، قال الحق الذي أدى إليه اجتهاده و “جسر هو عليها”.

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

أوقفوا عارنا في غزة……….فهمي هويدي


 أما من نهاية لمسلسل عارنا في غزة؟.. إذ بعدما اشتركت مصر في حصارها وغضت الطرف عن اجتياحها، ها هي تشارك الآن في إظلامها!
(1)
الخبر أن محطة الكهرباء في غزة توقفت عن العمل في منتصف شهر فبراير/شباط الحالي، الأمر الذي أغرق القطاع في بحر من الظلام، وغاية ما حققته جهود الإنقاذ التي بذلت أنها لم تكد توفر التيار الكهربائي ست ساعات فقط في اليوم. الأمر الذي أعاد بعض الحياة للقطاع، وضاعف من عذابات مليون ونصف مليون فلسطيني أنهكهم الحصار المستمر منذ ست سنوات. ذلك أن انقطاع التيار الكهربائي لفترة تتراوح بين ١٤ و١٦ ساعة يوميا يعني تعطيل شبكة المياه ومن ثم انقطاعها عن آلاف البيوت، وتعطيل شبكات الصرف الصحي والمجاري والمخابز وتهديد حياة مئات المرضى الذين يعتمد علاجهم على استمرار الكهرباء (100 طفل في الحضانات و404 من مرضى الفشل الكلوي ونحو سبعين مريضا في العناية المركزة). في هذا السياق، أعلن رؤساء بلديات القطاع أن انقطاع التيار الكهربائي يوقف استخدام 200 بئر للمياه و40 مضخة صرف صحي وأربع محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي و10 من محطات التحلية المركزية والمئات من آليات جمع وترحيل النفايات وخدمات المستشفيات.

لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن الناس بدؤوا في تغيير أوقات نومهم بحيث تتزامن مع ساعات انقطاع التيار الكهربائي، لا سيما طلاب الثانوية العامة والجامعات. حتى عاداتهم الغذائية ونوعية أطعمتهم تم تغييرها بحيث لا تعتمد على الحفظ في الثلاجات. على صعيد آخر حذر بيان لوزارة الزراعة من احتمالات وقوع كارثة غذائية جراء استمرار انقطاع التيار الكهربائي. لأن السلة الغذائية لسكان القطاع المتمثلة في الزراعة والصيد البحري والثروة الحيوانية باتت مهددة بالخطر والتوقف العام، خاصة الآبار الزراعية والآلات التشغيلية ومصانع التعليب والفرز، إضافة إلى مزارع الدواجن المختصة بالتفريخ والإنتاج. هذا إلى جانب أن مئات المراكب والسفن البحرية أصبحت تصطف بلا حراك في ميناء غزة جراء نقص الوقود.
ذلك يحدث في شتاء قطبي شديد القسوة لم تعرفه غزة منذ ثلاثين سنة، لم تنخفض فيه درجة الحرارة بصورة غير محتملة فحسب، وإنما هطلت فيه الأمطار بغزارة شديدة، الأمر الذي ضاعف من معاناة سكان القطاع، خصوصا أولئك الذين يعيشون في الخيام ممن دمرت بيوتهم بسبب الاجتياح الإسرائيلي (خمسة آلاف بيت دمرت كليا و20 ألف دمرت بصورة جزئية).
ذلك كله مترتب على توقف أو شح السولار (الديزل). أما المعاناة المترتبة على عدم توفر بنزين السيارات فلها صور أخرى أهمها إصابة حركة النقل في القطاع بالشلل، وتكدس آلاف السيارات أمام محطات البنزين طول الوقت، انتظارا للمدد والفرج.
(2)
الكهرباء مشكلة في غزة، لأن الاعتماد فيها على الخارج بصورة رئيسية، خصوصا بعدما تكفل الإسرائيليون بتدمير محطة التوليد الخاصة بالقطاع أثناء الاجتياح الذي تم عام 2006. إذ منذ ذلك الحين أصبح للطاقة مصدران حيويان هما إسرائيل من ناحية ومصر من ناحية ثانية. وحسب تقديرات سلطة الطاقة والموارد الطبيعية في القطاع فإن تسيير الحياة الطبيعية يتطلب توفير 320 ميغاواط يوميا (الميغا وحدة قياس تعادل مليون واط). وهذه موزعة كالتالي: 120 ميغا من إسرائيل، وكانت مصر تزود مدينة رفح جزئيا بطاقة إجمالية قدرها 17 ميغا. أما محطة التوليد الخاصة بالقطاع فقد كان مقدرا لها -قبل تدميرها- أن تزود القطاع بما يعادل 140 ميغا، ولكنها لم تعمل بطاقتها. وكانت لا تكاد تنتج ما يعادل 70 أو 80 ميغا. وخلال السنوات الخمس الأخيرة تطور الأمر على النحو التالي، كما يقول المهندس كنعان عبيد رئيس سلطة الطاقة في غزة:

* في الفترة الواقعة بين عامي 2007 و2009 كانت محطة التوليد تعمل بصورة جزئية بعد توريد الوقود الصناعي لها من معبر أبوسالم بطاقة لم تتجاوز 60 ميغاواط، وكان الاتحاد الأوروبي هو الذي يدفع لإسرائيل قيمة الوقود.

* في نهاية عام 2009 قرر الاتحاد الأوروبي تحويل المبلغ المخصص لتمويل وقود المحطة إلى خزينة وزارة المالية في رام الله، ولا تعرف بالضبط ملابسات ذلك التحويل وإن كان المرجح أنه تم بضغوط من جانب السلطة هناك. وبسبب العلاقات المتوترة بين رام الله وحكومة غزة، فقد تراجعت بصورة تدريجية الكميات التي باتت ترسل إلى القطاع، بحيث أصبحت لا تكاد تغطي تشغيل مولدين من أربعة بمحطة الكهرباء، ثم أصبحت تشغل مولدا واحدا. وفي بعض الأحيان لم يكن يتم توريد أي وقود للقطاع، الأمر الذي أدى إلى إطفاء المحطة ووقف تشغيلها عدة مرات عام 2010 بحجة أنه لا توجد مبالغ لشراء الوقود.
استخدمت رام الله موضوع السولار سلاحا للي ذراع حكومة القطاع، وفشلت محاولات التفاهم حول الموضوع مع حكومة الدكتور فياض، الأمر الذي أدى إلى استمرار الأزمة، بحيث وصل العجز إلى 50% بمعنى أن الكهرباء المتوفرة غطت فقط نصف احتياجات الناس.
* في بداية العام الماضي (2011) أصبح القطاع يعتمد على الوقود المصري الذي يتم توصيله عبر الأنفاق. الأمر الذي أدى إلى تخفيض نسبة العجز بحيث وصلت إلى 32%. إلا أنه في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي بدأ التضييق على توصيل الوقود عبر الأنفاق، الأمر الذي أدى إلى إطفاء محطة الكهرباء بالكامل يوم 14 فبراير/شباط الحالي، ووصلت نسبة العجز إلى 70%.
* قبل إطفاء المحطة كان التيار الكهربائي يقطع 8 ساعات في نهار يوم و8 ساعات مسائية في اليوم التالي، أما اليوم الثالث فقد كان يمضي بلا قطع. وهو ما يعني أن التيار كان يقطع لمدة 16 ساعة كل ثلاثة أيام، لكن الأمر اختلف الآن، لأن قطع التيار أصبح يتراوح بين 14 و16 ساعة يوميا حسب الأحوال الجوية في القطاع.
(3)
الموضوع كله سياسي، وتفوح منه رائحة عدم البراءة من أوله إلى آخره. ذلك أن المحرك الأساسي لكل ما جرى هو أن في غزة حكومة مغضوبا عليها، من رام الله ومن الإسرائيليين ومعهم الأميركان، ومن أنظمة "الاعتدال العربي" ومصر من بينها. ولأن الأمر كذلك فالهدف النهائي هو كيف يمكن إسقاط تلك الحكومة. والأمر لا يقف عند ذلك الحد حيث يفترض أن ينتهي الأمر بإسقاط مشروع المقاومة، حتى ولو كان المظهر الذي بقي منها هو رفض الانصياع لإسرائيل والامتناع عن التنسيق الأمني معها.
لقد كانت هذه الفكرة وراء توقف الاتحاد الأوروبي عن تغطية قيمة السولار الذي يتم شراؤه من إسرائيل وتحويل تلك المبالغ إلى رام الله، التي استخدمتها بدورها للضغط على حكومة القطاع وابتزازها. ولم يعد سرا أن مصر ما زالت على موقفها الرافض للتعامل سياسيا مع حكومة حماس، وما زالت تعتبر وجود حماس في غزة قضية أمنية، لا يتعامل معها سوى رجال المخابرات العامة. وقد رأينا أن رئيس الحكومة السيد إسماعيل هنية قام بجولتين خلال الشهر الأخير زار خلالهما سبع دول واستقبل رسميا على أعلى مستوى فيها جميعا، وفي الرحلتين مر بمصر ولم يستقبله أحد من الرسميين، ولم يتمكن إلا من مقابلة الأمين العام للجامعة العربية وشيخ الأزهر ورئيس مجلس الشعب!
ثمة أسئلة عدة يثيرها المشهد من بينها مثلا: لماذا تم تقليص كميات الوقود التي كانت تصل عبر الأنفاق من مليون لتر يوميا إلى ربع مليون؟ وما دلالة حدوث ذلك التراجع مع قدوم الشتاء القارس؟ وماذا وراء التأجيل المستمر للوفاء بالوعود التي قطعها على أنفسهم رجال المخابرات العامة، بتزويد القطاع بما يعادل 30 ميغا بدلا من 17؟ ثم لماذا تتمسك مصر بأن يتم تزويد القطاع بكميات الوقود عبر معبر "كرم أبوسالم" الذي يتحكم فيه الإسرائيليون بحيث يسلم بعد ذلك إلى ممثلي السلطة في رام الله، في حين أن الأمر يمكن أن يكون أيسر كثيرا لو تم ذلك عبر رفح؟ علما بأن مرور الوقود عبر معبر كرم أبوسالم سوف يخضعه للضرائب الإسرائيلية، ثم ضرائب سلطة رام الله، الأمر الذي يعني رفع أسعاره وزيادة كلفته، بما يحمل المستهلك في غزة مزيدا من الأعباء بلا مبرر.
وليت الأمر وقف عند ذلك الحد، لأن الدلالة السياسية له أخطر. ذلك أن الفلسطينيين في غزة يريدون أن يتعاملوا مباشرة مع المصريين، لكن الموقف المصري بحرصه على توصيل الوقود من خلال معبر كرم أبوسالم يقحم إسرائيل في العلاقة ويحولها إلى وسيط بين المصريين وبين حكومة قطاع غزة. وهو أمر مدهش، حيث لا أظن أن تلك مجرد مصادفة.
تتضاعف الدهشة إذا علمنا أن ثمة دولا عرضت دفع ثمن الوقود الذي تحتاجه غزة شريطة أن يتم التوصيل من خلال معبر رفح وليس من المعبر الذي تتحكم فيه إسرائيل، علما بأنه معرض للإغلاق في أي وقت. ومعلوماتي أن هذه الدول أربع هي: الجزائر وليبيا وتركيا وإيران.
(4)
يوم 16 فبراير/شباط عقد المجلس التشريعي الفلسطيني اجتماعا على أضواء الشموع، تحدث فيه النائب الأول لرئيس المجلس أحمد بحر مناشدا الدول العربية وعلى رأسها مصر لكي تتدخل بصورة فورية وعاجلة لإنقاذ القطاع من الكارثة التي تتهدده.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان أحد مسؤولي سلطة الطاقة في قطاع غزة أنه تم تشغيل مولد كهربائي واحد في محطة توليد الكهرباء بالقطاع بعد
تزويدها بكمية محدودة من الوقود الصناعي عبر الأنفاق، وأن الاتصالات مستمرة مع المسؤولين المصريين "الذين وعدونا بحل الإشكال، لكننا لا نعرف المشكلة التي تحول دون تزويدها بما تحتاجه من وقود".
لقد قيل لي إن ثمة مشروعا لزيادة الطاقة التشغيلية لمحطة كهرباء سيناء لكي تزود القطاع بحوالي 40 ميغا. وقدرت تكلفة هذه العملية بمليون دولار سيوفرها بنك التنمية الإسلامي في جدة، إلا أن التنفيذ مرهون بموافقة السلطات المصرية. وثمة مشروع آخر يكلف 32 مليون دولار لربط فلسطين بشبكة الربط الثماني التي تضم إلى جانب فلسطين مصر والأردن والعراق ولبنان وليبيا وتركيا وسوريا. وسيتولى بنك التنمية الإسلامي تغطية هذه التكاليف أيضا. ورغم أن المبلغ معتمد لهذا الغرض منذ عام 2007، فإن سلطة رام الله اعترضت عليه حتى لا تستفيد منه حكومة حماس.
المسؤولون الفلسطينيون الذين تحدثت إليهم في الموضوع وآثروا ألا تذكر أسماؤهم حتى لا يثير كلامهم حساسية السلطات المصرية قالوا "إن موقف حكومة رام الله مفهوم، لكن موقف حكومة ما بعد الثورة المصرية مما يجري في غزة ليس مفهوما، ذلك أننا أصبحنا نطالب الآن بالموافقة على ما رفضناه في ظل النظام السابق. فقد رفضنا أن يسافر حجاج غزة من معبر كرم أبوسالم الذي يسيطر عليه الإسرائيليون، ونجحنا في تسفيرهم من معبر رفح، لكننا نفاجأ الآن بأن علينا أن نتزود بالوقود من مصر من خلال ذلك المعبر، ولا نجد أذنا صاغية حين نقول إننا لا نريد أن نتعامل مع مصر عبر وسيط إسرائيلي".
المحزن في الأمر أنه في حين تتعثر محادثات تزويد غزة بالطاقة من مصر، وتخضع لحسابات سياسية معقدة، فإن الغاز المصري يتم "إهداؤه" إلى إسرائيل بسعر رمزي، لكي ينعم الإسرائيليون بالضوء وبالدفء، بينما أهل غزة يعيشون في الظلام ويرتجفون من البرد. وتلك لقطة مخزية في مسلسل العار.

الاثنين، 27 فبراير 2012

هل هم كفار حقًا؟………..فهمي هويدي


 حين وصفت الصحفيين الغربيين الذين قتلهم النظام السورى فى حمص فيما كتبته أمس بأنهم «شهداء الحقيقة»، فإن ذلك أثار استياء البعض الذين تساءلوا غاضبين: كيف يمكن أن تصفهم بأنهم «شهداء» رغم أنهم «كفار» لا يدينون بدين الإسلام؟. كان بوسعى أن أتجاهل الملاحظة. إلا أننى وجدتها جديرة بالتوقف، لسبب جوهرى هو أن رمى الآخرين بالكفر أصبح شائعا ليس فقط فى أوساط المتدينين، ولكن فى محيط غيرهم أيضا. ذلك أن المتدينين الذين يصرون على رمى العلمانيين بالكفر بالله، يقابلهم على الطرف الآخر علمانيون يتهمون المتدينين بالكفر بالديمقراطية. والنتيجة واحدة، فى الدنيا على الأقل، هى اغتيال الآخر وإقصاؤه، إما بإخراجه من الملة أو بإخراجه من السياسة.

لست فى مقام الفتوى فى المسألة، رغم أننى لا أخفى استياء من الذين يسارعون إلى تكفير الآخرين دون اعذار أو نظر إلى فضائلهم التى يقدمونها لمحيطهم وللإنسانية. من ثم يغلقون فى وجوههم أبواب عدل الله ورحمته، لكننى أحتكم إلى فتوى فى الموضوع للشيخ محمود شلتوت، الإمام الأكبر، تضمنها كتابه الذى طبعته دار الشروق تحت عنوان «الإسلام عقيدة وشريعة» (ص 19)، إذ أورد تحت عنوان «الحد الفاصل بين الإسلام والكفر» ما نصه:

«من لم يؤمن بوجود الله، أو لم يؤمن بوحدانيته وتنزهه عن المشابهة والحلول والاتحاد، أو لم يؤمن بتفرده بتدبير الكون والتصرف فيه، واستحقاق العبادة والتقديس، واستباح عبادة مخلوق ما من المخلوقات، أو لم يؤمن بأن لله رسالات إلى خلقه، بعث بها رسله، وأنزل بها كتبه عن طريق ملائكته، أو لم يؤمن بما تضمنته الكتب من الرسل، أو فرق بين الرسل فآمن بالبعض وكفر بالبعض، أو لم يؤمن بأن الحياة الدنيا تفنى ويعقبها دار أخرى هى دار الجزاء ودار الإقامة الأبدية، بل اعتقد أن الحياة الدنيا حياة دائمة لا تنقطع، أو اعتقد أنها تفنى فناء دائما لا بعث بعده، ولا حساب ولا جزاء، أو لم يؤمن بأن أصول شرع الله فيما حرم وفيما أوجب، هى دينه الذى يجب أن يتبع، فحرم من تلقاء نفسه ما رأى تحريمه، وأوجب من تلقاء نفسه ما رأى وجوبه..

من لم يؤمن بجانب من هذه الجوانب أو حلقة من هذه الحلقات لا يكون مسلما، ولا تجرى عليه أحكام المسلمين فيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم بعضهم وبعض، وليس معنى هذا أن من لم يؤمن بشىء من ذلك يكون كافرا عند الله، يخلد فى النار، وإنما معناه أنه لا تجرى عليه فى الدنيا أحكام الإسلام، فلا يطالب بما فرضه الله على المسلمين من العبادات، ولا يمنع مما حرمه الإسلام كشرب الخمر وأكل الخنزير والاتجار بهما، ولا يغسله المسلمون إذا مات ولا يصلون عليه، ولا يرثه قريبه المسلم فى ماله، كما لا يرث هو قريبه المسلم إذا مات.

أما الحكم بكفره عند الله فهو يتوقف على أن يكون إنكاره لتلك العقائد أو لشىء منها ــ بعد أن بلغته على وجهها الصحيح، واقتنع بها فيما بينه وبين نفسه، ولكنه أبى أن يعتنقها ويشهد بها عنادا واستكبارا، أو طمعا فى مال زائل أو جاه زائف، أو خوفا من لوم فاسد، فإذا لم تبلغه تلك العقائد، أو بلغته بصورة منفرة أو صورة صحيحة ولم يكن من أهل النظر أو كان من أهل النظر ولكن لم يوفق إليها. وظل ينظر ويفكر طلبا للحق حتى أدركه الموت أثناء نظره، فإنه لا يكون كافرا يستحق الخلود فى النار عند الله.

من هنا كانت الشعوب النائية التى لم تصل إليها عقيدة الإسلام، أو وصلت إليها بصورة سيئة منفرة، أو لم يفقهوا حجته مع اجتهادهم فى بحثها، بمنجاة من العقاب الأخروى للكافرين، ولا يطلق عليهم اسم الكفر؛ إذ الشرك الذى جاء فى القرآن أن الله لا يغفره، هو الشرك الناشئ عن العناد والاستكبار، الذى قال الله فى أصحابه «وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا» ــ (الآية 14 من سورة النمل) 

ليه كده ياأبو الفتوح!!…. د.أكرم رضا


 من يعرف الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أو تعامل معه مرات قليلة بل من تابعه في حواراته ومواقفه يستطيع بكل بساطة أن يتصور السيناريو الذي تم به الاعتداء عليه
وسواء كان السبب سياسي أوجريمة سرقة فالسيناريو واحد
أي إنسان مهما كان موقفه أو موقعه في هذا الحدث سوف يناور أو يسايس او يحتمي بمرافقيه ولكن أبو الفتوح مختلف فهو يأبى أن يكون هناك اعتداء من حيث المبدأ بل ويسارع ليواجه هذه الفئة المتمادية ناسيا تماما أنه قرب الستين أو جاوزها وأن هناك مرض في القلب وأنهم مسلحون وهو أعزل وأنهم أعجزوا مرافقه السائق وأنه للأسف وحده دون كوكبة من المريدين والمتطوعين والراغبين ومدراء الحملة ورعاة التاييد لحمايته.
نزل أبو الفتوح من السيارة رغم ذلك كله وبدأ يقاوم للأسف وهو أعزل لا يحمل إلا سلاحا واحدا يستشعر فيه كل قوته : سلاح الحق الذي اقتنع به. 


نفس السلاح الذي جعله وهو شاب لا حول له ولا قوة يقف أمام أكبر رأس في الدولة لا ينتقي الكلمات لا يناور لا يسايس لا يتجمل يقول ما رآه من وجهة نظره أنه الحق ويومها قلنا رغم اعتزازنا بموقفه : ليه كده يا أبو الفتوح!!

نفس السلاح الذي أوقعه مع اخوانه في ما عكر الصفو وهو يتخذ المواقف ويدلي بالتصريحات القوية التي لو ترك أي واحد منهم نفسه لقال مثلها ولكن هو الالتزام ومراعاة الحال وفقه الأولويات والموازنات وأخف الضررين الذي كان هو نفسه يعلمه لتلامذته حيث يعاقبهم على مخالفة قائدهم حتى لو كان هوالمخطيء بالزحف على الرمال ويقول بصوته الجهوري المجلجل: التقدم على الصف مثل التأخر عنه يا شباب … النتيجة صف أعوج!
ويومها قلنا له : ليه كده ياأبو الفتوح!!


ولكن عند الموقف لا يتذكر أبو الفتوح الا انه يجب أن يعلن الحق الذي يراه "أنه يجب أن يكون هناك رجل قوي يحمل المشروع متكاملا تدعمه قوة شعبية واعية لضبط البلاد هذه المرحلة "ويدافع عنه بكل قوة ولو خالفه الجميع وقلنا له ايضا يومها : ليه كده يا ابو الفتوح!!
حتى عندما لجأ إليه أحد تلامذته لحل مشكلة زوجته التي غضبت وذهبت لبيت أبيها وارتضت هي بتدخله كان أول ما فعل قبل أن يسمع لهما أن قال لها: "تفضلي وعودي الى بيتك بعد إذن أبيك" - الذي رحب بالطبع -ونذكره وهو يقف بعيدا عن زوجها وهي تخرج من باب البيت تحمل حاجاتها يتعلق بها أطفالها وتتوجه إليه فيبتسم ابتسامته المغضبة ويشير نحو زوجها ويقول :زوجك هناك!! وسوف أحضر لزيارتكم غدا
ولم يحتاج ان يذهب غدا ولم يدخل في قيل وقال لأن هذا هو الحق الذي يراه أن ضبط العقول والموازين هو افضل حل للمشكلات
ويومها لم نقل له : ليه كده يأ أبو الفتوح!!


ومن أطرف ما أذكره هنا يوم جلس يستمع لخطيب شاب من تلامذته يصول ويجول فوق المنبر واضطرته الظروف أن لا ينتظر لتحيته ضمن ذلك الحشد من المعجبين به فأرسل صديقا مشتركا بينهما ليبلغه تحياته وإعجابه بأدائه ثم مال على أذنه وقال له مبتسما الدكتور عبد المنعم يقول لك (لف خمس لفات حول المسجد) وهي رسالة لا يفهمها إلا من عانى الإخلاص ولغة لا يدركها إلا صيارفة النيات وخبراء كشف الذائف منها!!) وابتسم الخطيب الشاب وقال وهو يضرب كف بكف : ليه كده يا أبو الفتوح!!!
هذه شذرات قد تبين طبيعة (أبو الفتوح) وطريقة مواجهته للمواقف والذي عاشره وتعامل معه في مواقفه المختلفة يدرك أكثر من ذلك ولكنها لمحات خفيفة تناسب رقة سرير المرض فلم نذكر مواقفه العملية الضخمة في كل ما شارك فيه ويعلمه الكثيرون.


ومن هنا نستطيع أن نتخيل ما تم في هذا الحادث أن (أبو الفتوح) نسي كل شيء إلا الحق ولم يحسب لتفوق خصمه في القوة حساب فنزل من سيارته واتجه الى الجناة يعرفهم في البدأ بنفسه بقوة ولكنهم جاؤا لتحقيق هدف معين . فلم يبالي وبدأ الاسد العجوز يقاوم في موقف كانت السياسة فيه أولى والمهادنة اولى وتأجيل الحق الكامل أولى من وجهة نظر آخرين إلا أن (أبو الفتوح) لا يذكر عند المواجهة شيء من ذلك لا يذكر الى أن يقاوم.


واحتدم الصراع وثار الاسد العجوز ولم يكن مقصد المعتدين قتله سواء كانوا سياسيين فكان يكفيهم رسالة الإرهاب المستمرة التي يريدون أن تعلن في البلاد أو كانوا مجرميين سارقين يريدون أن لا تتسع الجريمة الى قتل ويضربونه ليعجزوا مقاومته ولكن احتاج الجبل الثائر حتى يهمد وينهد الى عدة ضربات على رأسه الأشم وعلى جسده بمؤخرة البندقية حتى يهمد وينهار ويتهاوى ويترك مقاومته 
 …. وأراه وهو يذهب في إغمائته يمد يده مقاوما عنيدا.
ليه كده ياأبو الفتوح!!
ولكن لن تجدي معك تساؤلات فهذا أنت !
حبيبي وأستاذي منعني البعد من عيادتك ولكني أعودك على الاوراق وحتى نلتقي أقول لك طهور إن شاء الله وتعيش وتاخد غيرها يابطل
وفقك الله

الخميس، 23 فبراير 2012

عصام العريان ....التحليل النفسي لأزمة الإصلاحيين!.... عمرو ابوخليل

لأنه صديق قديم وشخص هام بالنسبة لي لما يمثله من قيمة فكرية ووطنية اكتسبت مكالمته لي أهمية خاصة زادها مضمون المكالمة بما حملته من أسئلة ودلالات وإشارات .. لذا كان واجباً عليَ الوقوف عندها في محاولة للإجابة والتحليل إن صح التعبير .
هو د.عصام العريان والذي تشرفت بصحبته في أواخر الثمانينات من القرن الماضي في عضوية اللجنة السياسية المركزية للإخوان المسلمين ممثلاً عن اللجنة السياسية بالإسكندرية كعضو بها قبل أن أكون مسئولاً لها في أخر عهدي بها ..
وكان لقائي الأخير به منذ حوالي العامين في الإسكندرية بناء علي دعوة كريمة منه للقائه حيث كان اللقاء صريحاً قوياً بغير حواجز لأنني أتعامل مع الشخص الذي أعرفه جيداً ...
إلي أن ظهر اسمه علي هاتفي يوم الاثنين الماضي (1/ نوفمبر/2010) حوالي الساعة الواحدة ظهراً ..فسررت كثيراً وقلت ربما يتصل ليعلمني بوجوده في الإسكندرية من أجل حوار جديد بيننا مثلما اعتاد أن يفعل من قبل  ...
ودون مقدمات جاء صوته داخلاً في الموضوع مباشرة : ألا يوجد لديك علاج لحالة أخيك ..؟ ويقصد أخي هو هيثم أبو خليل القيادي الإخواني والناشط الحقوقي.
رددت متعجباً: أي حالة يا دكتور ..؟
قال: الحالة الصحفية ..تصريحاته المتتالية والأمور التي يتحدث عنها وليس لها أصل ..
فقلت: عن أي تصريح تتحدث وعن أي أمور تقصد؟
رد قائلاً : ماذا يريد وماذا يقصد ألا يعلم أن الصحيفة التي تنشر له لها أجندة ولها موقف لا يخفي علي أحد ..!!
قلت له إن حدود علاقتي بما ينشره هو مثل علاقتكم بالأمر فلست وصيّا عليه ..
فرد قائلاً : هو يسيء لنفسه بتلك التصريحات والمواقف
فقلت له: علي حد علمي أن هذا ليس موقفاً فردياً خاصاً به بل هو يعبر عن مجموعة وتوجه داخل الجماعة
قال  ولماذا هو الذي يتصدر؟ وماذا يقصد بما يفعل؟
قلت له: التعبير عن رأيه الذي يري أنه من حقه أن يعلنه
قال: أنه بذلك يسير إلي طريق مسدود مع الإخوان وطريقته هذه لن تجدي أنه لو قال لهم الآن أقيموا الصلاة فلن يسمعوا ..
قلت له: وما الذي أوصل العلاقة إلي ذلك؟ ألم تكن البداية هي قرار الوقف في حقه والذي ألزمته فيه لجنة التحقيق ببعض الأمور وألتزم بها وعند الانتهاء من الثلاثة أشهر رفضوا عودة الأمور لطبيعتها رغم التزامه بالتوقف عن النشر؟.
فقال: إذا كان الناس رفضوا "اعتماده" فهل معني ذلك أن يحاربهم ويعلن الحرب عليهم؟! ..وهل الظروف مواتية لذلك؟ لابد أن ينظر في مجمل أحوال العالم وما يجري حولنا؟ ..ويعرف أن الحديث عن تعديل اللائحة أو شكل الانتخابات ليس هذا  وقته .. ثم إن الإخوان تعرضوا لمثل هذه المواقف كثيراً ولم تؤثر فيهم
قلت له: هذه هي المشكلة أننا مازلنا نكرر نفس الثقافة القديمة وأنه لاشيء يؤثر في الإخوان ..ولذا فأنا أعلم أن هذه المجموعة هذه المرة مصّرة علي تغيير هذا المفهوم  حتي نهايته والأستاذ مختار نوح في حواره الأخير مع المصري اليوم قال أن الفرق بينهم وبين مجموعة الوسط أنهم مصرون علي استمرارهم في الإخوان وأنهم سيدشنون تيارا معارضا داخل الإخوان وهم مصممون فعلاً علي فعاليات المؤتمر السابع لتأكيد ذلك.
قال: مع احترامي لكل من معه لكن الأمور لا تدار بهذه الطريقة
قلت: هل لديك استعداد إذا اتصلوا بك أن تدعوهم لحوار متكافئ متوازن بدون لغة النصح
قال: المكتب مفتوح ومن يريد أن يأتي أهلاً وسهلاً به ونحن لا نمنع أحدا.
قلت: لقد جاء المهندس خالد داود والمهندس حامد الدفراوي ورفض المرشد مقابلتهم!
قال: لم يرفض المرشد مقابلتهم ولكنهم عندما تطاولوا عليه رفض التطاول وأنهي النقاش ..ويا عمرو أنا أتصل بك بصفتك شقيق هيثم وأنا نصحت له تكراراً ولأنه يسيء لنفسه ولن يجدي ما يفعله..كانت هذه العبارات المكررة إيذاناً بانتهاء المكالمة مثلما بدأت ...!
إذن ما هي القصة وراء هذه المكالمة الطويلة التي امتدت ما يقرب العشرة دقائق ولماذا اخترت أن أكتب الآن ؟
هناك سجال طويل وحوار محترم بين أخي هيثم القيادي الإخواني والناشط الحقوقي وبين  قيادات جماعة الإخوان منذ فترة ليست قصيرة..ولم أشأ أن أتدخل في هذا السجال أو الحوار من قريب أو بعيد ..إلا إذا قابلت بعض الإخوان وفتحوا معي باب الحوار فأدلي فيه بما أراه فيما يحدث وينتهي الأمر ..لكن الدكتور عصام العريان لم يشأ إلا أن يدعوني للتدخل.
وها أنا أتدخل مجيباً علي سؤاله الأول: هل يوجد تشخيص لحالة أخي عندي كطبيب نفسي؟ هل يمثل سلوك هيثم أبوخليل سلوكاً مرضياً يحتاج للعلاج ؟
ولنبدأ بالسؤال نفسه قبل الدخول في الإجابة؛ هل السؤال مشروع أن يطرح في إطار حوار فكري بين طرفين ..؟
هل يصح أن يتهم أحد طرفي الحوار في إطار الأفكار الطرف الأخر بأنه مريضاً نفسياً ويحتاج لعلاج؟!
وننتقل للإجابة علي السؤال الذي طرح عليّ وبصفتي استشاري للطب النفسي، وهو السؤال الذي تستدعي الإجابة عليه أن نستحضر وقائع هذا الحوار والسجال الفكري والذي بدأ منذ عام تقريباً ومع انتخابات مكتب الإرشاد، والذي كان لشقيقي ولأعضاء آخرين من الجماعة مثل الدكتور إبراهيم الزعفراني والمهندس خالد داود والمهندس حامد الدفراوي ملاحظات عليها استدعت الدعوة لعمل لائحة جديدة والاعتراض علي طريقة الانتخابات .. لينفتح الأمر علي قضايا شائكة وعديدة حول الشوري في الجماعة ودور مجلس الشوري العام الرقابي علي مكتب الإرشاد والدعوة لوجود هيئة قضائية عدلية داخل الإخوان وصولاً لفصل الدعوي عن السياسي ..
قضايا كلها فكرية قابلة للحوار ترك فيها الحوار الموضوعي وتوقف الأمر عند الشكل؛ شكل طرح القضايا: هل من حق أفراد الجماعة أن يطرحوا هذه القضايا علي الإعلام ..؟ وهل يصح انتقاد تصرفات القيادة علانية ..؟ ليحتدم الحوار مرة أخري حول هذه النقطة .. فبين وجهتي نظر تري أن للجماعة قنواتها الشرعية التي يجب أن تسير فيها النصيحة كما يسمونها وبالتالي لا يصح الإعلان عنها أو التعاطي مع الإعلام بشأنها وبين وجهة نظر أخري تري أن الجماعة شأن عام ومن حق الجميع أن يعلم ما يدور بداخلها وأن هذه الشفافية هي الضمان لحماية الجماعة من الانحراف ولخروج الجماعة من حالة الشك والريبة التي يشعر بها الآخرون تجاهها وأن الآليات الداخلية عاجزة عن استيعاب الرأي المخالف لأنه لا توجد أطر عملية للتعاطي معه لسيادة منطق التنظيم السري علي واقع الجماعة ..
إذن القضية فكرية تتحمل الحوار والرأي والرأي الأخر...ومع ذلك أحالت جماعة الإخوان هيثم أبوخليل إلي لجنة تحقيق بتهمة هزّ ثوابت الجماعة من خلال التعاطي مع الإعلام! ورغم رفض هيثم لهذا المنطق إلا أنه أمتثل وحضر التحقيق وأعتبرها فرصة للإعلان عن رأيه وتوصيل هذا الرأي عبر محضر التحقيق ..وصدر القرار للأسف بإيقافه شهرا .. يبدأ بتاريخ بداية التحقيق الذي مر عليه أكثر من شهر ونصف ليغلظ المكتب الإداري بالإسكندرية العقوبة لتصبح ثلاثة أشهر مع اعتبار العقوبة بداية من صدور القرار ضارباً عرض الحائط بقرار لجنة التحقيق المشكلة لهذا الغرض!
تظلم شقيقي من هذا القرار ومن تغليظه وأعتبرها فرصة للحديث عن اللائحة وأوجه القصور فيها وعدم وجود لائحة عقوبات بها كذلك عدم وجود نص لحقوق الفرد داخل الجماعة ..
وحاول أن يفهم أكثر عن اللائحة التي استندت لها لجنة التحقيق والمكتب الإداري في عقابه وتغليظ العقوبة عليه فلم يحصل علي إجابة!
والتزم شقيقي بقرار اللجنة والمكتب الإداري رغم تعسفه لأنه في الحقيقة يعتز كثيراً بإنتمائة للجماعة ولا يري سبباً لخروجه منها
وكان هذا متجلياً لرفضه إعلان ما دار معه في التحقيق أو في قرار الإيقاف أو تغليظه وألتزم تماماً خلال فترة الإيقاف بعدم التعاطي مع الإعلام علي أساس أنها ستكون فرصة عند عودته للنشاط مع الإخوان أن يطرح الأمر برمته للنقاش والحوار الداخلي .. وانتهت الثلاثة شهور وثلاثة شهور غيرها ولم يقم من تحمس بإبلاغه قرار الإيقاف أو تغليظه بإبلاغه بعودته لممارسة نشاطه ..
في هذا الوقت وعلي التوازي كانت تتشكل جبهة المعارضة والذي جاء قرار دخول الانتخابات مجلس الشعب فرصة للإعلان عن نفسها والذي كان طبيعياً ومنطقياً أن يكون هيثم أبوخليل أحد أفرادها بل ومن مؤسسيها لأنهم عبروا عن عين ما يدعوا إليه وهو حق المعارضة داخل الإخوان دون اغتيال معنوي أو إبعاد قسري أو نفي الانتماء علي أساس أن الجماعة يجب أن تستوعب مثل أي كيان إنساني في العالم خلافات أفرادها من خلال أطر ولوائح منظم، ليكون رد فعل الجماعة عنيفاً فما بين نفي الإخوانية عن أعضاء جبهة المعارضة وبين الهجوم الشرس علي بعض رموزهم بدء بإتهام في الذمة المالية (م : خالد داود )  والإتهام بالعمل علي هدم الجماعة ( د: إبراهيم الزعفراني ) لتعلن جبهة المعارضة عن عقد مؤتمر للإخوان لطرح القضايا الفكرية لجموع الإخوان وشرعوا بالفعل بطريقة جدية في وضع أجندة المؤتمر وقائمة بالأوراق المقدمة من شخصيات مختلفة.
في كل هذا لم يخرج شقيقي عن ما يقوم به من كتابة المقالات أو إطلاق تصريحات التي يؤكد فيها علي ما يؤمن من أفكار لإصلاح الجماعة والتي يعبر فيها عن انتمائه  وعلي عدم اعترافه بأي تصريحات تصدر ضده تصادر حقه في الانتماء.
بناء علي كل ما سبق واستجابة لدعوة الدكتور عصام العريان لتشخيص حالة شقيقي هيثم أبوخليل النفسية لبيان إصابته من عرض نفسي من عدمه وحيث أنني ما كنت لأقف هذا الموقف من تلقاء نفسي لأسباب عديدة ليس هذا المجال لسردها فإني أري أن ما يجري لا يخرج عن كونه حوار فكري طبيعي من حق كل طرف أن يطرح وجهة نظرة بدون تجريح وأنه لا يحق لأي طرف أن يصادر علي الطرف الأخر أدواته في التعبير عن هذا الرأي طالما أنه مشروع عرفاً وشرعاً وقانوناً وأن الحديث عن الصحافة التي لها دور تؤديه أو انتماء لخدمة أجندة خاصة يحتاج إلي الاتفاق الملزم الصارم بعدم التعاطي مع الصحافة تماماً من جميع الأطراف بحيث لا يستسيغ طرف لنفسه ما يحرمه علي الآخرين والدكتور عصام العريان هو أكثر المعنيين بهذا الأمر فهو أكثر الوجوه الإخوانية الإعلامية التي تتعاطي مع الإعلام بكل أدواته واتجاهاته فلنعلنها مقاطعة وليدلنا أحد علي هذه الجريدة أو القناة التي من غير تجاه أو أهداف خاصة بها!
وبالتالي فإن الدعوة إلي تشخيص حالة المعارضين النفسية أو اتهامهم في ذممهم المالية أو نفي إخوانيتهم عنهم أو اتهامهم بهدم الجماعة هو ما يحتاج إلي التشخيص.
إنها حالة دفاعية نفسية هروبية من مواجهة القضايا الموضوعية الحقيقية إلي فتح موضوع فرعي وشكلي.. نتصور أنه القضية الحقيقية ونوهم الآخرين بذلك والتذرع الذي ساقه الدكتور عصام العريان مسئول الملف السياسي للجماعة بأن الظروف العالمية لا تسمح بفتح ملفاتنا الداخلية تذرع هو أول من يعلم تهافته .
فإن من يريد أن يواجه الواقع لابد أن يقوي بنيانه أولاً وما يحدث في كل أحزاب العالم بعد كل انتخابات من إعادة هيكلة الحزب المهزوم حتي يستعد للمعركة القادمة وما جري في حزب العمال البريطاني من فوز الأخ علي أخيه الشقيق في الانتخابات الداخلية بالحزب لهو نموذج فذ وبداية الانطلاق الخارجي.. والتعامل مع الواقع لن يكون إلا ببناء داخلي متماسك
إن أخطر ما في مكالمة الدكتور عصام العريان هو استغرابه من تمسك أخي هيثم بعضويته في الجماعة رغم انهم لا يريدون اعتماده علي حد تعبيره ..
إنه إسقاط الجنسية والذي يقاومه الناس جميعاً في كل الدول مهما كانت التهمة حتي مع من تزوجوا من إسرائيليات!
فمن يملك الاعتماد ومن يسقطه؟ إنه التخوين والتكفير ..ألسنا نصرخ ليل نهار لمن يرفض إعطاء الإخوان الشرعية ولمن ينتهك حقوقهم ويعتبرهم كلأ مستباحاً لأنهم إخوان ..إنه ليس من حق احد أن يحرم مواطنا مصرياً من موطنه..
ولو عدنا للتشخيص النفسي فلابد أن أقول: إنه التماهي والتماثل مع الجاني يا دكتور عصام ...إنه من كثرة الظلم الذي تعرضت له يتماهي المظلوم مع ظالمه ويشبهه في تصرفاته،  فيتعامل بعض أفراد جماعة الإخوان مع أفراد جبهة المعارضة تعاملا يشبه تعامل النظام مع معارضيه بالتجريح والتشويه بل الأنكي من ذلك أن صورت خلاف شقيقي مع الإخوان وهو خلاف فكري بأنه يحاربهم ويعلن الحرب عليهم!
ثم أكمل تشخيصي وأقول أنه في النهاية هناك أيضاً العناد المرضي الذي يؤدي لعدم إدراك الحق أو البحث عنه. فنحن نملك الحقيقة (ولقد تعرضت الجماعة لكثير من المواقف والمكتب مفتوح لمن يريد أن يأتي والمرشد رفض استمرار اللقاء لأنهم أساءوا إليه)..هكذا في نفس واحد يا دكتور عصام دون رحمة ..
إنه التماهي مرة أخري مع الظالم الذي يملك الحق وحده لأن المشكلة في الشعب الذي لا يعرف كيف يحكم !!!
لقد طلبت يا د. عصام التحليل النفسي لأخي فاضطررت أن أحلل الموقف كله نفسياً فهل نملك الشجاعة للاعتراف بالمشكلة؟ أم إننا سننكر فيما نسميه في الطب النفسي حالة الإنكار والذي تجعل المرض يتفاقم.
يا دكتور عصام .. إن حالة التبرير التي تعيشها مع نفسك منذ أن انضممت لمكتب الإرشاد تحتاج إلي حالة استبصار لأن من يسيء إلي نفسه هو من لا يري عيوبه بل ويتهم بها الآخرين.
لقد دفعتني دفعاً لكلام أغلفت عنه فمي كثيراً ..واليوم تكلمت ليس دفاعاً عن شقيقي هيثم أبوخليل ولكن دفاعاُ عن الحق والحقيقة . سامحكم الله
-----------------------------------------------------
كاتب هذا المقال هو أحد القيادات البارزة من جماعة الإخوان المسلمين في الثمانينات ورئيس إتحاد طلاب مصر ورئيس إتحاد جامعة الإسكندرية ومشرف القسم السياسي بالإسكندرية وحالياً استشاري الأمراض النفسية وعضو الجمعية المصرية للطب النفسي ومدير مركز الاستشارات الاجتماعية والنفسية بالإسكندرية ومؤسس قسم استشارات شبابية بموقع إسلام أون لاين