الاثنين، 6 فبراير 2012

المعارك الصغرى تهدر الطاقات الكبرى….. معتزبالله عبدالفتاح


ختمت مقالى بالأمس بالعبارة التالية: المؤشرات تؤكد أن مزيدا من الوقت يعنى أن المجلس الأعلى يحفر حفرة عميقة وتزداد عمقا كل يوم وهو لا يفكر كيف سيخرج منها.

أزعم أن المجلس الأعلى ومعه النخبة السياسية قررت أن تظل تعبث فى «الزراير» حتى لا تقرأ كاتالوج التحول الديمقراطى، وتسير على نفس النهج القديم الذى قال عنه الرئيس جمال عبدالناصر: «منطق التجربة والخطأ». وهو أمر خطير مع دولة بهذا الحجم ومع نخبة شبابية بهذا الفائض من الحيوية. إن السياسة هى فن التوفيق، وليس المفاضلة، بين الأهداف المتعارضة. وهذا فن لا يجيده إلا رجال الدولة ممن تمرسوا على ذلك وجُبِلوا عليه، ولا أرى أمامى فى المجلس الأعلى من يجيده، حتى وإن كان ما يتقنونه حقيقة هو الأعمال العسكرية.

أرجوكم فلنفكر جميعا فى خروج آمن للوطن، ولتكن نقطة البداية التعجيل بفتح الباب للانتخابات الرئاسية وأن يعود المجلس الأعلى إلى مهمته المقدسة عاجلا وليس آجلا.

لماذا التعجيل بانتخابات الرئاسة؟

هناك فراغ قيادة، وفراغ سلطة، وفراغ حكمة.

  • أما فراغ القيادة فيبدأ من معرفة ماهية القيادة: القيادة لابد أن يكون لها مشروع لبناء الوطن، قائم على رؤية للتحديات والاستجابات، والمشروع والرؤية لابد أن يحظيا بدعم شعبى يؤدى إلى مزيد من ثقة الناس فيه. القيادة قدرة: قدرة على إدارة توقعات الناس، وإلهامهم وإلهاب حماسهم من أجل مشروع وطنى غائب.
  • ثانيا، الدستور الجديد ضرورى أن ينجز فى أسرع وقت بالتوازى مع انتخابات الرئاسة أو بعدها مباشرة. الدستور ليس استكمالا بروتوكوليا لإجراءات التحول الديمقراطى وإنما هو عقد سياسى يضمن للناس حقوقهم وللمسئولين صلاحياتهم وللجميع التزاماتهم المتبادلة.
  • ثالثا، لابد من لجنة عليا لمراجعة جميع القوانين حيث إن القوانين التى ثار عليها المصريون لم تزل تحكمنا. وهو المعنى الكامن فى عبارة أننا تخلصنا من رأس النظام، ولم نتخلص من بقية النظام الذى هو القوانين السائدة والحريصون على عدم تغييرها. ولكن لدينا فى مصر مشكلة أخرى وهو الفراغ التشريعى الناتج عن غياب قوانين تعالج موضوعات بذاتها وعلى رأسها قوانين لإتاحة المعلومات وتنظيم تداولها، وقانون لضبط الأداء الإعلامى والصحفى وفقا لما هو متعارف عليه فى الدول الديمقراطية الحديثة. من حق الصحفى والإعلامى أن يقول كل ما يستطيع إثبات صحته كمعلومة ولكن ليس من حقه أن يختلق المعلومات التى تدعم وجهة نظره التى يقدمها للعالم كحقائق مسلمة.
  • رابعا، نحن بحاجة لأن نتحرك من خانة تسجيل المواقف البيروقراطية إلى بناء المؤسسات الحقيقية. العالم سبقنا، وقد تخلفنا عن الركب لأننا كنا محكومين، ولم نزل، بعقلية تسجيل المواقف وليس الإدارة بالأهداف. هذا أمر يحتاج إصلاحيا مؤسسيا حقيقيا أشك أن يكون المجلس الأعلى راغبا أو قادرا عليه الآن.
  • خامسا، دولة العدل ودولة الردع هو العنوان المطلوب لمستقبل دولتنا. هى دولة تقوم على العدالة بمعنييها الواسعين: عدالة أمام القانون وعدالة اجتماعية. ولكنها كذلك دولة الردع عن طريق احتكار العنف المشروع كما صحت بذلك اجتهادات دارسى الاجتماع السياسى منذ أيام ماكس فيبر فى عشرينيات القرن الماضى.
 مصر فى حالة مستحكمة من نزيف رأس مالنا البشرى والأخلاقى، ومعاركنا الصغرى تهدر طاقاتنا الكبرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق