الخميس، 23 فبراير 2012

عصام العريان ....التحليل النفسي لأزمة الإصلاحيين!.... عمرو ابوخليل

لأنه صديق قديم وشخص هام بالنسبة لي لما يمثله من قيمة فكرية ووطنية اكتسبت مكالمته لي أهمية خاصة زادها مضمون المكالمة بما حملته من أسئلة ودلالات وإشارات .. لذا كان واجباً عليَ الوقوف عندها في محاولة للإجابة والتحليل إن صح التعبير .
هو د.عصام العريان والذي تشرفت بصحبته في أواخر الثمانينات من القرن الماضي في عضوية اللجنة السياسية المركزية للإخوان المسلمين ممثلاً عن اللجنة السياسية بالإسكندرية كعضو بها قبل أن أكون مسئولاً لها في أخر عهدي بها ..
وكان لقائي الأخير به منذ حوالي العامين في الإسكندرية بناء علي دعوة كريمة منه للقائه حيث كان اللقاء صريحاً قوياً بغير حواجز لأنني أتعامل مع الشخص الذي أعرفه جيداً ...
إلي أن ظهر اسمه علي هاتفي يوم الاثنين الماضي (1/ نوفمبر/2010) حوالي الساعة الواحدة ظهراً ..فسررت كثيراً وقلت ربما يتصل ليعلمني بوجوده في الإسكندرية من أجل حوار جديد بيننا مثلما اعتاد أن يفعل من قبل  ...
ودون مقدمات جاء صوته داخلاً في الموضوع مباشرة : ألا يوجد لديك علاج لحالة أخيك ..؟ ويقصد أخي هو هيثم أبو خليل القيادي الإخواني والناشط الحقوقي.
رددت متعجباً: أي حالة يا دكتور ..؟
قال: الحالة الصحفية ..تصريحاته المتتالية والأمور التي يتحدث عنها وليس لها أصل ..
فقلت: عن أي تصريح تتحدث وعن أي أمور تقصد؟
رد قائلاً : ماذا يريد وماذا يقصد ألا يعلم أن الصحيفة التي تنشر له لها أجندة ولها موقف لا يخفي علي أحد ..!!
قلت له إن حدود علاقتي بما ينشره هو مثل علاقتكم بالأمر فلست وصيّا عليه ..
فرد قائلاً : هو يسيء لنفسه بتلك التصريحات والمواقف
فقلت له: علي حد علمي أن هذا ليس موقفاً فردياً خاصاً به بل هو يعبر عن مجموعة وتوجه داخل الجماعة
قال  ولماذا هو الذي يتصدر؟ وماذا يقصد بما يفعل؟
قلت له: التعبير عن رأيه الذي يري أنه من حقه أن يعلنه
قال: أنه بذلك يسير إلي طريق مسدود مع الإخوان وطريقته هذه لن تجدي أنه لو قال لهم الآن أقيموا الصلاة فلن يسمعوا ..
قلت له: وما الذي أوصل العلاقة إلي ذلك؟ ألم تكن البداية هي قرار الوقف في حقه والذي ألزمته فيه لجنة التحقيق ببعض الأمور وألتزم بها وعند الانتهاء من الثلاثة أشهر رفضوا عودة الأمور لطبيعتها رغم التزامه بالتوقف عن النشر؟.
فقال: إذا كان الناس رفضوا "اعتماده" فهل معني ذلك أن يحاربهم ويعلن الحرب عليهم؟! ..وهل الظروف مواتية لذلك؟ لابد أن ينظر في مجمل أحوال العالم وما يجري حولنا؟ ..ويعرف أن الحديث عن تعديل اللائحة أو شكل الانتخابات ليس هذا  وقته .. ثم إن الإخوان تعرضوا لمثل هذه المواقف كثيراً ولم تؤثر فيهم
قلت له: هذه هي المشكلة أننا مازلنا نكرر نفس الثقافة القديمة وأنه لاشيء يؤثر في الإخوان ..ولذا فأنا أعلم أن هذه المجموعة هذه المرة مصّرة علي تغيير هذا المفهوم  حتي نهايته والأستاذ مختار نوح في حواره الأخير مع المصري اليوم قال أن الفرق بينهم وبين مجموعة الوسط أنهم مصرون علي استمرارهم في الإخوان وأنهم سيدشنون تيارا معارضا داخل الإخوان وهم مصممون فعلاً علي فعاليات المؤتمر السابع لتأكيد ذلك.
قال: مع احترامي لكل من معه لكن الأمور لا تدار بهذه الطريقة
قلت: هل لديك استعداد إذا اتصلوا بك أن تدعوهم لحوار متكافئ متوازن بدون لغة النصح
قال: المكتب مفتوح ومن يريد أن يأتي أهلاً وسهلاً به ونحن لا نمنع أحدا.
قلت: لقد جاء المهندس خالد داود والمهندس حامد الدفراوي ورفض المرشد مقابلتهم!
قال: لم يرفض المرشد مقابلتهم ولكنهم عندما تطاولوا عليه رفض التطاول وأنهي النقاش ..ويا عمرو أنا أتصل بك بصفتك شقيق هيثم وأنا نصحت له تكراراً ولأنه يسيء لنفسه ولن يجدي ما يفعله..كانت هذه العبارات المكررة إيذاناً بانتهاء المكالمة مثلما بدأت ...!
إذن ما هي القصة وراء هذه المكالمة الطويلة التي امتدت ما يقرب العشرة دقائق ولماذا اخترت أن أكتب الآن ؟
هناك سجال طويل وحوار محترم بين أخي هيثم القيادي الإخواني والناشط الحقوقي وبين  قيادات جماعة الإخوان منذ فترة ليست قصيرة..ولم أشأ أن أتدخل في هذا السجال أو الحوار من قريب أو بعيد ..إلا إذا قابلت بعض الإخوان وفتحوا معي باب الحوار فأدلي فيه بما أراه فيما يحدث وينتهي الأمر ..لكن الدكتور عصام العريان لم يشأ إلا أن يدعوني للتدخل.
وها أنا أتدخل مجيباً علي سؤاله الأول: هل يوجد تشخيص لحالة أخي عندي كطبيب نفسي؟ هل يمثل سلوك هيثم أبوخليل سلوكاً مرضياً يحتاج للعلاج ؟
ولنبدأ بالسؤال نفسه قبل الدخول في الإجابة؛ هل السؤال مشروع أن يطرح في إطار حوار فكري بين طرفين ..؟
هل يصح أن يتهم أحد طرفي الحوار في إطار الأفكار الطرف الأخر بأنه مريضاً نفسياً ويحتاج لعلاج؟!
وننتقل للإجابة علي السؤال الذي طرح عليّ وبصفتي استشاري للطب النفسي، وهو السؤال الذي تستدعي الإجابة عليه أن نستحضر وقائع هذا الحوار والسجال الفكري والذي بدأ منذ عام تقريباً ومع انتخابات مكتب الإرشاد، والذي كان لشقيقي ولأعضاء آخرين من الجماعة مثل الدكتور إبراهيم الزعفراني والمهندس خالد داود والمهندس حامد الدفراوي ملاحظات عليها استدعت الدعوة لعمل لائحة جديدة والاعتراض علي طريقة الانتخابات .. لينفتح الأمر علي قضايا شائكة وعديدة حول الشوري في الجماعة ودور مجلس الشوري العام الرقابي علي مكتب الإرشاد والدعوة لوجود هيئة قضائية عدلية داخل الإخوان وصولاً لفصل الدعوي عن السياسي ..
قضايا كلها فكرية قابلة للحوار ترك فيها الحوار الموضوعي وتوقف الأمر عند الشكل؛ شكل طرح القضايا: هل من حق أفراد الجماعة أن يطرحوا هذه القضايا علي الإعلام ..؟ وهل يصح انتقاد تصرفات القيادة علانية ..؟ ليحتدم الحوار مرة أخري حول هذه النقطة .. فبين وجهتي نظر تري أن للجماعة قنواتها الشرعية التي يجب أن تسير فيها النصيحة كما يسمونها وبالتالي لا يصح الإعلان عنها أو التعاطي مع الإعلام بشأنها وبين وجهة نظر أخري تري أن الجماعة شأن عام ومن حق الجميع أن يعلم ما يدور بداخلها وأن هذه الشفافية هي الضمان لحماية الجماعة من الانحراف ولخروج الجماعة من حالة الشك والريبة التي يشعر بها الآخرون تجاهها وأن الآليات الداخلية عاجزة عن استيعاب الرأي المخالف لأنه لا توجد أطر عملية للتعاطي معه لسيادة منطق التنظيم السري علي واقع الجماعة ..
إذن القضية فكرية تتحمل الحوار والرأي والرأي الأخر...ومع ذلك أحالت جماعة الإخوان هيثم أبوخليل إلي لجنة تحقيق بتهمة هزّ ثوابت الجماعة من خلال التعاطي مع الإعلام! ورغم رفض هيثم لهذا المنطق إلا أنه أمتثل وحضر التحقيق وأعتبرها فرصة للإعلان عن رأيه وتوصيل هذا الرأي عبر محضر التحقيق ..وصدر القرار للأسف بإيقافه شهرا .. يبدأ بتاريخ بداية التحقيق الذي مر عليه أكثر من شهر ونصف ليغلظ المكتب الإداري بالإسكندرية العقوبة لتصبح ثلاثة أشهر مع اعتبار العقوبة بداية من صدور القرار ضارباً عرض الحائط بقرار لجنة التحقيق المشكلة لهذا الغرض!
تظلم شقيقي من هذا القرار ومن تغليظه وأعتبرها فرصة للحديث عن اللائحة وأوجه القصور فيها وعدم وجود لائحة عقوبات بها كذلك عدم وجود نص لحقوق الفرد داخل الجماعة ..
وحاول أن يفهم أكثر عن اللائحة التي استندت لها لجنة التحقيق والمكتب الإداري في عقابه وتغليظ العقوبة عليه فلم يحصل علي إجابة!
والتزم شقيقي بقرار اللجنة والمكتب الإداري رغم تعسفه لأنه في الحقيقة يعتز كثيراً بإنتمائة للجماعة ولا يري سبباً لخروجه منها
وكان هذا متجلياً لرفضه إعلان ما دار معه في التحقيق أو في قرار الإيقاف أو تغليظه وألتزم تماماً خلال فترة الإيقاف بعدم التعاطي مع الإعلام علي أساس أنها ستكون فرصة عند عودته للنشاط مع الإخوان أن يطرح الأمر برمته للنقاش والحوار الداخلي .. وانتهت الثلاثة شهور وثلاثة شهور غيرها ولم يقم من تحمس بإبلاغه قرار الإيقاف أو تغليظه بإبلاغه بعودته لممارسة نشاطه ..
في هذا الوقت وعلي التوازي كانت تتشكل جبهة المعارضة والذي جاء قرار دخول الانتخابات مجلس الشعب فرصة للإعلان عن نفسها والذي كان طبيعياً ومنطقياً أن يكون هيثم أبوخليل أحد أفرادها بل ومن مؤسسيها لأنهم عبروا عن عين ما يدعوا إليه وهو حق المعارضة داخل الإخوان دون اغتيال معنوي أو إبعاد قسري أو نفي الانتماء علي أساس أن الجماعة يجب أن تستوعب مثل أي كيان إنساني في العالم خلافات أفرادها من خلال أطر ولوائح منظم، ليكون رد فعل الجماعة عنيفاً فما بين نفي الإخوانية عن أعضاء جبهة المعارضة وبين الهجوم الشرس علي بعض رموزهم بدء بإتهام في الذمة المالية (م : خالد داود )  والإتهام بالعمل علي هدم الجماعة ( د: إبراهيم الزعفراني ) لتعلن جبهة المعارضة عن عقد مؤتمر للإخوان لطرح القضايا الفكرية لجموع الإخوان وشرعوا بالفعل بطريقة جدية في وضع أجندة المؤتمر وقائمة بالأوراق المقدمة من شخصيات مختلفة.
في كل هذا لم يخرج شقيقي عن ما يقوم به من كتابة المقالات أو إطلاق تصريحات التي يؤكد فيها علي ما يؤمن من أفكار لإصلاح الجماعة والتي يعبر فيها عن انتمائه  وعلي عدم اعترافه بأي تصريحات تصدر ضده تصادر حقه في الانتماء.
بناء علي كل ما سبق واستجابة لدعوة الدكتور عصام العريان لتشخيص حالة شقيقي هيثم أبوخليل النفسية لبيان إصابته من عرض نفسي من عدمه وحيث أنني ما كنت لأقف هذا الموقف من تلقاء نفسي لأسباب عديدة ليس هذا المجال لسردها فإني أري أن ما يجري لا يخرج عن كونه حوار فكري طبيعي من حق كل طرف أن يطرح وجهة نظرة بدون تجريح وأنه لا يحق لأي طرف أن يصادر علي الطرف الأخر أدواته في التعبير عن هذا الرأي طالما أنه مشروع عرفاً وشرعاً وقانوناً وأن الحديث عن الصحافة التي لها دور تؤديه أو انتماء لخدمة أجندة خاصة يحتاج إلي الاتفاق الملزم الصارم بعدم التعاطي مع الصحافة تماماً من جميع الأطراف بحيث لا يستسيغ طرف لنفسه ما يحرمه علي الآخرين والدكتور عصام العريان هو أكثر المعنيين بهذا الأمر فهو أكثر الوجوه الإخوانية الإعلامية التي تتعاطي مع الإعلام بكل أدواته واتجاهاته فلنعلنها مقاطعة وليدلنا أحد علي هذه الجريدة أو القناة التي من غير تجاه أو أهداف خاصة بها!
وبالتالي فإن الدعوة إلي تشخيص حالة المعارضين النفسية أو اتهامهم في ذممهم المالية أو نفي إخوانيتهم عنهم أو اتهامهم بهدم الجماعة هو ما يحتاج إلي التشخيص.
إنها حالة دفاعية نفسية هروبية من مواجهة القضايا الموضوعية الحقيقية إلي فتح موضوع فرعي وشكلي.. نتصور أنه القضية الحقيقية ونوهم الآخرين بذلك والتذرع الذي ساقه الدكتور عصام العريان مسئول الملف السياسي للجماعة بأن الظروف العالمية لا تسمح بفتح ملفاتنا الداخلية تذرع هو أول من يعلم تهافته .
فإن من يريد أن يواجه الواقع لابد أن يقوي بنيانه أولاً وما يحدث في كل أحزاب العالم بعد كل انتخابات من إعادة هيكلة الحزب المهزوم حتي يستعد للمعركة القادمة وما جري في حزب العمال البريطاني من فوز الأخ علي أخيه الشقيق في الانتخابات الداخلية بالحزب لهو نموذج فذ وبداية الانطلاق الخارجي.. والتعامل مع الواقع لن يكون إلا ببناء داخلي متماسك
إن أخطر ما في مكالمة الدكتور عصام العريان هو استغرابه من تمسك أخي هيثم بعضويته في الجماعة رغم انهم لا يريدون اعتماده علي حد تعبيره ..
إنه إسقاط الجنسية والذي يقاومه الناس جميعاً في كل الدول مهما كانت التهمة حتي مع من تزوجوا من إسرائيليات!
فمن يملك الاعتماد ومن يسقطه؟ إنه التخوين والتكفير ..ألسنا نصرخ ليل نهار لمن يرفض إعطاء الإخوان الشرعية ولمن ينتهك حقوقهم ويعتبرهم كلأ مستباحاً لأنهم إخوان ..إنه ليس من حق احد أن يحرم مواطنا مصرياً من موطنه..
ولو عدنا للتشخيص النفسي فلابد أن أقول: إنه التماهي والتماثل مع الجاني يا دكتور عصام ...إنه من كثرة الظلم الذي تعرضت له يتماهي المظلوم مع ظالمه ويشبهه في تصرفاته،  فيتعامل بعض أفراد جماعة الإخوان مع أفراد جبهة المعارضة تعاملا يشبه تعامل النظام مع معارضيه بالتجريح والتشويه بل الأنكي من ذلك أن صورت خلاف شقيقي مع الإخوان وهو خلاف فكري بأنه يحاربهم ويعلن الحرب عليهم!
ثم أكمل تشخيصي وأقول أنه في النهاية هناك أيضاً العناد المرضي الذي يؤدي لعدم إدراك الحق أو البحث عنه. فنحن نملك الحقيقة (ولقد تعرضت الجماعة لكثير من المواقف والمكتب مفتوح لمن يريد أن يأتي والمرشد رفض استمرار اللقاء لأنهم أساءوا إليه)..هكذا في نفس واحد يا دكتور عصام دون رحمة ..
إنه التماهي مرة أخري مع الظالم الذي يملك الحق وحده لأن المشكلة في الشعب الذي لا يعرف كيف يحكم !!!
لقد طلبت يا د. عصام التحليل النفسي لأخي فاضطررت أن أحلل الموقف كله نفسياً فهل نملك الشجاعة للاعتراف بالمشكلة؟ أم إننا سننكر فيما نسميه في الطب النفسي حالة الإنكار والذي تجعل المرض يتفاقم.
يا دكتور عصام .. إن حالة التبرير التي تعيشها مع نفسك منذ أن انضممت لمكتب الإرشاد تحتاج إلي حالة استبصار لأن من يسيء إلي نفسه هو من لا يري عيوبه بل ويتهم بها الآخرين.
لقد دفعتني دفعاً لكلام أغلفت عنه فمي كثيراً ..واليوم تكلمت ليس دفاعاً عن شقيقي هيثم أبوخليل ولكن دفاعاُ عن الحق والحقيقة . سامحكم الله
-----------------------------------------------------
كاتب هذا المقال هو أحد القيادات البارزة من جماعة الإخوان المسلمين في الثمانينات ورئيس إتحاد طلاب مصر ورئيس إتحاد جامعة الإسكندرية ومشرف القسم السياسي بالإسكندرية وحالياً استشاري الأمراض النفسية وعضو الجمعية المصرية للطب النفسي ومدير مركز الاستشارات الاجتماعية والنفسية بالإسكندرية ومؤسس قسم استشارات شبابية بموقع إسلام أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق