الخميس، 16 فبراير 2012

فى العلاقة بين الحزب والجماعة والتنظيم - د. يحيى نعيم

فى العلاقة بين الحزب والجماعة والتنظيم - د. يحيى نعيم

يتكرر الحديث عن ضرورة الفصل بين الحزبي والدعوي, بين المهتمين بأمر الجماعة سواء من داخلها أو خارجها, والمراقبين للعمل الإسلامي والسياسي بشكل عام. وتزداد حدته مع توالي الأزمات والمواقف والتصريحات التي تستدعي للأذهان ضرورة تطبيق الفكرة, الأمر الذي يُقابل بحالة من التأييد الشديد من بعض الأطراف, ترى فيه نوعاً من المرونة والتجديد في التعاطي مع الواقع. و الرفض الشديد من أطراف أخرى, ترى فيه إخلالاً بثوابت الفكرة وقواعد العمل التنظيمي بالجماعة. وحوار بين هذه الأطراف المتضادة من طبيعته ألا ينتهي لرؤية أو تصور واضح ومقبول لكيفية تنفيذ الفكرة, بما لا يخل بأصول العمل وأهدافه الغائية..

وحيث أنه من المتوقع أن تزداد وتيرة الحديث حول هذه القضية -وقد كان بالفعل- في ظل التغييرات الطارئة على المشهد السياسي بمصر, فإنني أضع بين أيديكم عدد من المقترحات لتبادل الرؤى حولها, كنت قد أعددتها منذ فترة, تحديداً إبان الإعداد لمؤتمر شباب الإخوان الذي عُقد بعد الثورة..

... عندما نتحدث عن العلاقة بين الحزب والجماعة ينبغي أن نستحضر مجموعة من الحقائق ذات الصلة الوثيقة والتأثير الكبير في بناء أي رؤية متعلقة بهذا الشأن وهي:

(1) أن الجماعة مشروع أممي, والحزب مشروع قطري.
(2) أننا أمام جسد تنظيمي ضخم.
(3) أننا أمام رصيد كبير من المسلمات الحركية
(4) أننا أمام مشروع أيديولوجي يصعب فيه التغيير في القناعات.

أمام هذه المعطيات فإننا بحاجة لطرح رؤية توافقية, تسمح بقيام المشروع القطري على نحوه المنشود, دون تُضييع أو اختزال لملامح المشروع الأممي وغاياته..الأمر الذي يتطلب منا الاستحضار الدائم لغايات العمل وأهدافه, والدوران في فضاء الفكرة المركزية التي نشأ من أجلها التنظيم, بعيداً عن جواذب الأشياء والأشخاص كي لا تضيع منا البوصلة ونحيد عن الطريق...

وفي لمحة تاريخية سريعة قبل سرد المقترحات للوقوف على حقيقة الدور المناط بالجماعة تحقيقه, يمكننا القول بأن الجماعة أو المشروع الإسلامي بشكل عام في صورته المنشودة, يمثل امتداد لمسيرة تاريخية بدأت منذ بدء الخليقة, وتطورت بتطور الأزمان وصور الاجتماع البشري وتبلورت في عهد أبينا إبراهيم لتصبح مشروعاً حركياً استهدف إخراج الأمة المسلمة لحمل الرسالة الربانية وهداية البشرية..

هذا المشروع تبلورت ملامحه في أمتين هما:
      * أمة بني إسرائيل بقيادة موسى عليه السلام.
      * والأمة العربية لمسلمة التي أخرجها رسولنا الكريم.
والهدف من إخراج الأمتين كما سبقت الإشارة, كان حمل الرسالة ومهام الدعوة إلى الله, وقيادة البشرية وهدايتها لسبيل النجاة والرشاد.
ومعروف ما كان من بني إسرائيل تجاه المهمة والأمانة, وما آل إليه أمرهم من استبدال وسخط من رب العالمين.
ومعروف مسار الأمة المحمدية التاريخي, وما مرت به من صعود وهبوط إلى أن آلت الأوضاع لبعد عن المنهج وقعود عن حمل الرسالة وأداء المهمة.
الأمر الذي استوجب العمل لإحياء الأمة والنهوض بها لحمل أمانتها والقيام بتكليفها...وهذا باختصار وبحسب اعتقادي هو دور الجماعة ومهمتها..
إحياء الفكرة الإسلامية بالنفوس وإخراج الأمة المسلمة من جديد لحمل الرسالة وقيادة البشرية وهدايتها.

من هنا كان مشروع الجماعة مشروعاً أممياً, ولا يمكن بحال اختزاله في مشروع قطري, وإن كان الحاجة لتجسيده ابتداءاً في مشروع دولة, حاجة و ضرورة إستراتيجية. وليس بالإمكان أبداً تحقيق غايات هذا المشروع الأممي من دون بناء الدولة المسلمة, وهنا تكمن حلقة الوصل بين مشروع الحزب القطري ومشروع الحركة العالمي...
فكيف لنا أن نؤسس لبناء الدولة, مع الحفاظ على رسالة الحركة ومهمتها في ضوء المستجدات الحالية؟
أعتقد أننا بحاجة للفصل بين المشروعين, بما يضمن استقلالية المشروع القطري عن المشروع العالمي من الناحية التنظيمية, وارتباطهما في الغاية والأهداف والمنظومة القيمية, وبما يسمح بالتكامل البنّاء بينهما, وتصوري لذلك كالتالي:
 1- اختصاص الحزب بمسارات العمل التالية بالقطر المصري:
(1) مسار العمل السياسي وما يتعلق به من منظمات المجتمع المدني
(2) مسار الخدمة الاجتماعية.
وتوطين كوادر الجماعة العاملة في لجان هذه المسارات في عضوية الحزب, وأن يُعاد تشكيل شبكة العلاقات بينهم في ضوء النشاط والانتماء الحزبي فقط لا غير.
2- اختصاص الجماعة بمسارات العمل التالية:
(1) مسار العمل التربوي.
(2) مسار العمل الدعوي.

3- التعاون بين الجماعة والحزب في بناء المسارات التالية:
(1)     مسار العمل الخيري.
(2)     المسار الإعلامي.
(3)     مسار التنمية الاقتصادية

على أن يُعاد هيكلة الجماعة تنظيمياً, وتوطين كوادرها القيادية وصفها العامل في هذه المسارات, بالصورة التي تمنحها الشرعية القانونية والنشاط العلني (تأسيس مدارس وهيئات تربوية ودينية – تأسيس جمعيات خيرية وخدمية – بناء مؤسسات اقتصادية وهكذا)

وعلى أن تواصل الجماعة بث فكرتها الأممية ورؤيتها الرسالية, من خلال نشاطها في مسار الدعوة والإعلام, بما يحفظ للفكرة حيويتها ويضمن انتشارها, وأيضاً تتولى الجماعة من خلال العمل بالمسار التربوي, مسئولية إعداد كوادر قيادية في مسارات عمل الحزب, وضخها في أوصاله لتقويته والحفاظ على حيويته.

  4- للحزب جمعيته العمومية التي تضم عموم المصريين, وكل من آمن بأفكاره ومبادئه, لذا لا دور لمجلس شورى الجماعة فيما يتعلق بأنشطة الحزب وسياساته.

  5- وفيما يتعلق بمجلس شورى الجماعة, فالمستشار مؤتمن, وشرط الأمانة أن يكون على علم ودراية بما يُستشار فيه, لذا من غير المقبول أن يقوم مجلس الشورى على عاملي السبق والسن كما هو معتمد, بل ينبغي أن يقوم على التخصص والكفاءة, ولتحقيق ذلك ينبغي إعادة هيكلة مجلس شورى الجماعة, ليتحول إلى مجموعة من اللجان المتخصصة في مسارات عمل الجماعة على المستوى القطري, تضم في عضويتها ما لا يزيد عن عشرة خبراء ومختصين في كل مسار تحت قيادة المراقب العام.

6-  استحداث مسمى المراقب العام ليتولى إدارة شؤون الجماعة (لا الحزب) في القطر المصري.

7- مكتب الإرشاد يكون فقط عالمياً, ويناط به مسئولية التنسيق والدعم اللوجستي بين فروع الحركة بما يخدم دور التنظيم العالمي وأهداف المشروع متجاوزاً بذلك مستوى الرابطة الروحية ليصبح قوة دولية تتناسب مع غايات العمل ومتطلبات تحقيقها.
8- مجلس شورى الجماعة فقط عالمياً وممثلاً لكل فروعها, ويضم رؤساء الأحزاب أو قيادة حزبية تنوب عنها في البلاد التي تتمتع بالنشاط الحزبي, مع مراقب عام الحركة أو من ينوب عنه, ويُختار من أعضائه مكتب الإرشاد العالمي.ومهمته الرئيسية هي دعم قرارات مكتب الإرشاد وإمداده بالرؤى اللازمة لتجويد ودعم الأنشطة في الأقطار المختلفة وما يتفرع عن ذلك من مهام لا يتسع تفصيلها هنا
9-أسماء واجتماعات مكتب الإرشاد العالمي ومجلس الشورى العالمي غير متداولة إعلامياً  وتبقى في إطار التكهنات السياسية التي تخلو من دلائل الوجود والإثبات لتأمين دوره ونشاطه.

وفيما يتعلق بالعمل الحزبي يحضرني عدد من الخواطر هي:
(1)  من يقرأ برنامج حزب العدالة والتنمية, يجد فيه تأكيداً على دور أتاتورك الرائد في بناء المجتمع التركي, وتأكيداً على أن ما أرساه من قيم ومبادئ هي المنطلق لنهضة الدولة التركية...وجميعنا يعرف موقف الحزب ومرجعيته المخالفة لهذا..وفي هذا تأكيد على أن العمل السياسي لا يعتمد المباشرة والمصارحة, بقدر ما يعتمد المناورة في الخطاب, بما يضمن سلامة الحراك وتقدمه. وبالتالي فالتصريح بالمواقف الفقهية مع بداية التأسيس لا يمت للسياسة بصلة, ويكفينا حال الممارسة أن نتبنى خيارتنا الفقهية دون حديث عنها أو تضمين لبنودها بما يثير اللغط والشبهات, ويسهل علينا حينها تمرير هذه المواقف بآليات الديمقراطية والاستفتاء والانتخابات الداخلية, معتمدين في ذلك على ثقل الكوادر المؤمنة بمبادئ الجماعة في عضوية الحزب مقابل المخالفين, وبما لا يمنح الأعداء الفرصة لبث الأراجيف وخلق الفزاعات.

(2) كما أن الحديث عن أهداف الخلافة والأستاذية غير جائز في شأن الحزب الذي ينبغي أن ينصب خطابه السياسي ودعايته على المستوى القطري فقط

(3)  أعتقد أن قرار الجماعة بإلزام أعضاءها بعدم تأسيس أو الانضمام لأحزاب أخرى هو قرار يفتقد للحكمة والحنكة السياسية, ومظهر من مظاهر الخلط بين عمل المشروع القطري والمشروع الأممي, فقد كان من الأولى بحسب تصوري أن تدفع الجماعة بمجموعات من كوادرها في بنية الأحزاب الجديدة, والتي تطرح في برامجها رؤى نهضوية و بنائية جيدة, لتكون مؤثرة في سياساتها فيما بعد, بما يخدم مصلحة الوطن من جهة, وأهداف الحركة ونشطاها على المدى البعيد من جهة أخرى, ولتفادي مضاعفات أي تحول سياسي ينشأ عنه تضييق على نشاط حزب الحرية والعدالة. ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة في هجرة الحبشة.
أرجو أن تنال هذه الأفكار حظها من التشاور الجاد, للخروج برؤية عملية, تجنبنا مساوئ وانحرافات الخلط بين الحزبي والدعوي, والأممي والقطري, وتساعد في تطوير هيكل العمل التنظيمي بما يحقق أعلى درجات الفاعلية والإنجاز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق