الاثنين، 29 أغسطس 2011

المقاومة المدنية هى الحل …….. فهمي هويدي


ضاق الناس ذرعا بجرأة اللصوص والفتوات وأرباب السوابق، الذين باتوا يرهبونهم ويعتدون على ممتلكاتهم جهارا نهارا، وهم مطمئنون إلى أن الشرطة «صائمة» عن الشغل.
ذهبوا إلى قسم شرطة مصر الجديدة فصارحوهم قائلين: فى الوقت الراهن لن نشتبك مع أحد فى الشارع، خصوصا أولئك النفر من البلطجية. وإذا أردتم نصيحة مخلصة فلا حل سوى أن تتولوا أنتم الأمر بأنفسكم، فتلقوا القبض عليهم وتحتجزوهم، ثم تبلغونا بما فعلتم، وحينئذ سنسارع إليكم لنقوم بما علينا بعد ذلك.

لم يكذب السكان خبرا، ولم يكن أمامهم خيار أمام ذلك الاعتراف من جانب الشرطة. ففعلوها ونظموا «مقاومة مدنية» من بينهم، وحين نجحوا فى التصدى لواحد من البلطجية واحتجازه، فإن ذلك شجعهم على استكمال المهمة مع ثان وثالث ورابع حتى العاشر. وانتبهوا إلى أن البلطجية ليسوا بالقوة التى يصورونها للناس، وإن بعضهم يملك من «البجاحة» وعلو الصوت وبذاءة اللسان أكثر مما يملك من العضلات والعافية. تماما كما أنهم أدركوا أنهم ليسوا ضعفاء حقا ولكنهم متقاعسون ومستضعفون، وقد صاروا أقوى وأكثر منعة حين تكاتفوا وضموا سواعدهم إلى جانب بعضها البعض.
فى أقل من أسبوع كان قد تم تطهير الحى من البلطجية، ولم يعد يجرؤ أحد منهم على الاقتراب منه، فقد أوفت الشرطة بما وعدت. ونقلت بسياراتها الذين تم احتجازهم بواسطة السكان. وعرف القاصى والدانى أن فى الحى رجالا وشبابا يذودون عنه، وأن من دخله قاصدا شرا لن يخرج من آمنا. حيث هناك من ينتظره لكى يوقع به، ثم يسلمه بعد ذلك إلى من هو أقدر على التعامل معه.
القصة حقيقية وتفاصيلها عندى، وقد اهتممت بها لسببين أحدهما موضوعى والآخر شخصى. فى الشق الموضوعى أسجل ثلاث ملاحظات هى:
 أن الشرطة باتت أكثر حذرا ــ أكثر سلبية إن شئت الدقة ــ فى التعامل مع المجتمع.وأن السمعة السيئة التى لاحقتها طوال الأشهر الأخيرة دفعت كثيرين من الضباط إلى إيثار السلامة والبقاء فى مكاتبهم، حتى لا يتعرضوا للأذى أو الإهانة إذا خرجوا إلى الشارع. أدرى أن البعض فعلها عامدا إما خوفا من انتقام الناس وإما لتأديبهم وإقناعهم بأنهم بدون الشرطة فلا راحة لهم ولا أمان. ولا أستبعد أن يحاول بعض «الفلول» من قياداتهم إقناع الرأى العام بأن عصر مبارك كان أفضل، وأن غيابه هو الذى تسبب فى الفوضى والانفلات الأمنى. لكنى أزعم أن نسبة الأولين أكبر وأن الذين باتوا يؤثرون السلامة وأن الآخرين يمثلون النسبة الأقل التى تتراجع كل حين.

 أن حذر الشرطة وسلبيتها زاد من جرأة الناس عليها، وأغرى البلطجية وأرباب السوابق بأن يتغولوا فى المجتمع ويأخذوا «راحتهم» فى ممارسة أنشطتهم المختلفة.أصبح ضابط الشرطة يتصرف وكأن على رأسه «بطحة» يريد إخفاءها وأنه ارتكب ذنبا يجب أن يكفر عنه. وإذا كان الناس العاديون قد أصبحوا ساخطين على الشرطة، ومستعدين للانفجار فى وجه أى واحد منهم لأى سبب، حتى إذا كان تحرير مخالفة مرورية، فلك أن تتصور موقف البلطجية الذين أقنعهم الفلتان الأمنى بأن أيديهم باتت مطلقة فى الإتيان بما يشاءون من أفعال.

● أن الأغلبية الساحقة من الناس لا يزالون عند سلبيتهم. بحيث باتوا غير مستعدين للتحرك، حتى إذا كان ذلك لأجل الدفاع عن أنفسهم، إلا إذا طلب منهم ذلك أو اضطروا إليه. ذلك أن ثقافة المجتمع التابع وليس المشارك أو المبادر لاتزال مهيمنة. وفى القصة التى نحن بصددها فإن شعور الناس بالخطر لم يكن كافيا لتحركهم، ولكن إدراكهم أن الشرطة لن تغيثهم إلا إذا تقدموا هم وبادروا إلى الدفاع عن أنفسهم، هو الذى شجعهم على الانتقال من الموقف السلبى إلى الإيجابى، ومن حالة الاستكانة أمام البلطجية إلى التصدى لهم وإيقافهم عند حدهم.
ذلك يقودنى إلى الجانب الشخصى فى القصة، وهو أننى أسكن فى حى آخر بمصر الجديدة، يعيث فيه اللصوص والبلطجية فسادا فى النهار، وينتشر على نواصيه جيش من الشباب والفتيات الذين يعانون من الفراغ والضياع إلى ما بعد منتصف الليل. فيعبثون ويلهون، وأحيانا يتعاركون ويتراشقون بالألفاظ البذئية والأسلحة البيضاء.
كل ذلك يحدث والشرطة غائبة والناس يتفرجون عليهم من وراء زجاج النوافذ وعبر الشرفات الغارقة فى الظلام، ولم أجد وسيلة لحثهم ــ هم وغيرهم ــ على التخلى عن السلبية والمبادرة إلى تنظيم لجان الدفاع المدنى ضد غارات البلطجية واستهتار العاطلين العابثين سوى أن أوجه إليهم النداء من هذا المكان مذكرا بأنه ليس بإحكام «ترابيس» الأبواب وتغليظ الأقفال وحده يأمن الإنسان، وإلى أن تستعيد الشرطة دورها وتثبت حضورها ستظل المقاومة المدنية هى الحل.

ليس دفاعًا عن البكينى…….. فهمي هويدى

 ليس عندى أى دفاع عن المايوه البكينى فى شهر رمضان أو فى غيره، لكن اعترض تحويله إلى قضية وموضوع للمناقشة الوقت الراهن، بل إنه ما خطر لى أن يثار الموضوع بعد ثورة 25 يناير، فضلا عن أننى ما تصورت أن أكون طرفا فى الجدل المثار حوله. لكنى لا أعرف إلى من نوجه اللوم فى استدراجنا إلى مثل هذه الأمور الفرعية، إلى السياسيين والدعاة الذين تختل لديهم الأولويات فيورطون أنفسهم ويشغلون الرأى العام بالقضايا الهامشية والتافهة، أم إلى الإعلام الذى يسعى إلى الإثارة ولا يكف عن الاصطياد، وأحيانا يحرف الكلام لكى يحقق الهدفين معا.أمس الأربعاء 24 أغسطس أبرزت صحيفتان مصريتان على الصفحة الأولى لكل منهما خبرا نقل عن أمين حزب الحرية والعدالة (الإخوان) قوله يجب منع السائحين من شرب الخمر أو ارتداء المايوهات (روزاليوسف)، فى حين ذكرت الثانية أن أمين الحزب، الدكتور سعد الكتاتنى، طالب بفتوى من الأزهر لحسم ارتداء المايوه البكينى على الشواطئ العامة، هذا الكلام قيل فى جلسة لمؤتمر دعم السياحة، شاركت فيه جهات عدة منها حزب الإخوان. التفاصيل المنشورة لم تحمل هذا المعنى بالضبط، ولكنها ذكرت أن الدكتور الكتاتنى قال إن الشواطئ العامة ينبغى أن تحكمها ضوابط معينة، وأنه إذا كانت الخمور ومايوهات البكينى لها أهمية فى الموضوع فإنه يصبح بحاجة إلى دراسة خاصة، أما الشواطئ الخاصة فالناس أحرار فيها. واقترح أن تعرض اشكاليات قطاع السياحة على مجمع البحوث الإسلامية ليبدى برأيه فيها. بالتالى فإن الرجل لم يقل إنه يجب منع السائحين من شرب الخمر أو ارتداء البكينى، كما ذكرت «روزاليوسف».
ويبدو أن موضوع الخمور والبكينى يحتل موقعا خاصا فى بعض الدول العربية، لأننى قرأت قبل عشرة أيام رأيا للشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة الإسلامية فى تونس. قال فيه إن الإسلاميين إذا وصلوا إلى السلطة فلن يمنعوا الخمور والبكينى. وهو ما اعتبرته وكالة الأنباء الفرنسية خبرا مثيرا طيَّرته على الفور على مختلف عواصم الدنيا.
سواء بسبب الفضول أو الاستدراج فإن البعض لا يرون فى أى تفكير إسلامى سوى أنه سعى لمصادرة الحريات العامة والتدخل فى الحياة الخاصة للناس. وقد نجح الإعلام فى إعطاء الانطباع بأن تطبيقات إيران وأفغانستان هما النموذج والمثل الأعلى الذى يحتذيه الجميع، كما أن هناك فريقا من المتدينين اختزلوا الالتزام الدينى فى الشكل، واعتبروه معيارا للمفاضلة بين الفسوق والإيمان، ولم يروا فى التطبيق الإسلامى سوى أنه مجموعة من الشعائر والطقوس، التى لا علاقة لها بقيم المجتمع وأخلاقيات الناس وقواعد المعاملات فيما بينهم.
يذكرنى الحديث عن البكينى بحوار أجراه معى صحفى سويدى قبل عدة سنوات، إذ كان سؤاله الأول كالتالى: ماذا سيفعل الإسلاميون بالرقص الشرقى إذا وصلوا إلى السلطة. استغربت السؤال فقلت للرجل إننى لا أريد أن أصدق أنك جئت من السويد ولا يشغلك فى مصر سوى مستقبل الرقص الشرقى فى حين توقعت أن تسألنى عن أمور أخرى تتعلق بالحرية والديمقراطية والمساواة والعلاقة مع العالم الخارجى، وغير ذلك من الموضوعات المهمة. ولأننى لا أظن أن الرقص الشرقى مدرج ضمن أولويات المجتمع المصرى، فإننى أخبرك صراحة بأننى لست مشغولا به. واعتبره موضوعا مؤجلا لا ينبغى أن يحتل أولوية فى تفكير أى مشغول بالهم العام، لذلك فليست لدى إجابة عن السؤال.
أحرج صاحبنا وطلب أن أشرح وجهة نظرى بتفصيل أكثر، فقلت إن التقاليد والسلوكيات العامة لا تعالج بقرار من السلطة، ثم إن التدرج هو الأصل فى التعامل معها من خلال التربية والحكمة والموعظة الحسنة، وفى الخبرة الإسلامية فإن الخمر لم تحرم مرة واحدة، ولكن القرآن حرمها على أربع مراحل. وفى العصر النبوى فإن الأصنام التى هى رمز الشرك تركت فى مكانها دون مساس طوال فترة الدعوة النبوية، ولم تهدم إلا بعد 13 عاما حين تم فتح مكة، كما أن نهضة الأمم تمر بمراحل عدة لا يحتل الرقص الشرقى مكانا فى أى واحدة منها.
لقد تمنيت على أمين حزب الإخوان أن يحدد موقفا حاسما يرفض فيه التدخل فى الحريات الخاصة للناس، وأن ينتهز الفرصة لكى يؤكد أهمية التفاف الجميع حول الأهداف الكبرى التى ينبغى أن تحتل الأولوية فى التفكير العام، وعلى رأسها الاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية، أما تشجيع السياحة وقضية المايوه البكينى وبيع الخمور، فهى أمور تترك لأهلها فى الوقت الراهن، على الأقل حتى نحقق شيئا من الأهداف الكبرى. وإلا انفتح الباب للانشغال بصغائر الأمور عما هو جليل ومصيرى فى قضايانا.

الأحد، 28 أغسطس 2011

رسائل إلى اللجنة العليا للانتخابات …….. معتز بالله عبد الفتاح


لقد تحمل المصريون الكثير من أخطاء الإدارة الحاكمة فى المرحلة الانتقالية على أمل واحد: الانتخابات قادمة ومعها سنأخذ الخطوات الضرورية لبناء مؤسسات ديمقراطية بجد وتمثلنا بجد. من أجل هذه الانتخابات تحمل الكثيرون الكثير، ومن أجل هذه الانتخابات لدينا جميعا أمل فى أن تنتقل مصر من حكومة بلا أجندة شعبية وشعب بلا أجندة حكومية على عهد مبارك إلى حكومة يختارها ممثلو الشعب، وليس من يمثلون على الشعب، أو يمثلون بالشعب.
إذن الانتخابات الحرة النزيهة هى الأمل وهى واجب الوقت، والإعداد لها لا مجال فيه للمجاملة أو المواربة، وعليه فلنجتهد جميعا فى تأمل الرسائل التالية وإلا فقد نواجه بتحديات تفوق قدرتنا على الفعل، وبأسئلة لا يستطيع خيالنا السياسى أن يتعامل معها.

أولا: ما الذى يضمن دستورية الصيغة الحالية لقانون الانتخابات التى تتضمن نسبة 50 بالمائة قوائم و50 بالمائة فردى؟ ألم يكن حكم المحكمة الدستورية فى عام 1990 بشأن عدم دستورية انتخابات 1987 أنها أعطت للأحزاب فرصة أعلى من فرصة المستقلين؟ ألا نعطى نحن الآن بالصيغة الحالية لأعضاء الأحزاب فرصتين (قائمة أو فردى) ونعطى للمستقلين فرصة واحدة وهى الانتخابات الفردية فقط؟

ثانيا: كيف ستتم الانتخابات فى يوم واحد إذا كان عدد الناخبين المفترضين لكل لجنة سيكون فى حدود الألف، ولو افترضنا أن كل إنسان سيحتاج خمس دقائق للتصويت على أربع ورقات انتخابية (قائمة للشورى، وفردى للشورى، وقائمة للشعب، وفردى للشعب)، ولو افترضنا نسبة تصويت متواضعة جدا مثل 25 بالمائة فقط (أى 250 مواطنا فى كل لجنة مضروبة فى 5 دقائق)، فهذا يقتضى 20 ساعة عمل لكل قاضٍ. وكما هو معلوم فإن اللجنة ستعمل على أقصى تقدير لـ 12 ساعة. إذن نحن بحاجة لابتكار حلول مثل أن نفكر أن تكون الانتخابات على عدد أكبر من المراحل مثلما تفعل الهند (5 مراحل مثلا)، أو أن تكون الانتخابات فى الدائرة الواحدة على يومين: يوم للفردى ويوم للقائمة، أو يوم لمجلس الشعب ويوم لمجلس الشورى، أو أن نفكر فى أن تكون الانتخابات كلها بالقائمة بشرط أن تُفتح للمستقلين بدون قيود، وأن يكون الحد الأدنى للقائمة المستقلة متواضعا للغاية (وليكن فى القائمة الواحدة يكون هناك شخصان فقط على الأقل)، مع التخلص من العتبة الانتخابية التى هى الآن نصف بالمائة من الأصوات (أى نحو 250 ألف صوت).

ثالثا: القانون ينص على عدم السماح باستخدام الشعارات الدينية فى الدعاية الانتخابية. ما معنى «الشعارات الدينية»؟ وهل آية مثل «إن ينصركم الله فلا غالب لكم» تدخل فى هذا التصنيف؟ وما هى آليات مراقبة مثل هذه الاستخدامات؟ ونفس الكلام ينطبق على عدم استخدام دور العبادة فى الدعاية الانتخابية؟ هذه ألغام لابد أن نتعامل معها بجدية، وقد جربنا بعض قيادات التيار الدينى التى تعد، ولكنها قد لا تفى إما عن ضعف أو عن خداع. وهذا مقلق.

رابعا: كيف سنراقب سقف الإنفاق على الناخبين؟ تفرق الدول الغربية بين ما يسمونه المال الانتخابى المباشر (hard money) والمال الانتخابى غير المباشر الذى يستخدمه الناخب للدفاع عن قضية ما، وبعدها يعلن أنه يدعم مرشحا أو حزبا بعينه لأنه يعبر عن موقفه من هذه القضية. ماذا نحن فاعلون؟

خامسا: كشوف الناخبين قد تكون بها أخطاء لابد أن نعرفها الآن وليس قبل الانتخابات بأيام معدودة أو بعدها. أعلم أن جهودا كثيرة تبذل وأن بعض الخطأ يعود لأن الأحكام الجنائية مثلا لا يسجل فيها الرقم القومى وإنما تكون فقط بالاسم والعنوان، وبالتالى ممكن أن نجد بعض من ارتكبوا جرائم مخلة بالشرف مسجلين فى كشوف الناخبين، أزعم أن الرأى العام مستعد لهامش خطأ معين إن صارحتمونا، ولكنه لن يقبل نظرية «دارى الجثة».
هذه رسائل أرسلها على الملأ داعيا أساتذتى وزملائى وأصحاب العقول الراجحة ألا يبخلوا بالرأى والاقتراح.
العزة لمصر، والمجد للشهداء، آمين. 

الخميس، 25 أغسطس 2011

رسائل إلى المجلس العسكري…. معتز بالله عبد الفتاح

من يجلس بانتظام أو يتصل بقيادات المجلس العسكرى ثم يجلس بانتظام ويتصل بالشباب الثائر سيلاحظ أن نظرية «دوائر المعرفة وحدود اللامعرفة» صادقة تماما. ودون الدخول فى تفاصيل أكاديمية، نحن نبنى تصوراتنا وأحكامنا وفقا للمعلومات التى وصلت إلينا سواء كانت هذه المعلومات صادقة أو غير صادقة، كاملة أو غير كاملة. مثلا لو عرف شخص غير مسلم أن القرآن الكريم يقول: «ويل للمصلين» وفى آية أخرى: «لا تقربوا الصلاة»، فقطعا وحتما سيستنتج أن هذا دين ينهى أتباعه عن الصلاة. ذلك أن دائرة ما يعرف اقتصرت على هذين الجزءين من الآيتين الكريمتين.

ولكن من حق شبابنا الثائر أن يعبر عن مخاوفه، وأن يقول بوضوح ما الذى يقلقه. ولكن يبدو أن رسائلهم لا تصل أو تصل مشوهة، لهذا ينبغى أن يقوم أمثالى بنقل رسائلهم إلى المجلس الأعلى حتى يعلم ما الذى يجرى على الأرض. أزعم أن هناك أربعة مخاوف أساسية من المجلس العسكرى يكررها الناشطون السياسيون:

أولا، إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يسير على نهج مبارك فى التعامل مع الناشطين السياسيين بنفس منطق التشويه وإطلاق الإشاعات والتحويل إلى المحاكم العسكرية فى الوقت الذى يزعم فيه المجلس أنه حامى الثورة، ومع ذلك لا يحمى الثوار بل يتعمد النيل منهم.

ثانيا، أن المجلس العسكرى يسير على نهج مبارك فى التعامل مع القوى السياسية والحزبية بمنطق «دعهم يتكلمون ودعنا نفعل ما نشاء». وأخطر ما فى هذه المخاوف هو الجزء الخاص بإدارة الانتخابات القادمة وما ستسفر عنه وكيفية إتمامها فى ظل المخاوف الأمنية ووجود عدد مهول من الناخبين (قد يصل إلى 25 مليون ناخب) سيصوتون على أربع بطاقات انتخاب (على الأقل)، فى حين كان الناخبون يقفون بالساعات فى الاستفتاء كى يقولوا «نعم» أو «لا».

ثالثا، أن المجلس العسكرى يحاول إرضاء الجميع بتبنى سياسات متضاربة. يعمل استفتاء، الناس تقول «نعم» على تعديلات فى دستور 1971 ثم يقوم بعمل إعلان دستورى (أو دستور مؤقت)، وتغير فيه أحد أهم مواده (المادة 189 مكرر) التى كانت تحدد أن رئيس الجمهورية سينتخب أولا، ثم يُدخل البلاد فى دوامة المبادئ الحاكمة وضوابط اللجنة التأسيسية بما يؤدى إلى المزيد من الانقسام.

ثالثا، غياب جدول زمنى لخروج المجلس العسكرى من السلطة وتسليمها لرئيس وبرلمان منتخبين لاسيما أن مدة الـ6 أشهر التى حددها المجلس سلفا للخروج من السلطة قد قاربت على الانتهاء.

المخاوف كثيرة من تكرار ما حدث فى عام 1954. ولا يكفى أن نواجه هذه المخاوف بالوعود، فهذا الجيل لا يعرف للكلمات قيمة إن لم تصحبها وربما تسبقها الأفعال. وقد سبق أن انخدع آباؤهم فى 5 مارس 1954 حين «وعد» مجلس قيادة الثورة أنه سيتخلى عن السلطة خلال 4 شهور من تاريخ الاجتماع فى ذكرى ثورة يوليو وعدم مشاركته نهائيا فى الحياة السياسية. وقد أكد قرار صادر عن مجلس قيادة الثورة آنذاك فى هذا التاريخ على فتح باب تكوين الأحزاب وانتخاب البرلمان ثم انتخاب رئيس الجمهورية. ولكن بعد أسبوعين قرر المجلس أن الانتخابات تتأجل إلى ما بعد الفترة الانتقالية. وفى نوفمبر 1954 تم إعفاء اللواء محمد نجيب من منصبه كرئيس للجمهورية. واستمر الحكم العسكرى لمصر من وقتها حتى ثورة يناير 2011. هذا الجيل متشكك أن النوايا واحدة ويريدون أن يروا بأعينهم وأن يلمسوا بأيديهم ما يبدد مخاوفهم.

هذه رسائل الشباب الثائر وقطاع من المصريين الذين يريدون أفعالا تقطع الشك باليقين. وهذا حقهم، وواجب المجلس العسكرى تجاههم. 

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

انتهى زمن تدليلهم ….. فهمي هويدي


أليس مثيرا للدهشة وللأعصاب أيضا أن تستدعى مصر سفيرها لدى الجزائر بسبب مباراة كرة القدم الشهيرة، ولا تفعلها حين قتلت إسرائيل أربعة من جنودها غير أحد الضباط. لا أقارن بين وقائع الحالتين وإنما أتحدث عن رد الفعل المصرى إزاءهما، فاستدعاء السفير فى الحالة الأولى كان تصرفا اتسم بالرعونة والحمق، ولم يكن له من تفسير آنذاك إلا أنه انفعال غير محسوب. أريد به نفاق مشاعر العوام والمزايدة عليها. ناهيك عن أنه لا مقارنة أيضا بين مشاعرنا إزاء بلد شقيق مثل الجزائر، وآخر خصم وعدو استراتيجى مثل إسرائيل، لاحظ أيضا أن ذلك الانفعال فى مواجهة الجزائر كان بسبب حدث تافه صغير، فى حين أن ما أقدمت عليه إسرائيل هو جريمة بكل المعايير.
ثم إن ذلك كان فى ظل نظام ما قبل 25 يناير، الذى داس على كرامة المصريين وأذلهم. فى حين أن الموقف اللين الذى يدهشنا اتخذ بحق إسرائيل بعد 25 يناير، وهو اليوم الذى كان بداية لمرحلة استرد المصريون فيها وطنهم وكرامتهم. وهو ما يجسد لنا مفارقة أخرى غير قابلة للتصديق.
لئن قيل فى تفسير المقارنة أن مصر تعرضت لضغوط قوية لعدم التعبير عن غضبها إزاء إسرائيل بسبب جريمة القتل الى ارتكبتها، وناشدتها الأطراف التى ضغطت، الولايات المتحدة تحديدا، أن تلتزم بضبط النفس. لكن تلك حجة إذا صحت فإنها علينا وليس لنا. بمعنى أنها طلبت من القاهرة أن تبتلع المهانة وأن تمتنع حتى عن توجيه العتاب للقتلة.
إذ نفهم أن استدعاء السفير للتشاور هو تعبير عن العتب. فى حين أن سحبه تعبير عن الغضب، والأول أضعف الإيمان، وهو الحد الأدنى فى الأعراف الدبلوماسية للتعبير عن الاستياء والدفاع عن المصالح والكرامة الوطنية. كأنما طلب منا أن نلتزم بسلوك العاجزين الذين لا حيلة لهم. ونكتفى بتغيير المنكر بالقلب فقط.
ما يستفز المرء ويجرح مشاعره أن وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك حين حاول أن يمتص غضب الشارع المصرى فإنه عبر عن الأسف فقط ولم يعتذر عما حدث. وبالمناسبة ليس صحيحا ما نشرته صحفنا القومية من أنه اعتذر.
لكن الرجل بصلافته واستعلائه اعتبر أن كلمات الأسف التى عبر عنها يمكن أن ترضى المصريين، وكأن ذلك كان تنازلا منه علينا أن نقنع به وأن نحمد الله على أن الرجل منَّ علينا به. لا يغير من شعورنا بالاستفزاز ما نشرته الصحف المصرية عن أن القاهرة اعتبرت أن الرد الإسرائيلى غير كاف. وأن إسرائيل يجب أن تتحمل مسئوليتها عما حدث وأنها مطالبة بتحديد سقف زمنى للتحقيق فى الحادث..إلخ.
ذلك أن هذا الكلام لا يعنى أن مصر الرسمية اتخذت خطوات عملية للتعبير عن غضبها، من قبيل استدعاء السفير على الأقل، وإنما أطلقت كلاما فى الهواء لم يترجم إلى أى خطوات عملية على الأرض.
يخوفوننا بالحرب ويعتبرون أن إجراءات عملية تجسد السخط والغضب «تصعيدا» مؤديا إلى ذلك الاحتمال الاسوأ.
وفضلا عن أن أحدا لم يتحدث عن الحرب ولم يطالب بها فإن هذه المصادرة لمشاعر الغضب تحول معاهدة السلام إلى معاهدة للمهانة والإذلال. ولئن جاز ذلك فى ظل النظام السابق الذى تعامل مع إسرائيل بلغة الانكسار والهزيمة، فإنه لا يجوز فى زمن الثورة على ذلك النظام واستعادة الشعور بالحرية والكرامة.
باسم رفض التصعيد مع إسرائيل فإنهم يدعوننا إلى «تدليلها» والامتناع عن اتخاذ أى خطوة تكدر خاطرها. بحيث نكتفى بمخاطبة أنفسنا ودغدغة مشاعر شعوبنا من خلال الضجة الإعلامية ومظاهرات الشوارع.
يشهرون فى وجوهنا الاتفاقية باعتبارها صكا مقدسا على مصر أن تلتزم به، فى حين إسرائيل معفاة من ذلك الالتزام بمقتضى سياسة التدليل التى أشرت إليها توا.
وقد تلقيت حول هذه النقطة تعليقا من المستشار سمير حافظ عبر فيه عن دهشته من إشارة البعض إلى الاتفاقية وكأنها معاهدة محترمة بين طرفيها. إذ ذكرنا بأن قوات الطوارئ الدولية المشكلة بمعرفة الولايات المتحدة كذبت الادعاء الإسرائيلى بأن قتل المصريين تم من خلال قصف من جانب إحدى طائراتها. إذ أعلنت فى تقرير لها أن قوة إسرائيلية مسلحة اخترقت الحدود المصرية وارتكبت جريمتها، الأمر الذى يعد غزوة اعتدت بمقتضاها إسرائيل على السيادة المصرية.
وهذا الاعتداء يمثل انتهاكا للاتفاقية وخرقا صريحا لنصوصها. وكان أجدر بالذين يدافعون عنها أن يكفوا عن نقد رد الفعل المصرى، وأن يطالبوا إسرائيل بأن تحترم التزاماتها التى وقعت عليها، وإلا أصبح من حق مصر أن تطالب بإعادة النظر فى نصوصها.
إننا نريد فى الوقت الراهن ــ وحتى إشعار آخر ــ أن يدرك الجميع أن زمن تدليل إسرائيل قد انتهى. فما عدنا مستعدين لاحتماله، ناهيك عن أنهم لا يستحقونه أصلا.

علم ليبيا… عمرو الشوبكي


رحلة صعود وسقوط القذافى هى ميلودراما حقيقية فيها من العبر والدروس ما يجب أن يقرأه الجميع بجدية، ليس بغرض تصفية حسابات مع الماضى، إنما من أجل صناعة مستقبل أفضل لليبيا ولشعوب المنطقة.
واللافت أن الثورة الليبية المنتصرة هى الثورة العربية الوحيدة التى رفعت علم النظام الملكى (علم الاستقلال)، وهو ما لم يحدث فى تونس ومصر واليمن وسوريا، حيث ظلت أعلام النظم الجمهورية فى قلوب الثوار رفعوها بفخر فى كل مكان دون أن يتخيلوا أصلا أنهم يمكن أن يرفعوا علماً آخر حتى لو كان علم بلادهم فى فترات تاريخية سابقة.

ليبيا هى الحالة الوحيدة التى لفظ شعبها علم «بلاده»، لأنه أصبح علم نظامه، وهى رسالة فى غاية الوضوح أن النظام الذى تحدث عن نظريات عالمية وكتاب أبله (أخضر) ونظرية ثالثة لحكم العالم وجمهورية حولها إلى جماهيرية عظمى، وشعارات سياسية وأيديولوجية جذبت المختلين والمستفيدين ــ لم يترك أثراً إيجابياً واحداً فى المجتمع الليبى رغم استمرار حكم القذافى ٤٠ عاماً.

إن من يرى القذافى عام ١٩٦٩ حين قام بانقلابه العسكرى يجد أنه كان مفعماً بالأحلام الثورية والرغبة فى الوحدة العربية ومحاربة إسرائيل، وكيف حولته السلطة المطلقة إلى واحد من أسوأ الحكام العرب، وهى رسالة لكل من يتصور أن هناك حصانة خاصة لأى ثائر تحول دون انحرافه بعد وصوله للسلطة.

تماماً مثل الأفكار السياسية التى لا تقبل الديمقراطية، لأنها تدعى أنها ثورية أو دينية وتعطى لنفسها حصانة خاصة فوق المساءلة، فكانت نتيجتها النظم الشيوعية فى أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتى، التى انهارت واختفت أعلامها، لأنها كانت أعلام أيديولوجيات وليس أوطاناً، أو نظماً قالت على نفسها ثورية مثل القذافى هدمت كل أركان الدولة الليبية وقضت على كل المؤسسات، فحولت الجيش الوطنى إلى ميليشيا ثورية سرعان ما انقسمت على نفسها، وقضت على القضاء والمحاماة والتجارة ودمرت الجهاز الإدارى للدولة وألغت الأحزاب والنقابات، وأعادت الدولة إلى القرون الوسطى وهى رافعة بكل هدوء شعارات بلهاء فى السياسة كما فى الاقتصاد.

إن أى تجربة حاولت أن تهندس المجتمع ثقافياً واجتماعياً وفق أجندة أيديولوجية كان مآلها الفشل الذريع، وكل تجربة احترمت هذه القيم دون أن تستسلم لجوانبها السلبية، بل حرضت الناس على تغييرها بمحض إرادتهم ودون إجبار كان مآلها النجاح.
وهذا هو الفرق بين المشاريع الديمقراطية والمشاريع الشمولية، ودرس ليبيا هو درس للثوار والمجلس الانتقالى أن عليهم أن يؤسسوا أولاً دولة القانون، وهى أيضاً رسالة لكل الشعوب العربية الثائرة أن الثورة وسيلة وليست غاية، وأن عليها من الآن أن تبدأ فى بناء نظم جديدة تحترم مواطنيها، لأن درس «العلم الليبى» هو درس لكل ديكتاتور عاش فى برج عاجى وتصور أنه قائد ثورة وهو فى الحقيقة كان حالة نفسية خربت ودمرت الكثير فكان لابد من اقتلاعها.

مبروك انتصار الثورة الليبية كوسيلة لتأسيس نظام جديد يحفظ كرامة الشعب الليبى وحقوقه ويبنى نهضته وازدهاره، والرحمة والمجد للشهداء الأبرار.

تداعيات الزلزال السوري …. فهمي هويدي


حين يبدأ الحديث عن سوريا ما بعد الأسد فلن يعنى ذلك المراهنة على سقوط النظام فحسب، ولكنه يعنى أيضا أن المنطقة مقبلة على زلزال من الدرجة العالية، ستجاوز أصداؤه حدود البلد ذاهبة فى ذلك إلى أبعد مما يتصور كثيرون.
(1)
مشكلة النظام السورى أنه بدد رصيده وحرق أوراقه وحاصر نفسه فى نهاية المطاف، وأزعم أنه طوال الأشهر الستة الماضية أعطته الأطراف الإقليمية والدولية فرصا كثيرة لكى يستعيد توازنه ويتصالح مع شعبه ويبقى على علاقاته الإيجابية مع أصدقائه. ولكنه أهدر تلك الفرص واحدة تلو الأخرى.
فى الوقت الراهن فإن نيران الغضب الشعبى العارم أصبحت تعم الرقعة السورية كلها، الشرارة خرجت من درعا القريبة من الحدود الأردنية فى أقصى الجنوب ووصلت إلى القامشلى على الحدود التركية فى أقصى الشمال. وانتشرت من البوكمال القريبة من الحدود العراقية فى الشرق وحتى اللاذقية وطرطوس المطلتين على البحر المتوسط فى الغرب. وعمت نيرات الغضب المدن الكبرى بما فيها حمص وحماة وأدلب ودير الزور. ووصلت إلى دمشق مقر السلطة، وحلب قلعة الصناعة والتجارة. الأمر الذى يعنى أننا بصدد ثورة شعب لم يهدأ لهيبها منذ منتصف مارس الماضى، رغم جهود القمع الوحشى الذى تتعرض له جماهيره.
تتحدث تلك التقارير أيضا عن أن القتلى الذين تم حصرهم تجاوزوا 2300 شخص، وأن أكثر من ثلاثة آلاف اختفوا ولم يعثر لهم على أثر. أما المعتقلون فقد تجاوز عددهم خمسة آلاف. وتوثق الصور المتوافرة على «اليوتيوب» وعلى مختلف مواقع التواصل الاجتماعى أساليب التنكيل والتعذيب والقسوة المفرطة التى لجأت إليها السلطة فى إصرارها على سحق المتظاهرين، الأمر الذى نسف دعوى النظام بتحميل المسئولية لجماعات إرهابية انشقت عنها الأرض فجأة، وظهرت فى ربوع سوريا رغم القبضة المحكمة التى تخضع لها البلاد منذ نحو أربعين عاما. فى الوقت ذاته فإن استمرار تلك الأساليب نسف أيضا كل وعود السلطة بالإصلاح وأفرغها من مضمونها.

(2)
المشكلة تكمن فى صلب وبنية النظام السورى المستمر منذ أكثر من أربعين عاما. إذ لا مكان ولا مجال للسياسة أو حتى السياسيين فى الداخل، ومصطلح السياسة يظهر فقط فى التعامل مع الخارج. أما الداخل فالسلطة تدير المجتمع بواسطة أجهزتها الأمنية ولا تسوسه. والسلطة لا تعنى سوى الرئيس والأجهزة الأمنية. أو الرئيس وسوطه إن شئت الدقة. وكل ما عدا ذلك ــ بما فى ذلك حزب البعث ذاته ــ هياكل لا وجود لها على الأرض.

النظام السورى مضطر لاستخدام السياسة فقط فى الخارج لأن ثمة طرفا آخر ينبغى مخاطبته والتعامل معه. وهو ليس مضطرا إلى ذلك فى الداخل لأن المجتمع ملغى منه المعادلة. والتعامل معه يتم على قاعدة الإخضاع وليس الحوار، لذلك فإنه منذ تفجرت أحداث درعا فى منتصف شهر مارس الماضى، فإن السلطة بأجهزتها الأمنية لم تنشغل إلا بشىء واحد هو كيفية قمع الجماهير وإسكات صوتها. وكل ما قيل عن حوار داخلى منذ ذلك الحين كان مقصودا به مخاطبة الخارج ومخادعته. فضلا عن محاولة كسب الوقت بطبيعة الحال.

كثيرون يستعيدون فى الوقت الراهن أحداث التمرد فى حماة عام 1982 الذى سحقته أجهزة الأسد الأب، واستخدمت فى ذلك الطائرات والأسلحة الثقيلة. مما أدى إلى قتل ما بين 20 و25 ألف نسمة، كما أدى إلى تدمير أحياء بكاملها من المدينة وقد لجأ النظام هذه المرة إلى ذات الأساليب دون أن يدرك أن ما مر آنذاك يتعذر تمريره الآن. فالدنيا تغيرت والناس اختلفوا. وأساليب الاتصال ما عاد ممكنا حصارها أو منعها من فضح الجرائم وتعميمها على العالم.

(3)
الواجهة الخارجية للنظام اختلفت تماما عن صورة البيت فى الداخل. فقد كسب النظام من عدة مواقف تمثلت فيما يلى: رفع لواء الممانعة فى التعامل مع إسرائيل واستضافة قيادات الفصائل الفلسطينية ــ مساندة المقاومة الوطنية فى لبنان ــ احتفاظه بعلاقات استراتيجية مع إيران ــ مساندته للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكى ــ انفتاحه الإيجابى على تركيا. وأيا كانت دوافعه إلى ذلك. فإن الإنصاف يقتضينا أن نسجل تلك المواقف لصالحه، رغم إدراكنا أن نظام دمشق حافظ على تهدئة الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، ولم يسمح بإطلاق رصاصة واحدة تجاهها منذ احتلال الجولان فى عام 67.

لا وجه للمقارنة بين إيجابية الصورة من الخارج وقبحها فى الداخل. والأولى لا تبرر ولا تعوض الثانية بأى حال.
بهذه المناسبة فإن أبواق النظام تروج منذ بدأت الانتفاضة الشعبية لمقولة إن سوريا مستهدفة وأنها تتعرض لمؤامرات عدة من الخارج. وهذا صحيح بصورة نسبية، إلا أن الذين استهدفوا النظام لم تكن تقلقهم على الإطلاق سياسته الداخلية، فقد كانوا من أكبر أعوان وحلفاء المستبدين فى مصر وتونس. ولكنهم أرادوا من النظام أن يغير من سياساته الخارجية خصوصا ما تعلق منها بالتحالف مع إيران ودعم حزب الله فى لبنان. بالتالى فلا علاقة بين استهداف الخارج وبين تحرك الجماهير ضد النظام. بل قد أزعم أن ذلك التحرك قد يقلق المتآمرين عليه بأكثر مما يريحهم أو يطمئنهم، لأن المشاعر الوطنية والعروبية المتجذرة لدى الشعب السورى ونخبه الواعية قد تستدعى بديلا ديمقراطيا للنظام القائم يكون أكثر التزاما بالمواقف القومية وأشد إخلاصا لقضية العرب المركزية.


(4)
لا تزال الدبابات تقتحم المدن، فى حين أن المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام صامدون فى الشوارع، غير آبهين بزخَّات الرصاص الموجه صوب صدورهم العارية. وإزاء استمرار ضغوط الداخل والخارج المتزايدة فليس مستبعدا أن يلجأ النظام إلى إشعال نار الحرب الأهلية بين الأقلية العلوية القابضة على زمام السلطة وبين الأغلبية السنية. وهناك من يراهن على قدرة السلطة على سحق الجماهير الغاضبة فى نهاية المطاف وإقامة نظام أكثر بوليسية وأشد مذهبية، لكن كثيرين يرون أن الدماء الغزيرة التى سالت والمعاملة الوحشية التى تتلقاها الجماهير الغاضبة على أيدى شبيحة النظام وجلاديه تجعل استمرار التعايش مستحيلا بين السلطة والمجتمع. من ثم فإنهم يرجحون احتمال سقوط النظام.

إذا جاز لنا أن نلخص الخيارات المطروحة فستبدو الآن كالتالى:
إذا استمر النظام فستكون تلك كارثة سيدفع ثمنها الشعب السورى، أما إذا سقط فسنكون بصدد كارثة أخرى قد تؤدى إلى قلب سوريا ذاتها وقلب الموازين فى المنطقة. ومضمون الكارثة الأولى يمكن تخيله بحسبانه استرجاعا وتعميما لمذبحة حماة.
أما الكارثة الثانية فهى تحتاج إلى بعض التفصيل.
  • فنحن لا نعرف إلى أى مدى ستتورط الطائفة العلوية فى تأييد النظام. وبالتالى لا نعرف حجم الثارات التى سيرتبها ذلك بين العلويين والسنة. بذات القدر فثمة أسئلة لابد أن تثار حول مصير الفصائل الفلسطينية المستقرة فى دمشق والتى استجابت لضغوط النظام واصطفت إلى جانبه ضد الشعب السورى.
  • وفى ظل الاحتقان الحاصل فى لبنان، بين فريقى 14 و8 آذار، وحزب الله الذى أعلن وقوفه إلى جانب النظام السورى يشكل القاعدة الأساسية لفريق 8 آذار، فإن سقوط نظام دمشق سيحرم حزب الله من حليف وداعم أساسى، وبالتالى سيضعفه فى مواجهة الفريق الآخر، الأمر الذى يهيئ مناخا لتفجير الموقف الداخلى فى لبنان. ذلك أن فريق 14 آذار الذى يقوده سعد الحريرى المؤيد غربيا والمدعوم من قبل معسكر الاعتدال العربى، سيجد الظرف مواتيا لتشديد انقضاضه على حزب الله، الذى يواجه موقفا حرجا الآن بعد توجيه الاتهام إلى أربعة من أعضائه فى قضية مقتل رفيق الحريرى.
  • وإذا لاحظت أن إيران تقف بقوة إلى جانب النظام السورى، وأن هذه المساندة استتبعت تأييدا واسعا له من جانب أغلب الشيعة فإن سقوط نظام دمشق سوف يؤدى مباشرة إلى فض تحالفه الاستراتيجى مع طهران، وهو ما سيرتب نتيجتين إحداهما إضعاف موقف إيران وزيادة عزلتها بصورة نسبية، والثانية إضعاف موقف حزب الله. وإذا ما حدث ذلك فإنه سيشكل فرصة قد تغرى إسرائيل بأن توجه ضربتها العسكرية لإجهاض المشروع النووى الإيرانى. ومعلوم أن تماسك المثلث ثلاثى الأضلاع الذى يضم سوريا وإيران وحزب الله، يشكل أحد المعوقات الأساسية التى حالت دون إقدام إسرائيل على تلك الخطوة طوال السنوات الثلاث الأخيرة، ذلك أن إسرائيل ظلت طول الوقت تتحسب لرد الفعل الذى يمكن أن يصدر عن حزب الله بوجه أخص إذا ما شنت ذلك الهجوم.
  • أصداء السقوط المفترض ستسمع فى العراق أيضا. ذلك أنه إذا ما أصبح الشيعة فى الموقف الأضعف، بعد إنهاء التحالف الاستراتيجى لإيران مع سوريا فى ظل إضعاف دور حزب الله وحصاره، فإن ذلك سيخل بموازين القوى داخل العراق، ومن ثم سيغل يد إيران فيها، الأمر الذى قد يقوى من ساعد أهل السنة وينعش تطلعهم إلى زيادة حصتهم وتحسين أوضاعهم. وهو ما قد يجدد الصراع فى الساحة العراقية.
  • تركيا لن تكون بعيدة عن أصداء السقوط. ذلك أن النقد العلنى الذى وجهته أنقرة لممارسات النظام السورى لم يؤد فقط إلى توتير العلاقة مع دمشق، وإنما دفع الأخيرة إلى استخدام ورقة الأكراد للضغط على النظام التركى وإزعاجه. ومعلوم أن ثمة أكرادا يعيشون فى سوريا. كما أن بعض عناصر حزب العمال الكردستانى المناوئ لتركيا لا تزال تحتمى بالتراب السورى. وفى كل الأحوال فإن أنقرة لن تقف متفرجة لأنها تعتبر أن أى اضطرابات تحدث فى سوريا، التى تشترك معها فى حدود بطول نحو 800 كيلومتر، تمس أمنها القومى، ولابد من التعامل معها بما يحمى المصالح التركية.
  • وبقدر ما إن روسيا ستعتبر أن سقوط النظام السورى يعنى اختفاء آخر حليف باق لها فى العالم العربى، فإن ممثلى الدول الغربية الكبرى النشطين والمتربصين فى لبنان سوف يرون فى ذلك السقوط فرصة ذهبية تتيح لهم المضى قدما لتحقيق مخططاتهم التى تستهدف إعادة رسم خريطة لبنان السياسية والمنطقة العربية.
لا نستطيع حصر كل أصداء سقوط نظام دمشق، ولكننا نستطيع أن نؤكد شيئا واحدا هو أن استعادة الشعب السورى لكرامته وكبريائه هدف جلل، يهون لأجله أى ثمن يدفع، خصوصا أنهم لم يترددوا فى دفع مقدم ذلك الثمن من دمائهم.

من أجل هذا …….. معتز بالله عبدالفتاح


من أجل هذا التلاحم الشعبى أمام السفارة الإسرائيلية، هذا التلاحم الذى يتخطى الاختلافات الدينية والعمرية والأيديولوجية والحزبية، لا أميل للمبالغة فى النقد، ولا أميل للمبالغة فى تصديق الانتقادات.
ذلك أننى أعلم أن دماء الوطن التى تجرى فى عروقنا ستترجم إلى عطاء وقت الحاجة. سيقف المجند مع المدنى، والشرطى مع المواطن فى مواجهة الغاصب والمعتد.
من أجل يقينى أننا فى النهاية جميعا مصريون محبون لهذا الوطن، لا أقبل مبالغة هؤلاء فى نقد أولئك.
من أجل هذا الوطن، أجدنى دائما باحثا عن قوة الوسط، ساعيا لإضعاف التطرف. من أجل هذا أعمل من أجل حياة سياسية فيها وسط قوى متعاظم متماسك، وأطراف هشة نستفيد من انتقاداتها وأطروحاتها ولكن لا مجال لأن تتمكن منا، لأنها لو تمكنت ستدمرنا جميعا. 
من أجل هذا الوطن، أعلم أن التطرف فن يجيده كل أحد، أما الاعتدال وضبط النفس واستقراء مواطن القوة فى حجج أصحاب الموقف الضعيف، واستقراء مواطن الضعف فى حجج أصحاب الموقف القوى، والقدرة على تقبل الآخر والتعايش مع الاختلافات هو ما جعل أمما تنهض وأخرى تنهار.

من أجل هذا، وجدتنى لا أميل إلى فكر المرجئة والجبرية، ولا أميل إلى فكر الخوارج والقدرية، وأرحب بأفكار أهل السنة والجماعة والمعتزلة على ما بينهما من خلاف لأنهما فى نهاية أقرب إلى الوسط القوى الذى يؤمن أن صحيح المعقول لابد أن يتفق مع صحيح المنقول، وأن العقل نور وأن الوحى نور، ولا يتعارض النور مع النور.
من أجل هذا الوطن، وجدتنى أدافع عن بعضٍ من مواقف الثوار لأنى أعلم نبل مقصدهم، وأدافع عن بعضٍ من مواقف المجلس الأعلى لأنى أعلم ثقل حملهم، وأهاجم عددا من مسئولى حكومة الشرف الأولى لأنى أعلم تقاعسهم، وأطالب بإعطاء فرصة كاملة للتشكيل الوزارى الجديد لأنى أعلم كفاءة الكثيرين منهم.
من أجل هذا الوطن، أعلم أننى فى المنتصف بين المتراشقين، وسيصيبنى من هؤلاء وأولئك ما قد لا أحب. ولكن الأحب إلىّ هو ألا نفشل جميعا لأننا تطرفنا فى وقت احتجنا فيه للاعتدال، وتفرقنا فى وقت احتجنا فيه للوحدة، وتنافسنا فى وقت احتجنا فيه للتنسيق، وتصارعنا فى وقت احتجنا فيه للتعاون.
من أجل معرفتى أن تنافس الأندية الرياضية المصرية لن ينفى عنهم أنهم جميعا سيعملون من أجل «منتخب مصرى» أقوى وأفضل وأكثر قدرة على المنافسة، لا أشجع أى ناد مصرى بذاته. لا «أهلى» ولا «زمالك» ولا غيرهما إلا حين يمثل أى منهم مصر فى مسابقة خارجية، فأشجعه بكل وجدانى لأنه يمثل مصر.
ولم أضبط نفسى متلبسا قط بأن أتمنى أن يهزم فريق أجنبى فريقا مصريا لمجرد أننى أشجع فريقا مصريا آخر. من يمثل مصر ومن يعمل من أجل مصر يستحق منى كل الدعم وكل التشجيع، لأن مصر فوق الجميع.
من أجل هذا الوطن، أرفض أن يغتال أحدنا الآخرين معنويا مهما بلغنا فى انتقاد مواقفهم. مصر بحاجة لكل أبنائها. المصريون بحاجة لأن يوسعوا من دائرة «نحن» وأن يضيقوا من دائرة «هم». نحن جميعا الوطن، ولا فضل لمصرى على مصرى إلا بالعمل الدءوب من أجل رفعة مصر. وليعلم كل مصرى أنه إما أن يكون سببا فى رفعة مصر بحسن فهمه واجتهاده فى خدمتها، أو شاهدا على تراجعها بتشدده وتقاعسه عن الانتصار للوطنية المصرية الجامعة.
هذا الكلام هو لسان حال الملايين من المنتمين إلى التيار الرئيسى للجماعة الوطنية المصرية. من أجل هؤلاء، وبهم، ستنهض مصر. 

الاثنين، 22 أغسطس 2011

كامب ديفيد عمل بشري وليست اتفاقية مقدسة….. فهمي هويدي


نريد أن نرفع القداسة عن اتفاقية كامب ديفيد، ونتعامل معها باعتبارها عملا بشريا يؤخذ منه ويرد، طبقا لما تقتضيه المصلحة العليا لمصر. أدري أنها اتفاقية دولية، وأنها تمت في ظل موازين قوة أو موازين ضعف معينة، كما أنني أؤيد أنها لا ينبغي أن تكون موضوعا للعبث والمزايدة ولا محلا للمغامرة. لكن ذلك لا ينبغي أن ينفي عنها بشريتها أو إخضاعها لاعتبارات المصلحة العليا.
أقول هذا الكلام بمناسبتين، الأولى ما نشرته صحف أمس (السبت 20/8) على لسان الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق في لقاء له بمدينة طنطا أن من يتحدثون عن إلغاء اتفاقية كامب ديفيد لا يدركون عواقبها، وأنهم فتوات يمارسون «الفتونة» في غير مكانها، وقوله إن موضوع الإلغاء مستحيل لأننا وقعنا الاتفاقية بشهادة العالم وتحت سمعه وبصره.
أما المناسبة الثانية فهي ما يحدث الآن في سيناء، والحملة التي تباشرها أجهزة السلطة المصرية لاستعادة الأمن وضبط المجموعات التي تباشر أعمال عنف غير مشروعة هناك. وهي الحملة التي تتابعها إسرائيل وتحدثت عن أنها «سمحت» بإدخال تعزيزات أمنية مصرية لمساندتها وقد استشعرت وخزا ومرارة حين تكرر ذلك التصريح في وسائل الإعلام
الإسرائيلية، لأنني مازلت غير قادر على تصديق فكرة استئذان إسرائيل كلما أرادت مصر أن تعزز وجودها الأمني في سيناء، التي مازالت جزءا لا يتجزأ من تراب مصر الخاضع لسيادتها.
أدري أن ذلك أمر قررته الاتفاقية المذكورة، إلا أنني أفهم أيضا أنه من الأمور المعيبة التي لا ينبغي السكوت عليها واحتمالها طول الوقت. وربما كانت مما ينبغي إعادة النظر فيه يوما ما.
أوافق تماما على أن ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية له حساسيته، وينبغي التعامل معه بحذر شديد، الأمر الذي ينبغي أن يستبعد دون تفكير أي خطوة غير محسوبة، أو أي إجراء لا تؤمن عواقبه أو يكون الضرر فيه أكثر من النفع. كما أنني أفهم أن التصدي لمختلف ملفات السياسة الخارجية له شروطه التي ينبغي استيفاؤها أولا. وفي مقدمتها قوة وثبات الموقف الداخلي، سياسيا واقتصاديا بالدرجة الأولى.
لكني لا أوافق على الإطلاق على أمرين
  • أولهما أن نصبح عبيدا للاتفاقية. بحيث يظل دورنا محصورا في الانصياع والامتثال لها. رغم ما قد تشوبه بعض بنودها من إهدار للمصالح العليا.
  • وثانيهما أن نحيط الاتفاقية بهالة من القداسة، تجعل من المستحيل الاقتراب منها من أي باب.
  • ثم إنني أضيف أمرا ثالثا هو أن خياراتنا في التعامل مع أي اتفاقية مهما كان استكبار أو صلافة أي طرف لها لا تتراوح بالضرورة بين الإلغاء أو الانصياع. لأن هناك خيارا ثالثا واسع المجال يتمثل في تعديل بعض بنودها التي يتبدى فيها الإجحاف والظلم. ذلك أننا إذا كنا نرفض المغامرة بالإلغاء. فإننا نرفض أيضا استمرار ما فيها من إجحاف، قبلته مصر في ظروف معينة قبل ثلاثين عاما، وهذه الظروف طرأت عليها متغيرات في بنية المجتمع المصري وتركيبته السياسية ينبغي أن توضع في الاعتبار.قبل أسابيع قليلة هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإلغاء اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، ردا على قرار السلطة في رام الله التوجه إلى الأمم المتحدة وطلب الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة. وتحدثت التقارير الصحفية عن دراسات تجرى في إطار الخارجية الإسرائيلية لتداعيات هذه الخطوة وآثارها، ولم يقل أحد إن أوسلو مقدسة أو أنه يستحيل الاقتراب منها، لأنها صنعت تاريخا جديدا في علاقات الإسرائيليين بالفلسطينيين، ولكن الموضوع لا يزال محل مناقشة في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
    إذا قال قائل إن نتنياهو لوح بهذا القرار وهو مدرك أنه في موقف القوة، فلن اختلف معه واعتبر هذه الحجة مؤيدة لما أدعو إليه، من ضرورة التمكن من أسباب القوة التي تمكن صاحب الحق من أن يجهر بحقه ويدعو إليه، بحيث يكون واثقا من أن كفة المصلحة ستكون أرجح من الضرر أو المفسدة، علما بأنني لا أتحدث عن إلغاء اتفاقية كامب ديفيد (وهو ما أتمناه)، وإنما أتحدث عن الاستعداد لمراجعة بعض بنودها وصياغتها بصورة تكون أكثر اتفاقا مع المصلحة الوطنية المصرية، أقول ذلك دون أن أخفي اقتناعا بأن تلك الاتفاقية تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن انكسار مصر وتقزيمها كما تتحمل المسؤولية عن التفريط في حقوق الفلسطينيين وفتح الباب لتصفية القضية.
    لو أن الفريق شفيق حذر من التهور في التعامل مع الاتفاقية، وقال إنها يمكن أن تقرأ وتراجع بعض بنودها في ضوء المصلحة العليا لمصر. لكان أكثر توفيقا وأحكم. لكن كلامه عن استحالة الاقتراب منها وتصويرها بحسبانها اتفاقية أبدية وأرثوذوكسية لا نملك إلا أن نقبل بها كما «أنزلت» يسيء إليه كسياسي يطرح نفسه مرشحا لرئاسة الجمهورية. وإذا ما أصر على موقفه هذا فإنه سيخسر صوتي على الأقل.

الأحد، 21 أغسطس 2011

إسرائيل تتحدانا ……….. معتز بالله عبد الفتاح


«إن دم الإنسان المصرى أغلى من أن يذهب بلا رد، وأكرم من أن يكون بلا قيمة. إن ثورتنا المجيدة قامت كى يستعيد المصرى كرامته فى الداخل والخارج. وما كان مقبولا فى مصر ما قبل الثورة، لن يكون مقبولا فى مصر ما بعد الثورة. عاشت مصر عظيمة وعاش أهلها يتمتعون بما يستحقون من كرامة».
كانت هذه هى الكلمات التى جاءت على الصفحة الخاصة برئاسة الوزراء على موقع فيس بوك. ومهما تباينت وجهات نظر القراء تجاهها فمن الواضح أن المصريين فى النهاية وطن واحد ونسيج واحد ويد واحدة على من عداهم. وهذا هو معنى الجماعة الوطنية الجامعة. نختلف بشدة وربما بتشدد أحيانا، لكننا فى النهاية نعرف من هو العدو ومن هو الصديق، نتناقش باستبعاد وإقصاء أحيانا، وهما آفتان بحق، لكن نحاول فى النهاية أن يستوعب بعضنا بعضا. المنكر واضح والاستنكار واجب.

حان الوقت أن يكون لمصر رؤية إستراتيجية بشأن دورها الإقليمى والعالمى. وأول ملامح هذه الرؤية أن نخلع عن أنفسنا عباءة مبارك. ولنعلم فى يقين أن مبارك ورجاله قللوا من قيمة مصر فى محيطها كى تتناسب مع أوزانهم فى مراكزهم. بعبارة أخرى كى يتناسب حجمهم مع مناصبهم، جعلوا حجم مصر لا يتناسب مع تأثيرها فى محيطها. وعليه، كنا بلا أنياب تظهر عند الغضب، وبلا بأس يخشى عند الإهانة، وبلغة أهل الاختصاص كنا «قوة خاملة». كالدب الذى شاخ ويريد أن «يقضى مدته على خير» كما يقولون فى السجن أو الموظف الذى لا يريد «وجع دماغ».

نحن بحاجة لأحمد داوود أوغلو مصرى. مصر تستحقه وتستطيعه. مصر بحاجة لرؤية إستراتيجية تجعلنا طرفا فى كل قضايا منطقتنا بما يعظم من تأثيرنا، ويحل مشاكل منطقتنا دون أن يجرنا لتكلفة باهظة فى منطقة ملتهبة. وهذه النقطة الأخيرة هى جوهر القضية. ولنتذكر ما قاله الرئيس عبدالناصر، رحمة الله عليه، فى أعقاب هزيمة 1967 والتى قال فيها إنه أنجر إلى المعركة، جزئيا، بسبب التصعيد الشعبى والإعلامى والدبلوماسى المبالغ فيه منذ إعلان الاتحاد السوفييتى عن وجود حشود إسرائيلية على حدود سوريا، وهو ما تبين خطؤه بعد ذلك. وهنا كان اصطياد «الديك الرومى». وهذا الأخير كان اسم العملية العسكرية ضد مصر آنذاك.

إذن هذه رسالة ثلاثية:
أولا إلى حكومتنا ومجلسنا الأعلى للقوات المسلحة، نحن معكم ما دمتم معنا. وما دام مصاب الشعب هو مصاب الحكومة والجيش، فكلنا على قلب رجل واحد حتى لا تكون مصر «عرجاء هذا الوادى» من الشرق الأوسط. 
ثانيا إلى شعبنا العظيم، من حقكم الغضب بل هذا هو رد الفعل الطبيعى لأى أمة أبية تعى كرامة أبنائه، ولكن لا نترك لمشاعرنا فقط أن تحدد لنا أولوياتنا. فهناك من يرى مصر ديكا آخر. وإن أردنا نصرة وطننا، فلا معنى لأن يطلق المصريون الدنيا ويتزوجها غيرهم. اعملوا وانتجوا واجعلوا ثورتنا طاقة عمل وإنتاج كى يعى غيرنا أن فى هذا البلد شعبا صانعا للمعجزات الاقتصادية كما أبهر العالم بمعجزته السياسية.

ثالثا إلى إسرائيل، حكومة وشعبا، «كنز إسرائيل الاستراتيجى» انتهى، وأيا ما كانت صفقاتكم معه، فقد ذهبت معه. قواعد اللعبة الجديدة تختلف كثيرا عن القديمة، وجوهر الاختلاف أن المصرى أثبت أنه حى وقادر وراغب فى أن يحيا بكرامة، وأن الكرامة ليست أقل أهمية من الحياة نفسها. نحن نتوقع اعتذارا وتحقيقا وإدانة للجناة وتعويضا لضحايا المصابين، وتعديلا جادا لاتفاقية السلام حتى لا يتكرر ما حدث. 
وليكتب هذا الجيل من المصريين مقومات المجد والعزة بأعمالهم قبل كلماتهم. 

المعادلة اختلفت يا إسرائيل


لم تدرك اسرائيل أن هناك ثورة فى مصر بعد.. فأقدمت على فعلتها الشنعاء الغبية.. هل تظن أن الأمر سيمر مثل كل مرة.. هل ستضحى اسرائيل بعاهدة كامب ديفيد والتي يعدونها في اسرائيل نفسها أكبر إنجاز حققته اسرائيل بعد إنجاز قيام الدولة المشؤومة؟

أيها الأغبياء… لقد نفد رصيد كنزكم الاستراتيجى … وهو محبوس ويحاكم الآن… ولن تجدوا عندنا إلا أمثال الشهيد/ سليمان خاطر والبطل/ أيمن حسن وأخيرا وليس آخرا البطل/ أحمد الشحات الذي تسلق مبنى السفارة الاسرائيلية (22طابق) وأنزل العلم الصهيوني ورفع علم مصر… رفع علم مصر على أرض (اسرائيلية) وهى سفارة العدو الصهيوني على الأرض المصرية… وهي بشارة لرفعه على باقى الأراضى الاسرائيلية…

أيها الصهاينة … "قطرة دم من أى مصري أغلى من يهود العالم" عبارة رفعها أحد المتظاهرين أمام سفارتكم الملعونة… هذه هى المعادلة الآن.. لن نرضى بالذل والخنوع… أنقذوا أنفسكم من غضب 85 مليون مصري ومن ورائهم 300مليون عربي…  

رغم أنه منذ بداية الثورة وأثنائها وبعد خلع مبارك "الكنز الاستراتيجى" للصهاينة، لم يتكلم أحد عن اسرائيل ولم نسمع من رموز ثورية أو حزبية أو مجتمعية أو من مرشحى الرئاسية، لم نسمع شيئا عن اسرائيل وعندما يسأل أحد منهم عن الاتفاقية كانت معظم الاجابات أننا نحترم الاتفاقية طالما احترمها الصهاينة ولا نية لإلغائها.. ولكن يأبى الغباء الصهيونى إلا أن يفتح على اسرائيل أبواب جهنم بفعلتها الحمقاء.

قلت -ومازلت أقول- أن الثورات العربية هى بداية النهاية للمشروع الصهيوني، وأن مجرد قيام دول ديمقراطية قوية اقتصاديا ومجتمعيا كفيل بأن يلفظ هذه الدولة السرطانية من الجسد العربي، وكان رأيي -ورأي الجميع- أن ننتبه إلى بلادنا فنقيم نظامنا الديمقراطي المنتج، نظام يقوم على العدل والمساواة والحرية، وننطلق بكل قوة فى تنمية بلادنا حتى نأخذ مكاننا الذي يليق بنا.

جاء هذا الحدث ليقلب الموازين، وأظن أنه تهور إسرائيلي وليس مخططا -وإن كان هناك رأي وجيه بأنه مخطط صهيوني لجس النبض أو لشغلنا عن التنمية والبناء- ولكن على إسرائيل أن تدفع ثمن تهورها. ولكن هل تكون مشيئة الله في أن تبدأ المواجهة -المحتومة- مبكرا مع إسرائيل؟ وهل ستسير التنمية بالتوازى مع مواجهة مباشرة مع اسرائيل وبداية حرب تحرير طويلة تنتهي بإذن الله بتحرير الأقصى وفلسطين؟

بالحسابات البشرية لانريد هذه المواجهة الآن، ولا يجب أن ندفع لها فى توقيت يحددونه هم، بل لابد أن نكون مستعدين وأن نختار نحن الزمان المناسب. ولكن لدينا ألف طريقة وطريقة للرد على الصلف الصهيوني بدون إعلان الحرب.
ويبدو أن القدر يخفي لنا أمرا آخر ويجب أن نستعد له من الآن، نستعد لأن نكون "مجتمع المقاومة" بـ "إعلام المقاومة" و"اقتصاد المقاومة" و "ثقافة المقاومة" و "تعليم المقاومة" ….. الخ

السبت، 20 أغسطس 2011

بين المدنية والعلمانية …. معتزبالله عبدالفتاح

فرق الدكتور عبدالوهاب المسيرى بين العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية. ولو كان حيا بيننا لربما أعاد توصيف ما أسماه العلمانية الجزئية لتصبح ما يعنيه البعض اليوم باسم «المدنية» ودون الدخول فى تفاصيل معنى المدنية كما هو معروف فى دول ومجتمعات أخرى، فإن المدنى هو غير السياسى، كقولنا مجتمع «مدنى» أى يهدف إلى خدمة المجتمع دون السعى إلى الوصول إلى السلطة أو التأثر بتحيزاتها مثل منظمة توعوية تهدف إلى تحقيق الصالح العام دون أن تتبع حزبا أو الدولة، أو المدنى أى «غير الدينى» (وليس المضاد للدين) أى الذى يحاول تحقيق أهداف إنسانية عامة بغض النظر عن الاختلافات الطائفية أو الدينية، أو المدنى أى غير العسكرى، الذى يحاول أن يجنب المجتمع القرارات السلطوية والتسلطية القادمة من العسكر. وهى ترجمات لثلاث كلمات بالانجليزية هى: civil، civic and civilian.
أما العلمانية فهى أعقد كثيرا من التوصيف «مدنى» لأن العلمانية حل لمشكلة مزمنة عاشها الغرب، ولم يعشها المسلمون، وإن كانوا عاشوا تجربة فيها بعض ملامح التجربة الغربية بسبب خروج المسلمين على المنهج وليس لعيب فى المنهج، وإن لم يستدع هذا بالضرورة استنستاخ الحل الأوروبى. 
●●●
المشكلة الغربية أن بابوات الكنيسة الكاثوليكية (مثل اربان الثانى، وجريجورى السابع، وانوسنت الثالث) أصدروا أحكاما دينية جعلت حقوق البشر رهنا بقرارات كنسية فى كل أمور الحياة. ومن المؤشرات التى اعتمد عليها الباحثون الغربيون لمعرفة ازدهار أو انحسار حكم الكهنوت (أى حكم الكنيسة) كانت ثلاثة مؤشرات:
  • أولا، هل للكنيسة جيش خاص بها موازٍ أو بديل عن جيش المملكة (الدولة)؟
  • ثانيا، هل الكنيسة هى التى تسيطر على نظام التقاضى بدءا من وضع القوانين انتهاء بإصدار الأحكام النهائية بين المتخاصمين؟
  • ثالثا، هل الكنيسة تقوم بفرض ضرائب مستقلة أو بديلة عن الضرائب التى تفرضها المملكة (الدولة)؟ 
معظم دول أوروبا شهدت هذه السيطرة المهولة للكنيسة، لكن نجحت انجلترا تحديدا فى أن تتخلص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية فى روما. ولكن مع ظهور البروتستانتية فى القرن السادس عشر، ثم الحروب الدينية فى القرن السابع عشر والتى مات بسببها الملايين، تنبه العقل الأوروبى إلى خطر خلط السياسة بالدين على مستويين: مستوى الحروب التى يضيع ضحيتها الآلاف وربما الملايين بسبب قرار من أحد آباء الكنيسة، ومستوى غياب الحريات السياسية وعلى رأسها الحقوق الديمقراطية (حق الأغلبية فى ألا تسمح للأقلية أن تستبد بها)، والحقوق الليبرالية (حق الآخرين، أغلبية أو أقلية، فى ألا تكون حقوقها رهنا بموافقة الأغلبية أو الطبقة المسيطرة اقتصاديا) وما كان لهذه الحقوق أن تمارس على الأرض إلا إذا قبلت الدولة بفكرة «المدنية» كما وردت فى هذا المقال.
أزعم أن مجتمعات المسلمين فى بعض مراحلها شهدت نوعين من الاستبداد السابق، ولم تشهد الثالث (أى استبداد المسجد أو علماء الدين). ذلك أن المسجد أصلا لم يكن تنظيما هيراركيا تراتبيا فى أى مرحلة (مثلما هو الحال بالنسبة للكنيسة)، المسجد فى الإسلام مجرد بناية أو زاوية، بل جُعلت الأرض كلها مسجدا للمسلمين، ومن حق المسلم السنى أن يتخير الفتوى التى يطمئن لها اجتهاده أو فهمه. 
أزعم، إذن، أن المسلمين بحاجة للديمقراطية كى تضمن كف بطش الأقلية الحاكمة عن الأغلبية المحكومة من خلال الآليات المتعارف عليها من انتخابات حرة نزيهة دورية تنافسية تحت إشراف قضائى، ورقابة المجتمع المدنى، ومشاهدة المجتمع الدولى (وهذا هو اختراع الديمقراطية). واحتياج المسلمين للديمقراطية ليس لعيب فى الإسلام، ولكن لأن بعض المسلمين لا يرتقون لتعاليم الإسلام، وهذا بدأ منذ عهد الدولة الأموية.
أزعم كذلك أن المسلمين بحاجة لـ«المدنية» أو سمها ضمان حقوق إنسانية مشتركة بغض النظر عن الاختلافات السياسية والدينية وبعيدا عن السيطرة العسكرية على الحياة السياسية. 
●●●
وبنفس المعنى، بكل ديمقراطية، نقبل، نحن المصريين، أن نضع قيودا على الديمقراطية بألا يصدر البرلمان أو رئيس الجمهورية أى قانون أو قرار يصطدم مع ما هو قطعى الثبوت قطعى الدلالة مع مبادئ الشريعة الإسلامية على اتساع «مذاهبها الفقهية».
ومع ذلك يظل أخيرا، التأكيد على أن المادة الثانية من الدستور لابد أن تبقى، ولكن لابد كذلك من تقييدها بقيدين فى مواد أخرى وهما قيدان من أصل الشريعة أيضا: الأول أنها لا تمنع حقا لغير المسلمين فى ممارسة عقيدتهم أو شعائرهم وفقا لقاعدة «لا إكراه فى الدين»، الثانى، أن الشعارات الدينية (إسلامية أو مسيحية) ليس أداة للدعاية الدينية عملا بقول الحق سبحانه: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».
إن صح هذا، فنحن لسنا بحاجة للعلمانية، وإن كنا قطعا بحاجة للديمقراطية والمدنية بالمعنى الوارد فى هذا المقال. والله أعلم. 

الخميس، 18 أغسطس 2011

كبَّروا أدمغتكم …….. فهمي هويدي

حين انحاز تونى بلير إلى جانب الرئيس الأمريكى جورج بوش فى حملة غزو العراق، تعرض موقفه للنقد، حيث استكثر البعض هناك أن ينقاد رئيس الوزراء البريطانى وراء الرئيس الأمريكى فى مغامرة من ذلك القبيل. فى تلك الأثناء نشرت إحدى الصحف البريطانية رسما كاريكاتوريا للرئيس بوش وهو يتجول فى مزرعته، وقد سحب وراءه كلبا صغيرا كتب عليه اسم تونى بلير.

ما أثار انتباهى فى الصورة المنشورة ليس فقط المدى الذى ذهبت إليه فى نقد رئيس الوزراء، وإنما أيضا انها مرت دون أن تحدث أى صدى. لست أشك فى أن تونى بلير لم يسعد بنشرها، ولكنه ابتلعها واعتبرها من قبيل النقد السياسى الذى عليه ان يحتمله وينصت إليه طالما ظل فى موقعه كرئيس للوزراء، وربما اختلف الأمر لو أنه كان خارج المنصب وتصرف كمواطن عادى.

لم أنس الصورة طوال السنوات العشر الماضية، وقد استحضرتها حين قرأت فى صحف الأحد الماضى إن إحدى الناشطات احتجت على تصرفات المجلس العسكرى ووصفته بأنه «مجلس كلاب» فى سياق تعليق غاضب لها نشرته على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك). كما ذكرت على ذات الصفحة ان القضاء «إذا لم يحصل على حقنا محدش يزعل لو طلعت جماعات مسلحة (وقامت) بعمل سلسلة اغتيالات، طالما لا يوجد قانون أو قضاء». وهى الآراء التى بسببها احيلت إلى النيابة العسكرية يوم الأحد الماضى (14/8). حيث تم التحقيق معها بعدما وجهت إليها تهمة الإساءة إلى المجلس العسكرى وتوجيه السباب إليه، كما اتهمت بالدعوة للقيام بعمليات مسلحة واغتيالات ضد أعضاء المجلس العسكرى ورجال القضاء.
وبعد التحقيق قررت النيابة العسكرية الإفراج عن الناشطة أسماء محفوظ بكفالة 20 ألف جنيه لحين تحديد جلسة لمحاكمتها فى القضية التى حملت رقم 55 لسنة 2011 إدارى/ عسكرى.

لم استرح للاسلوب الذى عبرت به الفتاة عن غضبها، وأدهشنى رد فعل المجلس العسكرى فلا هى وفقت فيما كتبته، ولا المجلس وفق فيما لجأ إليه، وإذا اعذرناها بحكم انفعالها كشابة متحمسة ليست مطالبة بأن تتروى فيما تعبر به، كما أنها ليست مطالبة بأن تدقق فى اختيار الألفاظ التى تستخدمها فيما تكتب، فإننى أزعم أن المجلس برتبه العليا ومقامه الرفيع وكونه سلطة تدير البلد، لا عذر له. إذ أفهم أن تنفعل الفتاة وتطلق الكلمات والعبارات غير المصقولة، لكن المجلس بجلالة قدره ليس له ان ينفعل ويتعين عليه أن يدقق جيدا فيما يصدره من قرارات أو بيانات. هى فى نهاية المطاف فرد عادى، ولكن المجلس مؤسسة غير عادية.

وحين يشتبك معها فإنه يخصم من رصيده وينزل من عليائه. ويتصرف وهو المجلس «الأعلى» كَنِدٍ لفتاة فى العشرينيات من عمرها. وكما يقولون فى خطابنا العادى فإن المجلس بما أقدم عليه «جعل رأسه برأسها» فى حين كان عليه ان يتعامل مع مثل هذه التجاوزات برحابة صدر وباستعلاء فوق الانفعال والغضب.

لو أن الكلام الذى قالته الفتاة صدر عن حزب سياسى أو مؤسسة جماهيرية لفهم موقف المجلس العسكرى. الذى يفضل أن يرد على الكلام بكلام مماثل، وليس بنيابة عسكرية وتهم مبالغ فيها من قبيل التحريض على القيام بعمليات مسلحة واغتيالات ضد المجلس العسكرى وأعضاء الهيئات القضائية، كما ورد فى قرار التحقيق مع أسماء محفوظ.

تمنيت أن يفكر المجلس العسكرى سياسيا وليس أمنيا أو تأديبيا. كما تمنيت أن ينسى أعضاء المجلس طوال فترة قيامهم بإدارة البلد على الأقل، تقاليد المعسكرات وأساليب الضبط والربط التى تحكم علاقاتهم بالجند، وينتبهون إلى أن للسياسة ملاءمات وموازنات مختلفة تماما. وأزعم فى هذا الصدد ان المجلس خسر سياسيا بقراره إحالة الفتاة إلى النيابة العسكرية، فى حين ان صاحبتنا كسبت كثيرا سياسيا وإعلاميا وخرجت من التحقيق مناضلة وبطلة. وحين انفعل عضو بالمجلس العسكرى أثناء متابعة أحد البرامج التليفزيونية فجرح كاتبة مرموقة ووجه آخر أصابع الاتهام لإحدى الحركات الاحتجاجية. فإن المجلس خسر سياسيا وخرج الآخرون كلهم أبطالا.

مطلوب من المجلس أن «يكبر دماغه» وان يحتفظ بمقامه وهيبته، بحيث يستعلى فوق مشاعر الانفعال والغضب، لأن الغضب فى السياسة هو الخطوة الأولى على طريق الندامة.

نحو (حلف فضول) سياسى …….. فهمي هويدي

بتأسيس ما سمى بـ«الكتلة المصرية» دخلت مصر طورا جديدا من أطوار الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين، له صلته الوثيقة بترتيبات الانتخابات التشريعية التى يفترض أن تبدأ فى الشهر المقبل. صحيح أن الكتلة تضم فصيلا منسوبا إلى الصوفية ولكنه فصيل هامشى حتى داخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية الذى نأى بنفسه فى بيان رسمى عن المشاركة فى المشاحنات السياسية الجارية. وأغلب الظن أنه ضم إلى الكتلة من باب ذر الرماد فى العيون، خصوصا أن التجمع يضم ليبراليين وشيوعيين وقوميين وأقباطا وآخرين ممن لا يلتقون إلا على الالتزام بالموقف العلمانى والحرص على الاحتشاد لمواجهة التيار الإسلامى بمختلف فصائله وعلى رأسها الإخوان المسلمون.

ما حدث فى مصر له نظيره فى تونس، التى شكلت الأحزاب العلمانية فيها ما أسموه التجمع الديمقراطى، لتحدى قوى التيار الإسلامى وعلى رأسها حزب «النهضة»، إلا أن الصورة هناك أوضح منها فى مصر، ذلك أن الأحزاب المتأثرة بالثقافة والسياسة الفرنسية لم تخف هويتها ولم تتستر وراء أى قناع، ولكنها أسفرت عن وجهها وذهب بعض عناصرها إلى حد المطالبة بإلغاء الفصل الأول من الدستور التونسى الذى ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، كما طالب آخرون بالنص فى الدستور على علمانية الدولة. ورغم أن الأطراف العلمانية فى مصر ليست بعيدة تماما عن جوهر هذا الموقف ومنها من دعا فى العالم الماضى إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور، فى بيان نشر على الملأ ووقع عليه أشخاص صاروا فى صدارة المشهد الراهن، إلا أنهم آثروا تقديم أنفسهم الآن على نحو مختلف ــ فأسقطوا من خطابهم مصطلح العلمانية سيئ السمعة فى مصر واستبدلوه بـ«المدنية». واضطرتهم الضغوط الشعبية إلى القبول بالمادة الثانية من الدستور، حتى إشعار آخر على الأقل.

ما يهمنى فى ذلك الاستقطاب أنه يحمل بين طياته ثلاث مخاطر هى:
(1) أنه يشكل منعطفا فى مسار وأولويات التناقض فى كل من الثورتين فى كل من مصر وتونس. إذ بدلا من أن يظل التناقض الأساسى الذى يشغل الجميع هو ذلك الحاصل بين أنصار الثورة وأعدائها، فإنه تحول إلى احتراب وتناقض بين أبناء الثورة أنفسهم، الأمر الذى حرفهم عن حسم التناقض الرئيسى مع أعداء الثورة والمتربصين بها.

(2) أن ذلك يصرف قوى الثورة عن أهدافها الحقيقية المتمثلة فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أو بشعار الفقراء أولا. وإنما يحول الصراع من سياسى واجتماعى إلى أيديولوجى ويجعله صراع هويات وليس صراعا بين سياسات. وهو ما تجسد مثلا فى إشغال الرأى العام بما إذا كانت الدولة ستكون ذات هوية علمانية/ مدنية، أم دينية/ إسلامية وهى المشكلة التى تهم النخب السياسية ولا علاقة مباشرة لها مع المواطن العادى.

(3) أن الاستقطاب الإسلامى العلمانى إذا ما استحكم فى المجتمعات العربية ذات الأغلبيات المسلمة فإنه لن يكون فى صالح القوى الأخيرة. ذلك أن صياغة الصراع على ذلك النحو من شأنها أن تضع تلك القوى فى موقف الضد من الانتماء الإسلامى. ولن يخلو الأمر من حملات تستثمر الأجواء المواتية لتصنف الليبراليين والعلمانيين بحسبانهم مشتبكين مع الإسلام ذاته، وليس مع جماعات سياسية لها مرجعيتها الإسلامية. وفى مجتمعاتنا المحافظة والمتدينة فى عمقها الشعبى فإن حساسيتها إزاء هذه النقطة بالذات تحكم على الطرف العلمانى والليبرالى بالخسران المبين ــ وإذا حقق ذلك فوزا للقوى الإسلامية فإنه سوف ينسحب بالخسارة على الوطن وعلى نظامه الديمقراطى المنشود. ذلك أن سفينة الوطن لن تستقيم مسيرتها إلا إذا تكاتفت كل القوى الوطنية الحية للدفاع عن مصالحه العليا وجماهيره المتعطشة إلى العدل والحرية.
تعى الذاكرة الإسلامية قصة «حلف الفضول» الذى أقامه فى الجاهلية نفر من وجهاء قريش لنصرة الضعفاء فى مواجهة من يستقوون عليهم، وقال عنه النبى عليه الصلاة والسلام إنه لو أدركه لانخرط فيه وانضم إليه. وهو موقف استبعدت فيه الأيديولوجيا، حيث لم ير فيه النبى كونهم مشركين وهو مسلم موحد بالله، ولكنه انطلق من الدفاع عن قيمة مشتركة تمثلت فى الدفاع عن الضعفاء فى مواجهة ظلم الأقوياء. ولست أشك فى أن بين المتصارعين فى زماننا الكثير من القيم المشتركة التى تستحق التضامن والتوافق بين المختلفين، ومن ثم تخرجنا من الاستقطاب النكد الذى نحن مقبلون عليه. لكن المشكلة أنه فى حين لدينا الكثير مما هو مشترك فإن الساعين إلى التلاقى والتوافق قلة خافتة الصوت وقليلة الحيلة.

الوصاية والإقصاء والتصعيد ….. معتز بالله عبدالفتاح

تهويمات بعض النخبة الثقافية والسياسية فى مصر تثبت لى يوما وراء يوم أنهم يعانون من نرجسية مصطنعة تصور لهم ثلاثة أوهام لا بد من أن يفوقوا قبل أن تدمرهم وتدمرنا معهم.

الوهم الأول، أن أغلب المصريين عقولهم فى آذانهم. وكأن الإنسان المصرى بلا عقل يفكر به، وبلا حس داخلى يمكن له أن يميز الخبيث من الطيب والمدعى من الصادق.
نعم بيننا من هو مستعد لبيع صوته مقابل مبلغ من المال، وبيننا من قد يتبنى موقفا ما بسبب حماسة دينية حتى لو كانت مغلوطة، وبيننا من لم يقرأ فى حياته كتابا ولا خط كلاما بيمينه بسبب الأمية التى خلق أسبابها نظام فاسد، ولكن هل يعقل أن نجعل هؤلاء هم الممثلون الشرعيون الأساسيون للشعب المصرى؟ شكسبير وصف هذه الحالة فى مسرحية يوليوس قيصر حين قال: «عقول العامة فى آذانهم» وهو نفس المعنى الذى جاء فى مسرحية «مصرع كليوباترا» لأحمد شوقى حين قال: «اسمع الشعب (دُيُونُ) كيف يوحون إليه، ملأ الجو هتافا بحياة قاتليه، أثّر البهتانُ فيه وانطلى الزور عليه، ياله من ببغاء عقله فى أذنيه».
ولكن هكذا يقول الساسة المهزومون فى كل بقاع الدنيا، حيث يصبون جم غضبهم على الناخبين لأنهم لم يجددوا لهم العهد أو البيعة. ألم يقل وينستون تشرشل فى ثلاثينيات القرن الماضى: «إن أفضل حجة ضد الديمقراطية هو حوار لمدة خمس دقائق مع مواطن عادى.؟ وهو نفس المعنى الذى قال به ماريانو رومر (رئيس وزراء إيطاليا فى الستينيات) والذى وصف الناخبين الإيطاليين بأنهم غير واعين بخطورة الصوت الانتخابى الذى يحملونه. وهو نفس ما يفعله بعض النخبة عندنا حين تكون تفضيلات الناس على غير هواهم.

الوهم الثانى، أن وعى النخبة أفضل بالضرورة من الوعى الشعبى. ولا أعرف من أين يأتى هذا التكبر فى إبداء الرأى. من يقرأ ما قاله هيجل عن «دهاء التاريخ» وما كتبه أرنولد توينبى عن «التحدى والاستجابة» وما كتبه إدوارد سعيد عن «خطورة الاختيارات المحدودة التى يتوهمها المثقفون» وما كتبه مانسور أولسن عن «تاريخية عملية تقييم القرارات الرشيدة الآنية»، بل عنوان رواية نجيب محفوظ الشهيرة «عبث الأقدار». كل ذلك وغيره، يؤكد أن اختيارات النخبة قد لا تكون الاختيارات السليمة بالضرورة وهو ما يفرض علينا أن نترفق بأنفسنا وببلدنا عند إبداء آرائنا.

الوهم الثالث، بما أن ذلك كذلك، «فأمر مصر أخطر من أن يترك فى يد العوام وحدهم» كما قال أحد المثقفين فى نقاش عام.
وعليه فهؤلاء يعتقدون أنه لابد من الإقصاء لمن لا يعلم ما يعلمون، ولابد من التصعيد ضد من لا يقول ما يقولون، ولابد من الوصاية على من لا يعرفون ما يعرفون. وإن صح هذا الكلام، إذن فهؤلاء القوم أنفسهم أكدوا لنا خطأ منطقهم لأنهم لو كانوا متسقين مع أنفسهم لكان عليهم أن يقبلوا عرض مبارك وعمر سليمان بأن يتولى هذا الأخير الحكم حتى سبتمبر المقبل ولما كنا تبنينا صيغة «الديمقراطية الكاملة» وقبلنا فقط صيغة «الديمقراطية الموجهة» التى تخشى أن تكون كل الاختيارات مفتوحة أمام جموع المواطنين.
أرجو ألا يزعم أحد أنه أوعى من العقل الجمعى المصرى، لأن بعض هؤلاء الكبار زينوا لمسئولين سابقين ما فعلوا، وليس من حقهم الآن أن يمارسوا نفس الدور إلا فى حدود أن يقدموا الرأى بتواضع بلا وصاية أو إقصاء أو تصعيد.

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

حوار د/ عبد المنعم أبو الفتوح لبوابة الاهرام 11 08 2011

حوار أجرته/ أميرة هشام فى 11/8/2011

.لا تزال علاقتك بالإخوان تتسم بالغموض، هل لنا أن تصف طبيعة هذه العلاقة الآن؟
 - علاقتي بجماعة الإخوان المسلمون يملؤها الحب والود والتقدير والاحترام، لأن هذا بناء أنا ساهمت في تشييده ومازلت حريص عليه وأنظر إليه باعتباره بناء معظمه ايجابيات وقليل منه سلبيات. وقد تصديت لهذه السلبيات قبل ذلك ومازلت أتصدى لها حفاظا علي هذا الكيان الوطني. لكن لست مسئولا عن أي شئ إدارى، منذ اعتذاري عن عضوية مكتب الارشاد في ديسمبر 2009.
•بدا مشهد غياب الدكتور أبو الفتوح عن حفل إفطار الجماعة محيرا، هل هو غياب أم تغييب؟
-فى ذلك اليوم كان عندى مؤتمرا في زفتي ضمن جولتى فى كثير من القرى والمدن المصرية. وعدم حضوري لا يعبر عن أى موقف. والبعض قد يسأل سؤال "رزل" وهل وجهوا لك دعوة للإفطار أم لا ؟ . فأرد وأقل أنا لا توجه إلى الدعوة، لأن هذا مكاني وهذه الجماعة أعتز بها ومازال انتمائي الفكري للإخوان المسلمي.
•بماذا تفسر الربط الشائع فى بعض الأوسط بين ترشحك وخلافاتك مع الإخوان؟
-لا الخلافات الأخيرة التى حدثت أثناء الثورة ولا التى سبقتها لها علاقة بترشحى. الخلافات في جماعة الإخوان خلافات قديمة من سنة 1992 علي وجه التحديد. وبالتالي ليس لها علاقة بقرار ترشحي. وعموما الخلاف في الرأي ظاهرة ايجابية داخل الإخوان أو خارجها. ومن غير الممكن علي الإطلاق أن أقوم باتخاذ قرار هام مثل هذا بناء علي خلاف. وهذا عبث وليس من المعقول أن أكون من العابثين بمصلحة وطن.
• ماهي الدوافع الحقيقية التي جعلتك تتخذ قرار ترشحك لرئاسة الجمهورية ؟
- أنت تعلمين أننى كنت ضمن الأفراد الذين قادوا جماعة الإخوان المسلمون كلها قبل الثورة. وكنا اتفقنا على أننا لانريد شيئا ولن نرشح أنفسنا لمنصب الرئاسة ولن نشغل أى منصب وزارى وقمنا بإعلان هذا بصدق. ولأن الهدف الذي كان يسيطر علينا وعلي كل القوي الوطنية وقتها هو التخلص من النظام الفاسد والمستبد. بالتالي كان هذا هو المشروع الرئيسي الذي كنا نركز عليه ولا نريد لأي سبب، سواء كان سياسيا أو دينيا أو أيديولوجيا أن يكون له تأثير. ولم يكن هناك من يبحث عن شىء لنفسه. وهذا من أهم تجليات الثورة المصرية التي عبرت عنها في ميدان التحرير وكان العنوان الرئيسي للثورة هو مصر. وبعد الثورة كان من الطبيعي أن تتغير المواقف. فالوطن في مرحلة بناء. وكانت هناك وجهات نظر داخل جماعة الإخوان المسلمون. الأولي أننا في مرحلة حرق أوراق وطن منهار ولابد أن نبتعد عن تحمل أي مسئوليات ليس بشكل كلي، لكن بشكل جزئي. ومنها عدم ترشيح أنفسنا للرئاسة أو دخولنا الحكومة.
•هل لذلك علاقة بالفوبيا العارمة ، فى الداخل والخارج، من التيار الإسلامى؟
-التقدير كان أن وجود التيار الإسلامي في السلطة قد يؤدي إلي غضب خارجي أو عدم راحة في الخارج. ونقطة الخارج تتمثل فى أنه لا يوجد بعد الثورة مايسمي أن أمريكا ستغضب أو أن الخارج سيغضب. علينا أن نراعي فقط بعد غضب الله غضب الشعب. هل شعبنا سيغضب أم لا؟.. سيقبل أم لا؟.. وهذا ما سوف يعبر عنه صندوق الانتخاب. أمريكا لاتتدخل معنا فى الانتخابات وأعلنت رفضى لأي تدخل خارجي في إرادة الشعب المصري بعد الثورة. قد أتفهم هذا قبل الثورة لكن بعد دماء الشهداء التي ذهبت من أجل استقلال مصر والذي أصبح أمانة في أعناقنا كلنا ينبغي أن نحافظ علي استقلال مصر لأن الكثير من الشباب استشهد من أجل استقلال مصر وانتقالها من حالة ارتهان للصهاينة والأمريكان في القرارات والتصرفات والمصالح الي حالة ارتهان لإرادة الشعب المصري.
•لم تكن لك رؤية خاصة تتبناها فى هذا الموضوع؟
-بالفعل كانت لدى وجهة نظر تبنيتها وهى أن الأوطان في حالة التأسيس من الضرورى أن يقف معها ويحملها أصحاب التضحيات، من الإخوان وغير الإخوان. كل انسان وطني يستطيع أن يضحي من أجل الوطن هذا مكانه وهذا وقته. تبنيت هذه الرؤية ليس من أجل أن أرشح نفسي، لكن لأنني رأيت أن أصحاب مشروع الإسلام الحضاري يجب أن يكون لهم مرشح وذهبت لشخصيات متعددة ودعوتهم للترشح. وعرضت عليهم مساندتهم لأنني صاحب مشروع وليس صاحب طموح شخصي، لكنهم اعتذروا وقالوا لا نستطيع فلم أجد سوي أنه واجب يجب أن أقوم به بنفسى وأن وطني يناديني ويحتاجني. وبعد اعتذار كثيرين لم أجد سوي أن أقوم أنا بهذا الواجب الوطني، والذى سيقرر قبوله من عدمه هو الشعب المصري. فلا أحد يستطيع أن يفرض نفسه. من هنا أعلنت ترشحي وبعدى ترشح آخرون وأنا سعيد بترشحهم لأنني أري أن التعددية سلوك محترم جدا.
•سعيد بترشح من علي وجه التحديد؟
-كل المرشحين ممن أعلنوا ترشحهم قبلي ومن أعلنوا ترشحهم بعدي
•ولو عمر سليمان أعلن ترشحه ، هل ستكون سعيدا أيضا ؟
-أرفض أصلا أن يعلن عمر سليمان ترشحه أو أي رمز من رموز النظام القديم، ومنهم بالطبع عمر سليمان.
•وماذا عن عمرو موسي، هل تعتبره جزءا من النظام القديم؟
-طبعا أعتبره جزءا منه. وقد سبق أن أعلنت صراحة علي إحدى القنوات الفضائية أنني لن أعطي صوتي لعمرو موسي، إذا لم أترشح. أنا ضد أي مرشح يعتبر امتدادًا للنظام السابق، فموسى وسليمان وأسماء أخري امتداد وفلول للنظام القديم بدرجات متفاوتة، لكن لايمكن أن أقول إن عمر سليمان مثل عمرو موسي وإلا أكون غير دقيق، لكن هناك امتدادا، هذا الامتداد قد تكون نسبته 10 % ، 20 %، 90 % . أنا أري أن عمر سليمان جزء من النظام القديم بنسبة 99 % مما لايؤهله للترشح في تقديري، حتى لو استوفي كل شروط الترشح للرئاسة.
•لماذ أنت واثق من حصولك على أصوات الإخوان المسلمين؟
-أنا أعرفهم وهم يعرفونني، إذا لم أكن أنا من سيأخذ أصوات الإخوان من سيأخذها؟. إذا لم يكن أحد مؤسسي جماعة الاخوان سيحصل علي أصواتهم من الذى سيحصل عليها؟، ولوأحد قال غير ذلك يكون اتهم الجماعة بالغدر وعدم الوفاء وعدم احترام أفكارها، لأن هذا موقفا سياسيا، فطبيعي أن أتفق مع مواقفي السياسية، ولو أنني من أعضاء الجماعة سأعطي صوتي لمرشح يحمل نفس أفكاري ولن أذهب مثلا لاعطائه لمرشح شيوعي؟.
•لكن الجماعة أكدت عدم دعمها لأي مرشح لرئاسة الجمهورية بما فيهم أنت ؟
-التصويت شيءوالدعم شيء آخر. الدعم قد يكون ماليا وإداريا، لكن التصويت مسئولية كل فرد علي حدة.
•هل يمكن أن نري تعاونا بين عبدالمنعم أبو الفتوح والمرشح محمد سليم العوا، كأن يتنازل أحدكما للآخر؟
-هناك تعاون طبيعي بيني وكل المرشحين، لكن في سياق أننا كمتنافسين.

•البعض يطلق عليك أنك أردوغان المصري ؟.
-أردوغان هو أبو الفتوح مصر وليس أنا أردوغان تركيا، لأنني أعمل في السياسة منذ فترة طويلة وقبل أردوغان، لكن "مش مهم خليهم يقولوا كده".
•هل هذا الوصف يسعدك أم يغضبك ؟
-لا لست مع هذا التوصيف، لأن مصر ستظل مصر، محاولة التنبؤ أو الاعتقاد بأن النموذج الاسلامي تركي أم ماذا؟. فأنا أقول إن النموذج الاسلامي المصري مصري .. ومصر ليست دولة تابعة.. مصر دولة تقود العالم. وفي نفس الوقت احترم النموذج التركي.
•كيف يكون خطابك يحمل مضمونا إسلاميًا واضحًا وتقول إنك تدعو لدولة مدنية؟
- مصر دولة مدنية من الأساس ولم تكن يوما دولة دينية، ولا يوجد أحد في مصر أعلن عن إقامة دولة دينية لا السلفيين أو الاخوان أو الصوفيين االجمعية الشرعية أو الليبراليين، لا أنا أو غيري من مرشحي الرئاسة أو أي حد يستطيع إعادة تصنيع مصر.. مصر موجودة وقائمة كشعب وكدولة ولايمكن بأي حال من الأحوال أن يأتي أي نظام سياسي ليعيد تصنيع مصر.. مصر علي مدار 15 قرنًا هي دولة مدنية بمرجعية إسلامية بنص الدستور، فهل يمكن أن يأتي شخص ليقول سأجعلها دولة مدنية بمرجعية شيوعية ؟، إلا إذا أراد الشعب المصري ذلك.
* كيف تقيم الاستطلاع الذى أجراه المجلس العسكرى على "فيسبوك" وكانت نتيجته أن جئت فى مرتبة متأخرة؟
- أسميه عبث لأن "فيسبوك" ليس مكانا لاستطلاعات الرأي، وأرجو من مؤسسات الاعلام أن تنشئ مراكز لاستطلاع الرأي، لأن هذا سيفيدنا كثيرا، لكن للأسف لم يكن هناك علي مدار 60 سنة أي انتخابات برلمانية أو رئاسية نزيهة، لذلك غابت مراكز استطلاع الرأي الحقيقية، وأتمني أن يتم إنشاء مراكز استطلاع رأي نزيهة، وبمعايير علمية، لكن مواقع الفيسبوك لايجوز علميا عمل استطلاعات رأي عليها.
* هل تري أن معارضة ما قبل الثورة تستحق المحاكمة بتهمة الفساد السياسي ؟
- كانت هناك معارضة قبل الثورة، بمثابة امتداد للنظام السابق ومتممة له، وهذه تحتاج للعقاب والمحاسبة علي فسادها السياسي لأنها كانت المحلل للنظام.
* مثل من؟
- اللياقة الأدبية تمنعني من التصريح، لكن كانت هناك معارضة حقيقية دخلت السجون والمعتقلات من أجل معارضة النظام، وهؤلاء تحديًدا التيار اليساري، الاشتراكيين الثوريين ، التيار الاسلامي، ولا أقصد باليسار حزب التجمع ، إذا استثنينا عبد الغفار شكر كأحد الوطنيين في الحزب.
•ماهي علاقتك حاليا بحزب التيار المصري؟
-ليس لدي علاقة إدارية بأي حزب من الأحزاب. أما علاقة الدعم المعنوي لأي حزب وطني، فهى تتمثل فى حزب الوسط أو الحرية والعدالة أو النور أو التيار المصري، والدعم يعني أنني أقف في موقف الناصح لهم.

•جمعة السلفيين أثارت ذعرًا فى بعض الأوساط السياسية .. هل ترى مبررًا لذلك؟
-أري أنها مزايدة علي هذه الجمعة، رغم أنني اختلفت معها واعتبرت شعار "اسلامية اسلامية لامحل له من الاعراب" لانه لايوجد في مصر أحد ضد إسلامية مصر كهوية اسلامية وفي العموم لا نفرض هذه الهوية علي كل الناس ولكن لا أحد ضدها وبالتالي لا داعي لرفعها ورغم اختلافي مع هذه الجمعة فانا أري ان من إيجابياتها انها كانت جمعة سلمية .
•أول قرار ستتخذه عندما تصبح رئيسًا للجمهورية ؟
-ارفض الاجابة عن الاسئلة التي تأتي في سياق الرئيس السابق.
•بمعني ؟
- بمعني ان الناس مازالوا يتصورون ان الرئيس يجب ان يكون له قرارات دراماتيكية او راديكالية .

• شرطا.. لكن أكيد هناك قرارات مصيرية سوف تتخذها عندما تتولي الرئاسة ؟
-الرئيس طبقا للدستور المصري هو رئيس السلطة التنفيذية والمسئول عن الحكومة وتشكيلها، وبالتالي أن يكون أول قرار كذا أو كذا أو كذا هذا مرتبط بالمعطيات الموجودة في وقتها، حينما يتسلم الرئيس مهام عمله ، الأمر الثاني أنه يجب أن يكون الرئيس في ظل الثورة يحترم النظام والقانون ويعرف أنه خادم لشعبه ومراقب من شعبه، مراقب من البرلمان، مراقب من الاعلام ، وليس هو صاحب الوطن. نظام المستبد وصاحب الوطن ممكن يفكر ويأخد القرارات التي يريدها.
أرجو من الاعلام ومن" بوابة الاهرام" التي نعتز بها أن يبدأوا يغيروا المزاج النفسي في التعامل مع الرئيس ويعرفوا أنهم يتعاملون مع كبير موظفي الدولة الذي جاء ليخدم الشعب ولا يتعاملوا مع الرئيس الذي يجب أن يفعل مايشاء ويفعل مايريد ولا رقيب عليه ولا محاسب له فيجب أن يكون التعامل في السياق النفسي الجديد لأنني أخاف منا علي الرئيس القادم منا نحن كشعب، نحن نريد الرئيس القادم يعرف أننا أسياده ، نحن أسياد الرئيس وليس الرئيس هو السيد بتاعنا.
•كيف ستتعامل مع جماعة الاخوان المسلمين، إذا أصبحت رئيسا، هل ستتعامل معها كجماعة دعوية أم كحزب سياسي؟.
- منذ 4 سنوات ومن قبل أن أعلن عزمى الترشح لانتخابات الرئاسة قلت إن جماعة الاخوان المسلمين هي جماعة دعوية ولايجوز لها أن تمارس العمل الحزبي.
* كيف ستتعامل مع المؤسسة العسكرية ؟
- هذه المؤسسة، لها دورها الوطني ولا دخل لها في السياسة، ولم يكن فى يوم من الأيام الجيش المصري له دور في السياسة ولا يجوز أبدا أن يكون له دور في السياسة.
* وماذا ستفعل في ميدان التحرير ؟
- سأحافظ علي ميدان التحرير كرمز للثورة المصرية، ولا يوجد أي مانع من أن يتظاهر المواطنون في ميدان التحرير وميدان رمسيس ورابعة العدوية وطلعت حرب وكل الميادين فحق التظاهر وحق الاعتصام كفله الدستور المصري شريطة الا يعطل مرفقا أو يعوق المرور.

* هل تري أن الثورة نجحت فى تحقيق أهدافها ؟.
- من يتصور أن الثورة نجحت هذا في حد ذاته عداء للثورة نحن لم ننجح بعد.
* متي ستنجح الثورة في تقديرك ؟
- الثورة ستنجح حينما نجتز السيقان والجذور، الثورة نجحت في إزالة الرءوس ولكن النظام المصري فساده عميق ممتد للجذور.
* كيف ترى ما يجرى من محاكمات علنية للرئيس السابق مبارك ورموز نظامه؟

- العلنية في حد ذاتها شيء إيجابي .
* كيف ستتعامل مع المحاكمات الجارية لو أصبحت رئيسًا للجمهورية ؟
- النظام القادم لن يتدخل في الشكل القضائي بالسلب أو الإيجاب بالعكس، أهم ركن في برنامجي الانتخابي هو استقلال القضاء والحرية الديمقراطية ولايجوز للسلطة السياسية أن تكون مع أو ضد السلطة القضائية.
* كيف ستتعامل مع معاهدة السلام؟
- لدي موقف رافض وليس سلبي، لأن المعاهدة لم تعرض وتدرس في البرلمان المصري، بغض النظر عن مضمونها لأنها فرضت بنفوذ الرئيس، لكن إذا تمت بطريقة سليمة وصحيحة كنت سأحترمها، وإذا أصبحت رئيسا للجمهورية لن أفعل شيئا في معاهدة السلام لأن البرلمان هو الذي يجب أن يفعل لانها من اختصاص البرلمان ورئيس الجمهورية يعرضها علي البرلمان، واذا البرلمان درسها ووجد أنها لصالح مصر بيستمر فيها، وإذا أراد ان يعدل في شيئًا يعدل اذا اراد إلغاءها يلغيها ويكون الحاكم في هذه المعاهدة وغيرها من المعاهدات هو القانون الدولي وهي ليست عملية عنترية ، ليس من سلطات الرئيس إلغاء المعاهدات.
* هل يمكن أن تعفو عن مبارك، بعد إدانته قضائيا؟
- طلبات العفو في القانون المصري حتي هذه اللحظة من اختصاصات رئيس الجمهورية ، العفو عن اي مواطن مصري ارتكب جريمة مرتبط بنوع الجريمة وبحث الحالة وظروف المجرم وبالتالي لابد ان يكون استخدام هذا الحق لرئيس الجمهورية مرتبطا بمعايير.
* يعني ممكن تعفو عن الرئيس السابق ؟
-هناك اسئلة لاتصلح الإجابة عنها بنعم أو لا مجردة .
•كيف ستتواصل مع المواطنين؟
-بكل طرق التواصل الممكنة.. الاعلام وبوابة الكترونية للحكومة وزيارة الناس في مواقع عملهم ورقم تليفوني يجب ان يكون متاحا، ولكي نكون عمليين ولسنا اصحاب شعارات فقط ستكون هناك وسيلة للتواصل مع مؤسسة الرئاسة وليس مع شخصي طوال الوقت لانه اذا كان انا الان لارئيس ولا حاجة وراجل غلبان ومبقدرش ارد علي كل تليفوناتي.
•هل من لحظة معينة يمكن أن تجبرك علي التنحى؟
-بعد انقضاء فترتين للرئاسة أو اذا فشلت في تحقيق برنامجي الانتخابي او أهدافي او خدمة وطني ساتنحي فورا ولو كان بعد شهر لان المسئولين في اليابان اذا فشلوا ينتحروا هنا في مصر "مش هننتحر عشان الانتحار حرام ومطلوب من كل مسئول لاينجح في دوره أن يستقيل فقط ويقول انا متأسف انا فشلت انا سأستقيل".
ننتقل الي جزء أسئلة قراء" بوابة الأهرام الالكترونية"
•من هو الرجل الذي ستختاره نائبا لك ؟
-حاليا لا يوجد أحد ، لكن أبحث عن رجل أربعيني لأنني أتمني أن يكون نائبا شابا بين الأربعين والخمسين .
•لماذا لاتتعاون انت ومحمد سليم العوا علي منصبي الرئيس ونائبه وأن اختلفتم يحكم بينكم الشيخ يوسف القرضاوي ؟
-لست مع ادخال اي عناصر في هذه المسألة ولكن مبدأ التعاون مرحب به.
•هل من الممكن أن تختار نائبا قبطيًا ؟
-بالطبع او نساء ولكن شريطة ان يكون مرتبط بالكفاءة وليس بالشو الاعلامي فحينما يوجد مسيحي كفء لايوجد مانع من اختياره ، فات الوقت وانتهي الوقت الذي نستخدم فيه حكاية المسلم والمسيحي للشو الاعلامي هناك وطن وله مصلحة وأكثر أحد يصلح لتحقيق المصلحة نختاره ، مصلحته جرجس يبقي جرجس محمد يبقي محمد .
•الدكتور أبو الفتوح انا أحد الاخوان الذين تعلموا منك الكثير لكن جاء موقفك الاخير للترشح للرئاسة صادما للكثيرين من شباب الجماعة الذين يلتزمون علي بصيرة بقرار الاغلبية فأين الديمقراطية التي تعدنا بها وما هى الضمانة التي تقدمها للشعب لتحقيق هذه الديمقراطية ؟.
-أولا لا يوجد قرار شوري او ديمقراطي يكون خارج اختصاص المؤسسة ، اول مفاهيم الديمقراطية ان المؤسسة تمارس اختصاصها ولو المؤسسة قامت باصدار قرار خارج اختصاصها يبقي هي اللي خالفت واول معيار للديمقراطية هو احترام القانون.
•بمعني؟
-ليس من اختصاص جماعة الاخوان المسلمين العمل الحزبي، محظور علي جماعة الاخوان والجماعات الدعوية كلها ان تمارس العمل الحزبي ، فحينما تجتمع وتأخذ قرار له علاقة بالعمل الحزبي يصبح لاشوريا ولا ديمقراطيا ولكنه اختصاص الاحزاب وليس حزب الحرية والعدالة.
•ضمانة الديمقراطية للشعب ؟
-القانون وهناك مجلس برلماني يراقب الرئيس وشعب يسقط الرئيس لو خرج عن إطار الديمقراطية.
•خطتك بالنسبة للمغتربين الذي يريدون العودة الي مصر ولايستطيعون ذلك لانهم لايجدون عملًا ؟
-هذه المشكلة القائمة الآن لايجوز أن تقوم لأن المغتربين والبالغ عددهم نحو 7 ملايين من خيرة النخب المصرية، انا أري أنهم يجب أن يعودوا الي وطنهم لتقديم خبراتهم وخدمة وطنهم ونحن حاليا في مرحلة تأسيس وبناء ، الأماكن موجودة ولكن للأسف سوء الادارة والفساد والاستبداد الذي كان موجودًا في النظام السابق يجعلهم حين يعودون لايجدوا مكانًا مناسبًا فيأتي عالم في الذرة يخلوه بشكاتب في كلية الزراعة وهذا تخريب لثورة كبيرة ثورة مصر البشرية ثروة أعظم من أي ثروة.