الخميس، 4 أغسطس 2011

محاكمة واعتبار …. معتز بالله عبدالفتاح


حتى مساء محاكمة مبارك، والأصدقاء والأهل لا يصدقوننى حين أقول إن إجراءات نقل مبارك من شرم الشيخ قد بدأت. والأسوأ أن بعضهم اعتبروا أننى أنا شخصيا «مضحوك عليه» وأنه لو ظهر فى المحكمة فسيكون «شبيها» له وليس هو. ولايزالون معتقدين أن هذه محاكمة شكلية صورية، لا قيمة لها. وكأننا فقدنا الثقة فى أنفسنا وفى مؤسساتنا تماما. وكل تأكيد منى بأن دائرة المحكمة التى تحكم فى القضية من أنزه المحاكم فى مصر، ولكننا نعيش فى زمن الشك والتشكك. وكما قال لى أحد أقاربى: «الشعب المصرى مضحوك عليه لقرون، كيف فجأة يثق فيما يقال له». عموما، الثقة تتراكم بالوفاء بالوعد والالتزام بالقانون. وسيكون يوم تسليم الحكم إلى مجلس شعب ورئيس منتخبين نقطة تحول مهمة فى ثقتنا فى أنفسنا مرة أخرى.

ولكن هناك مساحة من الاعتبار فى المسألة، فمن تمر به هذه الأيام ولا يعتبر، فليشرع فى إعادة حساباته الأخلاقية والإنسانية. ولنتذكر قصة «قارون» التى تلخص لنا فتنة البحث المرضى عن المكانة. وهو اضطراب نفسى وسلوكى، له أعراضه، فهناك أشخاص باحثون عن المكانة بشكل مرضى كما يقول علم النفس السياسى ويسعون إليها من خلال الشهرة أو المال أو السلطة، حتى لو تجاوزا فى سبيل ذلك جميع الاعتبارات الأخلاقية.

وهذا السعى الموبوء نحو المكانة الشخصية هو ما جعل الكثير من كتاب الزهد فى جميع الحضارات والفلسفات يحذرون منها لأنها يمكن أن تفضى إلى الهلكة الشخصية والجماعية. وأتذكر قول أحد التابعين عن فضل الزهد (الذى هو خلو القلب مما رأته العينان) والقناعة (التى هى خلو القلب مما لا تملكه اليدان) حين قال: «إننا فى راحة بال، لو يعلمها الملوك لحاربونا عليها بالسيوف».

هذه الأيام أيام اعتبار بحق. قارون ليس قصة فى القرآن فقط، وإنما هو جزء من واقع نعيشه. قال له الناصحون «لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين» أى المبالغين فى الافتخار بأنفسهم ظنا منهم أن عطاء الله لهم دليل رضا وحظوة، وإنما حقيقة هو جزء من الابتلاء، فالإنسان يبتلى بالمنع وبالعطاء. قال له الناصحون «وأحسِن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد فى الأرض، إن الله لا يحب المفسدين». فقال فى صلف: «إنما أُوتيتُه على علم عندى».

إن كل «قارون» فى كل عصر فتنة لغيره. وقد «قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثلما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم» ورد أهل العلم: «ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا، ولا يُلقّاها إلا الصابرون».
فأرانا الله فيه آية بعد أن خسف به وبداره الأرض، «وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن (أى عجبا) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، لولا أن مَنّ الله علينا لخسف بنا».

ليس معنى ما سبق أن هناك ما يدعو أو يبرر التكاسل وفتور الهمم، لكن الحذر أن نتخذ وطننا ومجتمعنا مطية لتحقيق مكانتنا الشخصية.

أختم بحكمة قرأتها متفرقة، ولكنى جمعتها اعتقادا فى تمام فائدتها: «سبحانه وتعالى يعطى من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن عِلة فعلِه، ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله. سبحانه، قد يعطى وهو يمنع، وقد يمنع وهو يعطى، وقد تأتى العطايا على ظهور البلايا، وقد تأتى البلايا على ظهور العطايا، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق