الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

مصر فى مرآة الوقت…… فهمي هويدي

قد لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون، لكن ربما كان مفيدا لنا أن نعرف على الأقل أين نقف الآن.  
(1)

لا مفر من أن نعترف فى البداية بأن الوقت لم يكن معنا. ولكنه كان علينا. بمعنى أن تجاوز مدة الأشهر الستة التى كان يتعين تسليم السلطة إلى المدنيين فيها، (التى أعلن عنها فى 13 فبراير الماضى)، كان مغامرة فتحت الأبواب لمختلف التداعيات التى أسهم بعضها فى إيصالنا إلى ما وصلنا إليه الآن من مزالق وأخطاء. وسيظل ذلك الاعتراف منقوصا إذا لم نقر أيضا بأن الأزمة التى نحن بصددها الآن، ما كان لها أن تقع لو أننا التزمنا بـ«خريطة الطريق» التى وضعتها لجنة تعديل الدستور، التى إذا كان مقدرا أن تنطلق خطواتها التنفيذية فى شهر يونيو الماضى (مع نهاية فترة الأشهر الستة التى تحدث عنها بيان المجلس العسكرى)، الأمر الذى كان يفترض أن يجعلنا هذه الأيام بصدد الدخول فى حسم الانتخابات الرئاسية.

ومن مفارقات الأقدار وسخريتها أن توصيات لجنة تعديل الدستور كان لها دورها فى تفجير اللغط الذى أثارته الأقلية حول الانتخابات أولا أم الدستور أولا، ذلك أن كثيرين ينسون أو يتجاهلون أن ما كان مطروحا آنذاك هو تعديل بعض مواد الدستور فقط. ولكن اللجنة فى تصديها للمادة 189 من الدستور الخاصة بإجراءات تعديله أضافت إليها مادة أخرى أعطيت رقم 189 مكررا نصت على أن الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى عليهم أن يختاروا أعضاء الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر. وهو ما يعنى أن اللجنة هى التى أطلقت فكرة إعداد دستور جديد، ولكن الأقلية التى كانت قد قبلت بمجرد تعديل بعض مواد دستور عام 1971. اختطفت الفكرة وأثارت بها الجدل الذى لا تزال بعض أصدائه تتردد حتى الآن.

وإذا جاز لنا أن نتصارح فى تحديد المسئولية عن الوقت الذى أهدر والأزمة التى صرنا إليها، فإننى أشير إلى طرفين بوجه أخص، أولهما المجلس العسكرى الذى لا ننكر أنه بذل جهدا كبيرا لتسير السفينة خلال الأشهر الماضية، لكن أداءه شابته أخطاء عدة، كما أنه اتسم بالتردد والارتباك. حتى إنه لم يكن يتحرك إلا تحت ضغط الشارع. أسهم فى ذلك أن أعضاءه من العسكريين المحترفين جاءوا جميعا من خلفيات غير سياسية. ذلك أن قطيعتهم مع السياسة كانت شرطا لاستمرارهم فى السلك العسكرى وترقيهم إلى الرتب العليا التى بلغوها. وهو ما يعنى أن ظروف الثورة فرضت عليهم أن يتحملوا مسئولية لم يكونوا مؤهلين لها.

الطرف الثانى يتمثل فى عناصر النخبة التى أدارت تراشقها وصراعها طول الوقت من منطلق أيديولوجى وليس سياسيا. بسبب من ذلك فقد صار العنصر الحاكم لمواقفها كان ولا يزال، ما إذا كانت الخطوات المتخذة تعبر عن التوجه الإسلامى أو العلمانى، وليس ما إذا كانت تخدم المصلحة الوطنية أم لا.  
(2)

فى الوقت الراهن نستطيع أن نقول إننا بإزاء أزمة ثقة فى المجلس العسكرى، يمكن أن نرجع أسبابها إلى العوامل التالية:
  • ما تضمنته وثيقة الدكتور السلمى (المادتان 9، 10) التى أعطت انطباعا بأن المجلس العسكرى يتطلع لاستمرار وصايته على المجتمع
  • عدم القطيعة مع النظام السابق، الأمر الذى لاحظه كثيرون، حتى إن رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق قال إن الذى تغير فى مصر هو الحاكم وليس الحكم. وكانت هذه الملاحظة أوضح ما تكون فى الطريقة التى تعامل بها المجلس العسكرى مع محاكمات رموز النظام السابق أمام المحاكم المدنية، وأحالته للمدنيين من شباب الثورة إلى المحاكم العسكرية
  • البطء والتردد فى اتخاذ القرارات، حتى إن قرار إصدار قانون إفساد الحياة السياسية استغرق أربعة أشهر لإصداره
  • عدم الشفافية وعدم الاعتراف بالأخطاء أو الاعتذار عنها. وكانت أحداث ماسبيرو فى الشهر الماضى التى قتل فيها أكثر من 20 شخصا وأحداث ميدان التحرير الأخيرة التى سقط فيها 43 شهيدا، نموذجا للنوازل التى صدمت الرأى العام، ولا تزال محاطة بغموض أضعف ثقة الناس فى موقف السلطة. وكانت النتيجة أن أحدا لم يحاسب على تلك الجرائم، الأمر الذى استفز الرأى العام وأهانه. 
 إزاء ذلك لم ننسَ بعدما جرى فى موقعة ماسبيرو، إلا أننا ما زلنا نعيش صدمة الانقضاض غير المبرر على المعتصمين فى ميدان التحرير يوم السبت 19/11، الذى يمثل ذروة الخطايا السياسية التى وقع فيها المجلس العسكرى. ولا تزال تحيرنا الأخبار التى تسربت عن صدور أمر بضرورة فض اعتصام أهالى الشهداء الذى كان مستمرا قبل ذلك لأكثر من خمسة أيام. وعن أن ذلك الأمر لم يعلم به فى البداية وزير الداخلية ولا رئيس الوزراء. وحين تحول فض الاعتصام إلى كارثة فلم نعرف من الذى أصدر الأمر، وبالتالى فإن أحدا لم يحاسب جنائيا أو سياسيا على ما جرى.

هذا الارتباك الذى عبر عنه المجلس العسكرى واكبه ارتباك أسوأ وأعمق فى الساحة السياسية، ليس فقط لأن النخب انقسمت فيما بينها، ولكن أيضا لأن الساحة ازدحمت بلافتات وعناوين عرفنا أسماءها وسمعنا نداءاتها، لكننا لم نعرف أوزانها. وفى هذا الهرج جرى ابتذال مصطلح الثوار، بحيث لم تعد تعرف ماذا يمثلون حقا على أرض الواقع، وهل هم الموجودون فى ميدان التحرير فقط أن لهم وجودهم فى خارجه. كما أننا صرنا نتساءل: هل هؤلاء المحتشدون فى الميدان يتكلمون باسم جماعاتهم أو باسم الثورة أو باسم المجتمع المصرى بأسره؟

لقد دلتنا خبرة الانتخابات التى تمت أخيرا فى تونس والمغرب على أن أعلى الجماعات السياسية صوتا وأكثرها ضجيجا وأقواها حضورا فى وسائل الإعلام. هى أضعف القوى السياسية فى الشارع وأقلهم حظوظا من تأييد الجماهير. وذلك مؤشر يدعونا إلى الحذر فى تقييم من يتصدرون الواجهات فى مصر هذه الأيام. ويقدمون أنفسهم بحسبانهم ممثلين للثورة وللرأى العام. وينطلقون من تلك الفرضية للتدخل فى تقدير المصائر السياسية وتشكيل هياكل الدولة. وهو حذر يدعونا إلى انتظار تقييم المجتمع لتلك القوى المفترضة أو المفروضة. وفى بورصة السياسة فلا سبيل إلى إحداث ذلك التقييم إلا من خلال الاحتكام إلى صناديق الانتخابات الذى نحنه بصدده الآن. 

(3)

الفوضى الحاصلة فى الساحة السياسية تشمل أيضا الشعارات والأفكار التى تسوق فى الفضاء الإعلامى. أخص بالذكر أسطورتين:
  • أولاها تتعلق بابتذال مصطلح دماء الشهداء،
  • والثانية تشيع أن ثمة صفقة سرية تمت بين المجلس العسكرى والإسلاميين.
لقد تردد المصطلح الأول فى سياق المطالبة بتأجيل الانتخابات، وأصبح يشهر فى وجه كل جهد يبذل خارج ما هو مطروح فى ميدان التحرير من مطالب، خصوصا ما تعلق منها بتشكيل مجلس رئاسى مدنى يدير البلاد بديلا عن المجلس العسكرى. ذلك أننى أزعم أن الوفاء لدم الشهداء والحفاظ على كرامة الجرحى والمصابين يكون بالاعتذار عن الجرم الذى ارتكب بحقهم ومحاسبة المسئولين عن وقوعه. وتعويض الأهالى والمصابين. كما يكون بالتمسك بأهداف الثورة والإصرار على تحقيق الاهداف التى استشهدوا من اجلها. لكن لا أفهم أن يعد إجراء الانتخابات بيعا لدماء الشهداء فى حين يصبح تشكيل المجلس الرئاسى وفاء لتلك الدماء. كأن رافعو ذلك الشعار يقولون إن كل من يخالف رأينا يعد متاجرا بدماء الشهداء. وذلك نوع من الإرهاب الفكرى والسياسى الذى يفترض أن يتنزه الثوار عنه.

استغرب الأسطورة الثانية التى بدأ الترويج لها منذ شكلت لجنة تعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشرى، وضمت بين أعضائها السبعة قانونيا من الإخوان وعضوا فى اللجنة التشريعية فى إحدى دورات مجلس الشعب السابق. ولأن المستشار البشرى «يشتبه» فى أنه مسلم غيور على دينه وملتزم، ولأن «التهمة» ثابتة على الإخوانى الأستاذ صبحى الصالح، فقد ثارت ثائرة غلاة العلمانيين و«الليبراليين» الذين اعتبروا إقصاء أمثال أولئك «المشتبهين» و«المتهمين» أمرا مفروغا منه فى فهمهم للديمقراطية. ومنذ ذلك الحين اعتبر هؤلاء أن المجلس العسكرى «متواطئ» مع الإسلاميين، رغم أن لجنة تعديل الدستور ضمت سبعة أعضاء من كبار القانونيين، فإن عاصفة النقد تجاهلت وجودهم، واعتبرت أن الرجلين استغفلاهم وأجريا التعديلات من وراء ظهورهم. وقد حققت الحملة نجاحا فى ترهيب أعضاء المجلس العسكرى. الذين امتنعوا عن إضافة أى اسم من أولئك «المشتبهين» و«المتهمين» فى أى اختيار لاحق، فى حين وزع الليبراليون والعلمانيون على مختلف المجالس التى شكلت، وظل ذلك محل رضى أولئك «الناشطين» (للعلم الحكومة الأخيرة ضمت ثلاثة من حزب الوفد ورابعا من حزب التجمع وخامسا من الحزب الديمقراطى الاجتماعى).

رغم ذلك فإن تهمة التواطؤ مع المجلس العسكرى ظلت سيفا مشهرا فى وجهه، حتى اضطر أخيرا إلى نفى التهمة على لسان بعض أعضائه. وحتى الآن فإن الدليل الوحيد على ذلك «التواطؤ» أن المجلس العسكرى سمح للإسلاميين بتشكيل أحزاب لهم ورفع الحظر عنهم شأنهم فى ذلك شأن غيرهم من السياسيين. لذلك فلا تفسير لاستمرار الحملة إلا أنها بمثابة احتجاج على العدول عن نهج إقصائهم المعمول به منذ نحو نصف قرن، بما يعنى أن شرعية وجودهم هى المشكلة التى لا تزال تؤرق جماعات الليبراليين والعلمانيين. 

(4)

وسط الغيوم الداكنة التى تتجمع فى الأفق، التى تثير درجات متفاوتة من الاستياء والاحباط، يبرز ضوء لا يمكن تجاهله، يشى بتحول يغير كثيرا من الانطباعات السائدة عن جموع المصريين، الذين يُقال فى حقهم دائما أن حبال الصبر عندهم لا نهاية لها. وأن قدرتهم على الاختزان وابتلاع الأحزان لا حدود لها. حتى تحدث كثيرون عن استكانة المصريين واستعدادهم للانصياع والامتثال.

هذا الانطباع غيرته تماما المظاهرات التى حدثت طوال الأسبوع الماضى، التى انخرطت فيها أجيال كسرت حاجز الخوف، وتمردت على الصمت، ولم تعد تبالى بتحدى الظلم والجهر بكلمة الحق فى وجه أهل السلطان بارتفاع مراتبهم ومقاماتهم.

ربما جاز لنا أن نقول إن ثورة 25 يناير لم تعد الوطن إلى أهله بعد طول غياب فقط، ولكنها كشفت الوجه المسكوت عليه من طبائع المصريين، الذى أصبحت أرى فى ميادينهم وشوارعهم شعبا آخر غير الذى تحدث عنه الآخرون.

لقد قال رئيس المخابرات الإسرائيلى السابق إن الذى تغير فى مصر هو الحكم وليس الحاكم. وربما كان ذلك صحيحا بصورة نسبية. لكن الذى فات الرجل أن يذكره أن الشعب بدوره قد تغير وربما لم يرد ذلك لأن ما تغير فى شعب مصر هو أكثر ما يقلقهم ويخيفهم.

لست أخفى أننى لم أكن سعيدا ببعض تصرفات وهتافات الشباب الغاضب فى ميدان التحرير طوال الأسبوع الماضى، لكن بينى وبين نفسى كنت سعيدا بهم، لأننى وجدت فيهم جيلا ممتلئا بالحيوية واستعادة قوية لقيمة الغضب التى غيبت طويلا فى حياتنا طوال نصف القرن الأخير، حتى ظننا أن ينابيعها قد جفت، إلا أننا اكتشفنا أخيرا أنها توارت فقط ولم تمت ــ الحمد لله.

الهجرة والمدينة.... هبة رؤوف عزت

تأتي ذكري الهجرة مع مطلع كل عام هجري جديد لتحمل لنا معاني جديدة لم ندركها بعد لأن أحوالنا تختلف فنقرأ من جديد سيرة المصطفي ونكتب عنها بوعي العقل وحب القلب. أتت الذكري هذا العام ونحن نواصل النضال اليومي في مواجهة المدنية، ونعايش في قلوبنا ونستلهم نموذج يثرب المدينة.

لم تكن هجرة الرسول- صلي الله عليه وسلم- فراراً بل قرار، وخرج وهو يناجي مكة أحب أرض الله إليه، و سبقتها بيعة أهل يثرب له ودعوته المرة بعد المرة أن يهاجر إليهم، وكان القرار السياسي، والمسير الإنساني،
والتفاعل مع المكان والكون، وغار وصحبة، ودليل واحتياط، ثم وفد النبي علي مجتمع يصبو أن يكون مدينة فاضلة كما وصف الفارابي، أملاً في المساهمة في بناء معمورة فاضلة.

والنظر في خصائص المجتمع الذي هاجر إليه الرسول يعطينا دروساً كثيرة في كنه المدينة التي هاجر إليها الرسول ليتخذها منطلقاً لدعوة تخاطب العالمين.
  • كان ينبغي وهو الذي ترك وراءه مكة التي تآمرت عليه قبائلها أن يهاجر لمجتمع متجانس لا يواجه فيه تعددية تقيد خيارات أو تفرض توازنات، مجتمع متحد علي رؤية كي يستقوي به ويسبك بالعقيدة نسيجه سبكاً، لكن يثرب لم تكن كذلك، بل كانت مجتمعاً تعددياً، تتنوع فيه الأعراق والأديان، وجاء دستور المدينة ليعلمنا أن الأمم لا تقوم بالضرورة علي وحدة رؤية بل علي الانتظام في بنيان والالتفاف حول عقد اجتماعي يكونون فيه شركاء في وطن، وحين تخرق طائفة الميثاق تكون قد نقضت العقد، وتتحرك عجلة التغيير والإصلاح، أو المواجهة والحسم.

  • نموذج المجتمع ذاته نموذج فريد، كانت الهجرة لمجتمع يثرب سعياً لبناء مجتمع أخلاقي بالأساس وليس بناء إمبراطورية، مجتمع أخلاقي يكون نواة لنشر الدين بتفرد من يحملونه في صفاتهم ، انظر كيف وصف القرآن أهل المدينة بأنهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في أنفسهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة هؤلاء الذين استقبلوا المهاجرين باقتسام الأموال والبيوت ، وبحب صاف وافر ويقين.

  • هاجر الرسول لمجتمع يحترم النساء، فدعم نساء المدينة وكان يكرر الدعاء لهن، وأفسح المجال لتفاعل اجتماعي تمكنت نساء المدينة فيه من تغيير العقليات نحو مزيد من تفعيل دور المرأة، وضربت نساء الأنصار المثل الأعلي في صدق العقيدة والوفاء بالبيعة وصولا للمشاركة في الجهاد.

  • أعاد الرسول تأسيس المدينة علي بناء اجتماعي تكافلي ، ومركزية لمساحة المسجد، لا كبقعة مقدسة، بل كمجال عام يقابل فيه الوفود من خلفيات وأديان، ويتحول لمكان يلعب في الحبشة، وتلتقي الجماعة لمناقشة أمورها، وتتعلم النساء.

المدينة هي مولود الهجرة، التفحص في ملامحها يبين مقصود الهجرة وغايتها، والتصور الحاكم الذي أرادت الهجرة أن تحققه. لا ينبغي أن نتذكر فقط لماذا هاجر الرسول؟ بل لأي مدينة هاجر وأي مجتمع أسس وربي.
اليوم نعيش في مدن تأخذ وتعطي، وتشوه بنيان الإنسان الأخلاقي، وتحرمه من شبكته الاجتماعية، فكيف يمكن أن نأخذ من درس الهجرة درس البناء، لا الترك والهجر، وحكمة السعي لرباط اجتماعي وعقد سياسي؟.
  • الهجرة كانت من مدينة تحكمها عقلية القبيلة إلي تأسيس تمدُّن يحكمه دستور وتنظم حياته عقيدة تقوم علي التقوي، لا علي القمع، علي تفعيل حكمة الحدود، لا الهوس بإقامة الحد ذاته، لذا كان دفع العقوبة بالشبهة وبالستر، فالأخلاق قبل القانون، والكرامة والخصوصية قبل الحكم علي الناس وتشويه السمعة.

  • مجتمع يحفظ الناس فيه ألسنتهم لا يطلقونها علي صفحات الجرائد والفضائيات تخوض في أعراض النساء وصولا للطعن في أنساب الأمم، ويحفظ الناس فيه روابط الرحم، وليس مجتمعاً يتنافسون فيه علي المال حتي يقيل بعضهم بعضاً، ويرعي فيه الحاكم الناس والحيوانات والحجر وليس يحكمه فرعون قلبه حجر، مجتمع يستوعب اختلاف الدين ويحمي أماكن الرهبنة، لا مجتمع يفزعه التنوع ويشغله القضاء علي الاختلاف الذي هو حكمة الله من الخلق، وهو الذي يحكم بينهم يوم القيامة.

دروس الهجرة هي دروس التمدن الإسلامي.
اللهم صلِّ علي محمد وآله وأصحابه، وارزقنا هجرة إليك باتباع سنته ، لنتمم مكارم الأخلاق ونكون أهل الرحمة، حتي نصير أهلاً للرحمة.

الاثنين، 28 نوفمبر 2011

اختبار لا يحتمل الرسوب…….فهمي هويدي


جولة الانتخابات التى تتم اليوم فى مصر هى اختبار لا يحتمل الرسوب فيه، لسبب جوهرى هو أن الراسب فى هذه الحالة تحديدا ليس المجلس العسكرى وليس الفصائل أو الجماعات السياسية، ولكنى أزعم أن الراسب سيكون الثورة والوطن كله.

إذ نحن لسنا بصدد انتخابات نيابية عادية، كما اننا لسنا بصدد تأسيس نظام جديد بديل عن نظام مبارك الذى سقط، ولكننا بالانتخابات نخطو الخطوة الأولى على طريق إقامة جمهورية حقيقية يصنعها الشعب على يديه. صحيح أن النظام الملكى سقط فى عام 1952، وان النظام الجمهورى أعلن منذ ذلك الحين، لكنه كان جمهوريا على الورق وفى الدساتير، ذلك اننا منذ ذلك الحين لم نختر رئيسا من جانبنا، ولكن الرؤساء الثلاثة الذين حكمونا لم يكن لنا فيهم رأى قبل أن يتولوا مناصبهم. إذ جاءوا من حيث لا نحتسب، ثم قيل لنا من باب استيفاء الشكل وسد الخانة: ما رأيكم دام فضلكم؟ ــ فلا نحن الذين اخترناهم ولا نحن الذين غيرناهم (باستثناء الأخير الذى كان لابد من ثورة لإزاحته) ــ صحيح أن الثلاثة لم يكونوا فى مقام واحد، حيث لا يقارن عبدالناصر بالسادات أو مبارك، لكن الثلاثة صحونا ذات صباح على وجودهم على رأس البلد. وجميعهم كانوا من العسكر، والثلاثة حكموا بحزب واحد تغيرت أسماؤه لكنه ظل كيانا واحدا احتكر السياسة، واعتبر نفسه حزبا طليعيا وظل الآخرون ذيولا له، تستخدم فى تزيين المشهد السياسى وتوظف لأجل اتمام الديكور الديمقراطى.

ظلت لدينا أنظمة ليس لها من الجمهورية سوى الاسم فقط، وان كانت فى جوهرها «ملكيات» حقيقية، بل وصلت الجرأة ببعض من تولوها أن أرادوا توريثها لأبنائهم، جريا على تقاليد الملكيات المعروفة. ولئن سبقتنا فى ذلك بعض الديمقراطيات «الشعبية» الشيوعية (كوريا الشمالية مثلا) إلا أن التوريث ما لبث أن حدث فى سوريا، ولاحت بوادره فى مصر، وكانت له أصداؤه فى ليبيا واليمن على الأقل. وهى الأنظمة التى يصفها الدكتور منصف المرزوقى السياسى التونسى المرشح رئيسا للجمهورية الجديدة بأنها «جملوكية»، بمعنى أنها جمهورية اسما وملكية فعلا.

هذه الخلفية تسوغ لى أن أدعى بأن الانتخابات التى تجرى اليوم تسهم فى تأسيس أول جمهورية حقيقية فى مصر بعد ثورة عام 1952. ولأن الأمر كذلك فقد سمحت لنفسى أن أدعى أنها اختبار لا يحتمل الرسوب. ذلك أن الرسوب يعنى العودة إلى الملكية المقنعة، التى غيرت الزى العسكرى ولكنها أبقت على احتكار السلطة وتأميم السياسة وربما توريث البلد لصالح الأبناء والاحفاد.

هناك أربعة شروط لاجتياز الاختبار بنجاح هى:
  • الاقبال على التصويت بذات الحماس الذى شهدناه فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية 
  • اتمام الانتخابات فى جو من الحرية والنزاهة التى تغلق الباب تماما على أى تلاعب فى التصويت أو الفرز
  • تأمين العملية الانتخابية فى مواجهة البلطجية ودعاة الفوضى الذين طالما حاولوا إفساد أى عرس ديمقراطى
  • اختيار العناصر الوطنية التى تحمل قيم الثورة على اكتافها وتسعى إلى تنزيل حلم النهوض بالوطن على الأرض 
لقد أشاعت بعض الأوساط مخاوف من امكانية النجاح فى تأمين العملية.. لكنى حين وجدت أن انتخابات نقابتى المحامين والمهندسين تمت بسلام ونجاح فى ظل أجواء التوتر الراهنة، اقتنعت بأن النجاح فى الانتخابات النيابية أمر وارد بقوة. ولا استطيع أن أتجاهل فى هذا السياق حقيقة أن ثمة وعيا عاما فى مصر يُطمأن إليه، وان ذلك الوعى كفيل بتحقيق النجاح المنشود بإذن الله.

هى مصادفة أن تزامن موعد اطلاق المرحلة الأولى للانتخابات مع غضب الجماهير التى خرجت إلى ميدان التحرير وقد ضاقت صدورها ذرعا بالأخطاء التى ارتكبها المجلس العسكرى، حتى إن بعضهم ذهبوا فى ذلك إلى حد المطالبة برحيل المجلس. ذلك أن الاستجابة لذلك المطلب بصورة آمنة لا تعرض البلاد للانتكاسة أو الفراغ تحتم الاحتشاد لأجل التصويت وإنجاز المراحل الثلاث للعملية الانتخابية فى مواعيدها. لأن تشكيل مجلس الشعب هو الضمان الوحيد لترتيب تسليم السلطة إلى المدنيين، إلى جانب وضع الأساس لإقامة الجمهورية المصرية الحقيقية التى ظل يحلم بها الشعب المصرى منذ قامت الثورة فى شهر يوليو عام 1952. ولأن الأمر كذلك فإننى أكرر أننا بصدد اختبار لا يحتمل الرسوب، ولا بديل عن اجتيازه بتفوق وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.

الشعب يريد…….بلال فضل


كلما سألنى أحد عن رأيى فى «الهرتك» السياسى الضارب أطنابه فى عموم البلاد، أتذكر هذا المقال الذى نشرته قبل نحو ثلاثة أشهر، والذى أتمنى أن يساعد على تذكير البعض باختراع توصل إليه إنسان العصر الحديث الذى عرف أيضا الميادين والثورات والظلم والقمع، ثم اكتشف أن حل الكثير من مشكلاته لن يكون ممكنا إلا بذلك الاختراع الخشبى حينا والزجاجى أحيانا أخرى: صندوق الانتخابات. أتركك للمقال لعل فى إعادته إفادة لك اليوم وغدا.

«ما أجملها من ثورة بلا قائد. رأيى ولا ألزم به أحدا، لم يكن ممكنا أن يكتمل جمال الثورة المصرية وتزيد عظمتها إلا لأنها ثورة بلا قائد، ولذلك فهى تستحق وصف الثورة الشعبية بامتياز لا تستحقه الكثير من الثورات، هى ثورة قادها أحرار الشعب المصرى وهم وحدهم أصحاب الحق فى الحديث باسمها وتقرير مصيرها، هل كنا سنفرح لو ارتبطت هذه الثورة بقائد فأصبحت منسوبة إليه وأصبحت عرضة للانكسار إذا انكسر لسبب أو لآخر مثلما حدث فى الثورة العرابية، هل كنا سنفرح لو تعلق الناس بقائد يقولون إن الاحتلال على يده خير من الاستقلال على يد غيره مثلما حدث عقب ثورة 19 مع سعد زغلول، الذى دخلت مصر متاهة من الانقسامات عقب رحيله، هل كنا نريد لثورتنا أن يكون لها قائد يتحول إلى حاكم فرد مثل عبد الناصر، مع أنها قامت أصلا لكى يسقط حكم الفرد، هل أنت مقتنع أن الثورة المصرية كان يمكن أن تفرز مجلسا لقيادتها يضم كل التيارات الشعبية التى شاركت فيها وينجح ذلك المجلس فى حكم البلاد، إذا كنت مقتنعا فأنا لست كذلك، ربما لأننى أعرف الكثير من هؤلاء الذين تتردد أسماؤهم فى المجالس المقترحة لحكم البلاد، وأسأل الله للبلاد ولهم السلامة من أن تتحول تلك الاقتراحات إلى حقيقة، وربما لأننى أؤمن بأنه لا يصح أن يفرض أحد نفسه على الشعب إلا عبر صناديق الانتخابات.

ما إن تأتى سيرة صناديق الانتخابات حتى تتكرر مقولات باتت محفوظة من فرط ما رددها بعض الذين يخافون على الشعب من ممارسة حقه:
  •  «أصل لازم الأول نطهر القضاء والداخلية عشان يبقى فى انتخابات»، كلام جميل ورائع لكنه ليس عمليا ويؤدى بالبلاد إلى الوقوع فى خطر استمرار حكم العسكر، هو كلام ينسى قائلوه أن مبارك رغم سيطرته على القضاء والأمن والإعلام وكل ما فى مصر، كان يفشل فى حسم الانتخابات لمصلحة حزبه من أول جولة، بل كان يلجأ إلى أسفل وأسوأ وقائع التزوير التى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتكرر إلا إذا كنت تعتقد أن الثورة أصلا لم تقم من أساسه.
  • بصراحة لم أفهم حتى الآن معنى أن يهتف شخص من أعماق قلبه أن الشعب يريد، ثم عندما تطالبه بأن يترك الشعب يريد، يبدأ فى تعداد الأسباب التى تعنى أن الشعب مغيب ومن السهل الضحك عليه وتغييب إرادته. لنفرض يا سيدى أن الشعب أراد اختيار فلول الوطنى كما يقول البعض، من أنت لكى تمنعه وتفرض عليه إرادتك؟ ليس لديك عند الشعب أكثر من أن تعرض عليه وجهة نظرك وتوريه جمال أفكارك وتقنعه بأنك ستحل له مشاكله وستجعل مصر أكثر تقدما ورقيا وعدالة، أما أن تصل بك البجاحة إلى أن تفرض عليه أن يختارك أنت دون غيرك، فهذا أمر ليس من حقك، حتى لو لم تكن قد شاركت فى الثورة فقط، بل لو كنت قد شاركت فى الفتوحات الإسلامية.
  • عندما تفتح سيرة الانتخابات يسألك البعض: يا عم وهو لو الانتخابات اتعملت ونجح الإسلاميون المتطرفون هنشوف ديمقراطية تانى؟ فى العادة ينتمى هؤلاء إلى أنصار مدرسة المبادئ الحاكمة للدستور، التى لا أدرى من أقنع مؤيديها أن الشعب المصرى لو اختار التطرف مثلا يمكن لأحد أن يقف ضده، للأسف هؤلاء يريدون أن يريحوا أنفسهم بفرض آراء فوقية على الناس دون النضال من أجلها، يريدون أن يسقوا الشعب آراءهم بمعالق سلطوية، دون أن يدفعوا ثمنا باهظا لذلك، كالذى دفعه الذين أرادوا لشعوبهم أن تؤمن بالعقل والتنوير وحرية الفكر.
  • أنا من الذين يؤمنون بأن الشعب المصرى معتدل بطبيعته، وليس للتطرف مستقبل حقيقى فى مصر رغم كل الظواهر التى تقلق البعض، لن تستطيع أن تنزع من المصريين تدينهم ولا وسطيتهم، فقد حاول كثيرون ذلك من قبل وفشلوا، وإذا كان هناك من يمكن تحميله مسؤولية انتشار التطرف فى مصر الآن فهو نظام مبارك الذى أدرك أهمية ذلك من أجل إبقاء حكمه قويا راسخا، وإذا كان هناك من يتصور أن القضاء على التطرف سيكون بوضع كام مادة فى الدستور، فأظنه غارقا فى وهم أتمنى له أن يفيق منه، لأن القضاء على التطرف يكون بالعدل والتنمية وصراع الأفكار، نعم يمكن أن يحتل مقاعد السلطة أناس متطرفون يسعون إلى مصادرة حقوق الناس وحرياتهم ويسعون إلى البقاء فى السلطة إلى الأبد، لكن من قال لك إن أحرار المصريين سيسكتون، قالها الأخوان رحبانى من قبل «لا تخافوا.. ما فى حبوس تساع كل الناس»، سنثور ضد هؤلاء كما ثرنا ضد مبارك، وستنتصر إرادة الأحرار على الخوف والقهر، أتعجب كيف يخاف من القهر من شارك لتوه فى ثورة عظيمة ورأى كيف تنتصر إرادة الشعوب على من يقهرها أيا كانت قوته.
لقد كشفت الأشهر الماضية أن مبارك لم يكن شخصا، بل كان حالة عقلية تلبست مؤيديه وبعضا من معارضيه، كان مبارك يظن أنه الوحيد الذى يعرف مصلحة الشعب، وأنه الذى يحمى الشعب من نفسه ومن إمكانية أن يسىء الاختيار، وقد نجح فى توظيف هذه الأكذوبة داخليا وخارجيا لكى يحقق لنفسه ولأسرته ورجاله حلم الثراء والبقاء الطويل فى السلطة، هذه الأكذوبة قهرتها كلمتان رائعتان اقتبسهما شاب تونسى ما من بيت لشاعر تونسى عظيم، «الشعب يريد..»، ومنذ أن رأيت فاعلية هاتين الكلمتين وسحرهما فى تغيير الواقع المتبلد الكئيب، عاهدت نفسى أن أحترم إرادة الشعب ولا أتحدث باسمه حتى لو كنت أظن أن رأيى أكثر صوابا وحكمة.

نعم، لم يعد لدى أمل فى أن المجلس العسكرى سيحقق للثورة المصرية كامل مطالبها لأنه لو كان يريد ذلك لفعله، هو اختار أن يكون متحفظا وبطيئا وعقيما، وهذا شأنه، لأنك لن تستطيع أن تجبر أحدا على أن يدخل صفحات التاريخ المشرقة بالعافية، أحيانا أقول لنفسى ربما كان الله يحبنا لأن ذلك حدث لكى لا يستحلى العسكر السلطة، وأحيانا أسأل نفسى: طيب كل ده كان ليه؟ أتفهم حنق الكثيرين وغضبهم العاصف الذى يجعلهم يطلقون دعوات منفلتة طائشة، لكننى لا أرى حتى الآن أن هناك وسيلة مضمونة غير الانتخابات أيا كانت تفاصيلها لإنهاء حكم العسكر، ومنح مصر الفرصة التى تستحقها فى حكم مدنى منتخب لم تشهده طيلة تاريخها، وقد يرى غيرى العكس، لكن لا أنا ولا هم سيقررون، الشعب هو الذى سيريد، والشعب عندما يريد، انسى يا معلم».

حى على التصويت….معتز بالله عبد الفتاح


عزيزى الناخب: هذا يوم من أيام الوطن، يقتضى أن نفكر فيه بالكثير من العقل والقليل من العاطفة. الذهاب لصناديق الاقتراع كالذهاب إلى أداء واجب الدم دفاعا عن الوطن وتحديدا لمصيره.

معلوماتى أن كل الجهود قد بذلت كى يكون يوم الانتخاب آمنا بقدر المستطاع، وأن يكون التصويت حرا بقدر المستطاع، وأن يكون العد والنتيجة نزيهة بقدر المستطاع. تستطيع أن تتبنى المعانى الرمزية التى وردت فى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين علمنا أن نتبنى روح السفينة التى تقتضى منا ألا يفكر أحدنا بمنطق أنه يستطيع أن ينجو بمفرده وأن يترك الآخرين يخرقون قاع السفينة خرقا غير آبهين بالصالح العام.

 فهى مركب واحد لنا جميعا، لا نسمح لأحد بأن يختطفها أو يخرقها أو يقفز منها؛ فحين تشرق الشمس فستشرق على الجميع. وعلينا أن نتذكر روح الفسيلة التى نحن مأمورون بزراعتها حتى ولو كانت القيامة بعد ساعة، فمسئولية الإصلاح دائمة ومستمرة حتى ولو لم نر عوائدها فى حياتنا. ولعلها كانت هى الروح المسيطرة على كل من شارك فى ثورة 25 يناير، فكل أعطى من وقته وماله ودمه ما استطاع حتى قامت قيامتنا فقمنا. وها نحن اليوم نسجل قيامتنا فى صناديق الاقتراع لنعلن أننا سنقرر بأيدينا مستقبلنا بإذن ربنا.
وليعلم كل منا أن صوته ثغر من ثغور الإصلاح، علينا ألا نؤتى من قبله.

 اذهب إلى لجنتك الانتخابية، باشـَّا (من البشاشة)، سعيدا، مقبلا على عملية تقودك إلى أن تكون طرفا مباشرا فى تحديد مصير بلدك. واعتبرها تبرعا بعدد من الساعات القليلة لخدمة قضية أكبر منك، فما استحق أن يعيش على أرض مصر، من لا يعبأ بمستقبل مصر. الانتخابات فعل جماعى فى نتائجه، وفردى فى مسئوليته. وهو ما يقتضى منا أن نكون حذرين لأننا نريد برلمانا متوازنا يعكس ما فى الشارع من تمايزات. ولا شك أن جماعة الإخوان سيكون لها الكتلة التصويتية الأكبر، ولكن من مصلحتها ومن مصلحتنا أن يكون هناك آخرون فى البرلمان بنسبة معقولة لاسيما من شباب الثورة سواء كانوا فى أحزاب جديدة أو تحالفات انتخابية ناشئة. لا أتصور أن البرلمان سيكون متوازنا إن لم تمثل فيه قوى سياسية جديدة تعبر عن تيار الوسط السياسى وعن القوى اليسارية والليبرالية من أجل تحقيق التوازن المنشود.

دائما ما تعلمنا أن طبق الفاكهة يقتضى أن تتنوع مكوناته كى تتكامل فائدته، وكذا البرلمان لأنه سيفقد قدرته على التعبير عن المجتمع إن فقد قدرته على التنوع السياسى والاجتماعى والاقتصادى.

سأترككم الآن، لأعطى صوتى ولأدلى بشهادتى، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه. نجانا الله من الإثم والآثام. ووقى الله مصر من الشرور والأخطار.

الأحد، 27 نوفمبر 2011

حبًا فى بلدى.. سأشارك بإذن ربى … معتزبالله عبدالفتاح

سأشارك فى الانتخابات بإذن ربى. وسأعطى صوتى لمن يغلب على ظنى أنه الأنفع لبلدى. ولن يمنعنى أى موقف سياسى آخر لى من أن أشارك فى أول انتخابات بعد الثورة. الانتخابات تعنى سحب واحدة من أهم أدوات المجلس العسكرى للسيطرة على البلاد، وهى أول خطوة فى عودة قواتنا المسلحة الباسلة إلى مهمتها المقدسة كحارسة للوطن. بإذن ربى، سأشارك فى الانتخابات ولن يمنعنى إلا أمر خارج عن إرادتى.

سأشارك فى الانتخابات لأن الصندوق لابد أن «يتلون». ولنكن واضحين، أول 30 بالمائة من الذين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع سيكونون من الإسلاميين. ولو لم يذهب غيرهم، لحصلوا على قرابة المائة بالمائة من البرلمان. هؤلاء سيُصلون الفجر ويذهبون إلى الطوابير، ولا لوم عليهم. لكن علينا جميعا أن نعى أن الديمقراطية ليست مسألة قيم ومبادئ وأخلاقيات، وإنما هى كذلك توازن فى القوى داخل البرلمان والمؤسسات. ومن مصلحتنا جميعا ألا يغلب على البرلمان لون واحد من ألوان الطيف السياسى. تنوعنا يفيدنا ويرفع من قدرتنا على التفكير الجماعى فى علاج مشاكل هى بطبيعتها معقدة وتتطلب درجة عالية من التداول فى الأفكار والتعبير عن تنوع المصالح.

سأشارك فى الانتخابات لأننى قلق أن نضيع فرصة تاريخية تنقل السياسة من الشوارع إلى البرلمان، ومن الميادين إلى المؤسسات.

لا أستطيع أن أقول لغيرى القائمة أو الشخص الذى سأنتخبه. ولكن قد أفيد فى توضيح من الذى لا يحسن بنا أن ننتخبه.
  • لن أنتخب شخصا مستعدا أن يشترى صوتى بأى مبلغ من المال؛ لأن من يشترى صوتى بالمال، مستعد أن يبيع بلدى بالمال.
  • لن أنتخب شخصا يزكى نفسه بأنه من أهل الخير والجنة وأن التصويت لغيره سيجعلنى من أهل الشر والنار.
  • لن أنتخب شخصا يعمل دعاية لنفسه فى المسجد أو الكنيسة.
  • لن أنتخب شخصا ارتبط بشكل واضح بالحزب الوطنى أو بأى من الأحزاب أو الأشخاص الذين تقاسموا الوطن مع الحزب الوطنى حتى لو كان من أحزاب المعارضة.
  • لن أنتخب شخصا لا يسكن بشكل مستقر فى الحى أو الدائرة التى سأصوت فيها.
 أخى المواطن، اذكر اسم ربك، واسأله التوفيق، وابذل جهدا فى أن تتعرف على المرشحين والأحزاب فى دائرتك. ابحث عن لجنتك الانتخابية من موقع اللجنة العليا للانتخابات (http://www.elections2011.eg)، اجعلها عدة ساعات فى حب الوطن. هو يستحق منا أن نبادله خيرا بخير، وعطاء بعطاء. هذا يوم من أيام الوطن، ولا تنس أن أجدادنا ناضلوا واستشهدوا من أجل حرية الوطن، ثم من أجل حرية الأرض، وها نحن اليوم نناضل ونستشهد من أجل حرية المواطن.

سأشارك فى الانتخابات لأننى أعلم أننا شعب قادر على أن ينتحب حزنا على من مات، وأن يغضب ألما لمن أصيب، وأن ينتخب نهارا لبناء الدولة، وأن يعتصم ليلا حتى لا تضيع الثورة.

خانة اليـك…… ابراهيم الهضيبي

لا يوجد ما يسبق إدانة الجانى والتضامن مع الضحية عند الحديث عن جريمة الدولة تجاه مواطنيها فى التحرير، والمجمع عليه الآن هو أن الشرعية المؤقتة التى حازها المجلس العسكرى عقب خلع مبارك لإدارة شئون البلاد قد سقطت نهائيا بفشله فى حقن الدماء التى أراقتها أجهزة الدولة طوال الأيام الماضية، وأما المختلف فيه فكيفية صناعة الشرعية البديلة فى أسرع وقت ممكن.

 شرعية المجلس العسكرى ظلت تتآكل خلال الأشهر الماضية، فبعد أن تقبل الشعب بيان الاعتذار الشهير (رصيدنا لديكم يسمح) فى فبراير الماضى ظل هذا الرصيد إلى تناقص، بسبب سوء إدارة الملفين الاقتصادى والأمنى، وبسبب سياسات أدت لانخفاض حاد فى الثقة، منها محاكمة المدنيين عسكريا، والاعتداء على حرية الرأى والتعبير، والتباطؤ والتواطؤ فى عمليات التطهير، وانعدام الوضوح فيما يتعلق بالخريطة الانتقالية، والخروج فيها على ما تم التوافق عليه فى الاستفتاء، سواء فيما يتعلق بحالة الطوارئ، أو بترتيب خطوات الانتقال وبجعل وضع الدستور سابقا على الانتخابات الرئاسية.

ثم جاء اعتداء الشرطة على المعتصمين عقب مليونية 18 نوفمبر ــ من غير أن يعطلوا مصلحة ولا يقطعوا طريقا ــ ليشعل فتيل أزمة جديدة، تسارعت وتيرتها بتداعى الآلاف للدفاع عن المعتصمين ضد بطش الأجهزة الأمنية، وبالعنف المفرط لتلك الأجهزة التى قتلت ــ ومعها بعض قوات الجيش ــ عشرات المصريين، فكتبت دماؤهم صك سحب الشرعية من هذا المجلس.

والظرف الآن بالغ الدقة، ومسئولية المجلس الأولى فيه هى الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية، وهو ما لا يكون بغير التراجع الفورى الطوعى عن الدور السياسى الذى يقوم به، لئلا يقحمها معه فى صدام مع الشعب هو قادم لا محالة لو أصر على البقاء، وينبغى على المجلس أن يعلن فورا عن جدول انتقال سلطة يؤدى لخروجه الكامل منها عقب الانتخابات البرلمانية التى ينبغى أن تقام فورا.

ومسئولية الساسة لا تقل دقة عن مسئولية المجلس العسكرى، إذ عليهم أن يضطلعوا بمسئوليتهم الوطنية ويتجاوزوا خلافاتهم الورقية واللفظية التى استمرت شهورا، وأن يعلنوا قبولهم تسليم السلطة كاملة للبرلمان المنتخب، على أن تشكل حكومة إنقاذ تقوم على توافق وطنى واسع فتحظى بتأييد ثلثى أعضائه، تكون صلاحياتها كاملة لا رقيب عليها سوى البرلمان، وتنشغل بثلاثة ملفات رئيسة، هى الأمن والاقتصاد والإعلام، وتلتزم بإجراء الانتخابات الرئاسية فى موعد أقصاه أبريل المقبل، ويتوازى ذلك مع اختيار الجمعية التأسيسية للدستور، وتشكيل الحكومة بأغلبية الثلثين من شأنه تقليل فجوة الثقة بين التيارات المختلفة ومن ثم المساعدة فى صنع توافق هو المسئولية الوطنية الأولى للقوى السياسية الآن، بدونه يصير وجودها كعدمه، أو يكون عبئا على الثورة.

وهذا المخرج من الأزمة هو فى تقديرى الأسرع والأكثر أمانا، إذ البدائل الأخرى المطروحة (مجلس رئاسى مدنى، حكومة إنقاذ وطنى) ستفتح أبوابا واسعة للشقاق بين القوى السياسية فى تفاصيلها وصلاحياتها وعلاقتها بالجهات المنتخبة (إذ الواجب فى كل الأحوال هو الإسراع بالانتقال لشرعية ديمقراطية تعبر وإن جزئيا عن إرادة الشعب)، وستنقل الخلاف من كونه خلافا بين الشعب والحكام إلى خلاف بين الساسة وبعضهم، وبدائل كانتقال السلطة لرئيس المحكمة الدستورية أو محكمة النقض تتجاهل أن توازن القوى وقتها ــ مع انعدام المؤسسية فى هذه الجهات ــ سيعطل العمل فى مؤسسات الدولة، وسيبقيها أسيرة لحكم العسكر، ولا ينقص هذا المخرج من الأزمة سوى تحديد الجهة المشرفة على الانتخابات، أتكون المجلس العسكرى الذى فقد الشرعية، أم جهة أخرى ربما تحتاج بعض الوقت لترتيب أوراقها قبل الانتخابات، ووجهتا النظر لهما ما يؤيدهما، غير أنى أنحاز لما لا يعطل الانتخابات، لأن التأجيل يفتح أبوابا أمام المزيد من المشكلات.

وجزء من مسئولية الخروج من هذه الظرف الدقيق تقع على عاتق الثوار، والتسليم بسقوط شرعية العسكر يعنى أن الواجب الأول صار الإسراع بانتقال السلطة، وهو ما يعنى التعجيل بالانتخابات الرئاسية لا تأجيل البرلمانية، وينبغى أن يثق الثوار فى الشارع وخياراته الديمقراطية، وفى أنه ــ فى ظل الظرف الثورى ــ سيعاقب الفلول والمتأخرين عن الثورة.

وتقديرى أن الإسراع بانتقال السلطة لحكومة برلمانية منتخبة لا يكفى لتهدئة الغضب الشعبى الذى يتحرك فى ميادين مصر، إذ ينبغى بالتوازى مع ذلك اتخاذ حزمة من الإجراءات تنزع فتيل الغضب، بعضها يتعلق بالمحاسبة المباشرة على الأحداث، وبعضها بالأسباب المؤدية إليها، فأما ما يتعلق بالأحداث مباشرة فأوله اعتذار رئيس المجلس العسكرى للشعب عن الجرائم التى وقعت على أيدى الأجهزة الأمنية للدولة فى الأيام الماضية، وهذا الاعتذار واجب، كونه يتعلق بالمسئولية السياسية بقطع النظر عن المسئولية الجنائية، وبالتوازى مع الاعتذار فينبغى الشروع فورا فى إجراءات تأخرت كثيرا، أولها الإقالة الفورية لوزير الداخلية وقيادات الوزارة كلها، وكذلك كل الضباط الذين سبق لهم العمل فى جهاز أمن الدولة المنحل، وثانيها بدء التحقيق الفورى فى البلاغات المقدمة ضد ضباط الداخلية والجيش المتورطين فى قتل المتظاهرين فى يناير وفبراير وإبريل ومايو ويونيو وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، وأن يوقف هؤلاء الضباط عن العمل ويتم احتجازهم خلال فترة التحقيقات لئلا يؤثروا بنفوذهم على مسارها.

وبالتوازى مع الاعتذار وتطهير الداخلية ينبغى تشكيل لجنة تقصى حقائق مستقلة، تتشكل من أناس يحظون بثقة الثوار، تنظر فى الأحداث الأخيرة وفى أحداث ماسبيرو، وتحدد الجهات المسئولة عنها، وأشكال التقصير المؤدية إليها، مع وضع سقف زمنى محدد لعملها.

وأما ما يتعلق بعلاج الأسباب المؤدية للغضب فأوله إطلاق سراح جميع المعتقلين فورا، والوقف الفورى للمحاكمات العسكرية للمدنيين، وإعادة محاكمة كل من حكم عليهم من قبل القضاء العسكرى أمام قاضيهم الطبيعى، وكذلك تطهير المؤسسة الإعلامية التى عملت طوال الأشهر الماضية على شق الصف الوطنى، وإحباط المصريين وإبعادهم عن الثورة، وكذلك الإقالة الفورية لأسماء بعينها فى المجلس العسكرى، لم تتوان فى الأشهر الأخيرة عن التحريض على الشعب المصرى، وتحدى إرادته بوضوح فى كل خطاباتهم وكلامهم.

تقديرى أن تطور الأمور على هذا النحو السريع فى ميادين مصر إنما يعكس حالة الاحتقان المتزايد من جهة، وانعدام حكمة الحكام المؤقتين وقدرتهم على إدارة الأمور من جهة أخرى، وأن هذا التطور قد وضع كل الأطراف فى (خانة اليك)، وأن كل الأطراف صارت تدرك المشكلة وتعجز عن حلها، وأتصور أن سرعة الاستجابة للمطالب، جملة واحدة من غير تدرج ولا مساومة قد يمثل مخرجا آمنا لمصر، بغيره سندخل فى دوامة تؤدى لإراقة المزيد من الدماء، واستمرار فورة الغضب، وتحقيق ذات المقاصد ولكن بوسائل أقل سلمية، وأكثر تهديدا لسلامة الوطن.

السياسة من الميادين إلى المؤسسات…. معتزبالله عبدالفتاح


ابتكر التنظير السياسى المؤسسات حتى يمكن وضع ضوابط على سلوك الفاعلين السياسيين حتى لا تنفلت الأمور وتصل إلى درجة الصراع السياسى العنيف. بل توقع التنظير السياسى أن يكون هناك تدافع بين القوى السياسية المختلفة داخل المؤسسات من أجل تقسيم السلطة وتحقيق التوازن والرقابة بينها حتى لا يحدث التدافع خارجها وصولا إلى الثورات. 
كلما ازداد النظام السياسى استبدادا سعى إلى ألا يكون هناك تدافع من الأصل، وإنما علاقة تراتبية أبوية تسلطية يصدر فيها الأعلى أوامر للأدنى وعلى الأدنى أن يسلم للأعلى بحقه فى إصدار القرارات بلا تعقيب إلا «تمام يا افندم» وهذا ما يسمى بعسكرة الحياة السياسية، فيبدو الأمر أنه لا فرق بين علاقة رئيس الجمهورية بمجلس الشعب وعلاقة وزير الدفاع بأى وحدة من وحداته العسكرية.

حين يخرج الناس على هذه التقاليد التراتبية ويسعون إلى التعبير عن مصالحهم ومطالبهم فإنهم لا يجدون مؤسسات مستعدة للتفاعل معهم لأنها كلها مؤسسات مصممة لتعمل بأوامر من أعلى إلى أدنى. إذن ما العمل؟ الحل الوحيد المتاح هو الخروج على هذه المؤسسات وتدميرها لإتاحة المجال لإنشاء مؤسسات بديلة عنها تقوم بمهام التشاور والحوار والرقابة والتدافع السياسى المنضبط وفقا لقواعد سياسية ترتب على الجميع التزامات متبادلة. 
……………… 
نجحنا فى الطلعة الأولى، لكننا لم نقم بالعبور بعد. لأن من قام بالطلعة الأولى هم شباب مصر الغد الذين يريدون مؤسسات سياسية ديمقراطية، ولكن من يقوم بمهام بناء المؤسسات الجديدة هم ممن اعتادوا على «عسكرة» الحياة السياسية. ولهذا سيتم الصراع السياسى فى الشارع والتدافع وصولا إلى بناء مؤسسات دولة ديمقراطية. عملية قيصرية بلا «بنج» نشهدها ونشارك فيها، ولكن لا بد منها، وإلا سنعود إلى ما كنا عليه وتضيع البلاد بالفعل.

كانت هناك أوامر من المجلس الأعلى إلى المجلس الوزارى، ولأنه لم يكن هناك تدافع حقيقى بين هؤلاء وأولئك، أصبح هناك تدافع أعنف فى الشارع. والنقاش الآن هو بشأن من يستطيع أن ينقل النقاش من الشارع إلى المؤسسات. وسيتلخص النقاش فى شخص وصلاحيات رئيس الوزراء الجديد. 

سيادة المشير لا يريد رئيس وزراء جديدا لديه خاصيتان: لا يريد شخصا لديه شرعية مستقلة غير شرعية «تمام يا افندم.» ولا يريد شخصا لديه أجندة سياسية مستقلة عن أجندة المجلس الأعلى. الدكتور محمد البرادعى مستعد ولكنه مستبعد وفقا لهذا المعيار من وجهة نظر المجلس الأعلى. ولم يعد سرا أنه أمكن صباح الخميس الماضى إقناع السيدين عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحى أن يقوم أحدهما بتشكيل الحكومة ويكون الآخر نائبا له بحيث تمثل جميع القوى السياسية والثورية فيها بلا إقصاء. وهى تضحية كبيرة من رجلين شريفين لإنقاذ البلاد والعباد.

لكن سيادة المشير يفضلها حكومة أليفة بلا أنياب سياسية، حتى يسهل توجيهها. ولكن لنتذكر أنه إن لم يحدث تدافع حقيقى داخل المؤسسات فسيكون هناك تدافع خارجها فى الميادين.

كل الاحترام للدكتور كمال الجنزورى ولتاريخه، ولكن البدائل المتاحة أوسع من الدكتور الجنزورى، ولو كان قد اعتذر عن المنصب، فهو عين العقل بالنسبة له ولنا. ولو كان كل ما حدث فى الأسبوع الماضى من تظاهرات واعتصامات سيترجمه سيادة المشير أنه من أجل استبدال رئيس وزراء بيروقراطى برئيس وزراء بيروقراطى آخر أشطر منه، إذن هذا دليل آخر على أن هناك فجوة إدراكية هائلة عند المجلس الأعلى بشأن القضية الأكبر التى تحكمنا وهى مركز الثقل فى عملية صنع القرار السياسى فى الباقى من المرحلة الانتقالية.

المجلس العسكرى نجح فى تسعة أشهر أن يفقد شرعيته عند الكثيرين بكفاءة استثنائية بما يدل أنهم، والحديث عن السيد المشير تحديدا، لديهم حس سياسى ضعيف لأقصى درجة، كالفيل الضخم العجوز الذى يدرك بصعوبة ويتحرك بصعوبة. ولكن المزعج أن الحكومة السابقة صارت على نفس منهج المجلس العسكرى، فقامت بفض اعتصام حوالى 200 شخصا بقتل 40 شخصا وجرح 1500 شخص كمن أصلح حنفية فى شقة بتدمير كل مواسير المياه فى العمارة كاملة. ويا لها من كفاءة استثنائية.

والغريب أن المجلس العسكرى حين يقرر أن يغير الحكومة يفكر بنفس المنطق السابق. إذن ما الحل؟

أولا، تشكيل حكومة إنقاذ وطنى كاملة الصلاحيات، تعبر عن جميع أطياف المجتمع المصرى بلا هيمنة أو استبعاد، مع اقتراح أن يرأسها أى من السادة، محمد البرادعى، عبدالمنعم أبو الفتوح، حمدين صباحى.

ثانيا، تشكيل مجلس مدنى للتعاون مع المجلس العسكرى فى إدارة ما بقى فى الفترة الانتقالية التى تنتهى قبل 30 يونيو، والأفضل عندى أن تتم انتخابات الرئاسة كما اقترح بعض الأصدقاء فى 25 يناير المقبل، لأن كل يوم فى ظل إدارة المجلس العسكرى هو خصم أكيد من قدرات مصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ثالثا، لا بد من تشكيل لجنة تحقيق جنائية مستقلة للتحقيق فى جريمة قتل المصريين ومحاسبة المسئولين عن تلك الجرائم.

رابعا، الوقف الفعلى للمحاكمات العسكرية للمدنيين فورا والإفراج عن المعتقلين السياسيين.

خامسا تطهير وزارة الداخلية وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والتوقف عن شيطنة المصريين لدى العاملين فى الأجهزة الأمنية حتى لا نرى مرة أخرى هذا الغل الذى يتعامل به بعض الضباط وبعض الجنود مع المتظاهرين.

سادسا، تطهير مؤسسة الإعلام الرسمى ثم إلغاء وزارة الإعلام بالكلية وتشكيل مجلس وطنى للإعلام.

سابعا، المحاكمة الجادة لمبارك ورموزه بتهمة الخيانة العظمى لما أنتجوه لنا من نظام سياسى فاسد قائم على عسكرة تعيق قدرتنا على الانطلاق.

……………

كلمة أخيرة لأهلنا ممن يرون كل هذا التدافع وكأنه تدمير للبلاد. الحقيقة أن العكس هو الصحيح، بإذن الله. لا ينبغى أن نبالغ فى المحافظة والرجعية لدرجة أن نفقد قدرتنا على الحلم والفعل السياسى. نجيب محفوظ فى الثلاثية روى لنا أن السيدة أمينة استاءت من أولادها الذين كانوا يتظاهرون ضد الإنجليزى ويريدون منهم الرحيل. وكان سر اعتراضها أننا ولدنا لنجد أنفسنا نعيش مع الانجليز، وأصبحوا «عِشرة والِعشرة لا تهون إلا على ولاد الحرام». هذا منطق مغلوط. المجلس العسكرى له مهام محددة، وأن يكونوا قد حكمونا لفترة سابقة، فهذا ماض له مميزاته وله عيوبه. أما الآن فعليهم أن يبدأوا فى نقل الحكم إلى حكومة مدنية فعلا، وليست إدارة تابعة لهم برئاسة رئيس وزراء أقرب إلى «شاويش» تم تعيينه بأمر عسكرى.

نريد رئيس وزراء حكومة الثورة فعلا، وليس جندى مجند فلان الفلانى ثابت مكانه فى مقر مجلس الوزراء. نريد أن تنتقل الثورة إلى مؤسسات الحكم، وليس أن تكون عملية الحكم فى الميادين والشوارع عبر التظاهر والاعتصامات.

القارئ الكريم، غالبا استوعب ما أقترحه فى هذا المقال، أما من يعنيهم الأمر، إن قرأوا، فسيقولون: غالبا هم لا يريدون الجنزورى، طيب هل ممكن نستعين بمفيد شهاب؟

عبد المنعم أبو الفتوح يصدر اعلان النوايا الخاص به….



اما وقد اصبح الجميع لا يثق فى الجميع .. والجميع متخوف من الجميع ..والجميع يسىء الظن بالجميع فقد بات  علي جميع القوى السياسية ان يصدر عنها اعلان نوايا  حتمى والزامى عما نتصوره  للمرحلة القادمة .
كنا نتصور ان جراح الوطن من سنوات الاستبداد و الفساد الطويلة ستستدعى منا الهمم والعزائم لتوحيد القوى واستدراك ما فات.
كنا نتصور ان فرحة الشعب الطيب بزوال غمة الطغيان ستكتمل بالسعى المبكر الدؤوب لتكوين مؤسسات دولة القانون والعدل والمساواة.
كنا نتصور ان معاناة القوى السياسية من التضييق والملاحقة ستنقلب بعد الثورة الى سعة فى الصدر وتسامحا فى الخلاف .
كنا نتوقع من المجلس الاعلى للقوات المسلحة ان يتوج موقفه التاريخى من الانتصار لثورة الشعب والاعلان عن تحمله المسؤلية مؤكدا انه ليس بديلا عن الشرعية التى هى نتاج طبيعى لانتخابات ديمقراطية يمنح فيها الشعب شرعية الحكم لمن يريد ويختار. فانتظرنا الانتقال الفورى للسلطة المدنية والتعجيل بوسائل هذا الانتقال.
كنا نتوقع من وسائل الاعلام واصحاب الرأى والمفكرين والنخب الثقافية و الاجتماعية ان تضع مصلحة الوطن العليا واستقرار مؤسساته على رأس اولوياتها ضمن قائمة (أهم الأهم ) .. دافعة لبسطاء الناس الى الامام قائلة: ان كل ما كان صعبا مستحيلا اصبح الان سهلا قريبا.
على أن كل ذلك لم يطفىء فى نفوسنا جذوة الأمل و الاستبشار بمستقبل حقيقى ملىء بالحق والعدل والاستقرار والحرية و حلم الاجيال المتمثل فى ديمقراطية سياسية واجتماعية تظلل كل ابناء الوطن . وقد رايت من جانبى أن اذكر ببعض النقاط فى هذه المعانى:

  • أولا: الدولة المصرية الوطنية تقوم على اسس دستورية ديمقراطية وترتكز على دستور توافقت عليه الامة يفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ويحدد طبيعة نظام الحكم الذى يكفل المساواة وفقا لمبدا المواطنة التامة. وتكون السلطة التشريعية المتمثلة فى البرلمان المنتخب بارادة الشعب هى الجهه المنوطه باصدار كافة التشريعات مع ما تمثلة من دور رقابى على الجهاز الحكومى.
  • ثانيا: الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى والاساسى للتشريع. مع احتفاظ اصحاب الديانات السماوية بكل الحق فى الاحتكام لشرائعهم فيما يتصل بالاحوال الشخصية.
  • ثالثااعتماد نظام الانتخابات الحرة المباشرة القائم على التعددية و التداول الطبيعى للسلطة وفق مبدا المسؤلية الفردية والمساواة فى الحقوق والواجبات و المحاسبة بالقانون .
  • رابعا: الحرية الفكرية والشخصية وحرية الرأى والتعبير والاحترام التام لحق الانسان وكرامته (ذكر أو أنثى أو طفل) من ركائز الدولة وبنيان المجتمع مع الصون والاحترام لقيم المجتمع واخلاقياته ..والحرص على أدب الاختلاف واخلاقيات الحوار المتمدن والابتعاد نهائيا عن كل صيغ التكفير والتخوين والتمييز الدينى. واحترام دور العبادة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وتيسير وسائلها ومكوناتها.
  • خامسا : الالتزام بالمواثيق والقرارات اوالاتفاقات لدولية ..واعتبار الحضارة العالمية شأنا انسانيا شاركت كل الشعوب فى بنائها وقيامها.
  • سادسا: التعليم المتاح الممتد وتحقيق العدل الاجتماعي ومكافحة الفساد والقضاء علي البطالة والتنمية الاقتصادية.. والتأمين الصحى الشامل. من اولويات اهتمام ومسئولية الدولة. واعتبارالبحث العلمى شأنا يتصل بالامن القومى. مع تعظيم وتسهيل اعمال الوقف الاسلامى والقبطى للمشاركة فى دفع البناء والعمران.
  • سابعا: اعتبار كل ما ورد فى دستور 1971مما يتصل بالقوات المسلحة ومجلس الدفاع الوطنى (الفصل السابع/مادة 181 182 183) كافيا للاعتبار القومى الذى يوضح مهام ودور المؤسسة العسكرية. وهو الامر الذى استقر اربعون عاما من الوجود الراسخ المتين تخللتها الانتصار العظيم فى 1973م. مما يؤكد سلامة وصلابه هذه المواد وهو الامر الذى يدعونا بقوة للتمسك بها.
…………………..
لعل ما ذكرته سابقا يمثل( اعلان نوايا) ملزم وحتمى اراه كذلك من جانبى …وقد يمثل رؤيه تضاف لاراء باقى القوى الوطنية والسياسية والتى تسلتزم منها واجبات العمل الوطنى فى هذه المرحلة الدقيقة ان يصدر عنها ما يطمأن بعضها البعض درأ لكل انواع الخوف و التشكك ودفعا للعملية السياسية فى اتجاه الاكتمال والتأسيس التام.
د/عبد المنعم ابو الفتوح

السبت، 26 نوفمبر 2011

اعتصموا وانتخبوا………..فهمي هويدي

حتى الآن لا يبدو أن المصالحة تمت بين السلطة والمجتمع فى مصر، صحيح أن الحكومة استقالت، وتم تكليف حكومة جديدة، وأن ذلك ما كان له أن يحدث لولا أن المجتمع رفع صوته، وأعلن عن غضبه، واعتصمت جماهيره فى ميدان التحرير وبقية ميادين مصر تعبيرا عن احتجاجها على الإهانة التى لحقت بها. صحيح أيضا أن المجلس العسكرى عبّر عن أسفه على لسان رئيسه تارة، ثم قدم اعتذاره عما جرى فى حديث اثنين من أعضائه فى وقت لاحق، إلا أن البطء فى تدارك الموقف من جانب والتلكؤ فى تقديم الاعتذار إلى حد «تقسيطه» على أكثر من مرة أفقده مفعوله، خصوصا أن المطالبة بالاعتذار صدرت حين تم الانقضاض على معتصمى ميدان التحرير صبيحة السبت الماضى 19/11، حين كانت حصيلة «الغارة» قتل اثنين فقط من المحتجين وإصابة نحو عشرة أشخاص. لكن حينما استمر عدوان الشرطة، ووصل عدد القتلى إلى نحو أربعين شخصا، وأصبح المصابون بالمئات. وبدا أن القمع يزداد شراسة وعنفا يوما بعد يوم، فإن الأمر اختلف كليا، إذ تعمق الجرح واتسعت بحيرة الدم وتضاعف الشعور بالإهانة والنقمة، التى جاوزت وزارة الداخلية والحكومة، وطالت المجلس العسكرى ذاته، وهو الذى تدخل دفاعا عن كرامة المصريين وصونا لدمائهم.

لكن بعد تسعة أشهر من تسلمه للسلطة اكتشف المصريون أن كرامتهم لا تزال تهدر وأن دماءهم لا تزال مستباحة، وأن الثمن الذى دفعوه من شهدائهم فى بداية الثورة لم يكن كافيا لتحقيق أهداف الثورة. لذلك فإن خروجهم إلى الميادين والشوارع كان إعلانا عن إصرارهم على إنجاح ثورتهم واستردادهم لكرامتهم. وهى الرسالة التى لم تفهمها الأجهزة الأمنية  ولا المجلس العسكرى للأسف طوال الأسبوع الماضى على الأقل، بدليل أنها واصلت القمع الذى ثار الناس لإيقافه وطى صفحته.

منذ اليوم الأول دعوت إلى اعتذار علنى ومحاسبة للمسئولين عن إهانة المصريين، ناهيك عن أهالى الشهداء وغيرهم من المصابين. وإذا كنا قد تلقينا اعتذارا خجولا، فإننا لن نقتنع بجديته إلا إذا أعلن المجلس العسكرى بصراحة وبغير مواربة عن أن الذين اسالوا دماء المصريين مجددا سوف يحاسبون جنائيا وسياسيا.

أيا كان رأينا فى مطالب ثوار التحرير التى نشرتها الصحف، فإننى أزعم أن رد الإهانة التى لحقت بالمصريين على مدى الأسبوع مطلب كان يستوجب استمرار الاحتجاج والاعتصام. لذلك فإننى لست من مؤيدى الإسراع بإخلاء ميدان التحرير، ما لم يرد لجماهير الثورة اعتبارها، وما لم يدرك المجلس العسكرى أن خطأه فى حقها يجب أن يصحح بلا تردد أو تأخير.

على صعيد آخر، فإننى ما زلت عند رأيى فى أن إجراء الانتخابات فى موعدها يشكل ضرورة قصوى، ليس فقط لكى تشكل فى مصر مؤسسة منتخبة تمثل الشعب حقا تستطيع أن تراقب وتحاسب، وتخرجنا من دوامة المزايدات السياسية التى نعيش فى ظلها منذ قامت الثورة. ولكن أيضا لأن تلك هى الخطوة الأولى باتجاه تسلم السلطة من المجلس العسكرى. إذ فى هذه الحالة فإن الوزن السياسى للمجلس المنتخب سيكون أقوى بكثير من وزن المجلس العسكرى الذى أدى دوره مشكورا فى حماية الثورة، ذلك أن المجلس المنتخب أهم بكثير من أى مؤسسة حكومية حتى إذا ضمت عدوا من الرجال الوطنيين والشرفاء. فضلا عن ذلك فإن الانتخابات ستتيح لنا أن نعرف الحجم الحقيقى للقوى التى تتزاحم فى الفضاء السياسى المصرى، الأمر الذى يوفر لنا صورة طبيعية للخريطة السياسية، بدلا من تلك المشوهة والمفتعلة المتداولة الآن.

لست من أنصار فكرة تشكيل مجلس رئاسى موازٍ للمجلس العسكرى، ليس فقط لأنه أما أن يكون معينا من قبل المجلس، وفى هذه الحالة فإنه سيكون بمثابة حكومة موازية أو أنه سيضم تشكيلة من القانونيين الذين يتبوؤن مناصب رفيعة فى الهيئات القضائية. ورغم أن ذلك مخالف للإعلان الدستورى، فإنه يورط هؤلاء الخبراء فى الملف السياسى الذى لا دراية لهم به.

كما أننى لم أفهم تلك الدعوة التى أطلقها البعض لرحيل المجلس العسكرى، دون أن يقدموا لنا بديلا معقولا عنه، علما بأن التصويت فى الانتخابات هو خطوة فى الطريق إلى رحيل ذلك المجلس.

من ناحية أخرى، فإننى لست ممن يؤيدون فكرة تأجيل الانتخابات، التى تعد مغامرة قد تضيع علينا فرصة الانتخابات كلها إذا جدت أمور استدعت ذلك. وأتفق مع القائلين بأن إجراء الانتخابات فى موعدها يعد نوعا من المغامرة، لكنى أضيف أن المغامرة ستكون أكبر إذا ما تأجلت الانتخابات. وفى أحد المقابلات التليفزيونية التى أثير فيها الموضوع قلت إننا نختار فى المشهد الراهن بين سيئ وأسوأ وليس بين جيد وردىء. بما يعنى أنه إذا لم يكن إجراء الانتخابات فى موعدها وضعا مثاليا فإن تأجيلها يضعنا على أعتاب وضع أشد بؤسا.

خلاصة الكلام أنه إذا كان الاعتصام ضروريا وإجراء الانتخابات فى موعدها لازما، فلماذا لا يعتصم الناس وينتخبون فى نفس الوقت، خصوصا نتحدث عن المرحلة الأولى فقط. حتى إذا اقتضى الأمر توزيع اللجان الانتخابية على مقرات مؤقتة فى الميادين التى تجتمع فيها حشود الغاضبين، لكن ذلك كله يظل مشروطا بأمر واحد هو أن تستمر «الهدنة» بين الشرطة والمتظاهرين.

هرم الغضب………..معتزبالله عبدالفتاح

المتظاهرون لا يغضبون بسبب واحد ووحيد إلا إذا كان كرد فعل لكارثة كبرى مثل نكسة عام 1967 أو كسلسلة متصلة الحلقات من الإخفاقات والقرارات الخاطئة. من يبنى هرم الغضب، عادة، ليس الغاضبون، وإنما من يدفعون الغاضبين كى يتبنوا مواقف ومشاعر سلبية تجاههم.

المشير طنطاوى، شخصيا، والمجلسان الأعلى والوزارى، نجحوا فى بناء هرم الغضب بالتأخير الشديد فى إجراء الانتخابات المصرية. كل ما دون ذلك كان يمكن أن يغفر طالما أننا نعلم أن البلاد تتجه نحو انتخابات فى موعدها. هرم الغضب كان يمكن أن يتوقف تصاعده لو كان العنصر الزمن له قيمة عند المشير والمجلس الأعلى. هرم الغضب كان يمكن أن يتوقف تصاعده لو كانت هناك إنجازات تذكر فى مجالات أخرى يمكن أن تشفع أى أخطاء أخرى، ولكن التردى الشديد فى أحوالنا الأمنية والمجتمعية والاقتصادية جعلنا حائرين: إذا كنتم غير قادرين على الإدارة، فلماذا تؤجلون الانتخابات وتتمسكون بمقاعد أنتم غير مؤهلين لها.

هرم الغضب كان يمكن أن يتوقف تصاعده لو كان هناك تواصل سياسى أفضل وتوضيح للناس بشكل أكثر إقناعا لماذا تتخذ القرارات على النحو الذى تتخذ عليه. نحن أمام هدفين متعارضين: الأول أن تتم الانتخابات فى موعدها، والثانى، أن نحاكم من هم مسئولون عن تردى أوضاعنا انتهاء بقتل أبنائنا. المسئولية السياسية جامعة للمجلسين. ولكن فى نفس الوقت، لدى ما يكفى من معلومات أن المعضلة الكبرى تتمثل فى رئيسى المجلسين: طنطاوى وشرف. بل يقودونى عقلى إلى أن المسئول الأول عن تصاعد هرم الغضب هو المشير طنطاوى شخصيا وقبل أى شخص آخر. هو لم يتعلم من أخطاء مبارك، وهو غير مؤهل للتعامل مع ثورة سريعة وهو بطىء، وهو غير قادر على أن يقابل الثورة بثورية فى الفكر، بل هو أقرب فى ذهنى إلى شخص محافظ جدا وازداد محافظة لدرجة الرجعية فى الفترة الأخيرة.  

ما العمل؟ الحل عند المشير طنطاوى وليس عند غيره. عليه أن يعترف بخطئه وأنه كان ذا قرار، ولكنه لم يكن ذا بصيرة. المشير طنطاوى عليه أن يتنحى بدون إثارة بلبلة أو إحداث هزة فى مؤسستنا الوطنية العسكرية. عليه أن يترك إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشخص آخر، أكثر قدرة على التفاعل مع شارع ثورى، ومجتمع مكلوم، صبر وضحى ولم يجد عائدا. 

فى هذه اللحظة شرعية الشخص والمؤسسة تتلازمان بحكم المنصب، لكنهما تتمايزان بحكم الوظيفة. المشير طنطاوى ليس هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإنما هو الأول بين قياداتها. وإن ترك منصبه، مع شرف، فهذا لن يقضى على المؤسسة أو ينحرف بها، بل العكس هو الصحيح: سيعيد للمؤسسة قدرتها على استكمال الأشهر القليلة القادمة، وسيعطى رسالة لمن قرروا الاعتصام والتظاهر أن أحدا لن يخطئ دون حساب، وسيزيد من فرصة أن تمر الانتخابات فى موعدها. لو أجرى استفتاء على بقاء المجلس العسكرى فى إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية، فسيختار معظم الناس استمرارها. ولو أجرى الاستفتاء على بقاء المشير طنطاوى على قمة المجلس العسكرى، فأعتقد أنه سيجد ما لا يحبه. اقتراحى إذن أن يترك المشير منصبه، وليستمر نضال شعبنا فى طريق التحول الديمقراطى ولتكن الخطوة الأولى فى إطفاء هرم الغضب.

الخميس، 24 نوفمبر 2011

حق الدم…. فهمي هويدي

ما يحدث فى مصر الآن غير قابل للتصديق، حتى أزعم أنه أقرب إلى اللامعقول منه إلى المبرر أو المعقول. ففى أى بلد محترم ــ أو يزعم أنه كذلك ــ لا يتصور أحد أن يخرج الناس للتظاهر أو الاعتصام السلمى، فيقتل منهم نحو ثلاثين شخصا ويشوه أو يصاب عدة مئات. إننا نرى المتظاهرين فى الدول الديمقراطية وهم يضحكون حين تحملهم الشرطة أثناء فض المظاهرات، فى حين رأينا الشرطة فى ميدان التحرير وهى تجر جثة أحد المتظاهرين وتلقى بها إلى جوار القمامة. وفى كل بلاد الدنيا المحترمة يخرج المتظاهرون وهم مطمئنون إلى أنهم سيعودون إلى بيوتهم آخر النهار. أما عندنا فقد وجدنا بعض الشباب وقد كتبوا قبل خروجهم أرقام هواتف أهاليهم على أذرعهم، لكى يستطيعوا التعرف عليهم فى مشرحة زينهم (التى تحول إليها الجثث) أو فى المستشفيات. كأن الاشتراك فى مظاهرة سلمية أصبح من قبيل الإقدام على عملية استشهادية أو انتحارية، حتى لم يبق أن يكتب هؤلاء وصاياهم قبل مغادرة بيوتهم والالتحاق بالمظاهرة.

إذا تململت فى مقعدك وقلت إننى أفسدت ملاحظتى حين أشرت إلى الدول «المحترمة»، وكنت واحدا ممن باتوا يشكون فى أننا كذلك، فربما كان معك بعض الحق. لكن لدى اعتبار آخر يقوى من حجتى، ذلك أننا إذا استبعدنا مسألة الدولة المحترمة التى لا ينبغى أن تلجأ إلى ذلك القمع، فإنه يظل من غير المعقول أيضا أن يحدث ذلك فى ظل ثورة انتفض فيها الشعب دفاعا عن كرامته، ثم بعد تسعة أشهر يفاجأ الشعب بأن السلطة الجديدة عادت لتدوس على كرامته مرة أخرى. صحيح أننا سمعنا وقرأنا عن ثورات أكلت أبناءها، وكان المقصود بذلك أن الثوار بعد نجاحهم كثيرا ما يلجأون إلى تصفية بعضهم البعض، أثناء صراعهم حول المغانم، لكننا لم نسمع عن ثورة قتلت شعبها إلا فى ظل ثورتنا المجيدة. 

حين يحدث ذلك القتل بحق الشعب المسالم، وحين يثبت أن القتلة قصدوا إصابة ضحاياهم فى أعينهم، وحين يتبين أن رجال الأمن يستخدمون قنابل مسيلة للدموع ذات مواصفات خطرة تصيب المتظاهرين بالاختناق وربما أدت إلى موت بعضهم ــ فإنه يصبح من غير المعقول أن يبقى وزير الداخلية فى منصبه نهارا واحدا بعد ذلك. وتصبح مهزلة أن تستمر الحكومة فى موقعها وكأن شيئا لم يكن. ولا يكفى فى ذلك أن تستقيل الحكومة. ذلك أنه بكل المعايير فإن كل المسئولين ذوى الصلة بالموضوع يصبحون مدانين ومتهمين، من الناحيتين الجنائية والسياسية. وتصبح تنحيتهم أمرا مفروغا منه. شريطة ألا تكون التنحية إعفاء لهم من المسئولية فحسب، وإنما أيضا تمهيدا لمساءلتهم ومحاكمتهم على الجرائم التى ارتكبت بحق الشعب، بعلمهم أو بغير علمهم ولكن بأيدى رجالهم، وهو ما يعد ضرورة وطنية لا ينبغى التسويف فيها.

فى كل بلاد الدنيا فإن الثورة ضد أى نظام تنتهى باقتلاعه وإقصاء أركانه عند الحد الأدنى، إلا أن ثورتنا المجيدة قام بها الشعب ضد نظام مبارك، ثم سلمها إلى مؤسسات ذلك النظام، وكانت النتيجة أن الثوار أصبحوا يساقون إلى المحاكم العسكرية فى حين أن مبارك ورجاله باتوا يتدللون أمام المحاكم المدنية.

لقد غضبت جماهير الشعب المصرى حين أدركت أن شبابها يقتلون على أيدى رجال الأمن، فوزعت شرارات الغضب على كافة أنحاء مصر بعد الذى جرى يوم السبت الماضى، حين انقضت قوات الأمن المركزى على عشرات المعتصمين فى ميدان التحرير من أهالى الشهداء وغيرهم من المصابين فى مظاهرات إسقاط نظام مبارك، وفى نهاية أسبوع من المظاهرات العارمة والاشتباكات العنيفة مع قوات الشرطة والجيش. وهى الاشتباكات التى ظل القتلى والجرحى يتساقطون فيها كل يوم. قيل لنا إن المشير طنطاوى سيلقى أخيرا كلمة انتظرناها منه، تهدئ الثائرين وتطفئ نار الحريق المشتعل. لكننا فوجئنا بأن المشير عبر فقط عن الأسف لما جرى دون أى اعتذار أو إشارة أن محاسبة المسئولين عن جرائم قتل المتظاهرين، وأنبأنا بأنه قبل استقالة الحكومة، ثم حدثنا عن المستقبل قفزا فوق كل ما جرى فى الحاضر.

طوال الدقائق التى تحدث فيها المشير لم أر على شاشة التليفزيون سوى بقعة دم كبيرة تطل منها رءوس الشهداء وتتناثر أشلاؤهم أرجائها. وجدت أن «حق الدم» تم تجاهله وأرواح الشهداء طردت من الفضاء، وهدير الغاضبين الثائرين على المهانة والإذلال صار بغير صدى. اعتبرت ذلك نموذجا آخر للامعقول الذى بات عنوانا عريضا مكتوبا على جدران مصر. وأحزننى أننى رأيت بعد ذلك صورة على اليوتيوب للمشير وهو يؤدى التحية العسكرية، لكن الذين وضعوا الصورة لطخوا يده المرفوعة بالدماء، وأوجعنى كثيرا ما سمعته من أن الذين هتفوا ذات يوم بأن الشعب والجيش يد واحدة، غيروا رأيهم وهتفوا هذا الأسبوع قائلين الشرطة والجيش يد ملوثة!

حول موقف الإخوان من مليونية 22/11/2011.... محمد صلاح الدين


إذا ما حاولنا قراءة الأحداث لنسج خيوط الصورة لتكوين رؤية ما قد يتفق أو يختلف حولها الناس لكن لا أحد يستطيع أن يجزم بنفي أو إثبات رؤية الأخر إلا من خلال المعلومات والإثباتات والأدلة والبراهين ، وبما أننا لا نملك الحقيقة المطلقة إذاً فعلينا أن يقبل أو يتفهم كل منا لرؤية الأخر حتى لو اصطدمت مع رؤيته أو أفكاره ، وفي هذا السياق اسمحوا لي أن أتحدث عن رؤيتي عن موقف الإخوان الرافض للمشاركة في مليونية اليوم ، وأبدأ بنسج هذه الرؤية بالخيط الأول وهو ما قاله الدكتور البرادعي على حسابه في تويتر «تكثيف الهجوم على مائة من شباب الثورة وهم في طريقهم للقاء متفق عليه مع مدير أمن القاهرة لوقف أعمال العنف يؤكد أن شيئا مريبا يحدث» ، وإذا ما وضعنا ما أميل لتصديقه من شهادات الشهود حول أسباب نشوب أحداث ميدان التحرير ليلة السبت الفائت، حيث ذكروا أن عدد المُعتصمين كانوا 50 فقط من مصابي الثورة وقد قامت قوات الأمن بمهاجمتهم دون وجه حق داخل الاعتصام في صينية ميدان التحرير وألحقوا بهم إصابات بالغة مما أثار تعاطف العديد من الشباب المصريين الذين انضموا إليهم بالمئات ثم الألاف ثم عشرات الألف إلى أن وصل العدد إلى الدعوة المليونية بعد صمود لمدة ثلاثة أيام أمام قمع وحشي همجي من قوات الشرطة سقط خلالها أكثر من 30 شهيد وأكثر من 1700 جريح ومصاب.
  في ضوء هذه الصورة المفتعلة من الشرطة المصرية وصمت المجلس العسكري الذي تحلى بصمت مريب إلى أن خرج رئيس الحكومة ليُحيي الشرطة على تحليها بأعلى مستويات ضبط النفس في تكذيب للوقائع المسجلة على فيديوهات الثوار مما يعني أنه قرأ خطاباً كان مُعد مسبقاً.

 كل هذا غيض من فيض وفي ضوء ماسبق ننظر إلى وثيقة السلمي التي تم إعدادها كمصيدة لصيد الإخوان المسلمين ووضعهم بين شقي الرحى فإما رحى الشعب في حال قبولها بالوثيقة متماهية مع المجلس العسكري فتقع في جرم ارتكاب الخيانة السياسية والأخلاقية للشعب المصري فتحرق ورقتهم وإلى الأبد ، وإما رحى المجلس من خلال اختلاق ذريعة للإيقاع بالإخوان في أحداث عنف تبرر ضربهم ضربة قاسمة تقضى لهم على أي طموح في الانتخابات والمشاركة السياسية وبالتالي إزاحة رقماً صعباً من أرقام القوى الوطنية عقاباً لهم على حماية الثورة المصرية ورفضهم الوثيقة التي تعطي المجلس العسكري حصانة سياسية فوق الدستور والقانون.
 بهذه الرؤية التمس للإخوان العذر بل كل العذر في عدم النزول حتى لا تحدث مصادمات أكثر عنفاً ودموية لأن الشرطة إن فعلت ذلك في الشعب وبكل هذه الضراوة فماذا سيكون الحال مع ألد أعدائهم الإخوان المسلمون؟.
إن كل ما ذكرت ليس لتبرير موقف الإخوان ولكن هي شهادة أخلاقية تجاه مكون رئيسي من مكونات الشعب المصري أشهد بها أمام الله ثم الشعب المصري.

والله من وراء القصد وهو يهدي السيبل