الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

كى نخلص منهم……. معتز بالله عبدالفتاح

المشاعر فى ميادين التحرير متأججة. لقد خُدع الثائرون لأنهم ظنوا أن ثورتهم ستنتج نظاما سياسيا يعبر عن مطالبهم وطموحاتهم. ولكن ما حدث هو العكس؛ فثورتهم تحتاج لثورة جديدة. ولكن هذه الثورة الجديدة لا ينبغى أن تكون بآليات الثورة الأولى. هذه المرة نحن بحاجة لانتخابات تأخذ أهداف الثورة وتصوغها فى صورة تشريعات تجعلنا ننتقل من رفض القائم، وإنما بناء البديل.
 كيف نخلص من وضع مرتبك، وشرطة على أدائها عشرات علامات الاستفهام، وحكومة فشلت فى أن تترك لنا شيئا نذكره بخير فى حقها، ومجلس عسكرى تحول تفكيره استراتيجيا من كيان حارس للثورة إلى طرف يريد أن يقرر المستقبل؟

مع الأسف لا يوجد عندى بديل إلا أن نجتهد رغما عن كل التعقيدات فى أن نمرر الانتخابات بأقل قدر ممكن من الخسائر. مجلس عسكرى ومعه مجلس وزارى يديران مشهدا أعقد من قدرتهما، وإرهاق غير منطقى للمجتمع والدولة، والأغرب أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

لابد من بناء المؤسسة التشريعية من خلال انتخابات تحدث فى موعدها. وليلاحظ كل من خطط لتأجيلها، أن التأجيل جاء وبالا على الجميع، وكل يوم، بل كل ساعة، تستمر فيها مصر بلا مجلس تشريعى وحكومة منتخبة، سيستمر النزيف من شرفاء فى السجون العسكرية، ونبلاء يصابون برصاصات موجهة فى العين، وشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

ولى هنا رسالتان أساسيتان:

الأولى: إلى المجلسين العسكرى والوزارى، الرصيد بدأ ينفذ بالفعل على أقل تقدير. وجهودكم فى تفكيك الدولة المصرية وتحلل المجتمع المصرى، بعجزكم أحيانا وبتخبطكم أحيانا وبوعودكم التى لم تفوا بها أحيانا، قد آتت من الثمار ما يجعل أعداء الوطن يتوجهون لكم بالشكر على تعاونكم معهم ضد الوطن، وهذا لا ينفى أنكم تظنون أنكم تحسنون صنعا، فهذا هو المعتاد؛ فأنا لا أعتقد أن القذافى كان يعتبر نفسه يضر بليبيا.
هذا هو «شيطان السلطة» كما كان يقول به أشوكا، الامبراطور الهندى الشهير. إذن لا مخرج لكم ولنا منكم إلا بالانتخابات التى أعلم بحكم المعلومات أنكم حريصون عليها، ولكن بحكم السلوك وكأنكم تعملون ضدها، بل ضد الصالح العام. من المسئول عن الاثنين وعشرين قتيلا الذين ماتوا؟ ومن المسئول عن مليارات الدولارات التى ضاعت؟ ومن المسئول عن روح الثورة التى اختفت؟ هى مسئولية مشتركة بين كثيرين ولكن على رأسهم المجلسان وهو ما سيذكره التاريخ بأن تولى الأمر بعض رجال لم يرتقوا إلى مستوى التحدى. وآخر اختبار لكم هو أن تمر الانتخابات بأقل قدر من الخسائر، وأن تسلموا السلطة لمن هو أقدر على إدارتها.

الثانية: إلى شباب ميادين التحرير، وكما رأيت حماسهم بنفسى، فهم معبأون بمشاعر كثيرة مختلطة منها خيبة الأمل ممن وثقوا فيهم، والإحباط مما حدث، والحزن على من مات، والخوف على المستقبل، والتشكك فى من يحكم. وكما قال أحدهم بحزن: «لو إسرائيل كانت بتضربنا، ما كنتش هتعمل كده فينا؟» إذن نحن متفقون على أننا لا نريد لهؤلاء أن يحكمونا، بل نريد أن يحاكم كلٌ على ما فعل وعلى ما كان ينبغى عليه فعله، وهى محاكمة أخلاقية فى المقام الأول. ولكن قبل أن نحاكمهم ونتحاكم بشأنهم، فعلينا أولا أن نخلص منهم. أرجو من كل قلبى أن يتم فض الاعتصام، مع علمى بأن الجرح غائر، وإن كان لابد ألا يتم فض الاعتصام، فلا ينبغى أن نغلب مصلحة اللحظة على مصلحة المستقبل، والقضية الجزئية الملحة بكل ما تحمله من عدالة، على القضية الكلية العامة المصيرية والتى لا تقل عدالة.
أيا ما كان قرار المعتصمين، فأرجوكم فكروا فيما وراء اللحظة الملحة والضاغطة. إلغاء أو تأجيل الانتخابات سيعنى استمرار هذه الوجوه فى مناصبها وهو ضرر وضرار للبلاد والعباد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق