الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

مستقبل الثقافة فى مصر (رؤية اسلامية )- بقلم د/ عبد المنعم أبو الفتوح


 ورقة مقدمة من د عبد المنعم ابو الفتوح مقدمة لمؤتمر مستقبل الثقافة في مصر بين طه حسين وثورة ينايروالذى أقيم بمقر جريدة الاهرام يوم 30 أكتوبر 2011.
اذا كانت الحضارة تقول لنا لنا كيف نحيا فان الثقافه تقول لنا لماذا نحيا ..ذلك أن الثقافه تعامل فينا اخص مافينا كبشر وهوالعقل والوجدان والضمير وسؤال "لماذا؟" فى نطاق الوجود البشرى سؤال قديم قدم الانسان على الارض .. وما كان الانسان ليهتدى عن اى اجابه مرضيه لهذاالسؤال وحده..  فكان الوحى وكانت الرسل وكانت الرسالات . لذا فصله الثقافه بالدين صله وطيدة وعميقة .
الثقافة هي روح الأمة وعنوان هويتها وهى من الركائز الأساسية في بناء الأمم وفي نهوضها فلكل أمة ثقافة تستمد منها عناصرها ومقوماتها وخصائصها  وتصطبغ بصبغتها، فتنسب إليها. وكل مجتمع له ثقافته التي يتسم بها ولكل ثقافة مميزاتها وخصائصه.
والثقافة لها تعريفات عديدة تدور كلها حول معنى يثبت ويؤكد ارتباطها الوثيق الدين وبالهوية .فهى  مثلا مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التى يتلقاها الفرد من ولادته كرأسمال اولى فى الوسط الذى ولد فيه و لتكون هى المحيط الذى يشكل فيه الفرد طباعه و شخصيته …وهى عادات واذواق وقيم تؤثر فى تكوين الشخصية وتحدد دوافع الفرد وانفعالاته وصلاته بالناس والاشياء. وكما يقول مالك بن نبى المفكر الجزائرى المعروف ان الثقافة ليست المدرسه لكنها البيئه وهى لا تؤخذ بالتعلم ولكن (بالتنفس) يقصد المعايشة .
وهى بذلك اداه فاعله للتغيير والبناء . هناك ايضا التعريف الشهير :بانها الكل المركب الذى يتضمن المعرفة والايمان و الفن والقانون و الاخلاق و العرف وجميع القدرات الاخرى للانسان من حيث هو عضو فى المجتمع.
واود فى هذا الصدد ان اؤكد على عدة نقاط تتصل برؤيتى للثقافه فى المستقبل كمشروع مستقل للبناء والنهضه:
* الثقافه كمشروع بناء ونهضه تعتمد على عدة جوانب :
  • جانب اخلاقى ..فالثقافه سلوك قبل اى شىء وليس طقطقة لسان باقاويل وعبارات ..وقوة المجتمعات تزيد وتنقص بمقدار ما يزيد أو ينقص فيها تأثير الاخلاق ووجود او غياب مفاهيم مثل الاخاء و التعاون والحب و الصداقة و الوفاء والمرؤة و السخاء والنجدة ومبدأ الجميع للفرد والفرد للجميع وكلها كما نرى صفات تشرق من شمس الدين . هذه المفاهيم لا تجد فى الانسان عمقا واستمرارا الا اذا كانت مرتبطة  بالدين وما يودعه الدين فى العقل والوجدان من رؤية الانسان لنفسه ومنشأه ومصيره ..هى اذن مفاهيم متجاوزه للحياه الدنيا الى الحياة الاخرة حيث الخلود والاجر العظيم عند خالق السموات والارض ومن فيهن.
  • جانب جمالى  فى كل شىء.. مادى ونفسى ..واوضح صورة للجمال النفسى هى الاحسان ..بكل ما تحمله الكلمة من معانى وردت فى تراثنا الثقافى ..الاحسان الذى هو عبادة الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك كما ورد فى الحديث الشريف..وما اعظم هذه الصله من صله تشى بالجمال النفسى فى الانسان الذى لا يرائى فى افعاله ليجتذب ثناء الناس وشكرهم. والاحسان فى معاملة النفس بالبعد بها عن كل ما يهينها ويشينها من افعال واقوال ..والاحسان فى المعاملات الاجتماعية تجاه الاخرين . ومن اروع ما قيل فى هذا المعنى  أنه حينما تجد خرقا فى ثوب احد الفقراء فاعلم انه هناك خرق فى ثقافتنا .كما أن الجمال المادى بدأ من النظافة العامه و الذاتية  وانتهاء بالنظرة (الجوانية) التى تعكس استحسان الحسن واستقباح القبيح.. ثقافة كلما ارتقت ارتقى الاحساس بالجمال وتقديره.
  • جانب علمى  العقل التطبيقى الذى يفعل ويتحرك هو عقل صقلته الثقافة وكونت فيه ترتيب الاولويات ..من حيث الاهم والمهم والاقل اهميه من حيث الملاحظة و الرصد من حيث الاستقراء والتجربة.
* كل مجتمع له ثقافته كما قلنا التى يتسم بها..
  • والثقافة العربية تختلف عن الثقافات الأخرى في أن مقومات كل منها تختلف عن الأخرى فالثقافة العربية إسلامية المصدر  تستمد كيانها من القرآن الكريم والسنة النبوية واللغة العربية واجتهادات العلماء وابداعات المفكرين والشعراء والكتاب  .. وعصارة الثقافات التي اختلطت بها وامتزجت عناصرها معها..فتشكلت ثقافة الحضارة الاسلامية التى ينتمى اليها العربى المسلم وغير المسلم ..اساهمات المسيحيين العرب فى الحضارة الاسلامية اكثر من ان تعد وقد جمعها  احد المثقفين العرب فى مجلد ضخم ليوثق الدور العظيم الذى قام به مسيحيو الشرق فى بناء الحضاره العربيه الاسلاميه ..
  • وازنت الثقافة العربية بين جوانب العقل  وجوانب الوجدان ورفضت الإعلاء من شأن العقل على النقل  والوجدان وحافظت على المفهوم المتكامل الجامع لكل هذه المكونات . كذلك فقد حرصت الثقافة العربية على ارتباطها بالمصدر الأول(الاسلام)على مدى مراحلها . ولم يقع الانفصام بين الجانبين (الثقافة والاسلام) إلاّ في عصور الضعف السياسى والفكرى .. والثقافة العربية ..عربية في لغتها  ..إسلامية في جذورها ..إنسانية في أهدافها
  • واللغة العربية مقّوم أساس من مقومات الثقافة العربية ذلك أن العربية ليست لغة أداة فحسب ولكنها لغة فكر أساساً وحتى الشعوب والأمم التى انضوت تحت لواء الحضارةالاسلامية وإن كانت احتفظت بلغتها الوطنية  فإنها اتخذت من اللغة العربية وسيلة للارتقاء الثقافى والفكرى وادخلت الحروف العربية الى لغاتها فصارت تكتب بها..كما فى الفارسية والاردية والتركية قبل ان يغيرها اتاتورك الى اللاتينيه.
  • ومن اقوى مقومات الثقافة العربية الايمان بالأمة والثقة فيها  وأن يؤمن العربى بأن أمته خير أمة أخرجت للناس.
* العلاقة بين الهوية والثقافة:
  • ثمة علاقة وثيقة بين الهوية والثقافة بحيث يتعذر الفصل بينهما إذ أن ما من هوية إلا وتختزل فى داخلها ثقافة  ولا هوية بدون منظور وخلفية ثقافية والثقافة في عمقها وجوهرها هوية قائمة بذاتها.
  • وقد تتعدد الثقافات في الهوية الواحدة  كما أنه قد قد تتنوع الهويات في الثقافة الواحدة وذلك ما يعبر عنه بالتنوع في إطار الوحدة، فقد تنتمي هوية شعب من الشعوب إلى ثقافات متعددة تمتزج عناصرها  فتتبلور في هوية واحدة. وعلى سبيل المثال  فإن الهوية الإسلامية تتشكل من ثقافات الشعوب والأمم التي دخلها الإسلام سواء اعتنقته أو بقيت على عقائدها التي كانت تؤمن بها فهذه الثقافات امتزجت بالثقافة العربية الإسلامية .. هى اذن  جماع هويات الأمم والشعوب التي انضوت تحت لواء الحضارة العربية الإسلامية وهي بذلك هوية إنسانية  متفتحة لا مغلقة.
* ثقافة العولمة:
  • الصورة المعاصرة من عولمة الحداثة قد عجلت بتكوين ثقافة العولمة ..ولا تفهم ثقافة العولمة إلا في ضوء مفهوم الثقافة المحلية والوطنية . فتلك الأخيرة تتكون من جماع أسالبب السلوك والأفكار والرموز والفنون التي تميز شعباً من الشعوب كما ذكرنا اولا .. وعلى الرغم من تنوعها الداخلي تتميز الثقافة الوطنية بالتجانس والتناغم .
  • أما ثقافة العولمة فإنها الثقافة التي تتجاوز الثقافة الوطنية وتتخطاها وتنتشر من خلال آليات تدفق السلع والأفراد والمعلومات والمعرفة والصور وهي ثقافة يصاحبها في الغالب خطاب تقني وعملي  فهي تنقل عبر وسائل الاتصال الحديثة وهى بذلك معدة اعدادا جيدا ومصنوعة بحساب دقيق. وهي نخبوية  تفرض من أعلي  من دون أن تكون لها قاعدة شعبية  أو تعبر عن حاجات محلية أو تلتزم بأشكال ومضمون التراث الثقافي القومى. وهى بذلك تساعد  على تركز القوة ..والقوة هنا ليست قوة سياسية فقط.. بل قوة التكنولوجيا المرتبطة بالمشروعات الصناعية والتجارية ذات الصبغة العالمية.
  • بالاجمال تنطوي ثقافة العولمة التي تنبثق من الحداثة المادية بخصائصها تلك على مخاطر عديدة تتهدد الهوية والثقافة مما يؤكد قوة الترابط والتلازم بين الهوية والثقافة وهو الأمر الذي يستدعى تقوية العلاقة بين العنصرين الرئيسيين من عناصر الكيان الوطني للأمم والشعوب : الهوية والثقافة لأن في الحفاظ على الهوية والثقافة وقايةً من السقوط الحضاري وصيانة للذات وتعزيزا للقدرات التي يمكن التصدي بها لضغوط التحديات الخارجية مهما تكن.
*مما اراه وسيلة للحفاظ على هويتنا وثقافتنا :
  • إصلاح الأوضاع العامة إصلاحاً شاملا ومن خلال النظرإلى الواقع في جوانبه المتعددة من أجل اكتساب المناعة ضد الضعف العام الذي يحد من حيوية الأمة ويشل حركتها الفاعلة والمؤثرة. وهو ما لن يكون الا فى اطار مشروع حضارى اسلامى عام .
  • توجيه أ قصى أهتمام لتطوير التعليم  والنهوض به وتحديث مناهجه وبرامجه مع التركيز على التعليم والذي يربي الأجيال على ثقافة العصر ويفتح أمامها آفاق المعرفة.
  • الاهتمام الفائق باللغة العربيه من خلال وسائل الاعلام التى تقوم بدور مهم للغاية فى تنمية الوعى اللغوى عند الناس .ومن خلال منظومة التعليم الاساسى بتدريس القرأن الكريم .والشعر القديم والحديث الذى هو ديوان الثقافة العربيه .
  • الاهتمام بالفنون والاداب التى تحمل فى نواتها الصلبة خصوصيتنا الثقافية .السينما والمسرح والرواية و القصيدة  واللوحة الفنيه التى تعكس  خصائصنا التراثية و المحلية..من اهم ادوات التاثير العميق فى الوعى الثقافى للمجتمع.
بذلك نستطيع أن نحفظ  الذاتية الثقافية ونصون الهوية الحضارية  ونعزز حضورنا في الساحة الدولية بقوة وفاعلية ..مساهمة في الحضارة الإنسانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق