الجمعة، 28 سبتمبر 2012

الخلاف بين عبد الناصر والإخوان …. سياسة لا عقيدة…… بقلم/ الشيخ عصام تليمة

قرأت ما أثاره موقع إسلاميون.نت من نشر لمذكرات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ـ فك الله أسره، وأسر إخوانه جميعا ـ حول قوله: إن الخلاف بين الإخوان عبد الناصر لم يكن خلافا عقديا، بل كان خلافا سياسيا، وكان تعجبي واستغرابي الشديد من إنكار بعض قيادات الإخوان التاريخية والتنظيمية لهذه الحقيقة، وأن الخلاف بين عبد الناصر الإخوان كان خلافا عقديا، وهو أمر خطير جدا يقع فيه بعض من يتناول تاريخ الجماعات الإسلامية مع الأنظمة، من حيث اختلال المنهجية التي تتناول بها قضايا الخلاف، أيا كانت درجة الخلاف، وأيا كانت درجة الظلم بين الطرفين.


وبداية: نحن لا نقر بحال من الأحوال التجاوزات التي حدثت من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، والتعذيب الذي نال كرامة المواطن، والتجاوزات التي لا يقرها شرع، ولا قانون، ولا عقل، ولا فطرة.

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

الأمن فريضة واللحية نافلة ..... فهمي هويدي

انتظرنا طويلا أن يقوم ضباط الشرطة بدورهم فى إعادة الأمن والانضباط إلى الشارع المصرى لكننا فوجئنا بأن بعضهم مشغولون بإطلاق لحاهم. كأننا صُمنا ثم أفطرنا على بصلة. كما يقول المثل الشائع. وفى حين ظللنا مهجوسين بأمن البلد وإعمار مصر، فإن أصحابنا هؤلاء كانوا مهمومين بزيادة حظوظهم من الحسنات وتبييض صفحتهم فى الآخرة، وغير مقتنعين فيما يبدو بأن إشاعة الأمن فى البلد يحقق لهم ما يريدون وأكثر. لأنهم بما دعوا إليه ربما نفعوا أنفسهم ولكنهم بأدائهم لواجبهم يقدمون خدمة جليلة لمجتمعهم. وفى الحديث النبوى أن خير الناس أنفعهم للناس.

ليس معروفا على وجه الدقة عدد الراغبين فى إطلاق لحاهم من ضباط الشرطة والأمناء. لكن الثابت أن قضيتهم أصبحت حاضرة بصورة شبه يومية فى الإعلام المصرى، سواء باعتبارها مادة للإثارة، أو لإشاعة الاستياء والبلبلة. وأخشى أن يستمر النفخ فى المسألة بما يجعلها تحتل مكانها ضمن ملفات المرحلة وأولوياتها، الأمر الذى يجعلنا بإزاء مشهد يختلط فيه العبث بالكوميديا والدراما فى نفس الوقت.

لست أخفى أنه لم يخطر ببالى يوما ما أن اشترك فى مناقشة موضوع لحى ضباط الشرطة، الذى لم آخذه فى البداية على محمل الجد. إذ لم أتوقع أن تصبح المسألة محلا للمناقشة أصلا. لكن يبدو أن الأجواء الراهنة خلطت الأوراق وأعادت ترتيب الأولويات، فى قطاعات كثيرة، بما فى ذلك قطاع الشرطة (قرأت أن الموضوع أثير فى اجتماع المشير طنطاوى مع ضباط القوات المسلحة). وقد سئلت فى الموضوع ذات مرة فقلت إن فتح الملف فى طور تأسيس النظام الديمقراطى الجديد يعد نوعا من العبث. وأن الاشتراك فى مناقشته من قبيل الاستدراج للإسهام فى العبث. لكنى لاحظت أن الموضوع كبر فى رأس البعض، ربما بسبب الإلحاح الإعلامى المشهود. وهو ما دفعنى إلى تغيير رأيى فى الدعوة إلى تجاهله، ومن ثم اعتبرت إثم الحديث فيه أخف وطأة من إثم استدعاء الملف وإشاعة البلبلة فى مصر بسببه. وعند الاختيار بين الاثمين أو المفسدتين جاز لى أن أقبل مؤقتا بالمفسدة الصغرى لتجنب وقوع المفسدة الأكبر، إعمالا للقاعدة التى قررها الأصوليون فى فقه الموازنات.

ما عندى فى الموضوع لا يتجاوز كلمتين، واحدة فى التأصيل الشرعى للمسألة، والثانية فى تنزيلها على حالة رجال الشرطة فى مصر.
  • فى الأولى سألت الدكتور على جمعة مفتى مصر، فعلمت منه أنه أصدر فتوى فى الموضوع، ردا على رسالة تلقاها فى شهر فبراير الماضى من مساعد وزير الداخلية اللواء محمد نجيب حسن، وجاء فى نص الفتوى «إن الفقهاء اختلفوا فى حكم إطلاق اللحية قديما وحديثا. فذهب فريق إلى أنها من سنن العادات وليس من الأمور العبادية، وأن الأمر الوارد بإطلاقها «فى الأحاديث النبوية» هو أمر إرشاد لا أمر وجوب أو استحباب». وهو ما ذهب إليه بعض العلماء المتأخرين، وفى المقدمة منهم الشيخ محمود شلتوت، الإمام الأكبر، والشيخ محمد أبوزهرة، وآخرون من علماء الأزهر.

 فهمت من الفتوى أن أغلب القائلين بهذا الرأى من الأحناف، أما القائلون بأن إطلاق اللحية سنة مستحبة فأغلبهم من المالكية والشافعية، أما الحنابلة فقد حرموا حلق اللحية وأفتوا بوجوب إطلاقها.

أشارت الفتوى إلى أن عادة العسكر من شرطة وجيش جرت منذ مئات السنين على حلق لحاهم. فلم تتحول المسألة إلى قضية تثير ضجة حول مدى الطاعة والخروج عن التعليمات. وكانت لاختلاف العلماء فيها مندرجة دائما تحت قاعدة «لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المتفق عليه»، كما ذكر الإمام السيوطى.

خلاصة رأى دار الإفتاء كانت كما يلى: من ارتضى أن يدخل إلى كليات الشرطة يكون قد اختار ما اختارته إدارة الشرطة فى هذا الأمر. لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا. واختيار ما اختارته إدارة الشرطة فى هذا الأمر جائز.

هذا الرأى سمعته أيضا من الدكتور حسن الشافعى كبير مستشارى شيخ الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية، والشيخ جمال قطب مسئول الإفتاء السابق بالأزهر. وعند الاثنين فالوجوب لا محل له، وأن الاستحباب وثيق الصلة بالعرف، الذى يختلف من بلد إلى آخر. وقد جرى العمل فى دول الخليج على السماح للعسكريين بإطلاق لحاهم، إلا أن العكس هو الذى استقر فى مصر، (الدكتور الشافعى قال إن المسألة يمكن أن تفتح بابا للفتنة فى البلد جراء تعامل الضباط الملتحين مع الأقباط). 
  • فى تنزيل الأمر على الواقع المصرى الراهن فإننى أزعم أن استعادة الأمن فى مصر هو واجب الوقت والفريضة التى يتعين الوفاء بها، وكل ما عدا ذلك من مهام الشرطة أو التزاماتهم نوافل تالية فى الأهمية والترتيب، والإثم الحقيقى هو أن تقدم النافلة على الفريضة، الذى هو فى هذه الحالة خطأ فى حق الدنيا والدين فى ذات الوقت.

 يتداول الأزهريون فيما بينهم قصة الشيخ الكفيف الذى مد يده ليربت على رأس أحد تلاميذه فما كان من الأخير إلا أن قال له إن تلك لحيته وليست رأسه. فنهره الشيخ قائلا بدلا من أن تربى ذقنك، ليتك فعلت شيئا مفيدا فربيت بعض الدجاج لتنفق من عائدها على نفسك بدلا من أن تترك أبوك يكد ويكدح لكى ينفق على تربيتك!

حول المرجعية الإسلامية……. الدكتور محمد بريك


أولا - ليس اشتراك عدة نظريات فكرية في بعض المقاصد تعني غياب الفارق في تفسير المقصد وطريقة فعله.. ف (العدالة الاجتماعية) لن تجد من يجادل فيها كمبدأ ولكن الماركسي يفهمها بشكل (في الحقيقة عدة أشكال والمدارس الاشتراكية الحديثة لا تتمركز حول فكرة الصراع الطبقي وحسمه مثلا) غير مايفهمها الليبرالي (كذلك عدة أشكال فالرأسمالي القح غير الليبرالي الاج
تماعي)، غير التصور الإسلامي الذي يتوازن بين حرية التملك مع تدخل الدولة لضمان حد معقول من الرفاة الاجتماعي ولو بإعادة توزيع الأرباح أو منع التعسف في استعمال الحق ومحاربة الاحتكار.


ثانيا - ليس (الإسلامي) هو حد القطعي ولكنه يدخل فيه النظر الشرعي الظني بالتعامل الأصولي مع النصوص ومع الوقائع، وإلا فإن جل تراثنا الفقهي وبعض مسائل العقائد تكون خارج النظر الشرعي! الفرق - هو في مدى الحجية والنسبة للوحي والإنكار على المخالف. فالقطعي هو مانقطع بإسلاميته ونسبته للوحي، أما الظني فيبقى شريعة ولكن بحجية أقل ونسبية أكثر. وهذا تفريق هام.. إعمال المرجعية لايظهر فقط في المنتوج ولكن في مبدأ التحاكم ومنهجية النظر.. ثم ينقسم المنتوج إلى قطعي تكون نسبته بإطلاق للإسلام، وظني يكون عبارة عن مقاربة إسلامية دون قطع وقصر للنسبة، ومقاربة تجريبية لايكون نسبتها للشرع.

ثالثا - القيم والمقاصد والقواعد العامة تظهر آثارها في التطبيق وإلا فإنها تبقى عبثية. المقاصد فعلها - أصوليا- على وجهين: الأول ضبط عملية الافتاء والتنزيل فلاتتحرك الجزئيات فيما يخالف المقصود، والثاني: استخراج بعض الأحكام التفصيلية ذاتها على نحو مافي المصلحة المرسلة.
أسألك سؤال: ألا تعتبر الضرائب (بكل أنواعها وتصانيفها) من مسائل الفقه.. هناك من حرمها اعتمادا على حديث المكس، وهناك من تأول الحديث فيما كان ظلما ومغرما دون استحقاق. الأجمل هنا أن الإمام ابن عاشور في مدونته عن مقاصد الشريعة استخدم التفكير المقاصدي (الشرعي) في حسم جواز الضرائب ذاتها لأنه لايمكن تصور أن تقوم الدولة الحديثة بالقيام بدورها العدالي - وهذا مقصد كلي وفي باب السياسي - إلا بهذه الطريقة.


رابعا - الفتوى والنظر الشرعي لها مساحة مختلفة عن مساحة النظر التجريبي وقد يختلطا في مساحة ثالثة. مسألة النظر الشرعي يفتيك بتحريم الربا (قطعي) وبشرعنة الضرائب كأصل معاملة (ظني) ، ويربطها بحد الاحتياج المجتمعي كأساس (وهذا اختلاف مع تطبيق الفلسفة الكنزية مثلا) ولكنه لايقوم بذاته بوضع السياسات الضريبية وربطها بمعدلات التضخم والاحتياج المجتمعي وكيفيةتقدير هذه المعدلات..

أخيرا - نريد أن نحدد أي دائرة نتحدث فيها عن المرجعية وفعلها.. أهي دائرة الفكر أم دائرة العلم أم دائرة التطبيق الاقتصادي؟ فكل دائرة لها منهجية مختلفة وحدود من (الذاتية والتدخل الأيديولوجي) مختلفة كذلك..

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

30 وسيلة للتعبير عن الحب……… د.جاسم المطوع


  (الحب) شيء و(التعبير عن الحب) شيء آخر… ونحن نعيش أزمة (التعبير عن الحب) في حياتنا وهذا ما أشاهده من خلال المشاكل التي تعرض علي فالآباء والأمهات يحبون أبناءهم ولكنهم فقراء في (التعبير عن حبهم )… وكذلك الزوجان قليل ما يعبرون لبعضهم عن حبهم بل حتى بين الأصدقاء (التعبير عن الحب ) يكاد يكون نادرا.

وقد سألت بعض المتزوجين كيف تعبرون عن حبكم فأجابوا بـ 30 وسيلة (للتعبير عن الحب) أعرضها عليكم في هذا المقال وكانت إجابة الرجال كالتالي:
أن لا تكون حنانه وأن تطيعني وتنفذ أوامري وتشاركني الحديث وإذا دخلت البيت وكنت متعبا تدلك جسدي وأن تصدق ما أقوله ولا تحقق معي وأن تتزين وتتعطر لي وأن تستشيرني أمام أهلي وأن لا تنافسني في ادارة بيتي وأن تمدحني وتقدر ما أقوم به من أجلها وأن تتفنن في كسب والدي وأن تعمل لي وجبات من صنع يدها وأن تحمل صورتي بمحفظتها وأن تكتب لي رسائل على الجوال وأن أشعر بالأمان عند غيابي عن البيت وأخيرا أن تذكرني بالصلاة وبقراءة الكهف يوم الجمعة. 

وعندما سألت النساء نفس السؤال كان جوابهن:
إذا احترمني وقدرني ووفر متطلبات المنزل وأن يشعرني بأني أجمل وأحسن زوجة أهداها الله له وأن يحترم قراراتي بالبيت وأن أشعر بغيرته وحرصه علي وأن يقول لي كلمات عاطفية مثل حبيبتي وعمري وإذا رأى شيئا بالسوق يعجبني يشتريه لي وأن يأخذني معه لتناول الغداء أو العشاء خارج البيت وإذا رآني متضايقة يحرص على تغيير نفسيتي وأن لا يقارنني بالاخريات وأن يخصص لي يوما بالاسبوع وان يجلس معي للتحاور في مستقبل الأولاد وأن يجلس بقربي لمشاهدة التلفاز وأن يسمعني وينصت إلي من غير مقاطعة وقالت الأخيرة أعرف أن زوجي يحبني عندما يضايقني ويؤذيني هكذا هو يعبر عن حبه. 
فهذه من وسائل (التعبير عن الحب) وهي التي تعطي للحياة طعما ورائحة ولونا وكما قيل الحياة مثل القهوة جمالها بمرارتها والذي يخفف عنا معاناة الحياة ومرارتها (التعبير عن الحب)…

الرسول يعبر عن حبه:
ولهذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يعبر عن حبه وقد سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه أي الناس أحب إليك قال عائشة رضي الله عنها فقد عبر رسول الله للصحابي عن حبه لزوجته وهو خارج بيته فكيف يكون إذن رسولنا داخل بيته ومع زوجته !!
وصحابي آخر قال للنبي في مجلسه إني أحب فلانا ويشير لرجل مر عليهم بالمجلس فقال له رسول الله هلا بلغته فقام الرجل ليبلغ صاحبه أنه يحبه ، فالنبي هنا يشيع الحب ويوجه الصحابة الكرام نحو (التعبير عن الحب)  فالحب مهم وأهم منه التعبير عنه وهو لغة عالمية ليست محصورة في عالم البشر بل حتى الحيوانات والنباتات تعبر عن حبها بطريقتها وأسلوبها. 

الحب رزق ينزل من السماء:
إن الحب رزق ينزل من السماء وقد قال رسولنا الكريم عن السيدة خديجة رضي الله عنها (إني رزقت حبها) ونلاحظ بعض الناس يدفع الملايين من أجل أن يحبه الناس والناس تكرهه ، وآخرون لا يدفعون دينارا واحدا وقلوب الناس تحبهم (فالأرواح جنود مجندة).
(والتعبير عن الحب) كما هو مفيد اجتماعيا كذلك هو مفيد صحيا فالحب يجعلك تضحك وتبتسم كثيرا ويعطيك المشاعر الإيجابية، والحب أفضل وسيلة لمعالجة التوتر والصراع والألم عقليا وجسديا وكلما شعر الإنسان بمحبة من حوله أثر ذلك ايجابيا على جهاز المناعة والغدد الصماء والأوعية الدموية ، وتفيد دراسات كثيرة بأن الحب يطيل العمر بل إن بعض مرضى السرطان تعافوا بشكل أسرع عندما تكون لديهم علاقات اجتماعية محببة لهم أو أن يعبر من حولهم عن حبهم لهم. 
فلنكثر من (التعبير عن الحب) للقريب والبعيد وللصديق والحبيب وللكبير والصغير فحياة المشاعر جميلة وهي أجمل من حياة الأرقام التي نعيشها، ونحرص أن لا نعبر عن حبنا بطريقة سيئة مثل ذلك الأب الذي سأله ولده قائلا : بابا صحيح أن الحب أعمى فرد عليه : أنظر لأمك ستعرف الجواب فهذا تعبير خاطئ بل مدمر تربويا ، وأقول في الختام فقير من لم يذق (طعم الحب) وأفقر منه من لم يعرف (التعبير عن الحب)..

السبت، 22 سبتمبر 2012

التطهير لا يكفى …………… إبراهيم الهضيبى


 ينبغى على الرئيس والحكومة إن كانا جادين في مسعى تحسين معيشة المواطن وتحقيق أهداف الثورة الانتقال من خانة التطهير إلى خانة التغيير، إذ لا يمكن بالتطهير وحده الوفاء بالتعهدات المتعلقة بالحياة الكريمة، ولا يمكن به إلا تحسين حياة المواطنين بشكل نسبى.
●●●

انصب جهد الرئيس والحكومة خلال الأسابيع الماضية على «التطهير»، وهو مسعى حميد تخلصت به الدولة من بعض رءوس الفساد، الذين نهبوا ثروات الشعب، أو شاركوا فى قتل وتعذيب وإهانة أبنائه، أو استخدموا سلطاتهم ونفوذهم لتزييف الحقائق، أو لمحاولة إفشال الثورة، أو إفشال الرئيس المنتخب بافتعال أزمات فى الملفات الرئيسة ومنها ملفا الخدمات والأمن القومى.

وليس ثمة شك فى أن إقصاء الفاسدين سيؤدى لتحسن جزئى في الأداء الحكومى، كونه يزيح بعض من بذلوا الجهد ليتدهور الأداء، غير أن الاكتفاء بالتطهير لن يحقق ما يُصبَى إليه من تحسن فى أداء الدولة، كونه يقوم على فرضية أن مشكلة النظام القديم التى أعجزته عن القيام بوظائفه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على النحو المرجو انحصرت فى فساد بعض (أو حتى جل) أشخاصه، فى حين بقيت مؤسسات الدولة مهيكلة على نحو يسمح لها بأن تؤدى تلك الوظائف وغيرها على الوجه الأكمل.

وهذا الافتراض مردود من جهات، أولها أن الدولة المصرية وصلت لعجز شبه تام عن أداء وظائفها، حتى إنها صارت تطلب تدخل القطاع الخاص لا للمشاركة فى الخدمات كالتعليم والصحة فحسب، ولا حتى اكتفت بتفويض شركات الأمن الخاصة لتقوم بحماية المنشآت وبعض التجمعات السكنية، وإنما صارت فى حاجة للعون من القطاع الخيرى فى تقديم خدمات كالماء والكهرباء، ومثل هذا العجز يعنى وجود قصور مؤسسى، وفشل فى آليات محاربة الفساد على نحو سمح بتفشيه لدرجة كبيرة، إما بالعجز عن فرز العناصر غير الصالحة واستبعادها، أو باعوجاج البوصلة على نحو يؤدى لتصعيد هذه العناصر واستبعاد الصالحة، أو بالمساهمة فى إفساد هذه العناصر.

وثانيها إن المعول عليه فى إدارة الدول هو المؤسسات لا الأفراد، مع الإقرار بالفوارق الفردية بين الأفراد، والمؤسسات التى لا تستطيع الحفاظ على تماسكها وتحقيق مقاصدها فى حالة عدم وصول أفضل عناصرها للقيادة تحتاج من دون شك لإعادة هيكلة، خاصة إذا وصل القصور لما وصل إليه.

ولأجل هذا كله فإن الاكتفاء بتغيير الأفراد لا يطمئن أحدا، لأنه يترك الأبواب مفتوحة أمام فساد (أو ربما إفساد) القيادات الجديدة، خاصة فى ظل حالة التماهى بين العام والخاص، وبين السياسى والتجارى، والتى تعيد تعريف الكثير من المفاهيم منها الفساد، وتعيد تعريف دور وطبيعة عمل الموظف الحكومى، فى بعديه الاقتصادى (علاقته برجال الأعمال)، والأمنى (علاقة مؤسسات الأمن بالنظام السياسى) على وجه الخصوص.

●●●
التركيز على التطهير غير المصحوب بالتغيير الهيكلى نتيجته الحتمية هى استبدال نخبة بنخبة، ولا شك أن النخبة المستبدل بها هى تلك التى تحوز ثقة القيادة السياسية، ويستراح لعدم فسادها، ومن ثم فليس غريبا ــ بسبب التركيز على التطهير دون التغيير ــ أن تعلو أصوات محذرة من «أخونة الدولة»، وهى تحذيرات فيها الكثير من المبالغة، غير أن فيها أيضا قدرا من الصحة يستحق الانتباه، وهو ليس المتعلق باختيار أعضاء من الإخوان لكثير من المواقع القيادية فى الدولة، فهذا حق ديمقراطى للأغلبية السياسية، وإنما ما يستحق الانتباه هو أن هذا الصعود الإخوانى يأتى فى صورة (الإحلال والتجديد) للنخبة السابقة، ويأتى غير مشفوع بتغييرات هيكلية تضمن عدم تمتع النخبة الجديدة بالصلاحيات المطلقة التى حازتها النخبة القديمة ففسدت وأفسدت.

وفرضية «صلاح الأفراد» التى يقوم عليها هذا المنهج غير مسلمة، لا فى الحال ولا فى المآل، أما فى الحال فبعض هذه النخبة الجديدة ليست فوق مستوى الشبهات، وصلات بعض أفرادها بدوائر الفساد والاستبداد كبيرة، واستعراض أسماء رجال الأعمال الذين رافقوا الرئيس مرسى في زيارته لليابان يشى ببعض ذلك، وأما فى المآل فإن عدم سد السبل أمام الفساد بالتغييرات الهيكلية يفتح الباب أمام إفساد القيادات الجديدة، ولم تكن القديمة وقت اختيارها فاسدة.

وثمة مشكلة أخرى تتفرع عن التطهير غير المصحوب بالتغيير، وهى أنه ــ كونه لا يوجِد الضمانات الهيكلية لمحاربة الفساد ــ فإنه يعتمد بالأساس على الثقة فى الأفراد المختارين، وهى  ثقة تنبنى بالأساس على النزاهة، الأمر الذي يؤدى فى كثير من الأحيان لتقديم أهل الثقة (أو أهل الأمانة) على أهل الكفاءة، رغم حاجة العديد من المواقع للكفاءة ربما قبل الأمانة، فيما إدخال التغييرات الهيكلية ينقل الثقة من الفرد للمؤسسة، فيصير سؤال الأمانة هامشيا (لأن الفرد وإن كان فاسدا فالمؤسسة ستمنع ظهور فساده فيها)، وينتقل التركيز فى الاختيارات على الكفاءة وهى الأهم.

●●●

إن غياب التغييرات الهيكلية يعكس قصورا فى إدراك مشكلات الماضى ويمثل خطرا على المستقبل، فأما القصور فلأن الغياب يعنى أن النظام الجديد لا ينظر بالقدر الكافى فى أسباب الفساد الذى عم مؤسسات الدولة الاقتصادية، وأدى لإهدار مواردها، وتحول مؤسساتها لخدمة رجال الأعمال، ومن ثم توسع تمكنهم من مؤسساتها، على نحو أدى لزيادة فجوات الدخل على نحو غير مسبوق، وأفرز أمراضا اجتماعية لم تكن مصر تعرفها من قبل، ولا فى أسباب الفشل الذى ضرب فى مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية، فأزهقت بسببه أرواح لا تحصر.

وأما الخطر فلأن غياب التغييرات الهيكلية يعنى أن النظام الجديد سيحمى مصالح ذات الطبقات والفئات التى كان النظام القديم يحميها، حتى وإن تغيرت بعض الوجوه، وتلك النقطة الأخيرة تفسر جزئيا السهولة التي تمت بها إقالة بعض القيادات العسكرية، إذ اطمأنت شبكة المصالح التى احتمت خلفها للحكام الجدد، وهى طمأنينة لا بد وأن تقلق كل ساع للتغيير.

وغياب التغييرات الهيكلية يتسبب للرئاسة فى حرج يمكنها تجنبه، كذلك الذى يوقعها فيه نفاق بعض الإعلاميين لها، والراجح عندى أن الرئاسة تدرك أن مثل هذا النفاق الإعلامى ــ من الإعلام الحكومى خاصة ــ يضرها أكثر مما ينفعها، بيد أنها لا تجد وسيلة ناجعة للتعامل معه، لأنها لم تلجأ بعد للتغييرات الهيكلية.

●●●

قام نظام مبارك على هياكل وانحيازات معينة أوصلته لما وصل إليه من عجز وفساد، ولو قام النظام الجديد بتغيير الأشخاص دون الهياكل فإنه سيكون أسيرا لذات الانحيازات والهياكل، والتى ستصل به حتما لذات النتائج أو نتائج قريبة منها.

تعدد التنوع لا تعدد الصراع.. «المجتمع والسلطة والأحزاب».... عبدالمنعم ابوالفتوح

 التنوع والتعددية مظهر من أهم وأوضح مظاهر الكون والطبيعة يدركه كل الناس فى كل العصور.. والحالة الإنسانية فى حد ذاتها برهان على هذا التنوع سواء فى اختلاف اللون أو اللسان أو حتى التنوع الظاهر فى العادات والطباع.. والتعددية مبدأ وسنة أزلية فطر الله عليها جميع المخلوقات.. فما كان الناس أبداً نمطاً واحداً أو قالباً فرداً، وإنما كانوا ولا يزالون مختلفين، تطبيقاً لقوله سبحانه وتعالى «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين..الآية 117 هود».
والتعددية تُوجب التنوع لا توجب الصراع، وتضمن للإنسان الحق والمسؤولية وتكافؤ الفرص فى كل الحقوق، فالقيمة الكبرى للتعدد هى التنوع وليس الصراع والاستقطاب. وهى الإضافة وليس الإقصاء.. وكلاهما من أقوى ضمانات التعايش الصحى والسليم فى ضوء الاختلاف الأخلاقى الحضارى.
وأهم أشكال التعددية فى مجتمعنا هى التعددية الدينية والسياسية، ولا نكاد نشعر بالتعددية المذهبية لدينا والحمد لله.
التعددية الدينية تعنى الاعتراف بوجود تنوع فى الانتماء الدينى فى مجتمع واحد مع احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من اختلاف وإيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك فى إطار مناسب للجميع. كما أن مفهوم التعددية الدينية يتضمن الإقرار بمبدأ أن أحداً لا يستطيع ولا يملك نفى أحد، وبمبدأ المساواة فى ظل سيادة القانون وحقوق المواطنة التامة والكاملة، ولعل الحضارة الإسلامية كانت مضرب الأمثال على مدار التاريخ الإنسانى كله فى استيعاب واحترام التعددية الدينية.
التعددية السياسية هى مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها فى التعبير عن نفسها وحقها فى المشاركة فى التأثير على القرار السياسى وضمان وحماية مصالحها.. وهى بذلك تعنى الاعتراف بوجود تنوع فى مجتمع ما بفعل وجود عدة دوائر انتماء فيه ضمن هويته الواحدة واحترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف.
تعدد الآراء والأفكار والرؤى وتنوعها وثراؤها حالة إيجابية رائعة يعرفها العقلاء والسياسيون النابهون وقادة الرأى فى مجتمعاتهم. ولعلنا نرى فى تاريخ الحضارة الإسلامية أن فترات التوهج الفكرى والعلمى والاستقرار الاجتماعى كانت مع سيادة «التنوع» فى الأفكار والآراء. والعكس صحيح.. فكانت فترات الانتكاس والتأخر مع الضيق بالآخر والتضييق عليه.. سواء كان هذا الآخر دينياً أم سياسيا. أم مذهبياً فى بعض الفترات.
ومن جميل ما يذكره العلماء والمفكرون أن «الواحدية» خاصة بالله سبحانه وتعالى «قل هو الله أحد».. ونفاها سبحانه عن الخلق كلهم أجمعين «ومن كل شىء خلقنا زوجين».
ستظل المجتمعات التى تعيش وتتعايش فى إطار التعدد والتنوع وتدير هذا التنوع فى إطار المواطنة والمساواة.. هى الأكثر حيوية وإنتاجا وتطورا، بعكس المجتمعات المغلقة التى لا تسع ولا تسمح للتنوع والتعدد بأن يأخذا حقهما فى تحريك مسارات الحياة ودفعها فى اتجاه التطور والرقى.
وأى ادعاء لأفضلية بأى شكل من الأشكال وترتيب بناء عليها.. ليس أكثر من مغالطة واضحة لحقائق الخلق وإرادة الخالق وأبجديات الدين، وهى ادعاءات لا تعكس إلا محاولة رديئة للاستئثار بالسلطة والنفوذ والحصول على مزايا مادية ومعنوية تحت لافتات الخداع والتضليل. لن ننجو من مربع «الصراع» المقيت- الذى أرى علاماته وأتألم له كثيرا- ولن تتوقف عملية الدوران فى الدوائر المغلقة والمفتوحة على الكراهية والتحريض، إلا بغرس مفهوم التسامح والتنوع فى عقولنا وقلوبنا. والتسامح الذى أقصده لا يعنى اللامبالاة ولا المسايرة والمجاملة.. إنما هو تقدير لما ينطوى عليه التعدد والتنوع من ثراء والوقوف على ما تحمله طرق الفهم والتعبير البشرية من دلالات التميز والتفرد الإنسانى والتى هى من أعظم نعم الله على بنى البشر.
ومن أجل الخروج من تلك الدوامة يجب على العقلاء من جميع الأطراف السياسية، العمل على تجنيب البلاد المستقبل القاتم الذى ينتجه الخطاب الإقصائى والتحريضى المسيطر على الأداء السياسى والاجتماعى للأطراف السياسية المختلفة- ولا أستثنى أحداً- وتبنى خطاب عاقل قائم على نبذ الإقصاء ويعزز روح المواطنة والمساواة، والعدالة وسيادة القانون، وهى مفاهيم دون تطبيقها والعمل بها وتحويلها لسلوك عام يؤمن به جميع الفاعلين السياسيين لن تقوم لأحد قائمة دونها.
وحول هذه المعانى أود أن أشير إلى عدة نقاط:
■ ثمة تصورات قائمة على ضرورة أن تتحد قناعات الناس وأفكارهم وآراؤهم، حتى يتسنى لهم صناعة التقدم أو الانخراط فى مشروع التطور والنهضة فى مجالات الحياة المختلفة.. وهى تصورات وآراء لا تحبذ التنوع والتعدد والاختلاف وقد تدفع به فى مجال الصراع. وينطبق هذا بدرجة كبيرة على أصحاب الأيديولوجيات.. وهذا مؤشر خطر للحركة باتجاه المستقبل، ويجب تصحيحه فهما وتطبيقا.. وإن كنت أرى أن الأجيال الجديدة وإن احتفظت بنقائها الفكرى والأيديولوجى إلا أنهم يميلون إلى فكرة التكامل فى إطار التنوع وهو مما يسعد ويبشر.
■ التماسك الوطنى والاجتماعى لا يساوى بالضرورة أن تكون كل قناعاتنا ومواقفنا واحدة ومتطابقة فى كل شىء.. ومن يبحث عن الوحدة بهذا المعنى فإما أنه سيصطدم بحقائق التنوع الراسخة فى الوجود الاجتماعى والإنسانى أو أنه سيمارس القهر والإكراه من أجل تحقيق مفهومه الذاتى للوحدة. وثبت بالقطع واليقين أن استخدام وسائل القهر والإكراه فى كل التجارب الإنسانية لا تفضى أبداً إلى الوحدة والتماسك الاجتماعى والوطنى والفكرى.. بل هى مما يؤسس لانقسامات عميقة بطول وعرض المجتمع.
■ ضمان حق الاختلاف بكل مستوياته هو الخطوة الأولى فى بناء مشروع الوحدة الاجتماعية والسياسية على أسس صلبة ومستقرة ودون ذلك ستبقى وحدة الوطن مجرد شعار.. الكل يدعيه والكل يلغيه.
■ لا يمكن أن نصون قيمة الاختلاف والتنوع دون تعميق قيمة الحرية على المستوى الاجتماعى والسياسى والفكرى، وأصل الموضوع هو أن البشر بنسبيتهم وقصورهم لا يمكنهم أن يدركوا كل الحقائق والمقاصد وإنما هم يجتهدون ويعملون العقل والإدراك والفهم ويختلفون.. وهذا فى حد ذاته مما يعكس جمال الإنسانية وروعة الإنسان.. مخلوق الله المختار. الذى جعل الله تكليفه قائم على «حرية الإرادة والاختيار».
■ لا يشكل الاختلاف نقصاً أو عيباً يحول دون تحقيق الأهداف الكبرى للوطن.. وإجماع الأمة تاريخياً حول القضايا الفكرية أو السياسية الكبرى لم يكن وليد الرأى الواحد وإنما تحقق الإجماع عن طريق الاختلاف والتنوع، الذى أثرى الواقع وجعل الآراء المتعددة تتفاعل مع بعضها وتتراكم لتشكل أساساً متيناً للحركة والتفاهم.
■ الإسلام بكل نظمه وتشريعاته ضمن حق الاختلاف واعتبره من حقائق الحياة وجعل فضيلة «التسامح والعفو» سبيل التعامل بين المختلفين.. وبديهى أن الاختلاف لا يعنى التشريع للفوضى أو الفردية الضيقة وإنما يعنى أن تمارس حريتك كمواطن على مستوى الفكر والرأى والتعبير وتتعامل مع الآخرين وفق نهج التسامح والعفو.
■ حق الاختلاف لا يمكن صيانته وإدارته فى الإطار الاجتماعى والسياسى والفكرى إلا بسيادة القانون، الذى يتعامل مع الجميع على قدم المساواة دون تحيز لأحد أو تغطية لتصرفات طرف على حساب طرف.. فالعلاقة بين حق الاختلاف وسيادة القانون علاقة عميقة.. لأنها أولا تضمن عدم تحول الاختلاف إلى صراع.. وثانياً تضمن استمرار هذا الاختلاف الذى هو ضرورة من ضرورات الحياة سبراً لأغوارها واكتشافا لمكوناتها.
■ إذا كانت الحزبية هى وعاء الممارسة السياسية.. وإذا كانت السياسة هى المقاربة فى إطار الممكن واللقاء فى منتصف الطريق.. فإن الواجب الوطنى يحتم على الأحزاب أن تجعل ثقافة التعدد والتنوع قاعدة التأسيس للعمل الحزبى والسياسى، سواء على مستوى برامجها التدريبية والتثقيفية.. أو على مستوى الممارسة العملية فى إطار ترسيخ المبدأ والمعنى. فعظة الفعل أشد وأوقع من عظة القول.
■ الأقدر والأقوى هو الأكثر تسامحاً وتفهماً لمعنى التنوع والاختلاف.. والسلطة التى تمتلك أدوات الحكم وأجهزة الإدارة هى أوجب الأطراف على سلوك هذا المسلك، فهى أولاً تكتسب بذلك رؤى وأفكاراً تفسح أمامها مجالاً واسعاً للحركة والقيادة والتوجيه. وهى ثانياً ترسخ ممارسة الاختلاف فى إطار التنوع والتعدد، مما- يجعلها- بالتراكم صفة أصيلة فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
■ من الطبيعى أن يستند الإنسان على المستوى المعرفى إلى منظومة فكرية، ومن الطبيعى أن يبحث الإنسان عمن يتشابه معه فى فكرة وانتمائه لكى يلتقى معه ويحول هذا التشابه إلى شبكة مصالح اجتماعية وسياسية تديم العلاقة وتطورها، وأنا أنظر من هذه الزاوية المعرفية إلى حقيقة الانتماء الفكرى والاجتماعى نظرة طبيعية وصحية.. ولكن هذه الظاهرة الصحية والطبيعية قد تتحول إلى ظاهرة سلبية ومرضية.. حينما يتحول الانتماء إلى تعصب، بحيث أرى شرار قومى أفضل من خيار قوم آخرين.. وهذا خطأ كبير يحيد بالإنسان عن الحق ويجعله جهولاً ظلوماً والعياذ بالله. التصنيف الفكرى أو الاجتماعى فى حدوده الطبيعية ظاهرة صحية ومستساغة إنسانياً ومعرفياً.. ولكن هذه الظاهرة تتحول إلى ظاهرة سلبية حين يتصف أهل هذا الانتماء بالانغلاق والانكفاء، بحيث لا يتسع عقل الإنسان إلا لمحيطه الخاص وينبذ كل المساحات المشتركة التى تجمعه مع أبناء والوطن.
■ ■ ■
لا خيار أمامنا للرقى والتقدم والنهوض إلا ببناء وعى اجتماعى وطنى جديد يستوعب معنى التعدد والتنوع الإنسانى وينميه ويقويه.. والطريق إلى ذلك هو التأسيس الصلب لحقيقة المواطنة المتساوية فى الحقوق والواجبات، المتظللة بأخلاق وثقافة التعدد والتنوع، بحيث يتحول هذا التأسيس (بحمولته) الدستورية والقانونية والحقوقية إلى مرجعية عليا لكل مواطن.

الجمعة، 21 سبتمبر 2012

حتى لا تفشل التحالفات الجديدة…….معتز بالله عبد الفتاح


 ستشهد مصر قيام عدة تحالفات (قد تزيد على سبعة) استعدادا للانتخابات التشريعية الجديدة. وهو أمر جيد إجمالا، وإن كنت أتمنى لأسباب سياسية أن تقل لتصل إلى ثلاثة أو أربعة على أقصى تقدير. ولكن أيا ما كان العدد، فإنه من المهم فهم نظرية عمل التحالفات السياسية وطرق انهيارها على أمل أن نتجنبها.
عزيزى القارئ، أقدم لك بروس تاكمان (Bruce Tuckman) صاحب نظرية المراحل الأربع لبناء فرق العمل التى وصلت إلى علم السياسة لتجد صدى إيجابيا لتصميم التحالفات الانتخابية والحزبية.
يحدثنا «تاكمان» منذ عام 1965 عن أربع مراحل يمر بها أى تجمع بشرى من أفراد أو أحزاب أو شركات وأسماها بالإنجليزية: Forming، Storming، Norming and Performing. وذكر لاحقا مرحلة خامسة لن أخوض فى تفصيلاتها.
المهم أننا حين نبنى تحالفا ما فإننا نبدأ بمرحلة «التكوين» وفيها ثلاث خصائص أساسية: أولا: شعور عال بالحماسة، ثانيا: إحساس شديد بأن احتمالات النجاح تفوق احتمالات الفشل، ثالثا: السعى للتركيز على المشترك وتجنب مناقشة أسباب الاختلافات إما بتأجيلها أو بتبنى حلول وسط مؤقتة. وعادة هذه المرحلة قصيرة للغاية.
هذه المرحلة الأولى قد تدوم كثيرا أو قليلا لكنها قطعا ستنتهى إلى المرحلة الثانية وهى مرحلة «العاصفة» حيث تنهار الخاصية الثالثة من الخصائص السابقة وهى بداية مناقشة مواضع الاختلافات. وهنا يخرج الجن من القمقم: إما أن يعود إلى القمقم وننتقل إلى المرحلة الثالثة أو أن ينفجر التحالف وتكون هذه هى النهاية.
ويشير «تاكمان» إلى أهمية دور القيادة فى إدارة هذه الاختلافات وتوضيح طبيعة التحديات وكيفية مواجهتها وتوزيع الأدوار والمهام والعوائد على النحو الذى يضمن رضا المشاركين فى التحالف. وتكون القيادة فى موقع أسهل حينما يكون هناك شخص أو حزب قوى ومرن ويحيط به آخرون محدودو العدد وأقل قوة وأكثر مرونة، لكن إذا كان التحالف بين شركاء متساوين أو متقاربين فى القوة ولا يتمتعون بالمرونة (وهى خاصية مصرية أصيلة)، فإنه «كلما تقاربت الرؤوس تناطحت» وبالتالى انفجر التحالف. والعدد متغير مهم فى بناء التحالف؛ حيث إن التحالف بين 20 حزبا يكون أصعب فى تكوينه وإدارته من تحالف بين حزبين أو أكثر.
هذه المرحلة هى النقطة التى تنكسر عندها معظم التحالفات سواء فى مصر أو غيرها. ومع تصاعد الاختلافات وضعف القيادة يقل الحماس ويتزايد شعور المشاركين فى التحالف بأن احتمالات الفشل أكبر من احتمالات الفوز.
ولكن مع قيادة قوية من ناحية، وعدو أحمق من ناحية أخرى تزيد احتمالات عبور التحالف هذه المرحلة. والمقصود بـ«العدو الأحمق» ذلك المنافس الذى يرفع شعارات أو ينطق عبارات يترتب عليها شعور التحالف الآخر بخطر الانقسام وحتمية استمرار التحالف مهما كانت التكلفة.
وهو ما يؤدى إلى المرحلة الثالثة وهى مرحلة «التطبيع» أو Norming وهى تأتى من عبارة «طبيعى» أى تصبح العلاقات طبيعية بين الشركاء فى التحالف عادة عبر وثائق مكتوبة بالتفصيل الملائم والاتفاق المعلن بين الجميع بحيث تتم الإجابة عن ثلاثة أسئلة: من يقود من؟ ما التكاليف المحددة لكل طرف؟ كيف سيتم توزيع العوائد؟ بعبارة أخرى يتحول التحالف إلى تنظيم هرمى له تراتبية فيها قمة وقاع ووسط وقواعد تنظيم وعمل جماعى.
وخلال فترة وجيزة سيتم اختبار المرحلة الثالثة بالوصول إلى المرحلة الرابعة وهى مرحلة الأداء أو العمل الفعلى (performing). ولو وصل التحالف إلى هذه المرحلة، فإن احتمالات نجاحه تتزايد لا سيما حين يبدأ فى تحقيق بعض النجاحات من خلال العمل المشترك.
أربع دول فى العالم شهد لها العالم بالقدرة الهائلة على بناء التحالفات الحزبية: إسرائيل، هولندا، إيطاليا، كندا.
وأربع دول فى العالم شهد لها العالم بالفشل التام فى بناء التحالفات الحزبية: الفلبين، باكستان، كينيا، بوليفيا.
هذه هى النظرية، وهذه هى الحالات. إلى أين نحن ذاهبون؟

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

كلنا مشوهون أيها السادة ………. فهمي هويدي


 الأشهر التى مضت من عمر الثورة المصرية سمحت لنا بأن نتفرس فى وجوهنا كما تبدت فى مرآة الحقيقة، الأمر الذى كشف عن اننا جميعا خرجنا مشوهين من رحم النظام السابق.

(1)

الفكرة المفتاح فيما أتحدث عنه اننا جميعا ابناء بيئة اجتماعية وسياسية واحدة، وان اختلفت مشاربنا ومرجعياتنا الفكرية والسياسية. وهذه البيئة خضعت طوال الثلاثة أو الأربعة عقود الأخيرة لنظام اقترن فيه الاستبداد المقيم بالفساد المستشرى. وللاستبداد طبائعه المدمرة. فهو مؤذن بفساد العمران. بمعنى الاجتماع البشرى، عند ابن خلدون. وهو أصل كل فساد آخر عند عبدالرحمن الكواكبى، وقد فصَّل فى ذلك فى كتابه الشهير الذى تحدث عن تلك الطبائع. ونوه فى مقدمته إلى أهمية أن «يعرف الذين قضوا نحبهم أنهم هم المتسببون لما حل بهم، فلا يعقبون على الاغيار ولا على الأقدار».

ليس منا إذن من نجا من التأثر بأجواء المرحلة السابقة. وليس بوسع أى أحد أن يدعى أنه كان معصوما من أصدائها. بالتالى فلا محل للتساؤل عن وجود ذلك الفساد من عدمه، ولكن السؤال قد يصح إذا ما انصب على درجة التأثر بتلك الأجواء. وهو ما يسوغ لى أن أقول إننا جميعا أفرادا وجماعات خرجنا من النظام السابق بيوتنا من زجاج، قد تختلف فيه درجة الهشاشة ولكنه يظل زجاجا فى نهاية المطاف.

بوجه أخص، فإن طول عمر النظام السابق، الذى استمر ثلاثين عاما، وفر له فسحة كافية لتفكيك المجتمع واعادة تركيبه من جديد بالمواصفات التى ارتآها مناسبة له. رأينا ذلك بصورة جلية فى مؤسسات السلطة وجهازها الإدارى، كما رأيناه فى الكيانات السياسية التى ظهرت فى تلك الفترة، بل رأيناه أيضا فى تراجع منظومة القيم السائدة فى المجتمع.

(2)

إن بعض أنصار النظام السابق وأبواقه ما برحوا يتحدثون عن الأسواق الكبيرة (المولات) التى ظهرت فى عهده والمنتجعات والجسور التى انشئت، وشبكة المترو التى امتدت وأعداد المشاركين فى الإنترنت ومشترى الهواتف النقالة وغير ذلك. وهذا قد يكون صحيحا، إلا أنه يظل منسوبا إلى محيط العمران الإنشائى إذا صح التعبير، لكنه أبعد ما يكون عن العمران الاجتماعى والبشرى. بكلام آخر فإن البنايات والمشروعات التى نفذت لا تعد دليلا كافيا على التقدم، وإنما هى بعض مظاهر التقدم الذى ينبغى ألا يقاس بالمشروعات الاستهلاكية والانشائية وحدها، ولكنه يقاس أساسا بمدى ايجابية منظومة القيم الحاكمة للمجتمع فى المجالات المختلفة.

ان ما تتحدث عنه هذه الأيام وسائل الإعلام وما تلوكه ألسنة الطبقة السياسية المصرية، عن الاستحواذ والاقصاء والتهميش وإهدار أحكام القضاء وسلطة القانون. هذه العناوين كلها ليست طارئة فى فضائنا السياسى، ولكنها من مخلفات ومواريث النظام السابق. أو قل انها جزء من ثقافة تلك المرحلة التى لم نتخلص منها بعد. فى هذا الصدد أزعم أن الذين مكنوا من موقع فى ظل النظام السابق مارسوا ذلك الذى ينتقدونه اليوم، إلا من رحم ربك بطبيعة الحال. لا أعنى نظام مبارك وحزبه الوطنى فحسب، ولكننى أعنى أيضا مختلف الجماعات والقوى السياسية التى حالفها حظ التمكين، وقدر لها أن تدير منبرا أو جماعة أو منظمة فى تلك المرحلة. أتحدث عن شرائح الليبراليين والعلمانيين واليساريين الذين كان أغلبهم اما مرضيا عنهم من قبل النظام السابق أو متحالفين معه. صحيح أن مبارك سلم مقاليد السياسة والإدارة لجماعته الذين شغلوا المواقع الأساسية فى السلطة والحزب. إلا أنه سلم أبرز منابر الإعلام والثقافة لممثلى تلك الشرائح. وظل الاتفاق غير المكتوب بين الجانبين مستقرا على اقصاء الإسلاميين وتهميشهم حيثما وجدوا. عندى عشرات القصص التى تؤيد تلك المقولة، بعضها يتعلق بخبرات شخصية والبعض الآخر يخص آخرين أعرفهم، لكنى لا أريد أن أذكر أسماء حتى لا أحرج أحدا. لذلك سأكتفى بالإشارة إلى ثلاثة نماذج فقط، فقد حرِّمت جوائز الدولة التقديرية على أى مرشح من الإسلاميين حتى إذا لم يكن من الإخوان. وتم ذلك طول الوقت بتوافق بين مجموعة من المثقفين وبين جهاز أمن الدولة، وعبرَّ لى أعضاء فى إحدى اللجان الاستشارية لمشروع ثقافى خليجى كان يختار كل عام شخصية عربية يمنحها جائزته عن استيائهم من موقف اثنين من المثقفين المصريين أحدهما صار وزيرا فيما بعد دأبا على الاعتراض على أى شخصية إسلامية ترشح للجائزة، خصوصا من بين المصريين ولم يكن هناك تفسير لذلك سوى أن الاثنين من العلمانيين الأصوليين، الذين أصبحوا الآن يعظوننا فى ضرورة القبول بالآخر واحترامه.

النموذج الثانى يتعلق بقصة الدكتور نصر أبوزيد، الذى اعترضت حينها على فكرة محاكمته ولكن القضاء بمختلف مراتبه أدانه، بما فى ذلك محكمتا الاستئناف والنقض. حينذاك انهالت مقالات وتصريحات تسفيه القضاء واتهامه بالتحيز لصالح الإسلاميين واختراقه من جانبهم. وهؤلاء الذين ظلوا يكيلون الاتهامات للقضاء وقتذاك وجدناهم يتصدون للدفاع عنه ويشددون على ضرورة احترام أحكامه، حين أصدرت المحكمة الدستورية مؤخرا حكمها الذى دعت فيه إلى حل مجلس الشعب ذى الأغلبية الإسلامية.

لاتزال تلك النخب تمارس إرهابها الفكرى فى ذات الاتجاه الأمر الذى دفع وزير الثقافة الحالى لأن يصرح لصحيفة (المصرى اليوم) فى حديث نشرته له فى 7/9 الحالى قائلا انه لم يستعن بإخوانى واحد فى أى موقع ثقافى. ويبدو أنه بذلك الاقصاء أراد أن يبرئ ساحته ويثبت أنه عند حسن ظن تلك الفئات به ليأمن من التشهير والاتهام فى وسائل الإعلام التى يسيطرون عليها.

(3)

لا أريد أن أبرز الاستحواذ الذى يتحدثون عنه هذه الأيام وهو ما أدينه وأستنكره إذا صح. ولكنى أردت فقط أن انبه إلى أن ثمة أمراضا من مخلفات النظام السابق توطنت فى الساحة الثقافية المصرية، فأصابت الجميع ولم يعد أحد مبرأ منها، وبسبب عموم البلوى، فليس لأحد أن يكابر ويعاير الآخر بما أصابه. ولكن واجب الوقت ونداءه هو كيف ان نعالج أنفسنا لنبرأ جميعا من تلك الآفات. وأولى مراحل العلاج ان يعترف المريض بمرضه.

إن قسمة البلدين إلى معسكرين الأول انخرطت فيه ما سمى بالقوى المدنية، والثانى شمل التيارات الإسلامية التى عرفت باسم القوى الدينية هو صياغة حديثة أضفت نوعا من التقنين للحرب الباردة التى ظلت مستمرة طوال الفترة الماضية. وما استجد فيها ان الطرف الإسلامى اكتسب شرعية وخروجا من الظل إلى الضوء والنور. وقد ذكرت من قبل أنها صياغة خطرة ومغلوطة كرست التقاطع بين الطرفين وأغلقت باب التلاقى أو حتى التوازى بينهما. الأمر الذى يعنى أن الطرفين خرجا متخاصمين من خبرة النظام السابق. وبدت خصومة الطرف العلمانى والليبرالى واليسارى أشد. ليس فقط لأنه ظل تاريخيا منحازا إلى موقف الرفض الحاسم للإسلاميين، ولكن أيضا لأنه استشعر أن صعود الأخيرين يهدد احتكار الأولين للمواقع التى هيمنوا عليها طوال الوقت.

هذه المفاصلة بين الطرفين ظلت مصدرا للتشوهات التى أصابتهما معا. ذلك ان خصامهم لم يتح لهم أن يعملوا معا، فلم يعرفوا بعضهم البعض ولم يثقوا فى بعضهم البعض. وبالتالى ظل سوء الظن مخيما على علاقاتهم. فقد ظن بعض الإسلاميين ان الآخرين متفلتون وضالون ان لم يكونوا كفارا ومطعونا فى إسلامهم وهى معان كرسها وضعهم فى موقف الضد من المتدينين. وشاع فى أوساط الآخرين أن الإسلاميين جهلاء ومتخلفون ويتاجرون بالدين. وتنطع بعضهم حتى وصفوهم بالمتأسلمين. (لاحظ أن بعض رسامى الكاريكاتير لايزالون يقدمون الإسلاميين باعتبارهم رموزا للتخلف والقبح والغباء وليس فيهم ما يدعو إلى التقدير أو الاحترام).

ذلك التوجس المتبادل المسكون بالنفور وعدم الثقة، كان كفيلا بتعطيل وإفساد أى عمل مشترك بين الطرفين، حتى بدا ان كلا منهما ليس مؤهلا للتعاون مع الآخر، الأمر الذى لم يكن مستغربا ان يفشل الطرفان فى التفاعل فيما بينهما وان تصبح كلمة التوافق عنوانا فارغ المضمون.

إذا أردنا أن نتصارح أكثر فينبغى أن نعترف بأننا بعد الثورة حاولنا ان نؤسس نظاما ديمقراطيا فى حين أننا ظللنا نفتقد إلى الثقافة الديمقراطية، حيث لم نتعلم كيف نعمل معا، وكيف يمكن ان نستخلص من الآخر أفضل ما فيه لتنتفع به الجماعة الوطنية، بدلا من ان ننشغل بإبراز اسوأ ما فى الآخر لإقصائه ونفيه من الساحة الوطنية.

(4)

الخلاصة اننا لابد ان نعترف بأننا مازلنا فى «حضانة» أو تمهيدية الديمقراطية. من ثم فحاجتنا ملحة لأن نستعيد ثقافة الممارسة الديمقراطية، فيتعرف بعضنا على بعض، بحيث يكمل كل منا الآن، ولا يتردد فى التعلم منه. بغير استعلاء أو استكبار. والحرص على التعلم واكتساب الخبرة يتطلب تواضعا للذات واحتراما وتقديرا للآخر.

هذه الروح تستصحب اقتناعا ضروريا بأن الجميع شركاء فى الوطن، الذى هو أكبر من أى طرف بذاته، وبالتالى فإن النهوض بذلك الوطن يقتضى تفاعلا بين أطيافه واحتشادا لكل مكوناته.
فى هذا الصدد أذكر بأننى دعوت من قبل إلى ترحيل مطلب تطبيق الشريعة المثير للخلاف، والاكتفاء فى الوقت الراهن بالاتفاق على مجموعة من المبادئ والقيم التى تحظى بالإجمال الوطنى، قياسا على ترحيب النبى محمد بفكرة حلف الفضول الذى عقده نفر من وجهاء قريش لحماية الضعفاء قبل الإسلام، وهو ما يجعلنى أدعو إلى خطوة أخرى على طريق تواضع الأهداف، مناديا بالكف عن الحديث عن مشروع «النهضة» الذى يبدو المصطلح فيه أكبر بكثير من قدرة وطاقة المجتمع الذى يمر بفترة النقاهة. بل أدعو إلى الاعتراف بأن جميع القوى السياسية والإسلامية فى المقدمة منهم ليست لديها استراتيجيات واضحة المعالم للمستقبل.

ذلك ان تلك القوى لم تحلم يوما ما بأن تكون شريكة فى إدارة البلد، ولم يتجاوز حلمها طوال تلك المرحلة حدود إثبات الحضور ضمن مؤسسات النظام السابق. أما الإخوان فقد ظلوا مشغولين طوال الوقت بالدفاع عن الذات وأحكام الحفاظ على التنظيم فى مواجهة الغارات المستمرة التى ظلوا يتعرضون لها. وإذا صح ذلك فإنه لا ينبغى أن يكون سببا لإحباطنا، ولكنه يجب أن يكون حافزا لإقناعنا بحاجة كل منا للآخر، لوضع استراتيجيات النهوض المرجوة من خلال التجربة والخطأ. وهو ما لا يشين أحدا أو ينتقص من قدره. لأن المشين حقا ان يدعى أى طرف أن لديه استراتيجيات كاملة الأوصاف للحاضر والمستقبل والداخل والخارج، فى حين أنه لايزال يتعلم ويحاول التعرف على محيطه وعلى العالم من حوله.

إن أولى خطوات علاج أى مريض أن يعترف بمرضه، وهو ما لا أراه حاصلا حتى الآن، رغم اننا لسا بالسوء الذى يعجزنا عن ذلك سنواصل الكلام فى الموضوع الأسبوع المقبل بإذن الله.

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

فصل فى همنا الكاذب………… فهمي هويدي


 تروج فى مصر هذه الأيام مجموعة من الأساطير والشائعات التى استدعت إلى فضائها ما يمكن أن نسميه بالهم الكاذب، الذى بات يخيف بعضنا من أشباح وعفاريت لا وجود لها.

(1)

بعض تلك الأساطير وثيق الصلة بمستقبل الدولة وهويتها. فى ظل الصعود الراهن للتيارات الإسلامية بعد الثورة. ذلك أننا مازلنا نقرأ تعليقات وتحليلات تتحدث عن إقامة الخلافة الإسلامية والدولة الدينية فى مصر. وهى ذات التهمة التى ما برحت تلاحق حتى الآن رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان من قبل معارضيه السياسيين، خصوصا حزب الشعب الجمهورى الذى أسسه كمال أتاتورك فى عشرينيات القرن الماضى، ولا يزال يعتبر نفسه الحارس الأول للجمهورية والعلمانية فى تركيا. ذلك أن قادة الحزب ومن لف لفهم من خصوم أردوغان ومنافسيه اعتبروا أن خلفية أردوغان الإسلامية هى نقطة الضعف الأساسية فى سجله. ورغم أن الرجل انفصل عن حزب الرفاه الذى نشأ فى رحابه ثم طور أفكاره التى انطلق منها، ليؤسس مع الرئيس الحالى عبدالله جول «فى عام 2002» حزب العدالة والتنمية بحسبانه حزبا ليبراليا محافظا، إلا أن خصومه ومنافسيه لا يزالون يتهمونه بأنه يخفى بين جنبيه مشروعا خفيا لإقامة الخلافة وتأسيس الدولة الدينية. وكانت تلك هى «التهمة» التى حاولوا إلصاقها به فى الانتخابات التشريعية الأخيرة «يونيو 2011»، إلا أن الجماهير صوتت لصالحه لأنهم رأوا إنجازاته على الأرض، ولم يكترثوا بما يدعيه الآخرون عن أجندته الخفية.

أدرى أن بعض المتدينين مهوسون بمسألة الخلافة التى تشكل ركنا أساسيا فى مشروع حزب التحرير الإسلامى الذى نشأ فى الأردن «عام 1953»، لكن أعضاءه لا يكادون يتجاوز عددهم أصابع اليدين فى مصر على الأقل. أما مسألة الدولة الدينية فإن أحدا لا يستطيع أن يأخذها على محمل الجد فى هذا الزمان. لأن أحدا لم يعد يقبل فكرة القيادة التى تستند إلى الوحى أو الغيب فى إدارة الدول. مع ذلك فإن النموذج القريب من تلك الفكرة المطبق فى إيران (انطلاقات فكرة ولاية الفقيه) لا يستطيع أن يدعى ذلك، لأن المعارضة موجودة والولى الفقيه لم يدع عصمة ولا هو منزه عن النقد. ذلك إلى جانب أن الفكرة فى خصوصية المذهب الشيعى الجعفرى، بل إنها تعبر عن إحدى مدارس المذهب، وليس لدى مراجع الشيعة إجماع عليها فى داخل إيران وخارجها. من ثم فغاية ما يمكن أن يُقال بحق المسألتين «الخلافة والدولة الدينية» إنهما من قبيل الأحلام التى ترواد قلة استثنائية من الناس، إلى جانب أنه يتعذر تنزيلها على الأرض، هذا إذا أحسنا الظن، أما إذا فتحنا باب إساءة الظن فسنقول إن التلويح بهما هو من قبيل الفرقعات والقنابل الصوتية التى يراد لها أن تحدث الضجيج والفزع لا أكثر. 

(2)

ثمة فرقعة أخرى أطلقت فى الأسبوع الماضى محذرة من غزو قطرى لمصر أطلقت عليه وصف «القطرنة» أسوة بالأمركة والفرنسة والأوروبة. وتستند المقولة إلى ما اعتبرته اختراقا لقناة الجزيرة للوجدان المصرى واختراقا اقتصاديا تمثل فى إقدام قطر على الدخول بقوة فى السوق المصرية. عن طريق شراء أحد البنوك وتأسيس بعض المشروعات الكبرى. إضافة إلى وديعة المليارى دولار التى قيل إن قطر قررت وضعها فى البنوك المصرية، ثم الإعلان عن استثمارات بقيمة 18 مليار دولار لتمويل مشروعات ستنفذ فى مصر خلال السنوات الخمس القادمة.

تدهشنا المقولة من جوانب عدة. إذ من الناحية النظرية لا أعرف كيف لعاقل أن يستوعب فرضية قيام دولة مثل قطر لا يزيد تعداد مواطنيها على 600 ألف نسمة باستيعاب و«قطرنة» مصر التى يزيد سكانها على 90 مليون نسمة. الأمر الذى يوحى لنا بأن ثمة نحلة مفترسة ومفترية قررت أن تصرع فيلا وتبتلعه. والقائلون بذلك لا يدركون أن حجم الاقتصاد المصرى أكبر بكثير من تستوعب قطر، علما بأن حجم الدين الخارجى والداخلى لمصر بحدود 200 مليار دولار، ومن يريد قطرنة مصر عليه أن يتحمل ذلك العبء ابتداء، ولا أظن أن قطر مستعدة لذلك.

من ناحية ثانية، فإن ما يتردد عن دعم مالى خليجى لمصر خصوصا من قطر فيه من الضجيج والمبالغة الإعلامية أكثر مما فيه من الحقائق الماثلة على الأرض. فالمليارا دولار اللذان أعلن عنهما أخيرا تسلمت مصر منهما نصف مليار فقط سيولة نقدية، أما المبلغ المتبقى فيفترض أن يقدم كوديعة تجدد كل ثلاثة أشهر. وتلك مدة تخرج المبلغ من الاحتياط المصرى، لأنه يشترط لذلك أن تستمر الوديعة لسنة واحدة على الأقل، وهى لا تحتسب حتى إذا نقصت عن السنة بيوم واحد. أما مبلغ الـ18 مليارا التى تستثمر خلال السنوات الخمس المقبلة، فهو أمر مرحب به لا شك، لكن المبلغ لايزال من قبيل السمك فى الماء كما يقال، بمعنى أن حقائقه بشروطه ومجالاته لم تتضح بعد.

الجانب الذى لا يراه الذين يروجون لفكرة القطرنة أن الدول النفطية الخليجية تحققت لها فى السنوات الأخيرة فوائض مالية هائلة تجاوزت بكثير توقعاتها. ولأن حجمها أكبر من أن يستوعبه الاقتصاد المحلى، فإنها تصبح أمام أحد خيارين، إما أن تودع تلك الفوائض فى المصارف العالمية بفائدة نصف فى المائة، أو تودع لدى أى وعاء استثمارى آخر بضعف تلك الفائدة. بالتالى فنحن لسنا بإزاء قطرنة مصر، وإنما أمام حالة ترشيد لاستخدام الفوائض لجأت إليها قطر، وبوسعها أن تودع تلك الفوائض فى أى بلد آخر.

بالمناسبة فإن أسطورة الاختراق القطرى لمصر لها أصل، منذ كانت قناة الجزيرة ضمن المنابر التى علت فيها أصوات المعارضين للرئيس السابق، ولم تذهب فى ذلك إلى أبعد مما ذهبت إليه المعارضة المصرية فى الداخل. علما بأن أغلب المسئولين عن تلك الأنشطة فى داخل القناة كانوا من الإعلاميين المصريين. ولأنها اعتبرت آنذاك «مصر مبارك»، فإن الرئيس السابق وأبواقه اعتبروا أن معارضة الرئيس بمثابة مخاصمة لمصر. وشاع ذلك الانطباع لدى كثيرين حتى صدقوا أن النحلة قررت أن تتحدى الفيل وتقارعه.

جدير بالذكر أن ما يمكن أن يسمى نفوذا إعلاميا قطريا فى مصر، ليس أكثر وربما أقل من النفوذ السعودى أو الأمريكى، وفى ظل النظام السابق كان النفوذ الإسرائيلى حاضرا بقوة. لكن ما حدث أن قطر تحدثت بصوت عال سمعه الجميع، فى حين أن الآخرين كانوا أكثر حنكة وخبرة، ومارسوا نفوذهم واختراقاتهم دون أن يسمع لهم صوت. 

(3)

التخوف من «العفريت» الإيرانى فرقعة من مواريث العهد السابق، وبمقتضاها أصبح بيننا من بات يعتبر أن إيران هى العدو الحقيقى وليس إسرائيل. وهو نجاح حققه أبالسة السياسة وعمموه على أكثر من قطر عربى خصوصا فى منطقة الخليج. وهناك أسطورتان فى هذا الصدد. واحدة تتحدث عن تهديد إيران لأمن مصر ومساندتها للإهاب، فيها والثانية تتحدث عن تشييع مصر أو نشر المذهب الجعفرى فيها.

الأسطورة الأولى تبنتها أجهزة الأمن وغذتها سياسة الولايات المتحدة منذ أعلنت حربها العبثية ضد الإرهاب، ومن ورائها إسرائيل التى لاتزال تعتبر إيران عدوا استراتيجيا لها. حقيقة الأمر فى هذا الجانب أنه ليست هناك مشاكل أمنية حقيقية بين مصر وإيران. لكن هناك بعض الأمور العالقة (قضية شارع الإسلامبولى مثلا) التى ما كان لها أن تؤدى إلى القطيعة بين البلدين لأكثر من ثلاثين عاما، علما بأن القطيعة بدأت قبل اغتيال السادات وفى عهده. ولست أعنى أنه لا توجد اختلافات بين البلدين، وأن هناك اتفاقا بينهما فى كل وجهات النظر. لكن أقر بأن لمصر حساباتها وتحفظاتها على بعض السياسات الإيرانية، لكن ذلك لا يمنع ولا ينبغى له أن يمنع تبادل المصالح بين البلدين فى أمور أخرى. ولست بحاجة لأن أذكر بأن دول الخليج الأكثر تخوفا من إيران وحساسية إزاءها تحتفظ بعلاقاتها شبه كاملة معها، على الصعيدين الدبلوماسى والاقتصادى. ولأن الأمر كذلك فإننى أزعم أن مخاصمة مصر لإيران تعد من توابع «اعتدالها» الذى ألحقها بالسياسة الأمريكية والإسرائيلية، إذ حين أصبح رئيس مصر كنزا استراتيجيا لإسرائيل فمن الطبيعى أن يصبح تلقائيا خصما لإيران. وهذا ما حدث.

أسطورة تشييع مصر يبالغ فيها بعض المتدينين ويهول منها أغلب السلفيين. ولست أخفى شعورا بالدهشة إزاء طرح ذلك الاحتمال فحصانة مصر المذهبية أقوى من تخترق بهذه السهولة، ووجود بضع مئات من الشيعة وسط 90 مليون مصرى لا يقدم ولا يؤخر. مع ذلك فالأمر يمكن التعامل معه برصانة وحكمة بحيث تغلق أبواب الفتنة التى تترتب على محاولة نشر المذهب الجعفرى بين أهل السنة، علما بأن تلك المحاولة يقوم بها بعض المراجع وليس الدولة الإيرانية بالضرورة، ومن هؤلاء المراجع من يعيشون خارج إيران ويمارسون دعوتهم من العراق أو لبنان. 
(4)

لابد أن يثير انتباهنا فى هذا السياق أن الفلسطينيين لهم الحصة الأكبر من الأساطير التى تروج لما أسميته بالهم الكاذب. فثمة أسطورة تعتبر حركة حماس خصما لمصر وتهديدا لها. وأخرى تتحدث عن تطلع الغزاوين للتمدد فى سيناء وثالثة تتهم حماس بالهجوم على أقسام الشرطة وفتح بعض السجون إبان الثورة، والمشاركة فى قتل بعض المتظاهرين.

لقد فهمت أن تكون حماس خصما لإسرائيل وعلى خلاف أو عراك مع فتح أبومازن، لكن أى عاقل لا يستطيع أن يستوعب فكرة خصومتها لمصر، إلا إذا كانت مصر قد ناصبتها العداء فى عهد الرئيس السابق، واعتبرت ذلك جزءا من معركة النظام مع الإخوان. وفى هذه الحالة لا نكون بصدد خصومة لحماس مع مصر، ولكن بإزاء اشتباك مصرى مع حماس، جعلها تغض الطرف عن اجتياح الإسرائيليين لغزة وتشارك فى حصارها. وما سربته وثائق ويكيليكس فى هذا الصدد منسوبا إلى رئيس المخابرات السابق اللواء عمر سليمان يؤيد ذلك الادعاء.

مما هو مستغرب أيضا أن الادعاء بتطلع الغزاويين إلى التمدد فى سيناء يتجاهل تماما أن الطريق إلى ذلك ظل مفتوحا طوال 15 عاما تقريبا كانت إسرائيل خلالها محتلة لسيناء بالكامل، وكان بوسع الغزاويين أن يأخذوا راحتهم فى التمدد فى ربوعها، ولكنهم لم يفعلوها. ولكن أبالسة الدس بين الشعبين اختلقوا تلك الشائعة، وروجوا لها للإيحاء بأن الفلسطينيين يهددون أمن مصر القومى.

أسطورة فتح السجون المصرية وقتل المتظاهرين تحتاج إلى تدقيق وتحقيق. ومعلوماتى أن مجموعة من عناصر حزب الله هم الذين انتهزوا الاضطراب الحاصل فى مصر إبان الثورة، وقاموا بتخليص زملاء لهم لفقت لهم قضية فى عهد النظام السباق. وهو عمل غير مشروع لا ريب، لكن تعميم الادعاء واتهام الفلسطينيين وجماعة حزب الله بفتح بقية السجون وقتل المتظاهرين، أمر يتعذر الاقتناع به، حيث لا مصلحة لهم فى ذلك، وقد فهمت أن ذلك الادعاء ردده بعض قادة الشرطة والأجهزة الأمنية فى مصر لتبرئة ساحتهم من التواطؤ فى المسألتين.

إننى أخشى أن تصرفنا مناقشة الهموم الكاذبة عن همومنا الحقيقية، ولا أخفى شعورا بالحزن، والأسف حين أجد أن بعض إعلاميينا مشغولون بالهموم الأولى دون الثانية.

حلف الفضول هو الحل ………… فهمي هويدي


 لا تستطيع مصر أن تحتمل طويلا استمرار الحرب الأهلية الباردة الدائرة على أراضيها بين قبائلها السياسية التى باتت أخطر معوقات إقامة نظامها الجديد. وأرى لذلك حلا يتمثل فى استدعاء صيغة «حلف الفضول» علّها تخرجنا من المأزق.

(1)

أكاد أرى تشابها بين الحاصل فى مصر بعد الثورة وبين حروب ملوك الطوائف فى الأندلس قبل أكثر من ألف عام. ذلك أنه حينذاك (عام 422 هجرية) أعلن الوزير أبوالحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية، فتسابق أمراء الولايات على إقامة ممالك مستقلة لهم مستفيدين من ثراء الخلافة وانفراط عقدها. وكانت النتيجة أن قامت على أرض الأندلس 23 دويلة تحول التنافس بينها إلى تنازع واحتراب. وقد استمر ذلك الصراع بين الأشقاء، وطال أجله فى الوقت الذى كانت فيه جيوش الفرنجة فى الشمال تتربص بهم، تحت قيادة الملك ألفونسو السادس وزوجته إيزابيلا، الصراع أضعف ملوك الطوائف، الذين حاول بعضهم الاستقواء بالفرنجة ضد أشقائه. وانتهى الأمر بهزيمة الجميع وسقوط الأندلس فى أيدى الفرنجة.

من المصادفات أن عدد الدويلات التى قامت فى الأندلس بعد سقوط الدولة الأموية (22 دويلة) قريب من عدد الأحزاب والجماعات السياسية التى تبلورت بعد سقوط النظام السابق فى أكثر من 20 حزبا. وإذا كان ملوك الطوائف تقاتلوا فيما بينهم بالسلاح، ومنهم من حاول الاستقواء بالفرنجة، فإن الصراع فى مصر بات يدور فى ساحة الإعلام، التى هى أقوى تأثيرا، ومن بين زعماء طوائفنا من لجأ إلى الاستعانة فى بفلول النظام السابق لكى يرجح كفته فى مواجهة المنافسين، وكان ذلك واضحا فى انتخابات رئاسة الجمهورية، وشهدناه فى سعى بعض الأحزاب الجديدة إلى جذب عناصر الحزب الوطنى سيئ الذكر.

من الفروق المهمة بين التجربتين أننا عرفنا ما الذى انتهى إليه الأمر فى الأندلس، لكن اقتتال الطوائف عندنا لا يزال مستمرا ولا نعرف له نهاية، وإن كانت خبرة التاريخ تدلنا وتحذرنا من النهاية التى تؤدى إلى هزيمة الجميع وضياع الوطن.

(2)

إذا اقتربنا أكثر من تفاصيل الواقع المصرى فسنجد أن علاقات القوى السياسية تعانى من مشكلتين أساسيتين، الأولى تتمثل فى أزمة الثقة سواء بين الأحزاب بعضها البعض، أو بين التيار العلمانى والتيار الإسلامى. وهى الأزمة التى ولدت سوء ظن كل طرف بالآخر، أما المشكلة الثانية فتتمثل فى غياب الإجماع الوطنى حول القضايا الأساسية، حتى بدا وكأن ثمة خلافا فى أصول المشروع الوطنى وليس فى فروعه. وهو ما تبدى فى الخلاف حول هوية الدولة ذاتها، وهل تكون دينية أو مدنية.

فى تتبع جذور الأزمة سنكرر ما سبق أن قلناه من أن النظام السابق حين دمر القوى السياسية وأصابها بالإخصاء والإعاقة، فإنه لم  بينها وبين المشاركة فى الشأن السياسى فحسب، وإنما حرم تلك القوى من أن تعمل مع بعضها البعض، الأمر الذى أثر بالسلب على الثقة والمعرفة المتبادلة. وفى غيبة ثقافة الممارسة الديمقراطية لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن يتوجس كل طرف من الآخر، وأن تصبح شيطنة كل منهم إزاء الآخر هى الأصل والأساس. وما عرضته فى الأسبوع الماضى نموذج لذلك، حين بينت أن نصيب الأوهام من مخاوف الأقباط فى الوقت الراهن أكبر بكثير من حصة الحقائق. والحاصل بين الأقباط والمسلمين ليس مختلفا كثيرا عن الحاصل بين القوى السياسية المختلفة، إذ لفجوة واحدة وغربة كل طرف عن الآخر أيضا واحدة.

ليس ذلك كل ما فى الأمر، لأن حروب الطوائف السياسية المصرية تأثرت بعاملين مهمين، هما: فتنة القسمة بين الدينى والمدنى ــ وخطاب التيارات الإسلامية الذى أصبح يشكل عقبة دون تحقيق التوافق المنشود والثقة المرجوة.

لا أعرف من الذى أطلق شرارة الفتنة، لكنى أجد القسمة بين الدينى والمدنى من الخطورة بمكان. من ناحية لأنها أقحمت الهوية الدينية فى الصراع، فى حين يفترض أن محور الخلاف هو الرؤية السياسية. ومن ناحية ثانية فإن القسمة اختزلت أزمة الثقة وعبرت عن سوء الظن، فعبرت مقدما عن تقدير القوى المدنية وتصويرها بحسبانها طليعة التقدم، وأوحت بتصنيف القوى الدينية باعتبارها نقيض ذلك وهى إلى التخلف أقرب. وذلك تقسيم مشكوك فى براءته ومطعون فى صوابه من الناحيتين النظرية والعلمية.

سوء النية واضح فى صياغة المصطلح، الذى يمثل دعوة مبطنة إلى إضفاء الجاذبية والإشراق على طرف، وحث على النفور والانفضاض من حول الطرف الآخر. فى الوقت ذاته فالمصطلح مغلوط من الناحية النظرية لأن ما هو مدنى بمعنى أنه مؤسسى وموكول إلى إرادة البشر يمكن أن تكون له مرجعيته الدينية كما يمكن أن يكون له جذوره العلمانية، والحضارة الإسلامية بكل جلالها وثرائها كانت لها مرجعيتها الدينية. كما أن نظام الوقف، الذى هو ابتكار إسلامى صرف، ليس سوى عمل مدنى يحقق المصالح الدنيوية التى تنفع الخلق، لكنه ينطلق من ابتغاء وجه الله تعالى واستجلاب رضاه. وقبل أن يستخدم المصطلح فى تلغيم الساحة السياسية فى مصر. كنت قد كتبت مقالا نشره الأهرام قبل عشرين عاما فى الدفاع عن المجتمع المدنى. وفى وقت لاحق أعلن عن تأسيس حزب الوسط باعتباره حزبا مدنيا بمرجعية إسلامية. لكن الذين روجوا للمصطلح أخيرا خلطوا الأوراق، وأرادوا استخدامه فى إقصاء التيارات الإسلامية والكيد لها والتخويف من تأثيرها الذى افترضوه سلبيا على هوية الدولة والمجتمع.

(3)

ما قلته بخصوص الخطاب الإسلامى وكونه أصبح يشكل عقبة تحول دون تحقيق التوافق المنشود يحتاج إلى ضبط وتحرير. إذ أرجو ألا أكون بحاجة إلى القول بأننى لا أتهم الخطاب الإسلامى ولا أنتقص من قدره. ولكننى أسجل ملاحظاتى على أولويات وملاءمات ذلك الخطاب. إذ ليس مطلوبا من الإسلاميين أن يتنازلوا عن مشروعهم، وإنما عليهم أن يدركوا أنهم ليسوا وحدهم فى الساحة، وأن البلد تسع آخرين إلى جوارهم. وبالتالى فيتعين عليهم أن يضعوا هؤلاء فى حسبانهم، وأن يبحثوا عن نقاط الالتقاء معهم فيقدمونها على نقاط التقاطع والاختلاف.

استأذن فى توضيح فكرنى باستعادة كلام قلته أخيرا فى لقاءات مع بعض الناشطين من الإخوان والسلفيين وهو يتركز فى النقاط التالية:

ــ إن وحدة الجماعة الوطنية ينبغى أن تحظى بالأولوية بشكل عام، وفى الظروف الراهنة بوجه أخص.وفى القرآن نموذج يؤيد هذه الفكرة. فيما ورد بسورة طه، التى تحدثت عن النبيين موسى وهارون، وكيف أن موسى غاب عن قومه لبعض الوقت وتركهم فى عهدة أخيه هارون. ولكن القوم فتنوا وعبدوا العجل من دون الله فى غيابه، وحين عنفه النبى موسى بعد عودته، فكان رده حسب النص الوارد فى الآية: 9 من السورة «يبنؤم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى. إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى». وهى واقعة قدمت فيها وحدة القوم على ما أصابهم من خلل فى اعتقادهم. ومن ثم احتمل الشرك مؤقت من لا ينفرط عقد الجماعة وينشق صفها.

ــ إننى من حيث المبدأ ضد فكرة تطبيق الشريعة بقرار فوقى من السلطة أيا كانت، وأفضل ألا تتم إلا من خلال إجماع وطنى وشعبى. بحيث يقام البنيان فيها من القاعدة إلى القمة وليس العكس. علما بأن التوفيق لم يحالف التطبيقات التى فرضتها من خلال موسسات السلطة، الأمر الذى أدى إلى تشويه الشريعة والإساءة إليها.

ــ إن المجتمع المصرى ليس مهيأ لتطبيق أحكام الشريعة لأسباب يطول شرحها، فى مقدمتها أن التطبيقات المعاصرة لها ليست جاذبة فى حدها الأدنى، فضلا على أن المجتمع الذى لا يستطيع أحد أن يشكك فى إسلامه، لم يختبر دعاة تحكيم الشريعة فى الوقت الراهن، خصوصا أن أغلبهم لجأ إلى وعظ الناس بأكثر من لجوئه إلى خدمتهم ورعاية مصالح ضعفائهم. ولا يكفى فى هذا الصدد أن تكون الأغلبية الشعبية فى صف تطبيق الشريعة، لأن الأمر ليس كذلك بالنسبة للنخب المهيمنة على الواجهات السياسية والإعلامية. وهذه لا ينبغى تجاهلها أو التقليل من شأنها.

ــ إن الكلام عن إحياء الخلافة الإسلامية يبسط الأمور أكثر مما ينبغى، ومن المنادين بذلك من يعمد إلى رفع السقف والمزايدة على الجميع. إذ رغم أن الخلافة الراشدة تمثل صفحة ناصعة فى التاريخ الإسلامى فإننا نعلم أن الإسلام لم يقرر شكلا معينا للحكم، ولكنه دعا إلى قيم ومبادئ معينة يتعين أن يلتزم بها كل نظام يريد أن ينسب نفسه إلى الإسلام. أيا كان الشكل الذى اختاره.

ــ إذا كان تطبيق الشريعة يعد الهدف الأسمى والحد الأقصى، وإذا كان المجتمع ونخبه ليسوا على استعداد للقبول بذلك فى الوقت الراهن، وإذا كان ذلك التطبيق لا ينبغى أن يتم بقرار فوقى أو بإصرار فريق بذاته، فلا مفر من بحث عن حل يخرج المجتمع من الأزمة، وهو ما أجده فى فكرة حلف الفضول الذى له شهرة خاصة فى التاريخ العربى.

(4)

تتحدث كتب التراث عن أنه قبل عشرين سنة من ظهور الإسلام عقد وجهاء قريش حلفا فيما بينهم تعهدوا فيه ــ كما يذكر ابن هشام ــ بألا يجدوا بمكة مظلوما دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وقد وصفه ابن كثير بأنه أكرم حلف سمع به وأشرفه فى العرب. وقال عنه النبى عليه الصلاة والسلام «لو دعيت إليه فى الإسلام لأجبت».

نحن لا نريد الآن نصوصا على تطبيق الشريعة تثير شقاقا أو مخاوف فى المجتمع، ولا مشروعا «للنهضة» يدغدغ مشاعرنا ويجعلنا نسبح فى الفضاء البعيد، ولا كلاما عن الخلافة يمثل استحضارا للماضى أو بكاء على طلاله، ورغم أننى لست ضد شىء من كل ذلك، واحترم ما تعبر عنه، فإننى أتحدث عن أهداف أكثر تواضعا، توثق عرى المجتمع ولا تمزقها أو تشتتها، وفى نفس الوقت تحقق مصالح الخلق وتأخذ بيد الضعفاء وتستدعى القادرين إلى ساحة الخير والنماء.

ليحتفظ كل فصيل بمشروعه وأحلامه ــ إسلاميين كانوا أم علمانيين ــ وليدعى أهل الغيرة إلى حلف يتوافقون فيه على ما لا يختلف عليه من أهداف مرحلية تتعلق بكرامة وعافية الوطن والمواطن، على أن تؤجل بقية الأهداف إلى طور آخر تتعزز فيه الثقة بين الجميع، بحيث يصبح بمقدورهم أن يقطعوا أشواطا أبعد فى رحلة تأسيس النظام الجديد الذى يقيم حلم الثورة على الأرض. وإذا فشلوا فى ذلك فإن مصير ملوك الطوائف ينتظر الجميع.

ماذا أحدثوا بعدك؟ بقلم/ بلال فضل

 سيدى ومولاى وقُرّة عينى ومَنْ أرجو شفاعته يوم القيامة:

حضرة النبى العربى أبوالقاسم محمد بن عبدالله ابن امرأة كانت تأكل الثريد بمكة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
سيدى ومولاى لولا أننى أستحضر إنسانيتك الطاهرة وهى ترفض أن تدعو بالهلاك على الذين أخرجوك من أحب بلاد الله إليك لعل الله يخرج من بين أصلابهم من يوحد الله ويعلى كلمته، لولا ذلك لما كنت قد جرؤت على أن أخط كلمة أضعها بين يديك ولو حتى مجازا، فأنا واحد من المنتسبين إلى أمتك التى لا تدرى بَعدُ ماذا أحدثت بعدك، ستعرف يوم القيامة عندما تهرع برحمتك التى وسعت الكون كله هاتفا «يا رب أمتى أمتى»، فيجيبك الله عز وجل «يا محمد إنك لا تدرى ماذا أحدثوا بعدك»، وأسأل الله ألا أكون من بين أولئك المخيبين لآمالك والحائدين عن طريقك، لست أدرى إلى ماذا أستند فى هذا الأمل، فقد أمرتنا فلم نتبع، ونهيتنا فلم نرتدع، وتركت لنا ما نسمو به فأبَيْنا إلا اتباع ما ننحط إليه وابتداع ما يبعدنا عن دربك، فكيف يكون لى قلب بعد ذلك كى أكتب جوابا لحضرتك أبثك فيه مواجعنا وأشكو لك فيه حالنا وأعترف لك بما أحدثناه من بعدك.

أشعر بخجل شديد وأنا أتصور، مجرد تصور، أن كلماتى قد تصل إليك، دون أن تعلم أنها كلمات شخص أثقلت المعاصى حُموله وسَوّدت الخطايا صحائفه، لكنه مازال آملاً فى رحمة الله وشفاعة نبيه، ومعتذراً إلى الله بيقينه فى مغفرته وسعيه لرحمته، لكنك يا سيدى ومولاى أرفق بنا من أنفسنا، وأرحم بنا ممن حولنا، ومازلنا نتلمس الأمل فى قصص إنسانيتك ورحمتك وحنانك وعطفك على الخطاة وضعاف النفوس والمشمولين بستر الله عز وجل.

صدقنى يا سيدى ومولاى أننى أشعر بخجل مُذِلٍّ مُضِنٍّ مُمِضٍّ عندما أفكر أنك تحملت بطش كفار مكة وتنكيلهم بك ووضعهم الشوك والروث والقاذورات على جسدك الطاهر وتسفيههم لك ومنعهم الناس عنك وتعذيب أصحابك وأحبابك وإخراجك من ديارك والتفريق بينك وبين من تحب، تحملت كل ذلك يا سيدى وأنت لا تعلم أنه سيأتى أناس ينتسبون إلى أمتك فيفعلون ما كان يُفعل بك بأناس آخرين مثلهم دون أن يرعوا فيهم إِلاّ ولا ذمة، يبلغ منى القهر كل مبلغ عندما أتذكر أنك تحملت شج رأسك وكسر رباعيتك ونزيف دمائك الطاهرة فى غزوة «أُحد» دون أن تعلم أن دينك الذى حاربت من أجله سيتحول إلى وسيلة لقتل الأبرياء وترويع الآمنين وتكفير المفكرين وتثبيت عروش الطغاة، وكل ذلك على أيدى مَنْ يدّعون انتسابهم إليك وإليه.

لم يكن هذا يا سيدى ومولاى ما حلمت به، وما عشت ومُتَّ من أجله، وما غرسته فى نفوس أصحابك، نحن نذكر اسمك فى اليوم عشرات المرات، ونتوسل به لمن نحب، ونتقى به شر من نكره، ونتوعد به من نعادى، لكننا لا نذكر منك إلا اسمك، لا نذكر أبدا خصالك الحميدة ولا أفعالك الطيبة ولا أقوالك الحكيمة، ونتبجح بعد كل هذا فنعلن نسبتنا إليك ونصلى عليك بألسنتنا وأفعالنا خليقةٌ بأن تُصْلينا سواء الجحيم.

دعوتنا إلى العلم فجهلنا، وإلى أن تكون الحكمة ضالّتنا فأضللناها، وإلى أن نتراحم فتراجمنا وتعادينا وصِرنا شِيَعاً يضرب بعضها رقاب بعض، وكل ضارب يضرب محتمياً بحديث منسوب إليك أو أثر منحول عنك، نهيتنا عن الظلم فصار لنا شِرْعةً ومنهج حياة، وأمرتنا بتوقير الكبير فعبدناه من دون الله.

أمرتنا أن نزوج بناتنا لمن نرضى دينه وخلقه فلم نعد نزوجهن إلا لمن يرضينا ماله ونسبه وإن قل دينه وانعدم خلقه، نفيت صفة الإيمان عمن يبيت شبعان وجاره إلى جنبه جوعان وهو يعلم، فصرنا نحرص على ألا نعلم، يعيش بين ظهرانينا أفحش الناس غنى وأدقع الناس فقراً، تُنفَق الأموال بالملايين تحت أقدام الراقصات وعلى موائد القمار ولتأمين مواكب الحكام،
 بينما ينتحر الناس مضحّين بكل شىء خجلا من أسئلة عيون أطفالهم، يسرق فينا الكبير فلا تُشاكه شوكة ويسرق الصغير فتُنشر صوره فى صفحات الحوادث تشهيرا وتجريسا وعقابا، نقيم الحدود فقط على من يدعو للخروج على الحاكم والأخذ على يده، بأسنا بيننا شديد، وذِكْرنا خافٍ بين الأمم، أصبحنا عالة على الدنيا، وحقل تجارب لأقويائها، وهُنّا على أنفسنا فَهُنّا على الناس، أكبر علمنا الدنيا ومبلغ أملنا انقضاء اليوم دون خسائر، وغاية رغبتنا أن يكفينا الله بطش حكامنا بنا، تسلط علينا حكامنا بفضل علماء يُجرون سُنّتك على ألسنتهم فيكتمون منها ما شاؤوا ويجهرون منها بما شاء حكامنا،

 أصبح أبناء أمتك يا سيدى ومولاى يُقتلون بأيدى بعضهم البعض، ولا يرعون فى ضعيف أو مقهور إِلاًّ ولا ذمة، ولم يعد للضعفاء والمقهورين فى أمتك إلا أن يتمثلوا سيرتك وأنت تجلس فى بستان الطائف غريباً حزيناً مكسوراً دامياً ضعيفاً وحيداً شريداً طريداً، ترفع يديك إلى السماء وتقول دعاءك الذى صار لنا وَنَساً وأُنساً وبلسماً وشفاء من كل داء «يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى.. إلى مَنْ تكلنى.. إلى قريب يتجهمنى أم إلى عدو ملَّكته أمرى.. إن لم يكن بك علىّ غضب فلا أبالى ولكن عافيتك أوسع لى.. أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل بى غضبك أو ينزل بى سخطك.. لك العُتْبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله».
ذنوبنا كثيرة يا رسول الله، ومازلنا نتمادى فيها ومازلنا نؤجل التوبة طمعا فى الدنيا واغترارا بطول الأجل، ولا ندرى أنُدرك اليوم الذى نشرب فيه من يدك الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا، أم أننا لا قدر الله سنعيش بحسرتنا وحيرتنا وظمأ قلوبنا دنيا وآخرة، ولا ندرى قبل ذلك أندرك اليوم الذى لا يُذكر فيه اسمك على لسان فاسد أو ظالم أو موالس أو لص بنوك أو مغتصب سلطة يدعى أنه ينتسب إليك، فاسمك أَجَلُّ من أن يتاجر به أحد هؤلاء، اسمك يخصنا نحن العصاة الراغبين فى التوبة، والخطاة الحالمين برحمة الله، والحائرين اللائذين بأمانك لمن يحتار، والعاشقين عفة وطهراً، والمشتعلين عزما وعزيمة، والباحثين عن طريق يوصلنا إلى حوضك المرصود وِوِرْدِك المورود، والظالمين لأنفسهم المتظلمين بين يديك.. نحن أمتك يا رسول الله فاغفر لنا ما أحدثناه من بعدك، واسق العطاشِ تكرماً فالقلب طاش من الظمأ.