الجمعة، 28 سبتمبر 2012

الخلاف بين عبد الناصر والإخوان …. سياسة لا عقيدة…… بقلم/ الشيخ عصام تليمة

قرأت ما أثاره موقع إسلاميون.نت من نشر لمذكرات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ـ فك الله أسره، وأسر إخوانه جميعا ـ حول قوله: إن الخلاف بين الإخوان عبد الناصر لم يكن خلافا عقديا، بل كان خلافا سياسيا، وكان تعجبي واستغرابي الشديد من إنكار بعض قيادات الإخوان التاريخية والتنظيمية لهذه الحقيقة، وأن الخلاف بين عبد الناصر الإخوان كان خلافا عقديا، وهو أمر خطير جدا يقع فيه بعض من يتناول تاريخ الجماعات الإسلامية مع الأنظمة، من حيث اختلال المنهجية التي تتناول بها قضايا الخلاف، أيا كانت درجة الخلاف، وأيا كانت درجة الظلم بين الطرفين.


وبداية: نحن لا نقر بحال من الأحوال التجاوزات التي حدثت من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، والتعذيب الذي نال كرامة المواطن، والتجاوزات التي لا يقرها شرع، ولا قانون، ولا عقل، ولا فطرة.


وأؤكد على أمر آخر: أنه لم يثبت أن عبد الناصر كان له موقف مشجع للدين، وحدث في عصره بعض أحداث وتجاوزات في شأن المقدسات الإسلامية، وتجاوز من بعض كتاب عصره دفعهم النفاق إلى الخطأ في الدين، بقصد أم بغير قصد، كل هذا أعلمه يقينا، ولكن هذا لا يدفعنا إلى القول بأن الخلاف كان عقديا في أمر هو بين جدا أنه خلاف سياسي.
ولا أنكر ولا ينكر عاقل: أن المستفيد من وراء أي خلاف داخلي في بلد عربي أو مسلم، هو الصهيونية، والمشروع الاستعماري والتغريبي، هذا أمر معروف ومسلَّم به، ولكن من الخطورة أن نبحث عن المستفيد من الخلاف، ثم نرمي أحد الأطراف بانضمامه إلى جانب المستفيد.

ولكن هناك خطأ في التفسير التاريخي لبعض كتاب الإخوان يلحظه المتعمق في قراءة هذا التاريخ، والملم به من أطراف أخرى مع كتب الإخوان، وهو في تفسير الصدام مع الآخر وبخاصة إن كان الآخر على غير التوجه الإسلامي، فللأسف نجد التفسير الأقرب والأسهل أنه العداوة للدعوة الإسلامية، وربما للإسلام، رغم أن الباحث المنصف عند التأمل المتجرد ربما وجد تفسيرا آخر، يختلف تماما عن هذا التفسير، وربما يضاف إليه في بعض المواقف، فعداء الوفد للإخوان هي عداوة حزبية، وليست عداوة دينية.

وخلاف عبد الناصر مع الإخوان، وخلاف الجماعات الإسلامية بين بعضها بعضا وبخاصة في أمور العمل العام والسياسي، هو خلاف في الوسائل والأدوات والمراحل الأهداف، وليس خلافا على الإسلام ذاته، فلو أن إنسانا اختار صف فريق من الفريقين في الصراع والنزاع ليس معناه أنه اختار دينا على دين، أو هو مخير بين الإسلام ونقيضه؟!

وقد كان كتاب السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي يعتمدون هذا المبدأ مع الخصوم، فتجد ـ مثلا ـ عند كلام المؤرخين عن أبي جهل وهو عدو للإسلام، بارز العداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم، يفسرون أسباب العداوة تفسيرا شاملا منضبطا، فلا يصبون السبب الرئيس في كفر أبي جهل فقط، بل يبحثون عن دوافع هذا الكفر، يقول تعالى: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الذين كفروا بآيات الله يجحدون) فكفار قريش تعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق، وليس متهما في صدقه، وصدق ما يقول به، ولكن هناك أسباب أخرى تدفع الكافر للكفر الإسلام، ليست كلها أسباب دينية، أو بغض لهذا الدين، فمنها ما يكون دافعه: الحقد والغيرة في التنافس على الرياسة، وهذا ما يوضحه كفر رجل كأبي جهل، ويتضح في قوله مقارنا بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كعائلات متنافسة في الشرف والرياسة في قريش: "كنا وبني هاشم كفرسي رهان، سقوا فسقينا، وأطعموا فأطعمنا، قالوا: منا نبي، فأنى لنا بهذا؟!".

هذا مع الكافر الواضح الكفر، أما مع مسلم ليس عندنا دليل على تخليه عن دينه وفي خلاف سياسي، وتصارع على من يصل إلى سدة الحكم ـ بغض النظر عن هدفه من الحكم ـ بأن نجعله خلافا بين مسلم متمسك بدينه، وعدو محارب له يبغي محو دينه، فهو خطأ منهجي ينبغي الحذر منه.

ولو كان الخلاف بين عبد الناصر الإخوان خلافا عقديا، أو خلاف على الإسلام، أو كان طرف منهما يمثل الإسلام والآخر يمثل اللاإسلام لوجب على الإخوان بهذا القول الخروج على عبد الناصر بالسيف، فما دام المستهدف هو الإسلام، واستئصال هذا الدين، فماذا بقي حتى لا يخرج المسلم بسيفه على حاكم يريد القضاء على دينه، ومحوه؟!

وهو ما دعا الجماعة وهي في السجن عندما أطلت فتنة التكفير برأسها إلى إصدار وثيقتها المهمة: (دعاة لا قضاة)، مما يدل على أن الخلاف كان خلافا سياسيا، ولم يكن خلافا على الإسلام، وهو ما يتناساه البعض في الكتابة عن الصراع بين عبد الناصر الإخوان، فيعنونون له بـ: الصراع بين الدعوة الإسلامية عبد الناصر، ولو جعل عنوان الخلاف: بالخلاف بين دعوة الإخوان عبد الناصر، لكان مقبولا.

فهذه خلافات يحكم فيها بالصواب أو الخطأ، أو الحل والحرمة، وليس بالكفر والإيمان. فلو كان خلافا عقديا كما زعم البعض لحكم فيه بالكفر والإيمان!!

وهناك خطأ منهجي آخر متمم للخطأ السابق، كثيرا ما يقع فيه بعض الكتاب عند تحليل الخلاف والصراع، حول مبادئ الجماعات، وهو: إغفال الجانب الشخصي في المواقف،
فمثلا لو تأملنا في أديب كبير كالأستاذ ثروت أباظة، ولماذا كان يُكِن كل هذا البغض للإخوان المسلمين، فقد كان أباظة من كتاب مجلات الإخوان، وقد كان ينشر عمودا في إحدى مجلات الإخوان وهي مجلة (الدعوة) في إصدارها الأول سنة 1951م، تحت عنوان (مرايا)، ويمهر اسمه: بثروت أباظة المحامي، فما الذي وتر هذه العلاقة وجعله ينقلب انقلابا حادا، لأن بين ثروت أباظة والنقراشي نسب، فأخوه متزوج من ابنة النقراشي، وهذا بلا شك يفسر سر هذه العداوة، لماذا يكره الأديب الكبير الأستاذ ثروت أباظة الإخوان،

وكذلك الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد، وقد كان ممن لهم صلة بالشيخ حسن البنا، وأهدى له كتاب (الفلسفة القرآنية) عند صدوره، وما كان من البنا إلا أن قدم عرضا للكتاب، ونشر مقدمته في مجلة (الشهاب)، ثم فوجئ الإخوان وهم في معتقل الطور سنة 1949م بمقال للعقاد شديد اللهجة ضد الإخوان، وحسن البنا تحديدا، يتهمه فيه بأنه ماسوني، وسبب ذلك: صلةالعقاد بالنقراشي، فقد كان صديقا للعقاد، وكان على صلة كذلك بإبراهيم عبد الهادي الذي ساهم في قتل حسن البنا، وكان عبد الهادي يصل العقاد ويحاول مساعدته ماديا، كما ذكر ذلك الأديب الراحل رجاء النقاش رحمه الله في مقالات في مجلة الأهرام، وكذلك الشيخ أحمد شاكر المحدث المعروف فقد أصدر فتوى في الإخوان المسلمين، عندما رأى بعض أحداث التنظيم الخاص من قتل وترويع، فأصدر فتوى شديدة وعنيفة، والسبب: ما كان بينه وبين النقراشي من صداقة قوية، وهو ما جعل أديبا كأحمد حسن الزيات يكتب مقالين متتالين في شهر ديسمبر 1948م بعنوان: الشهيد الفقيد، يشير بذلك إلى النقراشي، فكل هذه خلفيات وآثار تدفع الكاتب، أو من يتبنى رأيا ضد حزب أو جماعة بعينها، فكما أن الإنسان أسير الإحسان، فهو كذلك عدو الإساءة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق