السبت، 22 سبتمبر 2012

التطهير لا يكفى …………… إبراهيم الهضيبى


 ينبغى على الرئيس والحكومة إن كانا جادين في مسعى تحسين معيشة المواطن وتحقيق أهداف الثورة الانتقال من خانة التطهير إلى خانة التغيير، إذ لا يمكن بالتطهير وحده الوفاء بالتعهدات المتعلقة بالحياة الكريمة، ولا يمكن به إلا تحسين حياة المواطنين بشكل نسبى.
●●●

انصب جهد الرئيس والحكومة خلال الأسابيع الماضية على «التطهير»، وهو مسعى حميد تخلصت به الدولة من بعض رءوس الفساد، الذين نهبوا ثروات الشعب، أو شاركوا فى قتل وتعذيب وإهانة أبنائه، أو استخدموا سلطاتهم ونفوذهم لتزييف الحقائق، أو لمحاولة إفشال الثورة، أو إفشال الرئيس المنتخب بافتعال أزمات فى الملفات الرئيسة ومنها ملفا الخدمات والأمن القومى.

وليس ثمة شك فى أن إقصاء الفاسدين سيؤدى لتحسن جزئى في الأداء الحكومى، كونه يزيح بعض من بذلوا الجهد ليتدهور الأداء، غير أن الاكتفاء بالتطهير لن يحقق ما يُصبَى إليه من تحسن فى أداء الدولة، كونه يقوم على فرضية أن مشكلة النظام القديم التى أعجزته عن القيام بوظائفه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على النحو المرجو انحصرت فى فساد بعض (أو حتى جل) أشخاصه، فى حين بقيت مؤسسات الدولة مهيكلة على نحو يسمح لها بأن تؤدى تلك الوظائف وغيرها على الوجه الأكمل.

وهذا الافتراض مردود من جهات، أولها أن الدولة المصرية وصلت لعجز شبه تام عن أداء وظائفها، حتى إنها صارت تطلب تدخل القطاع الخاص لا للمشاركة فى الخدمات كالتعليم والصحة فحسب، ولا حتى اكتفت بتفويض شركات الأمن الخاصة لتقوم بحماية المنشآت وبعض التجمعات السكنية، وإنما صارت فى حاجة للعون من القطاع الخيرى فى تقديم خدمات كالماء والكهرباء، ومثل هذا العجز يعنى وجود قصور مؤسسى، وفشل فى آليات محاربة الفساد على نحو سمح بتفشيه لدرجة كبيرة، إما بالعجز عن فرز العناصر غير الصالحة واستبعادها، أو باعوجاج البوصلة على نحو يؤدى لتصعيد هذه العناصر واستبعاد الصالحة، أو بالمساهمة فى إفساد هذه العناصر.

وثانيها إن المعول عليه فى إدارة الدول هو المؤسسات لا الأفراد، مع الإقرار بالفوارق الفردية بين الأفراد، والمؤسسات التى لا تستطيع الحفاظ على تماسكها وتحقيق مقاصدها فى حالة عدم وصول أفضل عناصرها للقيادة تحتاج من دون شك لإعادة هيكلة، خاصة إذا وصل القصور لما وصل إليه.

ولأجل هذا كله فإن الاكتفاء بتغيير الأفراد لا يطمئن أحدا، لأنه يترك الأبواب مفتوحة أمام فساد (أو ربما إفساد) القيادات الجديدة، خاصة فى ظل حالة التماهى بين العام والخاص، وبين السياسى والتجارى، والتى تعيد تعريف الكثير من المفاهيم منها الفساد، وتعيد تعريف دور وطبيعة عمل الموظف الحكومى، فى بعديه الاقتصادى (علاقته برجال الأعمال)، والأمنى (علاقة مؤسسات الأمن بالنظام السياسى) على وجه الخصوص.

●●●
التركيز على التطهير غير المصحوب بالتغيير الهيكلى نتيجته الحتمية هى استبدال نخبة بنخبة، ولا شك أن النخبة المستبدل بها هى تلك التى تحوز ثقة القيادة السياسية، ويستراح لعدم فسادها، ومن ثم فليس غريبا ــ بسبب التركيز على التطهير دون التغيير ــ أن تعلو أصوات محذرة من «أخونة الدولة»، وهى تحذيرات فيها الكثير من المبالغة، غير أن فيها أيضا قدرا من الصحة يستحق الانتباه، وهو ليس المتعلق باختيار أعضاء من الإخوان لكثير من المواقع القيادية فى الدولة، فهذا حق ديمقراطى للأغلبية السياسية، وإنما ما يستحق الانتباه هو أن هذا الصعود الإخوانى يأتى فى صورة (الإحلال والتجديد) للنخبة السابقة، ويأتى غير مشفوع بتغييرات هيكلية تضمن عدم تمتع النخبة الجديدة بالصلاحيات المطلقة التى حازتها النخبة القديمة ففسدت وأفسدت.

وفرضية «صلاح الأفراد» التى يقوم عليها هذا المنهج غير مسلمة، لا فى الحال ولا فى المآل، أما فى الحال فبعض هذه النخبة الجديدة ليست فوق مستوى الشبهات، وصلات بعض أفرادها بدوائر الفساد والاستبداد كبيرة، واستعراض أسماء رجال الأعمال الذين رافقوا الرئيس مرسى في زيارته لليابان يشى ببعض ذلك، وأما فى المآل فإن عدم سد السبل أمام الفساد بالتغييرات الهيكلية يفتح الباب أمام إفساد القيادات الجديدة، ولم تكن القديمة وقت اختيارها فاسدة.

وثمة مشكلة أخرى تتفرع عن التطهير غير المصحوب بالتغيير، وهى أنه ــ كونه لا يوجِد الضمانات الهيكلية لمحاربة الفساد ــ فإنه يعتمد بالأساس على الثقة فى الأفراد المختارين، وهى  ثقة تنبنى بالأساس على النزاهة، الأمر الذي يؤدى فى كثير من الأحيان لتقديم أهل الثقة (أو أهل الأمانة) على أهل الكفاءة، رغم حاجة العديد من المواقع للكفاءة ربما قبل الأمانة، فيما إدخال التغييرات الهيكلية ينقل الثقة من الفرد للمؤسسة، فيصير سؤال الأمانة هامشيا (لأن الفرد وإن كان فاسدا فالمؤسسة ستمنع ظهور فساده فيها)، وينتقل التركيز فى الاختيارات على الكفاءة وهى الأهم.

●●●

إن غياب التغييرات الهيكلية يعكس قصورا فى إدراك مشكلات الماضى ويمثل خطرا على المستقبل، فأما القصور فلأن الغياب يعنى أن النظام الجديد لا ينظر بالقدر الكافى فى أسباب الفساد الذى عم مؤسسات الدولة الاقتصادية، وأدى لإهدار مواردها، وتحول مؤسساتها لخدمة رجال الأعمال، ومن ثم توسع تمكنهم من مؤسساتها، على نحو أدى لزيادة فجوات الدخل على نحو غير مسبوق، وأفرز أمراضا اجتماعية لم تكن مصر تعرفها من قبل، ولا فى أسباب الفشل الذى ضرب فى مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية، فأزهقت بسببه أرواح لا تحصر.

وأما الخطر فلأن غياب التغييرات الهيكلية يعنى أن النظام الجديد سيحمى مصالح ذات الطبقات والفئات التى كان النظام القديم يحميها، حتى وإن تغيرت بعض الوجوه، وتلك النقطة الأخيرة تفسر جزئيا السهولة التي تمت بها إقالة بعض القيادات العسكرية، إذ اطمأنت شبكة المصالح التى احتمت خلفها للحكام الجدد، وهى طمأنينة لا بد وأن تقلق كل ساع للتغيير.

وغياب التغييرات الهيكلية يتسبب للرئاسة فى حرج يمكنها تجنبه، كذلك الذى يوقعها فيه نفاق بعض الإعلاميين لها، والراجح عندى أن الرئاسة تدرك أن مثل هذا النفاق الإعلامى ــ من الإعلام الحكومى خاصة ــ يضرها أكثر مما ينفعها، بيد أنها لا تجد وسيلة ناجعة للتعامل معه، لأنها لم تلجأ بعد للتغييرات الهيكلية.

●●●

قام نظام مبارك على هياكل وانحيازات معينة أوصلته لما وصل إليه من عجز وفساد، ولو قام النظام الجديد بتغيير الأشخاص دون الهياكل فإنه سيكون أسيرا لذات الانحيازات والهياكل، والتى ستصل به حتما لذات النتائج أو نتائج قريبة منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق