الأربعاء، 24 أغسطس 2011

علم ليبيا… عمرو الشوبكي


رحلة صعود وسقوط القذافى هى ميلودراما حقيقية فيها من العبر والدروس ما يجب أن يقرأه الجميع بجدية، ليس بغرض تصفية حسابات مع الماضى، إنما من أجل صناعة مستقبل أفضل لليبيا ولشعوب المنطقة.
واللافت أن الثورة الليبية المنتصرة هى الثورة العربية الوحيدة التى رفعت علم النظام الملكى (علم الاستقلال)، وهو ما لم يحدث فى تونس ومصر واليمن وسوريا، حيث ظلت أعلام النظم الجمهورية فى قلوب الثوار رفعوها بفخر فى كل مكان دون أن يتخيلوا أصلا أنهم يمكن أن يرفعوا علماً آخر حتى لو كان علم بلادهم فى فترات تاريخية سابقة.

ليبيا هى الحالة الوحيدة التى لفظ شعبها علم «بلاده»، لأنه أصبح علم نظامه، وهى رسالة فى غاية الوضوح أن النظام الذى تحدث عن نظريات عالمية وكتاب أبله (أخضر) ونظرية ثالثة لحكم العالم وجمهورية حولها إلى جماهيرية عظمى، وشعارات سياسية وأيديولوجية جذبت المختلين والمستفيدين ــ لم يترك أثراً إيجابياً واحداً فى المجتمع الليبى رغم استمرار حكم القذافى ٤٠ عاماً.

إن من يرى القذافى عام ١٩٦٩ حين قام بانقلابه العسكرى يجد أنه كان مفعماً بالأحلام الثورية والرغبة فى الوحدة العربية ومحاربة إسرائيل، وكيف حولته السلطة المطلقة إلى واحد من أسوأ الحكام العرب، وهى رسالة لكل من يتصور أن هناك حصانة خاصة لأى ثائر تحول دون انحرافه بعد وصوله للسلطة.

تماماً مثل الأفكار السياسية التى لا تقبل الديمقراطية، لأنها تدعى أنها ثورية أو دينية وتعطى لنفسها حصانة خاصة فوق المساءلة، فكانت نتيجتها النظم الشيوعية فى أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتى، التى انهارت واختفت أعلامها، لأنها كانت أعلام أيديولوجيات وليس أوطاناً، أو نظماً قالت على نفسها ثورية مثل القذافى هدمت كل أركان الدولة الليبية وقضت على كل المؤسسات، فحولت الجيش الوطنى إلى ميليشيا ثورية سرعان ما انقسمت على نفسها، وقضت على القضاء والمحاماة والتجارة ودمرت الجهاز الإدارى للدولة وألغت الأحزاب والنقابات، وأعادت الدولة إلى القرون الوسطى وهى رافعة بكل هدوء شعارات بلهاء فى السياسة كما فى الاقتصاد.

إن أى تجربة حاولت أن تهندس المجتمع ثقافياً واجتماعياً وفق أجندة أيديولوجية كان مآلها الفشل الذريع، وكل تجربة احترمت هذه القيم دون أن تستسلم لجوانبها السلبية، بل حرضت الناس على تغييرها بمحض إرادتهم ودون إجبار كان مآلها النجاح.
وهذا هو الفرق بين المشاريع الديمقراطية والمشاريع الشمولية، ودرس ليبيا هو درس للثوار والمجلس الانتقالى أن عليهم أن يؤسسوا أولاً دولة القانون، وهى أيضاً رسالة لكل الشعوب العربية الثائرة أن الثورة وسيلة وليست غاية، وأن عليها من الآن أن تبدأ فى بناء نظم جديدة تحترم مواطنيها، لأن درس «العلم الليبى» هو درس لكل ديكتاتور عاش فى برج عاجى وتصور أنه قائد ثورة وهو فى الحقيقة كان حالة نفسية خربت ودمرت الكثير فكان لابد من اقتلاعها.

مبروك انتصار الثورة الليبية كوسيلة لتأسيس نظام جديد يحفظ كرامة الشعب الليبى وحقوقه ويبنى نهضته وازدهاره، والرحمة والمجد للشهداء الأبرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق