الثلاثاء، 14 فبراير 2012

فى الطفولة السياسية………..فهمي هويدي

حظى النائب الذى رفع الأذان لصلاة العصر أثناء جلسة مجلس الشعب أمس الأول (7/2) بنصيب وافر من التغطية الإعلامية ومن تعليقات شبكة التواصل الاجتماعى. وقد نشرت كل صحف الأمس صورته أثناء أدائه الأذان، فى حين وضعت بعض الصحف صورته على صفحاتها الأولى. باعتبارها من الأحداث ذات الأهمية الخاصة. ولا أعرف ما إذا كان صاحبنا قد أرادها فرقعة إعلامية أم أنه كان مقتنعا بوجوب رفع الأذان أثناء الجلسة، رغم أن ثمة مسجدا ملحقا بالمجلس مفتوحا طول الوقت. لكن ما أعرفه أن أغلب الذين اعترضوا على مسلكه كانوا من النواب الإسلاميين، الذين يمثلون حزبى الحرية والعدالة والنور.

ما أعرفه أيضا أن الرجل كان محاميا موكلا عن الجماعات الإسلامية، فى العهد السابق، وقد تم اعتقاله وتعذيبه فى عام 2007، وبعد خروجه رفض طلب قدمه لتأسيس «حزب الشريعة»، وبعد ثورة يناير حاول تأسيس «حزب النهضة» لكنه لم ينجح، فقدم طلبا للانضمام إلى حزب الأصالة السلفى، ورشح ضمن ممثلى الحزب على قائمة حزب النور. وحين قيل لى إنه نائب رئيس حزب الأصالة، رجعت إلى رئيس الحزب الدكتور عادل عفيفى فنفى ذلك. وفهمت أن مايصدر عنه يعبر عن آرائه ومواقفه الشخصية، وليس رأى الحزب الذى قيل لى إنه بصدد الاستقالة منه بعدما طلب منه ذلك.

التصرف الذى لجأ إليه يوم الثلاثاء لم يكن الأول من نوعه، فقد كان صاحبنا أحد الذين لم يلتزموا بنص قسم عضوية المجلس، وأضافوا إليه أنهم يحترمون الدستور والقانون فيما لا يخالف شرع الله، رغم أن هذا المعنى متضمن فى نص الدستور. وكما دعاه رئيس المجلس حينذاك إلى الالتزام بنص القسم، فإن رد الدكتور الكتاتنى كان أكثر حزما حينما رفع الأذان أثناء الجلسة، إذ طلب منه ألا يزايد على الآخرين، فلا هو أكثر منهم إسلاما ولا هو أكثر منهم حرصا على أداء الصلاة. وقد حسم الأمر الشيخ سيد عسكر رئيس اللجنة الدينية الذى انتقد تصرفه وقال بعدم جواز رفع الأذان فى القاعة التى يفترض أن يؤدى فيها عمل للصالح العام، خصوصا أن وقت الصلاة ممتد.

لدى أربع ملاحظات على المشهد هى:

● إن ما أقدم عليه الرجل كان تصرفا شخصيا تبرأت منه الأحزاب الإسلامية الممثلة فى المجلس. وبالتالى ينبغى ألا ينسب إلى الجميع أو يعمم عليهم.

● إن الرجل يعبر عن مدرسة تبسيط التدين واختزاله فى المظاهر والطقوس الشائعة فى أوساط عوام السلفيين. وهى مدرسة التدين السهل التى تفصل بين العبادات والمعاملات، وتقدم الأولى على الثانية، فتعتبر أن التقرب إلى الله يكون فقط بالالتزام بالشعائر وتنفيذ التكاليف الشرعية، ولا تكاد ترى أن هذا القرب من الله يمكن أن يتحقق أيضا بنفع الناس وخدمتهم وتحقيق مصالحهم.

● إننا فى تقييم التصرف ينبغى أن نعطيه حجمه دون مبالغة، وألا نكتفى بقراءته من الزاوية الشرعية، وإنما يتعين اعتباره من قبيل الطفولة السياسية، التى يستسلم لها حديثو العهد بالعمل السياسى. الأمر الذى يفسر بنقص الخبرة وقلة الوعى. ولست أشك فى أن النائب ذاته إذا انتظم فى جلسات المجلس وشارك فى مناقشاته سيتصرف على نحو مختلف تماما بعد أربع أو خمس سنوات. ذلك أن خبرتنا طويلة بأمثال أولئك المتدينين الذين بدأوا رحلتهم عند نقطة معينة، ولم يتح لهم ان يتواصلوا مع المجتمع أو أن يتحسسوا نبضه، وكتب عليهم ان يقضوا شطرا من رحلتهم إما فى السراديب أو فى السجون، وحين احتكوا بأى مجال من مجالات العمل العام فإن إدراكهم اختلف تماما. إذ أصبحت أفكارهم أكثر نضجا كما أصبحت صدورهم أرحب وأكثر سعة.

● ملاحظتى الرابعة أن لدينا توجها إعلاميا أكثر ميلا إلى الاصطياد والاتهام منه إلى التفهم والتسامح. إعلام جاهز للمحاكمة بل لديه حكم مسبق، وليس على استعداد لإدراك أن مثل هذه الممارسات الطفولية يقع فيها أناس حجبوا طويلا فى السراديب والزنازين، ولابد لهم أن يخطئوا حتى يتعلموا. وترحيب إعلامنا شديد بتلك الأخطاء لأنها تعطيه فرصة للإثارة والتهليل إضافة إلى التشويه وتصفية الحسابات.

لو أن صاحبنا اختفى من الجلسة فى هدوء، وأدى صلاته ثم عاد لكى يواصل مع زملائه مناقشة مصالح الناس الذين انتخبوهم، لكان ذلك أحكم، بل ربما كان أقرب إلى الله أيضا. ذلك أننا نفتقد المتدينين الذين يؤدون الفرائض ويتعبدون إلى الله بخدمة خلقه، فى حين أن لدينا كثيرين يهرولون إلى المساجد ويلتحقون بحلقات الذكر وتستغرقهم عمارة الآخرة، ولا يخطر لهم أن يضيفوا شيئا إلى عمارة الدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق