الأربعاء، 29 فبراير 2012

فى الجمعية التأسيسية…..معتز بالله عبد الفتاح

 لو كان لى من بعض الاقتراحات بشأن الجمعية التأسيسية فأتصور أنها يمكن أن تكون ما يلى:

أولا: الفصل بين البرلمان والجمعية التأسيسية.
أتمنى أن يكون أغلب أعضاء الجمعية التأسيسية من غير البرلمانيين. وهذا لا يعنى ألا يكون هناك أعضاء فى الجمعية التأسيسية من البرلمان، ولكن ما أتمناه ألا تزيد هذه النسبة على ثلث أعضاء الجمعية التأسيسية. بحكم التعديلات الدستورية فإن البرلمان بكامل هيئته لن يتحول إلى جمعية تأسيسية كما فعلت دول أخرى؛ فهناك دول كثيرة تحولت فيها برلمانتها إلى الجمعية التأسيسية مثلما حدث فى الهند وباكستان والعراق وجنوب إفريقيا وأغلب دول أوروبا الشرقية، وهذا ليس مساويا لفكرة الدستور أولا التى نادى بها بعض الأصدقاء، وإنما هى كانت بالفعل برلمانات منتخبة واضطلعت بمهام كتابة الدستور عن طريق «لجنة» تعد النسخة الأولية من الدستور ثم يقوم البرلمان بالتصويت عليها. وفى بعض الأحيان يحدث العكس وهو تحول الجمعية التأسيسية إلى برلمان مؤقت مثلما حدث فى كمبوديا وناميبيا وتيمور الشرقية وتونس. وأحيانا نجد صراعا بين الاثنين مثلما حدث فى نيجيريا وأوغندا وكولومبيا. بل إن فى دولة مثل أوغندا، خرجت الجمعية التأسيسية عن سيطرة البرلمان فرفض البرلمان تخصيص الموارد اللازمة للجمعية التأسيسية بما جعل عملية كتابة الدستور تطول لمدة سبع سنوات إلى أن حصلت الجمعية التأسيسية على منحة خارجية. وقد أقدمت كينيا على بديل استثنائى بأن جمعت بين كل أعضاء البرلمان الـ 222 بالإضافة إلى 417 شخصا آخر، فترتب على ذلك صراع حقيقى بين أعضاء البرلمان وغيرهم بما جعل المواطنين يذهبون إلى التصويت بالرفض على مشروع الدستور لاحقا واضطروا للعمل عدة ثلاث سنوات أخرى حتى وصلوا إلى الدستور.

ثانيا، التطويل لا يعنى المزيد من الإجادة.
لا تبدو من تجارب دول العالم أن هناك علاقة سببية أو ارتباطية بين الوقت الذى أخذه كل دستور فى كتابته وبين درجة التوافق عليه أو المهارة فى صياغته. وهذا لا يعنى أيضا أن الدستور «يُسلق» فى أسبوعين. البولنديون كتبوا دستورهم فى الفترة من 1989 حتى 1997 واحتاجوا لأن يكتبوا دستورا مؤقتا قبل انتخابات 1993 لأن المسألة طالت أكثر مما ينبغى وفقدوا البوصلة والاهتمام ودخلوا فى صراعات جزئية كثيرة. بل إن أقدم دساتير العالم الديمقراطية وهو الأمريكى صيغ فى أربعة أشهر بعد نقاشات مستفيضة من الـ55 عضوا الممثلين للولايات الأمريكية المختلفة. وكانت خلفيتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية سببا فى أن كانت النقاشات، رغما عن سخونتها، بناءة بما فى ذلك الاتفاق على ما الذى لا ينبغى المساس به مثل قرار عدم إعطاء حقوق غير البيض والنساء حقوقهم، وتأجيل النقاش بشأن العبودية بسبب الخلافات الحادة بين ولايات الشمال التى كانت تريد إنهاء العبودية وولايات الجنوب التى أرادات الحفاظ عليها. وهنا درس آخر، وهو علينا أن «لا» نتجاهل مشاكلنا لأن هذا التجاهل هو ما أدى إلى حرب أهلية أمريكية بعد حوالى 100 عام أدت إلى موت وجرح حوالى 650 ألف إنسان. وهكذا دائما، ما لا يحله الدستور والقانون سيكون مادة خصبة للصراع وصولا للحروب.

ثالثا، الحجم الأكبر للجمعية ليس مزية. 
هذه نقطة حسمتها التعديلات الدستورية بأن جعلت عدد أعضاء الجمعية التأسيسية بمائة. وهو رقم معقول جدا مقارنة بالـ 500 عضو الذين شكلوا الجمعية التأسيسية فى أعقاب الثورة الفرنسية أو الـ 629 فى الحالة الكينية والتى كان العدد فيهما عبئا شديدا.

رابعا، البناء على ما سبق.
«إن النقاش حول أى وكل مادة فى الدستور يمكن أن يستهلك ساعات طوالا، ولكن المهم أن نوجه النقاش إلى ما هو ضرورى ومؤثر». وردت هذه العبارة فى كتاب عن تصميم المؤسسات فى مراحل التحول الديمقراطى. مصر فيها تاريخ دستورى جيد. وعلينا أن نستفيد مما ورد فى دستور 1923 ودستور 1945 ودستور 1971، وألا تتحول النقاشات داخل الجمعية التأسيسية إلى عملية «إعادة اختراع العجلة.» وهو ما يتطلب أن يكون هناك مجموعة من المتخصصين الذين يقومون بتوضيح التراث الدستورى لأعضاء الجمعية التأسيسية إن كان بينهم من لم يكونوا من المشتغلين بالقانون الدستورى أو العلوم السياسية.

خامسا، الاستفادة من تجارب الدول الأخرى.
العالم تطور كثيرا عما كان عليه آخر دستور لنا فى مصر ويمكن الاستفادة من تجارب هذه الدول. ومن التجارب التى أصبحت مطروحة بشدة هو فكرة «طرح الثقة البناء» المنصوص عليها فى المادة 67 من الدستور الألمانى والتى تقضى بألا يتم طرح الثقة بالحكومة إلا بعد وجود حكومة أخرى قد تم بالفعل الموافقة عليها بأغلب أعضاء البرلمان. وهناك العديد من الاجتهادات الأخرى لضمان التوازن بين الرقابة والاستقرار. وهى آليات يفترض أن تكون الجمعية التأسيسية على علم ببعض تفصيلاتها.
أخذا بما سبق، قام «بيت الحكمة» باقتراح مشروع قانون وآلية إدارية للجمعية التأسيسية للدستور وفقا للقواعد والإجراءات التالية والتى تجعلنا، إن طبقنا الإجراءات أن ننتهى من كتابة الدستور والاستفتاء عليه فى 90 يوما بشرط الانضباط والالتزام الكاملين بالإجراءات والجدول الزمنى المقترح بما يحقق ما يلى:
ضمان تمثيل كافة أطياف المجتمع من خلال ممثلين عن القطاعات الرئيسية به والتى يمكن تقسيمها إلى قطاعات سبعة، بحيث يُرشح عن كل قطاع ثلاثة أمثال العدد المحدد له من أعضاء الجمعية، وتقوم القطاعات والجهات المعنية بالمشاركة فى مسئولية الترشيح فى المواعيد المحددة وإرسالها إلى أمانة مجلسى الشعب والشورى، ليكون إجمالى الوعاء الانتخابى ثلاثمائة اسم على الأقل للقطاعات السبعة مجتمعة.
وعلى هذا الأساس، يكون هناك على الأقل ثلاثمائة اسم تُمَثِل الوعاء الانتخابى الذى يقوم السادة أعضاء مجلسى الشعب والشورى غير المُعينين بالانتخاب من داخله، على أن يتم انتخاب مائة اسم لعضوية الجمعية طبقا لما سيأتى بيانه فى آلية القطاعات السبعة، والتى من شأنها أن تحقق التوازن بين الإعلان الدستورى الذى ينص على انتخاب أعضاء الجمعية من قبل أعضاء المجلسين المنُتخَبين، وبين لا مركزية الترشيح بين أغلب قطاعات البلاد المؤثرة، بحيث يشارك كل قطاع والوحدات التابعة له فى مسئولية ترشيح مُمثليه.
ويتم انتخاب مائة عضو من الوعاء الانتخابى على أساس القواعد التالية:
  • القطاع الأول: وينتخب منه ثلاثون عضوا من العشرة أحزاب الأولى التى حصلت على أعلى عدد من المقاعد فى مجلس الشعب، بحيث يراعى التمثيل النسبى لكل حزب من حيث عدد الأعضاء المنتخبين من هذا القطاع مع نسبة مقاعد الحزب لإجمالى عدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين. وعليه فإن كل حزب يقوم بترشيح ثلاثة أمثال عدد الأعضاء الذين سيمثلونه فى الجمعية فى شكلها النهائى. وعلى سبيل المثال فإن الحزب الأول من حيث عدد المقاعد (حزب الحرية والعدالة) يقوم بترشيح 36 مرشحا من أعضائه (سواء من البرلمانيين أو غير البرلمانيين) على أن يقوم الأعضاء غير المعينين من مجلسى الشعب والشورى بانتخاب اثنى عشر منهم كى يكونوا أعضاء فى الجمعية التأسيسية. وهكذا مع كل حزب من الأحزاب العشرة الأولى الممثلة فى مجلس الشعب على النحو الوارد تفصيلا فى المشروع المقترح.
  • القطاع الثانى: وينتخب منه عشرة أعضاء من الأكاديميين، على ألا يقل تمثيل المرأة فيه عن ثلاثة أعضاء.
  • القطاع الثالث: وينتخب منه ثمانية أعضاء من بين النقابات المهنية واتحادات العمالية الثمانية الأوائل من حيث عدد المشتركين بها، مع انتخاب أعضاء مجلس الشعب لممثلين اثنين عن الفلاحين.
  • القطاع الرابع: وينتخب منه سبع شخصيات دينية إسلامية وثلاث مسيحية.
  • القطاع الخامس: وينتخب منه عشرة أعضاء ممن لهم خلفية عسكرية وحكومية ودبلوماسية، بحيث لا يكون أى منهم يعمل بالدولة وقت الترشيح، ولا يقل تمثيل المرأة فى هذا القطاع عن ثلاثة أعضاء.
  • القطاع السادس: وينتخب منه عشرة قضاة.
  • القطاع السابع: وينتخب منه عشرون عضوا، يتم ترشيحهم من قبل جميع الأحزاب ذات الهيئات البرلمانية، على ألا يقل تمثيل المرأة فى هذا القطاع عن أربعة أعضاء، وألا يقل تمثيل الأعضاء تحت سن الأربعين عن أربعة أعضاء.
هذا اجتهاد، وليقدر الله لهذا البلد خيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق