الاثنين، 20 فبراير 2012

بين الدعوي … والحزبي … والسياسي (م/ عبدالرحمن رضا)

في عالم السياسة يقسمون التجمعات التي تشارك بالعمل السياسي إلي نوعين:
  • جماعات المصالح السياسية ( الأحزاب )
  • وجماعات الضغط السياسي.
فالأولي هي التي تعني بالعمل الحزبي التنافسي وتسعى للحصول على مساندة شعبية بغية الوصول لأكبر عدد من كراسي البرلمان أو المحليات أو الرئاسة وغيرها.. بهدف الوصول إلى السلطة وممارستها.
 
أما النوع الثاني جماعات الضغط ( اللوبي ) فتكون تجمع لأناس أصحاب "فكرة" أو مصلحة يدافعون عنها ويسعون لتعريف المجتمع بها والضغط علي الحكومات من أجل نصرة وإنجاح هذه الفكرة وفي الغرب فإن النقابات العمالية وجماعات الضغط اليهودية هي أمثلة لهذا النوع .
 
وهذا هو الفارق بين العمل الحزبي التنافسي وبين العمل السياسي العام الذي يصب لصالح فكرة أو لصالح المجتمع ككل.
 
واليوم وقد فُتح مجال العمل السياسي علي مصراعيه أمام كل المصريين بمن فيهم أصحاب الدعوة الإسلامية فنحتاج أن نتبين مواقع خطانا حتي لا نقع في كمائن العمل السياسي … وأولها كما أراه هو كمين الخلط بين العمل الدعوي والعمل الحزبي.
 
فللدعوة والمنبر مقام رفيع يجعلك تنظر بعين التقدير لكل من يقف علي المنبر فهو مقام رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم مقام العلماء والدعاة من بعده ؛ ولا أتصور أن يقف شخص علي المنبر يدعوا الناس الي أخلاق وتعاليم الإسلام ثم يقول مزكياً لنفسه انتخبوني فأنا خير من يمثلكم !!!!
 
ففي هذا خطر عظيم من وجوه عدة:
 
أولاً : هذا نزول بمقام الدعوة الرفيع إلي مستوي التنافس الحزبي وما فيه من تزكية للنفس وتحالفات وتجاذبات ومناورات وتصريحات وهو ما لا يليق بالمنبر ولكن له مكان آخر .
 
ثانياً : المسجد ليس مكاناً لتفريق المسلمين أحزاباً … فلا أتصور أن يصعد خطيب "وفدي" مثلاً علي المنبر فيدعوا الناس إلي انتخاب حزب الوفد … وفي المسجد من يناصرون النور أو الحرية والعدالة أو غيرها … إنها فتنة … كما لا يمكن مثلاً أن نقسم المساجد فهذا مسجد حزب النور ذاك مسجداً للوفديين وهكذا.
 
ثالثاً : يقول الله جل وعلا "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً" وفي حديث الرسول (صلى الله وعليه وسلم): «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك! وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك ضالتك» (صححه الألباني) وزاد مسلم رحمه الله: «فإن المساجد لم تبن لهذا؟»
"والقضية أن هناك مخاوف حقيقية أن البعض لا يرى غضاضة في استخدام المساجد (وقطعا الكنائس) كساحة للتجنيد الحزبي لحزب بعينه وللحشد التصويتي لمرشح بذاته. ولهؤلاء نقول لا أنجح الله حزبك ولا أنجح الله مرشحكi]]
 
رابعاً : إننا نربأ بعلمائنا ودعاتنا أن يصيبهم غبار المعارك الانتخابية الحزبية ونعلوا بهم عن ذلك … فهل نقبل من الشيخ القرضاوي مثلاً وهو من هو قيمةً وقامة أن يحضر مؤتمراً انتخابياً لنصرة حزب الحرية والعدالة أو أن يصعد إلي منبره داعياً إلي حزب النور مثلاً … حاشا لله والرجل لم يتورط في مثل هذا ؛ لذلك أنادي الدعاة ممن قرروا أن يخوضوا المنافسة الحزبية فالشيخ/ ياسر البرهامي مثلاً له منصب في حزب النور والشيخ/ سيد عسكر يخوض الانتخابات في طنطا وغيرهم كثير… فليكن ولكن بعيداً عن المنبر وبعيداً عن الفتاوي أرجوكم يا مشايخنا الكرام.
 
خامساً : ضع نفسك مكان منافس الشيخ/ فلان مثلاً وتجد الشيخ الداعية قد تترس بالمنبر الدعوي وجعله سلاحاً في معركته الانتخابية ؛ قطعاً ستحس بالظلم لأن خصمك يضرب تحت الحزام .
 
أعجبني هذا الكلام الرصين للدكتور معتز عبدالفتاح : "العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام ليست علاقة إحلاليه ــ صراعية، فلا تستطيع دار العبادة أن تحل محلا أو أن تتصارع مع دار الحكم، لكنها علاقة تكاملية ــ تمايزيه، فالتمايز بينهما واضح والتكامل بينهما ضرورة. يخرج من دار العبادة القيم العظمى للأمة وتتصارع السياسة من أجل أفضل طريق لتحقيقها، دون أن يسعى الساسة لأن يتخذوا من دور العبادة مقارا انتخابية لهم. هذه مفسدة للدين وللسياسة " [ii]

ولا يُفهم من هذا الكلام أننا نفصل بين الدين والسياسة … حاشا لله … فكما قال الشيخ البنا عليه رحمة اللهندعو إلي الإسلام الذي جاء به محمد صلي الله عليه وسلم والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه ، فإن قيل لكم هذه سياسة ! فقولوا هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام "

الخلاصة : إنه لا يمكن الفصل بين الدين والسياسة … ولكن يمكن التمييز بين العمل الدعوي - الذي يشتمل علي العمل السياسي العام - وبين العمل الحزبي التنافسي .
 
وأختم بكلمة الشيخ البنا فمنذ أكثر من ستين سنة قال في التفريق بين الحزبي والسياسي : "أن الفارق بعيد بين الحزبية والسياسية ، وقد يجتمعان وقد يفترقان ، فقد يكون الرجال سياسيا بكل ما في الكلمة من معان وهو لا يتصل بحزب ولا يمت إليه ، وقد يكون حزبياً ولا يدري من أمر السياسة شيئاً، وقد يجمع بينهما فيكون سياسياً حزبياً أو حزبياً سياسياً علي حد سواء ، وأنا حين أتكلم عن السياسة في هذه الكلمة فإنما أريد السياسة المطلقة ، وهى النظر في شؤون الأمة الداخلية والخارجية غير مقيدة بالحزبية بحال " [iii]
 

[i] مقال د. معتز عبدالفتاح بجريدة الشروق "لا أنجح الله حزبك أو مرشحك"
[ii] نفس المقال السابق
[iii] رسالة في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين من مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق