السبت، 11 فبراير 2012

حتى لا يصطدم شباب الثورة بسلطة (الإسلاميين)……. خالد خطاب


 بسم الله.. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فعلى مدار قرابة العام، منذ أن خُلِع مبارك وحتى بدء إجراءات انتخاب البرلمان، لم يكن صوت يعلو على صوت تلك المعركة، بين التيار الإسلامي في جانب، وبين ما اصطلح الليبراليون والعلمانيون على وصفه (بمشروع الدولة المدنية)، انتهت في النهاية بفوز كاسح للتيار الإسلامي بأغلبية مقاعد البرلمان، ما اعتبره الإسلاميون نصرا مؤزرا، وعدّوه صفحة جديدة مشرقة في تاريخ الحركة الإسلامية، بعد طول معاناة.

بيد أن الواقع لم يكن مشرقا إلى هذا الحد، وليس على هذا القدر من البساطة، بل كان  أشد تعقيدا من ذلك بكثير، فالقوى على الساحة ليست إسلاميين وليبراليين فقط، بل هناك من القوى التي قد يكون حراكها السياسي أكبر تأثيرا على الواقع من حراك هذين القوتين مجتمعتين، هذا أولا، وثانيا، فليس الفوز الذي حققه الإسلاميون حتى الآن يصل إلى الحد الذي يضمن استقرار الأوضاع لتسيير مشروعهم، فضلا عن إنجاحه، وثالثا، فلم تقض نتيجة الانتخابات على آمال القوى الليبرالية، بل غاية ما فعلته، أن نقلتهم من موضع إلى موضع آخر، من المنافس إلى المعارض، والذي سيستغل هذا الموضع الجديد باحترافية، قد تجعل الكفة تميل في صالحه ولو بعد حين.

إنك إذ تلقي نظرة أشمل على وقائع العام المنصرم، عام الثورة، ستلحظ على الفور وقائع معركة أخرى، تُعُمِّد تهميشها، بين قوتين أخريَين، هما شباب الثورة في جانب، والعسكر في الجانب المقابل، أدت إلى إضعاف بالغ لقوة العسكر، حتى صار وضع القوى الآن (إسلاميون – ليبراليون – عسكر – قوى ثورية) على هذا التوصيف:
1-الإسلاميون: قد نقول تجوزا إنهم في السلطة، بل هم يملكون بالفعل السلطة التشريعية.
2- القوى الليبرالية: هُزمت، ولكنها تمثل الأقلية المعارضة في البرلمان.
3-العسكر: في أصعب موقف وُضع فيه منذ تنحي مبارك، قد أخذ سقف طموحاته في الانخفاض يوما بعد يوم، حتى صار غاية همه (الخروج الآمن).
4-شباب الثورة، في غاية الحماسة والاستعداد للتضحية، يدفعهم شعورهم بعدم تحقق أهداف الثورة، ويدفعهم أيضا شعورهم بالثقة، فهم من أطلق شرارة الثورة، وهم من وجّه للعسكر تلك الضربات المتوالية، وأوشك على هزيمته، دون أن تقدّم لهم سائر القوى دعما يذكر.


في ظل هذا الوضع، ولأسباب عدة، فإن تخوفا لدى الكثيرين منا أخذ في التصاعد، من مواجهة مباشرة متوقعة بين القوى الثورية وبين التيار الإسلامي، وذلك لعدة عوامل، نستعرض بعضا منها على عجالة:
1)من أهمها، عدم استيعاب كل من الفريقين لطبيعة الآليات التي يمتلكها الفريق الآخر للتغيير بصورة كاملة، فأغلب نواب البرلمان وإن لم يعارضوا حراك الميدان، إلا أنهم في النهاية لا يتصورون الوسائل الميدانية للضغط على العسكر، التي قد تأتي بما لا يستطيعه البرلمان من مكاسب، وعلى الجانب الآخر، فإن كثيرا من الثوار وإن لم يعارض البرلمان كمبدأ، إلا أنه لا يتصور على وجه الكمال الآليات المتاحة للنواب، التي قد تؤتي ثمارا لا يستطيعها الميدان.

2)الاختلاف في تقدير كل من الفريقين للمكاسب التي تحققت بعد الثورة، وهذا أيضا من أخطر العوامل، ويترتب عليه جنوح الإسلاميين إلى التهدئة، وجنوح القوى الثورية إلى التصعيد، وهما نقيضان.

3)الاختلاف الفكري والمنهجي فيما يتعلّق بوسائل الإصلاح والتغيير عند الفريقين، فالإسلاميون يجدون صعوبة بالغة في مواكبة الحراك الثوري في هذه المرحلة الفارقة، وكذلك، فسوف يعاني كثير من الشباب الثوري من بعض الصعوبات قبل أن يستطيع التناغم مع المشروع الإصلاحي طويل المدى، بعد أن تستقر الأمور.

4)دور العسكر في المرحلة الحالية، الذي يستغل  شدة حذر الإسلاميين على ما تحصّلوا عليه، ويخوفهم من ضياع هذه المكتسبات، مُلوِّحا بضغوط الخارج وربما الداخل، ما يمنع الإسلاميين من اتخاذ المواقف الثورية مهما تصاعدت وتيرة الأحداث، وهو ما يضعهم بدوره بغير قصد منهم في صف العسكر، وفي مواجهة القوى الثورية.

5)موقف الأقلية الليبرالية المعارضة في البرلمان، والتي ليس لديها ما تخسره، والتي تتبنى وتطرح مشاريع قرارات أقرب إلى إشباع الرغبة الثورية عند الشباب في الميدان، ما يشكّل إحراجا كبيرا للأغلبية الإسلامية، ويزيد من تقبيح صورتهم أمام القوى الثورية، وما يؤدي أيضا إلى حشد القوى والائتلافات الثورية خلف المعارضة، ما يمثل حلا أكثر من ممتاز لإشكالية الأقلية، بل ومطلبا رئيسا لهذه القوى، وقد نفهم ذلك في ضوء هذا التصريح للدكتور عمرو حمزاوي، في مقالته "كيف يتجاوز الليبراليون بمجلس الشعب مأزق المقاعد القليلة؟"، يقول: (وأما الاستراتيجية الثانية فهي التواصل والتعاون المنظم مع المجتمع المدني وجماعات الضغط والائتلافات المتعددة المدافعة عن الحقوق والحريات لحشد الطاقات المتخصصة ولتهيئ الرأي العام لأجندتنا التشريعية) جريدة الشروق، 23 -1-2012.

6)ومن العوامل المؤثرة، علو سقف مطالب الشعب بصفة عامة والقوى الثورية بصفة خاصة من السلطة، وهذا مفهوم بعد ثورة لم تطح بنظام فاسد لترى أنصاف حلول.

7)تبني التيار الإسلامي خارج البرلمان على طول الخط لمواقف دون مستوى الحدث، وإصرار إسلامي البرلمان على مخالفة كل ما يطرحه الشباب من حلول، بدعوى (عدم الدستورية) أو (أن الإشكال أعمق من مجرد رحيل العسكر).

8)غياب التنظير الفكري من قبل الجماعات الإسلامية الكبرى (الإخوان والدعوة السلفية) لقضية دور النائب في البرلمان، فلا تكاد تجد طرحا متماسكا يوضّح واجبات النائب وحقوقه بصورة تفصيلية، والتقصير الواضح في إعداد  وتدريب النواب قبل خوض غمار هذا البحر، ما يؤدي إلى ظهور الكثير من النواب الإسلاميين  بصورة مَنْ لا يعرف واجباته وحقوقه، ولا يعرف كيف يسائل الوزراء ولا كيف ينتزع الحقوق من الحكومة انتزاعا، لا سيما إذا ما قًورن بأداء بعض النواب الليبراليين الأكثر احترافية.

9) احتجاج كلٍ من الفريقين بما يدعم موقفه من مبادئ العملية الديمقراطية التي ارتضاها الجميع، فبينما يكثر الإسلاميون -الإخوان تحديدا- من الاحتجاج بقولهم: (أليس الشعب من اختارنا؟)، فإن الشباب يبرز الحجة المقابلة: (اختاركم الشعب  كي تتكلموا بلسانه، ومن حقنا مراقبتكم ومساءلتكم)، أضف إلى ذلك أن أغلبية شباب الثورة لم يصوّت للإسلاميين أصلا.

لو تأملت ما سبق، لوجدت أن كل الأسباب التي قد تؤدي إلى الصدام هي في النهاية متعلّقة بقضايا الظلم والقهر والتستر على الفساد والموقف من العسكر، التي وإن اتفق الفريقان على إطار عام يرفضها كلها، إلا أن المواقف العملية تظهر كل يوم مقدار التباين في تصوّر تفصيلاتها وتطبيقاتها على الواقع عند كل من الفريقين، وكذلك درجة أولويتها عند كلٍ.

وهذه منطقة حساسة جدا، خصوصا بعد ثورة اندلعت لإقامة الحق في هذه الأبواب، ما يجعل أي ممارسة يقوم بها من في السلطة تشابه ولو من بعيد ممارسات نظام مبارك كفيلة بأن تقيم القوى الثورية ولا تقعدها.

والخطير أنه في حال حدوث صدام، فإن كلا من الفريقين سوف يبذل فيه أعلى درجات التضحية، ما قد يجعله مروعا بحق، فالإسلاميون سيَرونه قتالا من أجل قيام المشروع الإسلامي الذي صبروا وتحمّلوا من أجله قرابة قرن من الزمان، والشباب الثوري سيراها معركة جديدة، في سلسلة الحصول على الحرية، بعد إسقاط مبارك واقتراب   رحيل العسكر، أو حتى بعد رحيله بالفعل.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا وبقوة، أن وضع شباب الثورة، مع ما اصطُلح على وصفهم (بالنخبة) أو دعاة الدولة المدنية في خندق واحد، لهو ظلم بين، وسطحية ما بعدها سطحية، فهما يكادان يكونان طرفي نقيض، من حيث المنطلقات، ومن حيث الوزن الحقيقي والقدرة على التأثير.

فالنخبة ورموزها تنطلق من دافع أيديولوجي محض، لا يتصورون أن يأتي ذاك اليوم الذي يسيطر فيه الإسلاميون على البلاد ويضعون التشريعات الإسلامية موضع التطبيق، بضاعتهم تشويه الإسلاميين، لعل في ذلك نجاتهم، بخلاف شباب الثورة، الذي لا يحمل –في جملته- معارضة صريحة للمشروع الإسلامي مهما بلغت درجة وضوحه، ولا يعنيهم إلا إزالة كل ظلم واقتلاع كل فساد.

أما من حيث القدرة على التأثير، فالنخبة صالت وجالت وتسوّلت على أبواب الفضائيات، ثم كانت النتيجة ما رأينا في أول مواجهة نزيهة، ما أثبت ضعف بل انعدام تأثيرهم على عامة الشعب. في المقابل، ترى أن شباب الثورة هو الذي حشد لمظاهرات أدت في النهاية إلى ثورة عارمة في البلاد أسقطت نظاما كاملا، ثم واصلوا نضالهم، ليؤول الأمر في النهاية إلى مجلس عسكري مجروح متخبّط، يناشدهم إمهاله بضعة أسابيع.

ولعل سؤالا خطيرا يطرح نفسه هنا، يقال: إن كان لمشاعر (الآخر) ومدى تقبّله لطرحنا كإسلاميين هذا القدر من الاعتبار، الذي يصل إلى حد التصريح بعدم دعم مرشح إسلامي، أفليست هذه القوة التي سحقت نظام مبارك في أيام، ثم هي الآن في طريقها –إن شاء الله ويسّر- إلى إزاحة العسكر، أليست مشاعرهم وردود أفعالهم أولى بالاعتبار، لا سيما وقضيتهم عادلة، كما يقر بذلك الإسلاميون؟! 

إلى متى نغرق في بحر التنازلات لأقوام لا يتسلّطون علينا إلا بتصاغرنا وهزيمتنا أمامهم، ونتقاعس عن نصرة الحق الذي تحمله هذه القوة الضاربة (شباب الثورة)؟

هل أمنّا مكر الله إلى هذا الحد، وركنّا إلى ما تحقق من مكاسب، ونسينا أننا قد نَزِلّ كما زلّ الذين من قبلنا؟ 
أوَ لَمْ يستخلف الله بني إسرائيل في الأرض وأهلك عدوهم، ثم عبدوا العجل؟ 
من يدري؟ ألسنا بشرا، عرضة لأن تتبدل نوايانا، أو أن نسلك طريقا لا ترضي الله، وإن صحت النية؟!
ألم نقرأ في كتب التاريخ سير أقوام صبروا على الضراء، ولم يصبروا على السراء؟
إذاً فالزلل من جانب الإسلاميين وارد، وكذا المبالغة في ردة الفعل من جانب شباب الثورة وارد أيضا، ولكن هل يمكننا تجنّب هذا الصدام؟
نعم، بحول الله وحده، ولا يتأتى ذلك إلا بالتوافق، ولا يكون التوافق ذا فائدة إلا إن كان توافقا على الحق، ودعني أضف وأفصّل، وأخاطب آبائي وإخواني من الفاعلين في التيار الإسلامي، فأقول: 

إن الحل ينبغي أن يكون على محورين، عقدي فكري، وعملي سلوكي..
فالعقدي الفكري، يكون الإصلاح فيه بنشر المفاهيم الآتية والعمل على تقريرها والتأكيد عليها:
1- أن ندرك أن الله تعالى كما تعبدّنا بالصبر على أذى الظالمين، فقد أمرنا بمجاهدتهم بحسب الطاقة، وذم الله أقواما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة (فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال)، ومازال أثر الماء الذي أهلك الله به مبارك في أقدامنا، فلماذا نرضى بفُتات يلقيه إلينا من خَلَفَه؟ وهل سنظل في حالة بحث مستمر عن الظالم الذي نخشاه، أو على أحسن الأحوال: نخشى إزاحته؟

2- أن ندرك أن الفرص لا تتكرر، وأن القيادة موقف، وأنه من أبلغ الإساءة لدين الله أن يأتي دعاته في ذيل المدافعين عن حقوق الناس، وأن يقارع غيرهم الظالم، فإذا ما أسقطوه، جاءتنا الغنائم. 

3-أن ندرك أنه وإن كان الحفاظ على المكتسبات من شكر النعمة، إلا أنه لا يتأتى أبدا بخذلان الحق، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الخندق مباشرة (الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم)، تأمّل: (نحن نسير إليهم)!، وتأمّل كيف خرج النبي صلى الله عليه وسلم لقتال الروم قرب الشام، بعد مرور أقل من عام واحد من فتح مكة! وتأمّل كذلك إنفاذ الصديق لجيش أسامة.

4-أن ندرك أن تجزئة المبادئ ليست من شيم حَمَلَة الشريعة، وأن في ذلك أبلغ الصد عن سبيل الله، ولا يجرمنّا مخالفة قوم على ألا ننصر حقا حملوه أو نذب عن أعراضهم أو نرفع عنهم ظلما، فهكذا السنة، وهكذا نسود.

أما بخصوص الجانب السلوكي العملي، فمما ينبغي أن نتبناه:
1-الوضوح والمكاشفة، وهذا لا يستطيعه إلا من كان ملتزما بمبادئه ليس عنده إلا ما يفخر به، والابتعاد عن محاولة إخفاء أجزاء من الصورة باستخدام الألفاظ المجملة والتعبيرات الإنشائية، التي وإن ظُن أنها قد تسعف، إلا أن الجمهور الواعي لا يراها إلا هروبا من المواجهة.

2-تصدير الكوادر الشبابية الناضجة إلى المراكز القيادية، والعمل على فتح قنوات الاتصال بين هؤلاء الشباب وبين شباب القوى الثورية، فهذا يزيل حاجز السن، الذي لا يتحمله الخلاف السياسي القائم أصلا. 

3- الحرص على مراجعة النفس، وتوطينها على تقبّل النقد، والنظر كل فترة: هل حِدنا عن الهدف الأول؟ وهل الطريق المسلوك هذه اللحظة مفضٍ في النهاية إلى رفع هذه القيم، التي بذل المئات دماءهم من أجل تحقيقها، أم أنه مفض إلى خلاف ذلك؟
ولتعلموا أن المتربصين بكم كثر، والجهات التي ستعمل على ضرب مشروعكم لا تحصى، فإن نقّبتم وبحثتم عمّن يؤيدكم بعد الله عز وجل، فلن تجدوا أصدق ولا أكثر دعما لصاحب الحق من هؤلاء الشباب، فإياكم وخسرانهم، بل ادعوهم إلى الله بفعالكم، وانصروا الحق الذي يحملونه، يؤيدكم الله بهم، وبمدد من عنده.


اقرأ المزيد : رابطة النهضة والإصلاح. حتى لا يصطدم شباب الثورة بسلطة (الإسلاميين)
http://www.nahdaislah.com 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق