الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

حب الجمال…… بقلم : مهندس / محمود صقر


التربية على حب الجمال وتذوق الفنون ليست ترفاً ولكنها ضرورة تربوية واجتماعية.
فالتربية على رؤية مظاهر الجمال فيما أبدعه الله وفيما سوته يد الإنسان، ومحاولة الوقوف على أسرار الجمال فيها، والتأمل فيما يتجلى فيها من تكوين محكم، وتنسيق بديع، وفيما تضفيه على ما حولها من ظلال وأضواء، كل هذا يشحذ في الإنسان قوة الملاحظة، وصفاء الفكر، ورهافة الحس، وتنمية الذوق، وتزكية النفس.

وهذه التربية التي ندعو إليها هي عينها التي ربى الله تعالي عليها المؤمنين به من خلال آيات القرآن.
وتأمل معي قوله تعالى : " أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه "
هل نحن نفلح الأرض ونزرع الزرع كي ننظر إليه أم لناكله وننتفع بتجارته ؟

وتأمل قوله تعالى " والسماء بنيناها وزيناها" فهل السماء بنيت كضرورة من ضروريات بناء الكون؟ أم هي للزينة؟
في نظرة الإسلام للكون كلا الأمرين مطلوبين، المنفعة المادية، والاستمتاع بالجمال.
 


ولتأكيد المعنى ، تأمل معي قوله تعالى : " وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) " النحل ( 5 – 8 ) .
فالجمال عنصر أصيل في نظرة الإسلام فيما تقع عليه العين، وليست النعمة هي مجرد تلبية الضرورات من طعام وشراب وركوب، بل تلبية الأشواق الزائدة على الضرورات، تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنساني.


والتربية الإسلامية على حب الجمال لا تقف عند حدود المنظور والمسموع والمحسوس فحسب، بل تتخطاه إلى الخلق الإنساني، فالمتأمل في خطاب القرآن يلاحظ أنه يصف العديد من الأخلاقيات بوصف الجمال، مثل " الصبر الجميل". " الصفح الجميل". " الهجر الجميل". " السراح الجميل "، وكان من دعاء النبي (ص) "اللهم جملني بالتقوى، وزيني بالحلم."
ومع تجميل الخلق، تجميل السلوك الإنساني "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ " لقمان ( 19)
و"تبسمك في وجه أخيك صدقة "


وعليه فإن نظرتنا المنبثقة من نظرة الإسلام للجمال تتغلغل في كل دقائق حياتنا فيما تقع عليه العين أو تسمعه الأذن أو تشمه الأنف أو تلمسه الحواس، وكذلك في كل خلق إنساني نبيل يتمثل في حسن المعاملة، وفي كل سلوك إنساني يتعود على الإحسان في كل شئ من أعماله اليومية.
وبناءاً على هذه النظرة نصل إلى خصوصيتنا في رؤيتنا للجمال والتي تتمحور حول شمولية الجمال لحركة الإنسان في الحياة من ناحية ومن ناحية آخرى مهمة أن الجمال عندنا لا ينفصل أبداً عن الأخلاق، فالقيمة الجمالية تنضبط بالقيمة الخلقية، والقيمة الخلقية تتزين بالقيمة الجمالية.

نقول هذا ونحن على علم كامل بأن فلسفة الجمال بالمنظور الغربي ، تجعل منه قيمة قائمة بذاتها لا تقبل توجيه أو هيمنة القيمة الأخلاقية ، بل إن القيمة الجمالية في المفهوم الغربي قد تفقد قيمتها ومعناها إذا هيمنت عليها القيمة الأخلاقية.

وهذا أيضاً يمثل نقطة نزاع جوهرية في حرية الفن بين من يتبنى فلسفة الجمال بالمنظور الإسلامي ومن يتبناها بالمفهوم الغربي.
ونرى أن حركة المجتمع نحو النهضة المنشودة لن تؤتي ثمارها بغير الاهتمام بهذا الجانب الجمالي المنضبط بالخلق والسلوك.
لأن المجتمع الذي يعتاد على سماع ورؤية الأشياء القبيحة في شوارعه ووسائل إعلامه سيظهر حتماً أثر هذه المناظر في أفكاره وسلوكه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق