السبت، 3 نوفمبر 2012

النساء بين الشريعة والتغريب …….. رباب المهدى


 للأسف لن يستفز عنوان المقال معظم من سيقرأه. بل على العكس ربما كانت الغالبية مدفوعة لقراءته لمحاولة معرفة إذا كان سيدافع عن «الشريعة» أم عن المساواة على النمط «الغربى» تحت دعوى الحداثة. هذه الثنائية ظهرت جلية فى النقاش حول المادة ٦٨ من الدستور والخاصة بحقوق المرأة والمساواة «بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية»، والتى جاءت من دستور ١٩٧١ وتمت إضافة بعد الجمل الإنشائية عليها مثل حق الإرث ورعاية المطلقات والأرامل. 

هذه الثنائية بين من يتصورون أنهم حماة الشريعة من جهة وبعض المدافعين عن حقوق النساء من جهة أخرى هى قلب ما يسمى بالفكر الاستعمارى الذى من المفروض أن يرفضه معسكر حماة الشريعة وهى منظومة الاستشراق التى وضحها المفكر الراحل إدوارد سعيد. وهى ثنائية ليست بالجديدة كما يتصور ويروج بعض المدافعين عن حقوق النساء الآن وليست مرتبطة بصعود تيار الإسلام السياسى ولكنها ثنائية حكمت عمل الحركة النسوية ومنتقديها منذ نشأتها فى أوائل القرن الماضى وتجلت فى مفهومى الأصالة ــ التقاليد فى مقابل المعاصرة ــ الحداثة. هذه الثنائية ليست بين إسلاميين وعلمانيين كما يتصور ويروج المعسكران بل بين من يتبنى تصور ذكورى عن العالم تشترك فيه تيارات من الإسلاميين وغير الإسلاميين على حدٍ سواء، وتصور أخر يرى فى حقوق النساء جزءا من حقوق أفراد المجتمع ككل ويرفض الاستغلال والتهميش بكل أشكاله.

●●●

ومشكلة هذه الثنائية أنها تهين النساء وفى نفس الوقت تتعامل مع الشريعة باستخفاف. فتعامل معظم التيارات الإسلامية مع قضايا النساء يذكرنى بتعامل إدارة جورج دبليو بوش واليمين الأمريكى الذى صور الحرب على أفغانستان كمحاولة لتحرير النساء من قبضة طالبان. فى الحالتين يضع اليمين الدينى (سواء كان غربيا أو إسلاميا) الشريعة فى تضاد مع حقوق النساء، فنحن نريد المساواة التى لا تتعارض مع الشريعة وهم يريدون المساواة التى تحررنا من الشريعة وبالتالى فى التصورين تبقى الشريعة وكأنها قيد على النساء. 

وما لا يدكه هذا التيار بطرفيه (الإسلامى و«الغربى») إن الفكر النسوى فى تعدديته قد تجاوز هذه الثنائية. فالمساواة تتطورت من ما يسمى «المساواة كتشابهة» Equality in Sameness لما يسمى «المساواة فى الاختلاف» Equality in Difference. فى الأولى ــ وهو التصور السائد حتى منتصف القرن العشرين ــ المساواة تعنى الحصول على ذات الأشياء دون تمييز، أما فى الثانية ــ وهو ما طوره ظهور تيارات مثل الإسلامية النسوية ونسوية الملونات ــ فالمساواة تعنى مساواة فى الحقوق والواجبات تدرك اختلاف الاحتياجات ووضعية النساء. فمثلاً إعطاء المرأة إجازة وضع مدفوعة الأجر أو كوتة فى الانتخابات يتعارض مع الفكرة الأولى عن المساواة ولكنه فى صميم التصور الثانى لأنه يدرك أن فى محاولة مساواة الطرف الأضعف فى المجتمع تحتاج لبعض إجراءات التمييز الإيجابى ويدرك أيضاً اختلاف الأدوار الاجتماعية للنساء والرجال، ولكن لا يرى فى هذا الاختلاف مدعاة لحرمان النساء من أى من حقوقهن كمواطنات كاملات الأهلية (مثل الحق فى العمل أو الدور السياسى).

أما ادعاء بعض الأسلاميين أن هناك خوفا من المطالبات بحق متساو فى الإرث أو تعدد الأزواج (كما قال لى عضو من أعضاء التأسيسية) فهو عين الاستسهال فى التعامل مع الشريعة والذى يغفل منظور «المساواة فى الاختلاف». فلو أن هذه هى المخاوف من الممكن إيضاح أن قوانين الأحوال الشخصية والتى تطبق على الرجال والنساء سواء، مستمدة من الشريعة (على وسعها) وليس تخصيص مادة حقوق النساء لتكون هى المكان الوحيد التى تذكر فيه أحكام الشريعة، وكأنها  لمنع النساء من الحصول على حقوقهن.

نفس هذا الاستسهال والتفريط فى التعامل مع قضايا النساء والشريعة نراه فى باقى المادة وباقى مواد الدستور. فباقى المادة يذكر «حق الإرث» بالتخصيص وكأنه شكل التمييز الوحيد فى الحقوق الاقتصادية، ويذكر المرأة المعيلة والمطلقات والأرامل وكأنهن مجموعات مصمتة ولا فرق بين من تنتمى لطبقة عليا وعاملات المنازل مثلاً، ويتناسى أيضاً أن أشكال التمييز تتغير حسب الوضع الاجتماعى والمجتمع المحلى فأشكال التمييز الواقعة على نساء البدو تختلف عن الريف تختلف عن الحضر ونساء الطبقة البرجوازية فى مقابل نساء الطبقة العاملة.  وبناءً على هذه الاختلافات التى تتغير بتغير الزمان والمكان، على الدستور تأكيد المبدأ العام فى إقرار المساواة فى الحقوق و التمكين وليس تحديد جمل إنشائية لا تدل إلا على عدم دراية واضعيها بقضايا النساء وعدم إطلاعهم على المداخل المختلفة للتعامل مع التمييز ضد المرأة.

●●●

 فالمعسكران «المدنى» و«الإسلامى» فى التأسيسية لم يتراءى لهما أن يجعلا وضعية النساء وقضايا النوع الاجتماعى من القضايا الحاكمة فى الدستور أو ما يسمى «gender mainstreaming” بمعنى أن تكون فكرة المساواة ليست محصورة فى مادة واحدة مكبلة ولكن أن تشمل الدستور كله ويتم التأكيد عليها فى كل مواد الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية مثل المساواة فى الفرص التعليمية والحصول على الخدمات الصحية والتأمينات والوظائف…إلخ. وهى أشياء على غير ما يتصور البعض يقع فيها تمييز كبير ضد النساء تنبهت له الدساتير الجديدة فتعاملت مع قضايا التمييز ليس على أنها قضية النساء ولكن على كونها قضية المجتمع ككل وبالتالى يجب أن تغزل فى الدستور ككل وليس فقط فى مادة لقيطة.

نعم كرمت الشريعة النساء ولكن أنتم تهينون الاثنين بإصراركم على وضعهم كضدين تماماً مثلما يفعل بعض من «الغرب» الذى ترفضونه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق