الأحد، 24 فبراير 2013

قرارات السيد الرئيس نوعان....... سيف الدين عبدالفتاح

قد يكون من المهم أن نتحدث عن شرعية القرارات والتى تعكس الرضا العام من جانب المحكومين وشعورهم أن منظومة القرارات تعبر عن آمالهم وآلامهم، وقدرة هذه القرارات على تلبية حاجاتهم ومواجهة كل مايتعلق بمعاشهم.
  • القرار هو جزء لا يتجزأ من الإرادة والخيار، وهو كذلك علامة فى مسار تؤكد وجود الرؤية وبناء الاستراتيجية بما يحقق الأهداف العليا للوطن ومصالحه الكلية العامة، وهو كذلك لا بد أن يسكّن ضمن سياسات عامة رصينة ورشيدة.
  • وأخطر ماتتعرض له مسألة القرار، غياب القرار رغم الحاجة الداعية لضرورات اتخاذ القرار، أو بطء القرار وتأخره عن وقته، وهو مايعنى أن صدوره بعد التوقيت المناسب قد يفقده تأثيره وتحقيق الهدف منه، ولذلك قلنا مرارا وتكرارا إن أهم مافى القرار مراعاة فروق التوقيت، فالقرار ابن وقته إن فات زمنه فات أثره وربما أتى بعكسه ولم يحقق مقصده.
  • وكذلك من الضرورى الإشارة الى مدى تكافؤ القرار مع الظرف الذى يصدر فيه والهدف المحدد له إذ يحدد ذلك ليس فقط عناصر ملاءمة القرار بل قدرات القرار لبلوغ الفاعلية الواجبة لأى أثره ومقصوده.
  • وكذلك فمن الخطر أن يصدر القرار دون اعتبار المآل الذى يترتب عليه، وكذلك إصداره فى حالة من التغافل أو الغفلة عن تقدير بيئة القرار وكذلك التحسب لحالات استقبال القرار، ذلك أن القرار فى النهاية يمثل حالة اتصالية بين متخذ القرار وطرف الاستقبال المستهدف من القرار.
 •••

ومن الأهمية بمكان فى هذا المقام أن يصدر القرار من دون الاستشارة الواجبة فى سياق ما يمكن تسميته بصناعة القرار، وأخطر من ذلك أن يصدر القرار من دون استناده الى قاعدة من المعلومات الواجب توافرها بما يمكن للقرار، وربما يحتاج الأمر الى عملية تهيئة وإعداد يحرك مسار الأمور فى مسار القبول أو ما يدل على ذلك من مؤشرات الرضا، القرار إذن لابد أن يصدر مستهدفا الرأى العام والبيئة النفسية والمحيطة به والمتعلقة بسياقاته، وإذا كان هذا فى الأحوال الاعتيادية فإنه فى حل الثورة أوجب.

فى هذا الإطار من المهم أن نؤكد على قرارات متخذة من مؤسسات يجب الوقوف عندها بالتحليل اللازم والتقويم الواجب، لنؤكد أن المؤسسات المنوط بها اتخاذ القرار يمكن أن تقوم بهذه المهمة بالطاقة اللازمة وبالفاعلية الناجزة، كما أن ذات المؤسسة يمكن أن تتخذ من القرارات القاصرة وربما الفاشلة.

•••

تعالوا إذن نتحدث على قرارات الرئيس بشأن المجلس العسكرى وبعض المؤسسات المتعلقة بالوظائف المعلوماتية التى لم تقم بأدوارها فى أحداث رفح التى ترتب عليها مقتل أربعة عشر جنديا من جنود مصر الحامين للحدود فى شهر رمضان الماضى، تمثلت هذه القرارات فى استبعاد بعض القيادات وإعلان دستورى حرّك الأمر صوب ضرورات فتح صفحة جديدة فى العلاقات المدنية العسكرية يضع الأمور فى نصابها بعودة الجيش إلى وظائفه الاعتيادية التى ارتبطت به وحددتها الوثائق الدستورية فى التاريخ المصرى الحديث، بعد أن قام المجلس العسكرى السابق بإدارة وتسيير فى مرحلة انتقالية انشغل فيها البعض بميدان السياسة بكل تشابكاته وتعقيداته أكثر من اهتمامه بوظائفه وأدواره الحقيقية والاعتيادية، وهو أمر مثل عملية جراحية دقيقة أنهت بشكل أو بآخر حال ازدواج السلطة بما يعنيه ذلك من شلل سياسى فى إدارة البلاد.

وفى هذا المقام ايضا لابد أن نشير الى قرارات أتخذت مضمونا وتوقيتا بالشكل المناسب فيما يتعلق بالعدوان على غزة، نوه خبراء ومراقبون بقرار الرئيس محمد مرسى، لسحب السفير المصرى من إسرائيل، احتجاجا على العدوان الغاشم على قطاع غزة وسقوط عدد من الفلسطينيين بين شهيد وجريح.

هذه القرارات أشارت إلى أن مصر اليوم غير مصر الأمس بعد ثورة 25 يناير، وأن جملة القرارات التى اتخذتها الرئاسة بسحب السفير المصرى من إسرائيل احتجاجا على العدوان على غزة والدعوة لاجتماع عاجل لجامعة الدول العربية وجلسة طارئة لمجلس الأمن تعد إجراءات سياسية فاعلة ومؤثرة وقوية.

هذا القرار الذى شهد تعاطفا شعبيا ومن القوى السياسية والمجتمعية رغم حالة الاستقطاب السياسى لتعبر بذلك عن نوعية من القضايا التى تحقق جامعية الوطن ورضا الناس والرأى العام لتشكل حالة من اكتساب الشرعية من خلال القرارات والسياسات إنها قرارات الرضا والجامعية فى سياق شبه إجماع وطنى.

بينما اتخذت قرارات أخرى منتقدة، فى غير وقتها، وبلا ضرورة، فضلا عن مضمونها المثير للريبة والارتباك، الإعلان الدستورى الذى تحرك ضمن خطة أثارت كل مكامن الفرقة والانقسام وفجرت مكامن الاستقطاب من جديد، خاصة أنه صدر بعد مناخ من الحوارات كانت تسير فى سياق بناء رصيد الثقة الواجب للحفاظ على لحمة المجتمع وتماسك الجماعة الوطنية، وبرزت ممارسات أدت الى انسحابات من الجمعية التأسيسية.

كان من الممكن بجهد يسير أن يتحرك الأمر ضمن خطة تفاوضية وتوافقية، وسار الأمر فى مسارات خطيرة بتسريع خطى إخراج الدستور من دون الاستناد الى التوافق الواجب الذى يجب أن تصدر به الدساتير، وسارت المناقشات حول الدستور فى مناخ استقطابى رهيب دخلت فيه الأمور الى نفق مسدود ونسف غير المتفق عليه رغم محدوديته غالب ما اتفق عليه، ومارس الجميع لدد الخصومة،  وكانت طريقة إخراج الدستور فى ليلة تصويتية لا تلقى بالا لكل أصوات تأجيل لبعض أيام أو أسابيع للاستفتاء، وخرجت نتيجة الاستفتاء على النحو الذى أراد كل فريق أن يقرأها من زاويته، قراءة مفعمة بالاستقطاب وصار الدستور كمادة للتوافق والتعاقد مجالا للفرقة والشجار، سلسلة من القرارات حملت رسائل، الأمر المؤكد أنها لم تكن فى مسار جامعية الوطن وتؤجج نيران انقساماته وشظايا استقطاباته.

إن على مؤسسات الدولة وقوى المعارضة أن تتخذ كل مايؤدى الى جامعية الوطن لا تفرقته، ومن نافلة القول أن نؤكد أن مؤسسة الرئاسة تتحمل المسئولية الأكبر فى هذا المقام، لأنها تمتلك مساحات القرار وإمكانات استثمارها فى تمكين مناخ للتوافق وصناعة أدواته.

فماذا عن قرارات أخرى مفتقدة ومنتظرة يمكن أن تسهم فى مسارات الجامعية، وفى ذات الوقت تحدث تجاوبا مع مطالب الشعب، ماذا عن قرارات تتعلق بالحد الأدنى والحد الأقصى للأجور؟، وماذا عن قرارات تتعلق بمكافحة الفساد؟، وماذا عن حزمة قرارات ترتبط بتفعيل المحاسبة والمتابعة لسقوط شهداء؟، وماذا عن قرارات تتعلق بالسياسات الأمنية؟، لماذا نصر على صياغة قوانين مفرقة من مثل قوانين التظاهر؟.

هل يمكننا التفكير وبحق فى منظومة قرارات المفضية للجامعية، الصانعة للتوافقية، المحركة لعناصر الفاعلية.

•••

سيادة الرئيس: أنت قادر أن تتخذ من القرارات الصائبة، فقد اتخذتها من قبل وكانت ثمرتها المزيد من الجامعية والفاعلية والشرعية، وأنت قادر على أن تعتبر من قرارات منتقدة ومرتبكة لاعتبارات تتعلق بآثارها الانقسامية ومآلاتها الاستقطابية، التى نزلت بنتائجها السلبية الى الشارع ولم تبق على مستوى النخبة فى تأثيراتها، وأنت قادر على أن تتخذ قرارات تزيد من اكتسابك للشرعية ونيل رضا الناس هى للأسف مفتقدة ومنتظرة، طال الانتظار لها رغم أن عائدها السياسى متراكم ومضمون فى عملية استثمار سياسية واسعة، وتكلفتها المادية لا تذكر، فقط سيادة الرئيس إجعل همك فى قرارك لا ممارسات غيرك مهما ساءت، واجعل همتك وعزمك فى إرادة القرار، وقرار الإرادة، سيادة الرئيس كن رئيسا لكل المصريين، يكن لك المصريون فى جامعيتهم سندا وظهيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق