الأربعاء، 13 فبراير 2013

الإسلاميون.. من هنا نبدأ (2)!!


فى المقال السابق والذى كان بعنوان (الإسلاميون.. وقشرة الموز)، أوضحنا أن الإسلاميين المؤمنين بأهمية التدرج فى الدعوة والتربية وإصلاح الناس.. ذهبوا إلى الحكم دون فاصل زمنى معتبر بين (نتائج) الماضى و(استحقاقات) الحاضر.. فلم تكن الأنظمة السابقة تلعب وهى تعمل على تثبيت حكمها, فقد قامت بأكبر عملية إبعاد وتشويه لكل ما هو إسلامى ووطنى شريف, وما قامت به الأنظمة السابقة بأن أثره فى كثير من المؤسسات والهيئات, مما يجعل عملية التغيير والإصلاح عسيرة جد عسيرة, والمقاومة لها كبيرة جد كبيرة.
وكان المتصور طبقاً لأدبيات الحركة الإسلامية فى تصورها لمراحل الإصلاح والتغيير أن تبدأ من أسفل لأعلى (من الفرد للأسرة ثم المجتمع وهكذا)، وقد صادفت الحركة الإسلامية نتيجة لمناخ القهر والظلم صعوبة كبيرة فى نقل (حالتها فى التنظيم)، مما هى عليه فى بعض جوانب الخير إلى (حالة فى المجتمع)، وكان المتصور أن تنتفع الحركة الإسلامية بمناخ الحرية بعد ثورة 25 يناير لتعمل جاهدة على نقل تجربتها فى التغيير والتربية (داخل التنظيم) إلى المجتمع، حتى تقل مقاومته للتغيير ويتهيأ أكثر لقبوله, لكنها اعتسفت المراحل واهتمت بمرحلة الحكم بدعوى (أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).. وهذه المقولة للخليفة الراشد عثمان بن عفان بحاجة للتأمل، فلا هى قرآن ولا سُنة, ولا يُمكن العمل بمقتضاها فى كل زمان ومكان, وأحسب أنه أولى أن نقول (إن الله يزع بالقرآن مالا يزع بالسلطان)، فقد حكم بالسلطان الحجاج بن يوسف الثقفى وغيره، فلم يملك القلوب ولم يحقق التغيير.. وحينما امتلك رسول الله القلوب أولاً, سكب أهل المدينة خمورهم حتى شقت قنوات فى الطرقات بغير سلطان إلا سلطان الإيمان..
أم الجرائم
عانت مصر منذ يوليو 1952 ظلمًا وفسادًا وقهرًا واستبدادًا وتخلفًا وترديًا استمر حتى 25 يناير 2011، حين هب الشعب يحطم قيوده وأغلاله، فأسقط رأس النظام ورموزه.. وقد أذاق الله ذلك النظام ذل وعار هزيمة 1967، حينما احتل الصهاينة سيناء وغزة والضفة والقدس والجولان.. لم يكن ذلك النظام يسمح بأى انتماء سياسى إلا للاشتراكية.. وقد غنى عبد الحليم وهو يتهكم على غير الاشتراكى: (يا عديم الاشتراكية.. يا خاين المسئولية)..
فى ظل ذلك النظام حدثت مذبحة للقضاة، فتم استبعاد الشرفاء منهم.. ومذبحة للتعليم فتردى.. ومذبحة للبحث العلمى فتخلفت مصر.. ومذبحة للشرف العسكرى فكانت الهزيمة.. ومذبحة للاقتصاد فافتقر الناس.. ومذبحة للوحدة فاستقلت سوريا عن مصر وكذلك السودان... وهكذا.. كان الأخ يتنصت على أخيه.. يعتقله.. يعذبه.. يقصيه من عمله.. يتخذون من بعض الفنانات سبايا للمتعة الحرام.. قام النظام بتأسيس إعلام فاجر كاذب.. يكذب ويتحرى الكذب فى كثير من أعماله (كان المصريون يتراقصون على بيانات كاذبة تقول بإسقاط مائة طائرة للعدو.. وأن جيشنا على مشارف تل أبيب.. بينما هو فى الحقيقة ينسحب إلى السويس!!) وغير ذلك كثير..
كيف استطاع ذلك النظام أن يفعل كل ما فعله؟.. لقد قام ذلك النظام بأم الجرائم والخطايا.. وكان كل ما حدث من جرائم بعد ذلك (فى السياسة والاقتصاد والإعلام والمجتمع)، هو نتيجة طبيعية لأم الجرائم.. ألا وهى (تجريف الأخلاق) التى أصابت كل قطاع.. وكل مؤسسة.. بل وأصابت كثيرا من المصريين بما فيهم بعض الإسلاميين (وإن كانت بنسب متفاوتة.. إلا ما عصم ربك). 
من هنا نبدأ
 بدأ النبى (صلى الله عليه وسلم) تأسيس رسالته بتربية الصحابة على العقيدة الصحيحة والأخلاق الحميدة، باعتبارهما مدخلاً لكل ما بعدهما, ولا نتعجب أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قد حدد أهم أسباب بعثته ورسالته فى قوله: (إنما بُعثت لأتمم مكارم (أو صالح) الأخلاق ), وفطن لذلك شاعر النيل حافظ إبراهيم فقال: (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا)
 إن كثرة شكاوى الناس من استشراء الفساد فى كثير من المؤسسات والأفراد لا يلزمه (أولاً) سلطة أو دستور أو قوانين (مع أهميتهم).. لأن أى محاولة لإصلاح القضاء والشرطة ومؤسسات الدولة والتعليم والثقافة والصحة والخدمات والأحزاب والإعلام... إلخ... لن تنجح إلا إذا عالجنا أصل المرض (لا ظواهره فقط أو أعراضه) بالبدء بالأخلاق... وأصبح على (الدعاة) عبء تنظيف ما خلفته السياسة والحزبية من آثار – منها – الشقاق المجتمعى والتجريف الأخلاقى.. وأصبح من المعلوم أن التيار الإسلامى قد تلقى إساءات بالغة بعد دخوله معترك السياسسة والحزبية، لم يتلق مثلها فى تاريخه.. ويمكن لنا أن نلحظ أيضًا أكبر رافد (تاريخي) للحركة الإسلامية كان الطلاب, ويمكن لأى متابع ملاحظة انصراف كثير من شباب الجامعات عن الالتحاق بالجماعات الإسلامية لصالح التيارات اليسارية، والتى تحصد أتباعًا كُثر بالمناطق الفقيرة أيضًا..
ما الحل المقترح؟
 إن إصلاح ذلك يحتاج إلى مربين ودعاة وقدوات.. يمهدون الطريق لأى إصلاح سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى, المشكلة أن كثيرًا من المربين والدعاة اختاروا العمل الحزبى والسياسى اعتقادًا من بعضهم أن الإصلاح يأتى من أعلى لأدنى!
لذلك أحسب أن الحل يتلخص فى أن تعمل التيارات الإسلامية فى ميدان السياسة بقواعد السياسة, فقد أصبح مكررًا إلى حد الملل مطالبة السلطة بتقديم النموذج الإسلامى الذى يبسط رداءه ليرفع الجميع أحجار الوطن للبناء معًا, وتحقيق شراكة حقيقية تعتمد رؤية وإستراتيجية تنهض حقيقة بالبلاد..
وحين تعمل التيارات الإسلامية فى المجال الدعوى، يكون ذلك بقواعد الدعوة وأدبياتها من خلال رجال ونساء وشباب وفتيات يهبون أنفسهم للدعوة والتربية دون سواها, بقدوة وعلم وتجرد وإخلاص.. يقدمون الخير للناس.. ويساعدونهم فى كل مجال بما فيه المأكل والمشرب والعمل.. لا يقولون لهم نحن (كذا) ولا تحت لافتة (كذا)، ولا يقدمون لهم شنطة (مطبوع عليها اسم كذا).. ولعلهم يقتدون بما كان يفعله المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حين كان يحمل عن المرأة وهى لا تعرفه.. بل وتحذره من اتباع محمد, ولعلهم يقتدون بما فعله أبو بكر وهو يذهب لامرأة (عمياء قعيدة) يخدمها لأكثر من عشر سنوات، فلا تعرفه.. من هنا تتنزل الرحمات.. من هنا يأتى التوفيق.. أما الحزبية فيتركونها لغيرهم.. ولا مانع أن يكونوا من الإسلاميين.. فالحكم ليس محظورًا عليهم ولا السلطة.. الخطر فى أن تحل السلطة محل الدعوة فى الفكر والاهتمام والحركة والوقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق