الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

حتى أنت يا بروتس .. إذا ..! ……………..د . نسرين القاضى

لو كنت من قارئي الأديب الإنجليزي العبقرى شكسبير فلابد أنك توقفت طويلا أمام قصة تعد من أشهر قصص الخيانة في التاريخ قصة مقتل يوليوس قيصر الذى قتل غيلة وغدراو لكن دعنا نبتعد عن زحام المشهد المأساوى و نركز فقط على المشهد الأشهر, عندما ينظر القيصر حوله فيجد الطعنة القاتلة قادمة من صديقه الحميم بروتسويقول له جملته الأثيرة (حتى أنت يا بروتس .. إذن فليمت قيصر الروم(!
و كأنه لم يكن يعنيه أن يقتل ولم يعنِه الغدر قدر ما كان يعنيه الطعنة المعنوية التى أتته على يد صديق عمره فاعتبرها هى ما قتلته فعليا !كلنا ننظر لهذا المشهد من زاوية القيصر بل وربما ذرفنا الدمع وخاصة لو تذكرنا موقفا مشابها من خيانة صديق فتمس هذه الكلمات شغاف القلب الموجع
 
و لكن من منا يذكر رد بروتس عليه يومها:
(صادقتك من أجل الإمبراطورية الرومانية وقتلتك أيضا من أجل الإمبراطورية الرومانية)!
 
و لو غضضنا الطرف عن مدى مصداقية كل منهما فعلى هذا خلاف كبير من الناحية التاريخية فإني أفسر تأثرنا بالعبارة الأولى دون الثانية على أنه حاجة كل منا للشعور بالرثاء للنفس، وعدم مصداقيتنا مع أنفسنا وعدم القدرة على تقبل فكرة أن الناس ربما يتخذون منا مواقف لا ترضينا أو حتى تصدم مشاعرنا، لا لأننا مضطهدين أو لأننا المظلومين فى الأرض!! بل ربما يكون هذا لأننا أسأنا التصرف بشكل أو بآخر.
فقليل منا من يملك نعمة التجرد، و التسامي فوق المشاعر التى تعرقل مسيرة التطور الإنساني والتى تعوق الإنسان عن النقد الذاتي الذى يقوده نحو الأفضلية ولا أقصد بهذا أن نصبح مجرد آلات مجردة من المشاعر والأحاسيس، فالمشاعر موجودة طالما وجد الجنس الإنساني.
 
و لكن أقول :لا صوت يجب أن يعلو فوق صوت العقل والمنطق؛ طالما أن الإنسان قرر أن يخوض معركته نحو السمو والفضيلة
ولكن للأسف نحن أمة صار التعصب جزء من منظومتها القيمية شئنا أم أبينا لكل شئ، لذواتنا وعائلاتنا وانتماءاتنا وحتى ديننا.

و لدى كل منا نظارة سحرية !فهى مكبرة عندما تنظر إلى أخطاء الآخر، وتتحول وبقدرة خارقة إلى أخرى مصغرة أو حتى معتمة عندما تتطلع إلى أخطاء الذات أو إلى أخطاء من أو ما يمت لنا بصلة.

وقد تتساءل أيها القارئ العزيز ما دخل قضية التعصب الأعمى والنقد الذاتى (وكل الكلام الكبير ده!!) بالجملة البريئة الواردة في أول المقال؟!!

أقول لك اعتبرها هلوسة شابة شابت قبل الأوان من كل صور وألوان التعصب التى قابلتها فى حياتها القصيرة و التى ربما يتم التفصيل فيها فيما بعد !

أو لك أن تعدها علامة تعجب كبيرة مرسومة تحت لوحة ضخمة لأمتنا التى رباها الله على النقد الذاتى حين قال :(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) و قد منحنا الخيرية لهذا، و هو ليس فكرا فرديا، ولكنه فكر ينعكس على المؤسسات والمنظمات الاجتماعية أيضا بداية من الأسرة و حتى الجماعات و الدول.

و الآن وبعد كل هذا ..هل لا زلت تردد قارئى العزيز (حتى أنت يا بروتس .. إذا(
إذا فلا نلومن إلا انفسنا !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق