الأحد، 18 ديسمبر 2011

من ملامح دستورنا القادم….. معتز بالله عبد الفتاح

حين ثار الجدل بشأن الدستور، كتبت مقالا فى جريدة «الشروق» بعنوان «فلسفة التعديلات الدستورية» جاء فيه حتى لو قلنا «نعم» للتعديلات الدستورية فإن «الحق فى دستور جديد لم يزل قائما: التعديلات لا تلزم الرئيس الجديد أن يغير الدستور، لأنه من الوارد أن يكون دستور 1971 كافيا لتحقيق التوازن المطلوب؛ فالدستور الحالى بعد إقرار التعديلات يقترب بنا من الدستور الفرنسى عبر رئيس له صلاحيات واسعة وبرلمان نزيه يوازيه ويراقبه. وإن قرر المصريون أن هذا لا يكفى فإجراءات تعديل الدستور بالكامل لم تزل قائمة لاحقا». وكتبت فى مقال لاحق أننا لو غيرنا فقط فى 8 مواد من دستور 1971 فسنكون مثل النظم المختلطة (أى الرئاسية البرلمانية، أو شبه الرئاسية) كفرنسا والبرتغال وأوكرانيا. وهذا يكفينا ولننجز ثورتنا بأيدينا فى أسرع وقت ممكن متشابهين فى ذلك مع الثورات التى كانت إنجازاتها سريعة على نمط الثورة البرتغالية فى عام 1974.

 المهم ولمن يعنيه الأمر، واستكمالا للنقاش العام الدائر حول هذا الموضوع، تواصل معى عدد من الأصدقاء ممن يرون أن دستور 1971 ليس معيبا لهذه الدرجة، ويمكن إدخال بعض التعديلات عليه لتجاوز الجدل القائم بشأن كتابة دستور جديد وكأن كتابة الدستور الجديد هى قيمة فى حد ذاتها، وقد تكون بالفعل كذلك من وجهة نظر البعض. وبالنظر إلى دستور 1971، فإن أبوابه الأربعة الأولى فيها الكثير مما يمكن الإبقاء عليه مع طرح بعض التعديلات بما يتناسب مع روح المرحلة الجديدة، بيد أن العوار الحقيقى يتركز فى الباب الخامس الخاص بنظام الحكم، فضلا عن أهمية أن تتوافق الجمعية التأسيسية على صياغة الباب الأخير الخاص بأحكام الفترة الانتقالية الخاصة بتاريخ الانتخابات الجديدة لمجلس الشعب وللرئاسة. إذن اقتراحاتى المتواضعة على النحو التالى:

فيما يتعلق بالمادة (87) من دستور 1971 والتى تقول فى نصها السابق: «يحدد القانون الدوائر الانتخابية التى تنقسم إليها الدولة وعدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين، على إلا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضوا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، ويكون انتخابهم عن طريق الانتخاب المباشر السرى العام. ويبين القانون تعريف العامل والفلاح».

وأقترح مكانها ما يلى: «يحدد القانون الدوائر الانتخابية التى تنقسم إليها الدولة وعدد أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين، على ألا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضوا لكل منهما، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين لمجلس الشعب، وأن يكون كل أعضاء مجلس الشورى من الحاصلين على درجة البكالوريوس أو الليسانس أو ما يعادلهما على الأقل، ويمثل فى مجلس الشورى بنسبة لا تقل عن 5 بالمائة المصريون المقيمون بالخارج. ويكون انتخاب أعضاء المجلسين عن طريق الانتخاب المباشر السرى. ويبين القانون تعريف العامل والفلاح على نحو يضمن سلامة تمثيل هاتين الفئتين دون غيرهما».

ولا يحق لرئيس الجمهورية أن يعين فى مجلس الشعب أو الشورى أى عدد أو نسبة من الأعضاء. ومع ملاحظة أن تكون صلاحيات المجلسين متوازية مثلما هو الحال فى حالة المجلسين الأعلى والأدنى فى فرنسا. ولكنهما يجتمعان فى اجتماع مشترك عند مناقشة قضيتى إقرار الموازنة وطرح الثقة بالحكومة. والجمع بين أعضاء المجلسين ضرورى فى هذه الحالة لأن إقرار الموازنة وطرح الثقة بالحكومة أمران جليلان. وعليه لا بد من تعديل المادة 128 التى هى بصيغتها الحالية فى دستور 1971 تقول: «إذا قرر مجلس الشعب سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو نوابهم وجب عليه اعتزال منصبه. ويقدم رئيس مجلس الوزراء استقالته إلى رئيس الجمهورية إذا تقررت مسئوليته أمام مجلس الشعب.»

****
إذن كى نقترب من النظام الديمقراطى شبه الرئاسى الذى أظنه أصلح لنا فعلينا تعديلها لتصبح:

«إذا قرر أغلب أعضاء مجلسى الشعب والشورى فى جلسة مشتركة سحب الثقة من رئيس الوزراء أو أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو نوابهم وجب عليه اعتزال منصبه. ويقدم رئيس مجلس الوزراء استقالته إلى رئيس الجمهورية إذا تقررت مسئوليته أمام مجلس الشعب».

ويمكن أن يظل أمر طرح الثقة بيد مجلس الشعب منفردا لكن بشرط ألا يتم طرح الثقة إلا بعد وجود حكومة أخرى قد تم بالفعل الموافقة عليها بأغلب الأعضاء كما هو فى النظام الألمانى. وهو إجراء يسميه الدستور الألمانى تصويت طرح الثقة البناء (المادة 67 من الدستور الألمانى).

ولا بد من توضيح أن هناك وجهة نظر أخرى محترمة بشأن الحاجة لمجلس الشورى من الأصل حيث إن هناك دولا موحدة (أى ليست فيدرالية) لا يوجد فيها سوى مجلس واحد (تركيا، إيران، إسرائيل)، وأخرى موحدة يوجد فيها مجلسان كنوع من تقسيم العمل (إيطاليا، اليابان، فرنسا). والأمر قطعا مفتوح للنقاش. وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن مسألة تقسيم المجتمع على أساس عمال وفلاحين فى مقابل فئات قد تجاوزها الزمن. وليطلق العنان للعمال والفلاحين كى يكونوا الأحزاب التى تعبر عن مصالحهم.

ولا بد كذلك من وضع قيود على الصلاحيات الاستثنائية لرئيس الجمهورية فى الدستور السابق؛ فلا بد من تعديل المادة (137) من دستور 1971 والتى تنص على: «يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويمارسها على الوجه المبين فى الدستور،» لتصبح: «يتولى رئيس مجلس الوزراء السلطة التنفيذية، ويمارسها على الوجه المبين فى الدستور. وكذلك المادة 138 لتصبح: «يضع رئيس مجلس الوزراء بالاشتراك مع مجلس الوزراء السياسة العامة للدولة ويشرفان على تنفيذها على الوجه المبين فى الدستور».

كما أنه لا بد من وضع قيد على حق رئيس الجمهورية استدعاء وحدات من القوات المسلحة فى الحياة السياسة، لذلك أقترح إضافة مادة للفصل الخامس من الباب الخامس الخاص بالمحكمة الدستورية العليا يقول: «كما يحق للمحكمة وحدها أن تطلب تدخل وحدات من القوات المسلحة لإعادة الأمن والانضباط بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو أغلب أعضاء مجلس الشعب. ويصدر قرار الاستدعاء بعد موافقة أغلب أعضائها على أن هناك ما يهدد عمل مؤسسات الدولة والمبادئ الواردة فى الدستور. ويكون طلب تدخلها محددا بتكليفات واضحة ولفترة زمنية محددة لحين زوال التهديد المشار إليه.»

وأعرب عن انحيازى كذلك للمادة 13 من دستور 1923 والتى تنص على: تحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقا للعادات المرعية فى الدولة المصرية على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافى الآداب.

ولا بد من تفعيل إجراءات محاكمة الوزراء، وأقترح من دستور 1954 الذى لم تَتَبَنَّهُ حكومة ثورية يوليو مادتين خاصتين بمحاكمة الوزراء:

مادة 120: لكل من مجلسى البرلمان من تلقاء نفسه أو بناء على طلب النائب العام حق اتهام الوزراء فيما يقع منهم من الجرائم بسبب تأدية وظائفهم والوزير الذى يتهم يوقف عن العمل إلى أن يقضى فى أمره ولا يمنع استعفاؤه من إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار فيها.

وتكون محاكمة الوزراء أمام المحكمة العليا الدستورية وفقا للأوضاع والإجراءات التى ينص عليها القانون.

ويطبق فى شأنهم قانون العقوبات فى الجرائم المنصوص عليها فيه، وتبين فى قانون خاص أحوال مسئولية الوزراء التى لم يتناولها قانون العقوبات.

مادة 121: لا يجوز العفو عن الوزير المحكوم عليه من المحكمة العليا الدستورية إلا بموافقة كل من مجلسى البرلمان.

***

طبعا ولا بد من إدخال تعديلات أخرى لتتناسب مع التعديلات المذكورة حتى يستقيم السياق العام. هذا اجتهاد، ومن جاء بخير منه قبلت به، وأيدته، وليكن لسان حالنا: «ليس مهما إن كنت أنا أو أنت على صواب أو خطأ، المهم ألا تكون مصرا على خطأ».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق