الأحد، 15 يناير 2012

نحو استرداد الكرامة للمواطن واستعادة المكانة للوطن…….بقلم: د/ سيف الدين عبدالفتاح


أشرنا الى هذا الشعار المهم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير "استعادة الكرامة للمواطن واسترداد المكانة للوطن" ولكن من دون توقف، حان أوانه ووقت الحاجة الى بيانه.
استعادة الكرامة للمواطن تعنى تكريم كيانه وبنيانه، وجوده وأمانه، فاعليته ومقامه ومكانه، كرامة وتكريم للإنسان لاينازعه فيهما أحد ولاينزعهما عنه أحد كائنا من كان، إنه تكريم إلهى من غير إذعان لايجعله عبدا، وتكريم من غير طغيان لايجعله متجبرا أو وحشا. ومن هنا كان هذا الشعار العبقرى الذى رفعه الشعب والجماهير والشباب لأنه كان عين الكرامة بمكوناتها ومكنوناتها:عيش، كرامة، حرية، عدالة اجتماعية 

وأول عناوين هذه الكرامة هو حماية الكيان إذا انتهك أو حرمة أهدرت أو دماء أريقت بدون وجه حق. "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، عنوان الكرامة فى هذا المقام هو القصاص، "ولكم فى القصاص حياة". لأنه لوتجرأ كل أحد على أى أحد لهانت النفوس وأهدرت الدماء، وانتهك القوى بطغيانه حق الحياة الكريمة لكل إنسان، لأن الكرامة تمنع أى انتهاك بالقتل المادى العضوى لأنها كبيرة الكبائر، أو القتل المعنوى المجازى بالقهر والإذلال، إنها معادلة القتل والإحياء، القصاص هو عين التكريم وكرامة الإنسان ولكل الناس، لأنه جزاء ومؤخذة لامبادأة بعدوان ومناجزة، القصاص حركة دفع وحياة حتى لا تفسد الأرض، القصاص لا يكون إلا باستحقاق وعدل، الاقتصاص والثأر شريعة الفرد، أما القصاص الحق هو شريعة المجتمع لأن فيه حياته وإحياءه، هو حفاظ على معانى الإنسانية فيه التى ترى كمالها فى نظام النفس المفضى الى نظام الحياة بأسرها، القصاص ليس قتلا، ولكنه فى مواجهة قتل الجريمة والظلم والاعتداء والاستخفاف بالأرواح والحرمات، والقصاص بحق هو سيادة القانون والمساواة أمامه وهيبة الدولة وفاعليتها لمواجهة أى اعتداء أو عدوان على الحياة أو الكيان، القصاص فى كل ضروب الأنتهاك، القتل أعلاه وهو أولى بالمواجهة، وماهو دونه أولى بالمتابعة، القصاص مقرون بكرامة الانسان وحضارة العمر ان، حياة اجتماعية ومجتمعية، وحياة سياسية وتنظيمية، وحياة أدبية ومعنوية.

إن صاحب كل سلطان، ومسيرة كل طغيان فى قتل المواطن والانسان إن ماديا أو معنويا أمر يستحق القصاص العادل الناجز الفعال من غير مواربة أو تأجيل أو التفاف أو انحراف الميزان بإخسار أو طغيان.

وحينما يأتى العدوان ممن تكون وظيفته أمان الكيان والانسان، فإن القصاص حق المجتمع الذى يجعله فى مسئوليته الاجتماعية والمجتمعية "فكأنما قتل الناس جميعا"، "فكأنما أحيا الناس جميعا"، إنها كرامة الانسان. إن القيام بمهمة القصاص للشهداء والمصابين والذين ازدادوا بأفعال غاشمة طاغية استخفت بالمواطن والكيان أمر من صميم استرداد كرامة الانسان، ولم يعد مقبولا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التعامل على هذا النحو من الاستخفاف أو الاستهانة بكرامة الانسان أوحياته الكريمة، إن ثورة أرادت أن تسترد هذه الكرامة للمواطن لا يمكن أن تسكت عن القصاص ، الذى فيه معنى حياته وكرامته، ومحاسبة من أهدر الدماء أو أسقط الشهداء، الذين هم فى حقيقة أمرهم "شهداء" على تكريم الانسان أو انتهاك كرامته من أى أحد ومن كل طريق.


استرداد مكانة الوطن التتويج الحقيقى لاستعادة كرامة المواطن. إننا أمام صناعة الثورة المصرية الحقيقية، الصناعة الثقيلة للكرامة والمكانة معا. مكانة مصر فى مكانها وزمنها وإنسانها، مصر التاريخ والذاكرة والرصيد الحضارى، مصر الجغرافيا وعبقرية المكان، إنها ليست مجرد موضع بل هى موقع ومكانة، ومصر الإنسان تعنى ضمن ماتعنى أن مكانة مصر الحقيقية فى كنزها البشرى وتحويله إلى طاقة نوعية وفاعلية كيفية مؤثرة. ذلك أن الرئيس المخلوع كان ينظر الى المواطن ـ الإنسان بكونه عبئا وعالة، كان هذا التصور بداية مسيرته فى الاستبداد والفساد، الاستبداد يأكل حرية الإنسان وكرامته، والفساد يتآكل فيه كيان الإنسان وفاعليته، وبدلا من أن يحفظ الرئيس المخلوع هذه الأمانة الإنسانية الكبرى احتقرها وبددها، ولم يعتبرها مجال تعمير واستثمار، وقاعدة تنمية استدامة واستمرار.

وتقزمت مكانة مصر والمصريين، وتآكلت المكانة من كل طريق، وحبسها فى قمقمه المستبد، وحاصرها بمسارب فساده العائلى وبطانته السياسية، وجعل مقاسه على ضآلته مقاسا لمصر، وجعل من شرم الشيخ نقطة ارتكازه ومحور نشاطه، حول مصر بطاقاتها وامتدادتها إلى إمارة شرم الشيخ لا يراها إلا ضيعته، فضيع مكانة مصر بسياسته وضيق أفق حركته، إنها النظرة حينما تضيق وتنحسر فلا يرى مصرإلا فى موضع حدده فى شرم الشيخ، فضاق أفقه عن سعة الموقع والمكانة فى مصر.
مصر لن تكون بحجم أى إنسان أو أى قوة سياسية كانت أم غير سياسية أو أى فصيل يستبد بها فيضيق بسعة مكانتها، وتضيق مكانتها بهؤلاء جميعا، لأن المستبد لا يرى إلا نفسه. لمصر مكانة أكبر من أن تحصر حركتها أو مكانتها فى خدمة مؤسسة أيا كانت وأيا كان دورها، والمؤسسة العسكرية ليست استثناء ولا خروجا على هذا القانون، وهذه المؤسسة المهنية حتى تحقق غاياتها وفاعليتها لابد أن تكون فى خدمة الوطن، لايخدمها الوطن.

مصر بمكانها تتحرك صوب سعة تستشرفها، تشرف فيها على آسيا وأفريقيا، وهى فى قبالة أوربا، يقصدها كل العالم ولايستطيع أن يتغافل عنها أويقفز عليها، حركة مصر وفاعليتها لاتنحصر فى محور ضيق، دول الخليج ليست هى سعة المكانة لمصر، وهذه الدول فرادى أو مجتمعة لن تستطيع أن تمنع مصر ولا شعبها ولا ثورتها من استكمال الأهداف أو المكتسبات أو المطالب فإن عجلة التغيير دارت ولن تتوقف. درس المكانة يدل أيضا على عمل المكانة، عمل بحجم مكانة مصر ومقامها وقوامها، إن مصر تستحق عملا كبيرا بحجم فاعليات المجتمع وطاقته، وشعب مصر وتنوعه، وإن أى محاولة للتقزيم ستبوء بالفشل الذريع لأنها حابسة لمكانتها وفعاليتها، لعزتها وكرامتها. إنه خط تبدأ فيه مصر من عالم الإمكانية حينما يتحول الى مكنة وقدرة ومكانة، وعالم المكانة حينما يترسخ فى عالم الفاعلية والتمكين.

إن القيمة المضافة التى أضافتها ثورة مصر تمثلت فى عبقرية الميدان التى ولدت من رحم عبقربة المكان، التى أشار إليها جمال حمدان، فهل يمكن أن تلحق عبقرية البرلمان وتلتحق بكل اصول المكانة والمكان؟، هل يضبط البرلمان إيقاعه على إيقاع الميدان وثورته، وشعب ونهضته، وثورة مكاسبه ومطالبه وغايته؟.

إن من يحاول تدنيس الميدان لا يؤتمن على كيان أو إنسان مصر، أو مكانة وطن، إن من يحاول تشويه الميدان لا يريد الخير بمصر أو بعبقرية شعبها العظيم، إن من يحاول تجريد الميدان من قوته و قدرته إنما يجرد الكيان من كرامته و الوطن من ثورته و مكانته. إكتشاف الميدان حقق أمرا ليس بالقليل ولا يزال ينتظره الكثير، الميدان أثبت أنه يستعصى على الإستيعاب، انه يستوعب ولا يستوعب. حركة الميدان بإيقاعه الثورى فى منظومة الثمانية عشر يوما يمكن أن تسترد، لأن فى إستردادها بداية طريق لنهضة مصر والحفاظ ليس على عبقرية مكانها فقط بل عبقرية مكانتها أيضا.
المستبد لم يعد يستطيع (فردا كان أو عصابة أو مؤسسة أو فصيل و قوى سياسية) الإستبداد بمصر المستقبل، لأن مصر بشعبها الممتد والمتنوع وبعمق رصيده الحضارى وباتساع أفقه المستقبلى ستضيق به.


ومصر فى سعة مكانتها لن تكون على مقاس اى مؤسسة منها وفيها حتى ولو كانت تلك المؤسسة هى المؤسسة العسكرية. مصر الثورة أرادت أن تسترد المقام والمكان والمكانة، فى مصر الثورة تحدثت مصر عن نفسها وتحدث الميدان فى رمزيته عنها ليؤكد أن هذه مصر الوطن التى أريد. المصرى ثروة مصر وثورة مصر هى ثروة المصرى.

إلى كل من يهمه الأمر، ويطل برأسه من جحور الدولة العميقة التى تحاول الالتفاف على الثورة أو تحاول إضعاف مناعة هذا الشعب فى مواجهة الاستبداد: إننا سنصنع مصر التى نريد مكانتا، وسنحفظ للمصرى الذى يبنيها كرامة، وسنتحرك من عبقرية الميدان وصلا بعبقرية المكان بلوغا لعبقرية المكانة.
حفظ الله مصر لانها الكنانة، وفى كنانتها الكثير، مصر الكنانة مكانة. مصر لم تكسر أو تستعبد، درس مصر الثائرة والناهضة فى الخامس والعشرين يجب أن تتعلمه الدنيا ويتدبره الناس، فى الخامس والعشرين من يناير القادم ستبدأ مصر مسيرة لن تتوقف لاسترداد الكرامة للمواطن، واستعادة المكانة للوطن.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق