السبت، 23 يوليو 2011

دور المرأة السياسي والدعوي في الإخوان…. عصام تليمة


للمرأة دور كبير في الإسلام منذ بزوغه، وإعلان محمد صلى الله عليه وسلم الدعوة إليه، والإيمان به، فكان أول صوت آمن به، واحتضنه، وكان بمثابة حصن داخلي يخفف عن الآلام والمتاعب هو صوت امرأة، إنها أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها. وعلى مر العصور كان ولا يزال للمرأة دور كبير، يبرز تارة ويخفت تارة أخرى، ولكن يظل تقويته وترشيده واجب الحركة الإسلامية في كل زمان ومكان.


وجماعة الإخوان المسلمين ليست كيانا غريبا عن هذه المنظومة الدعوية، فمنذ أسس الإمام حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928م، لم يغب عن فكره أن يكون للمرأة المسلمة دور مواز مع الرجل في الجماعة، فأسس عام 1352هـ ـ 1932م قسم الأخوات المسلمات، وقدم للأخوات مسؤولتهن، وهي الحاجة لبيبة هانم أحمد رحمة الله عليها، بتقديم طول رائع لا يتسع المقام لذكره، وفعل ما لم يجرؤ أن تفعله جماعة إسلامية آنذاك، فقدم خطابا من المسؤولة للأخوات المسلمات، مرفقا مع الخطاب صورة المسؤولة.
وانطلق قسم الأخوات في جماعة الإخوان بقوة ملحوظة، وبلغ أوج نشاطه وفهمه، وتوج هذا النشاط برسالته الأولى للأخوات المسلمات، وهي رسالة (مع المرأة المسلمة) وكان ذلك في أكتوبر 1947م، وقد ورد في هذه الرسالة برنامج صريح، وتصريحات قوية عن رسالة الأخوات المسلمات منها:

أولا: محاربة النظام الحاضر، والمذاهب المعاصرة القائمة، وتصحيح الأوضاع الحالية، سواء من وجهة نظر المجتمع للمرأة، والإقرار لها بحقوقها كاملة، والنظر إليها نظرة الاحترام والتقدير الواجبة، وذلك عن طريق خطوتين: إحداهما إيجابية، والأخرى سلبية.
فالإيجابية: أن جهودنا ستأخذ شكلا عمليا يتجه إلى البناء بالتكوين والتربية، أي بالعمل على تكوين المجتمع الصالح، وبالتالي تقديم نماذج للمرأة المثالية، لتحققه بالمبادئ التي تريدها وتدعو إليها.
والسلبية هي أننا سنعبئ الجهود ونوجهها إلى نسف قواعد النظم الحاضر بما فيها من إباحية وفسق وفجور، وتمرد على قواعد الخُلُق والفضيلة، ومعنى ذلك كله بالواضح الصريح:
(إعلان الثورة على النظم القائمة، وتجنيد المرأة لقيادة هذه الثورة، وتحقيق الغاية الإصلاحية المطلوبة) سنثور لحماية المرأة، وصيانة أعراض الأمة، والمرأة نفسها هي التي ستحمل علم هذه الثورة لإحداث الانقلاب الذي سنهيئ له، سنحرض المرأة على الثورة حتى تثور، وذلك بتنويرها، وإماطة اللثام عما يخفى عليها من الحقائق المستورة، وسنقنعها بأن بقاء هذه الحال إصرار على المضي في سياسة امتهانها وتحقيرها، والاتجار بشرفها، واعتبارها متاعا يباع ويشترى، ويعرض ويباح حيث يهوى الفجرة المخادعون، وأنها بذلك الوضع المهين تخسر كل الميادين ولا تكسب شيئا.
تلك خطوة رئيسية، ومادة أساسية في رأس المنهاج، ثمارها تعبئة المرأة لقيادة النهضة النسائية السليمة، وإعدادها لهذه القيادة.

ثانيا: إعلان حقوق المرأة الإنسانية، وتسليمها زمام قيادة النهضة النسائية، على أساس نظام عام مستمد من دستورية القرآن، وروح النظام الإسلامي، بأن يشمل هذا الإعلان تقرير حريتها الصحيحة، ومنحها حقوقها الطبيعية العامة والخاصة، والاعتراف بمبدأ مساواتها بالرجل في الحقوق الإنسانية العامة التي لا تتعارض مع أداء وظيفتها الخاصة في المجتمع.

ثالثا: تحديد رسالة المرأة الإصلاحية، ووظيفتها الاجتماعية، وهي:
(تكوين المجتمع الصالح وتعهده في حراسة الفضائل الاجتماعية العليا)
 وهي بهذا التحديد قانون جامع، ومعنى واسع، ينسحب على كل ما يمكن أن نستحدثه من التعبيرات، أو تتطور إليه المطالب والحاجات، ما دامت نامية في ظل المثل الأخلاقية العليا، فإذا جندنا المرأة في أعمال البر والخير، وأطلقناها في ميدان النشاط الاجتماعي في أي صورة من صوره، كان ذلك داخلا في رسالتها. وإذا أسندنا إليها القيام بمهمتها الأصلية الطبيعية في البيت، كزوجة وأم صالحة تقدم الفرد النافع الذي تتكون منه الجماعة، كان هذا من صميم رسالتها.
وإذا ساهمت في أي ميدان من ميادين العمل الذي يناسبها ويتلاءم مع طبيعتها، فإن هذه المساهمة عمل تؤدي به جزءا هاما من رسالتها. وإذا تقدمت لحمل أعباء الجهاد الوطني، وشاركت بجهودها وبعقلها وبثقافتها وبتجاربها وخبرتها وبكل صور المشاركة التي تناسبها، ولا تتعارض مع روح الدستور الإسلامي العام، وإذا هبت للمطالبة بحقوقها التي اعترف بها الإسلام، ونظمت طرائق الجهاد لإقرار هذه المبادئ، وتطبيقها عمليا، والثورة على ما عداها من مذاهب الظلم والفوضى الاجتماعية، كان ذلك أول واجب رئيسي تحث عليه رسالتها، وتأمر به.

رابعا: تعهد نظام الأسرة عن طريق التشريع، وتعهد المرأة نفسها وحمايتها بقوة القانون).
ثم حدث ما حدث من صدام عنيف بين الإخوان وثورة يوليو، أدى إلى انحسار تواجد الإخوان رجالا ونساءا، ثم عادت الصحوة الإسلامية في مطلع السبعينيات، وأعادت الحركة إلى الحياة، لكن بدون تواجد قوي للمرأة، بحكم ظروف معينة حكمت المرحلة، حيث الميل إلى التحفظ الشديد في مشاركة النساء في العمل الدعوي العام، أو السياسي، وأصدر الإخوان فيما بعد وثيقتهم عن المرأة، وبدأ ينمو عمل المرأة السياسي والدعوي والخيري العام شيئا فشيئا، وبدأت تبرز تجارب تحتاج إلى رصد ودراسة، للوقوف على العقبات والحلول.
وقد حاولت رصد تجارب الإخوات المسلمات خارج مصر، حيث إنهن الأسبق في التحرك، والعمل السياسي، في الفترة الآونة، وبخاصة في الأردن، وقبلها السودان، ثم الكويت، وقابلت بعضا ممن أسسن العمل السياسي للجماعة، وقمن بدور كبير فيه، في الأردن والكويت فقط، حسبما تيسر لي، ولم أتمكن من الوقوف على تجربة السودان، وهي تجربة تعد الأقوى في العالم العربي والإسلامي، وكانت معظم هذه التجارب تبدأ قوية، عندما تمنح المرأة صلاحيات في التحرك، وتفهما من المسؤولين، سواء تفهما في المواقف الفقهية، أو في المواقف الإدارية، وفجأة يحدث يهبط بعض الرجال بالباراشوت، ليحجم دور المرأة، لأسباب منها ما يعود للطبيعة القبلية التي تحكم بعض المناطق، ومنها لطبيعة بعض الرجال الأزواج، مما حدا بإحدى المسؤلات عن العمل في دولة خليجية وقد منعها زوجها من ممارسة النشاط، أن تعتزل العمل السياسي بناء على توجيهات الزوج، مختتمة عملها السياسي العام بمقال عنوانه: (وإذا الموءودة سئلت) إشارة إلى قوله تعالى: (وإذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت) تعريضا بما حدث لتجربتها السياسية بالوأد.

هناك بلا شك معوقات أعاقت الدور السياسي والدعوي العام للمرأة في جماعة الإخوان، 
وأولها: الخوف الأمني على المرأة، فالهاجس الأمني، والخوف على تعرض المرأة للمساءلة الأمنية، والمضايقات الأمنية كان يعد حائلا كبيرا، ومانعا رئيسيا من خوف الإخوان من الدخول في مغامرة إنزال المرأة الإخوانية في ساحة العمل السياسي. وقد تغير هذا العامل والحمد لله.
ثانيها: هيمنة الرجال على العمل، فالرجال مسؤولون عن كل ما يخص المرأة، منهجا، وتخطيطا، ومسؤولية، وربما كان مقبولا في مراحل سابقة، لكنه لا يقبل بحال الآن، فالمرأة في الإخوان المسلمين تمتلك قدرات لا حدود لها، لو أتيحت لها الفرصة، وقد أثبتت انتخابات عام 2005م عن تفتق أذهان النساء عن عقول ماهرة استطاعت أن تتغلب على ممارسات الأمن للتزوير، فالمرأة التي جلبت السلم لترتقي عليه لشباك حمام اللجنة ومنه للجنة، بما في الأمر من تفكير ومغامرة، لا شك دلالة بسيطة على وجود عقليات وقدرة ليست هينة عند المرأة في جماعة الإخوان على تحمل مسؤولية عملها، والتفكير له.
ثالثها: عدم الثقة بقدرات النساء، وذلك نظرا لقلة الخبرة العملية، وهو ناتج عن عدم التجربة، فلو أتيحت الفرصة الكاملة للتجارب، لأتت ثمارا قوية، وهو ما نؤمل فيه في المرحلة القادمة، في ظل وجود حزب، وتواجد رسمي للجماعة، مما يتيح الفرصة للدورات التنموية، والبرامج الناهضة، التي ترتقي بالمرأة في جميع الاتجاهات الدعوية.
رابعها: الغيرة الشديدة عند بعض أزواج الناشطات سياسيا في الإخوان، ولسنا نعيب الغيرة على الزوجات، بل نعيب أن تكون الغيرة مرضية، تصل لحد الوسوسة، وحد التوجس والتخوف الذي يحرم الحركة من خبرات وخيرات المرأة، وعلينا أن ننضبط بنموذج من العهد النبوي الراشد، وهو نموذج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين لقيت امرأة زوجته وقد خرجت لتصلي في المسجد، فقالت لها: أما تخشين من عمر أن يمنعك من الذهاب للمسجد؟ فقالت امرأة عمر: بل يمنع عمر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، لقد سمح للمرأة بالذهاب للسوق، والخروج للعمل الاقتصادي، ولكن للأسف حرمت من النشاط الدعوي.
هناك عقبات أخرى، لا يتسع المقام لذكرها، لعلي أتناولها في دراسة مفصلة. أما عن بعض الحلول لمثل هذه العقبات في وجهة نظري، وهي:
  • أن يكون إشراف الرجال على العمل النسوي مجرد إشراف روحي، بالمعونة والمشورة، وترك لهم الفرصة الكاملة في التجربة، إصابة وخطأ.
  • أيضا يجب أن يكون هناك انسجام بين الفكر والتطبيق، فليس مقبولا أن تصدر الجماعة رسالة تؤيد فيه عمل المرأة السياسي، في مقابل أن ليس لها أي دور سياسي في الحركة، ولا في اختيار مسؤولها في الجماعة، ولا اختيار المرشد، ولا أي درجة إدارية في الجماعة؟! ولسنا نعتبر مشاركة المرأة في الحشد للتصويت، أو الترشح للانتخابات دورا سياسيا وحده، لأنه ينبغي أن يسبقه ممارسة عملية وحقيقية داخل العمل الإسلامي التي تنطلق منه، فينبغي أن يتمرسن على العمل السياسي داخل الحركة قبل النزول للشارع.
  • وكي ينهض عمل المرأة ونشاطها داخل الجماعة، وخارج الجماعة كذلك، علينا أن نتبنى فقه التيسير المنضبط، وأعتقد أن آراء علماء الحركة الإسلامية كالشيوخ: السيد سابق، ومحمد الغزالي، ويوسف القرضاوي، والبهي الخولي، وأخيرا: عبد الحليم أبو شقة في موسوعته الرائعة (تحرير المرأة في عصر الرسالة)، يمثل مرجعية مهمة. لأن من أكبر العوائق التي تواجه تحرك المرأة: هو الفقه المتشدد بغير دليل، اللهم إلا سد الذرائع، والتي يعد التوسع فيها أخطر من التخلص منها. 
لأن هناك آراء متشددة في قضية المرأة داخل الإخوان، لا تمثل بحال من الأحوال النظرة الوسطية، ولا نظرة الإخوان الفكرية الصحيحة، إنما تمثل آراء شخصية، أتت نتيجة عدة عوامل، منها: أن العمل الإسلامي في السبعينيات خرج من رحم الجامعات المصرية التي كانت تميل للتشدد آنذاك خاصة في قضية المرأة، فألقت هذه المرحلة بظلالها على تفكير الإسلاميين.
أعلم أن بعض هذه الحلول يؤخذ بها، أو بكلها بنسب متفاوتة، لكن المطلوب المساحة الأكبر، التي تنضج التجربة، ولعل المؤتمر الذي أقمته الجماعة مؤخرا للمرأة، بداية، تحتاج بعده إلى مؤتمرات، ولجان بحث علمي، وأنشطة كثيرة تجعل الأخت أقوى وأصلب عودا في قيامها بواجباتها التي تزداد بلا شك بجانب واجبات الأخ، وخاصة في المرحلة القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق