الثلاثاء، 26 يوليو 2011

قبل وبعد الحكومة…….. معتز بالله عبدالفتاح

البعض يبالغ فى الهجوم على الحكومة الجديدة والبعض يبالغ فى توقعاته منها. والحقيقة وسط بين هاتين، لأن الإنسان قد يكون ثوريا قبل الحكومة ويصبح أقل ثورية بعد أن يصبح وزيرا مثلا.
لماذا؟ بافتراض أن الشخص لم يفسد أو يتكسب من منصبه خروجا على القانون، فهناك أربعة أنواع من المتغيرات التى تجعل الإنسان أقل قدرة على تفعيل «ثوريته» بعد أن يدخل إلى دولاب العمل الحكومى.
أولا المتغيرات الإنسانية: أنت إنسان، تفكر بسرعة الضوء، ولكن حين تبدأ فى تنفيذ ما تريده ستكون أبطأ بحكم إنسانيتك، وحين يكون ما تريده يرتبط بشخص آخر معك، ستكون أكثر بطئا فى التنفيذ. ماذا لو كان ما تريد تنفيذه يرتبط بجموع من البشر؟ قطعا ستكون أكثر بطئا، لأن العمل الجماعى له ديناميكيات وتفاعلات تتعقد لمجرد زيادة العدد، إلا إذا كنت تقود مجموعة من مسلوبى الإرادة والعاجزين عن التفكير، ناهيك عن الراغبين فى تعطيلك وتضليلك.
ثانيا المتغيرات القانونية: من يعمل فى محل بيع مأكولات يستطيع أن يرفت أو يستخدم من يشاء فى توقيت سريع، لأن «من حكم فى ماله ما ظلم». لكن داخل العمل الحكومى سيكون هناك عدد من الناس مفروض عليك بحكم القانون؛ فهناك مديرو عموم ووكلاء وزارة وغيرهم. طبعا يمكن نقلهم أو عقابهم، لكن المسألة ستحتاج أن تجمع الأدلة ضدهم وتثبت عليهم ما يدينهم حتى لا يرفع أحدهم عليك قضية مثلا لإساءة استخدام سلطاتك. فلا ينس أحد أنه هو شخصيا موظف بدرجة أعلى من موظفيه وليس صاحب العمل. ونفس الأمر لو أردت أن تستبدل ماكينة مكان ماكينة أخرى، فهناك إجراءات لا بد من استيفائها وصولا لمناقصة علنية. وهذا كله يتطلب جهدا ووقتا.
ثالثا المتغيرات الأمنية: هذه دولة، وليست عزبة، حتى وإن كانت تدار فى مرحلة ما بمنطق العزبة. من الذى قال لك إن الشخص الذى يخرج عليك ليل نهار يتحدث عن الفساد فى قطاع كذا، والسرقة فى قطاع كذا، هو نفسه غير فاسد وغير سارق ويريد أن يتمكن من المنصب الأعلى حتى لا يكتشف فساده؟ ومن الذى قال لك إن من تعتقد فيه حسنا، ليست عليه مؤاخذات شديدة فى عمله، ولكن اعتبارات أمنية عديدة تفرض السرية حولها؟ هذا ليس اتهاما لأى شخص ولكن هكذا تفكر الأجهزة الأمنية والسياسية.
رابعا المتغيرات الثورية: الثورة الأخيرة فرضت علينا تصنيف الناس إلى «فلول» أو «لا فلول». وبحكم التعريف، عند البعض، أنت «فِل» حتى تثبت العكس، والإثبات يكون بعطائك للوطن وعدم تورطك فى أعمال يمكن أن تدان بسببها سياسيا أو إدرايا أو ماليا، ولكن الأعقد الآن هو أن تثبت أنك لست «فِلا» «باللسان». كيف هذا؟ أن تبدأ فى الطعن على الآخرين واتهامهم بأنهم «فلول» والمزايدة عليهم كضربة استباقية من قبيل «أبلغ عنه للرأى العام قبل ما يبلغ عنى». وهنا نكتشف أن البعض لا يلتحق بالعمل الحكومى، لأنه لا يضيع وقته، والأهم وقت الآخرين، فى مناقشة إذا كان «فِلا» أم لا لأنه مشغول بالمستقبل. المعضلة أن الكثير من هؤلاء الشرفاء لن يتعاون مع الجهاز الحكومى، لأن حملة تشويههم ستضيع الهدف الأصلى من وجودهم فى منصب حكومى.
من سيحكمنا بعد انتخابات نوفمبر المقبل سيكون عليه أن يعد العدة لما سيواجهه. ويمكن اعتبار هذا العمود فقط انذارا مبكرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق