الجمعة، 18 مايو 2012

محاولة موضوعية لإختيار رئيس الجمهورية: الوصول لقرار أخيرا… حازم هلال


 مقدمة ضرورية:
هذه محاولة شخصية للوصول لقرار انتخاب رئيس الجمهورية انطلاقا من معايير موضوعية ، بعيدا قدر الامكان عن الحماس و العواطف.  أنا أبحث عن الأفضل لمستقبل مصر بصرف النظر عن تفضيلي الشخصي. سيختلف الكثيرون معي فى تحديد الأولويات و التقييم لكل مرشح و بالتالي قد يصل البعض لنتائج مختلفة عني حتي في حالة استخدام نفس المنهج بل و نفس المعايير. يقتصر هذا التحليل علي أصحاب الفرص أو شبه الفرص، بحد أدني 5% طبقا لإستقصاءات الرأي في الشهر الماضي، و بالتالي تستبعد أسماء مثل د. العوا و المستشار البسطويسي و خالد علي و أبو العز الحريري و غيرهم من الأقل حظا، و هكذا تقتصر المقارنة علي عمرو موسي و أحمد شفيق و عبد المنعم أبو الفتوح و محمد مرسي و حمدين صباحي باعتبارهم الخمسة الكبار.  

أما المعايير فهي خمسة:
1) التوافق الوطني 2) البرنامح الإنتخابي 3) ادارة العلاقات الخارجية 4) القدرة علبي الإنجاز 5) المصداقية و القدرة علي مواجهة الجماهير

المنهج الذي اقترحه مبني علي أربعة خطوات:

    أولا: تحديد المعايير، طبقا للدور المتوقع من الرئيس أن يقوم به و أهم التحديات التي ستواجهه. من المهم الاشارة هنا أن صلاحيات رئيس الجمهورية قد تتغير طبقا لنظام الحكم فى الدستور الجديد. بمعني أن النتيجة ستتغير لو صار دور الرئيس شرفيا كالرئيس الايطالي مثلا أو مقتصرا دوره علي الأمن القومي و السياسة الخارجية كالرئيس الفرنسي.و لهذا أبني هنا التحليل علي أساس صلاحيات الرئيس في الاعلان الدستوري (مارس 2011) الذي احنفظ بصيغة النظام الرئاسي.

   ثانيا: اعطاء وزن نسبي لكل معيار، لأن المعايير ليست متساوية في الأهمية. فمثلا لون السيارة قد يكون معيارا في اختيارها لكنه معيار أقل أهمية من جودة المحرك. و هكذا فانني أضع علي سبيل المثال في معايير اختيار الرئيس أهمية التوافق الشعيي وزنا نسبيا أعلي من القدرة علي ادارة العلاقات الخارجية.

 ثالثا: اعطاء كل مرشح درجة من 100 عن كل معيار.

التحليل:

 أولا: معايير اختيار رئيس الجمهورية: ما الدور الذي يجب به الرئيس المقبل وما أهم التحديات التي ستواجهه؟

المعيار الأول:
التوافق الوطني (35%)

أول تحدي سيواجه الرئيس المقبل هو أن يتركه معارضوه أساسا لممارسة صلاحيته. و بالرغم من أن الرئيس المقبل سيكون بطبيعة الحال حائزا علي تأييد أكثر من 50% من الناخبين سواءا في الجولة الأولي أو جولة الإعادة، إلا أنني أنظر بتخوف الي نوعية من لم ينتخبوه و مدي غضبهم من فوزه، خصوصا في ظل حالة الإستقطاب الموجود حاليا في المجتمع المصري.  و أنا أعطي لهذا المعيار أهمية قصوي، بنسبة 35% كوزن نسبي بين كل المعايير.
ستصاب مؤسسة الرئاسة بالضعف الشديد أو حتي بالشلل لو زحف الآلاف الي ميدان التحرير و سور قصر الرئاسة معرضين سياسته حتي لو كانوا يمثلون 10% فقط من الشعب. مرة أخري، تقييمي هنا هو "ترمومتر" الغضب لدي فصيل سياسي منظم في حالة فوز أسوأ المرشحين بالنسبة له. و أري ما يلي كدرجة من 100 بالنسبة ل"الخمسة الكبار":
  • أحمد شفيق: 25 %. مأساة! فوز أحمد شفيق سيمثل إهانة لكل القوي التي خرجت في يناير 2011، بتنوع خلفايتهم من إسلاميين و 6 ابريل و حركة كفاية و اليسار المصري و الأحزاب الجديدة. ستهاجمه الصحف المستقلة و الإعلام عند كل هفوة، لن يهنأ بيوم واحد في الرئاسة و قد تبدأ ثورة جديدة عليه خلال الشهور الأولي لرئاسته.
  • عمرو موسي: 50%. عمرو موسي وضعه أفضل كثيرا، هو ليس أحمد شفيق أو عمر سليمان. يده ليست ملطخة بدم. لم يكن جزءا من النظام المباشر في آخر 10 سنوات و لم يندرج تحت قانون العزل المحال للمحكمة الدستورية. علي مدي نحو عام و نصف من بداية حملته الإنتخابية، من الصعب أن تجد له تصريحا واحدا صادما لمعارضيه. لا توجد جملة واحدة تصلح "مانشيت" لمعارضيه. لم يقل مثلا مثل شفيق "الشريعة لن تطبق اليوم أو في المستقبل" أو "سأنزع العمامة عن مصر" مثل سليمان. عمرو موسي هو أصلا البديل رقم 2 أو 3 للعديد من الناخبين، فالاسلاميين يفضلونه علي شفيق، و التيارات المدنية تفضله علي الاسلاميين بشكل عام. ببساطة، بالنسبة للمعارضين هو "أوكيه" لأربع سنوات و هو أحسن من غيره.
  • عبد المنعم أبو الفتوح: 90%. من الصعب جدا أن تجد من يكره أبو الفتوح. بالعكس، أصبح يلام عليه أنه يحاول تقديم نفسه كمرشح للجميع رغم تناقضتهم. أصبح البديل الأول للعديد من مؤيدي البرادعي بتوجهاتهم الليبرالية، و هو شيء صادم بالفعل أن يلتف هؤلاء علي عضو سابق في مكتب الإرشاد لم يمر علي فصله (أو استقالته) أكثر من عام. و هذا شيء يحسب له بالتأكيد و ليس عليه. هو المرشح الأول للدعوة السلفية، و البديل الأول لمؤيدي حمدين صباحي. حتي  أفراد جماعة الإخوان (باستثناء قيادتها) سيكونون سعداء بهذا الاختيار.فأبو الفتوح لم يكن مجرد عضو في الجماعة أو واحد من قيادتها، انه الأب الروحي للكثيرين و أحد أهم (إن لم يكن أهم) من قاموا بإعادة احيائها بعد بعثها من جديد من النصف الثاني من السبعينات. لم أعطه 100% للضغينة من جانب خيرت الشاطر و زملائه، بالإضافة للمجموعة التي تري أنه خطر علي مدنية الدولة، وهي نقطة الارتكاز فبي الهجوم عليه من الآن و حتي يوم الإنتخابات.
من ناحية أخري، أبو الفتوح هو أفضل و ربما آخر فرص مصر لبناء جسر توافقي -وسلمي- بين التيار الإسلامي من ناحية و بين جهاز الدولة، و الأقباط و معارضي التيار الإسلامي من جهة أخري.  لقد فشلت كل المحاولات السابقة في القضاء علي التيار الإسلامي، منذ جمال عبد الناصر و حتي تحالف مبارك-العادلي-سليمان. بل إن بعض هذه المحاولات أولدت نتائج عكسية من عنف و ارهاب و جماعات جهادية/تكفيرية. وما فشل فيه هؤلاء لن ينجح فيه أي رئيس قادم. إننا يجب أن ندرك الفرصة الفريدة الآن لإدماج الجماعات الدينية في العمل السياسي السلمي. إن تقبل السلفببن و الجماعة الإسلامية  بقواعد اللعبة الديمقراطية يمثل تغيرا غير مسبوق في أفكارهم السابقة التي كانت تحرم الديمقراطية و الإنتخابات. بل إن العديد من قادة التيار السلفي  أعلن صراحة أنهم قبلوا ذلك علي مضض، وكأنهم يعطون للديمقراطية "فرصة" للتجربة. مواجهتم بعد ذلك بعنف أو تقييد من الدولة قد ينتج عنه انتكاسة خطيرة قد تصل إلي درجة المواجهة المسلحة .أبو الفتوح هو الفرصة الوحيدة هنا. يأخذ عليه خصومه الآن الفترة التي قضاها في الجماعة الإسلامية. و هذا الهجوم مفهوم في موسم الإنتخابات. و لكن المهم في هذه النقطة أن نفس هذه العلاقة السابقة مع الجماعة الإسلامية تعطيه مصداقية في التعامل معهم، فهم لا يستطيعون المزايدة عليه، و هو من الناحية الأخري لم ينتقدهم خلال حملته لدرجة تسببت في نقده شخصيا من قبل "المجموعة المدنية".

حتي في حالة الإخوان.  وضع أبو الفتوح فريد من نوعه.. هو منهم و ليس منهم، هو يعارضهم و لكن لا يختلف معهم في الأهداف (فمن قضي 37 عاما كقيادي في الإخوان ثم استقال لا يمكن أن يناقض ما ظل يسعي إليه طوال عمره).. وضع فريد يجعل أبو الفتوح قريب من قواعد الإخوان و معاديا في نفس الوقت لقيادتها.. نجاحه في حد ذاته هو ضرب لفكرة الجماعة في صميمها.. فكيف يكون الوضع في الجماعة التي قامت علي أساس السمع و الطاعة إذا انشق عليها واحد منها و استطاع أن يتغلب وحده علي مليون عضو؟ فما بالك لو كان سبب استقالته –أو إقالته- هو مخالفته لقرار الجماعة المبدئي بعدم التقدم بأحد أعضائها لرئاسة الجمهورية، ثم ترجع الجماعة نفسها عن هذا القرار.. و يفشل مرشحها أمامه؟ إن أبو الفتوح هو الأقدر علي تحجيم الجماعة.. و هو ما بدأ يظهر في تصريحات له كحديثه عن خضوع الجماعة للقوانين المنظمة للعمل الأهلي و مراقبة مصادر تمويلها.. أبو الفتوح هنا هو الأقدر بين جميع المرشحين علي تحجيم دور الإخوان و منعهم من التوحش ، و هو كذلك سيكون قادرا علي التعاون معهم و هو أمر ضروري حتي لا نشاهد فصولا جديدا من العناد بين الرئاسة و البرلمان و مجلس الوزراء تنتهي بشل الحركة إلي الأمام.

وأخيرا أبو الفتوح هو الجسر بين كل أطياف التيار الإسلامي من ناحية، و باقي المجتمع من المتخوفين من المشروع ذاته بحكم كونه الوجه الأكثر قبولا للتيار الإسلامي. نري ذلك بوضوح في تأييد أو علي الأقل تقبل العديد من الأقباط و الليراليين و اليساريين لأبو الفتوح باعتباره المرشح المفضل أو رقم 2 لهم.  هذه الفرصة لن تكرر، لأنها مرتبطة بسمات شخصية لأابو الفتوح لا تتوفر لغيره.. بعدها.. سنري وجه أكثر قسوة للإسلاميين يدفع المجتمع إلي انقسام لن يتم اصلاحه.
  • محمد مرسي 40%. و هي النسبة التي اري أنها القوة الحقيقية للإخوان و السلفيين المنظمين.أما ال 60% الباقية فتضم أطيافا من أبناء الثورة و الذين يرون أن الإخوان "ركبوا الثورة" باإضافة إلي مؤيدي التيار المدني إلي المواطن العادي الذي يخشي من استحواذ الإخوان علي كل مؤسسات الدولة.
  • حمدين صباحي: 80%. لم يصدم الكثيرين بأي من تصريحاته، و لم يستدرج الي معارك جانبية بحكم أن منافسيه لم يعيروه اهتماما لضعف فرصه، و بالتالي لم يصنع أعداءا يكرهونه. أما في حالة فوزه، فسينتبه من يضعون "تطبيق الشريعة" كمعيار أول أن حمدين يقف علي نقيض هذا الرأي، و عندئذ ستبدأ المواجهة. و لكن سيقف معه العديد من أنصار التيار المدني و المواطنين الذين يرون في خطابه تعبيرا حقيقيا عن أمالهم.

    المعيار الثاني: البرنامج الإنتخابي 
وأعطيه وزنا نسبيا 20%.

ربما في زمن آخر كنت أعطيه وزنا أكبر.. و لكنني أدرك أن الكثير مما هو مذكور في برامج المرشحين يسرف في الوعود المتفائلة، و ربما لم يستطع الكثير من المرشحين الاطلاع علي أرقام حكومية دقيقة تسمحلهم بوضع برامج أكثر واقعية، وبالتالي من المرجح جدا أن تتغير خططهم بالإضافة و التعديل عندما يواجهوا الواقع.

ولكني أهتممت بقراءة جميع برامج المرشحين المفصلة, فالبرامج في كل الأحوال تشير إلي مدي إدراك المرشح للواقع و الأولويات بما يتيح له البدء في العمل بسرعة فور انتخابه عن طريق البدء في تنفيذ البرنامج كخطة عمل. كذلك تشير قوة أي برنامج علي مدي قدرة كل مرشح في العمل مع فريق محترف من المتخصصين لطرح برامج مفصلة تحترم عقلية الناخب. و أخيرا، نتعرف من خلال قراءة البرنامج علي رؤية المرشح لمستقبل مصر، و مدي قدرته علي الحلم و تقديم حلول مبتكرة.

استغرق هذا مني وقتا مطولا. و بدأت للغرابة بقراءة برنامج حسني مبارك في انتخابات 2005 حتي أستطيع تقرقة ما بين الأفكار الجديدة و المنقولة. و المفاجأة أني وجدت أن برنامج مبارك أفضل كثيرا مما يعرضه كثير من المرشحين من حيث الوعود البرامج المفصلة.بل إن برنامج مبارك هو أول من دعي إلي مساعدة "الأم المعيلة" (وهي ما كنت أظنه فكرة أبو الفتوح)  و العلاقة مع الولايات علي أساس "استقلال القرار المصري" و هو ما يكرره حمدين صباحي مثلا في برنامجه.. و هذا يؤكد أن البرنامج في حد ذاته ليس مؤشرا في حد ذاته علي قوة المرشح. قراءة البرامج أوضحت لي أيضا وهم ما يطلق عليه "المشروع الإسلامي".. فلا يوجد اختلاف يذكر في البرامج يشير إلي اختلاف بين من يطلق عليهم "المرشحون الإسلاميون" و غيرهم. بل إنني أتحدي أن يستطيع القاريء أن يحدد من هو المرشح اذا حذفنا اسمه من الغلاف بين برامج عمرو موسي و أبو الفتوح و حمدين صباحي. أما برنامج محمد مرسي فقصة أخري سننظرها في حينها. و فيمل يلي تقييمي المتواضع لكل برنامج:
  • عمرو موسي: أعطيه 90 درجة. برنامجه هو الأفضل علي الإطلاق. الأكثر حرفية بالتأكيد.  يبني عمرو موسي برنامجه علي أساس التحديات التي ستواجها مصر مع ازدياد عدد سكانها إلي 150 مليون نسمة في 2050، ثم يحدد خطته في فترة الرئاسة مع توضيح أولوياته في ال 100 يوم الأولي في شكل 14 قرار سيتخذهم فور انتخابه. البرنامج مطول (81 صفحة) و مفصل أكثر من أي برنامج آخر. يتضمن العديد من الحلول المبتكرة، تأسييسا لما أطلق عليه "الجمهورية الثانية". و الأهم، أنه أكثر برنامج يحتوي علي خطوات مححدة لا غموض فيها بشكل يطمئك أنه سيبدأ العمل في تنفيذ برنامجه في اليوم التالي لانتخابه. لا تستطيع أن تمنع نفسك من التفاؤل و الثقة في أن تري مصر أفضل كثيرا إذا تم تنفيذ هذا البرنامج. فضل ما استقوفني فيه هو "ورش عمل رئاسية" تشكل من المتخصصين المصريين داخل البلاد وخارجها خلال أول 100 يوم لوضع رؤية مصر للمستقبل قي شتي المجالات.
  • أحمد شفيق: لم يقدم شفيق برنامج من الأساس.. في صفحة حملته الرسمية تجد "قريبا" علي البرنامج الإنتخابي وكأن الانتخابات ليست بعد 10 أيام. قد يرجع ذلك إلي تأخر قرار ترشحه، أو اقتناعه أن مؤييديه سينتخبوه لشخصه و ليس لبرنامجه. الخطير في هذا الوضع أننا لا نعلم ما هي خطة أو أولويات أحمد شفيق.. و لكن من الظلم أن نفترض أنه ليست لديه أي رؤية للمستقبل علي الإطلاق. أعطيه في هذا المعيار 30% بافتراض أنه سيسير علي نفس برنامج مبارك.
  • عبد المنعم أبو الفتوح: 60% البرنامج يشعرك بالتفاؤل. تشعر فيه أن الأمور ستدار بشكل مختلف. يتضمن توجهات و أهداف و لكن لا يتضمن تفاصيل مما يقلق القاريء بخصوص سرعة أو قدرة تحقيقها لأنك تشعر أن هذه الخطط غير مدروسة. و لكن يحسب له أنه من أكثر البرامج التي احتويت علي أفكار مبتكرة و كأنه اخنصر البرنامج علي ما يميزه عن غيره. أهم ما أستوقفني هو كيف تتطور الشرطة و تطوير التعليم. 
  • حمدين صباحي: يتحث البرنامج عن بناء الجمهورية الثالثة، ربما لأنه يعتبر أن فترة السادات/مبارك هي جمهورية ثانية تختلف جذريا عن فترة عبد الناصر. في كل الأحوال، برنامج حمدين صباحي هو أضعف البرامج شكلا و مضمونا و هو كذلك أكثرهم اختصارا. يتكلم البرنامج عن عموميات كإطلاق الحريات و دعم اللا مركزية و محاربة الفقر، و هي نقاط تشترك فيها جميع برامج البراشحين، حتي أن برنامج مبارك في 2005 استفاض فيها أكثر من حمدين نفسه.  يتكلم البرنامج كذلك عن طموحات دون أي ذكر لكيفية تنفيذها علي شاكلة "زيادة ايرادات قناة السويس من 6 إلي 40 مليار دولار في أربع سنوات" أو "القضاء علي العشوائيات في أربع سنوات" بدون أن يشرح كيفية تحقيق ذلك. هو يسرف في الوعود بشكل مبالغ فيه كمثال "اسقاط ديون الفلاحين" و "حق السكن لكل مواطن" و "وإقرار إعانة بطالة لكل من لا يجد فرصة عمل لحين توفيرها له" دون أن يعطيك الثقة في كيفية تمويل ذلك. علي العكس، فبالرغم من يعلنه من استهداه جعل مصر مركزا جاذبا للإستثمارات، فإن  ما أعلنه من سياسات إقتصادية تتناقض تماما مع هذا الهدف النبيل. فعندما يعلن مثلا أنه سيستقطع 10% من ثروة كل مصري تتجاوز ثروته 50 ملبون جنيه، فلا بد حينئذ أن نتوقع تهريب رجال الأعمال لأموالهم خارج مصر فور انتخابه.. و لا بد أن يخاف كذلك المستثمر الأجنبي من هذا الرجل لو تجرأ بهذا الفعل علي أبناء وطنه. فيبقي سؤال التمويل لطموحاته الواسعة محل شك كبير.  لكل هذه الأسباب أعطيه 20%.
  • محمد مرسي: قراءة مشروع النهضة لمحمد مرسي كان لها اشتياق خاص لدي، لأكثر من سبب. أولها، كم الدعاية الرهيبة لمشروع النهضة التي صاحبت قرار ترشيح خيرت الشاطر، بشكل يوحي أن جماعة الإخوان تمتلك الإجابة السحرية لكل مشاكل مصر بعد إستعانتها بتجارب الدول الأخري واستشارة الخبراء بالإضافة إلي كوادر الإخوان. ثانيا، كنت أيضا متشوقا لقراءة برنامج نهضوي مؤسس علي الشريعة الإسلامية، لمعرفة ما يتميز به هذا البرنامج المستمد من مرجعية شريعة الله تعالي بالمقارنة بما يقدمه غيرهم من "العلمانيين". أخيرا سأختبر مقولة: "جربتم الإشتركية و فشلتم، جربتم الرأسمالية و فشلتم، فلماذا لا تجربوا شريعة الله؟ الاسلام هو الحل".
 الوصول للبرنامج سهل عن طريق صفحة الحرية و العدالة. في البداية نجد "بانر" مكتوب عليه "برنامج الرئيس.. من 81 صفحة شاملة الغلاف". و الجواب يبدأ من عنوانه. التركيز علي عدد الصفحات أشعرني بال"حشو" الذي تعودنا عليه في المدارس. فرغم أن 81 صفحة هو نفس عددد صفحات برنامج عمرو موسي، إلا أن الفرق شاسع. ما يريد برنامج الإخوان أن يقوله ممكن اختصاره بدون تكرار في حوالي 25% من المساحة دون حذف أي جملة مفيدة.. البرنامج مليء بالإطالة والشعارات بخلاف استخدام  "فونت كبير" لإشعار القاريء أن البرنامج دسم جدا ومفصل، ولكن هذا غير صحيح في أغلب الأجزاء.

نقطة أخري و هي الشريعة الإسلامية. نستطيع أن نري الملمح الإسلامي في أمر كتشجيع البنوك الإسلامية وجمل مثل "ترسيخ قيم العفة والحياء في الإعلام، وفي مناهج التعليم، وإعلانات الشوارع." يتضمن كذلك البرنامج توجهات غير واضحة تترك أسئلة و لا تقدم أجوبة مثل "مراجعة قوانين الأحوال الشخصية وتنقيتها من المواد الهادمة للأسرة" دون تحديد ماذا يريدوا أن يغيروا بالفعل. و لا تجد في برنامج محمد مرسي ما يفرقه عن غيره بسبب الشريعة إلا تضمينه "تشجيع الزكاة و الصدقات" دون توضيح آليات (و هو في هذا مثلا لا يختلف عن مبارك.. فمبارك لم يمنع الناس من الزكاة أو الصدقات) أو تضمين البرنامج كلام مرسل علي شاكلة "ترسيخ مباديء بر الوالدين" ضمن الحلول التي يقدمها في حل مشاكل المعاشات.

عامة، تحاول الصياغة أن تضفي علي البرنامج صيغة اسلامية دون أن تستطيع أن تفهم ذلك عمليا ذلك في الخطط نفسها. فلا يوجد فرقا أبدا في المضمون عندما يقول برنامج عمرو موسي أن التمية البشرية هدف أساسي لنهضة المجتمع و بالتالي "أستهدف رفع ميزانية البحث العلمي إلي 2.5%" و بين أن يستهل البرنامج  الإخوان ذات الموضوع بذكر الآية القرآنية "و لقد كرمنا بني آدم"  ثم يسهب في أهمية بناء الإنسان و أخيرا يقول البرنامج نفس  جملة عمرو موسي نصا  " نستهدف رفع ميزانية البحث العلمي إلي 2.5% " بمعني آخر، اذا استثينا الجمل الإستهلالية التي تقتبس من القرآن و السنة و حذفنا الكلام المرسل حول القيم الدينية المجتمعية و نظرنا بعد ذلك  بشكل موضوعي بحت إلي الخطط مجردة، فلن نجد فرقا جوهريا يختلف به برنامج النهضة عن غيره بسبب الشريعة.

لا يتضمن البرنامج كذلك آليات واضحة، رغم أنه يحاول الإيحاء بغير ذلك عن طريق تكرار الكلمة أكثر من مرة. علي سبيل مثال، عندما يذكر البرنامج هدف " حماية غير القادرين على المشاركة في العملية الاقتصادية”  أن الآلية هي " توفير الخدمات الأساسية للقرى والمدن المحرومة" بدون ذكر أي تفاصيل أخري.
هناك علي الجانب الآخر بعض الأمثلة المثلة المبتكرة، مثل برنامح احياء "الأوقاف" و تحديد صناعات تكميلية محددة تستثمر فيها كل محافظة طبقا لاستعدادها و ثروتها الطبيعية ضمن "برنامج الريادة المحلية". و كذلك، فالإبتكار المميز للبرنامج هو حزمة المشارع القومية في أنحاء مصر و التي تستهدف توسيع نسبة الرقعة المأهولة من مساحة مصر. الفكرة نفسها موجودة في برنامج عمرو موسي و لكنها أوضح في برنامج الإخوان. الخلاصة في رأيي، برنامج مرسي أفضل من أبو الفتوح و لكنه أقل جودة من برنامج عمرو موسي. أعطيه 75 درجة.

    المعيار الثالث: القدرة علي الإنجاز
 هذا معيار مهم وأعطيه 15% كوزن نسبي

يستطيع كل مرشح أن يسرف في الوعود و البرامج كما يشاء، و لكن تبقي بعد ذلك قدرته علي انجاز ما يريد كمدير ناجح. و أبني هنا تقييمي علي أساس أن القدرة علي الإنجاز هي مهارة تصبح طبيعة شخصية، و الطباع لا تتغير بسهولة.. و بناء عليه أري ما يلي:
  • أحمد شفيق: 90%. الأفضل بلا جدال. تقريبا الوحيد ب CV يدل علي تفوقه. تفوق علي زملائه باستمرار في جميع المناصب التي أوكلت إليه منذ كان طيار مقاتل إلي رئيس أركان إلي قائد قوات جوية ثم وزيرا للطيران المدني. قادر علي وضع رؤية و إدارة فريق و تنفيذ رؤيته علي الأرض. لا يشغلني تسفيه الناس لإنجازه في تطوير المطارات، فالمدير الناجح مهارة و سلوك لا يتجزأ. إن مشروعه في مجال الطيران هو مشروع اقتصادي و إداري عملاق يحتاج لرؤية و إدارة فريق و قدرة علي المشاكل. و من يقول أن مشروعه في الطريان المدني و كأنه مجرد أعمال مقاولات يمكنه القول أيضا أن الكتاب هو مجموعة ورق و أن الأهرامات هي مجموعة حجارة. لا يجب أن تمنع التحيزات الشخصية من الإعتراف بنقاط قوة خصمك.  و بالتالي، فعندما يصرح جميع المرشحين أنهم سيطورون  قناة السويس مثلا و يضاعفوا إيرادتها، أثق في أن شفيق هو الأقدر علي تنفيذ ما وعد به أكثر من أي مرشح آخر.
  • عمرو موسي: 30%. متفوق نعم.. قادر علي الإنجاز؟ ليس دائما. إذا نظرنا إلي فترته كوزير للخارجية، كان ملك المؤتمرات بلا منازع و التصريحات بكاريزمته و قدرته علي الخطابة و التعامل مع الأسئلة المحرجة. ثم ننزل علب الأرض: هل غير من طريقة ترقية و انتقاء الدبلوماسيين في السفارات المختلفة أم أبقاها كما هي بيروقراطية تعتمد علي الواسطة و الأقدمية و المعارف؟ هل أستطاع مثلا أن يحرك ملف ازالة الألغام من الصحراء الغربية بالضغط علي الدول التي زرعت تلك الأغام في الحرب العالمية الثانية كنقطة بداية للإستفادة من الصحراء الغربية؟ هل استطاع أن يقوي علاقات مصر الأفريقية و لو عن تطريق التعاون الثقافي و البعثات الأزهرية؟ كذلك وهو أمين عام للجامعة العربية.. أتفهم أنها جامعة "الدول" العربية و ميثاقها يجعل الدول ملزمة فقط بما توافق عليه، و أن دوره أقرب إلي منسق للجهود منه إلي فارض لها.. و لكن في النهاية.. ما الذي سيكتبه التاريخ عن ألأعوام العشرة التي قضاها علي رأس الجامعة العربية؟ يضاف إلي ذلك كبر سنه، و هما وضح في مناظرته الأخيرة مع أبو الفتوح.. حيث وضح جدا فقدانه للياقته الذهنية المعهودة.. يترشح عمرو موسي و هو 77 عام، وستنتهي فترته وهو في ال 81.. التخوف من قدرته الصحية التي تمكنه من الإدارة و النتابعة محل شك كبير. بعد عام أو عامين علي الأكثر. سنتهتي تماما قدراته علي المتابعة و التذكر. باختصار سنري عمرو موسي كمبارك آخر في الشيخوخة بعد عام أو عامين.   
  • عبد المنعم أبو الفتوح (40%) و حمدين صباح(20%): لا يوجد ما يدل علي التفوق أو القدرة علي الإنجاز باستثناءات قبيلة. كلاهما تجاوز الستين من عمره.. ماذا أنجزوا؟ أبو الفتوح مثلا طبيب بالأساس.. هل عرفنا عنه أنه طبيب متفوق مثلا؟ دكتور أبو الغار علي سبيل المثال أصبح رجل سياسة لكنه أفضل الأطباء في تخصصه.  أبو الفتوح مهموم بالمشروع الإسلامي علي مدي أكثر من 40 سنة.. هل له انجاز فكري مثل سليم العوا أو حتي كتاب واحد يضع فيه رؤيته؟ حتي مذكراته حررها له المرحوم حسام تمام و لم يكتبها بنفسه. بل كسياسي و مناضل داخل الجماعة، أضع علي الجانب الآخر في حسابه الإيجابي قدرته علي الإنجاز في دوره في إعادة بناء الإخوان، و جهوده في الإغاثة و إدارته المتميزة لحملته الإنتخابية، و لذلك يتفوق في رأيي علي حمدين صباحي الذي لم أستطع أن أجد في سيرته الذاتية أي شيء يدل علي تفوقه باستثناء مرحلته في الكلية و نضاله لصالح الفئات الفقيرة و نجاحه كنائب سابق في مجلس الشعب. يتساوي في ذلك مع 20 شخص آخر. حمدين مثلا خريج إعلام و رأس تحرير صحيفة أسسها بنفسه.. من منا يقرأها؟ من منا سمع به كصحفي في الصف الأول مثل أبناء جيله؟ توجها حمدين الفكرية من المفترض أن تجعل حزبه يكتسح في بلد 40% من مواطنيه تحت خط الفقر.. ماذا أنجز مثلا في الأنتخابات الأخيرة؟ حتي حملته الإنتخابية.. هي بالتأكيد الأضعف أثرا بين الخمسة الكبار..لا يوجد عمل إداري واحد في تاريخ حمدين صباحي يجعلني أثق في قدرته علي الإنجاز.. و ربما هذا مع جعله يكتب برنامجه مليئا بالوعود لكن خاليا تمتما من الخطط.. ففوضع الخطط التفصيلية هي من سمات المدير الناجح و هذه ليست سمات حمدين. لذلك لا يأخذ في تقييمي أكثر من 20%.
  • محمد مرسي: 60%. لديه ما يكتبه في سيرته الذاتية. تفوق كمهندس، حصل علي الدكتوراة و تفوق بين أقرانه و صار أستاذا في الجامعة. صعد في صفوف الإخوان حتي صار رئيسا لحزب الحرية و العدالة, أدار حملة أنتخابية حصل بها علي الأغلبية في البرلمان. تتماهي هنا الحدود الفاصلة بين ما يمكن أن ينسب له شخصيا بالمقارنة لما يمكن أن ينسب للجماعة بقوتها و انتشارها، و يحمل وزرها كذلك في سوء الأداء البرلماني بعد فوزهم في الإنتخابات و مأساة ادارة اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية. هو الوحيد بين الخمسة الكبار الذي ممكن أن يستند الي كوادر حزب منظم خلفه يستطيع أن يدعمه. لذلك يستحق 60% في رأيي.
المعيار الرابع: ادارة العلاقات الخارجية (15%) 

هذا المعيار يكاد يختفي في النقاش الدائر الآن حول مرشحي الرئاسة و مغطي عليه تماما لصالح الحديث عن الأمور الداخلية. و هنا من المهم التنبيه لأهمية هذا المعيار. لأن تحقيق النهضة سيحتاج إلي سياسة خارجية حكيمة، تبعد مصر مرحليا من التوتر حتي تتم حماية المشروع النهضوي. جذب استثمارات و قروض خارجية مصر في أشد الحاجة إليها لا يمكن أن يحدث إذا انتهجت مصر سياسة تصادمية. لا يجب أن ننسي أن جميع مشاريع مصر الكبري من محمد علي إلي جمال عبد الناصر انكسرت بسبب التصادم مع القوي الخارجية قبل أن تتم أركان مشروع النهضة.

 كذلك، من الناحية الأمنية، إدارة العلاقة مع اسرائيل خصوصا في ظل الوضع الأمني المتدهور في سيناء أمر حيوي جدا، ويتطلب كفاءة وحنكة في التعامل بعيدا عن الشعارات الجوفاء. ادارة العلاقة مع فتح و حماس أمن قومي لا يجوز فيه القفز بمواقف غير محسوبة. الوضع في الحدود مع ليبيا و ادارة علاقة مع كيانات لم تظهر بعد. الحرب الوشيكة في السودان و ملف حوض النيل. العلاقة مع أمريكا و الاتحاد الأوروبي و ملف الاستثمارات و القروض الخارجية. كلها أمور لا يمكن أن تنسي ببساطة وسط الجدل الدائر حول أمور داخلية. أعطي هذا المعيار وزن نسبي 15%، و أري ما يلي كتقييم للمرشحين:
  • أحمد شفيق: 50 %. لا توجد أي مؤشرات أن سياسة شفيق الخارجية ستكون مختلفة عن مبارك. س هو ببساطة امتداد لحسني مبارك، و ال 50% التي أقترحها هي تقييمي لنجاح لسياسة الخارجية لحسني مبارك. لا أخجل من القول أن نظام مبارك أستطاع أن يجنب مصر عداوات خارحية غير محسوبة، و أستطاع أن يحمي علاقات مصر من الهزات مع الدول العربية و أمريكا. لم يدخل مصر في مواجهة غير محسوبة مع اسرائيل. علي الجانب الآخر، لم يحسن نظام مبارك ادارة ملفات حيوية مثل حماس و حوض النيل، لم يهتم بالعلاقات الأفربقية، لم يبن جسور تواصل مع القوي الجديدة في آسيا و الصين،  و لم يستطع أن يشعر المصريين بكرامتهم فبي الخارج.
  • عمرو موسي: 80%. الأفضل بلا جدال في هذا المعيار بدون استفاضة. يحمل طبعا جزءا من المسئولية عن مساويء السياسة الخارجية في عصر مبارك، و لكن في نفس الوقت ماذا يفعل وزير خارجية عندما يقرر رئيسه أن يقاطع قارة بأكملها بعد محاولة اغتياله قي أديس أبابا عام 95؟   كذلك، الأعوام العشرة التي قضاها كأمين عام للجامعة العربية أضافت له بالتأكيد علاقات واسعة و خبرة لم تكن لديه عندما خرج من وزارة الخارجية في 2001. لا أعطيه 100% لأنه سيحتاج للتغلب علي صورته الذهنية عند حكام الدول العربية، الذين ظلوا ينظرون اليه ك"سكرتير" الجامعة العربية و ليس ندا لهم.
  • عبد المنعم أبو الفتوح و حمدين 30% و مرسي 40%:  أضعف نقاطهم جميعا بلا جدال. ليست لدي أي منهم ما يدل علي أي نوع من الخبرة في هذا الملف. بالعكس، تصريحاتهم مبدئيا مواقف هواة, لا يوجد شيء اسمه "أنا عن نفسي لا أعترف بمعاهدة السلام و لكني أحترم معاهدات الدولة". أن يقول أبو الفتوح مثلا أن "اسرائيل عدو استراتيجي" فهذ كلام له ثمنه السياسي خارجيا. فعندما تكون رئيسا فأنت تمثل الدولة. تاريخ حمدين و أبو الفتوح ببساطة عبأ عليهم. لن يستطيعوا بسهولة أن يناقضوا نفسهم. لن يستطيعوا أن يناوروا في علاقتهم الخارجية بينما يحتفظون بنفس مؤييدينهم الذين اختاروهم علي خلفيته قناعاتهم المعلنة. لا أستطيع تخيل صورة لأبو الفتوح أو حمدين مستقبلا مثلا "نتنياهو" في القصر الرئاسي، و لا أستطيع كذلك تصور كيف يمكن أن يتعاملوا مع أزمات سيناء و فلسطين دون حوار مباشر مع الحكومة الإسرائيلية. لقد نجح نظام مبارك للأسف في أن يصغر أهمية دور مصر الأقليمي و يحصره في كونها "وسيط" بين الإسرائيليين و فلسطين. نعم بكل أسف.
و لكن الحقيقة أننا سواء رضينا أو أبينا، فدور مصر الإقليمي انحصر في هذا الرصيد الوحيد المتبقي، و هو أساس مدي تعاون العالم الغربي مع مصر من حيث الاستثمارات و الدعم. إذا لم تلعب هذا الدور فأنت بلا ثمن للدول الخاجية. نعم يجب بناء و تنمية دور مصر الأفريقي و العربي و لكن هذا سيحتاج لوقت طويل و الوقت ليس في صالحك الآن. أخشي كذلك من فرض أنواع من العزل الأقتصادي علي مصر في حالة اتخاذ مواقف غير محسوبة و نصبح مثل سوريا أو ايران. في المقابل، قد يجبرهم تاريخهم و الضغوط عليهم لإثبات "اعتدالهم" أن يقوموا بتنازلات لم يكن يحتاج اليها مبارك مثلا. في الحالتين، معيار السياسة الخارجية يخصم من رصيد الجميع باستثناء عمرو موسي. يمتاز مرسي قلبلا عنهم بتأكيد التزامهم بالمعاهدات الدولية، و هو ما أكدوه أكثر من مرة علنا و في حوارهم المباشر مع الإدارة الأمريكية. كذلك لم يذكر برنامجهم الإنتخابي أي حرف عن اسرائيل رغم إفرادهم عدة صفحات عن العلاقات الخارجية.. و هو ما أعتبره بوادر واقعية في تجنب الصدام.. و هو في رأيي ما نحتاج إليه.. و لهذا أعطي مرسي 40% في هذا المعيار بينما أعطي 30% فقط لكل من حمدين و أبو الفتوح.

المعيار الخامس: المصداقية و القدرة علي مواجهة الجماهير

أهمية هذا المعيار هو أن الرئيس القادم سيضطر لإتخاذ قرارات غير شعبوية بعد انتهاء شهر العسل في فترة الدعاية المليئة بالوعود الانتخابية المعسولة. التغيير دائما له أعداؤه. إذا أراد الرئيس حقا نهضة لهذا البلد، فسيقتحم ملفات شائكة كالدعم، و محاربة الفساد، و فرض سيادة القانون علي كل من يتجاوز أيا كان موقعه. سيواجه االشعب بالحقيقة و يتخذ إجراءات لن يرضي عنها الكثيرون، ناهيك عن الحرب المنظمة التي ستشن عليه من قبل أصحاب المصالح و المنتفعين، بالإضافة إلي هجوم الإعلام المتوقع ضده بعد الإحباط المتوقع في أول سنتين لإرتفاع سقف التوقعات من الرئيس القادم و كأنه المهدي المنتظر. لن يستطيع الرئيس أن يصمد أمام هذه المعارضة إلا إذا كان يقف علي أرض صلبة من الثقة و المصداقية أمام الشعب. أما اذا اختار الرئيس القادم سيناريو عدم المواجهة و عدم اتخاذ قرارات حاسمة حتي لا يستثير غضب الجماهير عليه، فسؤثر ذلك علي وتيرة التغيير و سنكون أمام مبارك جديد. و فيم يلي تقييمي لما يتمتع به كل مرشح من مصداقية:
  • عمرو موسي 40% و أحمد شفيق: 20%. سيظل انتماؤهم للنظام السابق عبأ عليهم في فترة الرئاسة. سيشكك الناس في أي قرار يتخذونه و يتهموه بأنه خطوة لإحياء نظام مبارك و شبكه المتفعين الفاسدة. لن يستطيعوا أبدا تجاوز هذه النقطة. أعطيت شفيق درجة أقل من موسي نظرا لأخطائة الدائمة عند الحديث إلي الرأي العام، و لالتصاقه بنظام مبارك أثناء الثورة بينما ابتعد موسي هن الدائرة الضيقة حول مبارك في ال 10 أعوام الأخيرة، بالإضافة إلي قدرته في الحديث للرأي العام بشكل سيجنبه توابع أخطاء قد يقدم عليها شفيق.
  • عبد المنعم أبو الفتوح: يمتاز أبو الفتوح بنقاء سيرته الذاتيه و مصداقيته في الحديث و تواصله الطويل مع كافة أطياف المجتمع. تضفي أيضا صبغته الإسلامية أحساس بالصدق و النزاهة.اعترف له الجميع بذلك بما فيهم خصومه طوال تاريخه. و لكنه خسر بعض رصيده خلال حملته الإنتخابية بسبب عدم وضوحه و مراوغته أحيانا، و بسبب تركيز منافسيه علي هذا النقطة بالذات لحسابات إنتخابية تحاول كسر التوافق خلفه من سلفيين و ليبراليين. كذلك، تترك علاقته السابقة بالإخوان شكوك لدي البعض حول مدي انفصاله عنهم من عدمه. اقتطع كل ذلك من رصيده. لذلكأعطيه 70% في هذا المعيار.
  • حمدين صباحي: شعاره واحد مننا هو أفضل توصيف له. يمتاز حمدين بقرب حديثه للمواطن العادي. يعبر عما يشعر به أغلب المصريين و يستخدم لغة دارجة قريبة من البسطاء. لا توجد في سيرته الذاتيه ما يشوب نزاهته و عفة يده. لم يكتسب عداوات مع أي من التيارات الرئيسية. من الصعب اتهامه بتغليب مصالح طرف معين عند اتخاذه لقرارات غير شعبوية.. و من الصعب أصلا المزايدة عليه في هذه الجزئية. يأخذ بجدارة في تقييمي 95% في هذا المعيار.
  • محمد مرسي: انعدام كاريزمته عبأ عليه لن بتركه أبدا. لن يستطيع أن يدافع عن قرار صعب و يقنع الجماهير به. ستظل تبعيته للمرشد اتهاما ملاصقا له طوال فترة رئاسته. كونه مرشح احتياطي لخيرت الشاطر من الأصل سيلاحقه بالسخرية طول فترة رئاسته. هذا بالإضافة للشك الأكبر و هو السؤال المنطقي هل يعمل لتمكين استحواذ الجماعة علي كل شيء؟ يعوض بعض من ذلك آلة التيارات الإسلامية القوية في الدعاية له و الدفاع عنه.. و يأخذ بناء علي كل ما سبق 30% في هذا المعيار.
الخلاصة:
الحساب الختامي لكل مرشح بعد ضرب تقدير كل معيار في وزنه النسبي هو الترتيب التالي:
1)       عبد المنعم أبو الفتوح 63
2)       عمرو موسي 58
3)       حمدين صباحي 54
4)       محمد مرسي 50
5)       أحمد شفيق 39

الخلاصة أنه ليس لدينا مرشح مثالي.. و ليس بينهم من ليس فيه عيب قاتل أو أكثر.. وبناء علي التحليل الموضوعي طبقا لما قدرته من معايير هو أن عبد المنعم أبو الفتوح هو مرشحي الأول، و أن عمرو موسي هو مرشحي الثاني لو وصل دون أبو الفتوح إالي جولة الإعادة.  

الاجتهاد الذي أتبعته يعتمد في التقييم علي عنصر التقدير الشخصي و ان كان يحكمه في النهاية حسابات الأرقام. و هو كذلك قد يشوبه القصور طبقا لما هو متوافر لدي من معلومات. و لذلك، فنتيجة المحاولة تلزمني و لا تلزم غيري، و ان كنت أدعو الجميع لتبني نفس الفكرة: ضع معايير الاختيار، ثم قيم المرشحين، و التزم بالنتيجة الموضوعية حتي لو صدمتك بالمقارنة بتفضيلك الشخصي العاطفي.

حازم هلال- 15 مايو 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق