الثلاثاء، 8 مايو 2012

المرشح الثورى وتسليم السلطة…. رباب المهدى


 مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة بدأ الصراع يتحدم حول من هو «مرشح الثورة»؟ بمعنى من القادر على استكمال هذه الثورة بتحقيق مطالبها. بهذا المعنى دعنا نتفق أنه لا يوجد مرشح للثورة، لأنه لا يوجد شخص أيا من كان وأيا ما كان المنصب الذى سوف يتقلده قادر على استكمال الثورة. فالثورة بالتعريف هى فعل جماهيرى جماعى يحتاج إلى قيادة منظمة هى بالضرورة خارج نسق الدولة ومؤسستها ولكن لها عمق مجتمعى منظم وضاغط. إما الكلام عن تسليم السلطة وانتهاء ما يسمى بالمرحلة الانتقالية مع انتخاب رئيس فهو إما سذاجة أو عبث، السلطة ليست مفتاحا يتم تسليمه من يد ليد بين ليلة وضحاها أو مجموعة من الإجراءات الشكلية، والمرحلة الانتقالية لم تبدء بعد حتى تنتهى بانتخاب الرئيس.
 ليس معنى هذا أن كل المرشحين متساوون، لأن هناك من سيضع العراقييل أمام الفعل الثورى وتنظيم الجماهيير وآخر سيرضخ لهذا الضغط المفترض ويعين عليه. فمثلا بعد أقل من شهرين على تنحى مبارك وفى خضم تصاعد حركة إضرابات العمال والفلاحين والموظفين والتى كانت ضرورية لاستمرار الثورة، أصدر المجلس العسكرى قانون تجريم الإضرابات واستغل إعلامه لشحن المجتمع ضدها (رهاب عجلة الإنتاج) ونكل بقيادتها حتى هبطت هذه الموجة. مثل هذا الفعل هو ما سيفرق بين مرشح وآخر ومدى انحيازه للثورة، ولكن ليس منهم من هو قادر على استبدال الفعل الجماهيرى ذاته.

●●●

بنفس المنطق فإن الكلام عن تسليم السلطة كفعل لحظى مرتبط بالانتخابات هو اختزال مخل، فالسلطة ليست فقط منصبا رسميا ولكنها شبكة من العلاقات ومجموعة من الأفكار المهيمنة على المجتمع وأدوات قمع متعددة. لا توجد مؤسسة فى مصر تملك كل السلطة وتسيطر على مقاليد الأمور بشكل كامل بما فيها المجلس العسكرى ومن قبله مبارك:
  • والرئيس القادم أيا ما كان ومهما كانت ثوريته سيواجهه بصندوق أسود اسمه الأجهزة الأمنية من مخابرات وداخلية
  • وتشكيلات من البلطجية المحترفين أصبحت دولة داخل الدولة تحركهم أطراف عدة من وراء ستار.
  • وسيواجهه بجهاز بيروقراطى ضربه الفساد وامتدت جذوره داخل كل شبر فى مصر، سيقاوم أى تغيير أو محاولة للإصلاح تضر بمصالح الكبار فيه.
  • وسيواجهه مؤسسة عسكرية سيطرت على مفاصل الدولة الاقتصادية ومؤسساتها المدنية، فلا توجد وزارة أو مصلحة أو حتى شركة إلا وفيها قيادة عسكرية عينت ليس لكفاءتها ولكن لولائها للمؤسسة العسكرية.
  • هذا بخلاف شبكة من السماسرة ورجال الأعمال المرتبطة مصالحهم بمصالح دول وشركات عالمية سيطرت على اقتصاد وثروات هذا الشعب وأصبح إفشال الثورة وأى محاولة فى طريق تمكين الإرادة الشعبية وإقامة العدالة الاجتماعية هى مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم.
تسليم السلطة سيعنى مواجهة كل هذه الأطراف وهى معركة لا يقدر عليها فرد بذاته حتى وإن كان الرئيس وحتى إن امتلك من حسن النوايا ما يملك وإن كان وراءه مؤسسة أو جماعة كبيرة كما يدعى البعض. هذه المواجهة لا يقدر عليها ولن يحسمها إلا ضغط جماهيرى منظم ومستمر قد يأخذ شهورا وربما أعواما. والفيصل فى قدرة الرئيس القادم على المضى قدما فى تحقيق أهداف الثورة وإدارة المرحلة الانتقالية سيكون استخدام شرعيته كأول رئيس منتخب لإدارة الصراع بناء على بعد جماهيرى والاحتماء بالضغط الشعبى الثورى. فإذا انفصل الرئيس القادم عن هذا الضغط كما فعل البرلمان أو لو ظن أن الضغط الشعبى هو فى مواجهته ومواجهة أجهزة الدولة التى يمثلها سنظل فى نفس المكان أو المرحلة من الصراع كما نحن منذ عام ونصف.

الخوف الآن ليس من أن يتم تأجيل الانتخابات كما يتصور البعض، فالانتخابات فى حد ذاتها والتسليم الشكلى للسلطة هو إنقاذ للمجلس العسكرى من وضع أصبح غير قادر على تحمل تكلفته، ولكن الخوف هو من نجاح رئيس لا يسعى لنقل السلطة بشكل فعلى من مراكز القوى داخل النظام لمؤسسات الشعب.بهذا المعنى تظل انتخابات الرئاسة معركة فارقة ومؤثرة فى مجريات الثورة لأن المرحلة الانتقالية التى لم تبدأ بعد من الممكن أن تبدأ مع انتخاب الرئيس. وعلى هذا يجب أن يكون هدف المرحلة هو الإتيان برئيس يؤسس لقطيعة مع النظام الماضى ففى نجاح أى من لم يكونوا محسوبين على هذا النظام وعملوا معه، نجاح رمزى لما تمثله الثورة وليس إتماما لها. هذا النجاح هو مفتاح لجرعة جديدة من الثقة تحتاجها قوى المجتمع الباحثة عن أهداف الثورة حتى تنظم صفوفها لتبدأ معركة تسليم السلطة.

●●●

على الرئيس القادم أن يكون ممثلا للشعب داخل الدولة وليس ممثلا للدولة ــ التى أصبحت لا تمثل إلا فئة قليلة من أصحاب المصالح ــ حتى يكون هناك تسليم فعلى للسلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق